البالغون الفتح في كربلاء 170

ومذ خاض نهر العلقمي تذكر ألــ ـحسين فولى عنه والريق علقم
وأضحى إبن ساقي الحوض سقا إبن أحمد يروي عطاشى المصطفى الطهر إن ظموا

الرايـــة :


قال ألإمام علي عليه السلام يوم صفين :
(لا تميلوا براياتكم ولا تزيلوا ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإن المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ وإعلموا أن أهل الحفاظ هم الذن يحتفطون براياتهم ويكتنفونها ويصيرون حفافها وأمامها وورائها ولا يضيعونها ولا يتأخرون عنه فيسلمونها ولا يتقدمون عنه فيفروا دونها)(1).
ولكون هذه الرايات معقد الجيش كان أصحابها يرفعونها بغية إطمئنان النفوس وشحذ الهمم بها فلا يهزم الجيش أبدا ما دامت رايته ترفرف عاليا فلذلك كان هذه الرايات لا تسلم إلا لشجعان القوم وصناديدهم وأبطالهم ممن يعتمد عليهم عند الشدائد ولذلك نجد أن راية الطف العظيمة التي إستمدت روحيتها من أول راية للإسلام رفعها ألإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في معركة بدر قد إزدادت علوا وكان لها ألأثر في حفظ الدين إلى يومنا هذا بهمة الفارس المقدام العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام هذا الفارس الذي له مكانته في الشجاعة ومحله من الشرف عند أخيه قائد واقعة الطفوف الحسين عليه السلام وهو الذي يعرف كفاءة أخيه العباس عليه السلام ويعرف ثباته للطعن ومراسه في الحروب ورباطة جأشه فلذلك كانت الراية تزهو عنفوانا بيد ضيغم ضرغام لا يجارى في المواجهة شديد البأس وفي ذلك قال الشاعر السيد جعفر الحلي :

(1) المقرم : العباس ص 268 .
البالغون الفتح في كربلاء 171

عبست وجوه القوم خوف الموت والعباس فيهم ضاحك متبسمُ
وثنى أبو الفضل الفوارس نُكَّصاً فرأوا أشد ثباتهم أن يُهزموا
ما كرَّ ذو بأس له متقدما إلا وفر ورأسه المتقدم
صبغ الخيول برمحه حتى بدا سيان أشقر لونها وألأدهم
وله إلى ألإقدام سرعة هارب فكأنما هو بالتقدم يسلم
قلب اليمين على الشمال وغاص في ألأوساط يحصد في الرؤوس ويحطم
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف بني الضلالة تُرغم
أوَ تشتكي العطش الفواطم عنده وبصدر صعدته الفرات المفعم
قسما بصارمه الصقيل وأنني في غير صاعة السما لا أُقسم
نادى وقد ملأ البوادي صيحةً صم الصخور لهولها تتحطم
لولا القضا لمحى الوجود بسيفه وألله يقضي ما يشاء ويحكم

إخوة العباس عليه السلام :


تشير كتب النسب التي تعرضت لسيرة العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام أن للإمام علي أولاداً هم :
1 ـ الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وكنيته أبو محمد وابو القاسم .
2 ـ الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وكنيته أبو عبدألله .
3 ـ المحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قتل وهو في بطن أمه فاطمة الزهراء عليه السلام وسقط .

وهؤلاء أمهم فاطمة الزهراء بنت محمد رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم .
4 ـ محمد بن علي بن ابي طالب عليه السلام الملقب (إبن الحنفية) وأمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة وهي من بني حنيفة .

البالغون الفتح في كربلاء 172

5 ـ عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو عمر ألأكبر . وأمه أم حبيب بنت ربيعة(1).
6 ـ عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام (2).
7 ـ جعفر بن علي بن ابي طالب عليه السلام (3).
8 ـ عبدألله بن علي بن ابي طالب عليه السلام وأمهم فاطمة بنت حزام الكلابية ، كنيتها (أم البنين) ، وقد إستشهد أبناؤها ألأربعة هؤلاء مع أخيهم ألإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
9 ـ عبيدألله بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد إبن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم .
10 ـ يحيى بن علي بن أبي طالب عليه السلام توفي قبل وفاة أبيه ، وأمه اسماء بنت عميس .
11 ـ محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو محمد ألأصغر وأمه أم ولد .
12 ـ أبو بكر بن علي بن ابي طالب عليه السلام إستشهد مع الحسين وأمه ليلى بنت مسعود وقيل بنت معوذ النهشلي .
13 ـ عون بن علي بن ابي طالب عليه السلام وأمه أسماء بنت عميس .
14 ـ محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو محمد ألأوسط وأمه بنت أبي العاص .

(1) ألإرشاد : ص 270 .
(2) سلمان هادي آل طعمة : تاريخ مرقد الحسين والعباس عليهما السلام ص 251 .
البالغون الفتح في كربلاء 173

أخوات العباس :


1 ـ زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وهي زينب الكبرى وزوجها عبدألله بن جعفر .
2 ـ أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وهي أم كلثوم الكبرى وزوجها عمر بن الخطاب (1).
3 ـ رقية بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وهي رقية الكبرى وزوجها مسلم إبن عقيل رضوان ألله عليه وأمها الصهباء أم حبيب بنت ربيعة وهي من بني تغلب ، وعمر ورقية توأمان .
4 ـ أم الحسين بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وزوجها جعدة بن هبيرة المخزومي .
5 ـ رملة بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهي رملة الكبرى وأمها أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب الثقفي .
6 ـ زينب بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهي زينب الصغرى وزوجها محمد بن عقيل بن ابي طالب عليه السلام .
7 ـ أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهي أم كلثوم الصغرى .
8 ـ رقية بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وهي رقية الصغرى .
9 ـ أم هانئ بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجها عبدالله ألأكبر بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام .
10 ـ أم الكرام بنت علي بن ابي طالب عليه السلام .
11 ـ أم جعفر بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وتسمى جمانة .

(1) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 174

12 ـ أم سلمة بنت علي بن ابي طالب عليه السلام .
13 ـ ميمونة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام .
14 ـ خديجة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجها عبدألرحمن بن عقيل .
15 ـ فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجها سعيد بن ألأسود من بني الحرث وقيل محمد بن ابي سعيد بن عقيل .
16 ـ أمامة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجها الصلت بن عبدألله نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب .
17 ـ رملة بنت علي بن ابي طالب عليه السلام وهي رملة الصغرى .
18 ـ نفيسة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وقيل هي أم كلثوم الصغرى ذاتها وزوجها عبدألله ألأكبر بن عقيل بن أبي طالب أيضا .

زوجته :


هي السيدة الفاضلة لبابة بنت عبيدألله بن العباس بن عبدالمطلب وهي من قريبات العباس عليه السلام ومن البيت الهاشمي ومن السيدات الفاضلات في عصرها . أبوها من زعماء القوم وكان واليا على اليمن من قبل ألإمام أمير المؤمنين عليه السلام وعندما جهز معاوية جيشا مكثفا بقيادة ألإرهابي بسر بن أرطأة لإحتلالها فهرب عبيدألله وترك طفلين فعمد بسر إلى قتلهما وقد أضاف بذلك صفحة سوداء لتاريخ ألأمويين الحافل بالموبقات والجرائم وقد أنكرت عليه إحدى السيدات من اليمن فقالت له : إن سطانا لا يقوم إلا بقتل ألأطفال ألأبرياء لسلطان سوء (1).أما

(1) القرشي : العباس عليه السلام ص 69 .
البالغون الفتح في كربلاء 175

أمها هي أم حكيم جويرية بنت خالد بن قرض الكنانية (1). وكانت من أجمل نساء عصرها وارجحهن عقلا ولما قتل بسر بن أرطأة ولديها عبدالرحمن وقثم وهي تنظر إليهما فجعت واخذها الوجد وأنشدت المرثية التالية (2): وقد لاحظت أن هذه المرثية تختلف من حيث ترتيب ألأبيات والمفردات من مصدر إلى آخر ففي تاريخ اليعقوبي وألأغاني جاءت بأشكال مختلفة :
يامن أحس بإبني اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يامن أحس بإبني اللذين هما مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
يامن أحس بإبني اللذين هما قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
من ذل والهة حيرى مولهة على صبيين ذلا إذ غدا السلف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا من إفكهم ومن القول الذي إقترفوا
أحنى على ودجي إبني مرهفة من الشفاء كذاك ألإثم يعترف

أولاد العباس :


كان للعباس عليه السلام خمسة أولاد وبنتان :
1 ـ عبيدألله .
2 ـ الفضل .
3 ـ الحسن .
4 ـ القاسم .
5 ـ محمد إستشهد مع أبيه يوم الطف (3) وأمهم لبابة بنت عبيدالله أما

(1) المقرم : العباس عليه السلام ص 350 .
(2) إبن ألأثير : الكامل ج 3 ص 334 .
(3) المقرم : العباس عليه السلام ص 350 . نقلا عن إين شهر آشوب . للمؤلف هذه الرواية ينفرد بها إين شهر آشوب دون غيره من المؤرخين مما يجعلها غير ناهضة .
البالغون الفتح في كربلاء 176

البنات فلم يتطرق النسابون لشأنهن (1) وإتفق أرباب النسب والمقاتل على إستمرار عقب العباس إبن أمير المؤمنين في ولده عبيدألله وبقاء عقب عبيدألله في ولده الحسن (2)(وكان لأم ولد) (3)عاش سبعا وستين سنة وكان من كبار العلماء وله خصوصيته عند ألإمام السجاد عليه السلام فكان يبكي كلما يراه مستذكرا موقف أبيه مع سيد الشهداء عليه السلام يوم الطف (4) ويذكر المجدي أن الحسن بن عبيدالله قد توفى سنة 155 هـ (5)وأعقب الحسن بن عبيدألله خمسة اولاد(6)هم أحفاد العباس عليه السلام وهم :
1 ـ الفضل : وكان من ذوي الفصاحتة ، شديد الدين ، وعظيم الشجاعة (7) محتشما عند الخلفاء ويقال له إبن الهاشمية(8).
2 ـ الحمزة : وكنيته أبو القاسم وكان يشبه جده أمير المؤمنين عليه السلام وكان عظيم القدر جدا . كتب المأمون مرة بخط يده : إعطوا الحمزة بن الحسن المشابه لأمير المؤمنين عليه السلام مائة ألف درهم (9)ذكر السيد المقرم أن الحمزة تزوج زينب بنت الحسين بن علي بن عبيدألله بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي نسبة إلى أمه زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام وكان

(1) القرشي : العباس عليه السلام ص 71 .
(2) الكبريت ألأحمر : ج2 ص 289 .
(3) المقرم : العباس عليه السلام ص 354 .
(4) القرشي : العباس عليه السلام ص 72 .
(5) المصدر السابق : نقلا عن المجدي .
(6) الكبريت ألأحمر : ص 289 .
(7) المصدر السابق .
(8) المقرم : العباس عليه السلام ص 354 .
(9) الكبريت ألأحمر : ص 290 .
البالغون الفتح في كربلاء 177

حفيده محمد بن علي بن حمزة متوجها شاعرا نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره مات سنة 286 هـ (1).
3 ـ إبراهيم : وهو المعروف بجردقه ، كان من فقهاء المسلمين ، ومن ألأدباء اللامعين ، ومن الزهّاد ، وله عقب كان لهم شأن كبير في العصر العباسي(2)وإبنه علي أحد ألأجواد له جاه وشرف مات سنة 264 هـ أولد 19 ولدا (3).
4 ـ العباس : كان خطيبا ، بليغا ، فصيحا (4)، شاعرا ، قال أبو نصر البخاري : ما رُئي هاشمي أعصب لسانا منه ، وكان مكينا عند الرشيد(5).
5 ـ عبيدالله : عبيدألله بن الحسن وهو أمير مكة والمدينة وكان قاضيا فيها (6).

أمان الشمر :


قال ابو مخنف : عن الحارث بن حصيرة عن عبدألله بن شريك العامري .
قال : لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو وعبدألله بن أبي المحل ـ وكانت عمته أم البنين إبنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السلام فولدت له العباس وعبدألله وجعفرا وعثمان ـ فقال عبدألله بن أبي

(1) المقرم : العباس عليه السلام ص 355 .
(2) القرشي : العباس عليه السلام ص 73 .
(3) المقرم : العباس عليه السلام ص 355 .
(4) الكبريت الأحمر : ص 289 .
(5) القرشي : العباس عليه السلام ص 73 .
(6) الكبريت ألأحمر : ج2 ص 289 .
البالغون الفتح في كربلاء 178

المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب : اصلح ألله ألأمير ! إن إبني أختنا مع الحسين ، فإن رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت (1).
قال : نعم ونعمة عين . فأمر كاتبه ، فكتب لهم امانا فبعث به عبدألله إبن أبي المحل مع مولى له يقال له : كزمان ، فلما قدم عليهم دعاهم ، فقال : هذا أمان بعث به خالكم ، فقال له الفتية : إقرأ خالنا السلام وقل له : أن لا حاجة لنا في أمانكم ،أمان ألله خير من أمان إبن سمية(2).

العباس عليه السلام يؤجل المعركة :


قال ابو مخنف : وأقبل العباس بن علي يركض حتى إنتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء أن أبا عبدالله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا ألأمر فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق فإذا اصبحنا إلتقينا إن شاء ألله فأما رضيناه فأتينا بألأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي اهله فلما أتاهم العباس بن علي بذلك قال عمر بن سعد (لع) : ما ترى يا شمر ؟
قال : ما ترى أنت ، أنت ألأمير والرأي رأيك قال : قد اردت الا أكون ثم أقبل على الناس فقال : ماذا ترون ؟ فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي : سبحان ألله ! وألله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها (3)، وقال قيس بن ألأشعث :

(1) الطبري : ج4 ص 615 .
(2) المصدر السابق : ج4 ص 616 .
(3) المصدر السابق : ص 617 .
البالغون الفتح في كربلاء 179

أجبهم إلى ما سألوك ، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة فقال : وألله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرجتهم العشية ، قال : وكان العباس بن علي حين أتى حسينا عليه السلام بما عرض عليه عمر بن سعد (لع) قال : إرجع إليهم ، فإن إستطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم إني أحب الصلاة له ، وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء وألإستغفار (1).

العباس عليه السلام يشارك في المعركة :


قال أبو مخنف : لما إلتحم القتال بين ألإمام الحسين عليه السلام ومعسكر إبن سعد شد الصيداوي عمرو بن خالد وجابر بن حارث السماني وسعد مولى عمرو بن خالد ومجمع بن عبدألله العائدي وقاتلوا في اول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس فلما وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم فلما نظر الحسين عليه السلام إلى ذلك إنتدب إليهم أخاه العباس فحمل عليهم العباس بن علي فإستنقذهم(2).

إفتراء تاريخي :


تعرضت ملحمة الطف إلى محاولات التعتيم السلطوي وإلى جهود مضنية من أجل تحريف بعض مفاهيم الطف العظيمة ومنها ما تتجرأ على إنسانية رموزنا المقدسة بالدس من أجل تهميش تلك الرموز في محاولة لتقليل الشأن وتحجيم التأثيرات ألإنسانية الكبيرة التي توجت إيثارهم وتضحياتهم فراحوا يحاربون هذا ألإيثار بتهكمات مدروسة ومقصودة

(1) المصدر السابق : ص 617 .
(2) المصدر السابق : ص 642 .
البالغون الفتح في كربلاء 180

خلقوها إفتنانا لأنفسهم ولكون العباس بن علي عليه السلام إستطاع أن يشكل الخط التأثيري ألأول في قيم الوفاء وقدم معينا لا ينضب من دروس ألإيثار أخذوا يبتكرون ألوانا من الدس الماكر مستهدفين زعزعة الصورة ألأسمى لمكانته في القلوب قال إبن ألأثير : إن العباس بن علي عليه السلام قال لإخوته من أمه عبدألله وجعفر وعثمان تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم ففعلوا وقتلوا في الواقعة (1).. وكرر الطبري هذا القول (حتى أرثكم) ، وفي مقاتل الطالبيين عن أبي مخنف عن عبدألله بن عاصم عن الضحاك المشرفي قال العباس بن علي لأخيه من أمه وأبيه عبدألله بن علي تقدم بين يدي حتى اراك شهيدا فأحتسبك فإنه لا ولد لك ... وجاء في الحاشية من الخطبة (حتى أرثك)(2).

رد ألأباطيل :


وقد رد السيد المقرم رحمه ألله على هذه ألأباطيل عندما ناقش الموضوع من الجانب النسبي والسببي مفندا ما ذهب إليه هؤلاء المتشدقين .
إذ قال : لا يخفى على من له بصيرة وتأمل بعده عن الصواب وما أدري كيف خفي عليهما حيازة العباس ميراث إخوته مع وجود أمهم أم البنين وهي من الطبقة المتقدمة على ألأخ ولم يجهل العباس شريعة تربى في خلالها كما وهناك مانع آخر من ميراث العباس لهم وحده حتى لو قلنا على بعد ومنع بوفاة أم البنين يوم الطف فإن ولد العباس لم يكن هو الحائز لمواريثهم لوجود ألأطراف (جماعة عمر ألأطرف) وعبيدألله بن النهشلية فإنهما يشتركان مع العباس في الميراث كما يشاركهم سيد شباب

(1) إبن ألأثير : الكامل في التاريخ ج3 ص 529 .
(2) ابو الفرج ألأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 55 ـ 56 .
البالغون الفتح في كربلاء 181

أهل الجنة وزينب العقيلة وأم كلثوم ورقية وغيرهن من بنات أمير المؤمنين فكيف والحال هذا يختص العباس بالميراث وحده هذا كله إن قلنا بوفاة أم البنين يوم الطف ولكن التاريخ يثبت حياتها يوم إذ وإنها بقيت في المدينة وهي التي كانت ترثي أولادها ألأربعة . ثم يضيف السيد المقرم والذي أظنه منشأ ذلك التقول على العباس أنه أوقفهم السير على قوله لإخوته لا ولد لكم من غير روية وتفكير في غرضه ومراده فحسبوه أنه يريد الميراث فنوه به واحد بإجتهاده أو إحتمله وحسبه ألآخرون رواية فشوهوا به وجه التاريخ ولم يفهمواالمراد ولا أصابوا شاكلة الغرض فإن غرضه من قوله : لا ولد لكم تراقبون حاله بعدكم فأسرعوا في نيل الشهادة والفوز في نعيم الجنان أما رأي العلامة عبدالحسين الحلي كما نقله السيد المقرم هو إحتمالية تصحيف المؤرخين لكلمة (أرثكم) من أرزأ بكم أما رأي الشيخ آغا بزرك الطهراني أن تصحيف أرثكم من أرثيكم فكأنه عليه السلام أراد أولا أن يفوز بألإرشاد إلى ناحية الحق وثانيا تجهيز المجاهدين وثالثا البكاء عليهم ورثاؤهم فإنه محبوب للمولى تعالى ..(1).

شهادة العباس عليه السلام :


ولما رأى العباس عليه السلام كثرة القتلى في أهله وأصحابه عندها تقدم إلى سيده ألإمام الحسين عليه السلام يستأذنه في القتال ، وهذا درس آخر من دروس التكليف الشرعي يعلمنا إياه أبو الفضل العباس عليه السلام فهو يستأذن طاعة لإمامه المعصوم ليثأر من العتاة المردة وحين لم يجد أبو عبدألله الحسين عليه السلام بدا من ذلك أذن له قائلا (أنت صاحب لوائي) فإطلب للعطاشى قليلا من الماء .

(1) المقرم : العباس عليه السلام ص 206 .
البالغون الفتح في كربلاء 182

فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع معهم ذلك وكر راجعا وأخبر سيده الحسين عليه السلام فسمع عويل النساء وألأطفال من العطش فأخذ القربة ولكز الفرس قاصدا الفرات غير آبه بجموع العدو غير مكترث بكثرتهم وسرعان ما كشفهم عن المشرعة وملك الشريعة رغما عنهم فولت أمية مدحورة تتلعثم وقد أحس ببرودة الماء وبدل إن يروي عطشه تذكر عطش الحسين عليه السلام فرمى الماء من يديه مواساة لإمامه وهكذا ألإخاء والعقيدة ترسم وهو يرتجز :
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
وألله ما هذا فعال ديني ولا فعال صادق اليقين

وبعد أن ملأ القربة عاد وهو في طريقه إلى المخيم أمطروه بوابل من السهام التي أصابت القربة وكأن ألأقدار تخبرنا أن عينه التي أصيبت ورأسه الذي فلق كانا رهينتي القربة التي ذبحت فرحة أطفال عطاشى ينتظرون ورود الماء وحتى حضنته ألأرض نادى عليك مني السلام يا أبا عبدالله هذا الدرس في ألإيثار وفي نيل مساعي الجهاد يبقى معينا ومنهلا لكل الساعين إلى خلاصهم الحقيقي ولكل من نشدوا الحرية الكريمة تعاليت يا مولاي يا ابا الفضل العباس إذ سقطت صريعا مضمخا بدمك الزاكي في سبيل ألله وإعلاء كلمة لا إله إلا ألله السلام عليك أيها العبد الصالح وجعلك ألله في أعلى عليين وحشرك مع الشهداء والصديقين .
فسلام ألله عليك يوم ولدت ويوم إستشهدت ويوم تبعث حيا .

البالغون الفتح في كربلاء 183

موضع دفن رأس العباس عليه السلام :


لما خاف يزيد إنقلاب ألأمر عليه قال للإمام علي بن الحسين عليه السلام : أذكر حاجاتك الثلاث التي وعدتك بقضائهن ؟ قال السيد إبن طاوُس : ثم أمر يزيد (لعنه ألله ) برد ألأسارى وسبايا الحسين عليه السلام إلى أوطانهم بمدينة الرسول صلى ألله عليه وآله وسلم (1) وأما رأس الحسين عليه السلام فروي أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات ألله عليه وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه . وقد ذهب إلى ذلك المجلسي في البحار وإبن نما في مثير ألأحزان وإبن شهر آشوب في المناقب وغيرهم الكثير وأما باقي الرؤوس فلم يتعرض لها ارباب المقاتل كما يقول السيد المقرم : (وأما باقي الرؤوس فلم يتعرض لها أرباب المقاتل ولكن في نفس المهموم ص 253 ورياض ألأحزان ص 155 عن حبيب السير أن يزيد سلم الرؤوس إلى علي بن الحسين فألحقها بألأبدان الطاهرة في العشرين من صفر ثم توجه إلى المدينة)(2).
ولعل ألإعتبار يساعده فإن يزيد لما نقم عليه الناس وكثر ألإضطراب لم ير بدا من موافقة ألإمام السجاد عليه السلام على كل ما يريد وإخراجهم من الشام عاجلا .
ذكر العلامة السيد محسن ألأمين في أعيان الشيعة ج4 ص 290 القسم ألأول أنه رأى في سنة 1321 هـ في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق مشهدا وضع على بابه صخرة مكتوب عليها (هذا مدفن رأس العباس إبن علي ورأس علي ألأكبر إبن الحسين ورأس حبيب بن مظاهر)(3).

(1) السيد إبن طاوُس : الملهوف على قتلى الطفوف ص 224 .
(2) المقرم : العباس عليه السلام ص 332 .
(3) المصدر السابق : نقلا عن العلامة السيد محسن ألأمين في أعيان الشيعة ج4 ص 290 .
البالغون الفتح في كربلاء 184

قال : (ثم أنه إنهدم بعد ذلك بسنين هذا المشهد وأعيد بناؤه وأزيلت هذه الصخرة وبني ضريح داخل المشهد وعليه نقوش كثيرة لشهداء كربلا ولكن الحقيقة أنه منسوب إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة المتقدم ذكرها بحسب ما كان موضوعا على بابه كما مر وهذا المشهد الظن القوي بصحة نسبته لأن الرؤوس بعد حملها إلى دمشق والطواف بها وإنتهاء غرض يزيد من إشهار الغلبة والتنكيل بأهلها والتشفي لا بد أن تدفن في إحدى المقابر فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب الصغير وحفظ محل دفنها وألله أعلم) إلخ .
هذا ما ذكره السيد أيده ألله ولو إطلع على حبيب السير لأعتقد عدم صحة الدفن هناك على أن التغيير الذي ذكره يدلنا على أن الحفظة لذلك المشهد لهم غرض آخر وليس بالمستبعد أن ذلك المشهد محل صلب الرؤوس . وحقيق أن يقال في كل منها :
هامة في الحياة طاولت الشهب وما نالها هبوب الرياح
أنفت بعد موتها الترب فإختار ت لها مسكنا رؤوس الرماح(1)


2 ـ عبدألله بن علي عليه السلام
:
هو عبدألله بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه فاطمة بنت حزام الكلابية الملقبة بأم البنين (2).. جاء في إبصار العين . أنه ولد بعد أخيه العباس عليه السلام بثمان سنوات . عاش مع أبيه أمير المؤمنين ست سنين ومع أخيه الحسن عليه السلام ست عشرة سنة ومع أخيه الحسين عليه السلام خمسا وعشرين سنة وهي مدة عمره (3). برز إلى القتال بأمر أخيه لأمه وأبيه

(1) المصدر السابق .
(2) ذكره إبن ألأثير في الكامل ج3 ص 529 والطبري في ألأمم والملوك ج4 ص 644 .
(3) الشيخ السماوي : إبصار العين ص 47 .
البالغون الفتح في كربلاء 185

العباس عليه السلام ، وإستأذن من ألإمام الحسين عليه السلام للقتال فأذن له . نزل إلى المعركة وإنقض على ألأعداء وهو يرتجز :
أنا إبن ذي النجدة وألأفضال ذاك علي الخير في ألأفعال
سيف رسول ألله ذو النكال في كل يوم ظاهر ألأهوال

وجاء في الفتوح :
شيخي علي ذو الفخار ألأطول من هاشم الخير الكريم المفضل
هذا حسين إبن النبي المرسل عنه نحامي بالحسام المصقل
تفديه نفسي من أخ مبجل يا رب فإمنحني ثواب المنزل(1)

وقاتل قتالا شديدا حتى قتل عشرين رجلا ولم يزل يقاتل حتى شد عليه الرجس هانئ بن ثبيت الحضرمي فضربه على رأسه فقتله ورد في زيارة الناحية (السلام على عبدألله إبن أمير المؤمنين عليه السلام مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا لعن ألله قاتله هانئ إبن ثبيت الحضرمي) .


3 ـ عثمان بن علي عليه السلام :

هو عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه فاطمة بنت حزام الكلابية الملقبة بأم البنين كان عمره يوم الطف إحدى وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرين سنة .
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إنما سميته بإسم اخي عثمان إبن مظعون وفي رواية أخرى عن هبيرة بن مريم قال : كنا جلوسا عند علي فدعا إبنه عثمان ، فقال له : يا عثمان إني سميتك بإسم عثمان بن

(1) الشيخ باقر شريف القرشي : حياة ألإمام الحسين عليه السلام ج3 ص 28 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي