دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 185


العلـم نـور به الألبـاب تعتصم حقاً وتنجـاب عـن إشراقه الظلم
فكـن له سـاعيـاً بالجد مجتهداً وخل عنك أنـاسـاً منه قد سئموا
فالناس قسمان إن تسأل أجبك فذو علم ومـن في بحار الجهل مرتطم
فحارب الجهل تظفـر بالمنى أبداً وانصر ذوي العلم إذ هم للهدى علم

وله قصيدة ـ من الخفيف ـ أنشأها في ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مطلعها :
فجر هدى الأنام عم ضياه فالوجود اكتسى بنور سناه

إلى أن يقول :
كم رسولٍ مـن عنده وكتاب جـاء في النـاس داعياً بهداه
لم يزل لطفه مدى الدهر سارٍ هـذه رسلـه وذي أنـبـيـاه
هـذه سنـة الإلـه إلـى أن جـاء خير الأنـام من مبتداه
فاستنـار الوجود إذ خلا فيه من غدى للوجود قطب عـلاه
إذ هو البدئ للخليقة جمـعـاً وهـو الختـم قـد سمى معناه
فاستقام الرشاد وانهدم الكفـ ـر بليـث مـن الرحيـم قواه
أحمد المصطفى وزين المعالي سيـد الرسـل لا يداني عـلاه
طهر الكـون حين ميلاد طه فجره شعَّ واستطـار ضـيـاه
ولد المصطفـى فراح سروراً يزدهـي الكون من جمال بهاه
وغدت مكة الحجيج ضـيـاءً بعضه يغمـر الوجود سـنـاه
شمخت رفعة وفاقت جـلالاً حيـث فيه الإسـلام رفّ لواه
أصبحت للهدى هدى الله مهداً فتسـامـت أجواؤهـا بضياه
وغـدت مهبطـاً لجبريل لما بعـث الله أحـمـداً بـهـداه
جاء يحيى الوجود إذ كان ميتاً ناشر العدل بعـد طـول طواه
فأقام الرشاد وانتعش العـقـل بعد أن كان في غطيطٍ(1) كراه
حرر العقـل والضمير جميعاً وسـمـى الفكر حين أعلى بناه
أيهـا الهـاتف الذي لم ترعه كثـرة المـرجفيـن من أعداه


(1) الغطيط : مصدر غط النائم إذا نخر في نومه ، والبعير إذا هدر في الشقشقة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 186


أنت حقاً مزلزل الشرك والكفر مجير الإنسـان من بلواه
أنت للخـاطئـيـن كهف منيع ولمن أظلمت سماه سماه(1)

وله قصيدة ـ من الكامل ـ في ميلاد السيدة الزهراء عليها السلام يقول فيها :
هـنّ الـوجـود بليلة غراء مـرّت بـه فتبـوأ الفخرا
مـرت به لكنهـا خـلـدت فيه ولـولاهـا لمـا قـرّا
فيها السـلام من السلام أتى والأمـن منه للـورى طُرّا
شمس الرشاد بفجرها بزغتْ وبصبحها صبح الهدى طُرّا
قد شرِّفت من نور خالقـهـا أضحـى سناه يخجلُ البدرا
أنّى وفيهـا ذو الجلال حبى طه الرسول بخالد الذكـرى
حيث البشير أتـاه مبتهـجـاً معه الملائك تحمـل البشرا
جبريل من رب السمـاء أتى وله خديـجـة رسلها تترى
وتوالت الأفـراح واتصلـت بجنـانهـا فأقيمت الذكرى
والكـل يهتف بالهنا فرحـاً شرق الوجود بمولد الزهرا
أم الهداة إلـى الرشاد وَمـَن بالفضل فاقت مريم العذرا

إلى أن يقول :
وأسأل أبـاهـا المصطفى فلـه عـن فضـلـهـا يثلـج الصـدرا
كـم قـال إن الله يـغضب إن تغضب ويرضى في رضا الزهرا(2)
ولـهـا بـيوم الحشر مرتبـة عـنـد الإلـه فشـاعـهُ الـذكرا
وهـي الـشفاعـة للذين هـم جـاء الإلـه بـحـبـهـا أجـرا


(1) من مجموعة الباحث السعودي حبيب آل جميع .
(2) ذكر الفيروز آبادي في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة : 3/189 عن كنز العمال : 6/219 قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فاطمة الزهراء عليها السلام : «إن الله عزَّ وجلّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» ، ونقل قريباً منه عن مستدرك الصحيحين : 3/153 ، وميزان الاعتدال للذهبي : 2/72 وذخائر العقبى : 39 ، وقريب منه ما رواه ابن الأثير في أسد الغابة : 5/522 ، وابن حجر في الاصابة : 8/159 ، وتهذيب التهذيب : 12/441 ، وكنز العمال أيضاً : 7/111 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 187


وله غديرية(1) ـ من الخفيف ـ يقول في أولها :
يخلـد المجد في النفوس الأبيـة حيثُ فيهـا الوفاء والحرّيهْ
فالابا الزم إن كنـت حـرّاً وإلا أنـت مستعبـد لدنيـا دنيهْ
واقتحمْ للعـلا المهـالك تسعـد بحيـاة سعيـدة سرمـديـهْ
والـزم الحـق نهجـه بثبـات في مقام العلا بحسن السجيه
واقتف السالفين من حرروا الـ ـعقل بديـن أصوله عقليه
أيقـظ الفكـر مـن جهالة قوم زعموا شرعة الهدى رجعيه

إلى أن يصف ما قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير قائلاً :
فـاسـتـوى فـوق منبرٍ كوّنـوه من حِدوج(2) وكورِ(3) إبلِ السريه
آخـذاً فـي يمينـه كـف رشـدٍ للبـرايـا مـن الـذنـوب نقيـه
كـف مـن شـيّـد الـهدى بكمال وكيـانَ الضـلال هـدَّ قـويه(4)
كـف جـودٍ تفيض منهـا العطايا فهـي بالجـود في عطاها سخيه
هي غوث إن عمّ في الناس جـدبٌ وهي في الحرب في عداه رزيـه
كــف لـيـثٍ غضنفرٍ ذي ثباتٍ إن يصـادم ليـوثَ أُسـْدٍ جريه
بـاسمـاً ثغـره إذا شبت الحربُ ببيـض السيـوف والسمهريهْ(5)
وإذا مـا دجـى الظلام تـجلـتْ فـيـه لله خـشـيـة قلبـيـه
فيفـيـض الدمـوع مُتَّهـم النفس بتقـصـيـرها وكـانت تقيـه
يـعبـدُ الله مخلصـاً بخـشـوع وولـيُ الإلـه يُـرضـي وليّه

إلى أن يختمها بقوله :
ولعمري يوم الغدير على ما قد ذكرنا لواضح الحجيه


(1) غديرية : نسبة إلى غدير خم على مقربة من مكة حين قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد عودته من حجة الوداع في علي بن أبي طالب عليه السلام : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» .
(2) حدوج : واحدها الحدج وهو الحمل .
(3) الكور والمكور : رحل البعير .
(4) قويه : منصوب على البدلية لكيان والضمير يعود إلى الكيان نفسه ، والمعنى أنه هد القوي من كيان الضلال .
(5) السمهر : الرمح .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 188
حـيـث فيـه الرسـول بلغ وحياً فـي علـي عـن الإله البريـهْ
قـال هــذا إمـامكـم بايعـوه وأطيعوا واعصوا النفوس الشقيه
راقـبـوا الله فيه حـيث ارتضاه فـارتضـوه كمـا ارتضاه وليه
فـأجـابـوا وبايعـوه ولـكـن بنفـاق إذ لازمـو العصبـيـه
حيث قد أوّلـوا النصوص عناداً منهــم بـالسياسـة الـهمجيه
أوجبـت فيهـم تمـزق شمـل وانحـرافـاً وخـيبـة أبـديـه

وله قصيدة ـ من الكامل ـ في رثاء الإمام الحسن العسكري عليه السلام(1) .
هـد الـهـدى رزءٌ جليل مفجع فـالشهـب مـن فلك الهـدايـة وقّع
وتكورت شمس الضحى مذ ألبس الإسـلام ذلاً دائـمـاً لا يـنـــزع
والبـدر بُـرقـع بالسواد لعظمه والمجـد دكّ شـمـامـه المتـرفـع
والـديـن أصبح ثاكلاً من هوله ينعـى وليـس لـه مجيـب يسمـع
ينعـى لآل محمـد بـدراً خبـا بـالـسـم أعـداه حـشـاه قطــع
ويـلٌ لهـم مـن جده ماذا جنوا فـي نجلـه والعهـد فيـه ضيـعـوا
وبغـو لـه كـل الغوائل إذ غدا عـن جـده بـالحـق جهـراً يصدع
كـم مشكـل لـولاه ماسطاع له حـلاً ولكـن خبـط عـشـوا أزمـع
مـن ذاك مـذ قـد أبصروا أن السما من كف ضليل النصارى تهمع(2)
ظلت عقولهم وحادوا عـن هدى مـن ربهـم إذ قـولـه لـم يسمعـوا
بـاعـوا الهدى إذ أنهم لا يعلموا أن الأعـادي كيـدهـا لا يـصـدع
إلا بمـن ولاه طـه أمـرهـم ومـن المهيمـن علـمـه يسـتـودع
فهناك جاؤوا يصرخون لمن غدا فـي السجـن بغيـاً منهـم يستـودع
قـالـوا له قم يابن طه مسرعاً فـانهـار ديـن الله ليـل أسـفـع(3)
حتـى إذا مـا جئتم زال العمى وبـدا لهـم نـور الهدايـة يـلـمـع


(1) العسكري : هو الإمام حسن بن علي بن محمد ، الإمام الحادي عشر من أئمة الإمامية الاثني عشر ، ولد في المدينة المنورة سنة 232هـ ، وهو والد الإمام الحجة المنتظر ، استشهد في سامراء سنة 260هـ .
(2) همع : الماء والمطر سالَ .
(3) السفع : السواد والشحوب ، وقيل السواد المُشَربُ حُمرة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 189


وسربت منه النصارى عارها إذ لم يفد ما دبّروه وشنعوا
كم كربة عن دين أحمد ردَّها لكن أعاديـه ببغي أسرعوا

إلى أن يقول في آخرها :
يابـن الهـدى طال الصدى فاشحذ شبا(1) عضب(2) له الأرواح طوعاً تخضع


(1) شبا الشيء : علا .
(2) العضب : السيف القاطع .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 190


(20)
إبراهيم بن علوان النصيراوي
1376 ـ ....هـ = 1956 ـ ....م

هو الشيخ إبراهيم بن علوان النصيراوي .
ولد في العمارة(1) عام 1376هـ ونشأ بها والتحق بالمدارس الحديثة الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم هاجر إلى النجف عام 1411هـ ليلتحق بجامعتها العلمية فأخذ من فضلائها وأعلامها كالسيد أبو القاسم الخوئي(2) والشيخ علي الغروي(3)، ثم هاجرها بسبب الظروف الأمنية القاسية إلى إيران ، والتحق بجامعة قم العامرة .
عندما كان في مسقط رأسه كان يرتاد الأندية الحسينية ومجالس العلماء والأدباء ويشترك في المناسبات الدينية والاجتماعية بقراءة القرآن وبعض الكلمات مما خلقت له أرضية ليتوجه نحو العلم والأدب وباختياره التخصص بالخطابة الحسينية والممارسة للشعر والأدب حفظاً وإلقاءً

(1) العمارة : مدينة عراقية تقع في الجنوب ، أُطلق عليها اسم ميسان وذلك في عهد حكومة الرئيس أحمدحسن البكر الذي حكم من عام 1388هـ إلى عام 1400هـ .
(2) الخوئي : هو ابن علي أكبر بن هاشم الموسوي ، ولد في مدينة خوي الإيرانية سنة 1317هـ وهو من علماء الإمامية وفقهائها ، له مصنفات عديدة اشتهر منها (معجم رجال الحديث) توفي سنة 1413هـ ودفن في النجف تولى المرجعية شبه العامة بعد وفاة السيد محمود الشاهرودي عام 1394هـ .
(3) الغروي : من أبرز تلامذة السيد أبو القاسم الخوئي ، له تقريرات درسه في اثني عشر جزءاً باسم التنقيح ، من علماء الإمامية ، اغتيل في الرابع والعشرين من شهر صفر عام 1419هـ . لدى عودته من زيارة الإمام الحسين عليه السلام إلى مقر إقامته في النجف .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 191


ومطالعة ، نمت يوماً بعد يوم تلك الأرضية التي كانت قد ظهرت أيام دراسته في المدارس الثانوية في العمارة حيث اشترك في مسابقة طلابية للشعر على مستوى المدارس الثانوية في العراق فكان الفائز الثاني وذلك عام 1398هـ مما يظهر أن قدرته على النظم كانت قد صقلت في تلك الفترة الزمنية ، وقد اعتبر الشاعر نفسه هذه المشاركة هي أول شعره الذي يعتمد عليه حيث يقول : «نظمت الشعر أيضاً في هذه المرحلة من عمري ـ العقد الثاني ـ إلا أنه شعر ركيك يحتاج إلى الإصلاح شأنه شأن كل بداية ثم ترقى الأمر حتى كانت لي مشاركات في المدرسة» ، وقد اخترنا من تلك القصيدة أولها ـ من الوافر ـ حيث يقول :
لسان الفكر دعني بانطلاق وذرنـي أشتكـي ممـا ألاقي
واعلنهـا على الأيام حرباً تحطـم كـل عـرش للنفـاق
لتنخرط الخيانة من حفوف أبـت إلا التقـدم بـالشـقـاق
واسقيهـا لـكـم كأساً ملياً لتعـرف نكهة الطـعـم المذاق
أريق الكأس من بعد امتلاء فوا أسفي على الكأس المراقي(1)

وللشاعر ديوان شعر حسيني سماه «حديث كربلاء» يحتوي على أجروزة تتضمن 1172 بيتاً يبدو أنه انتهى منها بتاريخ 8/محرم/1411هـ كما يظهر من تاريخ المدخل على الديوان ويذكر في المقدمة عن سبب اختياره الرجز قائلاً : راودتني فكرة الكتابة عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام وكان الأمل يحدو بي لتحقيق ذلك ، ثم تجسد الأمل حقيقة باقتصار الحديث عن واقعة الطف والحديث عنه ذو أبعاد متعددة : سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية وكلها عوالم رافقت ثورة الحسين عليه السلام فأخذت جانب السرد التاريخي لوقائع الأحداث ، وحاولت أن أنظم ذلك شعراً وحددت بحر الرجز لذلك ميداناً لأن الأرجوزة لا تلتزم قافية بعينها بل تنتقل بين القوافي حروفاً وحركات»(2) .

(1) رسالة الشاعر إلى المؤلف .
(2) حديث كربلاء : 12 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 192


ونشر للشاعر بعض القصائد في الرثاء عبر مجل النور(1) اللندنية ، وله بعض المؤلفات الاخرى في النحو وفي التراجم(2) .
وله قصيدة أنشأها عام 1414هـ حين توسط جمعاً من أصدقائه وهو على شط العرب في مدينة المحمرة(3)، الإيرانية يتذكر الجانب الآخر الذي أبعدته الأهواء السياسية والطائفية الحاقدة من مسقط رأسه وهي ـ من البسيط ـ :
وجئتهـا ليلـة أحبـو أنـاغيـهـا فكلمتنـي فلم أفهم معـانيهـا
مـاذا دهـاك وفـي عينيك أغنيتي وطـالمـا عشت أياماً أغنيها
حفظتهـا زمنـاً أشـدو بمطلعهـا وأنشي سَكَراً من عذب جاريها
ضيعتُ عمري وما ضاعت قصائدنا ولا يزال فؤادي عنك يرويهـا
ردّي فـإن نسيـم الليـل هـدهدنا وقد تذكرتُ شيئاً من لياليـهـا
كـانـت وكنـا وأحبابي تغازلنـي كما يغازل جاري الماء واديها
بـالله ردي فمـا أحلـى مسامرتي وقد جلست علـى أبواب ناديها
اشتـدُ والعـذب آتٍ مـنـك أسأله عن دارنا عن قُرانا عن أهاليها
بقيـت بعدك يـا محبوبتـي جسداً أمـا فـؤادي فقـد خلفته فيها
ردي علـيّ وحسـبـي فيك والهة دعي الهموم إلى الأيام تطويها
إنـي أتيتـكِ فـي قومٍ لك انتسبوا شوقـاً إليك لعل الشوق يدنيها

وله قصيدة ـ من الخفيف ـ أنشأها عام 1416هـ وهي من غزلياته :
شب فيّ الهوى فطفت العذارى متعباً في خطاي أخشى العثارا
راودتني مـن الغواني فتاةٌ فاستحال الظلامعندي نهارا
هي تخشى الدنوَّ منّي وإني أختشيهـا مهـابـةً ووقـارا


(1) النور : مجلة شهرية إسلامية عامة صدرت عن مؤسسة الإمام الخوئي في لندن وتناوب على رئاسة تحريرها عدد من الكتاب ، وفي عهد رئيس تحريرها السيد عبد الحسن الأمين ، استقلت عن مؤسسة الإمام الخوئي عام 1416هـ .
(2) سيأتي الحديث عنها في معجم من ألف في الحسين من هذه الموسوعة .
(3) المحمّرة : هي مدينة خرمشهر الإيرانية الواقعة على شط العرب مقابل مدينة البصرة العراقية .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 193


غير أني وجدتتهـا لو تغنت بطيور السماء تهوي سكارى
أو أشـارت لهامدٍ حركـتـه وإلـى أفقهـا المشعشع طارا
وقفـت تنظـر السماء بوجه هـابه البدر فاستحى فتوارى
مقلتـاهـا تشاطر النجم نوراً وعلى عينهـا الشعاع استدارا
والخـدود التـي تفتحن ورداً لو تـراهـا لخلتها جلّنارا(1)
وعلتها ابتسـامـة همت فيها دونهـا الحور تنثني إكبـارا
غمزتنـي بطرفها قلت مهلاً أنا لا أستطيع فيك اصطبارا
أنا ذاك الفـتـى المعذبُ حبّاً ذاب فيَّ الجوى وأضرم نارا
أنا أهـواكِ غادةَ الحسن لكن كلمـا جئـت تسدلين الستارا
لا تكوني مع الزمان سناناً(2) فـالمحبّون في هواك أسارى
أنتِ من نسمة الصباح نسيم ومـن النبع أنت ماء تجارى
وعلى نحرك المزين تبراً(3) قـبـلات الملاك تلقى نثارا
قسـمـاً بالذي أدقكِ خصراً وبمن أبدع الجمـال اقتدارا
لو تغيب الشموس يوماً ولكن أنت بالأفق كنت فيه المدارا

هذا وقد أرخ صدور الديوان للسيد مصطفى جمال الدين(4) عام 1415هـ وهي ـ من الوافر ـ :
نشيـدك فـي فـم الدنيا معطّرْ وصوتك فوق جرح الحق كبّرْ
وحلّـق كـي يعانـق كل نجمٍ فغـطـى البدرَ نورٌ منه أزهرْ
ولامَسَ ماء دجلة وهو يجـري فصـار لشـاربيه الماء كوثر
ومس الأرض فانتشرت حصاها وروداً واستحال الرمل سكـر
وفـاح بـأفقـنـا فـاهتز نخلٌ من الفيحـاء حيث زها وأثمر


(1) جلّنار : فارسية بمعنى زهر الرمّان .
(2) سنان : نصل الرمح .
(3) التبر : الذهب .
(4) جمال الدين : مصطفى بن جعفر بن عناية الله ، ولد بقرية المؤمنين بسوق الشيوخ التابعة لمحافظة الناصرية عام 1346هـ ، وهو من شعراء العراق وأدبائه ، مات سنة 1417هـ ، وله ديوان شعر باسم الديوان ومؤلفات منها (الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة) و(البحث النحوي عند الأصوليين) .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 194


على بُعد يُشم الطيبُ أرخْ لمسكُ الشعرِ بالديوانِ ينشرْ

كما رثاه بعد نحو سنة في قصيدة ـ من الخفيف ـ أولها :
لا تقل مات بل تخطى الدروبا ليرى والنجوم وهجاً سكوبا
ليـرى والنجـوم تخبـو نهاراً شامخاً زاده المغيب لهيبـا
مـاثـلا يمـلأ العيون وجوداً خالداً والرحيل كان كذوبـا
مسه الموت فاستحى منه جسماً ضم في قلبه المعنـى قلوبا
خرست ألسنُ الفصاحة حزنـاً وذوى غصنها وكان رطيبا

وله قصيدة ـ من الرمل ـ يخاطب بها صديقاً له في سجون العراق أنشأها عام 1417هـ :
أيها الصامد في قعر السجون لك وجه لم يزل ملء جفوني
لـم تـزل بسمتك الحلوة في خاطري تلعن بالدهر الخؤون
صوتـك العذب يحاكي أذني وبـه أسلو إذا اشتدت شجوني
أنت في قلـبـي جرح نازف وإذا أقسمـت بالجـرح يميني
أنت يا خلّـي طيف قد سرى من أمامي اصطاده ألف كمين
وشهـاب رحـت أدنو نحوه فاختفى عن طالب فيه ضنين
أي نفـس حملتهـا فتـيـة أي نور شع من خير جبيـن
وصمـود لـم يجـد سجّانه فيـه حرفاً لشكـاه أو لليـن
هكـذا أنـت أمـامـي ماثل توأم المجد وليثـاً في عرين
جبـل تـزَّلـزل الدنيا وما حاد في تحريكه بعد سكـون
كبّلـوا منـك يـداً طـاهرة فتحررت من الـذل المهيـن
وعجيـب لأصيـل قيـدت يـده الحـرة كفـاً لهجيـن

هذا وقد حاولنا الحصول على المزيد من شعر المترجم له المتنوع الأغراض منه مباشرة فلم نحظ بذلك ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه مقل حيث لا ينظم إلا في المناسبات التي تستحوذ اهتمامه .

دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 195


(21)
إبراهيم بن علي البلادي
أواخر القرن 11 ـ بعد 1150هـ = أواخر القرن 17 ـ بعد 1737م

هو الشيخ إبراهيم بن علي بن حسن بن يوسف بن حسن بن علي البلادي البحراني ، ولد في البحرين في أواخر القرن الحادي عشر ونشأ في حجر أبيه على التقى والفضيلة وتتلمذ على علماء عصره .
وهو شيخ جليل وعالم فقيه وأديب شاعر ومؤلف قدير عرف من مؤلفاته اثنان :
1 ـ جامع الرياض في مدح النبي وآله الحفّاظ ، الذي وصفه الطهراني بقوله : كبير فيه أربع عشرة روضة بعدد المعصومين عليهم السلام ، وقد سمى الناظم بعض تلك اروضات بأسماء خاصة منها الروضة التي في مدح صاحب الزمان عليه السلام فإنه سماها ببستان الأخوان في مدح صاحب الزمان ، ورأيته بخط تلميذه الشيخ عبدالله بن محمد بن الحسين بن محمد البحراني الأصبعي الشويكي(1) تاريخه 1149هـ وذكر أنه نقله من جامع الرياض ، وقال إن الناظم له هو أبو الرياض(2) مولانا وشيخنا الصفي الوفي المؤتمن الشيخ إبراهيم ابن المقدس العالم العامل العلامة الفردوسي الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني ، ومنها الروضة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام رأيت نسخة منه قابلها الناظم مع أصله ، وكتب شهادة

(1) الشويكي : ويلقب بالخطي ، وفي الأعيان : 8/70 أنه الشوبكي بالباء ، كان حياً في سنة 1150هـ ، كان عالماً وأديباً شاعراً له ديوان جواهر النظام في مدح السادة الكرام عليهم السلام ، تتلمذ على الشيخ محمد بن عبد الرحيم الشريف النجفي .
(2) الظاهر أن هذه ليست بكنيته ولعلها نسبة إلى كتابه جامع الرياض أو لأن له روضات في المعصومين عليهم السلام .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 196


المقابلة بخطه في يوم الجمعة 17 جمادى الأولى عام 1150هـ(1) .
ومن الجدير ذكره أن الروضة في مصطلح الأدباء والشعراء هو الديوان المشتمل على ثمان وعشرين قصيدة على قوافي الحروف الهجائية ، كما يظهر من عنوان الديوان أنه في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرين عليهم السلام وقد جعلها أربعة عشر(2) بأسماء المعصومين عليهم السلام والذي منهم الإمام الحسين عليه السلام ولذلك استظهر الطهراني أن له في كل معصوم روضة في جامع الرياض(3)، وكنيته بأبي الرياض جاءت من ديوانه هذا المشتمل على رياض في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، ويظهر أيضاً من التسمية أنه وضع لكل معصوم روضة أي ثمان وعشرين قصيدة والله العالم .
ويذكر الأميني(4) : أن فيه أيضاً 132 دوبيتاً في أبواب خمسة : التوحيد ، والنبوة ، والإمامة ، والعدل ، والمعاد ، وميمية من 108 بيتاً في الأصول الخمسة(5) .
2 ـ الاقتباس والتضمين من كتاب الله المبين : وهذا ديوان آخر نظمه في العقائد وقال عنه الطهراني : وهو في إثبات عقائد الدين ، منظومة في أصول الدين من التوحيد إلى المعاد مع الرد على المخالفين في كل مسألة ، في غاية المتانة وهي ـ من المنسرح ـ وأولها :
الحـمـد لله ربـنـا أبـدا والشكر منا لفضله سرمدا
والله في الملك لا شريك له وأنـه لـم يلد ولن يولدا

رتبه على خمس أبواب : 1 ـ في ذكر الواجب تعالى وما يصح عليه وما يمتنع وحدوث القرآن وثبوت الحسن والقبيح .

(1) الذريعة : 5/57 رقم : 214 .
(2) المعصومون : هم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام وابنته فاطمة عليها السلام وابناهما الحسن والحسين عليهما السلام والتسعة من أولاد الحسين عليهم السلام آخرهم الإمام المهدي عليه السلام .
(3) الكواكب المنتشرة : 5 .
(4) الأميني : هو عبدالحسين بن أحمد الأميني ولد في تبريز سنة 1320هـ وتوفي في طهران سنة 1390هـ ودفن في النجف الأشرف ، من علماء الإمامية ومحققيها ، اشتهر بكتابه (الغدير) .
(5) الغدير : 11/384 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 197


2 ـ في ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
3 ـ في ذكر أمير المؤمنين عليه السلام .
4 ـ في ذكر سائر الأئمة عليهم السلام .
5 ـ في معاد الأرواح والأجساد وتبكيت(1) الخصام والرد عليهم في الأصول والفروع .
رأيت نسخة منه في خزانة كتب سيدنا الحسن صدر الدين بالكاظمية ، وأخرى في مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء(2) في النجف وهي بخط تلميذ الناظم الشيخ عبدالله بن محمد بن الحسين بن محمد الشويكي الخطي كتبها سنة 1149هـ(3) .
ويظهر من كلامه هذا ومن التسمية أنه ضمّن جملة من الآيات المرتبطة بأصول الدين الخمسة ، كما أنه ذكر في الفصل الخامس عن الأئمة الأحد عشر والذي منهم الإمام الحسين عليه السلام وبهذا يكون قد ذكر الإمام الحسين عليه السلام في كل من ديوانيه الرياض والاقتباس .
ذكره الأمين ومجّده(4)، ووصفه التاجر(5) : بالعالم العامل والفقيه النبيه والأديب الكامل ، والحليم الذكي(6)، وذكره الخطي(7) في ضمن

(1) بكت الرجل : غلبه بالحجة .
(2) كاشف الغطاء : هو ابن عباس بن علي بن جعفر ، ولد سنة 1290هـ ، وهو من أعلام النجف وأدبائها ، له مؤلفات ومنظومات كثيرة ، منها منظومة في أحوال الزهراء عليها السلام .
(3) الذريعة : 2/366 ، رقم : 1084 ، وجاء التاريخ في أعيان الشيعة : 2/123 (عام 1141هـ) . وجاء تاريخها في الكواكب المنتشرة : 3 «كما نقل عنه بهذا العنوان تلميذه عبدالله بن محمد بن حسين بن محمد الشويكي الخطي في آخر مجموعة من أشعار نفسه في سادس جمادى الأخرى 1149هـ» .
(4) أعيان الشيعة : 3/123 .
(5) التاجر : هو الشيخ محمد علي بن سلمان وقد مضت ترجمته .
(6) موسوعة شعراء البحرين : 1/21 عن منتظم الدرين .
(7) الخطي : هو الشيخ فرج بن حسن الخطي القطيفي ، ولد سنة 1321هـ ، ألف سنة 1345هـ كتاب (تحفة أهل الإيمان) وهو مستدرك لكتاب (أنوار البدرين) للشيخ علي البحراني حيث ترجم علماء آل عمران القطيفي .

السابق السابق الفهرس التالي التالي