دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 20


وبما أن البحث في القِدم وعن عهد الجاهلية ، فإن أول من نظم في الإمام الحسين عليه السلام في تلك العصور هو قس بن ساعدة الأيادي المتوفى قبل الهجرة بـ23 عاماً أي قبل البعثة النبوية الشريفة بعشر سنوات ، واعتبر شعره من التنبؤ الذي عرف به وسيأتي التفصيل عنه في ترجمته إن شاء الله تعالى(1) وقد أوردنا شعره في ديوان القرن الأول(2) .
ولو أطللنا على عصر البعثة النبوية لوجدنا أن أول من نظم في الإسلام هو أبو طالب بن عبد المطلب القرشي المتوفى عام 3 ق .هـ(3) وأشعاره في ابن أخيه واعترافاته بنبوته كثيرة راجع بشأنها في محله(4) ، وأما عن أول من نظم بعد الهجرة النبوية إلى المدينة فهي الأبيات المعروفة التي أنشدت لاستقبال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم وروده إلى المدينة وهي : «طلع البدر علينا»(5) .
وأما عن أول من نظم في الحسين عليه السلام في عصر الإسلام وبعد الهجرة فهو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقد سبق ذكره في ديوان القرن الأول(6) ولعل حسان بن ثابت سبقه ، وذلك حين رأى الحسنين على كتفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(7) .

(1) معجم الشعراء حرف القاف من هذه الموسوعة .
(2) ديوان القرن الأول : 2/128 .
(3) راجع ترجمته في مقدمة معجم الأنصار قسم «الهاشميون» من هذه الموسوعة .
(4) من تلك المراجع ، ديوان أبي طالب جمع وتحقيق عبد الحق العاني ، وقد ذكرنا قسماً منها في مقدمة معجم تراجم الأنصار ـ فصل «الهاشميون» من هذه الموسوعة ـ .
(5) البداية والنهاية : 3/156 ، قال البيهقي أخبرنا أبو عمرو الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة جعلن النساء والصبيان يقلن : الأبيات ـ من مجزوء الرمل ـ :
طلع البـدر علينا مِن ثنيّات الوداع
وجبَ الشكر علينا ما دعـا لله داع
(6) ديوان القرن الأول : 1/171 ، 172 ، 219 .
(7) ديوان القرن الأول : 2/256 ، ولا يخفى أن لبابة بنت الحارث الهلالية المتوفاة قبل عام 32هـ نظمت في الإمام الحسين عليه السلام أبياتاً راجع بشأنها ديوان القرن الأول : 2/267 ، كما أن سودة بنت عمارة الهمدانية أنشأت يوم معركة صفين أبياتاً وذكرت الإمام الحسين عليه السلام راجع ديوان القرن الأول : 2/253 ونظم عوف بن قطن
=
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 21


وأما عن أول من نظم فيه بعد استشهاده فهي السيدة زينب عليها السلام(1) وقد أوردنا رثاءها في ديوان القرن الأول(2) .
إذاً بدأ الشعر في الحسين عليه السلام من قس بن ساعدة الأيادي ولم ينتهِ بعد ولن ينتهي وقد فصلنا القول في محله عن أول الراثين على الإمام الشهيد فليراجع(3) وهكذا بدأ الشعر الحسيني وبدأ معه التراكم في عدد الناظمين وتفاقم هذا العدد الهائل من هؤلاء الشعراء ليكوِّن هذا المعجم الذي بين يديك .

= الضبي المتوفى عام 36هـ في يوم الجمل في الإمام عليه السلام أيضاً راجع ديوان القرن الأول : 2/254 وبشر بن منقذ الشني المتوفى حدود عام 50هـ فإنه نظم فيه وفي أخيه وأبيه في معركة صفين ديوان القرن الأول : 1/243 وكعب بن زهير المازني المتوفى عام 45هـ راجع ديوان القرن الأول : 1/133 .
(1) السيدة زينب : هي ابنة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (5 ـ 62هـ) تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، حضرت واقعة كربلاء عام 61هـ ، وكانت لها مشاركة فاعلة في نهضة أخيها الحسين عليه السلام .
(2) ديوان القرن الأول : 1/221 .
(3) راجع باب الأوائل من هذه الموسوعة حيث ذكرنا أن أول الراثين من الهاشميين النساء السيدة زينب عليها السلام ومن الرجال الإمام زين العابدين عليه السلام ، ومن غير الهاشميين عبدالله بن عفيف الأزدي وذلك في الثالث عشر من محرم 61هـ ، كما ذكرنا أن أول الراثين على قبره هوعقبة بن عمرة السهمي على ما اشتهر بين المؤرخين .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 22


طبقات الشعراء

لا شك أن في كل مجموعة سواء كانت علمية أو أدبية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها طبقات مختلفة وقد قال الله تبارك وتعالى : «وَرَفَعْنا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجات»(1) .
وقد صنفوا الشعراء كغيرهم(2) إلى أصناف مختلفة وطبقات متنوعة ، هذه التصنيفات قد تكون على حساب القرون أو العصور كتصنيفهم إلى شعراء القرن الأول والثاني وهلم جرا ، أو تصنيفهم إلى شعراء جاهليين ومخضرمين (13ق.هـ ـ 41هـ) ثم إلى شعراء العصر الأموي (41 ـ 132هـ) والعباسي (132 ـ 656هـ) مثلاً ، وقد استخدم هذا النمط عدد كبير من المتأخرين منهم الأستاذ عمر فروخ(3) في كتاب تاريخ الأدب العربي .
وقد يكون تصنيفهم على شكل مشاركاتهم العلمية كتصنيفهم إلى شعراء فقهاء ، وشعراء نحويين ، وشعراء لغويين ، وما إلى ذلك(4) ، ومنهم من أفرزهم حسب المناطق والأقطار كما فعل الثعالبي(5) في يتيمة الدهر(6) .

(1) سورة الزخرف ، الآية : 19 .
(2) راجع كشف الظنون : 1/320 ـ 322 .
(3) فروخ : هو عمر بن عبد الله ، وهو عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة ، وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق ، وعضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي ، لهُ مؤلفات عديدة ، توفي سنة 1407هـ .
(4) راجع نهاية معجم الأدباء لياقوت الحموي .
(5) الثعالبي : هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري المتوفى حدود عام 429هـ كان أديباً لغوياً له مصنفات منها يتيمة الدهر ، وفقه اللغة ، وسر الأدب .
(6) ولقد خصص العديد من المؤلفين معاجمهم ببلد معين كما هو الحال في شعراء كربلاء لسلمان طعمة وشعراء الغري لعلي الخاقاني ومنهم من خصص معجمه بأكثر من ذلك حيث ترجم للشعراء الشعبيين لبلد معين ومن ذلك «شعراء الكوفة الشعبيين ، لكامل الجبوري والشعراء الشعبيون من كربلاء لسلمان طعمة» .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 23


وقد يكون على حساب الأغراض الشعرية السائدة كما في قولهم شعراء الرثاء وشعراء التصوف وما شابه ذلك ، وهذا الأسلوب اعتمده جمع من المؤلفين ، ومنهم من قسمهم على ما اشتهروا به كقولهم الشعراء الفرسان وشعراء البلاط ، والشعراء الصعاليك وأمثال ذلك(1) .
وقد يناط تصنيفهم حسب الرتبة الأدبية في الشعر فيحدد طبقته بالأولى والثانية والثالثة ، لتكون الطبقة الأولى هي الطبقة المتفوقة ، وقد سلك هذا المنحى ابن سلام الجمحي(2) حيث صنف الشعراء الإسلاميين إلى عشر طبقات ، وهناك من صنفهم بشكل آخر كابن شهر آشوب(3) حيث صنف شعراء أهل البيت عليهم السلام على أربع طبقات : المجاهرون والمقتصدون والمتقون ، والمتكلفون(4) إلى غيرها من اعتبارات ومميزات(5) .

(1) راجع كتاب المجاني الحديثة حيث جُزِّأَ الكتاب إلى خمسة أجزاء خصص كل جزء بمجموعة من الشعراء يجمعهم عنوان واحد ، ولمزيد البيان ننقل من كتاب تاريخ التراث العربي : 149 ـ 163 بعض النماذج : كتاب الشعراء القدماء والإسلاميين لعلي بن يحيى المنجم المتوفّى عام 275هـ ، كتاب أسماء فحول الشعراء لأحمد بن عبدة العبدي المتوفى نحو عام 300هـ ، كتاب الشعراء المشهورين للحسن بن بشر الآمدي المتوفى عام 353هـ ، كتاب المماليك الشعراء لعلي بن الحسين الأصفهاني المتوفى عام 356هـ ، كتاب الشعراء الندماء لمحمد بن أحمد المتيم المتوفى في نهاية القرن الرابع الهجري ، المحمدون من الشعراء لعلي بن يوسف القفطي المتوفى عام 646هـ ، كتاب الإماء الشواعر لعلي بن الحسين الأصفهاني المتوفى عام 356هـ ، كتاب النساء الشواعر لناجي بن عبد الواحد بن الطراح المتوفى بعد عام 720هـ ، مضافاً إلى كتاب من نسب إلى أنه من الشعراء ، أو كتاب من يسمى من الشعراء عمرواً ، كتاب ألقاب الشعراء ، كتاب كنى الشعراء ، معجم ألقاب الشعراء للعاني ، إلى غيرها .
(2) ابن سلام : هو محمد بن سلام بن عبد الله الجمحي بالولاء (150 ـ 231هـ) من أئمة الأدب من أهل البصرة ، مات ببغداد ، له مؤلفات منها : طبقات الشعراء ، بيوتات العرب ، غريب القرآن .
(3) ابن شهر آشوب : هو محمد بن علي بن شهر آشوب (488 ـ 588هـ) من أعلام الإمامية ومحدثيهم من أهل ساري بمازندران ، سكن بغداد والموصل ثم حلب فتوفي بها ، له مؤلفات منها مناقب آل أبي طالب ، الفصول ، أسباب نزول القرآن .
(4) معالم العلماء : 146 .
(5) وهناك من وضع كتابه على الأسماء كما في كتاب : «المحمدون من الشعراء وأشعارهم» .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 24


ولكن بعد دراسة سريعة ودقيقة في آن واحد وجدنا أن الخضوع لهذه التقسيمات قد يسبب لنا الكثير من المتاهات التي نحن في غنىً عنها ولكي نجمع بينها ولمزيد الفائدة فقد وضعنا جدولاً خاصاً بذلك سنستعرضه في آخر المطاف من معجم الشعراء إن شاء الله تعالى .
وأما الحديث عن تاريخ وضع هذه التقسيمات فليس في المصادر التي اطلعنا عليها ما يدل على رصد هذا المعنى إلا بعض الاحتمالات التي لم تقترن بالدليل ، ومن المعلوم أن وضع المعاجم عن الشعراء سابق على تدوين طبقاتهم ، ومن الطبيعي أن تخضع مسألة أخبار الشعراء إلى عملية التطوير فيتدرج الحديث عن طبقتهم ، وهذا لا يختص بأخبار الشعراء بل أعم منه ولذا فعندما يضع واصل بن عطاء(1) كتابه طبقات أهل الجهل والعلم لا بد وأن يتأثر غيره في سلوك مسلكه لدى وضعه عن موضوعات أخرى ومنها أخبار الشعراء .
وهناك من يريد القول بأن هذا الفن مستورد من الفرس ، وأنه متوغل في القدم إلى ما قبل الميلاد حيث نسب إلى الملك لهراسب بن كوغان(2) القرن 13 ق . هـ (القرن 6 ق . م) كتاب طبقات الكتاب وأضاف بأنه من مصادر ابن الكلبي(3) إلا أنه بعيد جداً ، وقد نسب هذا القول إلى

(1) واصل بن عطاء : الغزّال المعتزلي (80 ـ 131هـ) ولد في المدينة ونشأ بالبصرة ، من أئمة البلاغة والمتكلمين وهو الذي نشر مذهب الاعتزال في الآفاق ، له مؤلفات منها : أصناف المرجئة ، السبيل إلى معرفة الحق ، المنزلة بين المنزلتين .
(2) لهراسب بن كوغان بن كيموس : أولاه الملك كيخسرو بن سياوش بن كيقبا ثالث ملوك الكيانيانية الفرس ، الحكم إلا أنه زهد عنه ولما ظهر زرداشت في القرن 6ق.م تدين بدينه ولكن ابنه الملك كستاسب تولى الحكم بعد مهراب بن كيوجي ، وأصبح خامس ملوك الكيانيانية وهم السلسلة الحاكمة الثانية من ملوك الفرس في عصر التاريخ ، حكموا بعد سلسلة الماد التي انتهى حكمها عام 550ق.م (1172ق.هـ) .
(3) ابن الكلبي : هو هشام بن محمد بن السائب الكوفي المتوفى عام 146هـ ، ولد وتوفي بالكوفة ، من أئمة علم الأنساب ، كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، له نيف وخمسون ومئة كتاباً منها : جمهرة الأنساب ، بيوتات قريش ، الأقاليم .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 25


الطبري(1) في تاريخه(2) إلا أننا لم نعثر عليه فيه ، ومما يؤيد عدم صحته ، ما ذهب إليه فرنز كاسكل(3) حيث صرح لدى ترتيبه لكتاب جمهرة النسب للكلبي بوصفه أحد مصادر ابن الكلبي أن كتاب طبقات الكتّاب من الكتب المنحولة من أواخر العصر(4) الساساني(5) .
ولكن الذي يظهر ان في القرن الثاني الهجري كانت ولادة هذا النوع من التدوين بالنسبة للشعراء ، ولعل أول كتاب حمل هذا الاسم هو كتاب طبقات الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي المتوفى عام 231هـ والذي يحتوي على طبقات الشعراء الجاهليين وطبقات الشعراء الإسلاميين ، ثم تلاه كتاب طبقات الشعراء للحسن بن عثمان الزيادي(6) المتوفى عام 243هـ وآخر لدعبل بن علي الخزاعي(7) بالاسم ذاته والذي ألفه عام 246هـ(8) .
وأما الحديث عن مقياس التفاضل والترجيح بين الشعراء ففي الحقيقة

(1) الطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد (224 ـ 310هـ) ولد بآمل طبرستان وسكن الري والكوفة ثم بغداد وتوفي بها ، مؤرخ ومفسر ، له مؤلفات منها : أحاديث غدير خم ، جامع البيان ، حديث الطير .
(2) تاريخ الطبري : المسمى بتاريخ الأمم والملوك .
(3) فرنز كاسكل .
(4) العصر الساساني : حكم الساسانيون الفرس ما بين عام 398ق.هـ ـ 10هـ (224 ـ 631م) .
(5) تاريخ التراث العربي قسم الشعر : 1/149 عن جمهرة النسب : 1/75 .
(6) الزيادي : أبو حسان الحسن بن عثمان بن حماد البغدادي (156 ـ 243هـ) أديب ، إخباري ، قاضي ، من مؤلفاته الأدباء والأمهات ، ألقاب الشعراء ، عروة بن الزبير .
(7) دعبل بن علي الخزاعي الكوفي : (148 ـ 246هـ) من كبار شعراء العرب ، إمامي المذهب ، من أصحاب الإمام الكاظم والرضا عليهما السلام ، سكن بغداد بعد الكوفة ، له ديوان شعر معروف ضاع ، إلاّ أن عبد الصاحب بن عمران الدجيلي جمع شعره ، وله كتاب الواحدة .
(8) ومنها كتاب أخبار الشعراء وطبقاتهم لمحمد بن حبيب ، كتاب طبقات الشعراء لأبي المنعم ، كتاب طبقات الشعراء الجاهليين للفضل بن الحباب الجمحي المتوفى عام 305هـ ، كتاب طبقات العرب والشعراء لعبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى عام 332هـ ، كتاب طبقات الشعراء لإسماعيل بن يحيى اليزيدي المتوفى بعد عام 375هـ ، كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء لعبد الله بن عبد العزيز البكري المتوفى عام 487هـ إلى غيرها .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 26


أنه يخضع إلى الذوق ومن المعلوم أنه مختلف ولم يوضع له معيار معين يرجع إليه وما دام كذلك دخلت فيه الأهواء والأغراض ولذلك أجاب بشار ابن برد(1) عندما سئل عن الأخطل(2) والفزردق(3) وجرير(4) قائلاً: «لم يكن الأخطل مثلهما، ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه»(5)، وفي هذا السياق ذكر ابن رشيق: «كان الرواة يتعصبون لشعراء أقطارهم»(6) .
وهناك تجمعات أو أفراد توزع الأوسمة والألقاب كالإمارة والعمادة وأمثالهما على عدد من الشعراء بل على غيرهم أيضاً بمقتضى سياساتها القومية أو العرقيّة أو الإقليمية أو المذهبية وما إلى ذلك بغض النظر عن تأهلهم العلمي أو الأدبي والفني .
إن عملية التعادل والتراجيح كما اصطلح عليه الرجاليون هي في الواقع تأتي فيما بين الأقران دون من اتسعت الهوة بينهما ، وفي الحقيقة فإن عملية التفاضل هذه صعبة للغاية إذ لا بد أن يكون الحكم ممن هو في منزلتهم أو على مقربة منهم وهو ما يعبر عنه الفقهاء بأهل الخبرة لدى حديثهم عن تشخيص الأعلم .
والحاصل أن في الموازنة بين الشعراء يشترط أن يستقصي(7) الحكم

(1) بشار : هو ابن برد العقيلي بالولاء أصله من طخارستان ـ غربي نهر جيحون ـ (95 ـ 167هـ) نشأ في البصرة ومات فيها وقدم بغداد وأدرك الدولتين الأموية والعباسية له ديوان معروف في ثلاثة أجزاء .
(2) الأخطل : هو غياث بن غوث التغلبي (19 ـ 90هـ) من كبار شعراء الأمويين ، نشأ على المسيحية في أطراف الحيرة بالعراق ـ ثم اتصل بالأمويين وسكن دمشق وله ديوان معروف .
(3) الفرزدق : هو همام بن غالب الدارمي التميمي (نحو 11هـ ـ 110هـ) من كبار شعراء أهل البيت عليهم السلام ولد في البصرة ونشأ في باديتها ، من أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام ، توفي بالبصرة .
(4) جرير : هو ابن عطية بن حذيفة الخطفي الكلبي (28 ـ 110هـ) من كبار الشعراء ولد ومات في اليمامة ، جمع شعره في جزأين ، ونقائضه مع الفرزدق في ثلاثة أجزاء .
(5) تاريخ الأدب العربي : 1/46 .
(6) العمدة لابن رشيق : 1/80 .
(7) نعم يجوز للحَكَم أن يفضل أحد الشاعرين على الآخر في كل ما نظما أو اطلع على أعمالهما الشعرية جميعاً أو يفضل أحدهما على الآخر في مقطوعتين مثلاً .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 27


كل الشعراء المميزين ثم يطلع على جميع أعمالهم وسائر أغراضهم ليمكنه الحكم بطبقته واشعريته ولا بد أن يجعل معيار الأفضلية هو مدى مراعاته لأوجه البلاغة والبديع مضافاً إلى الموجة الشاعرية التي تدغدغ المشاعر وتحرك العواطف دون أمور أخرى(1) فكلما كانت النسبة أكبر كانت منزلة الشاعر أسمى مع مراعاة الكم النسبي لأعمال الشاعر .
ولعل الأفضل فصل الأغراض بعضها عن بعض وموازنة أعمال الشعراء في مجال تلك الأغراض وعليه تحدد طبقة الشاعر في ذلك الغرض دون غيره ، وربما كان هذا هو الأقرب إلى الحقيقة .
وهناك شرطان هامان أشار إليهما الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نقد الشعر هما الإحاطة بجميع الشعراء والثاني أن لا يكون النظم لرغبة أو رهبة حيث يقول عليه السلام :
«لو أن الشعراء المتقدمين ضمّهم زمان واحد ونصبت لهم رايةٌ فجَروا معاً علمنا مَن السابق منهم ، وإن لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا رهبة...»(2) .
ولعلهم عبّروا عن عملية تقييم الشعر هذه بالنقد أو النقد الجمالي ونأمل أن تقوم مؤسسات أدبية بتقييم الشعر ووضع مسابقات في هذا الشأن وتوزيع الأوسمة بغرض نمو الحس الأدبي وتقدير الشعراء شرط أن تكون مجردة من الإنتماءات والمصالح بكافة أشكالها .
هذا ولابن سلام مقولة جميلة بدأ كلامه عن الشعر بها وفيها يضرب الحكم بالمثال لتقريب الصورة في تقييم الشعر ويشبهه بالدينار تارة وبالحسناء تارة أخرى ويحدد فيما أهمية المقيّم أيضاً فيقول :
«وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ، ومنها ما تثقفه الأذن ، ومنها ما تثقفه اليد

(1) جاء في تاريخ الأدب العربي : 1/46 «كان النقاد يتخذون لتفضيل شاعر على آخر مقاييس مختلفة : منهم من قدم الشاعر لتقدمه في الزمن ، ومنهم من يقدم الشاعر لجودة معناه ، أو لحسن لفظه ، ومنهم من قدم الشاعر لهوى أو عصبية... ومن النقاد من يختار الشعر ويقدم صاحبه على خفة الروي أو على غرابة المعنى أو نيل قائله أو على ندرته لأن صاحبه لم يقل غيره ، وعلى سوى ذلك» .
(2) العمدة لابن رشيق : 1/111 عن ديوان ابن رشيق القيرواني : 335 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 28


ومنها ، ما يثقفه اللسان من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ومن ذلك الجهبذة(1) بالدينار والدرهم لا يعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا حس ولا صفة ويعرفها الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها(2) وزائفها وستّوقها(3) ومفرَّغها(4)... وكذلك بصر الرقيق فتوصف الجارية فيقال ناصعة اللون جيدة الشطب(5) نقية الثغر حسنة العين والأنف جيدة النهود(6) طريفة اللسان واردة(7) الشعر فتكون هذه الصفة بمئة دينار وبمئتي دينار وتكون أخرى بألف دينار وأكثر لا يجد واصفها مزيداً على هذه الصفة(8) .
والشعر الذي يحمل جمال اللفظ والمعنى سيجري في الآفاق مجرى الأمثال كما في كثير من شعر المتنبي ، كما سيبقى خالداً خلود الحياة . وفي ذلك يقول دعبل ـ من الطويل ـ :
سأقضي ببيت يحمـدُ الناس أمره ويكثر من أهل الروايات حامله
يموت رديء الشعر من قبل أهله وجيده يبقـى وإن مـات قائله(9)

هذا وقد فصلنا الحديث عن ذلك في محله(10) .

(1) الجهبذة : بالكسر ، النقاد الخبير .
(2) البهرج : الباطل الرديء .
(3) الستوق : البهرج إذا لبس بالفضة ، أو الدرهم المصنوع من النحاس ومطلي بالفضة .
(4) المفرغ : ما فرغ من الدنانير والدراهم داخله .
(5) الشطب : الطول .
(6) النهود : جمع وللجارية نهدان ، لعله جمعها على قول من يرى بأن أقل الجمع اثنان .
(7) واردة الشعر : طويلة ومسترسلة .
(8) طبقات الشعراء : 3 .
(9) العمدة لابن رشيق : 1/236 عن ديوان دعبل : 178 .
(10) راجع باب المدخل إلى الشعر الحسيني من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 29


الشعر والإلقاء

هما موهبتان الأولى ملكة ، ولعل بعضهم اعتبرها فناً وراثياً ولكن الصحيح أن البيئة العائلية هي التي تورث وليس الفن ذاته ، وأما الإلقاء فهو كسبي ممارسي وقد يساعده في ذلك بعض المواهب الوراثية كامتلاكه حنجرة ذات أوتار عالية وصوت موسيقي يتناسب وإلقاء الشعر .
وهما فنّان منفصلان وبينهما عموم وخصوص مطلق قد يجتمعان في شخص واحد فيزيده كمالاً ، وهناك الكثير من الشعراء لا يقدرون على الإلقاء ، وهذا وإن كان عيباً إلا أنه لا يقدح بشعره وشاعريته .
وللإلقاء دور كبير في إيصال رسالة الشاعر إلى الجماهير ، فقد يلقي من لا تخصص له بهذا الفن شعر المتنبي فيسبب النفرة عن المتنبي وشعره ، بينما يلقي آخر أبياتاً قد كثرت زحافاتها إلا أنه يصلحها بالمد والادغام فتتحسن صورتها بشكل يجعل المستمع تواقاً إلى حفظها وتداولها إلا أنه لما يواجه الحقيقة فيهجرها ، كما هو الحال في عدد من الأشعار التي يتداولها المطربون في هذه الأيام .

دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 30


الناظم والشاعر

لقد فصلنا الكلام عن الشعر والنظم في المدخل إلى الشعر الحسيني ، ولا يجوز لنا إعادته ثانية إلا مجملاً لتوضيح المقام فنقول : إن الشعر في مصطلح الأدباء المعتدلين ما حرَّك الشعور الإنساني بل مطلق الشعور مع مراعاة الوزن والقافية اللتان هما من لوازم ذلك ، وأما إذا التزم بالوزن والقافية فقط فهو النظم ، فعلى هذا بينهما عموم وخصوص من وجه ، فكل شعر نظم وليس العكس ، ولعل صعوبة قرضه أو الإبداع فيه تكمن في هذا الجانب بالذات ، وربما إلى هذا أشار الجاحظ(1) في قوله ـ من الرجز ـ :
الشعر صعـب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يـعربه فيعجمـه(2)

فالاشتقاق اللفظي لكل من الاتجاهين للقائم بهما يكون شاعراً وناظماً وبينهما أيضاً عموم وخصوص من وجه ، وربما حمل لنا هذا الاشتقاق معنى زائداً على الأصل فربما أطلق الناظم على من كانت له محاولات شعرية أو كان بدائياً أو كان مقلاً جداً أو نظم على بيتين أو ثلاث ولم يتجاوزهما إلى القصائد والمطولات ، والشاعر من كانت له ملكة النظم أو اجتاز المرحلة البدائية أو نظم في معظم الأغراض ولم يقتصر نتاجه على المثنويات أو ما شابه ذلك ، وربما جمع الشاعر كل هذه الصفات مع عامل تحريك الشعور .

(1) الجاحظ : هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري ، ولد عام 136هـ وكان من رجال الدولة العباسية توفي سنة 255هـ ، ولَهُ كتب عديدة منها العثمانية ، وكتاب الحيوان والبيان والتبيين .
(2) دائرة المعارف للبستاني : 10/474 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 31


وقد عرّف بعضهم الشعر بالكلام الذي يهيج به العواطف وتستلذه الأذن فإن استعمل غزلاً وتشبيباً أغرى الأفئدة بالهوى وسهل للجسد احتمال الجوى(1)، وإن سيق على طريق الحماسة هاج النفس لاقتحام الردى وتلتل(2) بالقلب لخوض نيران الوغى ، وإن أنشد في حث أو طلب أو استعطاف أو استعصاء حرك العواطف وهيجها واستولى عليها وميّلها(3)، فمن كان قادراً على ذلك فهو الشاعر .
وهناك من يرى أن الناظم هو القادر على نظم الشعر حسب القواعد العروضية ولو بتكلف فإذا ما أصبح لديه ملكة النظم أصبح شاعراً ، وعليه فإن الشاعر من كانت له قريحة موهوبة دون من يصطنع الشعر ، ولذلك نجد أن الجاحظ يقول في ما يقوله عن أصحاب الفن إلى أن يصل إلى الشاعر : «ومن تمام آلة الشعر أن يكون الشاعر أعرابياً»(4) لأنه ينظم على السليقة والقريحة دون مراجعة الأوزان العروضية ودراستها ، وربما كان الشاعر لا يميز بين هذه التسميات العروضية ولا يجيدها بل إنه قادر على أن يصنفها بأذنه الموسيقية وقريحته الذاتية دون تكلف ، وكثيراً ما سألت شاعراً مجيداً عن وزن بيت أو قصيدة فأجابني بعدم معرفته للأوزان وأنه لا يتعامل مع الشعر على هذا الشكل .
وكثيراً ما يطلق الشاعر على الناظم وبالعكس كما هو الحال بين النظم والشعر فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق ، وربما تطرف البعض فقال إن الرجز ليس بشعر وبذلك يخرج ناظمهُ من حلبة الشعراء ، ولا يخفى أن لنا كلاماً حول شعر الرجز والحر أوردناه في محله(5) .
وتوجد في هذا المعجم ترجمة من لم ينظم إلا بعض الأراجيز الحماسية

(1) الجوى : شدة الوجد من حزنٍ أو عشق .
(2) تلتل : دفع .
(3) دائرة معارف القرن العشرين : 5/390 .
(4) البيان والتبيين : 1/68 .
(5) راجع المدخل إلى الشعر الحسيني من هذه الموسوعة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 32


في ساحة الحرب وهذا لا يمكن أن نسميه شاعراً(1) كما لا يمكن تجاهله وهو الذي حدى بنا إلى إيضاح الفرق بين الشاعر والناظم ، فهو لا شك من القسم الثاني دون الأول وأمثال هؤلاء قليلون ولذلك أعرضنا عن تسميته بمعجم الشعراء والناظمين واقتصرنا في التسمية على معجم الشعراء من باب الغلبة .

(1) وتقسيم الشاعر إلى نوعين بالقوة والفعل غير متعارف ، وفيه تكلف .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 33

الترجمة

ترجم من الصيغ الرباعية على زنة دحرج ومعناه التوضيح والتفسير يقال ترجم عنه إذا أوضح أمره ، وترجم الرجل ذكر سيرته ، وأخلاقه ونسبه ، والجمع منه تراجم ، وترجمة الكتاب فاتحته لأن فيه ما يفصح عما بداخله ، ويطلق أيضاً على تحويل اللغة إلى أخرى لأن فيه تفسيراً وتوضيحاً لتلك اللغة ، وتفصيل الكلام موكول إلى محله(1) ومن الخليق بيانه هنا ، أن ترجمة الاعلام بشكل عام سبقت العصر الإسلامي قروناً متمادية ، وقد اشتهر عدد من الاعلام بمعرفتهم بأخبار العرب وأنسابهم ولم يكن كل من التاريخ والأنساب مستقلاً عن الآخر بل كان يعد كلاهما علماً واحداً ، وكان التاريخ يعتمد على أعلامه دون أحداثه فإذا ما ذكروا شخصية ما وشخصوا نسبه ذكروا سيرته وأخباره والتي هي التاريخ بذاته حيث أن التاريخ صنيع هذه الشخصيات ، وقد رتَّب بعض المؤرخين مصنفاتهم التاريخية على هذا المنوال حتى في العصور المتأخرة عن عهد صدر الإسلام كابن عساكر(2) والخطيب البغدادي(3) فكلاهما اعتمدا على ذكر الشخصيات التي سكنت أو نشأت في دمشق أو بغداد فترجماها وبينا تاريخها وصنيعها ، ومع هذا سميا كتابيهما بتاريخ دمشق وتاريخ بغداد ، وبمرور الزمان وتطور العلوم انفصل التاريخ

(1) راجع الجزء الأول من الموسوعة (البداية) .
(2) ابن عساكر : هو أبو القسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي صاحب كتاب تاريخ دمشق وكتاب الأربعين ، توفي بدمشق عام 571هـ .
(3) الخطيب البغدادي : هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الأشعري المعروف بالخطيب لأنه كان يخطب بجامع بغداد في الجمعات والاعياد ، ولَهُ مصنفات أشهرها كتاب تاريخ بغداد ، ولد سنة 392هـ وتوفي سنة 463هـ ودفن ببغداد .

السابق السابق الفهرس التالي التالي