البالغون الفتح في كربلاء 154

1 ـ كان لها أربعة أبناء .
2 ـ لئلا يتذكر الحسنان عليهما السلام أمهما فاطمة عليها السلام يوم كانت تنادى في الدار بإسمها ، وأما أسرتها فهي من أجل ألأسر العربية ، وقد عُرفت بالنجدة والشهامة ، وقد إشتهر جماعة بالنبل والبسالة منهم :
1 ـ عامر بن الطفيل :


وهو أخو عمرة الجدة ألأولى لأم البنين ، وكان من ألمع فرسان العرب في شدة بأسه ، وقد ذاع إسمه في ألأوساط العربية وغيرها ، وبلغ من عظيم شهرته أن قيصرا إذا قدم عليه وافد من العرب فإن كان بينه وبين عامر نسب عظم عنده ، وبجّله وأكرمه ، وإلا أعرض عنه (1).
2 ـ عامر بن مالك :


وهو الجد الثاني للسيدة أم البنين ، وكان من فرسان العرب وشجعانهم ولُقّب بملاعب ألأسنة لشجاعته الفائقة ، وفيه يقول الشاعر :
يلاعب أطراف ألأسنة عامر فراح له حظ الكتائب أجمع

وبألإضافة إلى شجاعته فقد كان من أُباة الضيم ، وحفظة الذمار ومراعاة العهد ، ونقل المؤرخون عنه بوادر كثيرة تدلل على ذلك .
3 ـ الطفيل :


وهو والد عمرة الجدة ألأولى لأم البنين كان من أشهر شجعان العرب ، وله أشقّاء من خيرة فرسان العرب ، منهم ربيعة وعبيدة ومعاوية ، ويقال لأمهم (أم البنين) وقد وفدوا على النعمان بن المنذر فرأوا عنده الربيع بن زياد العبسي ، وكان عدوا وخصما لهم ، فإندفع لبيد وقد تميز من الغيظ فخاطب النعمان :

(1) باقر شريف القرشي : العباس عليه السلام ص 26 .
البالغون الفتح في كربلاء 155

يا واهب الخير الجزيل من سعه نحن بنو أم البنين ألأربعه
ونحن خير عامر بن صعصعه المطعمون الجفنة المدعدعه
الضاربون الهام وسط الحيصعه إليك جاوزنا بلادا مسبعه
تخبر عن هذا خبيرا فإسمعه مهلا أبيت أللعن لا تأكل معه

فتأثر النعمان للربيع ، وأقصاه عن مسامرته ، وقال له :
شرّد برحلك عني حيث شئت ولا تكثر عليَّ ودع عنك ألأباطيلا
قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا فما إعتذارك في شيء إذا قيلا(1)

ودل ذلك على عظيم مكانتهم ، وسمو منزلتهم ألإجتماعية عند النعمان فقد بادر إلى إقصاء سميره الربيع عن مسامرته .
4 ـ عروة بن عتبة :


وهو والد كبشة الجدة الثانية لأم البنين ، وكان من الشخصيات البارزة في العالم العربي ، وكان يفد على ملوك عصره ، فيكرمونه ، ويجزلون له العطاء ، ويحسنون له الوفادة (2).
هؤلاء بعض ألأعلام من أجداد السيدة الكريمة أم البنين ، وقد عرفوا بالنزعات الكريمة ، والصفات الرفيعة ، وبحكم قانون الوراثة فقد إنتقلت صفاتهم الشريفة إلى السيدة أم البنين ثم منها إلى أبنائها الممجدين .
نشأتها :


نشأت أم البنين رضي الله عنها بين أبوين شريفين عُرفا بالأدب والشجاعة

(1) المصدر السابق .
(2) باقر شريف القرشي : العباس عليه السلام ص 28 .
البالغون الفتح في كربلاء 156

والكرم وسداد الرأي وكان أبوها حزام من مشاهير قومه فنشأت حرة عفيفة طاهرة ، إذ وهبها ألله قلبا زكيا سليما ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد .
فلما كبرت كانت مثالا شريفا بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد فضمت إلى النسب الرفيع حسبا منيفا ، لذا وقع إختيار عقيل عليها كي تكون قرينة أمير المؤمنين ألإمام علي بن ابي طالب عليه السلام .

الزواج المبارك :


أراد ألإمام علي عليه السلام أن يتزوج من إمرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة وألإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصال طيبة عالية ، ولهذا طلب أمير المؤمنين عليه السلام من أخيه عقيل (وكان نسابة عارفا بأخبار العرب ) أن يختار له إمرأة من ذوي البيوت والشجاعة فأجابه عقيل قائلا ( أخي ، اين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب اشجع من آبائها ) . ثم مضى عقيل إلى بيت حزام ضيفا فأخبره أنه قادم عليه يخطب إبنته الحرة إلى سيد ألأوصياء علي عليه السلام . فلما سمع حزام ذلك هش وبش ، وشعر بأن الشرف ألقى كلاله عليه ، إذ يصاهر إبن عم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومن ينكر عليا عليه السلام وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة . فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلا وقد غمره السرور وحفت به البشارة . وكان الزواج المبارك على مهر سنّه رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم في زوجاته وإبنته فاطمة عليها السلام .

مجمع المكارم :


أم البنين رضوان ألله عليها من النساء الفاضلات ، العارفات بحق أهل البيت عليهم السلام ، وكانت فصيحة ، بليغة ، ورعة ، ذات زهد وتقى وعبادة ،

البالغون الفتح في كربلاء 157

ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى عليها السلام بعد منصرفها من واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيام العيد . فقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها ألأخلاقية ، وإن من صفاتها الظاهرة المعروفة فيها : (الوفاء) فعاشت مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفاء وإخلاص ، وعاشت بعد شهادته عليه السلام مدة طويلة لم تتزوج من غيره ، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فإمتنعت . وقد روت حديثا عن علي عليه السلام في أن أزواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده (1).

الوليد المبارك العباس عليه السلام :


في الرابع من شعبان المعظم سنة 26 هـ (2) أشرقت ألأرض بنورها حاملة الخصال الحميدة والصفات الشريفة الشهامة والنبل والوفاء والمواساة فقد زفت البشرى بولادة سيدنا ومولانا أبي الفضل العباس عليه السلام .فسارع إمام المتقين وقائد الغر المحجلين إلى إحتضانه وأجرى عليه مراسيم الولادة حسب ما نصت عليه السنة النبوية فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وكان صوت ابيه أمير المؤمنين أول صوت طرق سمعه ليحفر في قلبه وذاكرته أنشودة ألله أكبر لا إله إلا ألله وفي اليوم السابع من ولادته حلق شعره وتصدق بزنته ذهبا أو فضة على المساكين والفقراء وعق عنه كما عق عن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام . متأملا فيه نصرة أخيه الحسين عليه السلام يوم واقعة الطف فاخذ يقبل يده اليمنى مرة واليسرى مرة ويضمه إلى صدره حيث يعلم ذلك لأن رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم أخبره عما يجري على ولده الحسين بكربلاء .

(1) مناقب إبن شهر آشوب : ج3 / ص 351 / الشيخ محمد باقر القاني / الكبريت ألأحمر : ج2 ص 279 / نقلا عن بحار ألأنوار : ج42 / ص 92 .
(2) المقرم : العباس عليه السلام ص 136 .
البالغون الفتح في كربلاء 158

التسمية :


توسم ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وليده المبارك كل معاني البطولة والشجاعة وأنه سيكون بطلا من أبطال الحق يقارع الظلم والجور فسماه بالعباس والعباس إسم من أسماء ألأسد وهو الأسد الضاري وفعلا كما تنبأ كان شجاعا إجتمعت فيه خصال الكرم ومزايا الكمال .

نشأته :


نشأ أبو الفضل العباس عليه السلام وترعرع في كنف أبيه ودرج في مدرسته العلمية الكبرى مدرسة الوحي والرسالة وتربى في أحضان الهدى فصنع على عين ألإسلام حتى أصبح صورة حية منه يفكر من خلاله ويسلك ما رسم وينأى عما نهى ، كيف لا ما دام ألإمام علي عليه السلام أباه وهو الذي غرس فيه من علومه وأخلاقه وأشبع في نفسه الشريفة كل معاني الخلق الرفيع والكرم والصبر والزهد والإيثار وكانت حياته في ظل أبيه حياة تشع بالخير وألإستقامة وتفيض بالعطاء وتوحي بالكمال والهداية وكان لملازمة أبي الفضل عليه السلام لأخويه الحسن والحسين عليهما السلام ألأثر الواضح في صقل مواهبه وشخصيته فلقد تلقى الهدى منهم وإستمسك بالحق برعايتهم وأنشأ نشأة روحية وفكرية تحت إشرافهم والمتتبع لحياتهم يرى أن حياتهم حلقات متواصلة مترابطة لا فاصلة فيها حيث لا يمكن خرق إمتدادها فهي بحد ذاتها تشكل مدرسة يتعلم فيها أتباعهم ألإسلام الناصع المتجدد وتطبق فيها أحكامه وكل ذلك يرسخ في نفوسنا الثقة بصفاء المصدر ونقاء العطاء ، إن مكونات التربية الصحيحة والصالحة التي حظي بها المولى أبو الفضل العباس عليه السلام رفعته إلى مستوى الشهادء والصديقين الذين بجهدهم وجهادهم تمكنوا من تغيير مجرى التاريخ .
لقد نشأ أبو الفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة لا

البالغون الفتح في كربلاء 159

إله إلا ألله ورفع راية ألإسلام الهادفة إلى تحرير ألإنسان من مستنقع الظلم والعبودية وبناء مجتمع قائم على العدل والمساواة والمحبة وألإيثار وهذه المبادئ العظيمة تشعبت في روحه الطاهرة وشب عليها وناضل من أجلها حتى ترجمها سلوكا وعملا في ملحمة الطف العظيمة .
أية دراسة موضوعية عن الفكر ألإسلامي تستطيع أن ترى بوضوح المرتكزات العلمية لبناء الشخصية ألإسلامية والسعي الجاد لتمثيل المرتكز العلمي ألأساس من خلال التمثيل ألأفضل لشخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وألأئمة الهداة عليهم السلام لخضوعهم للإعداد الإلهي في مجالات بناء عناصر الشخصية ومكوناتها كافة ومن خلال هذا الواقع الدقيق نفهم القيمة ألأساسية العلمية لمكونات شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام إضافة إلى المكونات التربوية الصالحة التي حظي بها من البيت العلوي المبارك لينال فضيلة علمية عالية . فنشأت علميته تحت رعاية مدرسة كريمة مكونة من والده ألإمام علي وأخويه الحسن والحسين عليهم السلام ولذلك نجد أن أسس النشاط الفكري تتوفر عنده في شتى مجالات الحياة دون سواه لطبيعة المكانة المرموقة التي حظي بها فهذا ألإنفتاح الروحي والفكري المتكامل والمستند إلى كتاب ألله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قد هيأ له ألإستيعاب العلمي الفاعل والفكري الجاد لإحتواء التشريع الرباني بدقة وواقعية وهنا يرد قول ألإمام الصادق عليه السلام بحق هذه الشخصية كمستند موثوق به حيث يقول عليه السلام (كان عمي العباس عليه السلام نافذ البصيرة ـ صلب ألإيمان ـ جاهد مع أخيه الحسين وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا) .
ولذلك يعتبر بحق من أكابر فقهاء أهل البيت عليهم السلام ومن العلماء البارزين وأنه زق العلم زقا (1) وإنبعثت نفاذ بصيرته من سداد الرأي

(1) القرشي : العباس عليه السلام ص 41 .
البالغون الفتح في كربلاء 160

وأصالة الفكر المتنور وهذه بطبيعة الحال ناتجة عن صلابة الإيمان ولا تأتي أبدا عن فراغ وإنما من حالة إدراكية متبحرة في المرتكزات العلمية والتي تمنح الدراية الكاملة . وهذا يعطي اليقين القاطع بأن ألإعداد الرسالي هو الذي هيأ المناخ الصالح لشخصيته الكريمة بجميع جوانبها وثمة إشارة واضحة في قول ألإمام الصادق عليه السلام وردت في الزيارة التي رواها المجلسي في مزار البحار ص 165 حيث قال عليه السلام (لعن ألله أمة إستحلت منك المحارم وإنتهكت فيك حرمة ألإسلام) وهذا إرشاد واضح إلى مكانته السامية والتي تصل إلى مقام العصمة والتي هي سبيل رشاد إلى توسم العبودية الصالحة ولذلك علينا تأمل الجوهر الخطابي للإمام الصادق عليه السلام في الزيارة المخصوصة والتي رواها أبو حمزة الثمالي حيث يقول (السلام عليك أيها العبد الصالح) وهذا وصف لصفة أرقى المراتب ألإنسانية من حيث التكامل السببي بين ألله والعبد بصفاء الروح وصدق النوايا الراسخة التي يصل بها ألإنسان إلى الدرجات الإيمانية العليا والمؤهلة للطرف الرابط لموجد كيانه جل وعلا وهذه أكمل مراتب الوجود فيما إذا إلتأم المنتهى مع المبدأ بنحو الصلة وهذا لا يكون إلا إذا بلغ العبد أرقى مراتب الطاعة ـ ولا يأتي مثل هذه المواصفات لممارسة عبادية عادية وإنما عن إدراك وبصيرة واعية تكشف لنا عن محاور علمية واسعة مترسخة في شخصية أبي الفضل العباس بن علي أمير المؤمنين عليه السلام .

صفاته :


قال ألإمام الصادق عليه السلام في حق عمه العباس عليه السلام :
(كان عمي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب ألإيمان . جاهد مع أخيه الحيسن وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا ) . تحدث ألإمام الصادق عليه السلام في هذا الكلمات الذهبية عن أنبل الصفات وأشرفها عند

البالغون الفتح في كربلاء 161

العباس عليه السلام أما نفاذ البصيرة فكان من أبرز صفاته الكريمة التي تدل على أصالة التفكير وسمو الذات وصفائها ونقاء السريرة . فقد كان من نفاذ بصيرته وعميق تفكيره . وشدة إيمانه مناصرته لسيد الشهداء ألإمام الحسين عليه السلام يوم الطف . والصفة ألأخرى من صفات العباس عليه السلام هي الصلابة في ألإيمان كما شهد له ألإمام الصادق عليه السلام وكان من صلابة إيمانه إنطلاقه إلى ساحات الجهاد والدفاع عن حياض ألإسلام ومبادئه بين يدي سيد شباب الجنة الحسين عليه السلام مبتغيا في ذلك رضا ألله ورسوله وإبن رسوله . والشيء المؤكد والذي لا ريب فيه أن العباس عليه السلام لم يندفع إلى التضحية بأي دافع من الدوافع المادية أو بدافع الرغبات الدنيوية أو ميول من هوى أو أي شيء آخر من هذه الدوافع التي مآلها إلى التراب .
بل كان جهاده مع الحسين عليه السلام من أوثق ألأدلة على إيمانه وأن جهاده المشرف بين يدي ريحانة رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم ومن أسمى مراتب الفضيلة التي إنتهى إليها أبو الفضل العباس هو ما ذكره ألإمام الصادق عليه السلام فقد أبلى العباس بلاء حسنا يوم كربلاء لم يكن له نظير في دنيا البطولات . وكما أشاد في زيارته لعمه العباس بشخصيته العظيمة وقلده بأشرف ألأوسمة وأعلاها والدالة على علو قدره وعظيم شأنه وشرف مكانته . فقد إستهل زيارته (سلام ألله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يابن أمير المؤمنين ...) بهذه العبارات قدم ألإمام الصادق عليه السلام تحيات من ألله وسلام ملائكته وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين والشهداء والصديقين وكما شهد له بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلغ والمظلوم المهتضم إلى آخر الزيارة التي عبرت كلماتها عن المنزلة العظيمة والمقام الرفيع والدرجات

البالغون الفتح في كربلاء 162

الرفيعة مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، لقد شهد ألإمام الصادق عليه السلام وأشهد ألله تعالى : على أن عمه العباس عليه السلام قد مضى في جهاده مع ألإمام الحسين عليه السلام على ما مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند ألله والذين على جماجمهم بني ألإسلام وهم على بصيرة من أمرهم ويقين من عدالة قضيتهم .
أما ألإمام زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام . إمام التقوى والفضيلة . فقد كان يترحم دوما على عمه العباس عليه السلام وكان مما قال في حقه هذه الكلمات القيمة : (رحم ألله عمي العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله ألله بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة ، كما جعل لجعفر بن ابي طالب وأن للعباس عند ألله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة ) (1) .لله درك يا أبا الفضل من يحظى بهذا التكريم وهذه المنزلة العظيمة من ألله سبحانه وتعالى والتي أخبر عنها ألإمام المعصوم . فإن هذه المكرمة ما قمت به من المواقف الجليلة والتضحيات العظيمة في سبيل نصرة الحق حتى قطعت يداك الكريمتان . وبقيت تقاوم إلى أن هويت إلى ألأرض صريعا شهيدا . إن العباس عليه السلام دنيا من الفضائل والمآثر فما من صفة كريمة أو نزعة رفيعة إلا وهي من عناصره وذاتياته فقد ورث العباس عليه السلام فضائل أبيه وخصائصه حتى صار رمزا لكل فضيلة وعنوانا لجميع القيم النبيلة ، فشجاعته الي ورثها عن أبيه عليه السلام كانت مضرب المثل وحديث الناس على مر العصور والدهور فقد أبدى أبو الفضل يوم كربلاء من الصمود الهائل ما يفوق الوصف فقد كان وحده جيشا لا يقهر .
قال المؤرخون عن شجاعته وبسالته (كان إذا حمل على كتيبة تفر

(1) المقرم : العباس عليه السلام ص 224 نقلا عن الخصال ج1 ص 68 .
البالغون الفتح في كربلاء 163

بين يديه فيبدد جمعهم ويمزق رجالهم) لقد أرعب عسكر إبن زياد وخيم عليهم الموت فزلزلت ألأرض تحت أقدامهم .
وفي ذلك قال بحقه الفرطوسي رحمه الله :
فإرتقى صهوة الجواد مطلا علما فوق قلعة شماء
وتجلى والحرب ليل قتام قمرا في غياهب الظلماء
فإستطارت من الكماة قلوب أفرغت من ضلوعها كالهواء
وتهاوت جسومهم وهي صرعى وإستطارت رؤوسهم كالهباء
وهو يرمي الكتائب السود بالمنايا من اليد البيضاء

فراحو يمنونه ويعرضون عليه المناصب وألأمان مقابل التخلي عن الحسين عليه السلام فهزأ منهم العباس عليه السلام وزاده صلابة في الدفاع عن عقيدته ومبادئه . وأيضا من صفاته ألأخرى التي إتصف بها . ألإباء والصبر والوفاء لدينه ولأُمته ولأخيه ... إضافة إلى قوة ألإرادة والرأفة والرحمة وألإيثار والتي هي صفات العظماء والقادة ألأماجد .

ألقابه :


إحتل العباس المرتبة الثانية بعد أخيه الحسين عليه السلام في ملحمة كربلاء من حيث ألأهمية نظرا للتضحيات الجسام والمواقف العظيمة التي أبداها أبو الفضل في سبيل نصرة الحق وإعزازه لقد قاد أبو الفضل عليه السلام قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف والتضحية لإعلاء كلمة لا إله إلا ألله . فصار أنشودة الأحرار في كل زمان ومكان ولُقّب عليه السلام بألقاب عديدة . وهي تنم عن صفاته النفسية الطاهرة وما إتصف به من مكارم ألأخلاق ومن هذه ألألقاب .. قمر بني هاشم .. والسقّاء ، بطل العلمي ، حامل اللواء ، كبش الكتيبة، العميد ، حامي الظعينة ، باب الحوائج صاحب الراية .

البالغون الفتح في كربلاء 164

وفيما يلي تفصيل لبعض ألقابه :
قمر بني هاشم :


كان العباس عليه السلام رجلا وسيما جميلا وجهه منير كالبدر في ليلة تمامه وكماله آية من أيات الجمال حيث يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان ألأرض . نقلا عن سبط إبن الجوزي عن هشام بن محمد بن القاسم بن ألأصبغ المجاشعي قال لما أتي بالرؤوس إلى الكوفة وإذا بفارس قد علق في لبان فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر في ليلة تمامه والفرس يمرح فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض فقلت رأس من هذا ؟ قال رأس العباس بن علي (1).
أبو الفضل :


كني بأبي الفضل لأن له ولدا إسمه الفضل إضافة إلى سخائه حيث كان مصدر الفيض والعطاء للملهوفين وقد رثاه السيد راضي صالح القزويني البغدادي فقال :
أبا الفضل يامن أسس الفضل وألإبا أبى الفضل إلا أن تكون له أبا

وفي نفس المعنى أنشد السيد محمد إبن السيد رضا الهندي :
لم أنس فضلك يا أبا الفضل الذي هيهات أن يحصى ثناه مفصلا
يكفيك يوم الطف موقفك الذي قد كان ألمع ما يكون وأفضلا

بطل العلقمي:


هناك رابطة وثيقة بين الماء وبين بني هاشم فلا غرابة أن يتصدى

(1) ألإستاذ الفاضل سلمان هادي آل طعمة : تاريخ مرقد الحسين والعباس عليهما السلام ص 237 .
البالغون الفتح في كربلاء 165

العباس عليه السلام بمهمة السقاية بعد أن منع جيش إبن مرجانة الماء عن معسكر الحسين عليه السلام عندها قام الحسين بتكليف بطل العلقمي ليجلب الماء للعيال وألأطفال وقد إستطاع بشجاعته النادرة وعزيمته الفائقة أن يكشف جيش الكفر عن المشرعة ولمرات عديدة حتى جلب الماء إلى المخيم مرات عدة وآخرها يوم العاشر من المحرم بعد أن تمكن من الماء ولكن لم يتمكن من إيصاله وإستشهد على مقربة من النهر حتى إقترن إسمه بإسم النهر فسمي ببطل العلقمي .
كبش الكتيبة :


لقب بهذا اللقب عندما طلب من الحسين عليه السلام مرات عديدة السماح له بإقتحام جيش الكفر فلم يمنحه الرخصة فقال له أخي أنت حامل لوائي وكبش كتيبتي وقد جسد أحد الشعراء هذا المعنى بالبيت التالي :
عباس كبش كتيبتي وكنانتي وسري قومي بل أعز حصوني

حامي الظعينة :


من ألألقاب المشهورة للعباس عليه السلام فيما عرف عنه قيامه بحراسة وحماية عيال الحسين عليه السلام حتى لحظة إستشهاده وقد رثاه السيد جعفر الحلي بقوله :
حامي الظعينة أين منه ربيعة أم أين من عليا أبيه مكدم(1)

الكفيل :


من المعروف أن العباس عليه السلام تكفل شقيقته زينب عليها السلام شريكة الحسين عليه السلام في ثورته التي كان لها ألأثر الكبير في تعريف الناس بحقيقة

(1) القرشي : العباس عليه السلام ص 37 .
البالغون الفتح في كربلاء 166

الثورة منذ خروجها من مدينة جدها حتى كربلاء وقد أطلق عليه لقب كفيل زينب عليها السلام .
العبد الصالح :


أطلق عليه هذا اللقب ألإمام الصادق عليه السلام في الزيارة المخصوصة المروية عنه وجاء فيها : (السلام عليك أيها العبد الصالح ...) كون هذه الصفة أولاها ألله في محكم كتابه العزيز عباده الذين إصطفى أولئك الذين افاض ألله عليهم نفحة من فيوضاته الرحمانية وقول المعصوم هو تعبير عن إرادة ألله ومرضاته .
باب الحوائج :


أبو الفضل باب من أبواب ألله التي جعلها رحمة للعالمين والوسيلة إليه والدال عليه من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا ألله فمنحه ألله الدرجة العالية والجاه العظيم والمنزلة الرفيعة فما قصده أحد في حاجة أو هم أو كرب إلا وقضى ألله حاجته حتى صار بابا لقضاء الحوائج ومظهرا للكرامات التي أكرمهم ألله بها وقد إنتشرت كراماته عليه السلام حتى سمعها وألفها القاصي والداني من المسلمين وغيرهم عربا كانوا أو من أجناس البشرية ألأخرى . وقد جسد الشعراء هذا المعنى بقولهم :
باب الحوائج ما دعته مروعة في حاجة إلا ويقضي حاجها

ويقول شاعر آخر :
بأبي الفضل زال عني سقامي مذ كساني من الشفاء برودا
وحباني من السعادة حتى صرت في النشأتين أدعى سعيدا

السقّاء :


قال ألإمام الصادق عليه السلام (من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء

البالغون الفتح في كربلاء 167

كان كمن أعتق رقبة ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفسا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس أجمعين)(1)وقد إختص بنو هاشم بالسقاية حتى نالوا هذا الشرف العظيم حيث كان قصي ينقل الماء إلى مكة من آبار خارجها ثم حفر بئرا أسماها (العجول)(2) في الموضع الذي كانت فيه دار أم هانئ وهي أول سقاية حفرت بمكة وكانت العرب إذا إستقوا منها أنشدوا هذا الشعر :
نروي على العجول ثم ننطلق إن قصيا قد وفى وقد صدق

ثم حفر قصي بئرا سماها سجلة وقال فيها :
أنا قصي وحفرت سجلة تروي الحجيج زغلة فزغلة

وكان هاشم أيام الموسم يجعل حياضا من آدام في موضع زمزم لسقاية الحجيج ويحمل الماء إلى منى لسقايتهم وهو يومئذ قليل . ثم إنه حفر بئرا سماها البندر وقال إنها بلاغ للناس فلا يمنع منها أحدا(3). ولا ينسى يوم صفين وقد شاهد ألإمام علي عليه السلام من عدوه ما تندى منه جبهة كل غيور فإن معاوية لما نزل بجيشه على الفرات منع أهل العراق من الماء حتى كظهم الظمأ فأنفذ إليه أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي يسألانه أن لا يمنع الماء الذي أباحه ألله تعالى لجميع المخلوقات وكلهم فيه شرع سواء فأبى معاوية إلا ألإصرار في الغواية والجهل فعنده قال أمير المؤمنين أرووا السيوف من الدماء ترووا من الماء ثم أمر أصحابه أن يحملوا على أهل الشام حملة واحدة فحمل ألأشتر وألأشعث في سبعة عشر ألفا وألأشتر يقول :

(1) المقرم : العباس ص 156 : نقلا عن مكارم ألأخلاق ص 185 .
(2) المصدر السابق : ص 157 .
(3) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 168

ميعادنا اليوم بياض الصبح هل يصلح الزاد بغير ملح؟

وألأشعث يقول :
لأوردن خيلي الفراتا شعث النواصي أو يقال ماتا

فلما أبعدهم أهل العراق عن الفرات ونزلوا عليه وملكوه أبى صاحب النفس المقدسة التي لا تعدوها أي مأثرة أن يسير على نهج عدوه حتى أباح الماء لأعدائه ونادى بذلك في أصحابه ولم يدعه كرم النفس أن يرتكب ما عمله معه أعداؤه من سياسة تدل على الجبن والخسة والضعف .
ومصداق ذلك قول الشاعر :
فحسبكم هذا التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح

وعندما نتصفح تاريخ الطف ونقرأ ما كلف به العباس عليه السلام من أمر السقاية لم يكن غريبا فقد فدى العباس عليه السلام بحياته الشريفة غير آبه بعدما سمع صراخ ألأطفال والعيال وهو ينادون العطش العطش فإنبرى أبو الفضل إلى المشرعة وجلب الماء خلال ألأيام ألأولى من المحرم ولمرات عدة .
قال الطبري : فإشتد العطش على ألإمام الحسين عليه السلام وأصحابه فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وأصحبهم عشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الناس ليلا وإستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال فحس بهم أبن الحجاج الزبيدي وكان حارس الماء .
فقال : من ؟ قال : من بني عمك .
فقال : من ؟
قال : نافع بن هلال .

البالغون الفتح في كربلاء 169

فقال : ما جاء بك ؟
قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه .
قال : إشرب هنيئا .
قال : لا وألله لا أشرب منه قطرة والحسين عليه السلام عطشان ، ومن ترى من أصحابه فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا في هذا المكان لنمنع الماء ، فلما دنا اصحابه منه قال : إملأوا قربكم ، فنزلوا فملأوا قربهم ، فثار عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي عليه السلام ونافع بن هلال البجلي ففرقوهم وأخذوا أصحابهم وإنصرفوا إلى رحالهم وقد قتلوا منهم رجالا(1)، وهكذا حدا إيمان أبي الفضل العباس عليه السلام المشفوع باليقين وحنانه المرتبط بالكرم إلى أن ينكفئ إلى المخيم ولا يحمل إلا مزادة من ماء يدافع عنها بصارمه ولواء الحمد يرف على رأسه غير أن ما يحمله هو أنفس عنده من نفسه الكريمة وبقي أبو الفضل عليه السلام يوصل الماء إلى معسكر الحسين عليه السلام حتى العاشر من المحرم حيث كان إستشهاده وهي المرة ألأخيرة التي لم يتمكن قمر بني هاشم من إيصال الماء إلى المخيم بالرغم من تمكنه الوصول إلى الماء وملأ القربة ولكن شراذمة القوم وأرجاسهم كمنوا له من وراء نخلة ورموا القربة بالسهام حتى أريق ماؤها وعليه سمي بالسقاء وفي يقول الشاعر :
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
وقال آخر :
وراح لورد المستقى حامل السقا وأصدر عنه وهو بالماء مفعم

(1) تاريخ الطبري : ج4 ص 613 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي