دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 312

البيت الواحد على ثمانية تفعيلات ويطلق في العربية على هذا اسم « المربوع » بالاعتبار الإضافة إلى أصله ، بينما يسميه الفرس والمتكلمون باللغة الأردوية بالمثمن باعتبار أن البيت الكامل يحتوي على ثمانية تفعيلات .
وفي الحقيقة المربوع كالمجزوء فالأول بإضافة تفعيلة والثاني بنقصانها ، ولعل أول من أشار إلى هذا الاصطلاح « مربوع » هو ابن رشيق ولكن أول من نظم عليه هو العوني(1) حين ربع الرجز ولنسرد لكل منها ببيت من الشعر :
1 ـ مربوع الرجز : مستفعلن × 8 ويسمى بالمنسجم كقول طلحة العوني :
كَم للدمى الابكارِ بالجنتين مِنْ مَنازل بمُهجتي للوجدِ مِن تِذكارها منازلُ(2)

2 ـ مربوع الوافر : مفاعلتن × 8
إذا سَكِبَتْ مَدامِعُها ظَنَنْتُ لُجَينَ يَنْسَكِبُ وإنْ نَشَرَتْ جَدائلُها يَزينُ قِوامُها ذَهَبُ

3 ـ مربوع الكامل : متفاعلن × 8
بَلَغ الجَفاءُ مَحَلّهُ فأتى الوُشاةُ حَيالَنا(3) وَعَلى قوارعٍ صَمْتِنا يتقنَّصونَ مَقالَنا

4 ـ مربوع الهزج : مفاعيلن × 8
إذا ما أقبَلَتْ سَلمى رأيْتُ القَلْبَ يَرْتابُ وَإنْ ما غيِّبَت عَنّي رأيتُ الدمع يَنْسابُ(4)

(1) العوني : هو طلحة . سنأتي على ترجمته .
(2) راجع العمدة : 1/331 .
(3) الهاء في « محله » تُشَبَّع .
(4) العمدة : 1/332 ، الغدير : 4/129 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 313

5 ـ مربوع الرمل : فاعلاتن × 8
يا عَليّاً أنتَ حِصنٌ للورى والله يشهدْ أنتَ لِلأيتام كهفٌ أنتَ للمظلوم مقصدْ

6 ـ مربوع السريع : (مستفعلن × 2 ، مفعولاتُ × 2) × 2
إنّ الذي فوق الثّرى أودى قلبي للأحزان(1) دامٍ وذا بُرهانُهُ في التوراة والقرآن

7 ـ مربوع المنسرح : (مستفعلن مفعولاتُ) × 4
إنّ الأُلى جَدّوا أوْروا نارَ الغَضى في أعماقي

قَد خَدَّدوا لمّا ساروا نَهر الأسى في الأحداقِ(2)


8 ـ مربوع الخفيف : (فاعلاتن مستفعلن) × 4
يا أُباةً في كربلا كيف صِرتم رهنَ البلا ها أُسارى مِنْ بعدِكم حاسراتٌ بينَ الملا(3)

9 ـ مربوع المضارع : (مفاعيلن فاعلاتن) × 4
مصابيحٌ حين ضاءت بها حاقتْْ زابعاتٌ فآبتْ مِنْ بعد خسفٍ ليالينا داجياتٌ

(1) الياء في « قلبي » تقرأ كسرة ، بينما الهاء من « برهانُه » تقرأ مشبعة .
(2) أعماقي تقرأ دون إشباع ، ومن الجدير ذكره أن الأبيات من مربوع الوافر إلى هنا من إنشاء الشاعر الحاج جابر الكاظمي .
(3) الأبيات من مربوع الخفيف إلى مربوع المجتث من نظم الشاعر الشيخ سلطان علي الصابري ، وهو ابن حسين المولود عام 1358 هـ من علماء وأدباء كربلاء ، يقيم الآن في قم ودمشق ، ينظم باللغتين : العربية والفارسية ، له عدد من المؤلفات منها : أركان البلاد وساسة العباد ، رباعيات صابر ، شرح قصيدة الفرزدق وتخاميسها ، وهو مدرس وخطيب ، وكاتب باحث .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 314

10 ـ مربوع المقتضب : (مفعولاتُ مستفعلن) × 4
مطروحٌ بأرض الفلا رأسٌ دار فوق القنا يُصغى منه مُستَعبراً آيَ الكَهفِ وَسْطَ الملا

11 ـ مربوع المجتث : (مستفعلن فاعلاتن) × 4
أجسادهم جنبَ نهرٍ فوق الثرى عارياتٌ تَسفى عليها بقَفرٍ مستوهجٍ ذارياتٌ

12 ـ مربوع المتئد : (فاعلاتن × 2 مستفعلن × 2) × 2
يا ملاكاً زِنتَ كَوناً سِرُّ النُهى فيكَ انْطوى

كيفَ يُدمى مِنكَ شِلوٌ فوق الثّرى في نَيْنوى(1)


13 ـ مربوع المنسرد : (مفاعيلن × 2 فاعلاتن × 2) × 2
مغاويرٌ لئن غاصتْ في بحار من دماءٍ فلا تنفس بِغَوّاصٍ حازَ دُرّاً من مياه

14 ـ مربوع المطرد : (فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن) × 2
حاسراتٌ على عيسٍ بلا حامٍ في فلاةٍ يا لَقَوْمي حَدى حادٍ بها شَتماً من جُناةٍ(2)

15 ـ مربوع المتوافر : (فاعلاتُ مفاعلن متفاعلن فاعلات) × 2
للحسينِ مصائبٌ لَتَدَكْدَكَنْ شامِخاتِ إذ تُذيبُ طوارقُ الحَدَثانِ منه الفوادَ

16 ـ مربوع المستقرب : (فعولن مفاعلتن) × 4
هَصورٌ علا بطلاً جسورٌ فرى بُهُماً كريمٌ له بُسُطٌ وَجودٌ بلا مِنَنِ(3)

(1) من نظم الشاعر جابر الكاظمي ، وهو في الإمام الحسين عليه السلام .
(2) ويمكن أن يبدل العجز بقوله : « فلا تَهْزَجْ بمغوارٍ حازَ فخراً بالعَلاء » .
(3) له : يقرأ بالإشباع « لهو » وكذلك مِنن « منني » .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 315

17 ـ مربوع القريب : (فعولن مفاعلاتن) × 4
لِمَنْ ذي نوائحٌ ما شجاها مِنَ النّياحِ ولَم يَرقَ دمعُها والأسى قد كوى حشاها

18 ـ مربوع الموجز : (فعولن مستفعلن) × 4
قتيلٌ مُلقىً بِلا ثياب يا وَيْلَتي ورأسُ يُسرى به كَبَدْرٍ يا وَيْلتي(1)

19 ـ مربوع المستكمل : (فعولن متفاعلن) × 4
عدُوٌّ مُتَحاملٌ عَلَيَّ بِتَعَنُّتٍ وإنّي مُتَصابرٌ بِحَزمٍ مُتجاهِلٌ

20 ـ مربوع المستزاد : مفعولات × 8
مرحومون مَنْ أجْرَوْا دموعاً في شهيدٍ جادَ عَطشاناً ذاق الكَرْبَ في طَفٍّ وحَقّاً شادَ(2)

21 ـ مربوع المتسرح : مفعولاتن × 8
مَهلاً يا هذا فالدنيا غُصنٌ يَذوي مهما يَزهو

فاجعلها دار الأعمال وَاحْذَر كَيْما يوماً تَلهو(3)


مثال آخر :
منصورٌ مَن يُخبرُ صِدقاً مَخْذولٌ مَنْ يُخبرُ كِذْباً

مرفوعٌ مَن يَحكُمُ عَدلاً موضوعٌ مَن يحملُ ظُلما


22 ـ مربوع المتوفر : مفعولن × 8
ابنُ الزهرا يَقْضي ظَمْآناً في كَرْبِ يا وَيلي ذا بحرٌ مِعطاءٌ زَخّارُ(4)

(1) به : يقرأ بالإشباع « بهي » ، كما يمكن تبديل الصدر بما يلي : « قتيل ملقىً على صعيدٍ فاسترجع » . ويقال : « يا ويحتي » بدل « يا ويلتي » في العجز .
(2) الأبيات من مربوع المنسرد إلى مربوع المستزاد من نظم الشاعر الصابري أيضاً .
(3) بإشباع اللام من « الاعمال » وهو من نظم الشاعر جابر الكاظمي .
(4) هذا البيت وما نظم على مربوع المتوفر هما من إنشاء الشاعر الصابري .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 316

هذا وربما أُفرد بعض مشتقات البحور بدخول الزحاف والعلل إلى بحر مستقل كما هو الحال في بحر المتدارك التام المخبون التفاعيل فيتحول فاعلن إلى فَعِلُنْ والذي يسمى في الشعر الدارج بالعقيلي كما سيأتي الحديث عنه في محله(1) فتكون تفعيلاته فعلن × 8 ومنه قول الشاعر :
أَوَقَفْتَ على طللٍ طرباً فشجاك واحزنكَ الطَلَلُ

أو مثل المتدارك التام المقطوع(2) التفاعيل والذي تكون تفاعيله على فاعلْ (/./.) × 8 ومنه قول الشاعر :
أهلُ الدُنيا كلٌّ فيها نقلاً نقلاً دفناً دفناً(3)

ومما يجدر بيانه أن تسعة من البحور هي التي شاع استخدامها بين الشعراء وهي : البسيط ، الخفيف ، الرجز ، الرمل ، الطويل ، الكامل ، المتقارب ، المديد ، الوافر(4) .
ومن الواضح جداً أن البحور التي تأخر ظهورها عن عصر الخليل هي مولدة منها كالمستطيل مثلاً هو مقلوب الطويل وهكذا .
والبحور بشكل عام إما متحددة التفعيلة وهي التي تسمى بالصافية أو مختلفة وتسمى بالممزوجة وهي إما أن تتعدد بالقلب أو بالانحراف فالصافية هي البحور التالية :
1 ـ الوافر مفاعلتن × 6
2 ـ الكامل متفاعلن × 6
3 ـ الهزج مفاعيلن × 6
4 ـ الرجز مستفعلن × 6

(1) راجع باب المدخل إلى الشعر الدارج من هذه الموسوعة .
(2) كما يصح التشعيث فيه فتكون التفعيلة فَعْلُنْ وهو يتطابق مع فاعلْ ومنه قول الشاعر :
لسنا ندري ما قدّمنا إلاّ أنّا قد فَرّطنـا
(3) راجع الأوزان العروضية للمؤلف .
(4) العروض أحكامه وأوزانه : 18 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 317

5 ـ الرمل فاعلاتن × 6
6 ـ المتقارب فعولن × 8
7 ـ المتدارك فاعلن × 8
8 ـ المستزاد مفعولات × 6
9 ـ المتسرح مفعولاتن × 6
10 ـ المتوفر مفعولن × 6
والممزوجة فالمقلوبة منها قد تنقلب إلى شكل واحد وذلك إذا كانت مركبة من نوعين من التفعيلات وقد تنقلب إلى أكثر من شكل وذلك إذا كانت مركبة من ثلاث نوعيات من التفعيلات أو أعيد تركيبها بين لف ونشر مرتب أو مشوش وهي :
1 ـ الطويل × المستطيل
2 ـ المديد × الممتد
3 ـ المدق × المتسدق
4 ـ البسيط × المبسوط
5 ـ المنسرد × المطرد × المضارع
6 ـ الخفيف × المتئد × المجتث × المركب × المخفف
7 ـ السريع × المقتضب × المنسرح
وأما المنحرف فهو :
1 ـ الرمل // المتوافر
2 ـ المستقرب // المتقارب // القريب
3 ـ المشترك // المتدارك // المتقارب
4 ـ الموجز // الرجز
5 ـ المستكمل // الكامل
6 ـ الدوبيت // السلسلة

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 318

7 ـ المستدرك // الرمل // المتقارب
هذا وقد سبق وأشرنا إلى أن نواة التفعيلات هي السبب والوتد وكل منهما ينقسم إلى قسمين فالمجموع أربعة وهي (/. ـ //. ـ // ـ /./) وإذا حاولنا توليد عدد من التفعيلات منها سواء متكررة أو مختلفة فالحاصل سيكون كبيراً جداً إلا أن قسماً كبيراً منها يسقط للتكرار والتشابه ، وقسماً منها يرفض للتنافر وعدم استساغة إيقاعه ، ومع هذا سيبقى عددٌ لا يستهان به مما يمكن أن يؤلف بحراً مولداً ، وحتى لا نتحدث بالنظيرات نتعامل مع ما ظهر منها كما سبق وأعطينا الحكم بالمثال ، واما الادعاء بأنها مولدة ولا يصح الأخذ بها لأنها ليست عربية فهو رأي في غير موضعه فإن اختراع البحور ليس حكراً على أحد وإنما تابع للقواعد والمعايير ، فأينما وجد الإيقاع وتوفرت الشروط فلا يمكن رفضه(1) .
وممن استثقل قبول المولدة منها الهاشمي(2) حيث يقول : « كل ما خرج عن هذه الأوزان الستة عشر فليس بشعر عربي ، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو من عمل المولدين الذين رأوا إن حصر الأوزان في هذا العدد يضيق عليهم مجال القول ، وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة ، وهذه لا حد لها ، وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان لأن أذواقهم تربت على إلفها واعتادت التأثر بها ، ثم لأنهم يرون أن كلاماً يوقع على الأنغام الموسيقية يسهل تلحينه والغناء به .. لذلك رأينا أن المولدين لم يطيقوا أن يلتزموا تلك الأوزان الموروثة من العرب فأحدثوا أوزاناً أخرى استنبطوها من عكس دوائر البحور »(3) .
وهذا نوع من الجمود والتقليد الذي يرفضه التطور والإبداع غير المخل بالقواعد والأسس الأدبية ، ولماذا قبله من الخليل ثم الأخفش الأوسط ولم يقبل من غيره بل لماذا لم يرفض النظم على بحر جديد اخترعه شاعر من شعراء الجاهلية ويرفضه من غيره ، فهل البحور من الأمور

(1) راجع الأوزان الشعرية للمؤلف .
(2) الهاشمي : هو أحمد بن إبراهيم الهاشمي ، تقدمت ترجتمه .
(3) ميزان الذهب : 127 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 319

التوفيقية التي لا يمكن تجاوزها أم ماذا ؟
عود على بدء وبعيداً عن الرفض والقبول فإن إمكانية إضافة تفعيلة أو نقصها من بحر من البحور وارد إلا أنها لا يمكن عدها بحراً جديداً حيث أنها تعود حسب القواعد التي ذكرها أهل هذا الفن إلى امّات البحور ويصطلح عليها بالمنهوك(1) والمشطور(2) والمجزوء(3) والمذيل(4) وما شابه ذلك مضافاً إلى أن دخول الزحف والعلة(5) على تفعيلات البيت تغير التفعيلة من صورتها الأولية كما في فاعلن تصبح فَعْلُن بدخول القطع(6) عليها ، ومتفاعلن تصبح متفاعلاتن بدخول الرفل(7) عليها .
ولا يخفى أن الزحافات والعلل أمور وهمية أثقلت الفن وأربكت الشعراء وما دامت الزحافات أو العلل قد أصبحت ملازمة لبعض الأبحر فلتلتزم التفعيلة المنظوم عليها دون اللجوء إلى قولهم إن أصلها كان كذا فدخل عليه الزحف أو العلة فأصبح كذا ، وفي هذا المجال وجدت أن الشاعر مصطفى جمال الدين(8) قال لدى تقديمه لإحدى كتب العروض ناقداً ذلك : « لم يأخذ ـ المؤلف ـ بنظر الاعتبار المؤخذات التي كتبت على

(1) المنهوك : هو البيت الذي حذف منه ثلثاه .
(2) المشطور : هو البيت الذي حذف منه شطر واحد .
(3) المجزوء : هو البيت الذي حذف منه تفعيلة واحدة من كل من شطريه .
(4) المذيل : هو البيت الذي أضيف إليه تفعيلة واحدة إليه أو إلى كل شطر منه .
(5) الزحف والعلة : هو تغيير يرد على التفعيلة ، فالزحف تغيير مختص بثواني الأسباب فقط ، والعلة تغيير مختص بثواني الأسباب في العرض والضرب فقط ، والتغيير في العلة قد يكون نحو النقص وقد يكون نحو الزيادة .
(6) القطع : هو إسقاط ساكن الوتد المجموع وتسكين متحركه .
(7) الرفل أو الترفيل : هو زيادة سبب خفيف على المعرى ، فيما إذا كان آخره وتد مجموع ، والمعرى : هو الجزء السالم من الزيادة ، والسالم : هو الجزء الذي لا زحاف فيه .
(8) جمال الدين : هو السيد مصطفى بن جعفر (1346 ـ 1417 هـ) ولد في سوق الشيوخ وتوفي في دمشق درس في النجف وبغداد والقاهرة ، شاعر فحل ، ومؤلف قدير من مؤلفاته : الديوان ، الإيقاع في الشعر العربي ، القياس حقيقته وحجيته ، حاز على الدكتوراه في اللغة العربية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 320

العروض القديم ، وما فيه من أثقال الفن بزحافات وعلل وهمية ، لا أثر لها في واقع شعرنا العربي ، وإنما أوحاها شيئان :
1 ـ تمسك العروضيين بطريقة الدوائر مما فرض عليهم أن يكون للبحر تفعيلات في الدائرة غير تفعيلاته في الشعر المعروف ، ولغرض التوفيق بين الشكلين اصطنع العروضيين جوازات وعللاً وهمية لم تكن موجودة في شعرنا العربي ، كما يظهر ذلك واضحاً في بحور السريع والوافر والهزج وغيرها .
2 ـ تمسك العروضيين برواية بعض الأبيات الخارجة عن الوزن العربي والتي يحس بها كل متذوق ، ولأنهم لا يريدون إسقاطها أو تصحيحها ، افترضوا لها عللاً وجوازات وهمية لا تجدها منطبقة على مثيلاتها من شعرنا العربي ، وأقرب الأمثلة على ذلك علتا (الخزل)(1) و(الخرم)(2) وزحافا (العقل)(3) و(الوقص)(4) وأمثالها مما أوحته رواية السوء(5) .
وهذا هو الذي حدا ببعض أهل الفن من اللغات الأخرى عدم اعتماد الزحافات والعلل في وضع البحور وتفعيلاتها بل اعتمدوا الهيئة المنظومة في تعدد البحور بغض النظر عن أصول التفعيلات ، وبذلك كثرت عندهم البحور(6) .

(1) الخزل : هو الاضمار والطي معاً وعندها يَسقط الرابع بعد إسكان الثاني مثل متفاعلن = متْفاعلن = متْفَعلن .
(2) الخرم : هو إسقاط أول الوتد المجموع في أول البيت السالم مثل فعولن = عولن (فَعْلَنْ) .
(3) العقل : هو إسقاط خامس التفعيلة بعد إسكانه مثل مفاعلتن = مفاعتُن (مفاعلن) .
(4) الوقص : هو إسقاط الثاني بعد إسكانه مثل متفاعلن = متْفاعلن (متْفعلن) .
(5) موازين الشعر العربي باستعمال الأرقام الثنائية : 12 ـ 13 .
(6) راجع مقدمات أبواب الشعر الشرقي والغربي من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 321

التجاوزات المجازة

إن البحر من جهة والوزن من جهة أخرى تابعان لموسيقى الكلام ووقعه لدى السامع ويتدخل فيه الذوق ولا يمكن حصره بما وضع بل كلما لم يستهجنه الذوق السليم فهو موزون ، وكنت في وحدتي من هذا الأمر أبحث عن نصير يعضدني فأخرجني من تلك الوحدة ديون السامرائي(1) الذي اهدانيه والذي وجدته قد طبق النظرية على أرض الواقع وأورد فيه قصيدتان أحدهما بائية معنوية بـ « أخي يا صاحب الحرف »(2) والأخرى نونية معنونة بـ « لا تعجب »(3) فقد جمع في طياتهما تفعيل تان أحدهما من الهزج والأخرى من الوافر فأصبح المزيج يحتوي كل بيت منه على أربع تفعيلات فهي إذاً من مجزوء الوافر الذي يأتي تامه على ست تفعيلات ، ومن الهزج الذي عاده يأتي على أربع تفعيلات ـ وإن كان في أصل الدائرة يحتوي على ست أيضاً ـ وعلى أية حال فتفعيلة الهزج هو « مفاعيلن » وتفعيلة الوافر هو « فاعلتن » وبالطرق الصناعية المعروفة في العروض وبالأخص الشعر القريض لا يمكن تحويل مفاعيلن إلى مفاعلتن وإن صح العكس وأمكن القول بأن البيت الذي يحتوي على التفعيلتين فهو من الهزج ، ولكن مع هذا فلا تنطبق الشروط وقد ذكرناها في فصل الزحافات والعلل من هذا الباب ، كما أشرنا إلى جوازها في مقدمة ديوان الأبوذية عند الحديث عن وزن الأبودية وتفعيلاتها ، وعلى أية حال فقد نظم السامرائي على هذا اللون وأباح لنفسه ذلك بصفته لغوياً وعروضياً وأديباً وشاعراً معترفاً به

(1) السامرائي : هو إبراهيم بن أحمد بن راشد ، ولد في العمادة بالعراق عام 1341 هـ درس في بغداد وباريس أديب شاعر ولغوي ماهر ، سكن عمان بالأردن ، من مؤلفاته : لغة الشعر بين جبلين ، فقه اللغة : المقارن ، التطور اللغوي .
(2) حنين إلى الكلم الضايع : 347 .
(3) حنين إلى الكلم الضايع : 422 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 322

لدى الأوساط العلمية والأدبية ، نذكر أبياتاً من قصيدته البائية مشيرين إلى التفعيلات ليتضح الأمر حيث يقول في أول قصيدته :
شَقيـتُ وَشَقَّني طَـرَبُ وَرُبَّ أخي أسىً طَرِبُ
و قد يَبـدو لكَ الضـِدّا نِ قدْ جُمِعا فلا عَجَبُ
مُنىً قـد رحتُ أطلُبُهـا وَ كـم أشجاني الطَلَبُ
مَشَـيْتُ لَهـُنَّ في سَبَبٍ فما أجـدانيَ السَبـَبُ
فكانـت رحلةٌ عَجـَبٌ وكانت محنَةٌ نَصَـبْ

نكتفي بهذا القدر لنقطعها حسب التفعيلات .
1 ـ شَقيتُ وَشَقْـ ـقَني طَرَبو وَرُبْبَ أخيـ ـأسَنْ طَرِبو
//.///. //.///. //.///. //.///.
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
2 ـ وقد يبدو لكَ لْضِدْدا نِ قد جُمِعا فلا عَجَبو
//././. //././. //.///. //.///.
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
3 ـ مُنَنْ قد رحْـ أطْلُبُها وَكَمْ أشْجا نيَ لْطَلَبو
//././. //.///. //././. //.///.
مفاعيلن مفاعلتن مفاعيلن مفاعلتن
4 ـ مَشيتُ لَهُنْـ ـنَ في سَبَبِنْ فما أجْدا نيَ لْسَبَبو
//.///. //.///. //././. //.///.
مفاعلتن مفاعلتن مفاعيلن مفاعلتن
5 ـ فكانَتْ رِحْـ ـلَتُنْ عَجَبُنْ وكانتْ مِحْـ ـنَتُنْ نَصَبو
//././. //.///. //././. //.///.
مفاعيلن مفاعلتن مفاعيلن مفاعتلن

وما هذا التداخل إلا لتقارب التفعيلات ولذا عدّ بعضهم الهزج من مجزوء الوافـر(1) .

(1) حنين إلى الكلم الضايع : 347 .
(2) راجع الأوزان العروضية للمؤلف .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 323

الرجز(1)

في اللغة : الاضطراب وتتابع الحركات(2) والمراد به مطلق الاضطراب .
وهذا التعريف في مجمله متفق عليه عند اللغويين وإن اختلفوا في تفاصيله ، ولا ينحصر في هذا المعنى بل هذا هو ما يطابق الرجز في باب الشعر ، وإنما سمي بذلك لتقارب أجزاءه وقلة حروفه(3) .
وفي الاصطلاح : ضرب من الشعر وزنه الصحيح مستفعلن مكررة ست مـرات(4) ، والأرجوزة : هي القصيدة منه والجمع أراجيز(5) وتفعيلته مؤلفة من سببين ووتد واحد ، وسمي هذا البحر به لعدة أسباب منها : التوالي ففي أوله حركة وسكون ، ثم حركة وسكون ، وهكذا حيث تتحرك وتسكن(6) مما يسبب اضطراباً .
والرجز(7) يقابله القصيد(8) كما أشار إلى ذلك الأغلب العجلي(9)

(1) الرجز : إنما قمنا بالبحث عن الرجز ولو بإيجاز لأهميته تاريخياً وللخلاف في كونه شعراً أم لا إلى غير ذلك .
(2) تاج العروس : 15/149 .
(3) قاموس المحيط : 2/251 ، لسان العرب : 5/144 .
(4) الصحيح منه مثل :
دار لسلمى إذ سليمى جارة قفراً ترى آياتها مثل الزبر
(5) قاموس المحيط : 2/251 .
(6) الرجز نشأته ، أشهر شعرائه : 20 .
(7) الرجز : ويعبر عنه بشعر الحرب .
(8) القصيد : ويعبر عنه بشعر المناسبات .
(9) الأغلب العجلي : هو ابن عمرو بن عبيدة بن حارثة ولد في الجاهلية أدرك الإسلام وأسلم وقتل في معركة نهاوند ، قيل إنه آخر من عمر في الجاهلية عمراً طويلاً ،
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 324

المتوفى عام 21 هـ عندما سئل عما أحدث من الشعر فقال :
أرجزاً تريد أم قصيداً لقد سألت هيّنا موجودا(1)

حيث كان ينظم القصيد والرجز ويجيدهما ، والأغلب العجلي هو أول من أطال الرجز .

موقعه في الشعر :

مهما قيل فيه أنه ليس بشعر فالواقع لا يؤيده ، والتعريف الذي قدموه للشعر باختلاف تعبيراتهم له يشمله بلا ريب ، وقد ذهبت تلك النظريات المنفية مع أصحابها وتناسوه ، ولم يكتف جمهور القدامى بعدِّه من الشعر بل اعتبروه أصله وأقدم أوزانه ، ولعل عبارة الرافعي في ذلك وافية بالغرض حيث يقول : « اختلف العلماء في ذلك وآراؤهم في تعليله مضطربة فمنهم من يجعل الرجز شعراً وهو جمهورهم ، ومنهم من ينفي أن يكون من الشعر ، والصواب أنه ضرب من الوزن لم يجعله من الشعر إلا أنه كان الأصل في اهتدائهم إليه ثم أخذ فيه الشعراء بعد ذلك وأجروه مجرى القصيدة فجعلته العادة شعراً أما هو في أصله وحقيقته فليس من الشعر »(2) .
ولقد حاول بعضهم كابن رشيق القيرواني نفي الشعر عن المشطور منه بحجة تقديس ساحة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي نزهه الله تعالى عن إنشاء الشعر بقوله : «وما علمناه الشعر وما ينبغي له»(3) حينما قال :
هل أنت إلا أصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ(4)

= وصف بأنه أرجز الرجاز وأرضهم كلاماً وأصحهم معاني .
(1) الرجز نشأته ، أشهر شعرائه : 50 .
(2) الرجز نشأته ، أشهر شعرائه : 41 عن هامش تاريخ آداب العربي للرافعي : 2/324 .
(3) سورة يس ، آية : 69 .
(4) لسان العرب : 5/145 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي