البالغون الفتح في كربلاء 266

دوره في كربلاء :


جاء في معالي السبطين : إن مسلما لما بايعه الناس كتب إلى الحسين عليه السلام كتابا يقول فيه أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فحيهلا بألإقبال حتى يأتيك كتابي فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى وأرسل الكتاب مع عابس فصحبه شوذب مولاه وكان مع الإمام الحسين عليه السلام إلى أن نزل معه بكربلاء مع شوذب إنتهى . ولما إلتحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسن عليه السلام جاء عابس ومعه شوذب وهو مولى شاكر فقال له : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ! أقاتل معك دون إبن بنت رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم حتى أقتل .
قال : ذلك الظن بك ، أما ألآن فتقدم بين يدي أبي عبدألله حتى يحتسبك كما إحتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك أنا ، فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه فإن هذا اليوم ينبغي لنا أن نطلب ألأجر فيه بكل ما قدرنا عليه فإنه لا عمل بعد اليوم ، وإنما هو الحساب (1)فتقدم بين يدي أبي عبدألله عليه السلام وقال السلام عليك يا أبا عبدألله ورحمة ألله وبركاته أستودعك ألله ثم قاتل حتى قتل رضوان ألله عليه .


5 ـ مجمع بن عبدألله العائذي :

هو مجمع بن عبدألله بن مجمع بن مالك بن أياس بن عبد مناة بن عبيدألله بن سعد العشيرة المذحجي العائذي . مذحج من كهلان من القحانية (يمن ، عرب الجنوب) كان عبدألله بن مجمع العائذي

(1) المازندراني : ج1 ص 386 .
البالغون الفتح في كربلاء 267

صحابيا ، وكان ولده مجمع تابعيا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ذكرهما أهل ألأنساب والطبقات . وكان مجمع وإبنه عائذ ممن إلتحق مع الحسين عليه السلام في عذيب الهجانات مع مجموعة عمرو بن خالد الصيداوي فمانعهم الحر وأخذهم ألإمام الحسين عليه السلام . كما مر ذكره في ترجمة جنادة بن الحرث السلماني .
قال أبو مخنف : لما مانع الحر مجمعا وإبنه وعمرا وجنادة ثم أخذهم الحسين عليه السلام ومنعهم ، سألهم الحسين عليه السلام عن الناس بالكوفة ، فقال عليه السلام : أخبروني خبر الناس ورائكم . فقال له مجمع بن عبدألله العائذي أحد النفر ألأربعة . أما أشراف الناس فهم إلب عليك لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك وأما سائر الناس بعد ، فإن أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك (1)قال : أخبروني فهل لكم برسولي إليكم ؟ قالوا من هو ؟ قال : قيس بن مسهر الصيداوي قالوا : نعم أخذه الحصين إبن تميم فبعث به إلى إبن زياد فأمر إبن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن إبن زياد وأباه ودعا الناس غلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به إبن زياد فألقي من أعلى القصر فمات فترقرقت عينا ألإمام الحسين عليه السلام (2) وقرأ قوله تعالى : «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(3).
ثم قا : أللهم إجعل منازلهم الجنة نزلا إجمع بيننا وبينمهم قي مستقر رحمتك وغرائب مدخور ثوابك . وقال أهل السير والمقاتل : قتل

(1) الطبري : ج4 ص 607 .
(2) المصدر السابق .
(3) سورة ألأحزاب ، ألآية : 23 .
البالغون الفتح في كربلاء 268

مجمع بن عمرو بن خالد وأصحابهما في اليوم العاشر في مكان واحد كما تقدم في ترجمة جنادة السلماني) .

6 ـ نافع بن هلال الجملي :

هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ذكره الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقال : وذكر في الرجبية بدون نسبة شارك في جلب الماء مع العباس بن علي عليه السلام ، كوفي شخصية بارزة جملي (يمن ، عرب الجنوب) . يقول المرحوم الشيخ السماوي رحمه ألله في ألإبصار كان نافعا سيدا شريفا سريا شجاعا وكان قارئا للقرآن كاتبا من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وحضر معه حروبه الثلاث في العراق (1).
إلتقى نافع بالحسين عليه السلام في عذيب الهجانات قبل مقتل مسلم بن عقيل رضي الله عنه وكان قد أوصى أن يتبع بفرسه المسمى بالكامل . فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه وهوأحد ألأربعة الذين قدموا للحسين عليه السلام صحبه الطرماح وحاول الحر منعهم من ألإلتحاق بالإمام الحسين عليه السلام . فصاح به ألإمام عليه السلام (إذاً أمنعهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد جعلت لي ألا تعرض لي حتى يأتيك كتاب إبن زياد ) عن إبن شهر آشوب : لما ضيق الحر على الحسين عليه السلام خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها : أما بعد ، فقد نزل من ألأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت .. إلخ . ثم قام نافع فقال : يا بن رسول ألله ! أنت تعلم أن جدك رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدر أن يشرب الناس محبته ولا أن يرجعوا إلى

(1) ألأنصار : ص 109 .
(2) ألإبصار : ص 114 .
البالغون الفتح في كربلاء 269

أمره ما أحب وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمر من الحنظل ، حتى قبضه ألله غليه وإن أباك عليا قد كان مثل ذلك فقوم قد أجمعوا على نصره قاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم خالفوه حى أتاه أجله ومضى إلى رحمة ألله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة فمن نكث عهده وخلع نيته فلن يضر إلا نفسه وألله مغن عنه فسر بنا راشدا معافى ، مشرقا إن شئت وإن شئت مغربا ، فوألله ما اشفقنا من قدر ألله ، ولا كرهنا لقاء ربنا فإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك . قال الطبري : منع الماء في الطف على الحسين عليه السلام فإشتد عليه وعلى أصحابه العطش فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وأصحبهم عشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الناس ليلا وإستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال (1)فحس بهم إبن الحجاج الزبيدي وكان حارس الماء .
فقال : من ؟
قال : من بني عمك .
فقال : من ؟
قال : نافع بن هلال .
فقال : ما جاء بك ؟
قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه .
قال : إشرب هنيئا .
قال : لا وألله لا اشرب منه قطرة والحسين عليه السلام عطشانا ، ومن ترى من أصحابه ، فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنما وضعنا

(1) الطبري : ج4 ص 613 .
البالغون الفتح في كربلاء 270

في هذا المكان لنمنع الماء ، فلما دنا أصحابه منه قال : إملأوا قربكم ، فنزلوا فملأوا قربهم ، فثار عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي عليه السلام ونافع بن هلال الجملي ففرقوهم وأخذوا أصحابهم وإنصرفوا إلى رحالهم وقد قتلوا منهم رجالا .
وقال أبو جعفر الطبري : لما قتل عمرو بن قرظة ألأنصاري جاء أخوه علي وكان مع إبن سعد ليأخذ بثأره فهتف بالحسين عليه السلام فحمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ ثم جالت الخيل التي منعت عليا فردها عن أصحابه وكشفها عن وجوههم(1). جاء في الطبري عن هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدثني يحيى بن هانئ بن عروة رضي ألله عنه أن نافع بن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي أما الشيخ السماوي فقد دون البيت التالي :
إن تنكروني فأنا إبن الجمل ديني على دين حسين بن علي(2)

ويضيف الطبري قال : فخرج إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له : أنت على دين شيطان(3)ثم حمل عليه فقتله ، فصاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقى أتدرون من تقاتلون ! فرسان المصر ، قوما مستميتين لا يبرزن لهم منكم أحد ، فإنهم قليل ، وقلما يبقون ، وألله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد (لع) : صدقت الرأي ما رأيت ، وأرسل إلى الناس يعزم عليهم ان لا يبارز منكم رجلا منهم (4).

(1) المصدر السابق .
(2) ألإبصار : ص 114 .
(3) الطبري : ج 4 ص 633 .
(4) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 271

إستشهاده :


روى الطبري : إن نافع بن هلال الجملي كان قد كتب إسمه على أفواق نبله فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي أما الشيخ السماوي (1)فيضيف :
أرمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري بها أخفاقها
ليملأن أرضها رشاقها والنفس لا ينفعها إشفاقها

ويضيف الطبري : فقتل إثني عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد (لع) سوى من جرح وبقي يضرب فيهم حتى نفدت نباله عندها جرد سيفه وأخذ يضرب فيهم فتعطفوا عليه فأخذوا يضربونه بالحجارة والنصال ، قال : فضرب حتى كسرت عضداه وأُخذ أسيرا ،قال : فأخذه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أتي به عمر بن سعد (لع) فقال له عمر إبن سعد (لع) : ويحك يا نافع ! ما حملك على ما صنعت بنفسك !
قال : إن ربي يعلم ما أردت .
قال : والدماء تسيل على لحيته وهو يقول : وألله لقد قتلت منكم إثني عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال له شمر أقتله أصلحك ألله ! قال : أنت جئت به فإن شئت فأقتله ، قال : فإنتضى شمر سيفه فقال له نافع : أما وألله أن لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى ألله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، فقتله (2). ورثاه الشيخ السماوي (3)بهذه ألأبيات :

(1) ألإبصار : ص 116 .
(2) الطبري : ج4 ص 638 .
(3) السماوي : ألإبصار ص 116 .
البالغون الفتح في كربلاء 272

ألا رُبّ رام يكتب السهم نافعاً ويعني به نفعا لآل محمد
إذا ما أرنت قوسه فاز سهمها بقلب عدو أو جناحين معتد
فلو ناضلوه ما أطافوا بغابة ولكن رموه بالحجار المحدد
فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه كسير يد ينقاد للأسر عن يد
وما وجدوه واهنا بعد أسره ولكن بسيما ذي براثن ملبد
فإن قتلوه بعد ما إرتث صابرا فلا فخر في قتل الهزبر المخضد
ولو بقيت منه يد لم يقد لهم ولم يقتلوه لو نضا لمهند


7 ـ الحجاج بن مسروق الجعفي :

هو الحجاج بن مسروق بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي ، الجعفي : نسبة إلى جعفي بن سعد العشيرة ، من مذحج ، من القحطانية . (يمن ، عرب الجنوب ، كوفي ) كان الحجاج من الشيعة ، صحب أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة ، ولما خرج الحسين عليه السلام إلى مكة خرج إلى مكة لملاقاته فصحبه وكان مؤذنا له في أوقات الصلوات (1). قال صاحب خزانة ألأدب الكبرى : لما ورد الحسين عليه السلام قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال : لمن هذا ؟
قيل : لعبدألله بن الحر الجعفي .
فأرسل إليه الحجاج بن مسروق الجعفي ويزيد بن مغفل الجعفي ، فأتياه وقالا : إن أبا عبدألله يدعوك .
فقال لهما : أبلغا الحسين عليه السلام أنه إنما دعاني من الخروج من الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرارا من دمك ودماء أهل بيتك ولئلا أعين عليك وقلت : إن قاتلته كان عليّ كبيرا وعند ألله عظيما ، وإن قاتلت

(1) المصدر السابق : ص 118 ـ 119 .
البالغون الفتح في كربلاء 273

معه ولم أُقتل بين يديه كنت قد ضيعته وإن قتلت فأنا رجل أحمى أنفا من أن أُمكن عدوي فيقتلني ضيعة والحسين عليه السلام ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم . فأبلغ الحجاج وصاحبه قول عبيدألله إلى الحسين عليه السلام فعظم عليه ودعا عليه السلام بنعليه ثم أقبل يمشي حتى دخل على عبيدألله بن الحر فسطاطه فأوسع له عن صدر مجلسه وإستقبله إجلالا به حتى أجلسه . قال يزيد بن مرة : فحدثني عبيدألله بن الحر قال : دخل عليّ الحسين عليه السلام ولحيته كأنها جناح غراب فما رأيت احدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله . فقال الحسين عليه السلام : ما يمنعك يا بن الحر أن تخرج معي ؟ فقال إبن الحر : لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك ، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك ، فأنا أُحب أن تعفيني من الخروج معك ، ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي وهذه فرسي المحلقة ، فوألله ما طلب عليها شيئا قط إلا أدركته ، ولا طلبني أحد إلا فته ، فإركبها حتى تلحق بمأمنك وأنا لك ضمين بالعيالات حتى أؤديهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد . قال الحسين عليه السلام : أفهذه نصيحة لنا منك يابن الحر؟قال : نعم والله الذي لا شيء فوقه .
فقال له الحسين عليه السلام : إني سأنصح لك كما نصحت لي ، إن إستطعت أن لا تسمع صراخنا ولا تشهد واعيتنا فإفعل فوألله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبه ألله في نار جهنم . ثم خرج الحسين عليه السلام من عنده وعليه جبة خز وكساء وقلنسوة موردة ومعه صاحباه الحجاج ويزيد ، وحوله صبيانه ، فقمت مشيعا له وأعدت النظر إلى لحيته فقلت : أسواد ما أرى أم خضاب ؟
فقال عليه السلام : يابن الحر ! عجّل عليّ الشيب .
البالغون الفتح في كربلاء 274

فعرفت أنه خضاب وودعته (1).
وقال إبن شهر آشوب وغيره : لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال تقدم الحجاج بن مسروق الجعفي إلى الحسين عليه السلام وإستأذنه في القتال ، فأذن له ثم عاد إليه وهو مخضب بدمائه ، فأنشده :
فدتك نفسي هاديا مهديا اليوم ألقى جدك النبيا
ثم أباك ذا الندى عليا ذاك الذي نعرفه الوصيا

فقال له الحسين عليه السلام : نعم ، وأنا ألقاهما على أثرك . فرجع يقاتل حتى قتل عليه السلام (2).


8 ـ نعيم بن عجلان ألأنصاري :

قال المرحوم الشيخ شمس الدين : ذكره إبن شهر آشوب في عداد قتلى الحملة ألأولى والشيخ وذكر في الزيارة وذكر في الرجبية بدون نسبة(3).
كان النضر والنعمان ونعيم إخوة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ولهم في صفين موقف فيها ذكر وسمعة ، وكانوا شجعان شعراء ، مات النضر والنعمان وبقي نعيم في الكوفة ، فلما ورد الحسين عليه السلام إلى العراق خرج إليه وصار معه ، فلما كان اليوم العاشر تقدم إلى القتال وإستشهد في الحملة ألأولى(4).

(1) المصدر السابق .
(2) مقتل السيد المقرم : ص 254 .
(3) ألأنصار : ص 110 .
(4) المحقق السماوي : ألإبصار ص 123 .
البالغون الفتح في كربلاء 275


9 ـ جون مولى أبي ذر الغفاري :

هو جون بن حوي بن قتادة ألأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب إبن حوي النوبي . ذكره إبن شهر آشوب في المناقب مصحفا بإسم (جوين أبي مالك مولى أبي ذر الغفاري) من الموالي أسود اللون شيخ كبير السن . ورد ذكره في الرجبية . وذكر في بحار ألأنوار والزيارة بإسم (جون إبن حوي مولى أبي ذر الغفاري)(1).
قال المامقاني : وقد وقع الخلاف في دركه صحبة النبي صلى ألله عليه وآله وسلم . وذكر أهل السير أنه كان عبدا أسود مملوكا إشتراه الفضل بن العباس بن عبدالمطلب (2)خلال الفترة التي قضاها جون عند الفضل غرس في نفسه معاني الفضيلة وحب الرسالة والتضحية لأن الفضل كان مواليا للإمام علي عليه السلام سرا وعلانية ورديفا للرسول ألأكرم صلى ألله عليه وآله وسلم في حجة الوداع ، وثابتا في غزوة حنين حينما إنهزم الناس ، وشاهدا على غسل النبي صلى ألله عليه وآله وسلم فكان جون يمثل سيده في جميع تصرفاته ، فأعجب به أمير المؤمنين عليه السلام فإشتراه من الفضل بمائة وخمسين دينارا ، فدخل جون مرحلة جديدة ليتعلم من خلالها على صفحات خالدة جديدة لم يكن يألفها من قبل فالتمرد على الباطل أنى يكون أساس معالمها . وهبه ألإمام علي عليه السلام لأبي ذر ليخدمه وكان عنده .
يقول ألأستاذ جواد أبو غنيم (وبدأت ظواهر البهجة وألإنفتاح تعلو هامته ، وهو يحمل دفاتر مستقبله لأول درس خطه أبو ذر على صفحات عمره الضائع ، وتتزاحم الكلمات في صدره ، والعقيدة تنمو بنمو مداركه فإمتلأت عروقه ثورة ضد كل إنحراف يراه ، وسرعان ما تلاشت أمام

(1) المصدر السابق : ص 138 ، ألأنصار : ص 81 .
(2) تنقيح المقال : ج 16 ص 315 .
البالغون الفتح في كربلاء 276

أعاصير ألأحداث التي نشأت بعد وفاة رسولنا الكريم صلى ألله عليه وآله وسلم ، فأصبح كسيده ما بين الصمت وقوله الكلمة التي أوصى بها الرسول صلى ألله عليه وآله وسلم لأبي ذر ( قل الحق وإن كان مرا) إلا أن الصمت كان رائدهما وتمر الأيام ولا تزال سيوف الحق في أغمادها عطشى ، رغم رحلة جون مع سيده إلى بلاد الشام بعد وفاة أبي بكر .
وتمر الشهور وألأيام وأرض الشام مدوية بكلمات الصحابي الجليل أبي ذر حيث يعظ الناس ويأمرهم بالتمسك بطاعة ألله عز وجل ويحذرهم من إرتكاب المعاصي ، والتمسك بأهل البيت عليهم السلام فأخذت كلماته تنمو في قلوب البعض ، ويرفضها البعض ألاخر ويزخرفها آخرون من أجل إشعال الفتنة ، وكان جون كسيده يجتمع مع حلقة العبيد والموالي يتحدث إليهم عن مناقب سيده الذي حيا رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم أول مرة بتحية ألإسلام ، وكان أحد ألأركان ألأربعة والمبايع لرسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام ، وهو الذي قال عنه رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم : (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء اصدق لهجة من أبي ذر ) ، (وأن الجنة تشتاق إليك يا علي وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد ) (1). رافق جون أبا ذر في حياته وعاش معه مآسيه ، وكان رفيقه المخلص في (الربذة) حتى وفاته رضوان ألله عليه سنة إثنتين وثلاثين للهجرة ، فبكاه بدموع سخية . فإنضم مجددا إلى حضيرة أهل البيت عليهم السلام فعاد وإنضم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم مع ألإمام الحسن عليه السلام . ثم مع ألإمام الحسين عليه السلام . ولما بلغه نبأ مسير الحسين عليه السلام لمناهضة الباطل وتجديد الدين فأسرع لنصرته فصحبه في سفره من المدينة إلى مكة ثم العراق .

(1) مقال منشور في مجلة ينابيع عدد 16 السنة الرابعة.
البالغون الفتح في كربلاء 277

دوره في كربلاء :


قال أبو مخنف : (حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك ، عن علي بن الحسين بن علي قال : إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها ، وعمتي زينب عندي تمرضني ، إذ إعتزل أبي بأصحابه في خباء له ، وعنده حوي ، مولى أبي ذر الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويصلحه )(1)وأبي يقول :
يا دهر أف لك من خليل كم لك بألإشراق وألأصيل
من صاحب أو طالب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما ألأمر إلى الجليل وكل حي سالك سبيلي

إستشهاده :


قال السيد إبن طاوُس : (ثم برز جون مولى أبي ذر . وكان عبدا أسود . فقال الحسين عليه السلام (أنت في إذن مني ، فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقتنا )(2) ، قال الشخ السماوي : فوقع على قدمي ألإمام أبي عبدألله عليه السلام وقال : يابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، وألله إن ريحي لنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس عليّ بالجنة ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا وألله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم ألأسود مع دمائكم . فأذن له الحسين عليه السلام (3)فبرز إلى القتال وهو يرتجز :
كيف ترى الفجار ضرب ألأسود بالمشرفي القاطع المهند
بالسيف صلتا عن بني محمد أذب عنهم باللسان واليد


(1) الطبري : ج4 ص 619 .
(2) الملهوف : ص 163 .
(3) ألإبصار : ص 138 .
البالغون الفتح في كربلاء 278

أرجو بذاك الفوز عند المورد من ألإله ألأحد الموحد
إذ لا شفيع عنده كأحمد

فقاتل قتال ألأبطال وقتل على كبر سنه خمسة وعشرين رجلا وقيل أنه قتل جماعة كثيرة فوقعت في محاجر عينيه ضربة و كبا به جواده إلى ألأرض فوقع على أم رأسه فأحاط به ألأعداء من كل جانب ومكان فقتلوه (1). وقال محمد بن أبي طالب : فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال : أللهم بيض وجهه ، وطيب ريحه ، وأحشره مع ألأبرار ، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد (2). وروى علماؤنا عن الباقر عليه السلام عن أبيه زين العابدين عليه السلام أن بني أسد حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جونا بعد أيام تفوح منه رائحة المسك (3).
خليلي ماذا في ثرى الطف فأنظرا أجونة طيب تبعث المسك أم جون
ومن ذا الذي يدعو الحسين لأجله أذلك جون أم قرابته عون
لأن كان عبدا قبلها فلقد زكا النجار وطاب الريح وإزدهر اللون

وللأديب سعيد العسيلي في كتاب كربلاء (4):
جون ومن جون سوف أقول من جون وفي ألأخبار لا أتوسع
عبد له لعق القصاع وسيلة حتى يعيش من الطعام ويشبع
تبع الحسين كأنه لخياله ظل ينفذ ما يقال ويسمع
ورأى الدماء تسيل من أصحابه والمشرفي بهم يكيل ويذرع
فإذا به وكأم موسى قلبه من أجل آل محمد يتوجع


(1) المازندراني : معالي السبطين : ج1 ص 388 .
(2) بحار ألأنوار : ج18 ص 520 .
(3) المازندراني : معالي السبطين : ج1 ص 388 . (4) مقال منشور في مجلة ينابيع عدد 16 السنة الرابعة .
البالغون الفتح في كربلاء 279

وله أبو ذر الغفاري قدوة وإليه في كل الخصائل يرجع
يستأذن السبط الحسين كأنه غصص العذاب لأجله يتجرع
ويقول إني أسود يا سيدي والريح نتن ساء فيه المرضع
وتطيب لي عند الرخاء قصاعكم وأخاف إن وقع البلاء وأجزع
مولاي دعني للبراز لعلني يوم القيامة في رضاك أمتع
ودعا له رباه بيض وجهه وإجعله كالشمس المنيرة تسطع
وأحشره مع جدي وعطر ريحه كالمسك يبقى دائما يتضوع


10 ـ الحلاس بن عمرو ألأزدي الراسبي :
11 ـ النعمان بن عمرو ألأزدي الراسبي :

كان الحلاس والنعمان إبنا عمرو الراسبيان من أهل الكوفة ، وكانا من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان الحلاس على شرطته بالكوفة . ذكرهما محمد مهدي شمس الدين وقال : ذكره إبن شهر آشوب في عداد قتلى الحملة ألأولى وذكره الشيخ مصحفا : (الحلاش) ولم يشر إلى مقتله . وفي الرجبية : (حلاس بن عمرو) وبهذا العنوان ذكره سيدنا ألأستاذ في (معجم الرجال : 4/144) وفي (ج6 ص 189 منه ) ذكر سيدنا ألأستاذ : (حلاس بن عمرو الهجري) مما يظهر أنه يعتبر رجلا آخر في حلاس بن عمرو والظاهر عندنا إتحادهما ، والهجري نسبة إلى هجر في اليمن وهو لا ينافي النسبة إلى راسب (1). ذكر أنه كان على شرطة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب في الكوفة . وأنه وأخاه النعمان كانا مع عمر إبن سعد (لع) ثم تحولا إلى معسكر الحسين عليه السلام . والراسبي نسبة إلى راسب بن مالك بطن من شنوأة ، من ألأزد من القحطانية : كوفي (يمن ، عرب الجنوب) . قال صاحب الحدائق : خرجا مع عمر بن سعد ، فلما

(1) ألأنصار : ص 85 و ص 110 .
البالغون الفتح في كربلاء 280

رد إبن سعد الشروط جاءا إلى الحسين عليه السلام ليلا فيمن جاء وما زالا معه حتى قتلا بين يديه . وقال السروي : قتلا في الحملة ألأولى (1). قال الزنجاني في وسيلة الدارين إنهما إنضما إلى ألإمام عليه السلام ليلة الثامن من المحرم ، وما زالا معه إلى يوم العاشر ، فلما شب القتال تقدم الحلاس أمام الحسين عليه السلام للجهاد فقُتل في الحملة ألأولى مع من قتل من أصحاب الحسين عليه السلام قُتل أخوه النعمان أيضا مبارزة بين الحملة ألأولى والظهر في حومة الحرب بعدما عقروا فرسه (2).


12 ـ أمية بن سعد الطائي :

نقل الزنجاني يقول : قال العسقلاني في ألإصابة : هو أمية بن سعد إبن زيد الطائي .
قال أصحاب السير والتراجم : إن أمية كان فارسا شجاعا تابعيا من أصحاب أمير المؤمنين نازلا في الكوفة ، له ذكر في المغازي والحروب ، خصوصا يوم صفين ، فلما سمع بقدوم الحسين عليه السلام إلى كربلاء ، خرج من الكوفة مع من خرج أيام المهادنة حتى جاء إلى الحسين عليه السلام ليلة الثامن من المحرم وقتل بين يديه .
قال المحقق السماوي : قال صاحب الحدائق : قتل في أول الحرب ويعني بذلك الحملة ألأولى (3).

(1) ألإبصار : ص 144 .
(2) صاحب المجموعة : ج4 ص 167 .
(3) ألإبصار : ص 150 .
السابق السابق الفهرس التالي التالي