البالغون الفتح في كربلاء 138

في المعركة :


ومن ضمن ألأعمال الفظيعة التي إرتكبها الرجس إبن سعد لعنه ألله أن حال بين الحسين عليه السلام وأصحابه وبين ماء الفرات فأضر العطش بالحسين عليه السلام وبمن معه .
وكان يظن إبن سعد بفعله هذا سوف يجبر الحسين عليه السلام على ألإستسلام له ولطاغيته . إن هذه ألأفعال الدنيئة الجبانة التي تنم عن سوء نية القائمين عليها وهي ليست غريبة على ألإمام عليه السلام فمعاوية منع الماء عن جيش أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفين وألإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما ملك المشرعة أباح الماء لهم وكذلك الحسين عليه السلام عندما سقى جيش الحر المكون من ألف فارس . ولكن ألإمام عليه السلام أبى أن يساوم هذه الشرذمة الضالة التي أخذت تتباهى بهذا الفعل المشين فها هو المهاجر بن أوس يقول للإمام الحسين عليه السلام : (يا حسين ،ألا ترى إلى الماء يلوح كأنه بطون الحيات ، وألله لا تذوقه أو تموت) فقال له ألإمام عليه السلام : (إني لأرجو أن يوردنيه ألله ويحلأكم عنه) وعندما لم ير ألإمام الحسين عليه السلام بدا لجلب الماء وهو يشاهد ألأطفال تتصارخ . فأخذ فأسا وحفر حول خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا منها . فملأوا أسقيتهم . ثم غارت العين فلم ير لها أثر ! . يذكر السيد المقرم عن ألإمام الصادق عليه السلام قوله : إن الحسين عليه السلام أرسل ولده ألأكبر في اليوم الثامن مع ثلاثين فارسا إلى الماء فخاضوا لجج الجيش الهمام ولم تثن عزمهم الحرب الدامية وبعد جهاد طويل ملكوا المشرعة وملأوا القرب وعادوا إلى المخيم (1).

(1) المقرم : علي ألأكبر عليه السلام ص 66 .
البالغون الفتح في كربلاء 139

إستشهاده :


إتفق المؤرخون إن أول من قاتل من الهاشميين هو علي بن الحسين ألأكبر ويقال أنه لما توجه إلى الحرب إجتمعت النساء حوله كالحلقة وقلن له إرحم غربتنا ولا تتعجل القتال فإنه ليس لنا طاقة على فراقك (1). فنظر إليه الحسين عليه السلام نظرة آيس منه ـ وأرخى عليه السلام عينيه وبكى ثم قال (أللهم إشهد ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك صلى الله عليه وآله وسلم وكنا إذا إشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه) وتزيد بعض المصادر (أللهم فإمنعهم بركات ألأرض ، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا وإجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم ابدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدو علينا يقاتلوننا ويقتلوننا !)
ثم صاح الحسين عليه السلام يابن سعد قطع ألله رحمك كما قطعت رحمي ويضيف الشيخ القريشي نقلا عن بحار ألأنوار والفتوح والخوارزمي (2)(ولا بارك لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم ثم تلا قوله تعالى : «إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ{33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{34}»(3)
نزل علي ألأكبر إلى حومة الميدان حاملا بين جنبيه روح ألإسلام وهيبة جده ألأكرم صلى ألله عليه وآله وسلم وبسالة أمير المؤمنين وهو يرتجز :
أنا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي
تألله لا يحكم فينا إبن الدعي


(1) لبيب بيضون : موسوعة كربلاء ج1 ص 117 .
(2) حجة ألإسلام الشيخ باقر شريف القرشي حياة ألإمام الحسين عليه السلام ج3 ص 263 .
(3) سورة آل عمران ، ألآيتان : 33 ـ 34 .
البالغون الفتح في كربلاء 140

وإقتحم الميدان وزلزل ألأرض تحت أقدام جيش إبن سعد حتى قال فيه الشاعر الشيخ عبدالحسين صادق :
ورث الصفات الغر وهي تراثه من كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر بإبا الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائق وبليغ نطق كالنبي محمد

وآخر يقول :
يرمي الكتائب والفلا غصت بها في مثلها من بأسه المتوقد
فيردها قسرا على أعقابها في بأس عريس العرينة ملبد

فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ، حتى أنه روي أنه برغم عطشه قتل منهم (120) رجلا ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبت العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل ؟ . فبكى الحسين عليه السلام وقال ( واغوثاه يا بني ، من أين آتي بالماء ، قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمد المصطفى فيسقيك بكأسه الأوفى شربة ماء لا تظمأ بعدها أبدا).
واخذ لسانه فمصه ليريه ظمأه فكان كشقة مبرد من شدة العطش . ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه وبذلك يقول السيد المقرم :
ويؤوب للتوديع وهو مكابد لظما الفؤاد وللحديد المجهد
صادي الحشا وحسامه ريان من ماء الطلا وغليله لم يبرد
يشكو لخير أب ظماه وما إشتكى ظمأ الحسا إلا إلى الظامي الصدي
فإنصاع يؤثره عليه بريقه لو كان ثمة ريقه لم يجمد
كلٌ حشاشته كصالية الغضى ولسانه ظمأ كشقة مبرد

عندها رجع علي ألأكبر إلى القتال وحمل وهو يقول :

البالغون الفتح في كربلاء 141

الحرب قد بانت لها حقائق وظهرت من بعدها مصادق
وألله رب العرش ، لا نفارق جموعكم أو تُغمد البوارق

وقاتل قتالا شديدا حتى أكمل المائتين من القتلى في العدو . وصار القوم يتقون ملاقاته وهو يتبختر في الميدان حتى بصره اللعين مرة بن منقذ العبدي فقال على آثام العرب إن مرَّ بي هذا الغلام يفعل مثل ذلك لأثكلن به أباه . فمر يشّدعلى الناس بسيفه فإعترضه مُرة بن منقذ فطعنه على ظهره غدرا فإعتنق فرسه وإتجه به نحو معسكر العدو فقطعوه بأسيافهم إربا . فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته : يا أبتاه ! هذا جدي رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم قد سقاني بكإسه ألأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول العجل ، فإن لك كأسا مذخورة . ثم أن ألإمام الحسين عليه السلام لم يتمالك نفسه الشريفة بأن يترك فلذة كبده تحت رحمة ألأعداء فشد الحسين عليه السلام حتى وقف عليه وهو مقطع ألأوصال . فقال : قتل ألله قوما قتلوك يا بني ، فما أجرأهم على ألله وعلى إنتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وآله ثم إستهلت عيناه بالدموع وقال : على الدنيا بعدك العفا . ووضع الحسين عليه السلام رأس ولده علي ألأكبر بحجره وهو يمسح الدم عن ثناياه وأخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به إلى السماء فلم يسقط منه قطرة . ثم جعل يلثمه ويقول : يا بني لعن ألله قوما قتلوك ما أجرأهم على ألله ورسوله صلى ألله عليه وآله وسلم . ورفع ألإمام الحسين عليه السلام صوته بالبكاء إذ قيل لم يسمع أحد إلى ذلك الزمان صوته بالبكاء (1) .فهد ركنه عظم المصاب بحيث لم يجد في نفسه القوة على حمله إلى المخيم فأمر فتيانه بحمل ألأكبر مقطعا إلى الفسطاط الذي أعده للقتلى من آله وصحبه . قال حميد بن مسلم لما قتل علي ألأكبر رأيت إمرأة خرجت من الفسطاط وهي تنادي وا إبن أخاه فجاءت وإنكبت عليه فأخذ الحسين عليه السلام بيدها وردها إلى الخيمة فسألت

(1) المجموعة الموضوعية : ج4 ص 361 .
البالغون الفتح في كربلاء 142

عنها قيل : هذه زينب إبنة فاطمة بنت رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم (1). قال السيد المقرم وخرجت عقيلة الطالبيين صارخة نادبة فألقت بنفسها عليه تضم إليها جمام نفسها الذاهب وحمى خدرها المنثلم وعماد بيتها المنهدم وبذلك قال آية ألله الشيخ محمد حسين ألأصفهاني رحمه ألله :
لهفي على عقائل الرسالة لما رأينه بتلك الحالة
علا نحيبهن والصياح فإندهش العقول وألأرواح
ناحت على كفيلها العقائل والمكرمات الغر والفضائل
لهفي لها إذ تندب الرسولا فكادت الجبال أن تزولا
لهفي لها مذ فقدت عميدها وهل يوازي أحد فقيدها
ومن يوازي شرفا وجاها مثال ياسين شبيه طه
يا ساعد ألله أباه مذ خبا نيره (ألأكبر) في ظل الظبا
رأى الخليل في منى الطفوف ذبيحه ضريبة السيوف

أما بخصوص حضور ليلى أم ألأكبر في الطف فقد ذهب أغلب المؤرخين إلى عدم حضورها وقال البعض بوفاتها قبل الطف بإستثناء الدربندي في أسرار الشهادة وقد اشكل عليه بعض المحققين ومنهم العلامة السيد محمد تقي بحر العلوم (3)في المقتل بقوله أن ألدربندي إعتمد على بعض المؤلفات المجهولة ، ومثله وقع لبعض أرباب المقاتل من ألمتأخرين . وذهب إلى نفس الرأي المرحوم السيد المقرم في كتابه علي ألأكبر عليه السلام .

(1) تاريخ الطبري : ج4 ص 642 .
(2) مقتل المقرم ص 261 .
(3) مقتل ألإمام الحسين عليه السلام ص 340 .
البالغون الفتح في كربلاء 143

موضع دفنه :


يذكر السيد المقرم في المقتل بقوله لما أقبل السجاد عليه السلام وجد بني اسد مجتمعين على القتلى متحيرين لا يدرون ما يصنعون ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم !؟
قام ألإمام زين العابدين عليه السلام بالتعريف بألأجساد الطاهرة وإبتدأ بدفن أبيه الحسين عليه السلام . ثم عين موضعين لبني أسد , أمرهم أن يحفروا حفرتين ووضع بألأولى الشهداء من بني هاشم وفي الثانية الشهداء من ألأصحاب . وكان أقرب الشهداء إلى ألإمام الحسين عليه السلام ولده ألأكبر عليه السلام (1) . وإن الزيارة المروية عن ألأئمة الهداة كاشفة عن عظيم منزلته وجليل قدره وعلو مقامه فقد ورد في كامل الزيارات :
سلام ألله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين ، عليك يا مولاي وإبن مولاي ورحمة ألله وبركاته ، صلى ألله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبناءك وأمهاتك ألأخيار الأبرار ، الذين أذهب ألله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . السلام عليك يإبن رسول ألله وإبن أمير المؤمنين وإبن الحسين بن علي ورحمة الله وبركاته ، لعن ألله قاتلك ، ولعن ألله من إستخف بحقكم وقتلكم ، لعن الله من بقي منهم ومن مضى ، نفسي فداؤكم ولمضجعكم صلى ألله عليكم وسلم تسليما(2).

(1) المرحوم المقرم : مقتل ألإمام الحسين عليه السلام ص 321 .
(2) إبن قولويه القمي : كامل الزيارات ص 416 .
البالغون الفتح في كربلاء 144


2 ـ عبدألله الرضيع إبن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام :

ولد في المدينة المنورة . وأمه الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب الكلبي ، وأمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب الكعبي . وامها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم ، وأمها الرباب بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي ويشير الشيخ السماوي (طاب ثراه) إلى قول ألإمام الحسين عليه السلام فيها :
لعمرك أنني لأحب دارا تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وابذل جل مالي وليس لعاتب عندي عتاب(1)

ونحن نستغرب ن بعض كتابنا ألأجلاء ممن يؤكدون أن هذه ألأبيات صادرة من ألإمام الحسن عليه السلام إذ لا يخفى على المتتبع اللبيب إن ألإمام الحسين عليه السلام نهل من جده وأبيه المعارف ألإلهية وألآداب المحمدية ما يأخذ بها إلى أسمى درجة من اليقين فمن غير الممكن أن يصدر من سيد شباب أهل الجنة ما هو خلاف الشريعة المقدسة وهو ألإمام المعصوم الذي قال رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وأخيه (الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا) إن من تربى في أحضانهم وتأدب بآدابهم لا يمرق عن طريقتهم فكيف بهم وهم الذين علموا العالم بأسره نواميس العفة والنجابة . فلا يمكن للمرء أن يتصور أن هذه ألأبيات صادرة من ألإمام الحسين عليه السلام . وأحتمل بدرجة كبيرة أن هذه ألأبيات نسبت إليه عليه السلام ولرب سائل يسأل ويقول لا يوجد تعارض لأن الرسول صلى ألله عليه وآله وسلم قد إمتدح فاطمة الزهراء عليها السلام وبين منزلتها ومكانتها أقول : هذا صحيح ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمتدح الزهراء عليها السلام بالشعر وإنما إمتدحها

(1) السماوي :إبصار العين ص 36 .
البالغون الفتح في كربلاء 145

بالقول العادي ومن جهة أخرى أن هناك حكمة مستقبلية تقتضي أن يقوم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببيان منزلة ومكانة الزهراء عليها السلام لأنه يعلم ما سيحدث القوم بعده من غصب حقها عليها السلام .
وكان إمرئ القيس زوّج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وقصته مشهورة ، فكانت الرباب عند الحسين عليه السلام وولدت له سكينة وعبدألله هذا .
يقول السيد إبن طاوُس . لما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى (هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف ألله فينا ؟ هل من مغيث يرجو ألله بإغاثتنا ؟ هل من معين يرجو ما عند ألله في إعانتنا ؟)(1).
فلم يسمع غير صراخ النسوة ، وعويل ألأطفال ، فلم يبق أمام الحسين عليه السلام غير أن ينازل بنفسه المقدسة ويقتحم حومة الميدان بشجاعته الفذة ويقينه المتأصل بألله عز وجل .
وعينه وقلبه يفيضان خوفا على حرم رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم لأنه يعرف شراذمة القوم بأنهم لا يحملون أدنى القيم ألإنسانية . فهاجت به عواطف الحب ولواعج ألأبوة المفجوعة حتى طلب ولده الرضيع ليودعه فوقف بباب الخيمة ينادي أخته زينب (ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه) فجاءت به عمته زينب . فرفعه الحسين عليه السلام ليعانقه ويقبل شفتيه الذابلتين وهو على هذا الحال وإذا بسهم اللعين حرملة بن الكاهل يقع في نحره فذبحه فراح يفحص رغام الموت بقدميه ويرفرف كما يرفرف الطير المذبوح ، ودمه يشخب من أوداجه فقال الحسين عليه السلام لزينب (خذيه) ثم تلقى الدم بكفيه حتى إمتلأتا ، ورمى بالدم نحو السماء فقال (هون علي

(1) السيد إبن طاوُس : الملهوف ص 168 .
البالغون الفتح في كربلاء 146

ما نزل بي ، إنه بعين ألله) قال ألإمام الباقر عليه السلام (فلم يسقط من ذلك الدم قطرة) ثم إن الحسين سمع مناديا من السماء يقول دعه يا حسين فإن له مرضعا في الجنة . وبهذا المعنى قال قائم آل محمد صلى ألله عليه وآله وسلم في زيارة الناحية السلام على عبدألله الرضيع المرمي الصريع المتشحط دما والمصعد بدمه إلى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه ، لعن ألله راميه حرملة بن كاهل ألأسدي .

إستشهاده :


إختلف المؤرخون في حادثة إستشهاد الطفل الرضيع فالبعض منهم يقول كما أسلفنا أنه طلبه للتوديع أما السيد إبن طاوُس فيختلف مع البعض ويقول أنه جيء به طلبا للماء حيث يذكر عن بعض المصادر ويقول وهي أقرب إلى العقل ، لأن الحال ما كان وقت توديع للصبي لإنشغالهم بالحرب والقتل وإنما زينب أخته عليها السلام أخرجت الصبي وقالت : يا أخي هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فأطلب له شربة ماء فأخذه على يده وقال ( يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي ، وقد بقي هذا الطفل يتلظى عطشا فأسقوه شربة من الماء) فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه ثم نزل الحسين عليه السلام عن فرسه ، ودفنه مرملا بدمه . وجاء في أنصار الحسين إن الذي رماه هو عقبة بن بشير وفي الطبري رماه : (هانئ بن ثبيت الحضرمي) والمشهور هو (حرملة بن كاهل ألأسدي) (1). وبذلك أنشد السيد محمد جواد شبر ألأبيات التالية :
أعزز علي وأنت تحمل طفلــ ـك الظامي وحر أوامه لا يبرد
قد بح من لفح الهجيرة صوته بمرنه منها يذوب الجلمد
وقصدت نحو القوم تطلب منهم وردا ولكن أين منك المورد

(1) محمد مهدي شمس الدين : أنصار الحسين عليه السلام ص 131 .
البالغون الفتح في كربلاء 147

والقوس طوق نحره فكأنه خيط الهلال يحل فيه الفرقد
وعلى الربية في الخيام نوائح تومي لطفلك بالشجى وتردد

وللعلامة الشيخ محمد تقي آل صاحب الجواهر ألأبيات التالية :
ورب رضيع أرضعته قسيهم من النبل ثديا دره الشر فاطمه
فلهفي له مذ طوق السهم جيده كما زينته قبل ذاك تمائمه
هفا لعناق السبط مبتسم اللمى وداعا وهل غير العناق يلائمه
ولهفي على أم الرضيع وقد دجى عليها الدجى والدوح نادت حمائمه
تسلل في الظلماء ترتاد طفلها وقد نجمت بين الضحايا علائمه
فمذ لاح سهم النحر ودت لو أنها تشاطره سهم الردى وتساهمه
أقلته بالكفين ترشف ثغره وتلثم نحرا قبلها السهم لاثمه
وأدنته للنهدين ولهى فتارة تناغيه الطافا وأخرى تكالمه
بني أفق من سكرة الموت وإرتضع بثدييك عل القلب يهدأ هائمه
بني فقد درا وقد كظك الظما فلعله يطفي من غليلك ضارمه
بني لقد كنت ألأنيس لوحشتي وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه

تعليق :


إن قتل ألأطفال ألأبرياء ممنوع في الشريعة ألإسلامية ولكن السفلة من بني أمية تعدوا حدود ألله وقتلوا ألأطفال ألأبرياء بأبشع وافجع القتلات والنبي صلى ألله عليه وآله وسلم كان ينهى عن ذلك فإن خالد بن الوليد لما قتل بالعميصاء ألأطفال رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه حتى رأى المسلمون بياض إبطيه وقال : أللهم : إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثم بعث عليا عليه السلام فوادهم . فلم يعهد ذبح ألأطفال بعد ذلك إلا ما كان من معاوية في قتله أطفال المسلمين في ألأنبار وفي اليمن على يدي عامله بسر بن أرطأة وكان فيمن قتلهم ولدان صغيران لعبيدألله بن العباس وكررت ذلك أشياعه في الطف فذبحوا من الصبية وألأطفال ما ظهروا عليهم وظفروا بهم بغير

البالغون الفتح في كربلاء 148

ما رحمة منهم ودون أدنى رقة أو رأفة ، ألأمر ألذي برهن على غلوهم في القسوة والفسوق عن الدين بلا مراء ولا خفاء أن قصد التشفي وألإنتقام بلغ بهم إلى العزم على إستئصال ذرية الرسول صلى ألله عليه وآله وسلم وقطع نسله ومحو أصله (1). ولما قبض المختار الثقفي على حرملة ، بكى المختار وقال : يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلا صغيرا وذبحته ، يا عدو ألله .
ثم أحضر الجزار فقال له : إقطع يديه ورجليه ، فقطعهما ، ثم قال عليّ بالنار ، فأحضرت بين يديه ، فأخذ قضيبا من حديد وجعله في النار حتى إحمر ثم إبيض ، فوضعه بين يديه ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته (2).
إختلف الرواة في عدد أولاد الحسين عليه السلام الذين حضروا الطف كما إختلفوا في أسمائهم وقد حققنا ذلك كثيرا فلم يتبين لنا غير ثلاثة منهم وهم علي ألأكبر وأمه ليلى بنت مسعود وعلي ألأوسط وهو ألإمام زين العابدين عليه السلام وعلي ألأصغر المعروف بعبدألله الرضيع وأمه الرباب لكن البعض ذهب إلى أن الذين حضروا أكثر مما ذكرنا ومنهم اليعقوبي في تاريخه والذي أورد رواية مفادها أن ألأصحاب وبني هاشم تقدموا رجلا رجلا حتى بقي وحده ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه فإنه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد في تلك الساعة فأذن في أذنه وجعل يحنكه إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين السهم من حلقه وجعل يلطخه بدمه ويقول (وألله لأنت أكرم على ألله من الناقة ولمحمد أكرم على ألله من صالح ثم أتى فوضعه مع ولده وبني

(1) المجموعة الموضوعية : ج4 ص 410 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 149

أخيه )(1). كما ذكر ذلك الشيخ حسن الشيخ هادي القرشي بقوله : عبدألله الرضيع إبن ألإمام الحسين عليه السلام وأمه أم إسحاق التميمية ولد يوم واقعة الطف وقت صلاة الظهر نقلا عن الزنجاني في وسيلة الدارين . كما ذكر ذلك العلامة المجلسي في بحار ألأنوار وقال من أولاد الحسين عليه السلام جعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية وكانت وفاته في حياة أبيه وعبدألله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه وأمه أم إسحاق بن طلحة بن عبيدألله التميمية القضاعية(2) .جاء في موسوعة كربلاء أن شهادة علي ألأصغر قبل شهادة علي ألأكبر عليه السلام وقال : وطلب الحسين عليه السلام ماء لولده الصغير علي ألأصغر فذهب علي ألأكبر بركوة وملأها من الشريعة ورجع . وأجلس ألإمام عليه السلام إبنه على فخذه وهم بسقيه فأتاه سهم . (3) .. يقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) : وهذه الرواية كما نرى غير مستقيمة وهي تنافي ما في الزيارة المروية من الناحية القائمية المقدسة . ثم يقول القرماني في (أخبار الدول)(4) : اصاب سهم إبناً للحسين عليه السلام وهو في حجره فجعل يمسح الدم عنه ويقول : أللهم أحكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا . ثم يقول وأتي بصبي صغير من أولاده عليه السلام إسمه عبدألله (الظاهر أنه الرضيع) فحمله وقبله فرماه رجل بني اسد (لعله حرملة بن كاهل ألأسدي) فذبح ذلك الغلام فتلقى الحسين عليه السلام دمه وألقاه نحو السماء وقال : يا رب أن تكن حبست عنا النصر من السماء فإجعله لنا خيرا وإنتقم من

(1) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 170 .
(2) حسين هادي القرشي : ألإمام الحسين والمسيرة الكربلائية ص 100 .
(3) الدكتور لبيب بيضون : موسوعة كربلاء ج2 ص 144 نقلا عن القرماني في أخبار الدول وآثار ألأول .
(4) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 150

الظالمين . أما إبن أعثم فيقول : فبقي الحسين عليه السلام فريدا وحيدا ليس معه ثان إلا إبنه علي عليه السلام وهو يومئذ إبن سبع سنين (أقول : هذا خطأ من الناسخ ولعل عمره سبع عشرة سنة وهو زين العابدين عليه السلام) . وله إبن آخر يقال له علي في الرضاع . فتقدم إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني ذلك الطفل حتى أودعه ... وإذا بسهم قد اقبل حتى وقع في لبة الصبي (اللبة : موضع القلادة من الصدر) فقتله (1).
بما أن أغلب روايات الطف هي روايات مرسلة لم يتم التحقق منها بسبب تسلط الحكام وخوفهم من إنتشار موضوعة الطف بين الجماهير فقد حدث لبس كبير في روايات كثيرة من حيث الزيادة والنقصان وخاصة في هذا الموضوع إذ أننا نرى أنه لا صحة لهذه ألأقوال حيث إن أغلب أرباب السير والتاريخ ينصون أن للإمام الحسين عليه السلام ستة أولاد لا غيرهم أربعة منهم ذكور وهم علي ألأكبر وأمه ليلى وعلي ألأوسط وهو السجاد عليه السلام وأمه شاهزنان وعلي ألأصغر وهو عبدألله الرضيع وأمه الرباب وجعفر وأمه أم إسحاق التميمية وبنتان هما سكينة وأمها الرباب وفاطمة وأمها أم إسحاق التميمة وما دون ذلك فلا يصح وألله العالم .

(1) إبن أعثم : كتاب الفتوح ج5 ص 209 .
البالغون الفتح في كربلاء 151

الشهداء من آل علي عليه السلام


1 ـ العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام

والده المعظم :


ذهب الشيعة منذ فجر تأريخها وحتى يومنا هذا إلى ألإعتقاد الجازم بأن أئمة الهدى سلام ألله عليهم هم حماة ألإسلام وأوصياء الرسول صلى ألله عليه وآله وسلم وعدلاء القرآن ولم يكن إعتقادهم بذلك عفويا ولا تعصبا ولا تقليدا وإنما كان ناشئا من أدلة الحاسمة من كتاب ألله العزيز والسنة النبوية الشريفة التي لا يجوز لكل مسلم أن يتغاضى عنها وهي صريحة الدلائل وأن جميع ما ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام من أحكام وتشريعات قد بني على الحق المحض والعدل الخالص ويقول سماحة المؤرخ ألإسلامي الكبير حجة ألإسلام الشيخ باقر شريف القرشي أنه (لولا السياسة ألأموية والعباسية لكان مذهب أهل البيت عليهم السلام هو السائد في المجتمع ألإسلامي لأنه متصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومأخوذ عنه إلا أن الأمويين والعباسيين عمدوا إلى مقاومة أهل البيت والتنكيل بهم لأنهم كانوا يشكلون خطرا على حكمهم القائم على الظلم والجبروت )(1) . ويقول الشيخ الطوسي رضي ألله عنه (لم تلق أية طائفة من طوائف المسلمين وغيرهم مثل ما لاقته الطائفة الشيعية من تنكيل وإضطهاد ويعود السبب في ذلك إلى

(1) نفحات من سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام : ص 8 .
البالغون الفتح في كربلاء 152

عقيدتهم بألإمامة وما يجب أن تتوفر في ألإمام من الصفات الرفيعة التي لم يتوفر أي شيء منها في أولئك الملوك الذين حكمو المسلمين بقوة السيف لا بقوة العدل فكانوا يرونهم سراقا ولصوصا وقاموا بثورات مسلحة لإسقاط حكمهم ) . إتفق أرباب السير أن ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد ولد في الكعبة المشرفة ولم يولد بها أحد لا من قبله ولا من بعده (1)وهذه دلالة واضحة من ألله عز وجل على رفعة ومكانة هذا الوليد المبارك الذي أخذ بسيفه تثبيت دعائم الإسلام الحنيف وكان السند القوي لرسول الله صلى ألله عليه وآله وسلم .
حتى قال عنه (أنه مني بمنزلة هارون من موسى) وهو الذي تربى في أحضانه وعرف بتقواه التي كانت علة الكثير من تصرفاته مع نفسه ومع المجتمع الذي عاش فيه التي هي روح التمرد على الفساد الذي حاربه من كل صوب ثم على النفاق وروح ألإستغلال وألإقتتال من أجل المنافع الخاصة وعلى المذلة والضعف ثم على سائر الصفات التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك فكانت تقواه هي علامة الإيمان التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك فكانت تقواه هي علامة ألإيمان التي جسدها بقوله (علامة ألإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك) . وقوله ألآخر (إن قوماعبدوا ألله رغبة فتلك عبادة التجار . وإن قوما عبدوا ألله رهبة فتلك عبادة العبيد ... وإن قوما عبدوا ألله شكرا فتلك عبادة ألأحرار) يريد ألإمام عليه السلام أن يذهب إلى خلاصة القول ألأخير في إنسان لا توجد له عصمة من نفسه تدفعه إلى ألإعتراف بالحق قبل أن تشهد عليه فنظر علي عليه السلام إلى الدنيا هي لا تبقى لمتاع ولا ترجى للذة عابرة . وهكذا نشأ قمر بني هاشم في ظل هذه الشجرة النبوية التي أمدت العالم الإسلامي بمقومات العزة والمنعة والشرف ووطدت في نفوسهم ألأهداف النبيلة وأعدتهم إعدادا جيدا في سبيل مواجة الهجمات الشرسة

(1) محمد رضا الجلالي : وليد الكعبة : ص 53 نقلا عن المستدرك ج3 ص 483 .
البالغون الفتح في كربلاء 153

التي يتعرض لها ألإسلام بعد أن أخذت شرذمة بني أمية على عاتقها محاربة ألإسلام وإعادة روح الجاهلية إلى ربوع الجزيرة العربية لتمتد إلى كافة أرجاء الدولة الإسلامية فعند ذاك تقدمت ألأسرة العلوية لإنقاذ المسلمين من هذا المستنقع الوحل الذي وضعوا فيه بسبب التصرفات المشينة التي تبنتها ألأسرة ألأموية .
وأخذت الويلات تتكرر على ألأمة وكان أعظمها واقعة كربلاء التي كانت ضحيتها ألأسرة العلوية متمثلة بالحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه المنتجبين ومن ضمنهم سيدنا ومولانا أبي الفضل العباس عليه السلام الذي وقف وقفة العز والشموخ لإعزاز ألإسلام المحمدي فكان العباس عليه السلام اليد الضاربة لسيد الشهداء وحامل لوائه ضد أرجاس بني أمية ووقف مدافعا عن ربيبات بيت الوحي والرسالة واعظم موقف هو موقفه عندما ذهب إلى الماء وإقتحم المشرعة وإغترف غرفة من الماء فأحس ببرودته ولكنه لم يشرب متذكرا عطش الحسين عليه السلام ورمى بالماء وهو يرتجز (يا نفس من بعد الحسين هوني ) وملأ القربة وتوجه إلى المخيم محاولا إيصال الماي إلى العطاشى وقد تكاثف عليه من لم تظهر أرحام أمهاتهم فقطعوا يديه وضربوا بالعمد رأسه وقد أخذه نزيف الدم وهو بتلك الحالة فقد أمسك القربة بأسنانه وهدفه الوحيد إيصال الماء إلى المخيم أي وفاء وأي إيثار قدمه قمر بني هاشم فنال الشهادة وهو سعيد بها لا تأخذه في ألله لومة لائم فكان بحق ناصر أخيه الحسين عليه السلام .

ألأم :


أما ألأُم الجليلة المكرمة لأبي الفضل العباس عليه السلام فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد ..، وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب ، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى ألأضياف غلبت كنيتها على إسمها لأمرين :

السابق السابق الفهرس التالي التالي