دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 207

البيت عليهم السلام والمذاهب الأخرى عميقاً إلا أنك تجد في كل الطائف من لا يصغي إلى تلك المفاهيم الخاطئة التي تمسك بها أتباع المذاهب وعندما يرجع إلى الحسين عليه السلام يجده منهلاً صافياً غير مشوب بأية شائبة ويجد فيه المرآة التي تعكس آلام الأمة ومآسيها ، إنه يحمل قلب الأم الحنون الذي لا يعير اهتماماً لفعل الأبناء ويبقى همه أمته وأبناءه إنه أب رؤوف يحمل الود لكل البشرية بل لكل المخلوقات لا يعرف إلا الخير ، ومعرفته تحتاج إلى نوع من صفاء القلب وحسن السيرة لتنفتح آفاقه وينظم في قضيته التي رخص إهدار دمه من أجلها .
فالحسين كان وسيبقى المادة الخصبة للشعراء والنقطة الروحية الناطقة لتجميع الأمة يلجأ إليها الانسان في مثل تلك الظروف الحالكة ليتقرب به إلى الله ويشكو همه ويكشف له عما يجول بخاطره ، إن أصابات الحسين عليه السلام تجاوزت إصابات الأمة في كل مراحلها حيث انها أصيبت يوم أصيب وإليها ترجع كل المصائب ، فلذلك نجد الشاعر المرهف الحس لا تفوقه هذه الالتفاتة حين ينظم أيام المحنة وعند المصاب فيخاطب سيده ومواده ليشكو همومه وينفس عن كربته ، وفي مراجعة بسيطة لديوان القرن الثامن والتاسع وجزء بسيط من ديوان القرن السابع والعاشر تلمس الكثير من الحقائق ، ففي الحقيقة إن الشعر في الحسين يخرج من القلب ليدخل القلب لأنه لا يعتمد على المال والسلطة كما هوالحال في الكثير من الشعر العام الذي يجول في أروقة البلاطات أو يحوم حول الأثرياء .
هذا ومن أبرز شعراء هذه الفترة الشعراء التالية أسماءهم :
1 ـ جلال الدين الرومي(1) 672 هـ .
2 ـ الشاب الظريف(2) 688 هـ .

(1) جلال الدين الرومي : هو محمد بن محمد بن الحسين البلخي ولد عام 604 هـ ، ولد في بلخ أفغانستان إلا أنه بعد جولاته سكن قونيه في تركيا إلى أن توفاه الله بها ، اشتهر بالمولوي ، عالم متصوف وشاعر مقتدر ، وإليه تنسب الطريقة المولوية ، ومن مؤلفاته ديوانه : مثنوي .
(2) الشاب الظريف : هو محمد بن سليمان بن علي التلمساني ولد عام 661 هـ
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 208

3 ـ ابن وشاح الأسدي(1) 690 هـ .
4 ـ سعدي الشيرازي(2) 690 هـ .
5 ـ أبو الحسن الأربلي(3) 692 هـ .
6 ـ البوصيري(4) 694 هـ .
7 ـ الغالب بالله(5) 710 هـ .
8 ـ ابن المظفر الوداعي(6) 716 هـ .
9 ـ عامر البصري(7) 731 هـ .
10 ـ الخليعي(8) 750 هـ .

= بالقاهرة ، ونشأ في دمشق ، ويعرف أيضاً بابن العفيف ، كان أبوه صوفياً ، وتولى هو عمالة الخزانة بدمشق ، وهو شاعر مطبوع ، له ديوان شعر ، ومقامات العشاق .
(1) ابن وشاح الأسدي : هو محفوظ بن وشاح ، مضت ترجتمه .
(2) سعدي الشيرازي : هو مشرف الدين بن مصلح الدين عبد الله المولود عام 606 هـ بمدينة شيراز رحل إلى بغداد ثم عاد إلى بلاده ، شاعر متصوف حكيم نظم بالفارسية والعربية ، وله ثلاثة مجاميع شعرية : گلستان سعدي (حديقة الورد) وبوستان (البستان) وكليات .
(3) أبو الحسن الاربلي : هو بهاء الدين علي بن عيسى المتقدم ذكره .
(4) البوصيري : هو محمد بن سعيد الدلامي ، وقد مضت ترجمته .
(5) الغالب بالله : هو محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي ثالث ملوك بني نصر في الأندلس ، ولد في الثالث من شعبان عام 656 هـ وحكم عام 701 هـ ، وألحق بعض المدن الأندلسية والافريقية إلى ملكه ، وكان شاعراً رقيقاً وأكثر من نظم الغزل والفخر .
(6) ابن المظفر الوداعي : هو علي بن المظفر بن إبراهيم الكندي المولود عام 640 هـ في الاسكندرية والمتوفى في دمشق ، وكان يعرف بابن عرفة أيضاً ، أديب متفنن وشاعر جزل ، له التذكرة الكندية في خمسين جزءٍ وديوان شعر في ثلاثة أجزاء .
(7) عامر البصري : هو عامر بن عامر الحكيم الملقلب بـ « أوشيذر » ، كان شاعراً متصوفاً ، عارض بقصيدته التائية القصيدة التائية لابن الفارض وهي تحتوي على 502 بيتاً ، كان من شعراء الإمامية .
(8) الخليعي : هو علي بن عبد العزيز ، ولد في الموصل من أبوين ناصبيين لأهل البيت عليهم السلام إلا أنه استبصر بسبب رؤياه ، وسكن الحلة حتى توفي بها وله مزار
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 209

11 ـ ابن معتوق الواسطي(1) 750 هـ .
12 ـ صفي الدين الحلي(2) 750 هـ .
13 ـ ابن هذيل الغرناطي(3) 753 هـ .
14 ـ ابن أحمد الغرناطي(4) 760 هـ .
15 ـ ابن نباتة المصري(5) 768 هـ .
16 ـ لسان الدين ابن الخطيب(6) 776 هـ .

= معروف ، أوردنا قصته في باب الرؤيا من هذه الموسوعة .
(1) ابن معتوق الواسطي : هو علي بن إبراهيم بن معتوق ويعرف بابن الثردة ، ولد في واسط بالعراق عام 697 هـ ونشأ في بغداد ثم انتقل إلى دمشق ، وتولى الوعظ بجامعها ، وكان شاعراً رقيقاً وخطيباً بارعاً .
(2) صفي الدين الحلي : هو عبد العزيز بن سرايا الطائي ولد في الحلة عام 677 هـ كان من فحول الشعراء ، وكان إمامياً ، وكان له عند السلاطين والأمراء مقاماً محموداً ، له إبداعات في النظم ، من آثاره : ديوان شعره ، وكتاب العاطل الحالي ، والكفاية البديعية .
(3) ابن هذيل الغرناطي : هو يحيى بن أحمد بن إبراهيم بن هذيل التجيبي ، ولد في الأندلس ، قيل إنه اعتزل عن الناس لاشتغاله بعلوم الأوائل من الفلسفة والمنطق وأمثالها ، ومات بالفلج ، من آثاره : ديوان السليمانيات والعزفيات .
(4) ابن أحمد الغرناطي : هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحسني السبتي ولد عام 697 هـ بالغرناطة ونشأ بها ، تولى الخطابة والقضاء بها ، ثم تولى القضاء في وادي اشي ثم أعيد إلى قضاء غرناطة ومن مؤلفاته : رفع الحجب المستورة ، رياضة الأبي ، شرح تسهيل الفوائد .
(5) ابن نباتة المصري : هو محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي الحذاقي ، المولود بالقاهرة عام 686 هـ كان عالماً بالحديث والفقه وممارساً للأدب والشعر ، سكن الشام لفترة ثم عاد إلى مصر وتوفي بها ، ومن آثاره : القطر النباتي ، المؤيدات ، سوق الرقيق .
(6) لسان الدين ابن الخطيب : هو محمد بن عبد الله بن محمد السلماني ، وكانت ولادته في مدينة لوشة عام 713 هـ ، وقتل بفاس ، تولى ديوان الإنشاء في لوشة كما تولى التدريس وخطبة الجمعة ، ولقب بذي الوزارتين ومن آثاره : الحلل المرقومة ، اللمحة البدرية ، الاحاطة في أخبار غرناطة
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 210

17 ـ ابن جابر الضرير(1) 780 هـ .
18 ـ برهان الدين القيراطي(2) 781 هـ .
19 ـ أبو سعيد ابن لب(3) 782 هـ .
20 ـ حافظ الشيرازي(4) 792 هـ .
21 ـ ابن زمرك(5) 796 هـ .
22 ـ الشفهيني(6) قبل 800 هـ .
23 ـ ابن راشد المخزومي(7) 800 هـ .

(1) ابن جابر الضرير : هو محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهوّاري الأندلسي المريّي ، المولود في المرية عام 698 هـ ، برع في اللغة والأدب والعروض ، ومن مؤلفاته : الغين في مدح سيد الكونين ، كتاب السيرة ومولد النبي ، وكتاب المنحة في اختصار المُلحة .
(2) برهان الدين القيراطي : هو إبراهيم بن عبد الله بن محمد المولود في عام 726 هـ ، رحل من القاهرة إلى الحجاز وسكنها إلى أن توفي بها ، من آثاره ديوانه المسمى بمطلع النيرين ، الوشاح المفصّل وكتاب الموصل في خلق الشباب المخصل .
(3) أبو سعيد ابن لب : هو فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي الشاطبي الغرناطي ، ولد عام 701 هـ ، كان فقيهاً ماهراً بالقراءات ، وكان أديباً شاعراً ، من آثاره : شرح الزجّاجي ، تصريف التسهيل ، وغيرهما .
(4) حافظ الشيرازي : هو محمد بن بهاء الدين والملقب بشمس الدين ، ولد في شيراز عام 726 هـ كان خبازاً ، إلا أنه ولع بالأدب والعلم فحفظ القرآن وبرع في قراءته فلقب بالحافظ ، نظم بالفارسية والعربية واشتهر بملمعاته ، كما اشتهر ديوانه باسم ديوان خواجه حافظ الشيرازي .
(5) ابن زمرك : هو محمد بن يوسف بن محمد الصريحي ، المولود في غرناطة عام 733 هـ ، لازم لسان الدين ابن الخطيب فرعاه ، عرف بالذكاء وجودة الفهم فبرع في مجمل الفنون والعلوم ، قيل إنه كان آخر الشعراء الفحول في الأندلس .
(6) الشفهيني : هو علي بن الحسين الحلي ، ولد في ضواحي واسط في أوائل القرن الثامن وتوفي في الحلة ، وكان أديباً فاضلاً وشاعراً قديراً ، اهتم في نظمه بالمحسنات البديعية واختص بأهل البيت عليهم السلام وله ديوان شعر عرف باسمه .
(7) ابن راشد المخزومي : هو الحسن بن راشد آل عبد الكريم وله سمي معاصر له والمتوفى عام 830 هـ وكلاهما كانا حلّيان ومتحدان في تسمية الأب كما أنهما مخزوميان ، وقد وقع الكثير في هذا الخلط .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 211

24 ـ الحافظ البرسي(1) 813 هـ .
25 ـ السبيعي الأب(2) 815 هـ .
26 ـ يوسف الثالث(3) 819 هـ .
27 ـ ابن المتوج(4) 820 هـ .
28 ـ ابن راشد الحلي(5) بعد 820 هـ .
29 ـ ابن جابر الغساني(6) 827 هـ .
30 ـ ابن داغر(7) نحو 850 هـ .

(1) الحافظ البرسي : هو رجب بن محمد بن رجب ، لقب بالحافظ لكثرة حفظه ، ولد في قرية برس القريبة من الحلة ثم سكن الحلة ، من أعلام الإمامية ، له باع طويل في الحديث والتفسير والأدب وعلم الحروف ، من آثاره : مشارق الأنوار ، الألفين .
(2) السبيعي الأب : هو محمد بن عبد الله بن علي الإحسائي الحلي ، ولد في القارة بالإحساء ، هبط الحلة ، كان من علماء الإمامية ، وأدبائها وشعرائها ، توفي في الحلة ، كانت له مصنفات علمية إلا أنها ضاعت .
(3) يوسف الثالث : هو ابن يوسف الثاني ابن محمد الخامس ابن يوسف الأول ، ويلقب بالناصر ، وهو الثالث عشر من ملوك غرناطة من بني الأحمر ، وكان أديباً ناثراً وشاعر ناظماً ، صنف ديوان ابن زمرك ، تولى الحكم بعد أخيه عام 810 هـ .
(4) ابن المتوج : هو أحمد بن عبد الله بن سعيد البحراني ، كانت ولادته في حدود منتصف القرن الثامن الهجري في البحرين ، سكن الحلة ، عاد إلى بلاده وتوفي في جزيرة « أكل » ، من أعلام الإمامية ، له مؤلفات كثيرة .
(5) ابن راشد الحلي : هو الحسن بن راشد المخزومي الحلي قيل أن وفاته كانت في عام 830 هـ ، كان من أعلام الإمامية ، له أرجوزة في تاريخ الملوك ، وأرجوزة في تاريخ القاهرة ، وأرجوزة في نظم ألفية الشهيد .
(6) ابن جابر الغساني : هو محمد بن جابر المكناسي المولود في مكناس بالمغرب ، وكان شاعراً مجيداً ومصنفاً بارعاً ، وعالماً بالقراءات القرآنية ، من آثاره : نزهة الناظر ، تسميط البردة ، نظم المرقبة العليا .
(7) ابن داغر : هو مغامس بن داغر الحلي ، ولد في إحدى القرى التابعة للحلة ثم سكنها وقيل هو بحراني الأصل ، كان أديباً خطيباً ورثهما من أبيه ، وكان شاعراً ، وقد جمع شعره الشيخ محمد السماوي وعنونه باسم الشاعر .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 212

31 ـ السبيعي الابن(1) 860 هـ .
32 ـ ابن الخلوف(2) 899 هـ .
33 ـ ابن العرندس(3) نحو 900 هـ .
34 ـ الدرمكي(4) حدود 900 هـ .
35 ـ الكفعمي(5) 905 هـ .
36 ـ ابن مساعد الحائري(6) قبل 917 هـ .
37 ـ ابن العربي العقيلي(7) 928 هـ .

(1) السبيعي الابن : هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن علي الاحسائي ، ولد على الظاهر في قرية القاهرة بالاحساء ، وهبط النجف للدراسة ، وتوفي في الهند ، كان من اعلام الامامية ، ومن آثاره : الأنوار العلوية ، الدرة الدرية ، ديوان شعره .
(2) ابن الخلوف : هو أحمد بن أبي القاسم بن محمد الحميري الفاسي التونسي ، ولد في عام 829 هـ ، في فاس ، ورحل إلى الحجاز والقدس ورجع إلى بلاده وسكن تونس إلى أن توفي بها ، شاعر كبير ، له مؤلفات منها : تحرير النيران ، مواهب البديع ، جامع الأقوال .
(3) ابن العرندس : هو صالح بن عبد الوهاب الحلي ، كانت ولادته في أوائل القرن الثامن الهجري والظاهر في الحلة أو أطرافها ، كان عالماً فاضلاً ، وأديباً شاعراً اهتم بالمحسنات البديعية ، من مؤلفاته : كشف اللآلي .
(4) الدرمكي : هو عبد الله بن داوود ، كانت ولادته قبل منتصف القرن الثامن الهجري في قرية درمك العمانية بالأدرن ، وكان أديباً شاعراً ومن الامامية ، خص جانباً من شعره في أهل البيت عليهم السلام .
(5) الكفعمي : هو إبراهيم بن علي بن الحسن الحارثي الحائري ولد في القرن التاسع الهجري في جباع ـ جبل عامل ـ وسكن كربلاء ، من اعلام الامامية ، من مؤلفاته كتاب المصباح الذي عرف بمصباح الكفعمي والذي اسمه جنة الأمان الواقية .
(6) ابن مساعد الحائري : هو الحسين بن مساعد آل عيسى الحسيني ، كانت ولادته في كربلاء حدود منتصف القرن التاسع الهجري ، كان عالماً فاضلاً وأديباً شاعراً ، من مؤلفاته : تحفة الأبرار .
(7) ابن العربي العقيلي : هو محمد بن عبد الله ، من غرناطة وقد كان كاتباً للإنشاء ، وكان فقيهاً أديباً كان على اتصال مع آخر ملك من ملوك غرناطة محمد بن علي ، وظل بها حتى عام 897 هـ حيث سقطت غرناطة .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 213

38 ـ ابن إياس الحنفي(1) 930 هـ .
39 ـ الصميري(2) قبل 933 هـ .
وهؤلاء رغم اختلاف طبقاتهم ولكنهم ممن يمكن الإشارة إليهم في هذه الفترة العصيبة ولكل مجموعة منهم مزايا تختلف عن المجموعة الأخرى ، منها أن بعضهم من أصول غير عربية ورغم ذلك فقد أبدعوا في العربية ، وبعضهم اتقنوا التورية ، وآخرون كانوا من ذوي النفس الطويل ، أو أنهم ممن أجادوا البديعية ، أو غلب استخدامهم فن البديع وما إلى ذلك من أسباب لم يكمن تفوقها في مجموعة خاصة ، وجل هؤلاء نظموا في الإمام الحسين عليه السلام ذلك النبع الملهم والملجأ الآمن .

عصر الاستقرار :

بدأ هذا العصر باستيلاء العثمانيين على جل البلاد العربية فاستتب الأمن لهم فكانت الحال في هذه الفترة أحسن من تلك التي قبلها وبعدها وخفت فيها موجة الفتوحات وغائلتها بشكل عام فكانوا يحكمون شمالاً شمال البحر الأسود ، وجنوباً إلى خليج عدن ، وغرباً إلى البحر الأدرياتيكي(3) ومعظم شمال إفريقيا ، وشرقاً قسماً من بلاد الصين .
وهذا لا يعني أن فكرة التوسع غابت عن أذهانهم وإنما سعوا إلى التوسع بهدوء ، كما أن الاستقرار المقصود هو الاستقرار النسبي ، وحكموا البلاد الإسلامية على أمجاد الفتوحات التي حققوها في القارة الأوروبية حيث وصلوا إلى النمسا وأصبحوا يحاربون الألمان في عقر دورهم وتخضع

(1) ابن اياس الحنفي : هو محمد بن أحمد بن إياس ، ولد في القاهرة عام 852 هـ ، كان فقيهاً مؤرخاً ، وأديباً شاعراً ، من مؤلفاته : بدائع الزهور ، عجائب السلوك ، عقود الجمان ، توفي في القاهرة .
(2) الصيمري : هو مفلح بن حسن بن راشد البحراني ، ولد حدود منتصف القرن التاسع في البحرين وتوفي فيها وقبره في قرية سنماباد ، وكان أصله من صيمرة البصرة ، كان من فقهاء الإمامية ، ومن مؤلفاته : غاية المرام ، جواهر الكلمات ، منتخب الخلاف .
(3) البحر الادرياتيكي : بحر يتفرع من البحر المتوسط يقع بين إيطاليا والبلقان يصب فيه نهر الپو ، مساحته 500/131 كم2 ، وقد دعاه جغرافيو العرب ببحر ادرياس .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 214

لهم الدول الأوروبية تجارياً وتود رضاهم .
وقد حاول العثمانيون تحميل ثقافتهم على المسلمين في جميع الأقطار سواء العربية منها أو غيرها ، وقد فتحوا المدارس والمعاهد باللغة التركية إلى جانب المدارس المحلية إلا أنهم التزموا بالثقافة الإسلامية بشكل عام حتى ان مجموعة من الشعوب على إثر هذه الهيمنة تترَّكوا ، وكانوا في أوج قدرتهم إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري حيث بدأ التدهور يخترق كيانهم بسبب تصرفات سلاطينهم غير الحكيمة ، وقد برز هذا التدهور بشكل واضح منذ عهد السلطان سليمان الثاني(1) الذي كان ضعيفاً فبدأت الفتن في عاصمة استانبول .
وفي هذه الفترة خاض العثمانيون حرباً مع البرتغاليين في شمال إفريقيا ، وحرباً مع المسيحيين في النمسا ، وحرباً مع الفرس على الحدود الإيرانية العراقية ، وأخرى في اليمن كلها كانت على أطراف دولتهم المترامية الأطراف .
وفي خلال هذه الفترة حكم البلاد عشرة سلاطين ففي عام 926 هـ تولى العرش العثماني سليمان الأول وفي عام 1099 هـ تولى سليمان الثاني وبين السلمانيين كانت قوة العثمانيين والسلاطين الذي حكموا هذه الفترة هم كالتالي :
سليمان الأول (القانوني) بن سليم الأول 926 هـ = 1520 م
سليم الثاني بن سليمان الأول 974 هـ = 1566 م
مراد الثالث بن سليم الثاني 982 هـ = 1574 م
محمد الثالث بن مراد الثالث 1003 هـ = 1595 م
أحمد الأول بن محمد الثالث 1012 هـ = 1604 م
مصطفى الأول بن محمد الثالث 1026 هـ = 1027 هـ
عثمان الثاني بن أحمد الأول 1027 هـ = 1618 هـ

(1) سليمان الثاني : هو ابن ابراهيم الأول السلطان العشرون من سلاطين العثمانيين الذي حكم بعد أخيه محمد الرابع وذلك ما بين عامي 1099 ـ 1102 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 215

مراد الرابع بن أحمد الأول 1023 هـ = 1623 هـ
إبراهيم الأول بن أحمد الأول 1049 هـ = 1640 م
محمد الرابع بن إبراهيم الأول 1058 هـ = 1648 م
سليمان الثاني بن إبراهيم الأول 1099 هـ = 1687 م

وهنا لا بد أن نذكر لمحة من مجريات الأمور في عهد كل واحد منهم لتتضح الصورة :
سليمان الأول : تولى العرش بعد أبيه وله من العمر 26 سنة ، لقّبه الأتراك بالقانوني لأنه دوّن القوانين والشرائع ، ولقبه الإفرنج بالعظيم ، ولقبه آخرون بالكبير ، قاد بنفسه ثلاث عشرة حملة في أوروبا وآسيا ، حيث كانت فرنسا من جهة وإسبانيا والمانيا من جهة أخرى في حرب ، وكان الپاپا لاون العاشر(1) منشغلاً بمقاومة الراهب الالماني لوثر(2) مؤسس المذهب البروتستانتي ليثنيه عن عزمه ، والمجر تعيش اطرابات داخلية فتمكن السلطان العثماني من ترسيخ حكمه بدعم الانكشارية(3) له ، عقد عدة معاهدات مع الملوك الأوروبيين منهم فرانسوا الأول(4) ملك فرنسا وذلك

(1) لاون العاشر : هو الپاپ 216 ، تولى مركزه عام 919 هـ (1513 م) بعد وفاة يوليوس الثاني وكانت وفاته عام 927 هـ (1521 م) وتولى بعده هادريانس السادس .
(2) لوثر مارتين : (Luther) ولد عام 890 هـ (1483 م) ، توفي عام 952 هـ (1546 م) راهب اغوسطيني لاهوتي ومفكر كاتب ، بدأ في المانيا بالإصلاح الديني ، نقل التوراة إلى الالمانية فكانت الترجمة حدثاً دينياً وأدبياً .
(3) الانكشارية : مستعربة ينيتشاري بمعنى الجيش الجديد ، سماهم بذلك الحاج بكتاش شيخ الطريقة البكتاشية الصوفية بمدينة أماسية وذلك بعدما قام ثاني سلاطين العثمانيين أورخان باستخدام الشبان من أسرى الحرب وتربيتهم على الإخلاص للسلطان فأخذهم إلى الشيخ بكتاش ليدعو لهم بالخير فأسماهم بذلك ، ومن ذلك اليوم أصبح الجيش النظامي يتمثل فيهم وأخلصوا للحكم العثماني إلا أنهم فيما بعد تدخلوا في شؤون البلاد والضغط على السلطان .
(4) فرانسوا الأول : (Francois) ولد عام 899 هـ (1494 م) وتوفي عام 954 هـ (1547 م) حارب كارل الخامس امبراطور إسبانيا والنمسا ، أقر الفرنسية لغة البلاد الرسمية عوضاً من اللاتينية ، وعقد معاهدات مع سليمان القانوني عام 943 هـ 1536 م .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 216

عام 931 هـ ، وقد طلب منه الفرنسيون مساعدتهم في الحرب ضد المجر فاستجاب لهم ، أوثق عرى الصداقة مع الباب العالي ومنح لفرنسا الامتيازات الأجنبية ، بلغت الدولة العثمانية في عهده أوجهاً فازدهرت الآداب والفنون ، وكانت المجر وقسماً من جنوب إيطاليا تحت سيطرة الدولة العثمانية ، كما كانت المعارك قد خفت مع إيران وقد كان والده سليم الأول(1) قد حصر نحو أربعين ألفاً من الشيعة الإمامية في الولايات المتاخمة لبلاد العجم بطريقة سرية ثم أمر بقتلهم ، وفي عهده كانت أجزاء من إيران تحت سيطرته ، والأسطول العثماني كان يجوب البحر الأبيض المتوسط وفي بحر الهند ، وكانت لهم قواعد عسكرية في الجزائر وتونس ومنها تشن الغارات على الپرتغاليين وتخوض المعارك معهم ، وعندما قام الإسپان باضطهاد اليهود وإخراجهم آواهم في الأراضي الإسلامية التي تحت سلطته .
سليم الثاني : ورث الحكم من أبيه وهو ابن أربعة وأربعين عاماً ، وهو من أم روسية اسمها روكسلان ، أمضى كل المعاهدات التي عقدها والده وأعطى الامتيازات التجارية لفرنسا دون غيرها ، كما عقد عدداً من المعاهدات معها حتى أصبحت سيدة التجارة في حوض البحر الأبيض المتوسط إلى جانب المعاهدات القافية والسياسية التي بموجبها كثرت القناصل الفرنسية في البلاد ، وقد تدخلت في شؤون البلاد حيث كان السلطان سكيراً ، كما انتشرت البعثات الكاثوليكية إلى البلاد الإسلامية وبالأخص الشامية منها ، وفي عهده فتحت القوات العثمانية جزيرة كريد(2) وظنته(3) ومدائن دلسينو(4) وانتيياري(5)

(1) سليم الأول : هو ابن بايزيد الثاني بن محمد الثاني تولى الحكم بعد أبيه عام 918 هـ وتوفي عام 926 هـ وهو السلطان التاسع من سلاطين العثمانيين .
(2) جزيرة كريد : (Grado) هي الآن تابعة لإيطاليا ، تقع على مقربة من حدود إيطاليا وسلوفينيا . وهناك مدينة مقدونية تسمى أوكريد تقع على بحيرة أوكريد التي تفصل بين مقدونيا وألبانيا ، ولكن الصحيح هي جزيرة كريت ، وهي جزيرة كبيرة معروفة تقع في البحر الأبيض المتوسط تابعة لليونان وتقع في جنوبها .
(3) جزيرة ظنته : أو زانته تقع قبال الشواطئ الغربية لليونان في قبال مدينة پيرچوس ، وهي الآن جزء من اليونان .
(4) دلسينو :
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 217

الواقعة على البحر الأدرياتيكي(1) .
مراد الثالث : تولى الحكم بعد أبيه وله من العمر 29 عاماً وكان أكثر التزاماً من أبيه حيث أصدر أوامره بمنع شرب الخمر بعدما شاع على عهد أبيه السكير ، وأفرط في شربه الجنود الانكشاريون ، ولكنه تراجع أمام ضغوط الانكشارية فأجاز لهم ما لا يوجب شرود العقل ، وفي عهده أيضاً حصلت إنكلترا على امتياز تجاري خاص إذ كانت الدولة الفرنسية الوحيدة التي يبيح لها دخول الحوض الأبيض المتوسط بمقتضى المعاهدات وأصبح كل من العلمين الفرنسي والانكليزي يرفع على بواخرهما التجارية ، وفي عهده اندلعت المعارك بينهم وبين البرتغاليين في طرابلس الغرب ، واستولى السلطان على أذربيجان وتبريز ، كما استولى على جورجيا ، ونكل بأمراء الدروز في لبنان ، تزوج من بافو(2) وهي إيطالية من أهالي البندقية من عائلة معروفة وسماها صفية وأنجبت له ولي عهده محمد الثالث(3) .
محمد الثالث : عندما توفي والده كان له من العمر 29 سنة ، وكان له من الأخوة تسعة عشر أخاً قتلهم جميعاً قبل أن يدفن أبيه خوفاً منهم على عرشه ، ولسوء إدارته احتل الغربيون في عهده مدينة بغدان(4) ، وظهر في عهده بعض الفتن وتمكن البندقيون الضغوط على العثمانيين عبر أمه صفية الإيطالية .
أحمد الأول : استولى على العرش وعمره لم يتجاوز الرابعة عشرة إلا قليلاً ، وذلك بعد موت أبيه وكانت الحروب القائمة على الجبهة الغربية مع

(1) انتيياري : ولعلها هي اليوم تعرف بـ « انتيفوري » التي تعد جزءاً من الجبل الأسود والتي تقع على غربي البحر الأدرياتيكي .
(2) البحر الادرياتيكي : يقع بين يوغسلافيا وإيطاليا ، على الشرق من إيطاليا .
(3) بافو :
(4) محمد الثالث : هو ابن مراد الثالث بن سليم الثاني حكم بعد والده عام 1003 هـ وتوفي عام 1012 هـ وحكم بعده ابنه أحمد الأول ، وهو السلطان الثالث عشر من سلاطين العثمانيين .
(5) بغدان : مدينة كانت تابعة لاقليم ملدافيا التي يحدها من الشرق لتوانيا ومن الشمال بولندا ، ومن الغرب ترانسلونيا وهي قريبة من البحر الأسود .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 218

الأوروبيين وعلى الجبهة الشرقية مع الإيرانيين ، وقد تصالح مع الإيرانيين عام 1021 هـ فاستقر الوضع نسبياً إلا من بعض المناوشات في مالطا وعلى أطراف إسبانيا وولايات من إيطاليا ، وكانت أساطيل العثمانية في البحر الأبيض نشطة تحافظ على سير السفن التجارية ، وعقد السلطان عدة معاهدات سياسية وتجارية مع فرنسا ، وحصلت هولندا وبلجيكا على امتيازات تجارية ، وكانت هاتان الدولتان من وراء دخول التبغ إلى البلاد الإسلامية بعد هذه المعاهدة مما حدا بالمفتي الأعظم في استانبول إلى تحريم استعمال الدخان .
مصطفى الأول : تولى بعد أخيه وعمره 25 سنة ولم يدم في الحكم إلا ثلاثة أشهر ثم عزل لعدم معرفته بالحكم حيث تربى داخل قصور الحريم ، فولوا ابن أخيه عثمان الثاني بن أحمد الأول وكان له من العمر نحو سبعة عشر عاماً ، وفي عهده فتحت القوات العثمانية بولونيا بعد أن تدخلت في شؤون إمارة البغدان ، وفي أيامه برزت دولة روسيا ، قتل أخوه محمد في عام 1031 هـ ، قامت الانكشارية بعزله وإرجاع عمه مصطفى الأول إلى الحكم ، ثم تم إعدام عثمان الثاني وله من العمر ثماني عشرة سنة ، وقد بدأت الانكشارية بالتدخل في أمور الملك والمملكة وعلى أثره عمت الفوضى البلاد وأعلن بعض الولاة الاستقلال وبدأت نزاعات داخلية حيث كان مصطفى ضعيف العزيمة فعزل ثانية عام 1032 هـ ومات عام 1049 هـ ، وفي أيامه أمر بإطلاق قنصل فرنسا ومعاونيه واعتذر من الدولة الفرنسية فعادت الأمور إلى مجاريها بعد أن شابتها الشوائب .
مراد الرابع : تولى الأمر بعد أن عزل عمه عام 1032 هـ وعمره لا يتجاوز 22 عاماً ، حكم البلاد بقبضة حديدية بعد أن ثارت بعض الفتن بين وزراءه وجنده ، وقتل أخويه بايزيد وسليمان بعد أن نمى إلى سمعه بمشاركتهما في إشعال فتيل بعض الفتن ، وتمكن من استرجاع بغداد من سيطرة الصفويين وذلك عام 1048 هـ بعد أن صالحهم على إرجاع مدينة اريوان(1) إليهم .

(1) اريوان : أو اريفان ، تقع ما بين تبريز وتفليس ، والتي هي اليوم عاصمة ارمينيا والتي تسمى يريفان .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 219

إبراهيم الأول : تولى السلطنة بعد أخيه وله من العمر 25 عاماً تمكن من أن يستعيد بعض الثغور التي احتلت في عهد أسلافه من قبل الأوربيين ، ولما أراد أن يفتك بالانكشارية عزلوه .
محمد الرابع : ولته الانكشارية بعد عزل أبيه عام 1058 هـ وهو صغير جداً وذلك لتقبض الانكشارية على زمام الأمور ، وبذلك عمت الفوضى البلاد وتردت الحالة إلى أسوأ مما كانت عليه قبل تسلمه الحكم ، وأقدمت حكومة البندقية على احتلال بعض المدن ، كما استولى الفرنسيون على الجزائر وتونس ، وفي عام 1096 هـ احتل النمساويون عدداً من الحصون والقلاع والتي من أهمها قلعة نوهزل(1) ، وإقليم ترسلفانيا(2) ، وكلما برزت فتنة قتل بعض معاونيه بحجة أنهم غير قادرين على إدارة الأمور ، إلى أن عمت الفتن فَعُزل عام 1099 هـ وتوفي عام 1104 هـ .
سليمان الثاني : تولى الأمر وله من العمر 27 عاماً بدأ ولايته بإغداق العطايا على الجنود والعفو عما ارتكبوه من جرائم فانصاعوا له ولكنهم غرروا عليه بعد ذلك وساد الاضطراب البلاد فاحتل النمساويون قلاع أرلو(3) ولبا(4) كما احتلت حكومة البندقية مدينة ليبه(5) اليونانية وكافة سواحل دلماسيا(6) وذلك عام 1099 هـ ، وتقدم النمساويون عاماً بعد عام ،

(1) نوهزل :
(2) ترسلفانيا : أو ترانسلوانيا ، تقع في شرقي البحر (هنغاريا) ويحدها من الشمال بولندا (بولونيا) ومن الشرق البغدان ، والظاهر أنها الآن تقع تحت سيطرة رومانيا وهي على الحدود من مولدافيا المتحدة مع رومانيا .
(3) ارلو : ويقال لها « ارلا » وهو الذي يسمى بـ « ايجر » وهو حصن يقع شمال شرقي بودابست عاصمة هنغاريا .
(4) لبا : ولعلها إلبا وهي جزيرة إيطاليا تقع على الساحل الشرقي لإيطاليا وفيها قلعة .
(5) ليبه : الظاهر هي ليبا المضافة إلى نتو « ليبانتو » مدينة يونانية في الوقت الحاضر تقع في شمال شبه جزيرة الپيلويونيز (المورة) ، والواقعة على الساحل والقريبة من مدينة الپاتراس .
(6) دلماسيا : دلماشيا تقع على البحر الأدرياتيكي وهي جزء من جمهورية كرواتيا وهي اقليم ساحلي ومن مدنها زاره .

السابق السابق الفهرس التالي التالي