دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 338

ومن رجز الحرب قول ابن الأكوع(1) في مسير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى معركة خيبر(2) :
والله لَولا اللهُ ما اهْتَدَيْنا ولا تَصدَّقْنا ولا صَلَّينا
إنّا إذا قومٌ بَغـوا عَلَيْنا وإنْ أرادوا فتنـة أبَيْنا
فَأنـزِلَنْ سَكينـةً عَلَيْنا وثَبَّت الأقدام إنْ لاقينا(3)

(1) ابن الأكوع : هو سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة الأسلمي الملقب الأكوع ، أسلم هو وابنه عامر وحفيده سلمة بن عامر ـ راجع الإصابة : 2/83 .
(2) خيبر : هي المعركة التي وقعت بني المسليمين واليهود على مقربة من المدينة بداية عام 7 هـ وفتحها المسلمون وكان بطلها علي بن أبي طالب عليه السلام والذي عرف بداحي باب خيبر ، وتقع خيبر شمال المدينة على بعد 176 كيلومتراً .
(3) السيرة النبوية لابن هشام : 3/342 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 339

الدوبيت

كلمة فارسية مركبة من « دو + بيت » تعني بيتين ، وفي الحقيقة أنه كالمربع في كونه يحتوي على أربعة أشطر ولكن يخالفه في الوزن ويتفق معه في اتحاد قافية الشطر الأول والثاني والرابع ، والفرس يسمونه « الدوبيتي » وهو غير المثنوي الذي يسمى بالمزدوج حيث أن المثنوي هو الذي يتحد شطرا البيت الواحد في قافيته وهو ما يسمى القصيدة منه في العربية بالأرجوزة ، وقد التبس على بعض(1) المعاصرين ذلك .
وللدوبيت اتجاهان : الأول القالب الشعري وهو الذي تم تعريفه بإيجاز ، والثاني الوزن العروضي وهو المقصود بيانه هنا ، وقد دخل هذا الوزن في الشعر العربي منذ عهد قديم إلا أن تداوله لا زال محدوداً ، وقد أخذ طريقه كوزن عروضي إلى الأدب الحسيني ، ولذلك كان لزاماً علينا التحدث عنه من جهات عديدة بدءاً بالنشأة ومروراً بالوزن وانتهاء بموقعه في الأدب الحسيني .
ولقد استعمل الفرس المصطلح العربي « رباعي » واستعمل العرب المصطلح الفارسي « دوبيت »(2) .

(1) جاء في شعراء الغري : 9/409 التعبير عن الدوبيت بالمثنوي حين ذكر لصاحب الترجمة الشيخ محمد طه الحويزي قائلاً : ومن مثنوياته :
لله حـشا إذا بهـا الـتبريـح في حب رشاً ترتاح منه الروح
أوهى جلدي ولم يدر في خلدي ظبي كبدي مرعى له لا الشـيح
(2) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 57 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 340


نشأة الدوبيت

إن لنشأة الدوبيت قصة أشبه بالخيال حيث يذكر أن الشاعر الفارسي رودكي(1) كان يتجول نهار يوم من أيام الربيع في إحدى متنزهات غزنين(2) فسمع صوت صبية يلعبون بالمداحي(3) وكان من بينهم أحد أبناء(4) الأمراء الصفاريين(5) وهو في النصف الأول من العقد الثاني من عمره وقد خسر اللعبة مرتين وفي المرة الثالثة حاول أن يدخل جوزته الحفرة بمساعدة ترنيمة أخذ يترنمها فاسترعت انتباه رودكي فأنصت إليه فإذا به يقول : « غلتان(6) غلتان همي رَوَدْ تابُنِ(7) كَوُ(8) » أي « تتدحرجُ تتدحرجُ ماضيةً إلى قعر الحفرة » ، فوجد رودكي أن للعبارة وقعاً موسيقياً جميلاً حيث كان مرهف الحس صاحب أذن موسيقية فأخذ يقطعها حسب الموازين العروضية

(1) رودكي : هو جعفر بن محمد السمرقندي المولود قبل عام 260 هـ في رودك قرب سمرقند وأكثر المصادر تذكر أنه ولد مكفوف البصر إلا أنه كان ذكياً فطناً تمكن من أن يضع قواعد في العروض ونظم قصة كليلة ودمنة شعراً ، توفي عام 329 هـ .
(2) غزنين : ويقال لها غزنة وهي عاصمة زابلستان المقاطعة الشرقية من خراسان على الحدود الإيرانية وهي الآن تقع في أفغانستان .
وهناك من يزيف هذه الحكاية لمكان وقوعها في غزنة حيث يقول إن رودكي كان في سمرقند وليس في هذه المقاطعة ، وهناك من يقول بأن القصة كانت في سيستان مما يؤيد اختلاقها .
(3) المداحي : لعبة قديمة كان الامام الحسين عليه السلام يلعبها وهي أن تحفر حفرة صغيرة وتدفع بالجوز أو بغيره ليقع فيه مرة واحدة .
(4) الابن : يشمل الحفيد أيضاً وربما كان هذا حفيداً ليعقوب بن ليث الصفار ولكن المصادر ذكرت أنه كان ابناً له ولكن الأمير يعقوب توفي عام 265 هـ وحكم إيران منذ عام 247 هـ فلا يناسب أن يكون ابنه وهو في العقد الثاني من عمره ليكون من أبطال هذه القصة فلذلك احتملنا أن المراد بالابن هو الحفيد فيما لو كانت الحكاية صحيحة .
(5) الصفاريون : سلسلة حكمت إيران بعد الطاهريين وقبل السامانيين ما بين 253 ـ 293 هـ . أول سلاطينهم يعقوب بن ليث الصفار وثالثهم والذي هو آخرهم كان خلف بن أحمد .
(6) غلتان : بعض المصادر ذكرت « غلطان » وهي لغة في غلتان وهو التدحرج .
(7) بُن : بالضم قعر البئر .
(8) كو : المنخفض من الأرض .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 341

فوجدها قطعة موزونة ، وبما أن ذلك الفتى كان من وراء ذلك فقد أسماه بالترانة وهي تعني الفتى الصبوح الوجه(1) .
وهناك من جعلها حكايتين حكاية الرودكي وحكاية ابن الأمير يعقوب ابن الليث الصفار فوقع اختيار كل فريق على أحدهما ، وعلى كل فقد نسب قوم اختراع هذا النوع من الشعر إلى رودكي ، وآخرون إلى حاشية الأمير يعقوب بن ليث ، ولكن النسبة إلى رودكي أقرب ، وعلى كل فالحكاية تشير إلى أن تاريخ النشأة كان بعد منتصف القرن الثالث الهجري كما تشير إلى أن منشؤها هو ذلك الفتى الغض الذي أنشأ شطراً من الدوبيت وأكمله الرودكي ليكون أربعة أشطر .
وسيأتي الكلام عند الحديث عن المربع عن نشأة القالب الشعري أهو فارسي أم تركي أو صيني أو غير ذلك إن شاء الله تعالى .

الأدب العربي والدوبيت :

إن الدور الذي لعبه رودكي في نشأة الدوبيت هو الدراسة أولاً ، وإعطاءه القالب العروضي ثانياً وإعطاءه القالب الشعري ثالثاً حتى أصبح ذا أربعة أشطر أي بيتين فأطلق عليه الدوبيت ، وهذه الأدوار كانت من فعل الرودكي على الأقرب ، ولكن كيف دخل إلى الأدب العربي ؟ هذا ما نريد إيضاحه والإجابة عليه ، ولعل مما يمكن الاستعانة به بعد ما عرفنا أن المصطلح الرباعي (الرباعيات) أيضاً مصطلح فارسي دخيل عليها قبل أن يدخل الأدب العربي عبر أدباء الفرس أيام العباسيين ، هو ورود مصطلح الرباعيات على لسان الجنيد البغدادي(2) المتوفى عام 297 هـ باعتباره ضرباً من الشعر ومع مقارنته بالفترة الزمنية لترسيخ الدوبيت في الفارسية ، حيث

(1) راجع سير رباعي : 27 والمعجم في معايير أشعار العجم : 83 ، تذكرة الشعراء لدولة شاه السمرقندي .
(2) الجنيد البغدادي : هو الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز ، المكنى بأبي القاسم كان أصله من نهاوند ، وكان يعرف بالقواريري نسبة إلى عمله للقوارير ، كان صوفي المسلك ، له عدد من الرسائل في توجهاته الصوفية .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 342

سبق وذكرنا أنه مرتبط من جهة بالصفاريين الذين انتهى حكمهم في 298 هـ عام وفاة الجنيد البغدادي ، ومن جهة أخرى مرتبط بالرودكي الذي كانت ولادته قبل عام 260 هـ ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك رواية أخرى تنسب جزءاً من أسطورة نشأة الدوبيت إلى أبي دلف العجلي(1) وابن كعب(2) يتضح من كل هذا أن أدباء القوميتين في تلك الحقبة الزمنية بشكل خاص كانوا على ارتباط تام ، وهم الذين نقلوا هذه العينة الجديدة من الشعر إلى الأدب العربي ، وظهرت على لسان الجنيد البغدادي قبيل وفاته ، وعليه يمكن القول أن تسلُّل الدوبيت إلى الأدب العربي كان أولاً في أواخر القرن الثالث ، وثانياً كان عبر أدباء اللغتين العربية والفارسية ضمن القالب الشعري العام (الرباعي) ، وثالثاً أن المحطة الأولى كانت بغداد .
ولعل البعض يتصور في الوهلة الأولى بأن ما أنشأه بشار بن برد(3) المتوفى نحو عام 167 هـ في قصة هزلية مع جارته ربابة هو من الدوبيت في قوله :
رَبابةُ رَبَّـةُ البيتِ تَصُبُّ الخَلُّ في الزَيْتِ
لها عَشْرُ دجاجاتٍ وديكٌ حَسَنُ الـصَوْتِ(4)

حيث يحتوي على أربعة أشطر متحدة القوافي في الأول والثاني

(1) أبو دلف العجلي : هو القاسم بن عيسى بن إدريس المتوفى عام 226 هـ ، كان أمير الكرخ وسيد قومه ، قلده هارون الرشيد العباسي أعمال الجبل ، ثم تولى قيادة الجيش أيام المأمون ، له : سياسة الملوك ، البزاة والصيد ، وغيره .
(2) ابن كعب : الظاهر هو عيسى بن عبد العزيز بن سهل الحارثي من بني كعب الذي رافق أبي دلف في حجه والذي جرى في هذه السفرة مساجلات شعرية مع الطاهريين ـ راجع تاريخ بغداد : 12/416 .
(3) بشار بن برد : المكنى بأبي معاذ وهو عُقيلي بالولاء ، أصله من طخارستان الواقعة غربي نهر جيحون ولد عام 95 هـ ، كان عبداً لامرأة عقيلية فاعتقته ، كان ضريراً ، نشأ في البصرة وسكن بغداد ، طبع ديوانه في ثلاثة أجزاء ، وكان شاعراً راجزاً سجاعاً خطيباً .
(4) الأغاني : 3/156 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 343

والرابع ، ولكن بعد عرضه على العروض وتقطيعه على الشكل التالي :
1 ـ رَبابَتو رَبْبَتُلْ بَيْتي
//.//. /.//. /./.
مفاعلن فاعلن فَعْلُنْ
2 ـ تَصُبْبُلْ خَلْلَفِلْ زَيْتي
//./. /.//. /./.
فعولن فاعلن فَعْلُنْ
3 ـ لَهاعَشْ رودَجا جاتِنْ
//./. /.//. /./.
فعولن فاعلن فَعْلُنْ
4 ـ وَديكُنْ حَسَنُصْ صَوتي
//./. ///. /./.
فولن فَعِلُنْ فَعْلُنْ

وإرجاع التفعيلات الخمس إلى أصولها التالية :
1 ـ مفاعلن (//.//.) أصله متفاعلن (///.//.) دخل عليه الوقص .
2 ـ فاعلن (/.//.) أصله مفاعلن (//.//.) دخل عليه الخبن .
3 ـ فَعْلُن (/./.) أصله فاعلن (/.//.) دخل عليه القطع .
4 ـ فعولن (//./.) أصله متفاعلن (///.//.) دخل عليه القطف .
5 ـ فَعِلُنْ (///.) أصله متفاعلن (///.//.) دخل عليه الحذف .
عندها يجد أن جميع التفعيلات من مولدات متفاعلن وهو من الكامل : « متفاعلن متفاعلن متفاعلن » .
نعم إن قالبه الشعري قالب الدوبيتي أو الرباعي ـ بالمصطلح الفارسي ـ كما سبقت الإشارة إليه أن قالبه العروضي يختلف عن الدوبيتي

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 344

والرباعي (المربع) فعليه لا يمكن القول أن ما أنشأه بشار من الدوبيت كما لا يمكن الاستناد عليه في جعل منشأه عربياً أو اعتباره مبدأ دخوله في الأدب العربي .
وفي هذا الإطار يستخلص الشيبي(1) أن الدوبيت اقتصر نظمه على شعراء العراق والشام بعد شعراء إيران ممن نظموا بالعربية طوال القرنين الخامس والسادس الهجريين ، وهذا يعني أن هذا الضرب من الشعر الفارسي المعرّب قد أخذ يزحف غرباً وأنه استقر في العراق والشام أولاً ومنهما اتجه غرباً إلى مصر ، ومن إيران في الاتجاه الشمالي الغربي إلى بلاد الروم(2) ، وهناك رعيل من الشعراء من هذه الأقطار قد اتخذوا من الدوبيت مطية لأغراضهم الأدبية(3) أعرضنا عن ذكرهم مراعاة للاختصار .
ومن الجدير ذكره أن القالب الشعري والقالب العروضي للدوبيت لم يقتصر اجتياحه على الأدب العربي بل اجتاح كل الأدب الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية الكبرى ولحمة المسلمين بجميع جنسياتهم وقومياتهم ، فاتجه نحو الشمال ونحو الشرق فاستخدم في الأدب الكردي والتركي والتركماني من جهة ، وفي الأدب الهندي من بابه الواسع من جهة أخرى ، وسيأتي الحديث عنه في محله(4) .

وقع الدوبيت :

قال بروان(5) : إنه ـ الدوبيت ـ كاد أن يكون أقدم ثمرات العبقرية

(1) الشيبي : ستأتي ترجمته .
(2) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 74 .
(3) راجع ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 72 ـ 76 .
(4) راجع المقدمات من كل من الأبواب التالية الحسين في الشعر التركي ، الحسين في الشعر الكردي ، الحسين في الشعر التركماني ، الحسين في الشعر الهندي ، الحسين في الشعر الأردو ، الحسين في الشعر الكجراتي ، وهكذا من هذه الموسوعة .
(5) بروان = (brawn) المستشرق الانكليزي المولود عام 1278 هـ (1862 م) والمتوفى عام 1344 هـ (1926 م) كان أستاذاً محاضراً في جامعة كامبرج ، وكان يتقن اللغات الفارسية والعربية والتركية ، من مؤلفاته : تاريخ أدبيات فارسي ، انقلاب إيرانيان .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 245

الفارسية على التحقيق(1) ، وقال شمس قيس(2) : وفي الحقيقة لم يظهر وزن من الأوزان المبتدعة ولا شعر من الأشعار المخترعة مما أُحدث بعد الخليل أقرب إلى القلب ولا أنور في الطبع من الدوبيت(3) .
وفي الواقع أن من لم يتعرف على حقيقة الدوبيت يجهله ويرفضه والناس أعداء ما جهلوا ، ولذلك عدوه من الأوزان الغربية .
ويدلنا إلى ذلك أيضاً رد الدماميني(4) على من اعتبر وزن الدوبيت من الوزن المهمل بأنه : « ليس هذا من الأوزان المهملة بل هو من بحر الوافر غير أنه معقوص الجزء الأول والرابع ، ومعقول ـ الجزء ـ الثاني والخامس ـ منه ـ »(5) .
وقد سمعت أحد الشعراء المعاصرين حين تعامل ولأول مرة مع الدوبيت : أهذا شعر ! حيث وجده غير مألوف عنده ولم يسمع به من ذي قبل ، ولكن هناك من شغف بالدوبيت شغفاً عجيباً وبالأخص شعراء وأدباء الفرس بل إن أحد المعاصرين ممن له باع في البحور والنظم قال لي : إنه أحب الأوزان إلى قلبي ، ومما يذكر في هذا الباب أن نجم الدين الهمداني(6) الذي عرف بالدوبيتي لولعه به ، كانت له ثروة بدّدها على النوابغ وأخذ يسجل بالدواة والقلم كل رباعية يعثر عليها ولما مات لم يخلف مالاً ولا رياشاً وإنما اقتسم ورثته خمسين منّا(7) من المخطوطات

(1) تاريخ الأدب الفارسي : 1/472 .
(2) شمس قيس : هو محمد بن قيس الرازي المتوفى بعد عام 628 هـ ، وكانت ولادته بعد منتصف القرن السادس الهجري ، كان من أهل طهران ، رحل إلى بخارا ، ثم إلى مرو ، ودخل العراق مع الجيوش الإيرانية ، له مؤلفات منها : المعرب في معايير أشعار العرب ، الكافي في العروض والقوافي ، حدائق المعجم .
(3) معجم في معايير أشعار العجم : 85 .
(4) الدماميني : هو محمد بن أبي بكر بن عمر المخزومي القرشي (763 ـ 827 هـ) .
(5) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 60 عن الحاشية الكبرى للدمنهوري : 16 .
(6) نجم الدين الهمداني :
(7) المن : وحدة وزنية وهي مختلفة كثيراً ففي كل مدينة من المدن الإيرانية له وزن معين ربما تجاوزت الثلاثين نوعاً بل وفي غير إيران أيضاً فمنها ما يعادل بعض المثاقيل ومنها ما يعادل 128 كيلوغراماً .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 346

تحتوي على أشعار الدوبيت(1) .

وزن الدوبيت :

إذا ما ذهبنا وراء حكاية نشأة الدوبيت وصدقناها فلا بد من القول بأن المقولة الأولى للصبي اليافع كانت : غَلْتانْ ، غَلْتانْ ، هَمي رَوَدْ ، تابُنِ گو » وتقطيعها يأتي على الشكل التالي :
/./.. /./.. //.//. /.///.
مَفعول مفعول مفاعلن فاعلتن

وجاء رودكي وأصلحها لتكون على الشكل التالي :
مفعولن فاعلن مفاعيلن فعْلْ (فاع)(2)
/././././/.//././. /..

وقبل الخوض في تفاصيل وزنه لا بد من الإشارة إلى وزن الرباعي عند الفرس ، والفارق بين الدوبيت والرباعي ، فقد قال معين(3) : إن الرباعي هو الشعر الذي يحتوي على أربعة مصارع الذي يكون المصرع الأول والثاني والرابع منه مقفى ويكون على وزن « لا حول ولا قوة إلا بالله »(4) .
وأما الدوبيت فهو يحتوي على أربعة مصارع (أعني بيتين) الأول والثاني والرابع منه مقفى ، ويختلف عن الرباعي في الوزن(5) .
ويظهر من تعريفه لكل منهما أن وزن المربع يخالف وزن الدوبيت وقد ذكر أن المربع يأتي على زنة « لا حول ولا قوة إلا بالله » ويكون تقطيعه كالآتي :

(1) دائرة المعارف الإسلامية : 10/32 .
(2) راجع المعجم في معايير أشعار العجم : 83 ، ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 21 .
(3) معين : هو محمد بن أبي القاسم (1336 ـ 1391 هـ) ولد في رشت وتوفي في طهران ، شغل عدة مناصب ثقافية ، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية داخل البلاد وخارجه ، له : شاهان كياني ، روز شماري ، حكمت اشراق .
(4) فرهنگ فارسي : 1/1635 .
(5) فرهنگ فارسي : 2/1635 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 347

لا حول ولا قوْوَتَئِلْلا بِلْ لاهْ
/././ //././ //./. /. /..
مفعولُ مفاعيلُ مفاعيلن فاع

أو (مفعولن فاعلاتْ) = (/././. /.//..)
وقال الهاشمي(1) وغيره ممن كتب في العروض : إن وزن الدوبيت على الشكل التالي :
فَعْلُنْ متفاعلن فعولن فَعِلُنْ(2)
/././//.//. //./. ///.

وأما الشيبي(3) فذكر أن وزنه عند الفرس :
مفعولُ مفاعيل مفاعلين فاع(4)
/././//././//./././..

وهو وزن « لا حول ولا قوة إلا بالله » كما سبق وذكرنا ذلك ، وأما شميسا(5) فقد ذكره باختلاف يسير في التفعيلة الأخيرة فبدل « فاع » « /.. » ذكر « فع » « /. »(6) وذكر الشيبي وزن الدوبيت عند العرب كالتالي :

(1) الهاشمي : هو أحمد بن إبراهيم بن مصطفى (1295 ـ 1362 هـ) تتلمذ على الشيخ محمد عبده ، تولى إدارة مدارس الجمعية الإسلامية في القاهرة ، توفي بها ، ومن آثاره : جواهر البلاغة ، السحر الحلال ، السعادة الأبدية .
(2) ميزان الذهب : 145 .
(3) الشيبي : هو كامل بن مصطفى ، ولد بالكاظمية عام 1346 هـ ، تخرج من جامعة الاسكندرية ـ مصر ، وجامعة كمبرج ـ المملكة المتحدة ، أستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعة الليبية وجامعة بغداد ، له : الفكر الشيعي ، الصلة بين التصوف والتشيع ، شرح ديون الحلاج .
(4) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 58 .
(5) شميسا : هو سيروس ، أديب إيراني معاصر ، تخصص بعلم العروض ، مقره في طهران العاصمة ، من مؤلفاته : سبك شناسي شعر ، آشنائي با عروض وقافية .
(6) سير رباعي : 264 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 348

فعلن متفاعلن فعولن فعلن(1)
/./. ///.//. //./. ///.

وهو بعينه الوزن الذي ذكره الهاشمي وغيره للدوبيت .
والذي يظهر من كلام معين أن الأول وزن المربع بشكل عام ، ولعل الثاني هو المقصود بكلامه « فإن وزن الرباعي يخالف وزن الدوبيت » ولعل الفرق بين التفعيلتين بسيط جداً ويظهر ذلك فيما لو غيرنا التقطيع على الشكل التالي في الوزن الأول :
مفعولُ مفاعيلُ فعولن فعْلان
/././ //././ //./. /./..

والثاني :
مفعول مفاعلن فعولن فَعُلُنْ
/././ //.//. //./. ///.

وقد علق الشيبي على الصيغتين قائلاً : وبقليل من إمعان النظر يتبين لنا أن العروض الأول والثاني صورتان من إيقاع واحد غير أن الفرس أفرغوه في قالب عروضي يناسب أجزاء بحر الهزج الذي عروضه « مفاعيلن » ، ثلاث مرات ، ومن هنا أبرزوا هذه الجملة العروضية في وزن الدوبيت وحوّروا الأجزاء الأخرى انطلاقاً منها ، وتعاملاً معها بمقتضى قواعد الزحاف التي أشاروا إليها ، أما العرب المحدثون فقد حملهم على صب الدوبيت في هذا القالب من الإيقاع ما توارثوه عن عروضي القرنين السابع والثامن الهجريين من موقوع الدوبيت ضمن بحر الوافر بطريقة غير مباشرة ، وذلك بإلحاق مجزوئه به أولاً ، ثم تامه أخيراً وبالتبعية ، ومن ثم برزت في عروضه رنة « فعولن » و« متفاعلن » وهما الصورتان اللتان تتغير إليهما « مفاعلن »(2) .

(1) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 58 .
(2) ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 58 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 349

وإذا ما لوحظ إلى التفاعيل المستخدمة في كلا القالبين فنجد أنها ستة تفاعيل وهي :
1 ـ مفعولُ /././ وهي مشتركة بينهما .
2 ـ فعولن //./. وهي مشتركة بينهما .
3 ـ مفاعيل //././ من الأولى .
4 ـ فعلان /./.. من الأولى .
5 ـ مفاعلن //.//. من الثانية .
6 ـ فعلن ///. من الثانية .
وإذا عرضنا هذه التفاعيل على الزحافات والعلل للحصول على أصولها هل هي من « مفاعيلن » الهزج أو « مفاعلتن » الوافر فمحصله يكون كالتالي :
1 ـ مفعول (/././) فيمكن القول فيه أن أصله مفاعيلن (//././.) دخل عليه الكف (وهو حذف السابع المتحرك) فأصبح مفاعيل (//././) ثم دخل عليه الوقص (وهو حذف الثاني المتحرك) فأصبح فاعيل (/././) الذي ينتقل إلى مفعول (/././) ، وهذا من الزحاف المزدوج الذي يدخل في الحشو ، ولا يمنع من دخوله عليه صناعياً إلا أنه لم يقل به أحد ، نعم يستقيم إذا قيل أنه دخل عليه بعد الكف الخرم (وهو حذف أول متحرك من الوتد المجموع (//.) أي أسقط الميم من مفاعيل (//././) ليصبح فاعيل (/././) فينتقل إلى مفعول (/././) وهو من الزحاف المزدوج المسمى الخرب (الكف + الخرم) .
كما يمكن أن يقال إن أصل مفعول (/././) مفاعلتن (//.///.) فدخله العقص (النقص + الخرم) فالنقص هو (الكف + العصب) والكف هو حذف السابع الساكن فيصبح مفاعلتُ (//.///) والعصب هو تسكين الخامس المتحرك ليصبح مفاعلْتُ (//././) ثم دخل عليه الخرم وهو

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 350

حذف أول متحرك من الوتد المجموع فأصبح فاعلْتُ (/././) فانقلب إلى مفعول (/././) وهو ما اختاره الصفدي(1) وفيه تكلف ظاهر .
2 ـ فعولن (//./.) يمكن أن يكون أصله مفاعيلن (//././.) دخل عليه الحذف (وهو حذف السبب الأخير) فأصبح مفاعي (//./.) فانقلب فعولن (//./.) وهذا من الزحاف المزدوج الذي يدخل الحشو وهو مستخدم(2) .
كما يمكن أن يقال أن أصله مفاعلتن (//.///.) فدخل عليه القطف (العصب + الحذف) أي أسكن الخامس المتحرك منه فأصبح مفاعيلن (//././.) ثم حذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة فأصبح مفاعي (//./.) فانقلب إلى فعولن (//./.) ، إلا أنه كالأكل من القفا ـ كما في المثل ـ فلو قلنا بأن أصله مفاعيلن لاكتفينا بعملية واحدة بدل الاثنتين .
كما يمكن القول أيضاً بأن أصله متفاعلن (///.//) الكامل(3) دخل عليه الإضمار وهو تسكين الثاني المتحرك فأصبح متْفاعلن (/././/.) فقلب إلى مستفعلن (//././/././/.) ثم دخل عليه الكبل (الخبن + القطع) فالخبن هو حذف الثاني الساكن فأصبح مُتَفْعِلُنْ (//.//.) فقلب إلى مفاعلن (//.//.) والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله فأصبح مفاعلْ (//./.) فقلب إلى فعولن (//./.) .
3 ـ مفاعيل (//././) يمكن أن يكون أصله مفاعيلن (//././.) فدخله الكف وهو حذف الساكن السابع فأصبح مفاعيل (//././) وهو من الزحاف المفرد الذي يدخل الحشو ولا إشكال في وقوعه .

(1) الصفدي : هو خليل بن أيبك بن عبد الله الشافعي (696 ـ 764 هـ) مؤرخ أديب ، وناثر ناظم ، ولد في صفد ، وعمل كاتباً بالقاهرة ودمشق وحلب وغيرها ، توفي بدمشق ، من مؤلفاته : الوافي بالوفيات ، تمام المتون ، لذة السَمعْ .
(2) راجع ديوان الدوبيت في الشعر العربي : 60 عن شرح لامية العجم المسماة بغيث الأدب للصفدي : 1/47 .
(3) الكامل : أي من التفعيلات المستخدمة في بحر الكامل .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 351

كما يمكن أن يقال أن أصله مفاعلتن (//.///.) دخلها النقص (العصب + الكف) أي أسكن الخامس المتحرك منه فأصبح مفاعلتُنْ (//././.) فقلب إلى مفاعيل ثم دخل عليه الكف كما تقدم أي حذف الساكن السابع فأصبح مفاعيل (//././) وهذا من الزحاف المزدوج الذي يدخل الحشو ويجوز استخدامه إلا أنه كالأكل من القفا أيضاً .
4 ـ فعلان (/./..) يمكن القول بأن أصله مفاعيلن (//././.) فدخله القصر وهو حذف السابع الساكن وإسكان ما قبله فأصبح مفاعيل (//./..) ثم دخل عليه الوقص وهو حذف الثاني المتحرك فأصبح فاعيل (/./..) فانقلب إلى فعلان (/./..) وهو من العلل المزدوجة في العروض والضرب وهذا مما لم يذكر في العلل المزدوجة ، مضافاً إلى أن الوقص من الزحاف المزدوج الجاري في الحشو إلا أنه نادر يأتي في العروض والضرب .
5 ـ مفاعلن (//.//.) يمكن القول بأن أصله مفاعيلن (//././.) دخل عليه القبض وهو حذف الخامس الساكن فأصبح مفاعلن (//.//.) وهو من الزحاف المفرد الذي يدخل الحشو .
كما يمكن القول بأن أصله مفاعلتن (//.///.) دخل عليه العقل وهو حذف الخامس المتحرك فأصبح مفاعلن (//.//.) وهو من الزحاف المفرد الذي يدخل الحشو وكلاهما يصح .
أو يكون أصله متفاعلن (///.//.) الكامل دخل عليه الإضمار وهو تسكين الثاني المتحرك فأصبح مستفعلن (/././/.) ثم دخل عليه الخبن وهو حذف الثاني الساكن فأصبح مُتَفْعُلُنَّ (//.//.) فقلب مفاعلن (//.//.) .
6 ـ فَعَلُنْ (///.) يمكن القول بأن أصله مفاعيلن (//././.) دخل عليه الوقص وهو حذف الثاني المتحرك فأصبح فاعيلن (/././.) فانقلب إلى مفعولن (/././.) ثم دخل عليه الطي وهو حذف الرابع الساكن فأصبح مَفْعَلُنْ (/.//.) ثم دخل عليه الخبن وهو حذف الثاني الساكن فأصبح فعلن (///.) وكل واحدة من هذه من العلل المفردة التي تدخل العروض والضرب إلا أنها مزدوجة لم تذكر في كتب العروض .

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 352

وأما القول بأن أصله فاعلن (/.//.) فدخل عليه الخبن وهو حذف الثاني الساكن ليصبح فعلن (///.) يستوجب القول بأن أصل فاعلن (/.//.) فاعلاتن (/.//./.) فدخل عليه الحذف وهو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة ليصبح فاعلا (/.//.) فقلب إلى فاعلن (/.//.) الرمل ، وهو وإن لم يخرج من دائرة المجتلب التي تضم البحور الثلاثة الهزج ، الوافر ، الرمل ، إلا أنه بعيد .
وكذا فإن القول بأن أصله متفاعلن (///.//.) الكامل دخل عليه الحذذ (الخدد) وهو حذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة فأصبح فعلن (///.) وهو من علل العروض والضرب ، بعيد .
ومن الملاحظ أن إمكانية أن تكون كلها من أصل مفاعلين (//././.) الهزج وارد ، واما إمكانية أن تكون أصلها مفاعلتن (//.///.) الوافر فإنه لا يتجاوز الأربعة مع التكلف وأما اثنين منها فمرجعهما إلى مفاعيلن (//././.) الهزج ، فإذا ما قورن الأصلين فالقول إلى كون أصله من الهزج أولى من الوافر فيما إذا لم يرد له الاستقلالية ، مضافاً إلى أن الوافر على ما يذكر أصل اسمه « الهزج الوافر » إذ أن الهزج بعد تطوره نشأ منه وزن مستقل سمي الوافر(1) .
وهنا يطرح أمران : الأول لماذا الرجوع إلى الفرع بعدما يمكن إرجاعه إلى الأصل ؟
الثاني : لماذا يجوز للخليل أن يحدث وزناً من آخر ولا يجوز لغيره ؟ فالخليل استحدث الوافر من الهزج ، فلنستحدث الدوبيت من الهزج أيضاً ليكون وزناً مستقلاً لنفسه .
هذا وقد سبق وذكرنا تقطيعين آخرين لهما على الشكل التالي :
1 ـ مفعول مفاعيل مفاعيلن فاع أو فع
/././ //././ //././. /.. /.

(1) راجع ألوان الكلام : 202 عن العروض تهذيبه وإعادة تدوينه : 428 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي