دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 263

ولعل المقصود في إنشاء مسجد على المرقد أنه أصبح كمسجد يقصده الناس للزيارة والصلاة فيه .
وبعدم عام 132 هـ وبالتحديد في عهد مؤسس الدولة العباسية السفاح(1) فسح المجال لزيارة قـبرالحسين عـليه السلام وابتدأ عـمران القـبر من جديد في ذلك الحين (2) .
وينقل عن سركيس أنه قال : « وفي عهد السفاح ـ هذا ـ بنيت على جانب القبر سقيفة ذات بابين » (3) ولعله يظهر من كلامه هذا بالانضمام إلى ما تقدم من قوله : « إن المختار أحاط القبر الشريف بحائط المسجد وبنى عليه قبة بالآجر والجص ذات بابين » (4)إن السقيفة التي أحدثت في عهد السفاح كانت على قبور الشهداء لمكان قوله : « على جانب القبر » لاستبعاد أن تبنى سقيفة إلى جهة الجنوب والشمال مثلاً وتترك قبور الشهداء بلا سقيفة ، إلا أن الكتب خالية من ذكر هذه السقيفة .



(1)السفاح : هو أبو العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أول من حكم من بني العباس ( 132 ـ 136 هـ ) ولد بالشراة بالقرب من عمان ، ثار على الأمويين بعد وفاة أخيه إبراهيم ، بويع له بالحكم في مسجد الكوفة .
(2) تراث كربلاء : 34 .
(3) صحيفة البديل الإسلامي الدمشقية ، العدد :62 السنة :5 الصفحة : 8 التاريخ : 25 / 7/ 1991 م = 14 /1 / 1412 هـ .
(4) راجع تاريخ المرقد في القرن الأول من هذا الفصل .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 264

ولكن المنصور العباسي (1)الذي حكم مابين 136 ـ 158 هـ صب جام غضبه على العلويين وآثارهم وتطاول على القبر المطهر ، وفي ذلك يقول السماوي :
وشيدو البنا علـيه قـبة ذات سقيفة لتأوي العصـبة
ثم دعا المنصور حقد ايد فثل (2)من أحقاده المشيد (3)

ويحدد سركيس عام 146 هـ هدم المنصور العباسي للسقيفة (4) .



(1) المنصور العباسي : هو أبو جعفر عبد الله بن محمد المتوفى عام ( 158 هـ ) ثاني من حكم من بني العباس ، خلف أخاه السفاح عام 136 هـ ، ولا يخفى ان اسميهما متحدان ، والاول اصغر من الثاني حيث ولد السفاح عام 104 هـ والمنصور عام 95 هـ .
(2) ثل البيت : هدمه .
(3) مجالي اللطف : 2/ 39 .
(4) صحيفة البديل الإسلامي الدمشقية : 62 / 8 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 265

وفي حدود عام 158 هـ (1)ـ وذلك في عهد المهدي العباسي (2) ـ أعيد تشييد السقيفة (3).
ويذكر الطبري (4)أن خدم المشهد الحسيني كانوا يتسلمون الهبات الخيرية من أم موسى (5)والدة المهدي العباسي .
وفي عام 187 هـ (6)بعث هارون الرشيد (7)إلى ابن أبي داود (8)والذين يخدمون قبر الحسين بن علي عليه السلام في الحائر فأتى بهم فنظر إليه الحسن بن راشد وقال مالك ؟ قال : بعث إلى هذا الرجل ـ يعني الرشيد ـ فأحضرني ولست آمنه على نفسي فقال له : إذا دخلت عليه فسألك ، فقال له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع .
فلما دخل عليه قال هذا القول، قال الرشيد : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحظروه ، فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير (9)( الحائر ) ؟ قال : رحم الله من صّيره في الحير ، أمرتني ام موسى أن أصيره فيه ، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً .

(1) ومضات من تاريخ كربلاء : 18.
(2) المهدي العباسي : هو محمد بن عبد الله ( المنصور ) ثالث من حكم من بني العباس للفترة من ( 158 ـ 169 هـ ) .
(3) صحيفة البديل الاسلامي الدمشقية العدد : 62 السنة : 5 الصفحة : 8 ، التاريخ : 25 / 7 / 1991 م = 14 / 1/ 1412 هـ .
(4) الطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد ( 224 ـ 310 هـ ) المؤرخ والمفسر مؤلف كتاب تاريخ الأمم والملوك ، وتهذيب الآثار .
(5) أم موسى : هي كنيتها ولم يكن لها بهذا الاسم وهي ابنة يزيد بن منصور الحميري من ملوك اليمن ، زوجة المنصور العباسي ، توفي عام 146 هـ .
(6) كتاب شهر حسين : 196 .
(7) هارون الرشيد : خامس من حكم من بني العباس ( 170 ـ 193 هـ ) إبني المهدي والخيزران ، ولد بالري ، تولى الحكم بعد مقتل أخيه الهادي .
(8)ابن أبي داود : لعله أحمد بن فرج ( أبي داود القاضي الأيادي المتوفى عام 240 هـ ، كان من رجال العلم .
(9) الحير : لغة في الحائر والذي يطلق على المشهد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 266

فقال : ردوه إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى (1) .
ولما كانت سنة 193هـ (2) ضيق هارون الرشيد الخناق على زائري القبر وقطع شجرة السدرة التي كانت عنده (3) وكرب موضع القبر (4) وهدم الأبنية التي كانت تحيط بتلك الأضرحة المقدسة (5) وزرعها ، وذلك عبر واليه على الكوفة موسى بن عيسى (6) بن موسى الهاشمي (7) .

(1) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 84 ، تاريخ الأمم والملوك : 5/ 21 حوادث سنة 193 هـ .
(2) جاء في صحيفة البديل الإسلامي العدد : 62 نقلاً عن يعقوب سركيس أن الرشيد هذم السقيفة عام 171 هـ وقطع السدرة وهدم بناء القبة .
(3) كان يستدل بشجرة السدرة على موضع قبره ويستظل بها ، ويقول الخياط في كتابه تاريخ الروضة الحسينية : 9 « أوعز هارون إلى قطع السدرة التي كانت في وسط المشهد » وفي ومضات من تاريخ كربلاء : 18 إن القطع كان سنة 171 هـ .
(4) تراث كربلاء : 34 ، نزهة أهل الحرمين : 61 .
(5) روى المجلسي في البحار : 45 / 398 / ح : 7 عن أمالي الطوسي : 206 ، عن ابن حشيش ، عن أبي الفضل ، عن محمد بن علي بن هاشم الآبلي ، عن الحسن بن أحمد النعمان الجوزجاني ، عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه ، فقطعت ، قال فرفع جرير يديه وقال : الله اكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قال : لعن الله قاطع السدرة ثلاثاَ فلم نقف على معناه حتى الآن لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره .
(6) موسى بن عيسى العباسي : المتوفى بعد عام 193 هـ ، وما جاء في الاعلام أنه متوفى عام 183 هـ ، غير صحيح حيث عده الطبري في تاريخه : 5/ 16 من ولاة عام 193 هـ على الكوفة ، ومن الجدير ذكره أن بعض المصادر ذكرت أن عملية الكرب تمت على يد عيسى بن موسى والي الرشيد على الكوفة وهو غير صحيح، لان عيسى توفي عام 176هـ وكان والياً على الكوفة قبل عهد الرشيد. وموسى هذا هو ابن عيسى بن موسى بن محمد العباسي الهاشمي ، وكان عيسى ابن أخ السفاح .
(7) ولأبي بكر بن عياش ويحيى الحماني قصة في ذلك ذكرناها في باب الرؤيا ، وكذا في باب الحكايات فلا نكررها هنا ، وقد أنكرا على والي الرشيد موسى بن عيسى مافعله بقبر الحسين عليه السلام .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 267

وفي عام 198 هـ عندما استتب الأمر للمأمون (1) اقتضت سياسته مراعاة شعور الموالين لأهل البيت عليهم السلام لامتصاص النقمة المتزايدة عليه والمنافسة السياسية لحربه مع أخيه الأمين (2)وقتله إياه ، ففسح المجال لزيارة فبر الحسين وتعميره ، فبنى عليه قبة شامخة وحرم فخم وبدأ الناس يسكنونه من جديد .
ثم ان المأمون أراد التقرب إلى العلويين وأهل البيت عليهم السلام لاستحكام ملكه فأصدر قراره بولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام في سنة 201 هـ (3) وبتعمير مرقد الإمام الحسين عليه السلام فأمر بتشييد قبة عظيمة وروضة فخمة أحسن من ذي قبل، وبذلك يكون قد عمر المرقد في عهد المأمون مرتين (4) كما قام المأمون بتوسيع الحير ( الحائر ) (5) .
ويظهر من ذلك أن التعمير الأول حصل من قبل الموالين وربما في الفترة التي شهدت الصراع بين الأمين والمأمون بين الأعوام ( 193 ـ 198 هـ ) ، وأما التعمير الثاني فقد حصل من قبل المأمون بعد القضاء على أخيه الأمين واستتباب الأمر له .

(1) المأمون : هو عبد الله بن هارون الرشيد سابع حكام العباسيين ، تولى الحكم بعد أخيه الامين عام 198 هـ وحتى عام 218 هـ وامه ام ولد اسمها مراجل ـ فارسية ـ .
(2) الأمين : هو محمد بن هارون سادس من حكم من بني العباس ( 193 ـ 198 هـ ) ، وامه زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي دارت معركة بينه وبين أخيه المأمون على السلطة أدت إلى مقتله .
(3) وذلك في السابع من شهر رمضان المبارك .
(4) تاريخچه كربلاء : 59 .
(5)موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 258 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 268





دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 269

القرن الثالث
( 30 / 7 / 816 ـ 7 / 8 / 913 م )

يقول سلمان آل طعمة : « إن الشائع على ألسنة الباحثين والمؤرخين أن كربلاء كانت في القرن الثالث مملوءة بالأكواخ وبيوت الشعر التي كان يشيدها المسلمون الذين يفدون إلى قبر الحسين عليه السلام » (1)، إلى جانب بيوت المجاورين له .
هذا ولم يتعرض مرقد الإمام الحسين عليه السلام في عهد المعتصم العباسي (2)والواثق العباسي (3) إلى الهدم والتخريب ، كما لم يتعرض الموالون لأهل البيت عليهم السلام للاضطهاد بسبب اضطراب الوضع السياسي (4).
ولما كانت سنة 232 هـ تولى الحكم المتوكل العباسي (5)وكان شديد

(1) تراث كربلاء : 231 ولكننا نقول : إن المختار عندما بنى القبر وشيد المشهد أسس قرية صغيرة حوله ـ راجع تاريخ الروضة الحسينية وغيره ـ مما يدلنا على أن البيوت كانت قائمة منذ القرن الأول الهجري ولعلها كانت مبنية أيضاً ، والظاهر أن المراد من قولهم كانت مملوءة بالأكواخ إلى آخره أنها كانت للزائرين على ما يتضح من آخر العبارة .
(2) المعتصم بالله : هو محمد بن هارون ثامن من حكم من بني العباس بعد أخيه المأمون ما بين عام ( 218 ـ 227 هـ ) .
(3) الواثق : هو هارون بن محمد تاسع من حكم من بني العباس بعد أبيه المعتصم ما بين ( 227 ـ 232 هـ ) .
(4) شهر حسين : 202 .
(5) المتوكل : هو جعفر بن محمد المعتصم ( 206 ـ 247 هـ ) عاشر من حكم من بني العباس ، قتله ابنه المنتصر .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 270

البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام (1)ولذلك عمد إلى هدم قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام أربعة مرات (2) :
الأول : عام232 هـ (3)وذلك إثر ذهاب إحدى جواريه المغنيات إلى زيارة شعبان في كربلاء (4) ، فأنفذ عمر بن

(1) العراق قديماً وحديثاً : 129 عن تاريخ أبي الفداء : 188 ، ويروى أنه من شدة بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يأمر عبادة المخنث أن يربط وسادة على بطنه ويرقص ، وكان عبادة أصلع الرأس فكان يشبهه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث جاء في صفاته عليه السلام أنه الأنزع البطين ، وكانوا يشربون الخمر ويصفقون استهزاء بالإمام عليه السلام والمغنون بغنون (قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ) فيشرب المتوكل ويضحك مستهزءاً وذات يوم كان ابنه المنتصر موجوداً فساءه ذلك فنظر إلى عبادة مهدداً له فتوقف عبادة عن رقصه ، فسأله المتوكل عن سببه فقال هذا ابنك المنتصر يهددني فأمر المتوكل بالمغنين أن يتغنوا بهذا البيت :
غار الفتى لابن عـمه راس الفتى في حر أمه
(2) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 258 عن تاريخ كربلاء وحائر الحسين للدكتور عبد الجواد الكليدار : 191 .
(3) ولعل الأدق أنه كان في عام 233 هـ لأن المتوكل تولى الحكم في 6 ذي الحجة 232 هـ وعلى هذا يكون أول شعبان من حكمه هو عام 233 هـ .
(4) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 258 ، وجاء في تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 202 ، مقاتل الطالبيين : 478 « إن بعض القيان كانت تبعث بجواريها إلى المتوكل قبل الخلافة يغنين له إذا شرب فلما بعث إلى تلك القينة فعرف أنها غائبة ، وكانت قد زارت قبر الحسين عليه السلام وبلغها خبره فأسرعت في الرجوع ، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها ، فقال لها : أين كنتم ؟ قالت : خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها ، وكان ذلك في شعبان فقال لها : أين حججتم في شعبان ؟ فقالت : إلى قبر الحسين عليه السلام فاستطار غضباً وأتى بمولاتها فحبست واستصفى أملاكها ، وبعث برجل من أصحابه يقال له : الديزج ـ وكان يهودياً فأسلم ـ إلى قبر الحسين عليه السلام وأمره بكربه ومخره وإخراج كل ما حوله فمضى لذلك وخرب ما حوله ، وهدم البناء ، وكرب ماحوله نحو مائتي جريب ( الجريب : 60×60 ذراعاً ) فلما بلغ الى قبره لم يتقدم اليه أحد فأحضر قوماً من اليهود فكربوه وأجرى الماء حوله ووكل به مسالح على سائر الطرق بين كل مسلحتين ميل لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجه به إليه فقتله أو أنهكه عقوبة ، ويبدو لنا أن هنالك خلطاً في الهدمين الأول والثاني ، كما يظهر من هذه الرواية أن مساحة المدينة كانت في ذلك الوقت ( 200 ) جـريباً ، وبـما أن الجريـب يعادل ( 60 × 60 ) ذراعا ً، =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 271

فرج (1) لهدم ماعمره المأمون العباسي وأمر بتخريب قبر الحسين عليه السلام وحرثه ، فلما صار إلى الناحية أمر بالبقر فمر بها على القبور كلها فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه (2).
ثم أن الموالين لأهل البيت عليهم السلام رغم الاضطهاد والتنكيل عمدوا إلى

= والذراع الواحد يعادل ( 83 / 45 ) سنتيمتراً فمعنى ذلك أن الجريب يعادل ( 498 / 47× 498 / 47 م ) 06/ 2256 متراً مربعاً ، وعليه تكون مساحة المدينة أقل من نصف كيلو متر مربعاً ، وربما كانت بالأبعاد التالية : ( 97 و 474 × 94 و 949 م) وهذه المساحة يمكنها أن تستوعب الروضتين وجوارهما القريب .

(1) عمر بن فرج : الرجحي ( الرخجي ) كان في فترة من الفترات عامل المتوكل على المدينة ومكة ، ومن الجدير ذكره انه لم ينقض عام على هدمه لقبر الامام الحسين عليه السلام الا وضربته نكبة حيث غضب عليه المتوكل فحبسه وقيده وجرده من كافة امواله واملاكه ـ راجع تاريخ الطبري : 5/ 297 ـ . وجاء في الكامل : 5/ 287 عمرو بن فرخ الرخجي اشتهر بالنصب والبغض لعلي عليه السلام .
(2) بحار الأنوار : 45 / 398 ح : 8 ، أمالي الطوسي : 334 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 272

تعمير مرقده الشريف (1) .
الثاني : سنة 236 هـ (2) حيث عمد المتوكل أيضاً إلى هدم الضريح المطهر وملحقاته وزرعه بعد تسوية أرضه (3) ، كما امر بهدم ماحوله من المنازل والدور ثم منع زيارة المكان وغيره من البقاع الشيعية المقدسة (4) وهدد الزوار بفرض عقوبات صارمة عليهم (5)، فنادى بالناس : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق (6) وإلى هذا يشير السماوي في ارجوزته فيقول :
ثم تنـاهـى جعـفـر بالـمخـر و الحـرث للأرض ونبث (7)القبر
لـمأتيـن و ثـلاثـيـن وسـت إذ فوض الأمر إلى علق (8) وست (9)

وأوعز مهمة الهدم لرجل يهودي (10)اسمه إبراهيم

(1) في كتاب شهر حسين : 207 إن مرقد الإمام الحسين عليه السلام قد عمر بين الهدمين الأول والثاني كما أنشئت البيوت من حوله ثانية ، ولكن التاريخ لم يذكر من قام بإنشائه وتعميره .
(2) الموافق لعام 850 ـ 851 م، وأشار يعقوب سركيس فقط إلى هذا الحرث في زمن المتوكل دون غيره من الهدم والحرث .
(3) تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 205 عن تاريخ أبي الفداء : 2/ .. ، تاريخ الطبري : 5/ 312 ، الكامل لابن الأثير : 5/ 287 ، ومروج الذهب :51 وفيات الأعيان : 1/ 455 ، فوات الوفيات : 1/ 219 ، ونزهة أهل الحرمين : 180 .
(4) جاء في مروج الذهب : 4/ 51 : كان آل أبي طالب قبل خلافة ( المنتصر ) في محنة عظيمة وخوف على دمائهم ، قد منعوا من زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد وكان الأمر بذلك من المتوكل سنة 236 هـ .
(5) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 258 عن دائرة المعارف الإسلامية .
(6) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 93 ، الكامل في التاريخ : 2/ 287 .
(7) نبث البئر : نبشها .
(8) العلق : الخصم ، وسلق اللسان ، الست : العيب والكلام القبيح . واراد منها الرجل الحضوم البذي اللسان .
(9) مجالي اللطف : 2/ 39 .
(10) موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء : 259 ، ويعلق الدكتور عبد الجواد الكليدار في كتابه تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 203 على إرسال الديزج : « إن المسلمين لم =
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 273

الديزج (1) فبعثه المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبرالإمام الحسين عليه السلام وكتب معه إلى القاضي ابن عمار (2): « أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أم لم يفعل » (3) ، فعرض القاضي بالكتاب على إبراهيم الديزج ، فأتمر الديزج بأمر القاضي جعفر ثم أتاه فقال له : ماصنعت ؟
فقال : قد فعلت ما أمرت به فلم أرشيئاً ولم أجد شيئاً .
فقال القاضي : أفلا عمقته ؟
فقال إبراهيم : قد فعلت ، فما رأيت .
فكتب القاضي إلى المتوكل : « إن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئاً وأمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر » .
والتقى أبو علي العماري (4) بإبراهيم الديزج وسأله عن صورة الأمر

= يقدموا على هدم القبر المطهر ، ان إبراهيم الديزج اليهودي الأصل أتى بجماعة من قومه من اليهود لهذا الغرض ، وان اليهود هم الذين باشروا في هذه المرة بهدم قبر الحسين عليه السلام ، وان الديزج حسب أمر المتوكل لم يكتف بهدم القبر وإنما ضرب ماحوله فهدم مدينة كربلاء كلها وانه أوكل في أطرافها المسالح لمنع الزائرين من الزيارة بالعنوة وبعقاب القتل » .
(1) إبراهيم الديزج : هوابن سهل سكن سامراء وبغداد وكان من المقربين عند العباسيين ، تولى قيادة الشرطة لاكثر من مرة ، لاحقه الاتراك ، كان حياً حتى عام 251 هـ ، والصحيح انه توفي عام 247 هـ بعد يومين من وفاة المتوكل . والديزج كلمة فارسية تعني الحمار الأدغم ، ويذكر الديرج والديزح أيضاً .
(2) ابن عمار : هو جعفر بن محمد بن عمارالكوفي البرجمي قاضي قضاة الدولة العباسية بالكوفة ثم سامراء .
(3) ويبدو من تصرف المتوكل ووضع القاضي مراقباً لعملية النبش أنه كان يعرف تمام المعرفة أن الناس حتى المنحطين منهم كان يصعب عليهم مباشرة الأمر .
(4) العماري : وجاء في بعض المصادر القماري ، لم تتضح لنا شخصيته ، ولكن العماري بالتشديد تأتي عادة للنسبة الى الجد ـ كما في الانساب للسمعاني ـ كما شاع منذ القدم تكني الحسن والحسين بابي علي ، ولعله كنية القاضي جعفر بن محمد بن عمار المتقدم الذكر ، والله العالم .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 274

فقال له : أتيت في خاصة غلماني فقط ، وأني نبشت فوجدت بارية (1)جديدة عليها بدن الحسين بن علي ، ووجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على البارية . وأمرت بطرح التراب عليه وأطلقت عليه الماء (2) ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لاقتلنه (3) ، ويصف السماوي الحادثة فيقول :
حتى إذا الشمس بدت للأعين قامـوا فـهدمـوا جـميع ما بني
ونبشوا القبر فلاحت باريـة تـسطع بالـمسك كمثل الغانيـة
قلت دعـوه ولئن لـم يكـتم رآه قـتلـتـه عـلـى الـتكلـم
ثم حرثنا الأرض لكن الـبقر تـأتي إلـى ذاك الـمقام وتـذر
وكلمـا تضـرب للـكـراب تقهقرت تـمشي على الأعقـاب
ثم مخرنا الماء فـوق القـبر فحار عنـه واقفـاً لا يجري (4)

ويبدو أن محبي أهل البيت عليهم السلام ، لم يتركوا قبر إمامهم على حاله بل عمروه بما يتناسب وتضيق السلطات عليهم .
الثالث : سنة 237 هـ حين بلغ المتوكل أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير(5) فأنفذ قائداً من قواده (6) واسمه هارون المعري (7) ، وضم الوزير عبيد الله بن

(1) البارية : حصير مصنوع من القصب .
(2) هذا المقطع نقله القمي في نفس المهموم : 245 .
(3)بحار الأنوار : 45 / 394 : ح 2 ، أمالي الطوسي : 335 .
(4) مجالي اللطف : 2/ 26 .
(5) تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 207 كما نقله باختصار تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية : 1/ 216 ، والقرماني في كتابه أجناد الطوال : في حوادث سنة 237 هـ .
(6) بحار الأنوار : 45 / 397 / ح5 ، أمالي الطوسي : 335 .
(7) المعري : نسبة الى معرة النعمان من بلاد الشام ، وكان هارون هذا قائداً عسكرياً فـي عهد الـمتوكل العباسي ( 232 ـ 247 هـ ) .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 275

يحيى (1) أبا عبد الله الباقطاني (2) إلى المعري ليكون كاتباً له (3)كما ضم إلى الكتيبة إبراهيم الديزج لينفذ الهدم والحرث (4) ، وضم كنفاً (5) من الجند كثيراً ليشعث (6) قبر الحسين عليه السلام ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره (7) فلما عزموا على الخروج والمسير إلى الناحية رأى هارون المعري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال له لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين عليه السلام ! فلما أصبحوا جاؤوا يستحثونه في المسير فسار معهم حتى وافى كربلاء وفعلوا ما أمروا به (8) ، فثار أهل السواد على القائد واجتمعوا عليه وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من نفي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى المتوكل ، فورد كتابه إلى القائد بالكف عنهم والمسير

(1) عبيد الله : هو ابن يحيى بن خاقان ( 209 ـ 263 هـ ) وزير من المقدمين في العصر العباسي استوزره المتوكل والمعتمد ، استمر في الوزارة إلى أن توفي .
(2) الباقطاني : لم نتعرف على من حمل هذا اللقب الاعلى الحسين بن علي الذي كان من وجوه الشيعة عاش فترة غيبة الامام المهدي عليه السلام عام 260 هـ فانحرف وادعى النيابة عنه بعد ستين ، ولكن يبدو أنه تراجع عن ذلك لانه حضر اجتماعاً لكبار الشيعة في دار محمدبن عثمان العمري عند قرب رحيل الثاني من دار الدنيا عام 305 هـ ليسألوه عمن يتحمل مسؤولية النيابة فارشدهم الى الحسين بن روح التنوخي ، وأستبعاد حضوره كربلاء مع الديزج لا ينافي عقيدته لاْنه لم يشترك للهدم بل لتحرير الحدث وقد اعانه ذلك على نشر الخبر فيها بعد كما هو الحال في الصحفيين ، كما لا يتنافى بين التاريخين لاحتمال انه كان في العقد الثاني من عمره عندما حضر كربلاء ، بينما كان في العقد التاسع عندما حضر الاجتماع عند العمري والله العالم .
(3) بحار الأنوار : 45 / 395 / ح 3 ، أمالي الطوسي : 335 .
(4) بحار الأنوار : 45 / 395 / ح 3 إذ يقول هارون المعري : وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين وإجراء الماء عليه .
(5) الكنف : اراد بها المجموعة المحيطة بالشيء لمنع الآخرين من الوصول إليه ، يقال : اكتنف القوم فلانا اذا احاطوا به ، وتكنفوه من كل جانب اي احتوشوه . والكلمة توحي بأنهم كانوا يخافون من هجوم الموالين الزائرين للقبر عليهم .
(6) شعث الشيء : فرقة ونشره ، واراد بها الهدم .
(7) بحار الأنوار : 45 / 397 / ح 5.
(8) بحار الأنوار : 45 / 395 / ح 3 .
دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ 1 276

إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها من مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر (1) .
ثم انه رأى في المنام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : ألم آمرك أن لا تخرج معهم ؟ ولا تفعل فعلهم ؟ فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا ؟ ثم لطمني وتفل في وجهي فصار وجهه مسوداً (2)، ويصف السماوي تلك الحادثة فيقول :
وقال فيها إن الـباقطاني (3) حكـى وكـان كاتب الديـوان
وكان وجهه كمثل النقس (4) لوناً وجسمه كمثل الطرس (5)
فقلت يوماً وطرحنا الحشمة وجهك لم خص بهذه الأدمـة
قـال سأنبيك إذا لـم تخـبر فـقلت لا وفـضلك الموفـر
قال خرجت في عداد الديزج فقال طيف المصطفى لاتخرج
فملت عنه إذ رأيـت النهـيا فجاءني الـديزج يدعو الوحيا
فقـمت عنـه تابعـاً للأمـر بهـدم كربـلا وحرث القـبر
فجاءني طـيف الرسول ثانياً وقال لي هـلا أطـعت الناهيا
ويلك قد حرثت قبر ابني الأبر وصك وجهي لطمة ذات أثـر
فأسود ذاك الوجه والجسم بقي فـها أنـا بهيئـة لـم تـسبق

(1) بحار الأنوار : 45 / 397 / ح5 ويعلق عبد الجواد الكليدار في كتابه تاريخ كربلاء وحائر الحسين : 209 « إن الطاغية لم يوفق في هذه المرة إلى مثل ما ارتكبته يداه في المرات السابقة وذلك تحت تأثير الرأي العام من جهة ومن جهة أخرى تجاه المقاومة الفعلية الشديدة التي لاقاها جنوده من قبل الأهلين » .
(2) وكان جسمه أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانت كذلك ألا وجهه فقد أصبح أسود شديد السواد كأنه القير كما في رواية أبي عبد الله الباقطاني كاتبه الذي ينقل عنه مباشرة البحار 45 / 395 / ح 3 عن أمالي الطوسي : 335 .
(3) ويبدو أن الباقطاني في أرجوزة السماوي كان يتحدث عن حال القائد هارون المعري وليس عن حاله كما قد يتبادر للذهن ، فالضمير في وجهه يعود إلى ما قبل الباقطاني وليس للباقطاني ، ومن الجدير ذكره ان السماوي لم يذكر فيما سبق له من الابيات إسماً غير الديزج ولكن الحدث كما في الرواية وقع للمعري ، وقد اشار في البيت الخامس الآتي الى ان صاحب الحدث غير الديزج .
(4) النقس : الجرب .
(5) الطرس : السواد .

السابق السابق الفهرس التالي التالي