لينصرف . وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة ، فشد على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتى إرتفعوا عنها ، فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه ، فكان من أصحاب شمر فتعطف الناس عليهم فكثروهم(1).
قال أبو مخنف : إن زهير بن القين قاتل مع الحر قتالا شديدا ، فكان إذا شد أحدهما فإن إستلحم شد ألآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم إن رجالا شدت على الحر بن يزيد فقُتل(2).
شهادته :
روى الطبري : إن زهير برز إلى القتال وهو يقول :
أنا زهير وأنا إبن القين
أذودهم بالسيف عن حسين
قال ، وأخذ يضرب على منكب حسين ويقول :
أقدم هديت هاديا مهديا
فاليوم تلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا
وذا الجناحين الفتى الكميا(3)
وقاتل قتالا شديدا .
قال أبو مخنف : فشد عليه كثير بن عبدألله الشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه(4).
وينقل الشيخ السماوي في ألإبصار عن السروي في المناقب : أنه لما صرع زهير وقف عليه الحسين عليه السلام فقال : لا يبعدنك ألله يا زهير ،
(1) المصدر السابق : ص 636 .
(2) المصدر السابق : ص 637 .
(3) المصدر السابق : ص 638 .
(4) المصدر السابق .
البالغون الفتح في كربلاء
333
لعن ألله قاتليك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير(1).
تأمل :
إن زهير بن القين برز إلى القتال بعد الحر كما ورد في تاريخ الطبري وأمالي الصدوق وأنساب ألأشراف وإبصار العين إذ بينوا إن الحسين عليه السلام صلى صلاة الخوف بعد مقتل الحر ولما فرغ منها تقدم زهير وبارز . وروى الخوارزمي في المقتل إن خروج زهير بن القين كان بعد خروج الحجاج بن مسروق الجعفي ، أما بخصوص ألأعداد التي قتلها زهير رضي ألله عنه فقد ذكر الشيخ الصدوق أنه قتل من ألأعداء تسعة عشر رجلا أما إبن شهر آشوب والسيد محمد بن أبي طالب فيقولون أنه قتل مائة وعشرين رجلا وعلى كل حال فإن زهير بن القين قد حظى بمنزلة خاصة لدى ألأئمة عليهم السلام وإن السلام الوارد في زيارة الناحية المقدسة إذ ورد فيها (السلام على زهير بن القين البجلي ، القائل للحسين وقد أذن له بالإنصراف : لا وألله لا يكون ذلك أبدا ! أترك إبن رسول ألله أسيرا في يد ألأعداء وأنجوا ؟ لا أراني ألله ذلك اليوم (2).
وقد رثى الشيخ المرحوم محمد السماوي (3) زهير بن القين رضي ألله عنه بقوله :
هل كان زهير بن القين عثماني الهوى ؟! هذا السؤال طرحه الشيخ محمد جواد الطبسي (1): الشائع في سيرة زهير بن القين رضي ألله عنه أنه كان عثمانيا قبل إلتحاقه بألإمام الحسين عليه السلام والعثماني أو عثماني الهوى يومذاك مصطلح سياسي يعني ـ على ألأقل ـ التأييد الكامل لبني أمية في دعوى مظلومية عثمان بن عفان ، ومعاداة علي عليه السلام بسب ذلك ، ويعني ـ على ألأكثر ـ ألإشتراك في حرب أو أكثر ضد علي عليه السلام تحت راية المطالبة بالثأر لدم عثمان كما في الجمل وصفين .
والظاهر أن أقدم مصدر تأريخي وردت فيه ألإشارة بصراحة إلى عثمانية زهير بن القين هو تأريخ الطبري وأنساب ألأشراف للبلاذري فقد روى الطبري عن أبي مخنف عن الحارث بن حصيرة عن عبدألله بن شريك العامري بعض وقائع عصر تاسوعاء : كيف جاء شمر بأمان من عبيدألله بن زياد (لع) لأبي الفضل العباس وأخوته من أمه رضي ألله عنهم وكيف رفض العباس وأخوته رضي ألله عنهم هذا ألأمان ولعنوا شمرا ثم كيف أمر عمر بن سعد (لع) جيوشه بالزحف نحو معسكر أبي عبدألله عليه السلام بعد صلاة العصر ذلك اليوم ثم كيف أمر ألإمام الحسين عليه السلام أخاه العباس عليه السلام أن يأتي القوم فيسألهم عما جاء بهم فأتاهم العباس فإستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر .
فقال لهم العباس : ما بدا لكم وما تريدون ؟
قالوا : جاء أمر ألأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم !
قال فوقفوا ، ثم قالوا : إلقه فأعلمه ذلك ثم إلقنا بما يقول .
(1) المجموعة الموضوعية : ج3 ص 207
.
البالغون الفتح في كربلاء
335
فإنصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره بالخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين : كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم .
فقال حبيب بن مظاهر : أما وألله لبئس القوم عند ألله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه صلى ألله عليه وآله وسلم وعترته وأهل بيته عليهم السلام وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بألأسحار والذاكرين ألله كثيرا ! فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما إستطعت !
فقال له زهير : إن ألله قد زكاها وهداها ، فإتق ألله يا عزرة ، فإني لك من الناصحين أنشدك ألله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية !
قال : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا !
قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟ أما وألله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا يخفى ما في هذه العبائر من تعبير زهير رضي الله عنه لعزرة بن قيس ، لأن هذا ألأخير كان من جملة الذين كتبوا للإمام عليه السلام في مكة واعدين إياه بالنصر ! (راجع : تاريخ الطبري ) ولا أرسلت إليه رسولا قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن الطريق جمع بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق ألله وحق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ....) (تاريخ الطبري ج4 ص 617 ) .
وأما البلاذري فقد قال : (قالوا : وكان زهير بن القين البجلي بمكة وكان عثمانيا فإنصرف من مكة متعجلا فضمه الطريق وحسينا فكان
البالغون الفتح في كربلاء
336
يسايره ولا ينازله ، ينزل الحسين عليه السلام في ناحية وزهير في ناحية ، فأرسل الحسين عليه السلام إليه في إتيانه فأمرته إمرأته دلهم بنت عمرو أن يأتيه فأبى ! فقالت : سبحان ألله ! أيبعث إليك إبن بنت رسول ألله فلا تأتيه ؟! فلما صار إليه ورجع إلى رحله قال لإمرأته ، أنت طالق ، فإلحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خيرا . ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد وصار مع الحسين عليه السلام ؟) . (أنساب ألأشراف ج3 ص 378 ـ 379 ) .
كما أن الطبري أيضا حدثنا كذلك عن كراهية زهير رضي الله عنه أن ينزل مع ألإمام عليه السلام نفس منازله في الطريق ، فبما رواه أبي مخنف ، عن السدي ، عن رجل من بني فزارة : (كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عليه السلام ، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسين عليه السلام تخلف زهير بن القين ، وإذا نزل الحسين عليه السلام تقدم زهير ، حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بد من أن ننازله فيه ..) (تاريخ الطبري ج4 ص 632 ) .
وساعد على ذلك أيضا في رواية الدينوري أن زهيرا أبى أن يذهب إلى لقاء ألإمام عليه السلام حين إستدعاه في زرود : (فأبى أن يلقاه) (ألأخبار الطوال ص 246) .
ولنا في كل هذا الكلام :
1 ـ رواية منازل الطريق التي رواها الطبري عن (رجل من بني فزارة!) فضلا عن ضعف سندها ـ بمجهولية الفزاري ـ لا يستقيم محتوى متنها مع الحقيقة التأريخية والجغرافية ، ذلك لأن زهير بن القين رضي ألله عنه كان عائدا من مكة إلى الكوفة بعد ألإنتهاء من أداء الحج فلو فرضنا أنه قد خرج من مكة بعد إنتهاء مراسم الحج مباشرة فإنه يكون قد خرج منها في اليوم الثالث عشر من ذي
البالغون الفتح في كربلاء
337
الحجة على ألأقوى وبهذا يكون الفرق الزمني بين يوم خروجه ويوم خروج ألإمام عليه السلام منها خمسة أيام على ألأقل ، وإذا كان هذا فكيف يصح ما في متن الرواية : (كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عليه السلام ! ...) ويؤيد هذا ما رواه الطبري في تأريخه ج4 ص 632 عن الرجلين ألأسديين (لما قضينا حجنا لم يكن لنا همة إلا أللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه ، فأقبلنا تُرقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقنا بزرود ..)الدال ـ فأقبلنا حسب الظاهر ـ أنهم سايروا ألإمام عليه السلام من مكة !؟
أما رواية البلاذري فيكفي في عدم ألإعتماد عليها أنها مأخوذة عن وكالة أنباء (قالوا) !
ولو أننا إفترضنا أن زهير بن القين رضي ألله عنه بادر بعد الفراغ من أداء مناسك الحج (فإنصرف من مكة متعجلا) ـ على ما في رواية البلاذري ـ وجد السير لا يلوي على شيء فإن الفارق الزمني في أثره على الفارق المكاني قد لا يتغير ويبقى كما هو على ألأقوى لأن الإمام عليه السلام ـ حسب متون تأريخية عديدة ـ كان قد خرج من مكة يجد أيضا نحو العراق ولا يلوي على شيء !
من هنا فإننا نحتمل إحتمالا قويا أن المنازل التي إشترك فيها ألإمام عليه السلام مع زهير بن القين رضي الله عنه هو منزل زرود نفسه لا بسبب هو المنزل ألأول الذي يمكن أن يكونا معا ! يعني أول المنازل التي يمكن لزهير رضي الله عنه ـ بسبب تعجله ! ـ أن يدرك ألإمام عليه السلام عنده .
2 ـ من المؤرخين من روى قصة لقاء ألإمام عليه السلام مع زهير رضي ألله عنه دون أن يرد في روايته أي ذكر لإمتناع زهير رضي ألله عنه من الذهاب إليه عليه السلام كما ذكر الدينوري : (فأبى أن يلقاه !) والبلاذري : فأمرته إمرأته ديلم
البالغون الفتح في كربلاء
338
بنت عمرو أن يأتيه فأبى ! هذا ألإمتناع المفسَّر على أساس عثمانية زهير رضي الله عنه !
فها هو إبن أعثم الكوفي ـ المعاصر لكل من الطبري والدينوري والبلاذري ـ يروي قصة هذا اللقاء ـ بدون اي ذكر للعثمانية أو للإمتناع ـ قائلا : (ثم مضى الحسين عليه السلام فلقيه زهير بن القين ، فدعاه الحسين عليه السلام إلى نصرته فأجابه لذلك ، وحمل إليه فسطاطه ، وطلق إمرأته ، وصرفها إلى أهلها وقال لأصحابه : إني كنت غزوت بلنجر مع سلمان الفارسي فلما فتح علينا إشتد سرورنا بالفتح فقال لنا سلمان : لقد فرحتم بما أفاء ألله عليكم ! قلنا نعم .
قال : فإذا أدركتم شباب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه منكم بما أصبتم اليوم . فأنا أستودعكم ألله تعالى ! ثم ما زال مع الحسين عليه السلام حتى قتل ) (مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ج1 ص 323 ) .
3 ـ لم يحدثناالتأريخ في إطار سيرة زهير بن القين رضي ألله عنه عن أي واقعة أو حدث أو محاورة أو تصريح من زهير نفسه تتجلى فيه هذه العثمانية التي ألصقت فيه ! مع أن ألآخرين ممن عُرفوا بعثمانيتهم كانوا قد عرفوا بها من خلال آرائهم ومواقفهم وإشتراكهم في حرب أو أكثر ضد علي عليه السلام !
4 ـ وإذا تأملنا جيدا في ما قاله عزرة بن قيس لزهير رضي ألله عنه وما رد به زهير رضي الله عنه ـ على ما في رواية الطبري ـ يتجلى لنا أن زهير بن القين رضي الله عنه لم يكن عثمانيا في يوم من ألأيام ! ذلك لأن زهير رضي الله عنه أجاب الذي إتهمه بالعثمانية فيما مضى قائلا : (أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم !؟) أي من أهل هذا البيت عليهم السلام رأيا وميلا وإنتماءً .
البالغون الفتح في كربلاء
339
ولم يقل له مثلا : نعم كنت عثمانيا كما تقول ، ثم هداني ألله فصرت من أتباع أهل هذا البيت عليهم السلام وأنصارهم ، أو ما يشبه ذلك .
بل كان في قوله : (أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم) نفي ضمني لعثمانيته مطلقا في الماضي والحاضر ، ثم إن سكوت عزرة بعد ذلك عن الرد كاشف عن تراجعه عن تهمة العثمانية فتأمل .
5 ـ إن التأمل يسيرا في أقوال زهير بن القين رضي الله عنه وفي قول زوجته وموقفها ، يكشف أن زهيرا رضي ألله عنه وزوجته كانا يعرفان حق أهل البيت عليهم السلام وتعمر قلبيهما مودتهم ، تأمل في قوله لزوجته ـ على ما في رواية السيد إبن طاوُس ـ (وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بنفسي وأقيه بروحي ) وفي قولها له : (كان ألله عونا ومعينا ، خار ألله لك ، أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين عليه السلام !) أو قوله لها ـ على ما في رواية الدينوري ـ : (فإني قد وطنت نفسي على الموت مع الحسين عليه السلام ؟) وقوله لأصحابه : (من أحب منكم الشهادة فليقم ..) ، وإخباره إياهم بحديث سلمان الفارسي رضي ألله عنه ـ على ما في رواية ألإرشاد ـ : (إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم ..) !
وتأمل بتعمق أكثر في قوله : ( وطنت نفسي على الموت مع الحسين عليه السلام) وقوله : (من أحب منكم الشهادة فليقم ...) وقول زوجته : (أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام ) وقوله لأصحابه : (من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد !) تجد أن هذه العائلة الكريمة كانت على علم بأن ألإمام عليه السلام سيستشهد في سفره هذا مع أنصاره من أهل بيته واصحابه ، وذلك قبل أن تظهر في ألأفق معالم ألإنكسار الظاهري ، وخذلان أهل الكوفة ، وذلك أن يصل إلى ألإمام عليه السلام نبأ مقتل مسلم بن عقيل رضي ألله عنه وهانئ بن عروة رضي ألله عنه وعبدألله بن يقطر رضي ألله عنه
البالغون الفتح في كربلاء
340
وهذا كاشف عن أن زهيرا رضي ألله عنه كان ذا عناية وإهتمام بأخبار ألإمام الحسين عليه السلام ومتابعا لأنباء مستقبل حركته وقيامه ، حتى لو فرضنا أن زهيرا كغيره من الناس كان قد سمع بأخبار الملاحم المتعلقة بنهضة الحسين عليه السلام وإستشهاده أو سمع من نفس ألإمام عليه السلام بعض خطبه في مكة التي كان قد اشار فيها عليه السلام إلى إستشهاده .
أضف إلى ذلك : أن صاحب كتاب (أسرار الشهادة) نقل هذه الواقعة قائلا : (قيل : أتى زهير إلى عبدألله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل فقال له : يا أخي ناولني الراية !
فقال له عبدألله : أو فيَّ قصور عن حملها !؟
قال : لا ولكن لي بها حاجة !
قال : فدفعها إليه وأخذها زهير وأتى تجاه العباس إبن أمير المؤمنين عليه السلام .
وقال : يابن أمير المؤمنين أريد أن أحدثك بحديث وعيته !
فقال : حدث فقد حلا وقت الحديث ! حدث ولا حرج عليك فإنما تروي لنا متواتر ألإسناد !
فقال له : إعلم يا ابا الفضل أن أباك أمير المؤمنين عليه السلام لما اراد أن يتزوج بأمك أم البنين بعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفا بأنساب العرب ، فقال له : يا أخي ، أريد منك أن تخطب لي إمرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي أصيب منها ولدا شجاعا وعضدا ينصر ولدي هذا ـ واشار على الحسين عليه السلام ـ ليواسيه في طف كربلاء ! وقد إدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن إخوتك ..) (أسرار الشهادة ص 334) فإذا صحت هذه الرواية فإن هذا الحديث الذي (وعاه ) زهير رضي ألله عنه ورواه للعباس عليه السلام كاشف عن أن
البالغون الفتح في كربلاء
341
زهير رضي الله عنه على إطلاع منذ سنين بأخبار ووقائع البيت العلوي ، وقد وعى أنباءهم وعيا وأنه رضي ألله عنه كان على قرب من أهل هذا البيت المقدس غير متباعد عنهم !
أفيمكن أن يكون مثل هذا الرجل عثمانيا !؟
إننا نستبعد ذلك بقوة ! وهذا مبلغ علمنا ألآن ! ولعل من أهل البحث والتحقيق من يأتي بعدنا ويتتبع ألإشارات التي قدمناها بتوسع أكبر وتعمق أكثر ويصل إلى مصادر لم نصل إليها ، وينتبه إلى ما لم ننتبه إليه ، فيجلي أبعاد هذه القضية التأريخية بوضوح أتم ، فيزيد من كمال الصورة وكم ترك ألأول للآخر !
وسلام على زهير بن القين يوم ولد ويوم إستشهد ويوم يبعث حيا .
دليلا يدلهم الطريق . فخرج بهم على طريق متنكبة ، وسار بهم سيرا عنيفا من الخوف لأنهم علموا أن الطريق عليه عيون فإلتقوا ألإمام الحسين عليه السلام في عذيب الهجانات فسلموا عليه وقد حدا بهم الطرماح فقال :
يا ناقتي لا تذعري من زجري
وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر
حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر
أتى به ألله لخير أمر
فقال لهم ألإمام الحسين عليه السلام : أما وألله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد ألله بنا ، قتلنا أو ظفرنا (1).
إستشهاده :
ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين : يا أبا عبدألله ، جعلت فداك قد هممتُ ، أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيدا فريدا بين أهلك قتيلا .
فقال له الحسين عليه السلام : (تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة) فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان ألله عليه (2). ولم يذكر له رجزا.
توضيح :
يبدو أن صاحب المجموعة الموضوعية حصل لديه خلط بين عمرو إبن خالد ألأزدي وبين عمرو بن خالد الصيداوي . فترجمته للصيداوي في ج3 ص 268 من المجموعة جاءت بشكل صحيح أما في الجزء 4 في هامش ص 289 أضاف رأي إبن شهر آشوب الوارد في المناقب فحصل
(1) الطبري : ج4 ص 606 .
(2) السيد إبن طاوُس : الملهوف ص 163 ـ 164 وكذلك العظيمي في ألإيقاد نهاية الفصل الثامن كما نقل عنه السيد بحر العلوم في المقتل ص 414.
البالغون الفتح في كربلاء
343
عنده إشتباه حيث أن عمرو بن خالد ألأزدي غير عمرو بن خالد الصيداوي وينقل د . لبيب بيضون في الموسوعة ج2 ص 79 عن السيد ألأمين في لواعج ألأحزان ص 132 قوله أنه يوجد شخص ثالث بإسم مشابه وهو (عمرو بن خالد الصيداوي) وقد إستشهد بعد جون . أما الطبري ص 642 يذكر عن أبي مخنف قال : لما إلتحم القتال بين ألإمام الحسين عليه السلام ومعسكر إبن سعد شدّ الصيداوي عمرو بن خالد وجابر بن حارث السلماني وسعد مولى عمرو بن خالد ومجمع بن عبدألله العائذي وقاتلوا في أول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس فلما وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم فلما نظر الحسين عليه السلام إلى ذلك إنتدب إليهم أخاه العباس فحمل عليهم العباس بن علي فإستنقذهم فجاؤوا وهم جرحى فلما كانوا في اثناء الطريق والعباس يتقدمهم رأوا عدوهم تدانى إليهم ليقطع عليهم الطريق فأنسلوا من العباس وشدوا على العدو بأسيافهم فقاتلوا شدة واحدة على ما بهم من جراحات حتى قتلوا في مكان واحد فتركهم العباس عليه السلام ورجع إلى الحسين عليه السلام فأخبره بذلك فترحم عليهم ألإمام الحسين عليه السلام وجعل يكرر ذلك .
إنه هو الذي ذكر في الرجبية بعنوان (السلام على عمرو بن خلف وسعيد مولاه) وخلف تصحيف خالد . لحق بالحسين عليه السلام مع مولاه عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي وآخرين فإنتهوا إلى الحسين عليه السلام وهو بعذيب الهجانات بعد لقائه مع الحر بن يزيد الرياحي وقبيل وصوله إلى كربلاء وقد أراد الحر منعهم من أللحاق بالحسين عليه السلام فلم يتمكن من ذلك (1).
(1) الشيخ محمد مهدي شمس الدين : أنصار الحسين عليه السلام ص 90 .
(2) ألإبصار : ص 113 .
(3) السماوي : ص 101 .
البالغون الفتح في كربلاء
345
عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ{30} مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ{31} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ{32} يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{33}» يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم ألله بعذاب «وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى»(1). قال السيد إبن طاوُس : ثم إلتفت إلى الحسين عليه السلام وقال أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا ؟ فقال له الحسين عليه السلام : يا بن أسعد رحمك ألله ، إنهم قد إستوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق . ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم ألآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين ! قال : صدقت ، جعلت فداك ! أنت أفقه مني وأحق بذلك ، أفلا نروح إلى ألآخرة ونلحق بإخواننا ؟ فقال : رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى فقال : السلام عليك يا ابا عبدألله صلى ألله عليك وعلى أهل بيتك وعرّف بيننا وبينك في جنته فقال : آمين آمين ، فإستقدم فقاتل وهو يرتجز (2):
يا شر قوم حسبا وزادا
وكم ترومون لنا العنادا
ويضيف السيد بحر العلوم نقلا عن القندوري في ينابيع المودة أنه قتل جماعة كثيرة حتى قتل (3).
ويلتفتان إلى الحسين عليه السلام فيقولان : السلام عليك يابن رسول ألله . ويقول الحسين عليه السلام : وعليكما السلام ورحمة ألله وبركاته ، ثم جعلا يقاتلان جميعا وإن أحدهما ليحمي ظهر صاحبه حتى قتلا (1).
فلم يزالا يقاتلان حتى قتلا .
وقال السروي : إن عبدألله قتل في الحملة ألأولى وعبدالرحمن قتل مبارزة . وقال غيره : إنهما مبارزة وهو الظاهر من المراجلة(2).
أما الشيخ محمد مهدي شمس الدين فإنه يقول : (ذكره إبن شهر آشوب في عداد قتلى الحملة ألأولى . وقد رجح التستري إتحاده مع «عبدألله بن عزرة بن حراق الغفاري ـ قاموس الرجال : ج6 ص 79»ونرجح نحن خلافه ، فإن ألأخوين الغفاريين إبني حراق ذكرا في المصادر على أنهما ممن قُتل مبارزة ، وصرحت المصادر أنهما قتلا معا . ويشهد لذلك كلمة الخوارزمي «فبقي في هؤلاء القوم الذين يذكرون في المبارزة»)(3).
وألأخوان إبنا حراق يذكران في المبارزة، وإذن فلم يقتل المسمى منهما (عبدألله..) في الحملة ألأولى ، وهو ما قاله إبن شهر آشوب بالنسبة إلى (عبدألله بن عروة) والظاهر أنهما كانا من أواخر الرجال إستشهادا (إذا إعتبرنا الترتيب الذي يذكره أرباب المقاتل بقولهم : ثم برز فلان . ثم برز فلان .. دالا على ترتيب حقيقي حدث في التاريخ ) . ومع ذلك فإننا نشك في كون هذا ألإسم يدل على مسمى تاريخي بسبب تفرد إبن شهر آشوب بذكره (4).