دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 224


الفارس(1) والشيخ حيدر(2) الفارس وقد جمع قصائده فيهما في كتاب يعود تاريخ بعضها إلى عام 1176هـ وبعضها الآخر إلى عام 1183هـ ، وتدل قصائده على اطلاع واسع وعلم بالوقائع التاريخية القديمة ومعرفة برجال التاريخ ، وفي شعره كثير من الحكم والأمثال ، وجرت بينه وبين الشيخ عبدالحليم النابلسي(3) مساجلات شعرية ومعارضات ومناقضات ومفاخرات ومطارحات ، منها القصيدة التي مدح النابلسي فيها الشيخ ظاهر العمر(4) حاكم عكا يقول في أولها ـ من الكامل ـ :
مـا بـال مـالكتـي تزيد دلالها كبـراً علـيّ فليت شعري مالها
انهـوا لهـا إني مللت من الهوى وسئمت من سود العيون وصالها
كذبوا ومن خلق المـحـاسن فتنة للنـاظرين حرامهـا وحلالهـا
ما زلت عن حبيك فاطرحي الذي نقل العـواذل زورها ومحالهـا
لكـن ظنـنـت ورب ظن كاذب لما رأيت مـلالهـا ومحالـهـا
إن ابنة القوم العـزيـز جنـابهم لما رأت حالي استحال بـدالهـا

إلى آخر قصيدته فأجابه المترجم له بقصيدة ـ من الكامل ـ يقول في أولها :
ما بال نعمى(5) أعرضت ما بالها بعد الدنو ومـا عصت عدالها
لم ترع سالف عشرتـي ومودتي معها وحرصي أن تنال منالها
وتمتعـي قبل الكرى بحديثـهـا وتطلبي بعد الرقاد خيـالهـا


(1) علي : ابن أحمد بن الفارس الصعبي المتوفى سنة 1200هـ ، وهو من أمراء مقاطعة الشقيف ويقال إنه من ذرية الملك الأفضل نور الدين الأيوبي .
(2) حيدر : هو ابن أحمد بن الفارس الصعبي المولود في القرن الثاني عشر الهجري .
(3) النابلسي : هو ابن عبدالله الشويكي ، وهو من أهل نابلس بفلسطين ، له رسالة في علم الكلام وشرح السنوسية ، اختص بمدح الشيخ ظاهر العمر ، مات في عكّا سنة 1185هـ .
(4) العمر : هو ابن عمر بن أبي زيدان ، ولد في صفد من فلسطين سنة 1106هـ ، وكان حاكماً على عكا ، واستفحل أمره ، وامتد حكمه إلى صفد والناصرة وطبرية وصيدا ، وحيفا ويافا والرملة وجبل نابلس وشرقي الأردن وجبل عامل ، قُتل سنة 1196هـ .
(5) نعمى : لعلها رمز للمرأة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 225


هجرت أسير جفونها لا عن قلى(1) منه وجـرّت للجـفـا أذيـالـهـا
يا ليت شعـري من أراه مخبـري عـمـا لـهـا مـنـي بدا فبدا لها
لما أصاخـت للوشاة و أعرضـت عـنـي وكـنـت يمينها و شمالها
وكـأنهـا نسيت عهـودي وانتقت غـيـري وما يومـاً هتكت حجالها(2)
والله يعلـم أن نعـمـى قـد بـدا فيها المشـيـب وما سئمت وصالها
بـوأتهـا قـلـبـي ولم أطلب بها بدلاً و ما صرمت يداي حبـالـهـا
وبـذلـت مجاناً لـهـا روحي وما رمـت المـلال وإن رأيت ملالهـا
وجعلتهـا لـي قبلـة لـمـا أمـل عنهـا وإن عــنـي العذول امالها
ولطـالـمـا عنها كشفت ملـمـة لـولا حسـامـي لـم تظن زوالهـا
أجنيت ذنبـاً فاقتضـى أن لا أرى فـي شرع نعمى حسنهـا وجمالهـا(3)

وإن كثيراً من أبياته وإن كانت في مدح الأمراء ألا أن فيها حكماً كثيرة جديرة بالاهتمام ومن ذلك ما جاء في قصيدته التي مدح بها أمير حاكم النبطية(4) وناحية الشقيف الشيخ علي الفارس ـ من البسيط ـ :
أقـرن بقـولك فعلاً ما به خلل لايصدق القول حتى يصدق العمل
عز الزمان وعلياه إذا حسب الـ أفعـال والقـول لا يقضي به أمل
بما سما الأسود العبسي(5) مرتبة وصـار ممن به السادات تحتفـل
ولم حديث العطـايا لابن زائـدة(6) مـدون و هـو في الآفـاق منتقل
ويـل البخيـل وويل للجنان فقد صـار مشوقين كل بُرْجـة زحل(7)


(1) قَلى : أبغضَ .
(2) الحجال : الستر يُضرب للعروس في جوف الدار .
(3) أعيان الشيعة : 2/116 ـ 117 .
(4) النبطية : وهي من توابع شقيف في جبل عامل بلبنان ، ويقال لها (النباطيا التحتا) .
(5) العبسي : هو عنترة بن شداد بن عمرو العبسي من فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى وله معلقة كان مغرماً بابنة عمّه (عبلة) مات نحو 22 ق.هـ .
(6) ابن زائدة : هو معن بن زائدة بن عبدالله بن مطر الشيباني المتوفى عام 151هـ كان من أشهر أجواد العرب وأحد الشجعان الفصحاء .
(7) زحل : كوكب يُضرب به المثل في العلو والبعد .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 226


إن مد كفاً إلى العلياء اقعدها عجز وأقعده عن نيلها فشل(1)

ومنها من قصيدة أخرى يتحدث فيها عن العزم والشجاعة ـ من البسيط ـ جاء في أولها :
جرّد من العزم سيفاً واركب الحذرا واجعل فؤادك في يوم الوغى حجرا
و غـالـب الدهر لا ترهب بوائقه(2) واعلم بأن الفـتـى من غالب القدرا
وغالب الخصم لا تشفق عليـه ولا تـركـن إليه فـلا يعفـو إذ قـدرا
وإن أردت خليـلاً لا يغشـك فـي نصيحـة فـاتـخـذه صارماً ذكرا
بـدونـه لـس للساعـي بلوغ منى و لـم يـزل للعـلـى والعز مفتقرا
من لا حسـام له لا يرتقـي شرفـاً و لـيـس يـدرك في حاجاته وطرا
به سمـا الأسود العـبـسـي مرتبة عليـا و كان على السـادات مفتخرا(3)
فهو الكفيـل بما ترجوه من ظـفـر يـوم الوغى حين ترمي نارها شررا

إلى أن يقول ونعم ما يقول عن الاجل والموت :
لا بـد للمرء من يوم وإن بعدت عنـه المنـون كذا أمر الإله جرى
فاصرف زمانك فيما تستطيل به على الفريقين أعني البدو والحضرا
واشك الزمان إذا منه رأيت جفا إلى فتـى لم يزل للحق منتصرا(4)

وله في أخرى ـ من الوافر ـ :
إلـى كسـب المحامـد مد باعاً وحـاذر أن تذل وأن تراعا
وأن تعنـو لخصمك في عراك وإن ترجو من الضد انتفاعا
وأن تخشـى ملـمـات الليالـي وأن لا تستعد لها دفـاعـا
وكن أقسى مـن الجلمود(5) قلباً إذا كشف الزمان لك القناعا
وخـذ بـالـجـد في إدراك آت ولا تطلب لما فات ارتجاعا


(1) أعيان الشيعة : 2/117 .
(2) بأقه بؤوقاً وابنأَق عليه الويلُ : أصابَه وفاجأه .
(3) تكرر معه هذا المعنى في المقطوعة السابقة .
(4) أعيان الشيعة : 2/118 .
(5) الجلمود : الصخر الأصم .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 227


ولا تعتب على الأيام إني أراهن اتصـالاً وانقطاعـا
فمـا العليا تتـم لغير حر شرى في سوقها قوماً وباعا
وليس المرء كل المرء إلا فتى عنه حديث الحمد شاعا

ويقول عن السيف والقوة ـ من البسيط ـ :
بالمشرفية(1) ترقى أشرف الرتب وتخجل الخصم بالخطّية(2) السلب
لا يكشف الكربة السوداء غير فتى ماضي المضارب للأرواح منتهب
يدب في غربه(3) ماء الـردى وبه نيل المنـى وبلوغ القصد والأرب
فـكـل من فـاه بالعليا وليس له ماضي الغرار فمنسوب إلى الكذب

وله أيضاً من أخرى في ذات المعنى ـ من الكامل ـ :
بـالسيف يفتح كل باب موصد وبـه مـن العليا بلوغ المقصد
من لم يكن بين الورى ذا صارم فهو البعيد عن الفخـار السرمد
لا حـق إلا للحسام وكـل من طلب الحـقـوق بغيره لم ينجد
فـإذا بدا لك حاجة فاستقضهـا بغرار مـاضي الشفرتين مهند
وإذا العـلا مَرضت فإن طبيبها سيف لـه في الهـام أبلغ مغمد(4)

وله في وصف قلعة الشقيف(5) اللبنانية ـ من الرمل ـ :
مـا الشقيف الصلد إلا جنة ولـنـا قـصـر بأعلاه استنار
ليس يدنو منه في عظم البنا قصر غمدان(6) ولا عظم الجدار
تنظـر المرآة فيه فـتـرى فـوقـك النهـر ترائى بانحدار


(1) المشرفية : من أجود أنواع السيوف تنسب إلى موضع في اليمن ، وقيل إنها تنسب إلى قرى على مشارف الشام .
(2) الخطية : الرماح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ للسفن بالبحرين حيث تُباع الرماح .
(3) الغرب : الدلو العظيمة .
(4) أعيان الشيعة : 2/118 .
(5) قلعة الشقيف : ويقال لها قلعة أرنون ، وهي قلعة فوق جبل عال في شقيف ، ومن شرقها يجري نهر الليطاني في لبنان ، وكانت القلعة مقر أمراء الصعبية ولها خندق عميق .
(6) قصر غمدان : قصر في صنعاء يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 228


ما رأينا قبل هذا جدولا فوق قصر شامخ فـي الجو طار
لا ولا قصـر كهذا إنه فلك يـزهـو ولـكـن لا يـدار
زينة الدنيا على أرجائه تزدهي فـي كـل نحو كالفنـار(1)
نقشهـا مؤتلف مختلف في ابيضاض واحمرار واخضرار
شامخ يـاوي إليه أسد ذو افـتـراس واقتنـاص وابتدار

وله أيضاً في وصفها من قصيدة أخرى ـ من الطويل ـ :
لك القلعة الشمّـاء شراق بدرها وإن كـره الحـسـاد في فرق فرقد
جذبت بها حتى بلغت بها السهى و قصّـر عـنـها كـل قصر مشيد
و أبـرزتهـا للوافدين فـأقبلت تنـادي على شحط المدى كل مجتدي(2)

ومن شعره في الحرب والكرامة ـ من الطويل ـ :
فمـا العـز إلا مرهـف الحـد والقنا إذا اشتد في يـوم الوغى الطعن والضرب
وأقبلـت الفرسـان فـوق شـوازب(3) مسـومـة شعـث يضيـق بها الـرحب
ودارت رحى الموت الزؤام(4) وما بها سوى الهام مطحون وماضي الشبا(5) قطب
ونكست الشـوس(6) النبــود وأنشبت بليث الشرى(7) الضاري مخالبهـا الحرب
ومـزقت الأبطـــال كــل ممزق مـثقفة(8) سمـر ومـرهـفـة قــضب
وثـار عجـاج الصافنات(9) ولم يزل يـمـد إلـى أن أظلـم الشـرق والغـرب
وزاد الظمــا بالـدارعين وما لهـم وإن أجهدوا من غيـر كـأس الردى شرب(10)


(1) الفنار : المشعل ، المنارة .
(2) أعيان الشيعة : 2/118 .
(3) الشوازب : الخيول الضامرة .
(4) زأم : مات موتاً سريعاً .
(5) الشبا : حدُّ كل شيء .
(6) الأشوس : الشديد البأس .
(7) الشرى : الخيار من كل شيء .
(8) ثقَّفَ الرمح : قومَّه وسوّاه .
(9) الصافنات : وصوافن وصفون ، الخيل إذا وقفت على ثلاث قوائم .
(10) أعيان الشيعة : 2/119 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 229


وله في الجود والكرم من قصيدة ـ من الكامل ـ يقول فيها :
والجود يحيي كل ذكر خامل إن البخيـل بمـالـه لم يحمد
لولا نوال بنان راحة حاتم(1) لم يعل قدراً فوق أرفع أمجد(2)

ومن قصيدة لَهُ فيها مدح وغزل ـ من الكامل ـ :
هل زورة فيها الشفاء لعاشق ألـف السهـاد و قلبـه متبول(3)
من لي بوصل مقلد من جفنه ماضي الغرار قتيله المقـتـول
ظبي من الغيد الحسان قوامه و رضابه العسال والمعـسـول
والخد منه جمـرة يجري بها ماء الحيـاة العـذب وهو أسيل(4)
والخال في أعلاه زنجي حما كنز اللئالـيء مـا إليه و صول
والفرق ما بين الصباح وبينه فـرق وحـالك شعره مسـدول
والعيـن عين العين إلا أنهـا مكحـولـة ما جـر فيها ميـل(5)

وله من قصيدة في المعنى ذاته ـ من البسيط ـ :
يا من رمت مهجتي عن قوس حاجبها سهما تجسم من غنج ومن كحل
وغــادرتـنـي أسيـراً في محبتها إن الأٍسير أسير الأعين النجـل
مـن لي بمقلـة ظبي مقلتي هـجرت بها لذيذ الكرى شوقاً ولـم تزل
وقـامة كـل عسـال(6) يديـن لهـا شتان بين قناة القد والأسـل(7)


(1) حاتم : هو أبو عدي حاتم بن عبدالله بن سعد الطائي القحطاني المشهور بالجود والكرم ، وكان من شعراء العرب وفرسانها مات سنة 46ق.هـ .
(2) أعيان الشيعة : 2/118 ـ 119 .
(3) المتبول : الذي أسقمه الحب وأمرضه الدهر وذهب بعقله .
(4) خد أسيل : أملس ، ويقال اسل الشيء إذا لان واستوى وطال وصار أملس .
(5) أعيان الشيعة : 2/120 .
(6) العسَّال : الرمح يهتزّ ليناً .
(7) الأسل : الرماح .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 230


ومبسـم من أقاح(1) راق منظره فيه الجمان(2) وصافي الراح(3) والعسل
ونقط خال على خـد تصور من نضير(4) ورد يـراه عـاشقـوه جلـي
وليل فرع على صبح الجبين دجا يـا حسـن مبـتـهـج منهـا ومنسدل
يـهـزهـا فيهيـم العاشقون بها سـكـر الـدلال فتمشي مشية الثمل(5)

ومن شعره أيضاً قوله ـ من البسيط ـ :
ولا تخف أعوجيـات(6) مضمرة مثـل السعـالـى(7) على صهواتها قللُ
تخـوض لجة بحر الموت عابسة و جـوههـا وبهـام الشـوس تنـتعـل
فاركب مطية عزم دون مضربـه حد الحـسـام فنعـم الحـارس الأجـل(8)
وكن مع الدهر معوجـاً ومعتـدلاً فـإنـمـا الشهـم مـعـوج ومعـتـدل
وصل ولا تقطع المعروف عن أحد فـالحر لا يقطـع المعروف بـل يصـل
واحمـل ولا تشك للأيام حـادثـة إن الكـريـم لأثـقـال الـورى جـمـل
وقـل لمفتخر بـالأصـل محتقراً خفض عليك فأصل النرجس(9) البصل(10)

وقد اعتمدنا في ترجمة الشاعر على أعيان الشيعة لعدم اطلاعنا على

(1) الأقاح : واحدته أقحوانه وقُحوانه وهي نبات أوراق زهره مفلّجة صغيرة يشبهون بها الأسنان ، له ألوان مختلفة ويزهر في أواخر الخريف والشتاء .
(2) الجمان : الواحدة جمانة وهي فارسية الأصل بمعنى اللؤلؤة .
(3) الراح : الخمر .
(4) النضير : الجميل والحسن .
(5) أعيان الشيعة : 2/121 .
(6) الأعوجيات : الضامرة من الإبل التي اعوجّت هزالاً وجوعاً .
(7) السعالى : العجائز ، ومنه أيضاً : الغيلان أو أنثى الغول ، ويعني أن الغولَ لا تقدر أن تغول أحداً وتُضلَّه ، والغول حيوان أسطوري ولعله هو الحيوان المنقرض المسمى بالديناصور .
(8) ورد عن الإمام علي عليه السلام قوله : «كفى بالأجل حارساً» .
(9) النرجس : الواحدة نرجسة ، وهي نبت من الرياحين من فصيلة النرجسيات أصله بصل صغار وورقه شبيه بورق الكراث ، وله زهر مستدير أبيض أو أصفر تشبَّهُ به الأعين ، والكلمة فارسية الأصل .
(10) أعيان الشيعة : 2/117 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 231


ترجمة ضافية له في غيره(1) .
هذا وتوفي المترجم له في يوم السبت السادس عشر من شهر شعبان عام 1185هـ(2) في بلدته(3) وقد أثبتنا شعره الحسيني في بابه .

(1) وجاء في خطط جبل عامل للأمين : 134 ، أن الشيخ إبراهيم الحاريصي من شعراء حكام بلاد بشارة في جنوب لبنان .
(2) وفي (تاريخ جبل عامل) لمحمد جابر آل صفا أن المترجم له توفي عام 1183هـ .
(3) أعيان الشيعة : 2/116 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 232


(25)
إبراهيم بن مالك الأشتر
نحو 21 ـ 71هـ = نحو 641 ـ 690م

هو إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر النخعي المذحجي المتوفى عام 71هـ .
ليس لدينا عن ولادته ونشأته شيء يمكن الركون إليه إلا ما جاء في كتاب صفين لابن مزاحم من أن غلاماً شاباً من يحصب(1) خرج إلى مالك الأشتر فارتجز بأبيات فنادى مالك الأشتر ابنه إبراهيم يوم صفين عام 37هـ وقال له : خذ اللواء فغلام لغلام ، فتقدم(2)، مما يدل أنه كان آنذاك غلاماً والغلام في اللغة هو الصبي من حين يولد إلى أن يشب(3)، والشاب هو من أدرك سن البلوغ إلى الثلاثين(4)، ومعنى هذا أنه كان آنذاك نحو ستة عشر سنة فتكون على هذا ولادته حدود عام 21هـ ، وبما أن أباه مالك كان آنذاك في المدينة حيث حضر قبلها أي عام 15هـ معركة اليرموك فكانت ولادة ابنه إبراهيم في المدينة ، ونشأ على أبيه وصاحب علياً عليه السلام منذ صباه وأخذ من مناهله ومناهل حوارييه وشب على الشجاعة وعلو النفس والإيمان .
يقول الأمين : كان إبراهيم فارساً شجاعاً شهماً مقداماً رئيساً على النفس بعيد الهمة وفياً شاعراً فصيحاً موالياً لأهل البيت عليهم السلام كما كان

(1) يحصب : بالفتح ثم السكون ، وكسر الصاد ، مخلاف فيه قضى ريدان باليمن يزعمون أنه لم يبن قط مثله ، بينه وبين ذمار ثمانية فراسخ ، وهي الآن قرب صنعاء .
(2) وقعة صفين : 440 .
(3) المعجم الوجيز : 454 .
(4) المعجم الوجيز : 332 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 233


أبوه متميزاً بهذه الصفات(1) .
وقال الزركلي : «قائد شجاع شهد مع مصعب(2) بن الزبير الوقائع ، وولي له الولايات ، وقاد جيوشه في مواطن الشدة ، وآخر ما وجهه فيه حرب عبدالملك بن مروان الأموي بمسكن فقتل عام 71هـ ودفن بقرب سامراء»(3) .
وجاء في المرآة : «إنه كان سيد النخع وفارسها»(4) .
وقد قام مع المختار بن عبيدة الثقفي(5) بأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره وقاد معركة خازر(6) ضد الأمويين وقتل عبيدالله بن زياد(7) .
وجاء في المنجد : «قائد شجاع من أصحاب مصعب بن الزبير ، قاد جيش المختار الثقفي في معركة الخازر في شمال العراق فقضى فيها على الحصين بن نمير وعبيدالله بن زياد ، قتل بمسكن قرب سامراء»(8) .
وأما عن شاعريته فقد كان شاعراً فصيحاً وأديباً بارعاً : ولقد وصلنا من شعره شيء قليل منه ما أنشأه في صفين عندما ناداه أبوه للبراز لغلام من

(1) أعيان الشيعة : 2/200 .
(2) مصعب : هو أبو عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي ولد سنة 26هـ ، تولى ولاية العراق والكوفة ، قتل في معركة الجاثليق سنة 71هـ في عهد عبدالملك بن مروان .
(3) الأعلام : 10/58 .
(4) أعيان الشيعة : 2/200 عن مرآة الجنان .
(5) الثقفي : هو أبو إسحاق بن أبي عبيد بن مسعود ، ولد في الطائف سنة واحد للهجرة . حكم الكوفة ستة عشر شهراً ، وقتل في قصرها سنة 67هـ .
(6) خازر : نهر يقع في شمال العراق بين مدينة أربيل والموصل ، بين نهر الزاب الأعلى والموصل ، وعنده وقعت معركة خازر عام 66هـ .
(7) جاء في العقد الفريد : 5/152، أنه لما التقى عبيدالله بن زياد وإبراهيم بن مالك الأشتر بالزاب قال : من هذا الذي يقاتلني ؟ قيل له : «إبراهيم بن الأشتر ، قال : لقد تركته أمس صبياً يلعب بالحمام .
(8) المنجد في الأعلام : 48 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 234


يحصب وقال مالك : غلام لغلام ـ من الرجز المشطور ـ :
يا أيهـا السـائـل عني لا تُرَعْ أقدِمْ فإنّي من عرانين(1) النخع
كيف ترى طعن العراقي الجذَع(2) أطيرُ في يوم الوغـى ولا أقع
ما سـاءكم سَرَّ وما ضَرَّ نفع(3) أعددتُ ذا اليوم لهول المُطَّلعْ(4)

ومن شعره بيتان بعثهما إلى أبي عطاء السندي(5) وسأله أن يضيف إليها بيتين ـ من البسيط ـ :
وبلدة يزدهى(6) الجنّان(7) طارقها قطعتهـا بكنـاز(8) اللحم معتاطه(9)
وهنا وقد حلق النسران(10) أو كربا وكانت الدلو بالجوزاء(11) مُنْتاطه(12)

فقال أبو العطاء :
فأنجاب عنهما قميص الليل فابتكرت تسير كالفحل تحت الكور(13) لطاطه(14)


(1) العرنين : السيد والشريف .
(2) الجذع : الشاب الحدث .
(3) أي ما ساءكم سرّنا وما ضركم نفعنا .
(4) وقعة صفين : 441 ، دائرة المعارف الشيعية العامة : 2/131 .
(5) السندي : هو أفلح بن يسار السندي ، مات عقب موت المنصور العباسي الذي توفي سنة 158هـ وهو شاعر عاصر الدولتين الأموية والعباسية مدح الأمويين وهجا العباسيين وبني هاشم ، وكانت في لسانه عجمة ولثغة فتبنى وصيفاً سماه «عطاء» وروّاه شعره ، وجعل إذا أراد إنشاد شعره أمره فأنشد عنه ، وكان أبوه سندياً عجمياً لا يفصح .
(6) يزدهي : يستخف .
(7) الجِنَّان : بكسر الجيم وتشديد النون : اسم جمع للجِنّ .
(8) كناز اللحم : ناقة كناز أي كثيرة اللحم صلبة .
(9) اعتط الثوب : شقَّهُ من غير بيونه ، والعود تثنى من غير كسر بيّن ، واعتط الرجل إلى الأرض صرعه وغلبه ، والعطاط : الشجاع .
(10) النسران : كوكبان في السماء معروفان على التشبيه بالنسر الطائر ، يقال لكل واحد منهما نسر أو النّسر ، ويصفونهما فيقولون : النسر الواقع والنسر الطائر .
(11) الدلو والجوزاء : من الأبراج الاثني عشر .
(12) المنتاطة : المتباعدة .
(13) الكور : الرحل بأداته وهو ما يذلل به البعير ويُوطَأ .
(14) اللطاطة : الناقة جعلت ذنبها بين فخذيها عند العدو .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 235


في أينق كلما حث الحداة(1) لها بدت مناسمها(2) هوجاء(3) حطاطه(4)

وجاءه عبدالله بن الزبير الأسدي(5) وقيل عبدالله بن عمرو الساعدي(6) فقال : إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن ، قال : إني لست أعطي الشعراء ، قال : اسمعها مني وترى رأيك فقال : هات إذاً ، فأنشده ـ من الكامل ـ :
الله أعطـاك المهـابة والتقى وأحـل بيتك في العديد الأكثـر
وأقر عينـك يوم وقعة خـازر والخيـل تعثـر بالقنـا المتكسر
مـن ظـالميـن كفتهم آثامهم تـركـوا العافية وطير حـسـر
مـا كـان أجرأهم جزاهم ربهم شر الجـزاء على ارتكاب المنكر
إني مدحتك إذ نبا(7) بي منزلي وذممت أخوان الغنى من معشري
وعرفت أنـك لا تخيب مدحتي ومتـى أكن بسبيل خيـر أشكـر
فهلم نحـوي من يمينـك نفحة إن الـزمـان الـح يا ابن الأشتر

فقال له إبراهيم : كم ترجو أن أعطيك ، قال : ألف درهم ، فأعطاه عشرين ألفاً(8) .
وعندما استقرت لإبراهيم موصل وأطرافها(9) بعد أن هزم الجيش

(1) الحادي : والجمع حُداة وهو الذي يسوق الإبل ويتغنى لها .
(2) المنْسِم : والجمع مناسم ، هو كالظفر للإنسان أو هو طرف خُفّ البعير والنعامة ونحوها .
(3) الحطاطة : السريعة في السير .
(4) الأغاني : 27/335 ـ 337 ، أعيان الشيعة : 2/202 .
(5) الأسدي : هو أبو كثير بن الأشم بن الأعشى ، وهو شاعر كوفي المنشأ والمنزل ، توفي نحو 75هـ ، وكان من شعراء بني أمية ، أسره مصعب بن الزبير وأخذه إلى الكوفة وأحسن إليه ، ثم عمي عبدالله ومات في خلافة عبدالملك بن مروان .
(6) الساعدي : لم نعثر على ترجمته في مظان الكتب .
(7) نبا : جفا وأعرض ونفر .
(8) أعيان الشيعة : 2/201 ، الأغاني : 14/253 ـ 254 .
(9) جاء في كتب التاريخ : أن إبراهيم الأشتر عندما قضى على الجيش الأموي في خازر وقتل عبيدالله بن زياد وأصحابه وهزم من بقي منهم أقام بالموصل وأنفذ عماله إلى نصيبين وسنجار ودارا وقرقيسيا وحران والرها وسميساط وكفرتوثا وغيرها

السابق السابق الفهرس التالي التالي