البالغون الفتح في كربلاء 249

وهو طريق إلى تهامة في الجاهلية من العراق . أو بفتح اللام ، نسبة إلى سَلَميَة ـ بفتح السين واللام وسكون الميم ، وفتح الياء ـ بلدة قرب حمص منها عتيق السلماني (1). وقد ذكره الشيخ شمس الدين بإسم جابر بن الحارث السلماني وقال : هكذا ورد إسمه عن الطبري وذكره الشيخ الطوسي مصحفا (جنادة بن الحرث السلماني ) وكذلك عند السيد ألأمين . وعده سيدنا ألأستاذ بعنوان جنادة تبعا للشيخ (معجم الرجال ج4 ص 166 ) وذكر : (حيان بن الحارث السلماني ألأزدي) بعنوان مستقل (معجم رجال الحديث ج 6 ص 308 ) وذكر إسمه في الزيارة مصحفا بـ (حباب بن الحارث السلماني ألأزدي) وفي النسخة ألأخرى (حيان ..) وفي الرجبية نسخة البحار (حيان بن الحارث) وفي نسخة ألإقبال (حسان بن الحارث ) ولعل الجميع وارد . وعند إبن شهر آشوب : (حباب بن الحارث) في عداد قتلى الحملة ألأولى (2). كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وكان خرج مع مسلم أولا فلما نظر الخذلان ، خرج إلى الحسين عليه السلام مع عمرو بن خالد الصيداوي وجماعة ، فمانعهم الحر ، ثم أخذهم الحسين عليه السلام (3).
دوره في معركة كربلاء :


كان خروج جنادة مع مسلم أولا وبعد أن خذله الناس ما كان منه إلا أن يتوارى عن أنظار الحزب ألأموي وخرج إلى الحسين عليه السلام بعد أن علم بوصوله إلى الحاجز وإلتقاه في عذيب الهجانات مع النفر ألأربعة الذين قدموا للحسين عليه السلام صحبة الطرماح وحاول الحر منعهم من

(1) المامقاني : تنقيح المقال ج16 ص 236 .
(2) ألأنصار : ص 78 .
(3) ألإبصار : ص 111 .
البالغون الفتح في كربلاء 250

ألإلتحاق بألإمام الحسين عليه السلام . فصاح به ألإمام عليه السلام (إذاً أمنعهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد جعلت لي ألا تعرض لي حتى يأتيك كتاب إبن زياد) جاء في ألإبصار عن إبن شهر آشوب : لما ضيق الحر على الحسين عليه السلام خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها : أما بعد ، فقد نزل من ألأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت ..إلخ ، قام إليه زهير فقال : قد سمعنا هداك ألله مقالتك (1)..إلخ .

إستشهاده :


على رواية الطبري (يذكر عن أبي مخنف قال : لما إلتحم القتال بين ألإمام الحسين عليه السلام ومعسكر إبن سعد شد الصيداوي عمر بن خالد وجابر بن حارث السلماني وسعد مولى عمر بن خالد ومجمع بن عبدألله العائدي وقاتلوا في أول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس فلما وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم فلما نظر الحسين عليه السلام إلى ذلك إنتدب إليهم أخاه العباس فحمل عليهم العباس بن علي فإستنقذهم فجاؤوا وهم جرحى فلما كانوا في أثناء الطريق والعباس يتقدمهم ولكنهم أبو أن يرجعوا سالمين ويروا عدواً تدانى إليهم ليقطع عليهم الطريق فإنسلوا من العباس وشدوا على العدو بأسيافهم فقاتلوا شدة واحدة على ما بهم من جراحات وقاتلوا قتال ألأسد اللوابد حتى قتلوا في مكان واحد فتركهم العباس عليه السلام ورجع إلى الحسين عليه السلام فأخبره بذلك فترحم عليهم ألإمام الحسين عليه السلام وجعل يكرر ذلك) (2).

(1) المصدر السابق : ص 114 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 251


9 ـ جندب بن حجير الكندي الخولاني :

هو جندب بن حجير الكندي الخولاني الكوفي . وخولان : بطن من كهلان ، من القحطانية (يمن ـ عرب الجنوب) قال المامقاني : عده الشيخ رحمه ألله في رجاله من أصحاب الحسين عليه السلام . وأقول : هو جندب بن حجير الكندي الخولاني الكوفي . ذكر أهل السير أن له صحبة ، وأنه من أهل الكوفة ، ومن وجوه الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وشهد معه حرب صفين ، وكان أميرا على كنده وألأزد ، ولحق بالحسين عليه السلام قبل إتصال الحر به ، وجاء معه إلى كربلاء ، وقدم الطف للجهاد ، وإستشهد بين يديه عليه السلام في أوائل القتال رضوان ألله عليه .
وزاده شرفا على شرف الشهادة تخصيصه بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدسة . قال عليه السلام (السلام على حجر الخولاني )(1).
قال المحقق السماوي : وقال صاحب الحدائق : أنه قتل هو وولده حجير بن جندب في أول القتال ولم يصح لي أن ولده معه كما أنه ليس في القائميات ذكر لولده ، فلهذا لم أترجمه معه (2).

(1) تنقيح المقال : ص 269 ـ 270 .
(2) ألإبصار ص 136 .
البالغون الفتح في كربلاء 252




البالغون الفتح في كربلاء 253

الفصل الخامس
ألأنصار من صحابة أمير المؤمنين عليه السلام


1 ـ نصر بن أبي نيزر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام :

كان أبو نيزر من ولد بعض ملوك العجم أو من ولد النجاشي . قال المبرد في الكامل : صح عندي أنه من ولد النجاشي رغب في ألإسلام صغيرا فأُتي به رسول ألله فأسلم ورباه رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم فلما توفى صار مع فاطمة وولدها .
وقال غيره : أنه من أبناء ملوك العجم أهدي لرسول الله صلى ألله عليه وآله وسلم ثم صار إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكان يعمل له نخله وهو صاحب الحديث المشهور الذي ينقله عن أمير المؤمنين عليه السلام في إستخراج العين ووقفها أو حبسها كما ذكر المبرد في الكامل . وملخصه : إن أبا نيزر قال : جاءني علي عليه السلام وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال لي : هل عندك من طعام ؟ قلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من الضيعة صنعته باهالة سنخة(1). فقال : عليّ به . فقام إلى الربيع فغسل يده وأصاب منه ثم رجع إلى الربيع وغسل يديه بالرمل حتى نقاهما ثم مسح على بطنه

(1) ألإبصار : ص 72 .
البالغون الفتح في كربلاء 254

وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده ألله . ثم أخذ المعول وإنحدر في العين وجعل يضرب فأبطأ الماء فخرج وقد عرق جبينه فإنتكفه ثم عاد وجعل يهمهم فإنثالت عين كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا فقال : اشهد ألله أنها صدقة ، ثم كتب : هذا ما تصدق به عبدألله علي أمير المؤمنين تصدق بالضيعتين على فقراء المدينة إلا أن يحتاج إليهما الحسنان فهما طلق لهما ودون غيرهما إنتهى . ونصر هذا ولده إنضم إلى الحسين عليه السلام بعد علي والحسن عليهما السلام ثم خرج معه من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء فقتل بها وكان فارسا فعقرت فرسه ثم قتل في الحملة ألأولى (1).


2 ـ أبو ثمامة عمرو الصائدي :

هو عمرو بن عبدألله بن كعب بن شرحبيل بن شراحيل بن عمرو إبن جشن بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان أبو ثمامة الهمداني الصائدي (2). كان أبو ثمامة تابعيا وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين شهدوا معه مشاهده ، ثم صحب الحسن عليه السلام بعده وبقي في الكوفة ، فلما توفي معاوية كاتب الحسين عليه السلام ولما جاء مسلم بن عقيل رضي الله عنه إلى الكوفة قام معه وصار يقبض ألأموال من الشيعة بأمر مسلم فيشتري بها السلاح وكان بصيرا بذلك (3).
ولما دخل عبيدألله الكوفة وثار الشيعة بوجهه ، وجهه مسلم فيمن وجهه وعقد له على ربع تميم وهمدان ، فحصروا عبيدألله في قصره ، ولما تفرق الناس عن مسلم وخذلوه إختفى أبو ثمامة ، فإشتد طلب إبن

(1) المصدر السابق .
(2) المصدر السابق : ص 91 .
(3) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 255

زياد له ، فخرج إلى الحسين عليه السلام ومعه نافع بن هلال الجملي فلقياه في الطريق وأتيا معه .
قال الطبري : ولما نزل الحسين عليه السلام كربلاء ونزلها عمر بن سعد (لع) ، بعث إلى الحسين عليه السلام كثير بن عبدألله الشعبي وكان فإتكا ، فقال له ، إذهب إلى الحسين عليه السلام وسله ما الذي جاء به ؟ قال : إسأله فإن شئت فتكت به فقال : ما أريد أن تفتك به ولكن أريد أن تسأله فأقبل إلى الحسين عليه السلام ، فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام : أصلحك ألله أبا عبدألله ! قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأهم على دم وأفتكهم ، ثم قام إليه وقال : ضع سيفك قال : لا وألله ولا كرامة إنما أنا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم إنصرفت عنكم فقال له أبو ثمامة : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال : لا وألله ولا تمسه فقال له : فأخبرني بماذا جئت وأنا أبلغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر قال : فإستبا ، ثم رجع كثير إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر فأرسل قرة بن قيس التميمي الحنظلي مكانه فكلم الحسين عليه السلام (1).

شهادته :


لما بان النقص في معسكر الحسين عليه السلام حتى لا يزال يقتل من أصحابه الواحد وألإثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ، وأولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم (2)، قال أبو مخنف : فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو إبن عبدألله الصائدي قال للحسين : يا أبا عبدألله نفسي لك الفداء إني أرى هؤلاء قد إقتربوا منك ، ولا وألله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء ألله ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها ، قال :

(1) الطبري : ج4 ص 611 .
(2) المصدر السابق : ص 636 .
البالغون الفتح في كربلاء 256

فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال : ذكرت الصلاة جعلك ألله من المصلين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها ثم قال : سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي (1). فقال له الحسين عليه السلام : تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة (2). برز إلى القتال وهو يرتجز :
عزاءٌ لآل المصطفى وبناته على حبس خير الناس سبط محمد
عزاءٌ لزهراء النبي وزوجها خزانة علم ألله من بعد أحمد
عزاءٌ لأهل الشرق والغرب كلهم وحَزنا على حبس الحسين المسدد
فمن مبلغ عني النبي وبنته بأن إبنكم في مجهد أي مجهد(3)

ومن خلال تتبعي للمصادر التاريخية الخاصة بالمقاتل وبحدود إطلاعي لم أجد من المؤرخين إشارة إلى كيفية إستشهاد أبي ثمامة الصائدي رضي ألله عنه أو تسمية قاتله بإستثناء الشيخ السماوي رحمه ألله نقل إلينا أن قاتله إبن عمه قيس بن عبدألله الصائدي (4)وكذلك السيد المقرم قال : إن قاتله إبن عم له وسماه قيس بن عبدالله (5). يذكر الطبري (وقَتل ابو ثمامة الصائدي إبن عم له كان عدوا له ، ثم صلوا الظهر)(6) الظاهر من وراية الطبري وكذلك إبن ألأثير : إن أبا ثمامة الصائدي رضي ألله عنه هو الذي قتل إبن عم له كان عدوا له مع جيش عمر بن سعد (لع) . هكذا تقول الرواية ، وقد جاء الطبري برواية أخرى مفادها ، قال أبو مخنف : حدثني عبدألله بن عاصم ، عن الضحاك بن عبدألله المشرقي ، قال :

(1) المصدر السابق .
(2) السيد بحر العلوم : المقتل ص 403 .
(3) ألمجموعة الموضوعية : ج4 ص 309 نقلا عن إبن شهر آشوب .
(4) ألإبصار : ص 92 .
(5) المقتل : ص 247 .
(6) الطبري : ج4 ص 638 .
البالغون الفتح في كربلاء 257

لما رأيت أصحاب الحسين عليه السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو إبن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي ، قلت له : يابن رسول ألله ، قد علمت ما كان بيني وبينك . قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا ، فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حل من ألإنصراف . فقلت لي : نعم ، قال : فقال : صدقت ، وكيف لك بالنجاء ، إن قدرت على ذلك فأنت في حل ، قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ، أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلا ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين عليه السلام رجلين ، وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين عليه السلام يومئذ مرارا : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك ألله خيرا عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم فلما أذن لي إستخرجت الفرس من الفسطاط ، ثم إستويت على متنها ، ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، وأتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى إنتهيت إلى شفية . قرية قريبة من شاطئ الفرات ، فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبدألله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبدألله الصائدي (1)، فقالوا : هذا الضحاك بن عبدألله المشرقي ، هذا إبن عمنا ، ننشدكم ألله لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم : بلى وألله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم . قال : فلما تابع التميميون أصحابي كف ألآخرون . قال : فنجاني ألله (2).

(1) المصدر السابق : ص 641 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 258

رأي :


لصاحب المجموعة الموضوعية رأي مفاده :
كيف قتل أبو ثمامة رضي الله عنه ومن قتله ؟ فلم نعثر ـ حسب متابعتنا ـ على مصدر من المصادر التاريخية القديمة كان قد ذكر ذلك ! إلا أن المحقق السماوي رحمه الله ذكر قائلا (قال : إن أبا ثمامة قال للحسين ، وقد صلى : يا أبا عبدألله ، إني هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا . فقال له الحسين عليه السلام تقدم فإنا لاحقون بك بعد ساعة . فتقدم فقاتل حتى أثخن بالجراحات ، فقتله قيس إبن عبدألله الصائدي إبن عم له ، كان عدوا ! وكان ذلك بعد قتل الحر .)(1)ويبدو أن المحقق المقرم رحمه ألله قد أخذ ذلك عن الشيخ السماوي رحمه ألله إذ يقول : (وخرج أبو ثمامة الصائدي فقاتل حتى أثخن بالجراح ، وكان مع عمر بن سعد (لع) إبن عم له يقال له قيس بن عبدألله ، بينهما عداوة فشد عليه وقتله ) وإلى هنا لا بد أن نقول : ربما كان المحقق السماوي رحمه ألله والمحقق المقرم رحمه ألله قد أخذا ذلك عن مصدر لم نوفق للإطلاع عليه ، خصوصا وأنهما قد ذكرا إسم قاتله : قيس بن عبدألله الصائدي ! أما إذا كان أخذهما عن الطبري أو إبن ألأثير ، فإن هذين قد ذكرا أن أبا ثمامة هو قاتل إبن عمه لا العكس !(2)

تحليل :


إن المتأمل في رواية الطبري الثانية الواردة في ج4 ص 641 يرى بوضوح التباين الحاصل بين الروايتين إذ يفهم من ألأولى والتي أشارت

(1) المجموعة الموضوعية : ج4 ص 310 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 259

صراحة إلى أن أبي ثمامة الصائدي هو الذي قتل إبن عم له وكان ذلك قبل صلاة الظهر بقوله : (وقَتل أبا ثمامة الصائدي إبن عم له كان عدوا له ، ثم صلوا الظهر ) في حين نرى في الرواية ألأخرى الواردة في ص 641 والتي تشير بوضوح (لما رأيت أصحاب الحسين عليه السلام قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو إبن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي إلى أن يقول : فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبدألله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبدألله الصائدي ) والحال هذا يعني أن قيس الصائدي كان موجودا بعد صلاة الظهر وإلى حين قرب إنتهاء المعركة مما يدلل دلالة واضحة صحة ما ذهب إليه كل من الشيخ السماوي والسيد المقرم (عليهما الرحمة) من أن قاتله هو قيس بن عبدألله الصائدي .


3 ـ برير بن خضير الهمداني :

هو برير بن خضير الهمداني المشرقي وبنو مشرق بطن من همدان . همداني : من شعب كهلان (اليمن ـ عرب الجنوب) موطنه الكوفة ذكره المجلسي رضي ألله عنه في البحار بإسم (بدير بن حضير) جاء في أنصار الحسين عليه السلام أن المرحوم أستاذ الفقهاء السيد الخوئي (قدس سره) ذكره في معجم الرجال ج 3 ص 289 بإسم برير وأسنده إلى الرجبية ويضيف قائلا والظاهر أن نسخة السيد مصحفة : خضير = حصين وجاء في الطبري بإسم برير بن حضير (1). جاء في ألإبصار : كان بريرا شيخا تابعيا ناسكا قارئا للقرآن من شيوخ القراء ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين وهو خال أبي إسحاق الهمداني

(1) محمد مهدي شمس الدين : ص 77 .
البالغون الفتح في كربلاء 260

السبعي . وله كتاب في القضايا وألأحكام يرويه عن أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام (1)ويقول المامقاني : وكتابه من ألأصول المعتبرة عند ألأصحاب(2).
يذكر أرباب السير أنه لما بلغه خبر ألإمام الحسين عليه السلام خرج من الكوفة فإلتحق بالحسين عليه السلام في مكة فجاء معه إلى أن أستشهد بين يديه .

دوره في كربلاء :


قال أبو مخنف : عن عبدألله بن عاصم عن الضحاك بن عبدألله المشرقي قال : فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا ألليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون (3) قال : فتمر بنا خيل لهم تحرسنا وأن حسينا ليقرأ : «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ{178} مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»(4).
فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم قال : فعرفته فقلت لبرير بن خضير : تدري من هذا ؟ قال : لا ، قلت هذا أبو حرب السبيعي عبدألله بن شهر ـ كان مضحاكا بطالا وكان شريفا شجاعا فاتكا وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية ـ فقال له برير بن خضير (5) : يا فاسق ، أنت يجعلك ألله من الطيبين ! فقال له : من أنت ؟ قال : أنا برير بن خضير قال : إنا لله !

(1) السماوي : ص 93 .
(2) تنقيح المقال : ج12 ص 156 .
(3) الطبري : ج4 ص 620 .
(4) سورة آل عمران ، ألآيتان : 178 ـ 179 .
(5) في أصل النص عند الطبري حضير .
البالغون الفتح في كربلاء 261

عز علي ! هلكت وألله يا برير يا أبا حرب ، هل لك أن تتوب إلى ألله من ذنوبك العظام ! فوألله إنا لنحن الطيبون ولكنكم لأنتم الخبيثون قال : وإنا على ذلك من الشاهدين قلت : ويحك ! أفلا تنفعك معرفتك ! قال : جعلت فداك ! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن وائل ! قال ها هو ذا معي قال : قبح ألله رأيك على كل حال ! أنت سفيه . قال : ثم إنصرف عنا (1). . قال أبو مخنف : حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبدألرحمن بن عبد ربه ألأنصاري قال : كنت مع مولاي فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين عليه السلام أمر الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة .
قال : ثم دخل الحسين عليه السلام ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال : ومولاي عبدألرحمن بن عبد ربه وبرير بن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبها ، فإزدحما أيهما يطلي على أثره فجعل برير يهازل عبدالرحمن فقال له عبدالرحمن : دعنا فوألله ما هذه ساعة باطل ، فقال له برير : وألله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن وألله إني لمستبشر بما نحن لاقون وألله أن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم . قال : فلما فرغ الحسين عليه السلام دخلنا فأطلينا قال : ثم إن الحسين عليه السلام ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه قال " فإقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا فلما رأيت القوم صرعوا أفلت وتركتهم (2).

(1) الطبري : ج4 ص 62 .
(2) المصدر السابق : ج4 ، ص 622 .
البالغون الفتح في كربلاء 262

شهادته :


قال أبو مخنف : وحدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي ألأخنس ـ وكان قد شهد مقتل الحسين عليه السلام ـ قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة من عبدالقيس فقال : يا برير بن خضير كيف ترى ألله صنع بك ! قال : صنع ألله وألله بي خيرا وصنع ألله بك شرا قال : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول : إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا وأن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل وإن إمام الهدى والحق علي بن أبي طالب ؟ فقال له برير أشهد أن هذا رأيي وقولي فقال له يزيد بن معقل : فإني أشهد إنك من الضالين فقال له برير بن خضير : هل لك فلأ بأهلك ولندع ألله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ثم أخرج فلأبارزك قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى ألله يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحقُ المبطلَ ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فإختلف برير بن خضير ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ فخر كأنما هوى من حالق وإن سيف إبن خضير لثابت في رأسه فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه وحمل عليه راضي بن منقذ العبدي فإعتنق بريرا فإعتركا ساعة ثم أن بريرا قعد على صدره فقال رضي ألله عنه : أين أهل المصاع والدفاع ؟ قال : فذهب كعب بن جابر بن عمرو ألأزدي ليحمل عليه فقلت : إن هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما وجد مس الرمح برك عليه فعض بوجهه وقطع طرف أنفه فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه وقد غيب السنان في ظهره ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله (1)

(1) المصدر السابق : ص 629 .
البالغون الفتح في كربلاء 263

إن بريرا رضي ألله عنه برز بعد الحر رضي ألله عنه (1)وهو يقول :
أنا برير وأبي خضير ليث يروع ألأسدعند الزأر
يعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم ولا أرى من ضير
كذاك فعل الخير في برير

ويضيف صاحب المجموعة بقوله : أما الشيخ الصدوق فقد روى أن بريرا رضي ألله عنه برز من بعد عبدألله بن أبي عروة الغفاري وهو من شهداء الحملة ألأولى وبرز من بعد حبيب بن مظاهر رضي الله عنه (2)وكان برير يقول :
أنا برير وابي خضيرُ لا خير فيمن ليس فيه خيرُ

وأنه قتل من ألأعداء ثلاثين رجلا ثم قُتل . وينقل عن صاحب كتاب تسلية المجالس والبحار وإبن أعثم : أن بريرا رضي الله عنه كان يحمل على القوم وهو يقول (إقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، إقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين ، إقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين ) . قال عفيف : كأني أنظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ويقول : أنعمت علي يا أخا ألأزد نعمة لن أنساها أبدا ! قال : فقلت : أنت رأيت هذا ؟ قال نعم رأي عيني وسمع أذني . وقد إختلف الرواة في قاتل برير رضي ألله عنه فقد ورد في مناقب آل أبي طالب ومعالي السبطين ومقتل الحسين عليه السلام لإبن أعثم الكوفي أن قاتله بحير بن أوس الضبي وهو خلاف المشهور والوارد في رواية الطبري وإبن ألأثير أن قاتله هو كعب إبن جابر بن عمرو ألأسدي (لعنه ألله) فلما رجع كعب بن جابر قالت إمرأته أو أخته النوار بنت جابر : أعنت على إبن فاطمة وقتلت سيد

(1) المجموعة الموضوعية : ج4 ص 312 نقلا عن إبن شهر آشوب .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 264

القراء لقد أتيت عظيما من ألأمر وألله لا أكلمك من رأسي كلمة(1)وقال كعب بن جابر :
سلي تخبري عني وأنت ذميمة غداة حسين والرماح شوارع
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل عليّ غداة الروع ما أنا صانع
معي يزّنُّي لم تخنه كعوبه وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهم بديني وإني بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى ألا كل من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حُسَّرا وقد نازلوا لو أن ذلك نافع
فأبلغ عبيدألله أما لقيته بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة أبا منقذ لما دعا : من يماصع؟(2)

قال أبو مخنف : حدثني عبدألرحمن بن جندب قال : سمعته في إمارة مصعب بن الزبير وهو يقول : يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر فقال له أبي : صدق ولقد وفى وكرم وكسبت لنفسك شرا قال : كلا إني لم اكسب لنفسي شرا ولكني كسبت لها خيرا (3). قال : وزعموا أن رضي بن منقذ العبدي رد بعد على كعب بن جابر جواب قوله .
أما الشيخ محمد مهدي الحائري فينسب ألأبيات التالية لإبن عم بحير بن أوس الضبي والله أعلم(4):

(1) تاريخ الطبري : ج4 ص 630 .
(2) يماصع : يقاتل .
(3) الطبري : ص 631 .
(4) معالي السبطين : ج1 ص 394 .
البالغون الفتح في كربلاء 265

لو شاء ربي ما شهدت قتالهم ولا جعل النعماء عندي إبن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة يعيره ألأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله ويوم حسين كنت في رمس قابر

وفي برير قال الشيخ السماوي (1)ألأبيات التالية :
جزى ألله رب العالمين مباهلا عن الدين كيما ينهج الحق طالبه
وأزهر من همدان يلقي بنفسه على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه
أبر على الصيد الكماة بموقف مناهجه مسدودة ومذاهبه
إلى أن قضى في ألله يعلم رمحه بصدق توخيه ويشهد قاضبه
فقل لصريع قام من غير مارن عذرتك أن الليث تدمي مخالبه


4 ـ شوذب بن عبدألله الهمداني :

جاء في ألإبصار : كان شوذب من رجال الشيعة المخلصين وكانت داره مقرا لإلتقاء الشيعة وإجتماعاتهم وينقل الشيخ السماوي عن صاحب الحدائق الوردية أن شوذب كان يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان وجيها فيهم وكان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنين عليه السلام كما إشترك مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه الثلاثة وكان من الفرسان المتميزين ممن يحسب له ألف حساب (2).
ذكره الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقال له ذكر في الرجبية بإسم سويد مولى شاكر وقال عنه كان من رجال الشيعة ووجوههم ومن أعظم الثوار إخلاصا وحماسا شيخ كبير مولى يحسب من (اليمن ، عرب الجنوب) (3).

(1) ألإبصار : ص 97 .
(2) المصدر السابق : ص 100 .
(3) ألأنصار : ص 94 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي