دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 368

الشعر الحر

سبق وذكرنا(1) أن لنا موقفاً مع الشعر المسمى بالحر وقد اتخذنا هذا الموقف بعد دراسة مطوّلة عن الشعر الحر فتوصلنا إلى القول المأثور « خير الأمور اوسطها »(2) فلا نذهب مع المتطرفين اليمنيين ـ إن صح التعبير ـ الرافضين كل الرفض لكل أنواع المحررة من القافية والوزن معاً أو القافية فقط ، ولا نذهب مع المتطرفين اليساريين ـ إن صح التعبير ـ المتحمسين لعدّ ما لا قافية له ولا وزن ضمن الشعر .
فالمختار ان الشعر الحر هو المتحرر من القافية فقط دون الوزن تناسباً مع وضع الشعر وما حملته الكلمة من معنى حيث أن موسيقى الكلمات المعبّرة هي التي تهزّ مشاعر الانسان(3) وتخلق منه إنساناً جديداً يمشى في ظلال تلك المشاعر ، وأما النثر المبعثر أو المقفى أحياناً فلا يبعث في النفوس تلك النشوة التي يخلفها الشعر القريض ذو المعاني السامية .
وما اخترناه هو ما توصلت إليه نازك(4)

(1) راجع الشعر الفارسي وتاريخه من هذه الموسوعة ، وراجع كتاب الأوزان الشعرية (المخطوط) للمؤلف .
(2) حديث نبوي جرى مجرى الأمثال ـ راجع الأمثال النبوية : 1/393 .
(3) راجع كتاب الأوزان الشعرية فصل تعريف الشعر .
(4) وحتى لا يكون ما ذكرناه هنا غامضاً بسبب أننا لا نريد هنا الخوض في مثل هذه القضايا لأنها خارجة عن موضوعنا فننقل ما أورده الدكتور عبد الرضا علي في كتابه نازك الملائكة دراسة ومختارات : 35 ـ 38 .
« لا شك أن بين موقفي نازك الملائكة في شظايا ورماد المطبوع عام ـ 1949 م وقضايا الشعر المعاصر ـ المطبوع 1962 م ، اختلافاً بيناً فبعد أن كانت ترى اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية باتت تميل إلى تقنين الحركة ، وضبطها وتقعيدها فإذا
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 369


= كان المتضامنون معها قد ابتهجوا بثورتها حين بدأت بالهجوم على ما أسمته بالقيود والقواعد والطريقة الصدئة ، فإنّهم لم يتابعوها حين خرجت على ما أعلنته ، وإنّما عدّوا خروجها ارتداداً عن الحركة ، ونكوصاً أفضى إلى إفراغ محتواها من جوهر الخرق المؤدي إلى الابداع ، ولعلّ فيما ذهب إليه عبد الجبار داود البصري ـ في كتابه نازك الملائكة الشعر والنظرية : 237 ـ من أن نازك : « قد أتت على جميع ما ذكرته في البيان الأول » ما يشكل أخطر اتهام لها بالارتداد عن الحركة .
وحين أصدرت « شجرة القمر » سنة 1968 م أكدت في مقدمته ما ذهبت إليه في « قضايا الشعر المعاصر » من أنّ نقطة الجزر آتية لا ريب فيها ، وأنّ تيار الشعر الحر سيتوقف في يوم غير بعيد ، منبهة على أنّ ذلك لا يعني « أنّ الشعر الحر سيموت ، وإنما سيبقى قائماً يستعمله الشاعر لبعض أغراضه ومقاصده دون أن يتعصب له ويترك الأوزان العربية الجميلة » . ـ ديوان نازك الملائكة : 2/418 ـ .
إنّ اتهام نازك بالارتداد عن الحركة ، ورواج هذا الاتهام بين النقاد قد سبب لها إزعاجاً ، فردت عليه متعجبةً عاتبة وعدّت ما تناقله الكتاب ترديداً لإشاعة مغرضة من غير أن يتثبتوا أدلة ملموسة حتى قالت : ـ في تصريح لها لمجلة البيان الكويتية : 35/15 .
« إنّ هذه التقولات الاعتباطية أحد أسباب تخلفنا في العالم العربي ، ولا بدّ لنا أن نخرج من هذه الحالة وندرك أنّ للأحكام أدلّة تثبتها ، ولا ينبغي لنا أن نقول دونما برهان » . ثمّ رأت أنّ سبب ذلك يعود إلى كونها قد شخّصت عيوب الشعر الحر ، وهذه العيوب هي التي جعلت النقاد يجزعون من تشخيصها ، فتساءلت :
« لماذا لم يجزع النقاد عندما درست في كتابي ـ تقصد به قضايا ـ معايب شعر الشطرين بينما جزعوا عندما مستُ الشعر الحر ، ولم يؤاخذوني إلا على تعداد العيوب ؟ » ـ مجلة البيان : 35/16 ـ .
لقد أصرت نازك على أنّ اتهامها بالردّة كان نتيجةً لذكرها العيوب ، لذلك صرّحت في إحدى مقابلاتها بأنّ من عادتها أن تكون موضوعية في أحكامها ، لا يعميها التعصب الأهوج عن رؤية الحق ، وهذه الظاهرة فيها ـ أي في نازك ـ هي التي جعلت بعض النقاد والشعراء يظنون أنها تراجعت عن الشعر الحر ، وأصبحت من مقاوميه ، ورأت في استعمالها للأوزان الحرّة ما يناقض أية ردّة من الصنف الذي يزعمونه ـ مجلة الآداب : 8/30 ـ .
وبعد أن وجدت أنّ محاولتها في ضبط الشعر الحر ، ووضع قوانين تقيده وتصونه من العبث والفوضى ـ على وفق ما ترى ـ قد عدّت خطوة رجعية لم تستطع تصريحاتها أن توقفها ، أو تحدّ منها ، عادت في 21/نيسان/1975 ـ إليها مرة أخرى في « للصلاة والثورة » لتعلن أنها باتت أكثر تمسكاً بالأوزان الحرة منها بالمقيدة ، لأنها
=
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 370

شقيقة بدر(1) التوأمين في رحم الشعر الحر اللذين جهلا تاريخ ولادتهما فضاع على موظفي دائرة السجلات ذلك ، فتارة اعتبروها مقدم على شقيقها بدر ، وتارة اعتبروا بدراً مقدم عليها ، وتارة حاول بعضهم عبثاً القول بأن الولادة تمت معاً وأنت تعلم أن ولادة كل من التوأمين لا بد وأن تكون متفاوتة ولو ببضع وحدات زمنية يحددها المشرفون على الولادة بل المهتمون بأمر هذه الولادة ، وقد تدخلت الطائفية السياسية أو سياسة الطائفية في العبث بسجلات الولادة كما سنتحدث عن هذا إن شاء الله تعالى(2) .

= وجدت أنّ طراز تفكيرها أصبح يبتعد « عن فكرة النموذج المحدد الثابت الذي يمثله شعر الشطرين » ـ للصلاة والثورة : 17 ـ .
ولمّا كان هذا الإعلان يمثل تغييراً في الموقف إن لم يكن تراجعاً ، فإنّها فلسفت هذا الموقف بذكاء رصين ؛ إذ رأت أنّ الإنسان ميال بطبعه إلى التغيير والتبديل ، وهي لفتة مزاجيّة تتنوع من تطورات العصر وظروفه « لأنّ لفتات الذوق تتبدل تبدلاً محتوماً من عصر إلى عصر ، وكثيراً ما تنتقل الإنسانية من جهة إلى عكسها مع انصرام الزمن ، وفي هذا التنقل تنشيط للنفس وتجديد لحياتها ، كما أنّ فيه تعميقاً للملامح الحضارية وتنويعاً لوجوهها وطرائقها وأشكالها » ـ للصلاة والثورة : 20 ـ .
وإذا كانت قد خشيت في « شجرة القمر ـ : 2/417 ـ من ترك الأوزان الشطرية العربيّة تركاً قاطعاً ، فإنها في « للصلاة والثورة » ـ : 23 ـ قد خشيت « أن يموت شعر الشطرين ـ ولو موتاً مؤقتاً ـ وذلك أمر خطير » .
وإذا كانت قد رأت في « قضايا الشعر المعاصر » عيوباً في شكل الوزن ورتابته ، فإنها في « للصلاة والثورة » ـ : 25 ـ رأت الشكل مبرءاً من العيوب ، وإنما العيب في تقليدية الذين ينظمونه وجمودهم ، ودعت دعوة فعلية إلى الفصل بين الشكل المجرد ، وعيوب الشعر الذي ينظم في إطار هذا الشكل ، لأنّ « الشكل ـ بصفته المطلقة ـ صفة جمالية مبرّأة من العيوب ، سواء أكان حرّاً أم خليلياً ، وِإنما تأتي العيوب منّا نحن الشعراء » .
إنّ تغيير الناقدة لموقفها من الشعر الحر يعدّ موقفاً معتدلاً إن لم يكن توفيقياً بين ما بدأت به في « شظايا ورماد » وما قررته في « قضايا الشعر المعاصر » لذلك سنعود إليه حين نخضع شعرها الحر لهذا المنطلق النقدي ، فقد نقف على ظن يقود إلى اليقين في هذا الخروج الذي سميناه اعتدالاً .
(1) نازك الملائكة وبدر شاكر السياب : مضت ترجمتها .
(2) راجع مقدمة باب الشعر الحر من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 371

فتقول نازك بعدما رجمت بنيازك القيل والقال حول تَخلّيها عن نظرية الأم : « اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية »(1) بل ومالت إلى نوع من التقنين والضبط(2) ثم قالت بتاريخ 28/3/1967 م(3) : « إن الشعر الحر سيموت وإنما سيبقى قائماً يستعمله الشاعر لبعض أغراضه ومقاصده دون أن يتعصب له ويترك الأوزان العربية الجميلة »(4) .
وينقل أن السياب : أنكر استباحته للشعر منذ الأول ليصبح دون قيد أو شرط بل يؤمن بضرورة الضوابط والتي منها التفعيلة والتحرر من العدد ومن التقيد باستخدام بعض الزحافات والعلل دون الأخرى وما إلى ذلك .
دعنا نقول : إن من الشعر الحر هو النثر المسجع وهذا النوع لا يشترط فيه أن يأتي من وزن واحد وقافية واحدة بل يمكن أن تستخدم فيه أوزان مختلفة وقوافٍ متفاوتة ، ومن الشعر الحر ما التزم بنوعية التفعيلة دون عددها كما لو التزم الناظم في مقطوعة أدبية تفعيلة مستفعلن المستخدمة في الرجز بتكرارها ست مرات فاستخدمها سبع مرات أو ثماني ولم يلتزم بالقافية ، وكذا الحال في تفعيلة فاعلاتن المستخدمة في الرمل .
بل إن البند الذي اخترعه أسلافنا والذي سيأتي في تعريفه « إنه إذا لم يلتزم فيه الوزن وترك الالتزام بالقافية سمي بنداً » هو الآخر ، أيضاً يدخل في الشعر الحر المتداول في هذه الأيام .
وهذا ليس بجديد حيث ظهر في العهد العباسي ومن الأمثلة التي يضرب لها قول بعضهم :
رُبَّ أخٍ كنتُ به مُغْتَبِطاً أشُـدُّ كَفّي بعُرى صُحْبَتهِ
تِمسُّكاً مِنّـي بالْوُدِّ ولا أحسبُه يزهدُ في ذي أملِ(5)

(1) ديوان نازك الملائكة المسماة بـ « شظايا ورماد » : 2/7 .
(2) ديوان نازك الملائكة المسماة بـ « قضايا الشعر المعاصر » 43 ـ 47 .
(3) الموافق لتاريخ 16/11/1386 هـ .
(4) ديوان نازك الملائكة : 2/418 .
(5) ميزان الذهب : 135 عن الإعجاز للقاضي أبو بكر الباقلاني .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 372

حيث التزم بالتفعيلة دون القافية خلافاً لما قاله الهاشمي(1) حيث قال إنه لم يلتزم بالقافية والتفعيلة لاحظ ما يلي :
رُبْبَ أخِنْ كُنْتُ بِهي مُغْتَبِطَنْ أشُدْدُ كَفْفي بِعُرا صُحْبَتِهي
/. ///. /.///. /.///. //.//. /.///. /. ///.
مفتعلـن مفتعلـن مفتعلـن مفاعلن مفتعلـن مفتعلـن

تمَسْسُكَنْ مِنْني بِلْـوُدْد وَلا أحْسَبُهو يَزْهدُ في ذي أمَلي
//.//. /././. /.///. /.///. /.///. /.///.
مفاعلـن مفعـولن مفتعلن مفتعلـن مفتعلـن مفتعلن

ومن الواضح جداً أن التفعيلات كلها من أصل مستفعلن (/././/.) دخل عليها الطي فأصبحت مفتعلن (/.///.) ودخل عليها الخبن فأصبحت مفاعلن (//.//.) ودخل عليها القطع فأصبحت مفعولن (/././.) إذاً فالبيتان من بحر الرجز الذي لم يسلم ولا تفعيلة منه كما أنّ الناظم لم يلتزم بالقافية .
ويرى الشعر باف(2) أن السجع الموجود في سورتي المرسلات والدهر ، وقيل المستخدم في التراتيل عند اليهود والنصارى في طقوسهم الدينية هو نوع من الشعر .
ويقول إنه ورد عنه المولدين في نثرهم كالمتنبي والمعري وغيرهما ، وفي القرن 14 ميلادي (الثامن الهجري) وجد شيء منه ، مثل بند ابن الخلفة(3) ، وقد عارض تلك العقيدة النثرية أدباء عصره ، ويضيف قائلاً : إن العرب لم يكثروا فيه ولم يستخدموه في عالم الأدب إلا لكونه نثراً فاكتفوا عنه بِقَسمه الشعر المنظوم فكان ذلك منهم إغفالاً مع وجود نماذج عالية عندهم واعتراف المتقدمين به .
ويذهب إلى أن أول من تعاطى الشعر الحر في العصر الحديث هو

(1) الهاشمي : هو أحمد مضت ترجمته .
(2) كاتب وأديب من أهل الشطرة العراق اسمه رشيد الشعر باف .
(3) ابن خلفة : مضت ترجتمه .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 373

الريحاني(1) فانهال أدباء العصر على اتخاذه وهكذا ردت بضاعتنا إلينا »(2) .
ويقول قبش(3) : في ترجمة الريحاني وكان أول من كتب الشعر المنثور بين العرب ، وكتب الشعر المرسل ومن بعده حذا الشعراء حذوه وكان متأثراً في ذلك بالشاعر الامريكي وولت ويتمان(4) الذي كان يعمل لتحرير الشعر من قيود الوزن والقافية وقد راقت طريقته هذه للريحاني واستهوته ، فكتب عدداً من القطع الشعرية المنثورة(5) ، ونثرها بين تضاعيف الريحانيات وفيما يلي نموذج منها بعنوان دجلة :
أُصافحه والقلب في يَدي أُحييه والروحُ على لساني أقفُ أمامه فتنكشف أمامي أعاجيب الزمانِ له كلمةٌ تخيفُ ، ولمةٌ تثيرُ ، وكلمة تحيي وتميت وهو يسيرُ في سبيله هادئاً مطمئناً يحمل الخير من الشمال إلى الجنوب(6) .

(1) الريحاني : هو أمين بن فارس بن أنطون البجاني (1293 ـ 1359 هـ) ولد في قرية الفريكة ـ لبنان ـ وسكن في الولايات المتحدة ، ودرس بها وامتهن الأعمال الحرة ، رجع إلى بلاده وتوفي في مسقط رأسه ، من آثاره : ملوك العرب ، الريحانيات ، أنتم الشعراء .
(2) مجلة لغة العرب البغدادية : العدد 5/السنة : 7/الصفحة : 369 /التاريخ : 5/1929 م .
(3) أحمد قبش : هو ابن محمد نجيب ولد عام 1348 هـ في حماة ، خدم في الجيش السوري ثم انخرط في الآداب وتخرج من جامعة دمشق ، وامتهن التعليم والتربية واشتغل بالتأليف والتحقيق له : الإملاء العربي ، الكامل ، تاريخ النثر العربي .
(4) وولت ويتمان : أديب وشاعر أمريكي ، والظاهر هو وولت هويتمان (Wait Whitman) المولود عام 1235 هـ (1819 م) والمتوفى عام 1310 هـ (1892 م) عرف برسول الديمقراطية ونصير الرجل العادي .
(5) لقد جمعها أخوه ألبرت في كتاب مستقل دعاه هتاف الأودية .
(6) تاريخ الشعر العربي الحديث : 289 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 374

وأخيراً فالشعر الحر حسب الآراء المتضاربة يصدق على إحدى الأمور التالية :
1 ـ الالتزام بنوعية التفعيلة وعدد التفعيلة دون الالتزام بالقافية .
2 ـ الالتزام بنوعية التفعيلة دون عدد التفعيلة ودون الالتزام بالقافية .
3 ـ الالتزام بالجرس الموسيقي دون نوعية التفعيلة وعددها والقافية .
4 ـ الالتزام بالقافية (السجع) دون التفعيلة .
5 ـ الالتزام بالوزن والالتزام بالقافية جزئياً والتحرر من كتابة الشعر بالشكل العمودي .
6 ـ عدم الالتزام مطلقاً .
فمن المغالطات الأدبية تسمية القسم الأخير بالشعر إلا من باب إطلاق الشيء باسم ضده كإطلاق البصير على المكفوف والبطين على الضامر ، ومن ذلك المقطوعة التالية التي وردت بعنوان العودة :
أيّتها القادمةُ من ينابيع الظّمأْ..
المتَلَفِّعة بالرَغبة والضباب..
الحُلوَة .. الحلوة حتى الإرهاق
حتى السكرِ الصامت..
المتمزق حنيناً .. وشعراً (1)
والتقطيعة التالية تدلنا على عدم التزامه بالتفعيلة والوزن والقافية :
/.///. /.///. /.//./. /.//. مفتعلن مفتعلن فاعلاتن فاعلن
/.///. ///./. /.///. //.. مفتعلن متفاعـل مفتعلن فَعولْ
/././/. /././/. /./. /./.. مستفعلن مستفعلن فَعْلُنْ مفعولْ
/./. /./. /./. /./. فَعْلُـنْ فَعْلـُنْ فَعْلـُنْ فَعْلـُنْ

(1) نشيد الجمر : 401 وهو من نظم سليمان العيسى ، المولود عام 1341 هـ بالنعرية من قرى انطاكية ، كان حياً حتى عام 1391 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 375

/.///. //.//. /.//./. مفتعلن مفاعلن فاعلاتن

وأما الأول فلربما أطلقوا عليه تسمية الشعر إلا أنّه يستحق أن يسمى بالشعر الحر لأنه تحرر من القافية دون الوزن ، وفي الحقيقة أن هذا النوع اعترف به القدماء كشعر قريض بل نظموا عليه في العصر الجاهلي ولم نحصل إلا على مقطوعة واحدة غابت عنّا الآن وهي تعود إلى الحين الذي كان فيه الشعر في مرحلة التطور وهذا لا يمنع من عدّه عيباً على ناظمه ، وقد سبق وأوردنا المقطوعة من العهد العباسي حيث جاءت على بحر الرجز .
وأما بالنسبة إلى الثاني فيمكن التنازل عند رغبة ناظميه وتسميته بالشعر ، وعده من ألوان الشعر الحر لامتلاكه بعض المقومات كالتفعيلة والوقع الموسيقي مع بعض التحفظات في التسمية ، وهذا ما هو متعارف في بعض الألوان من الأناشيد والموشحات حيث يضيف الناظم والمنشد بعض التفعيلات المجانسة مزيداً للجمالية أو الحاجة إلى تكميل المعنى ، وفيه تشعبات كثيرة ، وربما جاء بعض النظم المعروف بالشعر الحر على هذا المنوال ، ولا مجال لاستعراض جميع الألوان التي نظمت بهذا الاتجاه ، ومن تلك المقطوعة التالية :
هَلِّلي هَلِّلي يا رِياح
وَانْسجي حَوْلَ نَوْمي وِشاحْ
مِن خَرير الغديرْ
وَاهْتِزازِ الأثيرْ
وَاخْتِلاجِ العَبيرْ
في دموع الصَباح(1)
فإذا ما لوحظ إلى التقطيع التالي :
/.//. /.//. /./.. فاعلن فاعلن فاعلانْ

(1) تاريخ الشعر العربي الحديث : 301 والمقطوعة لميخائيل نعيمة المولود عام 1307 هـ في بسكنتا ـ لبنان ـ وكان حياً حتى عام 1391 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 376

/.//. /.//. /.//.. فاعلن فاعلن فاعلانْ
/.//. /.//.. فاعلن فاعلانْ
/.//. /.//.. فاعلن فاعلانْ
/.//. /.//.. فاعلن فاعلانْ
/.//. /./.. فاعلن فاعلانْ

نجد أن التفعيلتان فاعلن وفاعلان من تفعيلات بحر المتدارك الذي يأتي التام منه على فاعلن مكررة ثماني مرات ، ويجوز فيها التذييل فتصبح فاعلان ، وعليه فالشطران الأولان من المتدارك المجزوء والمشطور ، المذيل تفعيلته الأخيرة :
هَلّلي هلّلي يا رياحْ وانْسجي حَوْلَ نومي وشاح

فهي مركبة من ثلاثة تفعيلات ومقيدة بالقافية .
وأما الأشطر الأربعة الأخرى فهي من المتدارك المنهوك والمشطور المذيل ، متحدة القافية في ثلاثة منها والرابعة التزمت قافية الشطرين الأولين .
وهذه مقطوعة ثانية التزم فيها الناظم التفعيلة والقافية دون الاعنتاء إلى عدد التفعيلات :
في ليالي الخريفْ
حين يطغى عليَّ الحنينْ
كالضبابِ الثقيلْ
في زوايا الطريق الطويلْ(1)
ولو قطعناها على التفاعيل لكانت كالتالي :
/.//. /.//.. فاعلنْ فاعلانْ

(1) تاريخ الشعر العربي الحديث : 656 والمقطوعة لبدر شاكر السياب المتوفى عام 1384 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 377

/.//. /.//. /.//.. فاعلنْ فاعلنْ فاعلانْ
/.//. /.//.. فاعلـنْ فـاعـلانْ
/.//. /.//. /.//.. فاعلنْ فاعلنْ فاعلانْ

فهي عبارة عن بيتين خماسي التفاعيل من بحر المتدارك إلا أن القافية جاءت على التفعيلة السابعة والعاشرة .
وأما الثالث فإن فيه شيئاً من الوقع الموسيقي بالإضافة إلى أن القافية من الحروف المتقاربة كالراء والدال أو الميم والنون أو غيرهما(1) ، ومن ذلك هذه المقطوعة :
مرَّ القِطارُ وَضاع في قلبِ القفارْ
وبقيتُ وَحْدي أسْألُ اللَيْلَ الشرودْ
عَن شاعري ومتى يعودْ ؟
ومتى يجيءُ به القطارُ ؟
/././/. ///.//. /././/.. مستفعلن متفاعلن مستفعلان
///.//. /././/. /././/.. متفاعلن مستفعلن مستفعلانْ
/././/. ///.//.. مستفعـلـن متفـاعـلانْ
///.//. ///.//.. متفـاعلـن متفـاعـلانْ

ورغم أن التفعيلات الواردة في هذه المقطوعة تحتمل أن تكون من سنخ واحد حيث إن متفاعلن إذا دخلها الإذالة أصبحت متفاعلان ، وإذا دخلها الإضمار أصبحت مستفعلن ، وإذا دخلها الإذالة والإضمار أصبحت مستفعلان إلا أن بحر المتكامل التام يتركب من متفاعلن متكررة ست مرات ، ولكن لا تدخلها كل هذه الزحافات والعلل معاً ، ومن الملاحظ أن

(1) ومما يذكر في تقارب القافية قول محمد بن يزيد المبرد من الرجز :
قُبِّجْتِ منْ سالفةٍ وَمِنْ صُدُغْ كأنّها كُشْيَةُ ضبٍّ في صُقُعْ
راجع العمدة لابن رشيق : 1/315 .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 378

هذه المقطوعة استوعبت التفعيلات الأربع وقد تفاوت استخدامها للتفعيلات فجاءت تارة ثلاث تفعيلات وأخرى تفعيلتين ، كما جاءت قافيتها حرف الراء تارة وأخرى حرف الدال ، ومن هنا فإن هذا النوع وإن كثر رواده حينما ضعف المبنى الأدبي وتدنى مستوى النظم حتى أصبح يقرن بالشعر القريض ، وهو من الموارد الذي يصح إطلاق اسم الشعر الحر عليها كبرزخ بين الشعر وبين النثر العادي .
وأما الرابع أي الالتزام بالقافية (السجع) وعدم الالتزام بالتفعيلة ومن ذلك هذا المقطع من قصيدة اقتصادي :
اللَيرةُ راكضةٌ خلفَ الدولارْ
والقِرشُ يَتَسَكَعُ على أبوابِ الثوارْ(1)
فلو لوحظ التقطيع التالي :
ألْليرة راكِضَتُنْ خَلْفَ لْدولارْ وَلْقِرْشُ يَتَسَكْكَعُ عَلا أبوابِ لْثُوْوارْ
/./.// /.///. /./. /./.. /././ ///.// //. /././././..

لوجد أن النظام لم يراع التفعيلة أبداً فلو أراد الالتزام بها لقال مثلاً :
الليرة راكضة خلف الدولار والقرش يهان على باب الثوارْ
/./. ///. ///. /./././.. /./. ///. ///. /./. /./..

لاستقامت التفعيلات إلا أن البيت ليس من البحور المتعارفة ، كما لا يمكن ضبط بقية المقطوعة على هذا الشكل ، فهو إذاً من النثر المسجع الذي سمي بالشعر الحر .
وهناك من يلتزم بالتفعيلة والبحر كما يلتزم بالقافية جزئياً أي في كل

(1) إليكم رسالتي : 606 وهو من نظم الاء محمد صادق القرن 15 هـ وهي ابنة المؤلف ولدت عام 1393 هـ في بيروت .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 379

بيتين أو ثلاثة مثلاً ولكنه لا يلتزم بالتقطيع الشعري في الكتابة كما في المقطوعة التالية بعنوان من قرانا :
ضيفُنا نِيسانُ بالباب
ربيعٌ مِن جديد
فَافتحوا الأبوابَ للقادمِ
في موكب عيدِ
إنّه يحملُ أزهاراً
وشمساً ، وظلالاً
وقواريرَ من العِطرِ
ورزقاً ، وغلالاً(1)
فلو لوحظ بالشكل التالي :
ضيفُنا نيسـانُ بـِالْبا بِ رَبيعٌ مِنْ جَديد
فافتحوا الأبوابَ لِلْقـ دمِ في مَوكبِ عيدِ
إنـَّهُ يَحْمـلُ أزْهـا راً وشمساً وظلالا
وقواريرَ من العِطْـ ـرِ ورِزْقاً وَغِلالا(2)

فنجد أنه من بحر الرمل المجزوء لاحظ التقطيع التالي :
ضيفنا نيسانُ بِلْبا بِ رَبيعنْ مِنْ جَديدي
/.//./. /.//./. ///./. /.//./.
فاعلاتن فاعلاتن فعلاتـن فاعـلاتن
فَفْتَحُ لأبوابَ لِلْقا دِمِ في موكب عيدي
/.//./. /.//./. ///./. ///./.

(1) مستدرك أعيان الشيعة : 1/9 .
(2) معجم الشعراء الناظمين في الحسين : 1/283 والمقطوعة لإبراهيم شرارة المتوفى عام 1403 هـ .
دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 380

فاعلاتن فاعلاتن فعـلاتن فعـلاتـن
إنْنَهو يَحْمِلُ أزْها رَنْ وَشْمسَنْ وَظِلالا
/.//./. ///./. /.//./. ///./.
فاعـلاتن فعلاتن فاعـلاتن فعلاتـن
وَقواريرَ مِنِ لْعِطْ رِ وَرِزْقَنْ وَغِـلالا
///./. ///./. ///./. ///./.
فعـلاتن فعلاتن فعلاتن فعـلاتـن

فإن تفعيلة الرمل فاعلاتن قد يدخلها الخبن فتصبح فعلاتن ، ولا يخفى أن القصيدة كلها على هذا الوزن ، فهذا ما أسميناه بالقصيدة المتعددة القوافي وإن عدّوه من الشعر الحر .
وأخيراً فإن التلاعب بتقطيع البيت الشعري لدى التحرير أو لدى الإلقاء لا يخرجه عن واقعه وجوهره إذا ما كان موزوناً أو بالأحرى من الشعر العمودي ، ولا يصبح بهذا التلاعب شعراً حراً ، كما أن البعض يتصور أنه يمكنه بإلقاء المقطوعة النثرية بأساليب خاصة يحولها إلى شعر الحر على الأقل .

دائرة المعارف الحسينية ـ المدخل إلى الشعر الحسيني ـ 1 381

البند

وهو بفتح أوله وسكون ثانيه فارسية ، ولها فيها معاني متعددة ربما تجاوزت المفردة منها 35 معنىً ، وأما المركبة مع كلمة أخرى فهي كثيرة ، وأقرب المعاني والتي لها قواسم مشتركة فيما بينها هي : القفل ، العقدة ، القطعة ، الفقرة ، الفصل ، والقسم(1) .
ويقول ابن منظور(2) : البند هو العلم الكبير معروف ، فارسي معرب ، قال الشاعر من الطويل :
وأسيافنا تحت البنود الصواعق

وفي المحكم(3) : البند هو من أعلام الروم يكون للقائد ، يكون تحت كل علم عشرة آلاف أو أقل أو أكثر ، وقال الهجيمي(4) : البند عَلَمُ الفُرسان وأنشـد للمفضل(5) من الرجز :
جاؤوا يجرّون البنود جَرّا(6)

(1) فرهنگ فارسي : 1/582 .
(2) ابن منظور : هو محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الإفريقي (630 ـ 711 هـ) أديب لغوي ، ناظم ناثر ، مشارك في علوم ، ولد في مصر أو طرابلس الغرب وتوفي بمصر ، له مختار الأغاني ، نثار الأزهار ، مختصر تاريخ دمشق .
(3) المحكم : هو كتاب المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيدة علي بن إسماعيل المتوفى عام 458 هـ .
(4) الهجيمي : لعله نسبة إلى محلة في البصرة ، سكنها جماعة من قبيلة هجيم وإليه ينتسب عدد من الرواة والمحدثين والعلماء ، منهم خالد بن الحارث الهجيمي (119 ـ 186 هـ) .
(5) المفضل : الظاهر هو المفضل بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي المقتول عام 102 هـ على أبواب قندابيل في السند .
(6) لسان العرب : 1/501 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي