البالغون الفتح في كربلاء 281


13 ـ قاسط :
14 ـ كردوس :
15 ـ مقسط أولاد زهير بن الحرث التغلبي :

تغلب بن وائل من القبائل العدنانية (عرب الشمال).
قال المحقق السماوي : كان هؤلاء الثلاثة من أصحاب أمير المؤمنين ومن المجاهدين بين يديه في حروبه صحبوه أولا ، ثم صحبوا الحسن عليه السلام ثم بقوا في الكوفة ، ولهم ذكر في الحروب ، ولا سيما صفين (1). نقل الزنجاني في وسيلة الدارين يقول : قال أبو علي في رجاله : قاسط بن عبدألله بن زهير بن الحارث التغلبي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام . وقال نصر بن مزاحم المنقري الكوفي في كتاب صفين : إن علياًعليه السلام لما عقد ألألوية للقبائل فأعطاها قوما بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم ، وجعل على قريش وأسد وكنانة عبدألله بن عباس إبن عبدالمطلب ، وعلى كندة حجر بن عدي الكندي ، وعلى بكر البصرة حصين بن المنذر ، وعلى تميم البصرة ألأحنف بن قيس وقاسط بن عبدألله بن زهير بن الحرث التغلبي ، وعلى حنظلة البصرة أعين بن ضبيع وكردوس بن عبدألله بن زهير التغلبي ..(2). ولما ورد الحسين عليه السلام كربلاء خرجوا إليه ، فجاؤوا ليلا وقتلوا بين يديه . قال السروي : قتلوا في الحملة ألأولى (3)وقد ورد السلام في زيارة الناحية المقدسة على قاسط وأخيه كردوس فقط ولم يذكر مقسط (السلام على قاسط و كردوس إبني زهير التغلبيين)(4).

(1) المصدر السابق : ص 151 .
(2) المجموعة الموضوعية : ج4 ص 171 .
(3) ألإبصار : ص 151 .
(4) هامش المجموعة : ج4 ص 172 .
البالغون الفتح في كربلاء 282




البالغون الفتح في كربلاء 283

الفصل السادس

الشهداء من ألأصحاب

لما كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء .
قال أبو مخنف : وعبأ الحسين عليه السلام أصحابه ، وصلى بهم صلاة الغداة ، وكان معه إثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العباس بن علي أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب وكان من وراء البيوت يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم قال : وكان الحسين عليه السلام أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية ، فحفروه في ساعة من الليل ، فجعلوه كالخندق ، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه كيلا نُؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد . ففعلوا ، وكان لهم نافعا (1).
قال أبو مخنف : لما خرج عمر بن سعد (لع) بالناس كان على رُبع أهل المدينة يومئذ عبدألله بن سليم ألأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبدالرحمن بن أبي سيرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن

(1) تاريخ الطبري : ج4 ص 621 .
البالغون الفتح في كربلاء 284

ألأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين عليه السلام إلا الحر بن يزيد الرياحي فإنه عدل إلى الحسين عليه السلام وقُتل معه . وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن ألأعور بن عمر بن معاوية ، وهو الضباب بن كلاب ـ وعلى الخيل عزرة بن قيس الحمسي وعلى الرجّالة شبث بن ربعي الرياحي ، وأعطى الراية ذويدا مولاه(1). ثم نادى يا ذويد أدن رايتك ، وقال : فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ، ثم رمى فقال : إشهدوا إني أول من رمى (2)وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر .
قال الحسين عليه السلام لأصحابه : (قوموا رحمكم ألله إلى الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم )(3).
قال أبو مخنف : وحمل عمرو بن الحجاج وهو على ميمنة الناس في الميمنة ، فلما إن دنى من الحسين عليه السلام جثو له على الركب ، وأشرعوا بالرماح نحوهم ولما تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع ، فرشقوهم بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين (4).
يقول السيد إبن طاوُس : حتى قتل من اصحاب الحسين عليه السلام جماعة ، قال : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته المقدسة وجعل يقول : (إشتد غضب ألله على اليهود إذ جعلوا له ولدا ، وإشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، وإشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، وإشتد غضبه على قوم إتفقت كلمتهم على قتل إبن

(1) المصدر السابق : ص 622 .
(2) المصدر السابق : ص 627 .
(3) الملهوف : 8 ص 58 .
(4) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 285

بنت نبيهم . أما وألله لا أجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى ألله تعالى وأنا مخضب بدمي ) (1).
وروي عن ألإمام أبي عبدألله الصادق عليه السلام أنه قال : سمعت أبي يقول : لما إلتقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد (لع) وقامت الحرب على ساق ، أنزل ألله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ألله تعالى فإختار لقاء ألله تعالى ، قال الراوي : ثم صاح الحسين عليه السلام : (أما من مغيث يغيثنا لوجه ألله أما من ذاب يذب عن حرم رسول ألله)(2).
إتفق أغلب المؤرخين على أن عدد شهداء الحملة ألأولى 50 أو يزيد لذا إرتأينا ذكر أسماؤهم حسب تسلسل الحروف الهجائية كما نقله أصحاب المقاتل والسير :
1 ـ أسلم بن عمرو التركي مولى الحسين عليه السلام
2 ـ ألأدهم بن أمية العبدي البصري رضي ألله عنه
3 ـ الحارث بن إمرؤ القيس الكندي رضي الله عنه
4 ـ الحباب بن عامر التميمي رضي ألله عنه
5 ـ الحجاج بن بدر التميمي السعدي رضي ألله عنه
6 ـ الحرث بن نبهان رضي ألله عنه مولى حمزة رضي ألله عنه
7 ـ الحُلاس بن عمرو الراسبي ألأزدي رضي ألله عنه
8 ـ القاسم بن حبيب بن ابي بشير ألأزدي رضي ألله عنه


(1) الملهوف : ص 158 .
(2) المصدر السابق : ص 159 .
البالغون الفتح في كربلاء 286

9 ـ النعمان بن عمرو الراسبي ألأزدي رضي الله عنه
10 ـ أم وهب رضي الله عنها زوج عبدألله بن عمير الكلبي رضي ألله عنه
11 ـ أمية بن سعد الطائي رضي الله عنه
12 ـ بشير بن عمرو بن ألأحدوث الحضرمي الكندي رضي ألله عنه
13 ـ جابر بن الحجاج رضي ألله عنه مولى عامر بن هشل التيمي
14 ـ جبلة بن علي الشيباني رضي الله عنه
15 ـ جنادة بن الحرث المذحجي السماني رضي الله عنه
16 ـ جنادة بن كعب بن الحرث ألأنصاري رضي الله عنه
17 ـ جندب بن حجير الكندي رضي الله عنه
18 ـ جون بن حوي رضي الله عنه مولى أبي ذر رضي ألله عنه
19 ـ جوين بن مالك التيمي رضي ألله عنه
20 ـ حجير بن جندب بن حجير الكندي رضي ألله عنه
21 ـ حنظلة بن عمرو الشيباني رضي ألله عنه
22 ـ زاهر بن عمرو الكندي رضي الله عنه
23 ـ زهير بن بشير الخثعمي رضي ألله عنه
24 ـ زهير بن سليم ألأزدي رضي ألله عنه
25 ـ سالم مولى عامر بن مسلم رضي ألله عنه
26 ـ سعد رضي ألله عنه مولى عمرو بن خالد الصيداوي رضي ألله عنه
27 ـ سعد بن الحرث رضي الله عنه مولى علي عليه السلام


البالغون الفتح في كربلاء 287

28 ـ سوار بن ابي عمير النهمي رضي ألله عنه
29 ـ سيف بن مالك العبدي البصري رضي الله عنه
30 ـ شبيب رضي الله عنه مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري
31 ـ شبيب بن عبدألله النهشلي رضي الله عنه
32 ـ ضرغامة بن مالك التغلبي رضي الله عنه
33 ـ عائذ بن مجمع بن عبدألله العائذي رضي الله عنه
34 ـ عامر بن مسلم العبدي البصري رضي ألله عنه
35 ـ عبدألرحمن بن عبدألله ألأرحبي رضي الله عنه
36 ـ عبدالرحمن بن عبد رب ألأنصاري رضي الله عنه
37 ـ عبدالرحمن بن مسعود بن الحجاج رضي ألله عنه
38 ـ عبدألله بن بشير الخثعمي رضي الله عنه
39 ـ عبدألله بن عروة الغفاري رضي ألله عنه
40 ـ عبدألله بن عمير الكلبي رضي ألله عنه
41 ـ عبدألله بن يزيد العبدي البصري رضي الله عنه
42 ـ عبيدألله بن يزيد العبدي البصري رضي الله عنه
43 ـ عمار الدالاني رضي الله عنه
44 ـ عمار بن حسان الطائي رضي ألله عنه
45 ـ عمران بن كعب بن حارث ألأشجعي رضي ألله عنه
46 ـ عمرو الجندعي رضي ألله عنه


البالغون الفتح في كربلاء 288

47 ـ عمرو بن خالد ألأسدي الصيداوي رضي ألله عنه
48 ـ عمرو بن ضبعة الضبعي رضي الله عنه
49 ـ قارب بن عبدألله الدؤلي رضي ألله عنه
50 ـ قاسط بن زهير التغلبي رضي ألله عنه
51 ـ كنانة بن عتيق التغلبي رضي الله عنه
52 ـ مجمع بن عبدألله العائذي رضي الله عنه
53 ـ مسعود بن الحجاج التميمي رضي الله عنه
54 ـ مسلم بن عوسجة ألأسدي رضي الله عنه
55 ـ مسلم بن كثير ألأزدي رضي ألله عنه
56 ـ مقسط بن زهير التغلبي رضي الله عنه
57 ـ منجح بن سهم رضي الله عنه مولى الحسن عليه السلام
58 ـ نصر بن أبي نيزر رضي ألله عنه مولى علي عليه السلام
59 ـ نعيم بن عجلان رضي ألله عنه

وندون فيما يلي تراجم بقية الشهداء من ألأصحاب الذين إستشهدوا يوم الطف والمدفونين عند قبر سيد الشهداء عليه السلام .


1 ـ الحر بن يزيد الرياحي :

بعد أن أيقن يزيد بالخطر الذي يهدد ملكه من خلال الرسائل التي وردت إليه من بعض أهل الكوفة وأهمها رسالة عبدألله الحضرمي والتي جاء فيها ( أما بعد فإن مسلم بن عقيل رضي ألله عنه قدم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن كان لك بالكوفة حاجة فإبعث إليها رجلا قويا ينفذ

البالغون الفتح في كربلاء 289

أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف ) .
فعرض يزيد ألأمر على مشاوره سرجون الرومي فأشار عليه سرجون على إبن زياد لولاية الكوفة . فقال ليزيد أن معاوية كان قد عهد إلى إبن زياد بولاية الكوفة في حياته وأنه يحتفظ بهذا الكتاب الذي لم ينفذ بعد لأنه يعرف قسوته وبطشه وأنه لا يقوى أحد على إخضاع العراق غيره فهو الوحيد الذي يتمكن من القضاء على الثورة بما يملكه من وسائل ألإرهاب والعنف .
وكان إبن زياد من خلال رحلته إلى الكوفة عن طريق البصرة وتنكره إذ لبس ثيابا يمانية وعمامة سوداء وتلثم ليوهم الناس على أنه الحسين عليه السلام وعند وصوله الكوفة أسرع نحو قصر ألإمارة مستاء أشد ألإستياء مما رآه من الناس وفرحهم بقدوم الحسين عليه السلام عندها خطط للسيطرة التامة على الكوفة وعمد إلى نشر ألإرهاب وإشاعة الخوف فأمسك بجماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة (1)وغايته في ذلك صرف الناس عن الثورة بعد أن قام بإعتقال الكثير من مناصري ألإمام الحسين عليه السلام وإيداعهم السجون أمثال سليمان بن صرد الخزاعي والمختار إبن أبي عبيدة الثقفي وأربعمائة من ألأعيان والوجوه ونجم عن ذلك السيطرة التامة على مجريات ألأمور في الداخل وخضوع أهل الكوفة وإنقيادهم إلى السطة بالكامل تقريبا بعد أن رفع شعار (سوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي)(2).
بعدها عمد إلى تركيز إجراءاته ألأمنية على مداخل حدود الكوفة

(1) حياة ألإمام الحسين عليه السلام القرشي ج2 ص 375 .
(2) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء 290

وأطرافها تحسبا لأي تحرك مناصر للحسين عليه السلام فعمد إلى إصدار أوامره السريعة إلى رئيس شرطته الحصين بن تميم بالذهاب إلى القادسية ومنها إلى خفان وهو موقع قرب الكوفة ثم إلى القطقطانة وهو موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف ، وبه كان سجن النعمان بن المنذر وحتى جبل لعلع ونجم عن هذه ألإجراءات إلقاء القبض على رسول ألإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة قيس بن مسهر الصيداوي كما أوكلت مهمة مراقبة الصحراء وحراستها ومتابعة مسير ألإمام الحسين عليه السلام إلى الحر وكان على ألف فارس .

ألإلتقاء بالحر :


هو الحر بن يزيد الرياحي بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرمي إبن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي (1).
من أشراف الكوفة وساداتها إذ إحتل موقع الصدارة في المجتمع الكوفي وإكتسب شرف قيادة الفرسان وزعامة الرجال فإن جده عتابا كان رديف النعمان بن المنذر (2).
قال أبو مخنف ، عن أبي جناب عن عدي بن حرملة ، عن عبدألله إبن حرملة ، عن عبدألله بن سليم والبذري بن المشمعل ألأسديين قالا : أقبل ألإمام الحسين عليه السلام فلما نزل شراف قال لفتيانه وقت السحر : إستقوا من الماء فأكثروا ، ثم ساروا النهار فسمع الحسين عليه السلام رجلا يكبر فقال ألإمام الحسين عليه السلام ألله أكبر لم كبرت فقال رأيت النخل ، فقال ألأسديان : إن هذا المكان لم ير أحدا منه نخل ، فقال ألإمام الحسين عليه السلام

(1) السماوي : إبصار العين : ص 153 .
(2) عبدالمجيد الشيرازي : ذخيرة الدارين : ص 354 .
البالغون الفتح في كربلاء 291

فماذا تريانه ؟ فقالا : هذه الخيل قد أقبلت ، فقال الحسين عليه السلام : أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ؟ فقالا : بلى ، ذو حسم . فأخذ ذات اليسار إليها فنزل ، وأمر بأبنيته فضربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ، وهم مقدمة الجيش الذين بعثهم إبن زياد ، حتى وقفوا في قباله وقت الظهيرة والحسين عليه السلام وأصحابه معتمون ومتقلدوا أسيافهم فأمر الحسين عليه السلام فتيانه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم ، وأن يسقوا خيول أعدائهم (1)قال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وفرسي من العطش . قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي : السقاء ثم قال : يابن ألأخ ، أنخ الجمل ، فأنخته . فقال : إشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليه السلام أخنث السقاء ، اي أعطفه ، فلم أدر كيف افعل ؟ فقام عليه السلام فخنثه فشربت وسقيت فرسي(2). وبهذا اللطف والحنان ضرب ألإمام الحسين عليه السلام المثل ألأعلى للخلق ألإسلامي الرفيع مجسدا أخلاق النبوة وألإمامة مذكرهم بما عامل به جده الرسول ألأكرم صلى ألله عليه وآله وسلم المشركين يوم فتح مكة وأبوه علي إبن أبي طالب عليه السلام يوم صفين فأبى إلا أن يشملهم بشعوره ألإنساني النبيل وبروح العطف التي تربى عليها .
وبذلك أنشد العلامة الشيخ أحمد النحوي ألأبيات التالية :
أحشاشة الزهراء بل يا مهجة الكرار يا روح النبي الهادي
عجبا لهذا الخلق هلا أقبلوا كل إليك بروحه لك فادي
لكنهم ما وازنوك نفاسة أنى يقاس الذر بألأطواد


(1) الطبري ج4 ص 603 .
(2) محمد هادي الحائري : القول السديد بشأن الحر الشهيد : ص 37 .
البالغون الفتح في كربلاء 292

عجبا لحلم ألله جل جلاله هتكوا حجابك وهو بالمرصاد
عجبا لآل ألله صاروا مغنما لبني يزيد هدية وزياد(1)

وللسيد محمد الكشميري :
سقيت عداك الماء منك تحننا بأرض فلاة حيث لا يوجد الماء
فكيف إذا تلقى محبيك في غد عطائى من ألأجداث في دهشة جاؤوا(2)

الصلاة :


لما دخل وقت الظهر أمر ألإمام الحسين عليه السلام مؤذنه الحجاج بن مسروق الجعفي (3)أن يؤذن لصلاة الظهر فأذن ، وروى الصدوق في ألأمالي ، قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها إلى الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة فإلتفت فلم أر أحدا فقلت : ثكلت الحر أمه ، يخرج إلى قتال إبن رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم ويبشر بالجنة . فرهقه عند صلاة الظهر فامر الحسين عليه السلام إبنه : فأذن واقام (4)، ثم أقيمت الصلاة فقال ألإمام الحسين عليه السلام للحر : تريد أن تصلي بأصحابك ؟ قال : لا ! ولكن صل أنت ونحن نصلي وراءك . فصلى بهم ألإمام الحسين عليه السلام ثم دخل إلى خيمته وإجتمع به أصحابه وإنصرف الحر إلى جيشه وكل على أهبته فلما كان وقت العصر صلى بهم ألإمام الحسين عليه السلام ثم إنصرف فخطبهم وبعد الفراغ من الصلاة خطب فيهم وبعد أن حمد ألله واثنى عليه وصلى على النبي المختار (أما بعد أيها الناس أنكم إن تتقوا ألله وتعرفوا الحق

(1) مقتل المقرم : ص 182 .
(2) المصدر السابق .
(3) الحجاج بن مسروق الجعفي مؤذن ألإمام الحسين عليه السلام .
(4) محمد هادي الحائري : القول السديد : ص 38 نقلا عن الصدوق رضي ألله عنه ، بحار ألأنوار : ج18 ص 452 .
البالغون الفتح في كربلاء 293

لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولى بولاية هذا ألأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا فكان رأيكم ألآن على غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم إنصرفت عنكم)(1)وحثهم على السمع والطاعة له وخلع الولاء للأدعياء السائرين فيهم بالظلم والجور فقال له الحر بإستغراب : أنا وألله لا ادري ما هذه الكتب ولا من كتبها فأمر ألإمام الحسين عليه السلام عقبة بن سمعان بإحضارها فأحضر خرجين مملوءين كتبا فنشرها بين يديه وقرأ منها طائفة .
فقال له الحر : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك في شيء .

مشادة كلامية بين ألإمام الحسين عليه السلام والحر :


وعندما أراد ألإمام الحسين عليه السلام ألإنصراف منعه الحر وقال له أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيدألله بن زياد (لع) فقال ألإمام الحسين عليه السلام (الموت أدنى لك من ذلك).
ثم قال الحسين عليه السلام لأصحابه إركبوا ! فركبوا وركب النساء فلما أراد ألإنصراف إلى يثرب حال القوم بينه وبين ألإنصراف .
فقال ألإمام الحسين عليه السلام للحر : ثكلتك أمك ماذا تريد ؟
فقال له الحر أما وألله لو غيرك يقولها من العرب وهو على مثل الحالة التي أنت عليها لأقتصن منه ولما تركت أمه ولكن لا سبيل إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه(2).
فقال الإمام الحسين عليه السلام : فما تريد ؟

(1) القول السديد : ص 39 .
(2) بحار ألأنوار : ج 18 ص 493 .
البالغون الفتح في كربلاء 294

فقال : أريد أن أنطلق بك إلى عبيدألله .
فقال : إذا لا أتبعك .
قال : إذا وألله لا أدعك .
وتقاول القوم وتراجعوا فقال له الحر : إني لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على إبن زياد فخذ طريقا لا يقدمك الكوفة ولا يردك إلى المدينة وأكتب أنت إلى يزيد وأكتب أنا إلى إبن زياد إن شئت فلعل ألله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك (1).
قال : فأخذ ألإمام الحسين عليه السلام يسارا عن طريق العذيب والقادسيية والحر بن يزيد يسايره ويراقبه أشد المراقبة حتى حط موكبه عليه السلام البيضة(2)وهنا ألقى ألإمام الحسين عليه السلام خطابا على الحر وأصحابه بين فيه دوافع الثورة على يزيد ودعا القوم إلى نصرته فقال ( أيها الناس إن رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم ألله ناكثا لعهد ألله مخالفا سنة رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد ألله بألإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على ألله أن يدخله مدخله . ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود وإستأثروا بالفيء وأحلوا حرام ألله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيري وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وأنا الحسين بن علي وإبن فاطمة بنت رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم نفسي مع أنفسكم واهلي مع أهليكم فلكم

(1) الطبري : ج4 ص 605 .
(2) البيضة : تقع ما بين واقصة إلى عذيب الهجانات وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة .
البالغون الفتح في كربلاء 295

فيَّ أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وإبن عمي مسلم فالمغرور من إغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني ألله عنكم والسلام) ولما سمع الحر رضي ألله عنه خطابه فقال له : يا حسين إني أذكرك ألله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قتلت لتهلكن فيما أرى ، فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوفني ؟ وهل يعدوا بكم الخطب أن تقتلوني ؟ ولكن أقول لكم كما قال أخو ألأوس لإبن عمه وقد لقيه وهو يريد نصرة رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم فقال : أين تذهب فأنت مقتول ؟ (1)
فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورا وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه وجعل يسير بأصحابه ناحية عنه فإنتهوا إلى عذيب الهجانات وإذا سفر أربعة ـ أي أربعة نفر ـ قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يخبون ويجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له الكامل قد أقبلوا من الكوفة يقصدون ألإمام الحسين عليه السلام ودليلهم رجل يقال له الطرماح بن عدي فأتوا إلى ألإمام الحسين عليه السلام وسلموا عليه (2).
1 ـ نافع بن هلال المرادي الجملي .
2 ـ عمرو بن خالد الصيداوي .


(1) الطبري : ج4 ص 606 .
(2) حجة ألإسلام باقر شريف القرشي : حياة ألإمام الحسين عليه السلام ج3 ص 88 .
البالغون الفتح في كربلاء 296

3 ـ سعد مولى عمرو بن خالد .
4 ـ مجمع بن عبدألله العائذي .

فأراد الحر أن يحول بينهم وبين ألإمام الحسين عليه السلام فمنعه ألإمام الحسين عليه السلام من ذلك وصاح به ( إذا أمنعهم مما أمنع نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد جعلت لي أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب إبن زياد)فكف عنهم الحر فإلتحقوا بألإمام الحسين عليه السلام . فلما خلصوا إليه قال لهم : أخبروني عن الناس وراءكم فقال له مجمع بن عبدألله العائذي أحد النفر ألأربعة : أما اشراف الناس فهم إلب عليك لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستمل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك .
قال لهم هل برسولي علم ؟ قالوا من رسولك ؟قال قيس بن مسهر الصيداوي قالوا : نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى إبن زياد فأمره إبن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن إبن زياد وأباه ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فألقي من رأس القصر فمات فترقرقت عينا ألإمام الحسين عليه السلام وقرأ قوله تعالى : «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(1)
ثم قال : أللهم إجعل منازلهم الجنة نزلا وإجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك(2)

(1) سورة ألأحزاب ، ألآية 23 .
(2) الطبري ج 4 ص 607
البالغون الفتح في كربلاء 297

مع الطرماح :


ثم أن الطرماح بن عدي قال للحسين عليه السلام : يا بن رسول ألله أنا أخبر الطريق فقال الحسين عليه السلام (إذا سر بين أيدينا) وسار الطرماح يتقدم موكب ألإمام وهو يقول :
يا ناقتي لا تذعري من زجري وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر آل رسول ألله أهل الفخر
بماجد الجد رحيب الصدر أتى به ألله لخير أمر

وعرض الطرماح على ألإمام الحسين عليه السلام أن يسير معه إلى أحد جبلي طيء فقال له : أنظر فما معك ؟ لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة وإني لأرى هؤلاء القوم يسايرونك أكفاء لما معك فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك فأنشدك ألله إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فإفعل فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك ألله من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن ألأسود وألأحمر ، وألله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية ثم تبعث إلى الرجال من باجا وسلمى من طيء ثم معنا ما بدا لك فأنا زعيم بعشرة آلاف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم وألله لا يصل إليك أبدا وفيهم عين تطرف فقال له ألإمام الحسين عليه السلام جزاك ألله وقومك خيرا(1)وإستأذن الطرماح من ألإمام الحسين عليه السلام أن يمضي إليهم ليوصل إليهم الميرة ويعود إلى نصرته فأذن له وإنصرف إلى أهله فمكث أياما ثم قفل راجعا إلى ألإمام الحسين عليه السلام فلما وصل إلى (عذيب الهجانات) بلغه مقتل ألإمام فأخذ يبكي على ما فاته من شرف الشهادة(2).

(1) المصدر السابق : ص 608 .
(2) حياة ألإمام الحسين عليه السلام : ج3 ص 92 .
البالغون الفتح في كربلاء 298

رسالة إبن زياد إلى الحر :


ثم أن ألإمام الحسين عليه السلام تياسر في مسيره حتى إنتهى إلى عذيب الهجانات فإذا راكبا متنكب قوسا قد قدم من الكوفة فسلم على الحر ولم يسلم على ألإمام الحسين عليه السلام فدفع إلى الحر كتابا من إبن زياد جاء فيه (أما بعد فجعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك امري والسلام )(1). فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر : هذا كتاب ألأمير عبيدألله بن زياد (لع) يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره ألا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، فنظر إلى رسول عبيدألله يزيد بن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم البهدلي فعن له ، فقال : أ مالك إبن النسر البدي ؟ قال : نعم ـ وكان أحد كندة ـ فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك أمك ! ماذا جئت فيه ؟ قال : وما جئت فيه ! أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال أبو الشعثاء : عصيت ربك ، وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار(2)، قال ألله عز وجل «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ»(3)فهو إمامك .
قال السيد إبن طاوُس : فقام ألإمام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه ، فحمد ألله واثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال (أنه قد نزل بنا من ألأمر ما قد ترون وأن الدنيا قد تنكرت وتغيرت وأدبر معروفها وإستمرت جذّاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة ألإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل

(1) الطبري : ج 4 ص 609 .
(2) المصدر السابق .
(3) سورة القصص ، ألآية : 41 .
السابق السابق الفهرس التالي التالي