دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 193

40 ـ بهاء الدين زهير(1) 656 هـ .
هؤلاء طائفة ممن اشتهرت أسماءهم خلال هذه الفترة الزمنية غير القصيرة والملاحظ أن معظمهم ممن نظموا في قضية الإمام الحسين عليه السلام من وجهات نظر متعددة من مختلف الأقطار العربية .
وإذا ما كان عدد المختارين من الشعراء في هذه الفترة فاق الفترات السابقة فإنما هو بسبب طول هذه الفترة أولاً ، وقلة التفوق الأدبي ثانياً مما يعني أن المتفوقين أقل نسبة إلى تلك الفترات فلا بد أن يتم الاختيار من الطبقة الثانية (الوسطى) وهم في العادة كثر بالمقارنة مع الطبقة الأولى فلا يمكن ترجيح كفة أحدهم على الآخر وإلا لما كانوا يصنفون في طبقة واحدة .
وهناك من قسّم العهود في العصر العباسي وما بعده كالتالي : العصر العباسي الأول : 132 ـ 232 هـ ، العصر العباسي الثاني : 232 ـ 334 هـ ، عصر الدول الإمارات 334 ـ 1342 هـ ، العصر الحديث ، ويرى أن السلطة العباسية قد تقلصت من عام 334 هـ حتى لا تكاد تمتد إلى ما وراء بغداد إلا امتداداً اسمياً ، وإن عصر الدول والإمارات بذلك يكون عصراً طويلاً إذ يشمل أيضاً العصرين المغولي الممتد من سنة 656 هـ إلى سنة 922 هـ والعصر العثماني الممتد من سنة 923 هـ إلى مطلع العصر الحديث ، ويرى أن في هذا العصر تعددت الأقاليم والبيئات تعدداً واسعاً كبيراً ، غير أن هذا التعدد لم يكن ليفصل بين شعوب تلك الدول والإمارات في الثقافة والشعر ، فقد كان كتابٌ من الكتب في هذا العصر الطويل يؤلف مثلاً في نيسابور(2) بخراسان ويدرس في بغداد ودمشق والقاهرة وتونس وفاس وقرطبة ، وكان أحد العلماء في تلك البلدان يشرحه وبذلك كانت الثقافة العلمية مشتركة بين أهل كل تلك البلاد ، وكذلك كان الشعر فلم يكن يظهر

(1) بهاء الدين زهير : هو زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي المولود عام 581 هـ بمكة ونشأ في قوص ، وانتقل إلى مصر وتوفي بها ، وكان يشتغل بالكتابة ، له ديوان شعر ترجم إلى اللغة الانكليزية .
(2) نيسابور : معرب نيشابور ، كانت قاعدة اقليم خراسان سابقاً ، تقع في غرب مدينة مشهد المقدس وكانت من أعظم المدن الإسلامية إلا أن الزلازل والحروب دمرتها .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 194

ديوان لشاعر كبير حتى يتلقفه النساخ والرواة في بلدان العالم العربي ويذيعونه وينشرونه في الناس ، وكأنه ديوان للأمة العربية جميعها لا لبلد بعينه(1) .

(1) راجع الشعر وطوابعه الشعبية على مر العصور : 132 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 195

العهد العثماني

إن هذا العهد مع المسامحة يبدأ من عام سقوط الدولة العباسية عام 656 هـ وينتهي بانتهاء الدولة العثمانية عام 1342 هـ ويتوزع على العصور الأربعة : العصر المغولي ، عصر التفوحات ، عصر الاستقرار ، عصر التدهور ، وفي الحقيقة لقد سبق العهد العثماني أحداث مكّنت العثمانيين من الوصول إلى الحكم في المناطق الإسلامية والعربية وهذه الفترة التي فصلت بين سقوط الحكم العباسي وقيام الحكم العثماني نسميها بالعصر المغولي :

العصر المغولي :

مفردات تكررها المعاجم وكتب التاريخ وكأنها ترادف سفك الدم والموت والدمار والخراب وهي : التتار ، المغول (المغل) ، جنكيزخان ، هولاكو .
وفي الحقيقة أن التتر هي أعظم قبيلة من قبائل المغول التي كانت تسكن معظم المناطق الشمالية في روسيا وبالتحديد في سيبريا على الحدود مع جمهورية منغوليا (الحالية) وكان هناك رجل يرأس قبيلة التتار هو يشوكي يقوصبا وقد عقد تحالفاً مع بقية القبائل المغولية وترأس هذا التحالف ولما مات تولى ابنه جنكيزخان(1) هذه الرئاسة عن أبيه ، وكان رجلاً طموحاً

(1) جنكيزخان أو جكنزخان : هو تيموجين بن يشوكي (562 ـ 624 هـ) ولد في اقليم دولون بلدق في روسيا ، تولى أمر القبائل المغولية بعد أبيه نحو عام 596 هـ ، لقب نفسه بجنكيزخان بعد أن فتح منغوليا عام 602 هـ ، استولى على امبراطورية شان الصينية كما استولى على معظم أراضيها بما فيها عاصمة الصين الحالية وذلك عام 612 هـ ، غزا تركستان وسائر البلاد في تلك الاتجاه حتى بلاد فارس ما بين عام 615 ـ 624 هـ ، من آثاره كتاب السياسة وفيها رسم سياسة الحكم لأولاده ووضع
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 196

شجاعاً يحب البطش والفتك ولا ينثني عن عزمه ، وبما أن مدن خوارزم كسمرقند وبخارى كانت من المدن التجارية الكبيرة ، فكان جنكيزخان يتسوق منها سنوياً ويتعامل مع تجارها ، وفي عام 615 هـ أقدم عامل الملك خوارزم بالاستيلاء على كل ما يحمله تجار جنكيزخان بعدما سمع بأن في حوزتهم الكثير من النقود والذهب فقبض عليهم وقتلهم وذلك بالمشورة مع ملك خوارزم ، فأثار ذلك حفيظة جنكيزخان فعزم على أخذ الثأر لهم فأرسل جيشاً جراراً وغزى بلاد خوارزم وبسقوطها فتح الطريق أمامه لغزو سائر المناطق الإسلامية فغزى أذربايجان وأفغانستان وخراسان وما بينها من المدن إلا أنه توفي عام 624 هـ وكان قد وزع الملك بين أبنائه الثلاثة منهم طلوي اورخان والد هولاكو(1) إلا أنه لم يعرف عنه بفتوحات تذكر ، ولما تولى الأمر ابنه هولاكو عام 649 هـ فكّر بغزو العراق بعد أن استولى على إيران ، وفي عام 656 هـ وصل إلى بغداد وسقطت بغداد بعد مفاوضات مع الحاكم العباسي المستعصم(2) بالله(3) وكان قد أشار إليه وزيره محمد بن العلقمي بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريد من قصد بلادهم فخذّل المستعصم عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره وقالوا : إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال وأشاروا عليه بأن يبعث بشيء يسير فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هولاكو وأرسل إلى المستعصم يطلب منه دويداره المذكور وسليمان فلم يبعثهما إليه ولا بالى به حتى أزف قدومه ووصل بغداد بجنوده الكثيرة فأحاطوا ببغداد من

= فيها قوانين الحكم والأحكام المدنية والعسكرية ، وفيها الكثير من الأحكام منها : من زنا أو لاط يقتل ، ومن تعمد الكذب يقتل ، ومنها طاعة السلطان واجبة .
(1) هولاكو : هو ابن طلوي أوربن جنكيزحان (614 ـ 664 هـ) وجهه أخوه منكوخان لإخماد ثورة في فارس فعبر نهر جيحون عام 654 هـ ، قضى على الحشاشين ثم اتجه غرباً نحو بغداد ، وفي عام 658 هـ زحف نحو الشام وفتح حلب ، هزم في معركة عين جالوت على مقربة من الناصرة في فلسطين ، كان سلطاناً فاتحاً ، أسلم وتكونت بعده خمس ممالك من نسله .
(2) المستعصم بالله : هو عبد الله بن منصور المستنصر بالله (609 ـ 656 هـ) حكم بعد أبيه عام 640 هـ وهو الحاكم السابع والثلاثون من العباسيين وآخرهم .
(3) الموسوعة العربية الميسرة : 2/1918 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 197

ناحيتها الغربية والشرقية وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي المستعصم وتضحكه ، وكانت من جملة حظاياه ، وكانت مولدة تسمى عرفة جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي المستعصم فانزعج المستعصم من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره اذهب من ذوي العقول عقولهم ، فأمر المستعصم عند ذلك بزيادة الاحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة ، وكانت هذه آخر عهود العباسيين حيث قام هولاكو بقتل المستعصم وبه انقرضت الدولة العباسية .
وعلى أية حال دخل هولاكو بغداد بجيش قوامه مائتي ألف مقاتل وذلك في الثاني عشر من محرم عام 656 هـ ، وكان الفوضى قد عمت بغداد حيث كانت تعيش صراعات طائفية حادة ففي عام 655 هـ وقع اقتتال بين الطوائف الإسلامية وكانت حصيلتها قتل مجموعة من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ونهب دورهم في محلة الكرخ(1) .
ولم تكن البلاد الإسلامية الأخرى بأحسن حال من بغداد حيث هناك الحروب والفتن والفوضى سائدة في كل الأقطار فهذه مصر والشام وغيرهما من كبريات المدن كانت تعيش الصراعات الطائفية والمصلحية ، لقد عاش المسلمون بشكل عام والعرب بشكل خاص في ظل أعقاب الحكم العباسي وفي ظل الغزو التتري المغولي حالة من الحرب والفوضى ، ولولا وجود بعض الحكماء والعلماء الذين تمكنوا من إجراء اتصالات بهولاكو لقضى على ديار الإسلام بأجمعها من الشرق حتى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال .
وفي هذه الفترة العصيبة لم يكن للحركة الأدبية مرتع يناسبه فقد

(1) راجع كل هذه المعلومات في البداية والنهاية : 13/168 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 198

ضعفت مباني الشعر وتراكيبه واتجه من كان بمقدوره نظم الشعر في ظل هذه الظروف إلى تناول المعاني المتداولة وبرز العنصر الديني في الأدب والشعر معاً حيث لم يجد الشاعر ما يغنيه إلا التوجه الديني الذي كان التسلية الوحيدة في ظروف المأساة .
وفي هذه الفترة التمهيدية للحكم العثماني التي لم تتجاوز ربع القرن لم يبرز أحد من الشعراء ولا يمكن عدّه عصراً برأسه حيث لا يملك من المقومات ما يجعله مستقلاً بذاته بل هو متداخل مع العصر الذي يليه وهو عصر الفتوحات العثمانية ، ومع ذلك فإن الشعر الحسيني لم تتوقف نبضاته ولم تخمد أنفاسه لأنه شعر النهضة والمقاومة ، ففي أحلك الظروف تجد الشاعر الحسيني لا يتوانى من مشاركة مجتمعه بالغرض الذي ينجعه من سقمه وينهضه من سباته ، إنه شعر الإصلاح ، شعر الشعور ، شعر إدراك الحقائق المرة على مر التاريخ ، فلا يبخل الشاعر الحسيني ولو ببعض الأبيات في أحلك العصور ، فهناك رعيل من الشعراء يمكن عدهم من أقطاب هذا العصر القصير الأمد باعتبار أن نتاجهم الأدبي كان من نشأة هذه الفترة الزمنية فمنهم :
1 ـ ابن محمد الرعيني(1) 666 هـ .
2 ـ ابن الحواري التنوخي(2) 669 هـ .
3 ـ بهاء الدين الأربيني(3) 670 هـ .
4 ـ الجزار المصري(4) 672 هـ .

(1) ابن محمد الرعيني : هو علي بن محمد بن علي ، ولد عام 592 هـ في إشبيلية وهو من أسرة بني الحاج كان أبوه فخاراً إلا أنه تثقف وتعلم حتى أصبح من ذوي الفضل والأدب توفي بمراكش ، من آثاره : كتاب الإيراد ، وكتاب جنا الأزاهر النضيرة ، وكتاب أقفاء السنن .
(2) ابن الحواري التنوخي : هو محمد بن عبد المنعم من شعراء مصر ، ويوهم أنه والكمال العباسي المتقدم متحدان إلا أن الواقع أنهما شخصيتان .
(3) بهاء الدين الأربيني : هو ابن علي .
(4) الجزار المصري : هو يحيى بن عبد العظيم المطيري ، ولد عام 601 هـ في الفسطاط ، وكان جزاراً كأبيه وبعض أقاربه إلا أنه أقبل على الأدب والشعر حتى
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 199

5 ـ ابن أحمد الكوفي(1) 675 هـ .
6 ـ ابن نما الحلي(2) 680 هـ .
7 ـ حازم القرطاجني(3) 684 هـ .
8 ـ ابن وشاح الأسدي(4) نحو 690 هـ .
9 ـ بهاء الدين الأربلي(5) 692 هـ .
10 ـ ابن سعيد البوصيري(6) 694 هـ .
إلى جانب عدد من شعراء الغرب الإسلامي كحسن القرطاجني(7) وابن حجاج الإشبيلي(8) وغيرهما مما يمكن معرفتهم من خلال مراجعة

= اكتسب شهرة ، له فوائد الموائد ، الوسيلة إلى الحبيب ، تقاطيف الجزار .
(1) ابن أحمد الكوفي : هو محمد بن أحمد بن عبيد الله بن داود المولود في أوائل القرن السابع ، كوفي الاصل سكن بغداد ، وكان أديباً شاعراً ، وعالماً فاضلاً ، ولي التدريس بالمدرسة التتشية وخطب في جامع السلطان ووعظ بباب بدر .
(2) ابن نما الحلي : هو جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما ، ولد في الحلة في أوائل القرن السابع الهجري ، كانت ولادته ووفاته بالحلة ، وكان من اعلام الإمامية وفقهائها ، له كتاب مثير الأحزان ، وكتاب أخذ الثأر في أحوال المختار .
(3) حازم القرطاجني : هو ابن محمد بن حسن بن حازم ولد عام 608 هـ بقرطاجنة شرقي الأندلس من أدباء وشعراء الأندلس ، هاجر إلى مراكش ومنها إلى تونس وتوفي بها ، له سراج البلغاء ، مناهج البلغاء ، سراج الأدباء .
(4) ابن وشاح الأسدي : هو محفوظ بن وشاح بن محمد الحلي ، كانت ولادته في الربع الأول من القرن السابع وكان من العلماء الفقهاء والأدباء الشعراء ، تولى القضاء بالحلة ، كان وفاته بالحلة كما كانت ولادته بها .
(5) بهاء الدين الاربلي : هو علي بن عيسى بن أبي الفتح ، ولد في أوائل القرن السابع الهجري في اربل ـ العراق ـ كان من علماء الإمامية ، عمل في بغداد بديوان الإنشاء ، له المقامات الأربع ، وكشف الغمة ، ورسالة الطيف .
(6) ابن سعيد البوصيري : هو محمد بن سعيد بن حماد الدلامي ، ولد في بهشيم من أعمال البهنساوية عام 608 هـ ووفاته بالإسكندرية ، كان شاعراً حسن الديباجة مليح المعاني له ديوان شعر عرف باسمه .
(7) حسن القرطاجني : هو ابن محمد بن حسن بن حازم ولد بقرطاجنة شرقي الأندلس وهو أخ حازم القرطاجني ، وكان أيضاً أديباً شاعراً .
(8) ابن حجاج الاشبيلي : هو حجاج بن حجاج من شعراء الأندلس في القرن السابع
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 200

ديوان القرن السابع من هذه الموسوعة والذين شاركوا القرطاجني في الندوة الحسينية المفتوحة بتونس .
وعن هذا العهد والذي يليه يقول حنّا الفاخوري(1) : جرى الشعر في طريقين شقتهما الضيقة الاجتماعية هما الإباحية والزهد ، وكان على كل حال تقليداً واقتباساً مع زيادة في الزخرفة ، لأن الزخرفة أصبحت كل شيء في الكتابة والشعر ، والشاعر من تفوق على غيره في تكريس المحسنات وتركيب الأسجاع ، ورصف التوريات والإكثار من الجناسات ، وللجناسات دور مهم على مسرح الشعر في ذلك العهد ، وهي موضوع واسع لتلهّي القرائح ، وتضييع الوقت في ما لا يفيد ، وقد شاعت في هذا العهد المدائح النبويّة ، وكان على كلّ شاعر مشهور أن يقول في هذا الباب ، وأن ينظم قصائد في المديح النبويّ ويضمّنها كل أنواع البديع فكلّ بيت فيه نوع من البديع وفيه تمثيل له وقد سميت لذلك كل قصيدة من هذا النوع « بديعية » ، وأكثر الشعراء في ذلك العهد من وصف الأشياء المألوفة والحوادث العارضة ، كما أكثروا من التواريخ الشعرية حتى أصبح الشعر معهم أحياناً « عملية حسابية » ، وقد أفرطوا في أقوال الهجر بألفاظ عارية صريحة لا تورية فيها ولا إيماء ، مع ضعف في الأسلوب ، وضعة في المشاعر ، وإغارة على معاني السابقين ، وعلى الجملة فقد سقط الشعر أسلوباً ومعنى وعاطفة وخيالاً إلا في القليل النادر(2) .
ولا ننسى أن نشير إلى دولة المماليك في مصر والشام التي كانت قائمة بعد سقوط بغداد ولذلك ظهرت إلى الواجهة وانتقلت الحركة الأدبية نسبياً إلى القاهرة ودمشق باعتبارهما حاضرتين من الحواضر الإسلامية والأدبية ورغم أنهما لم يسلما من هجمات المغول والتتار إلا أنهما تمكنتا من مقاومتهم والمحافظة على استقرارهما فلذلك هاجر إليهما عدد من العلماء والأدباء ورغم أن المماليك لم يكونوا عرباً إلا أنهم حاولوا التعرب

= الهجري ولد في اشبيلية وتوفي بها حسب الظاهر .
(1) حنّا الفاخوري : مرت ترجتمه .
(2) الموجز في الأدب العربي وتاريخه : 3/386 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 201

والتعاون مع العلماء والأدباء في دعم المسيرة العلمية والحركة الأدبية إلا أن المثل يقول « فاقد الشيء لا يعطيه » ولكن نذراً قليلاً خير من لا شيء ، وساعدهم في النهوض العلمي والأدبي وجود الصروح العلمية من مدارس ومساجد بهما ، وبتشجيعهم العلم والأدب تواجد عدد لا بأس به من العلماء والأدباء إلا أن الفترة الزمنية لم تكن طويلة إذ أن العثمانيين استولوا على الشام ومصر وأصبحت بغداد كالقاهرة والقاهرة كالشام ولا يخفى أن المماليك كانت لهم دولتان الأولى المماليك البحرية وأصلهم من الترك وانتهى حكمها عام 784 هـ وخلفهم المماليك البرجية وأصلهم من الشراكسة وانتهى حكم دولتهم عام 923 هـ ، ولم يشهد عهد الدولتين استقراراً تاماً إلا أنها كانت أفضل من بغداد بالأخص في العهد المغولي والحياة الأدبية على العموم أخذت في الازدهار ، ولعل من أهم مميزاتها شيوع العاطفة الدينية على اثر الحرب الصليبية ، وشيوع البديع في الأدب على اثر الابتعاد عن العمق الأدبي .

عصر الفتوحات والحروب :

يبدأ هذا العصر ببداية إنشاء الدولة العثمانية عام 680 هـ ويمتد حتى أواسط القرن العاشر تقريباً حين بسطت الدولة العثمانية سلطانها على معظم البلدان العربية .
كان عثمان بن أرطغرل(1) زعيماً للأتراك الذين يعيشون في وادي « قره صو » في الأناضول(2) فأقطعه السلاجقة الأتراك أراضي شاسعة في الأناضول حيث كان متعاوناً معهم في دحر البيزنطيين ، فلما انهارت دولة السلاجقة أعلن استقلال بلاده التي كانت تحت سيطرته وذلك عام 680 هـ

(1) عثمان الأول بن ارطغرل (657 ـ 726 هـ) ولد في وادي قره صو ، وتوفي بها ، تولى الزعامة التركية بعد أبيه ، كان فارساً شجاعاً ، تولى الولاية من قبل السلاجقة في بلاده ، وخاض بجانبهم حروباً ضد البيزنطيين .
(2) الأناضول : تطلق على معظم الأراضي التركية الحالية وتسمى أيضاً بآسيا الصغرى ، ولا يدخل فيها غرب تركيا ، يحدها من الشمال البحر الأسود ومن الجنوب البحر الأبيض المتوسط ومن المغرب بحر مرمره وبحر إيجه ومن الشرق ديار بكر .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 202

وبذلك يكون هو المؤسس للدولة الجديدة التي نسبت إليه وذلك في ظل اجتياح التتار المغول لأكثر المناطق الإسلامية ، وتمكن عثمان هذا والذي لقب فيما بعد بعثمان الأول أن يرسخ أسس دولة سيكون لها دور كبير في التاريخ فيما بعد .
منذ اللحظة الأولى بدأ عثمان الأول يخطط لتوسيع رقعة سلطته فقام رويداً رويداً بالتوسيع في بلاد الأناضول إلى أن أنهكه المرض ففوض قيادة الجيش إلى ابنه أورخان(1) الذي تولى بعده الحكم عام 725 هـ وسار على نهج والده فاستولى على بروسة(2) عام 726 هـ واتخذها عاصمة له ، ودخل الحرب ضد البيزنطيين عام 729 ـ 730 هـ وتمكن من تحقيق انتصارات ودحرهم القسطنطنية ، وأخذ يتوسع غرباً حتى تولى الأمر بعده ابنه مراد الأول(3) عام 761 هـ فتمكن هو الآخر من التقدم نحو الغرب فاحتل عام 794 هـ صربيا ، وخاضت الدولة العثمانية عام 798 هـ حرباً ضد المجر وتوالت المعارك بينها وبين الغرب حتى فتح محمد الثاني(4) القسطنطنية عام 857 هـ واتخذها عاصمة ملكه ، وفي عام 887 هـ فتح العثمانيون في عهد بايزيد الثاني(5) الهرسك(6) ثم الجبل الأوسد(7) وذلك عام 901 هـ ،

(1) اورخان : هو ابن عثمان الأول ، أنشأ الجيش العثماني وقوّى سلطته في آسيا الصغرى ، هزم البيزنطيين عند بروسا عام 727 هـ ، حكم بعد أبيه عام 725 هـ وتوفى عام 761 هـ .
(2) بروسة : وتسمى بورسة أيضاً ، مدينة في غربي تركيا الآسيوية .
(3) مراد الأول : هو ابن اورخان بن عثمان الأول ، والملقب بالغازي ، حكم بعد أبيه عام 761 هـ وتوفي عام 791 هـ وحكم بعده أخوه بايزيد الأول رابع السلاطين العثمانيين .
(4) محمد الثاني : هو ابن مراد الثاني ، لقب بالفاتح ، حكم بعد أبيه عام 855 هـ وتوفي عام 886 هـ وهو سابع السلاطين العثمانيين .
(5) بايزيد الثاني : هو ابن محمد الثاني حكم بعد أبيه عام 886 هـ وتوفي عام 918 هـ وهو إذاً ثامن السلاطين العثمانيين .
(6) الهرسك : منطقة تشكل مع البوسنة جمهورية إسلامية أخضعت إلى دولة يوغسلافيا الاتحادية ولكنها استقلت عام 1412 هـ وإثر استقلالها شنت عليها حرب ضروس راح ضحيتها عدد كبير من المسلمين .
(7) الجبل الأسود : جمهورية لها حكم ذاتي في ظل دولة يوغسلافيا ، وأهل جبل
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 203

وكلما كان العثمانيون يتقدمون في فتوحاتهم غرباً كان الغرب يستولي على المدن الإسلامية في الأندلس ففي عام 897 هـ احتل الاسپان غرناطة ، واحتل البندقيون جزيرة قبرص من المسلمين عام 901 هـ وكل ذلك بسبب الحروب الداخلية بين ملوك وزعماء الأندلس والمغرب من جهة وبين التتار وممالك مصر من جهة أخرى وفي خضم هذه الأحداث اكتشف كولمبس(1) القارة الأمريكية وذلك عام 897 هـ بينما توغل المغول في شبه القارة الهندية .
لقد توقف زخم الزحف العثماني نحو الغرب بسبب بعض الحروب الداخلية ثم أخذ العثمانيون بالتفكير للزحف نحو الشرق ، وبالفعل فقد قام السلطان سليم الأول عام 922 هـ بالاستيلاء على عدد من المدن في طريقه إلى الشام والقاهرة وكان استيلاءه على القاهرة عام 923 هـ وبذلك سقطت حكومة المماليك ثم تقدموا نحو شمال إفريقيا ، وفي عام 940 هـ استولوا على بغداد ، وعندما بدأوا يفكرون بالاستيلاء على إيران والهند إلا أنهم فشلوا في ذلك .
هذا وقد أُبرم عدد من المعاهدات بين العثمانيين والفرنسيين ومع حكومة البندقيـة(2) وغيرها للوقوف أمام البرتغاليين ، وفي عام 944 هـ بدأت حملات العثمانيين على جنوب إيطاليا إلا أنها لم تتوسع كثيراً .
في هذه الفترة لم يكن العثمانيون لوحدهم يخوضون حروباً لتوسع سلطانهم بل كان التتار أيضاً يسعون في هذا الاتجاه بل في كل الاتجاهات بفصائلهم المختلفة وإماراتهم المتعددة والتي قد دخل معظمها في الإسلام ، وقد استولوا على إيران والهند وجزءاً كبيراً من الصين كما استولوا على

= الأسود معظمهم من الصرب الذين يعتنقون المذهب الأرثوذوكسي الشرقي ، تقع شمال البانيا ومقدونيا .
(1) كولومبس : هو خريستوف كولومبس (Colomb) ولد عام 855 هـ (1451 م) في بلدة جنوى الإيطالية وتوفي عام 912 هـ (1506 م) في اسبانيا ، أبحر من پالوس في 3/8/1492 م وكانت وجهته بلاد الهند عن طريق الغرب فوصل إلى شواطئ سان سلفادور في 12/10/1492 م .
(2) البندقية : مدينة ومرفأ في شمال إيطاليا على الأدرياتيك .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 204

العراق وتقدموا نحو الشمال فاستولوا على حلب وحماه وحمص وبعلبك وتقدموا نحو أنقرة فانتصر تيمورلنك(1) على بايزيد(2) العثماني عام 804 هـ وفي هذه السنة استولى تيمورلنك أيضاً على بغداد وزحف نحو مصر وخاض مع المماليك حرباً ثم صلحاً ، وقد سبق هذا أن غازان(3) التتري قد هزم في معركة مع الشاميين عام 702 هـ .
هذا وقد تقدم المماليك نحو شمال إفريقيا وتونس ، واستولوا على جزيرة قبرص وأرجعوها إلى الحظيرة الإسلامية وخاصوا حروباً مع الصليبيين حيث كانت الحروب قائمة على قدم وساق بينهم وبين المسلمين في أكثر من جبهة ، فتارة كانوا يهاجمون المسلمين في الإسكندرية وأخرى على طرابلس ويستولون تارة على قبرص ومالطة ورودوس حيث كانوا من هناك يجددون حملاتهم على البلاد الإسلامية وبالأخص شمال سوريا ، وكانت هناك معارك عنيفة في الأندلس وشمال إفريقيا والحبشة وغيرها .
هكذا كانت حالة البلاد الإسلامية ومنها الأقطار العربية فلم تَقُم بسببها قائمة للأدب العربي في ظل هذه الحروب والانتهاكات والاحتلالات وتعاقب الحكومات من شتى اللغات والقوميات غير العربية والتي على أثرها دخل اللحن في اللغة والتسيب في آدابها وظهر الشعر الملمع بالتركية والفارسية والهندية وغيرها ، واستخدمت الكلمات الدخيلة وراجت اللهجات الدارجة بل زادت مفردات على قواميسها مما لم يكن معروفاً بسبب تلك الحكومات غير العربية ولم تنته القضية بل كانت البداية .
لم تسلم البلاد العربية من الحكم غير العربي إلا الجزيرة العربية في الحجاز واليمن في هذه الفترة ولكن النزاعات الداخلية بين الحكام هناك

(1) تيمورلنك : أو تيمور الأعرج ، هو ابن ترغاي بن جنكيزخان (736 ـ 807 هـ) ولد في كش بالقرب من سمرقند ، مؤسس الدولة الگورگانية عام 771 هـ واتخذ سمرقند عاصمة ملكه ، وتوسع في ملكه ، وقضاياه مشهورة .
(2) بايزيد الأول : هو ابن مراد الأول بن أورخان ، حكم بعد أبيه عام 791 هـ وتوفي عام 806 هـ ، وهو السلطان الرابع من سلاطين العثمانيين .
(3) غازان : هو ابن ارغون بن أباقا بن هولاكو بن تولي بن جنكيزخان سابع الملوك الايلخانية في إيران تولى الحكم عام 699 هـ وحتى عام 703 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 205

أنهكت قوى الجميع ولم تستقر البلاد وبالأخص العربية إلا بعد أن حكم العثمانيون معظم البلاد العربية ووحدوها باسم الخلافة المزيفة التي اشتروها من بعض أحفاد العباسيين ، وقد انتهوا من الحكم على البلاد العربية بشكل عام في النصف الأول من القرن العاشر الهجري .
هذه الفترة تميزت بتفوق النثر على الشعر وبروز عدد من الشعراء من أصول غير عربية ينظمون بالعربية كما ظهرت موسوعات أدبية ولغوية وتوسع نطاق الفكر وتشعبت الاختصاصات ، وفي أعقاب الدولة العباسية ظلت الأقطار الإسلامية أكثر تمزقاً وتشرذماً حيث كانت كل بقعة يحكمها حاكم من مختلف القوميات والطوائف فسادت النزاعات ذات الصبغة الطائفية تارة والقومية أخرى هنا وهناك ، وبذلك لم يعرف الأدب والشعر أرضية مناسبة للإنشاء والإنشاد بل إن الشعراء لم يجدوا مركزاً موحداً يؤويهم فقد تمزقت أوصال الشعر العربي وكادت أن تخمد أنفاسه وينهار لولا نفر من كل فرقة تداولوا أمر الأدب والشعر فقام الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص على أكتافهم ، وساعد هذا الوضع صدور بعض المؤلفات الضخمة التي ألفت في شتى العلوم والفنون ولولا العقيدة الموحدة ، وتبني المسلمين جميعهم ـ من عرب وترك ، وفرس وكرد وتركمان وبربر وغيرهم ـ اللغة العربية وتلقفهم لها كلغة لعقيدتهم السمحاء التي جمعت المسلمين عليها لكانت اللغة العربية وآدابها في خبر كان منذ قرون خمسة ، وقد قيض الله رجالاً من غير العرب تمكنوا من دعم المسيرة اللغوية والأدبية في أحلك الظروف ، وإلى ما قدمناه يشير عمر فروخ(1) في مضمون كلامه : إذا كان النشر قد سلك المسلك المألوف مع شيء من الضعف فإن الشعراء قد ولدوا عدداً من المعاني من أشعار القدماء من غير أن يخرج ذلك بهم إلى ابتكار ، وكانت أقوال الشعراء في الخمر تقليداً للعباسيين ولكن الشعراء الذين عاشوا في إبان هذا العصر نظموا في الحشيشة أيضاً ، وأكثروا من نظم الموشحات ولكن بلا إجادة كما أن الثائرين قد أكثروا من وضع المقامات بلا براعة ، إن قيام الإمارات في وسط العالم الإسلامي قد جاء

(1) عمر فروخ : تقدمت ترجمته .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 206

بطبقة لا تفهم الشعر الادبي ثم لا تهتم به إذا هي فهمته ، وإذا لم يجد شعراء المديح أيدياً تدفع المال على المديح بسخاء فإن ألسنتهم لا تتحرك بشيء من الشعر فضلاً عن أن يكون ذلك الشعر جيداً ، هذه العوامل قد خلقت في الشعراء حالة نفسية ويأساً اقتصادياً فانصرف جميع الشعراء عن معاناة الشعر الرسمي إلى التعبير عن رغبات نفوسهم من الغزل والوصف والأدب يتكؤون في إنشاء ذلك كله على التلاعب بالألفاظ وعلى تكرار التراكيب المختلفة للتعبير عن هذا المعنى الواحد أو الشعور الواحد بصور شعرية مختلفة فلذا ظهر شعر التورية وما شابه ذلك .
وعلى أية حال فقد تسربت إلى اللغة العربية ألفاظ كثيرة من اللغات الأخرى وكلما توغل غير العرب في الحكم تدنت خصائص الشعر كما أصبح الأسلوب أكثر ركاكة وكان الشعر العربي خاصة يفقد جميع عناصر الابتكار ، وظهرت القصائد الرديئة وارتكب البعض سرقات من شعر الأقدمين التي كانت واضحة المعالم ، ومع هذا كله فقد استمر الشعر العربي واستمر معه دخول مفردات منه في الشعر الإسلامي غير العربي ومنها كانت ولادة الشعر الملمع(1) .
والشعر الحسيني لم يشد عن الشعر الذي نظم في هذه الفترة إلا أن الفرق بينهما أن الشعر الحسيني ينظم على الولاء والعقيدة ويتميز بشخصية محورية لا خلاف فيها بين الطوائف الإسلامية بأنه ابن بنت رسولهم صلى الله عليه وآله وسلم الذي عرفه المسلمون بأنه ضحى بكل غال ونفيس في سبيل إسعاد المسلمين ، تماماً كالشمعة التي تذيب نفسها وتقضي على جسمها لتنير حياة الآخرين وتبعث فيها الروح ، فالمسلم لا يرى في تكريمه لآل الرسول أنه من المودة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصت عليها الآية وأنه من باب رد الجميل فحسب بل إن الأمة تجد واقعها في سيرة الإمام الحسين عليه السلام حيث الظلم يتكرر وأهداف الحسين عليه السلام وإصلاحاته تبرز من جديد كحل واقعي لكل أزمة تمر بها الأمة من جراء الحكم التعسفي للحكام غير الملتزمين بالإسلام ، ومهما كان الخلاف بين أتباع مدرسة أهل

(1) راجع تاريخ الأدب العربي لفروخ : 3/618 ـ 620 و887 ـ 889 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي