علي الاكبر 40

الحلم

كان النبي صلى الله عليه وآله عند الأذى واسراف الجاهل فيه ذلك الحليم الصابر اللين الجانب يغضي عن البطش مع القدرة حتى قيل له يوم احد لما كسرت رباعيته وشج وجهه :
لو دعوت عليهم لأبادهم الله .
فانتهر القائل وقال :
خوشيت أن أكون لعاناَ ، لم يبعثني ربي إلا داعياً ورحمة :
ثم رفع يديه يقول :
اللهم اهد قومي فانهم لايعلمون أني نبي (1) .

(1) ابن دحلان في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 3 ص 267 .
علي الاكبر 41

فجمعت كلمته هذه مراتب الفضل والاحسان حيث لم يقتصر في العفوعنهم بالسكوت حتى دعا لهم بالهداية والتوفيق ثم اعتذر عنهم بالجهل .
ولما تمكن يوم الفتح من قريش جمعهم وهم لايشكون في استئصال شأفتهم فقال ما تظنون أني فاعل بكم ؟
قالوا خيراً إنك أخ كريم وابن أخ كريم .
فقال لهم أقول كما قال أخي يوسف لاتثريب عليكم اليوم اذهبـوا فأنتم الطلقـاء (1) .
ووقف عليه في بعض مغازيه غورث بن الحارث وبيده السيف فقال ما يمنعك مني يامحمد ؟
فقال صلى الله عليه وآله : الله العظيم .
فسقط السيف من يده وتناوله النبي وقال له ما يمنعك مني الآن قال العفوعند المقدرة فـخلى سبيله وذهب الرجل إلى أصحابه يقول جئتكـم من عند أحـلم الناس (2) .
وفي يوم خبير لما قسم الغنائم قال له بعض أصحابه اعدل يا محمد فقال ويحك لقد خسرت الصفقة إن لم أكن

(1) السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 3 ص 273 .
(2) مسند أحمد من حديث جابر .
علي الاكبر 42

عادلاً وأراد بعض الصحابة قتله فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وقال معاذ الله ان يتحدث الناس بأني أقتل أصحابي إني احب أن أكون سليم الصدر (1) .
وكان سعنة من أحبار اليهود أقرض رسول الله وجاء يتقاضاه قبل الأجل وأغلظ في كلامه فأراد من حضر قتله فقال انه لم يحل الأجل ولكن اعطوه دينه وزيدوه عشرين صاعاً لما روعتموه فلما رأى اليهودي هذا من النبي أسلم ولازمه إلى أن استشهد في غزوة تبوك (2) .

(1) احياء العلوم ج 2 ص 336 .
(2) الروض الآنف ج 1 ص 142.
علي الاكبر 43

التواضع

وكان صلى الله عليه واله أشد الناس تواضعاً حتى خير بين أن يكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً ولا ينقصه مما عند ربه تعالى شيئاً فاختار أن يكون عبداً متواضعاً وكان يكره القيام له إذا خرج الى أصحابه ويقول انه من فعل الأعاجم .
وإذا دخل النادي جلس من حيث يدخل ويجلس على الأرض يأكل عليها ويقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس ولو دعيت إلى كراع لأجبت ويتفقد أصحابه ويعطي جلساءه نصيبهم ويجلس مختلطاً بهم حتى كأنه احدهم دخل عليه رجل فارعد من هيبته وبهائه فقال له صلى الله عليه واله :
هون عليك إني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من

علي الاكبر 44

قريش (1) .
وأنت تعرف ما في كلمته الثمينة « أنا ابن امرأة » من التخفيض لمقامه العالي ليسكن حال الرجل ولو قال له أنا ابن عبد المطلب لكبر في عينه مقام النبوة اكثر فيزداد اضطرابه وهو خلاف المقصود له .

(1) احياء العلوم للغزالي ج 2 ص 338 .
علي الاكبر 45

الكرم

ويكفينا شاهداً على نائلة الغمر وجوده المتدفق ما يؤثر عنه صلى الله عليه وآله :
« أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شيء أبغض إلى الله من البخل وسوء الخلق » .
وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام :
كان النبي أجود الناس كفاً وأكرمهم عشيرة وأصدقهم لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة من رآه هابه ومن خالطه بدون معرفة أحبه وماسئل عن شيء إلا أعطاه .
أعطى رجلاً من الغنم ما سد بين جبلين فرجع الى قومه يدعوهم الى الاسلام وعرفهم بأن النبي صلى الله عليه وآله يعطي مالا يخشى الفاقة بعده .

علي الاكبر 46

ولما قفل من حنين راجعاً جاءت الأعراب يسألونه حتى اضطروه الى شجرة فخطفت رداؤه فوقف صلى الله عليه وآله بغير رداء وقال اعطوني ردائي والله لوكـان لي عدد هذه العضاة نعماً لقسمـتها بينكم ثم لاتجدوني بخيلاً ولاكذاباً ولا جباناً (1) .

(1) احياء العلوم ج 2 ص 337 .
علي الاكبر 47

الشجاعة

أما الشجاعة والنجدة فكان بالمحل الذي لايجهل عند مشتبك النصول ومستن النزال فهو من أشد الناس بأساً وأمضاهم عزيمة .
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
كان المسلمون يوم بدر يلوذون بالنبي كلما اشتدت الحرب وهو أمامهم وفي يوم احد لما كانت الدبرة على المسلمين قاتل صلى الله عليه وآله بمالم يسمع بمثله حتى كسرت رباعيته وادميت شفتيه ، وفي يوم حنين حين حمي الوطيس واشتد القراع وتداخلهم الرعب وفروا بأجمعهم كأنهم حمر مستنفرة ورسول الله ثابت لايفر مقبل غير مدبر راكب بغلته الشهباء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجام البغلة والنبي يقول :

علي الاكبر 48

أنا النبي لاكـذب أنا ابن عبد المطلب

فما هاب جمعاً ولا أوهنه هزيمة أصحابه وجال في الميدان جولة الأسد الغضبان ومعه علي بن ابي طالب عليه السلام حتى التحق بهما المسلمون وكان الفتح لنبي الله الظافر .

علي الاكبر 49

البلاغة

ولم يجاره أحد في البلاغة والاتيان على مقتضى الحال وهو القائل : أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد .
نطق بهذه الكلمة الجامعة على حين أن مراجل الأحقاد تغلي عليه وتتربص به أعداؤه الفرص لنقض قوله ومجابهة هتافه فلم يجد أي أحد عليه نقصاً في كلمة شاذة لهج بها أو جملة ركيكة جاء بها كما أخذوا على غيره كمسيلمة وأمثاله فلم يسع العرب يومئذ إلا الخضوع له والحكم بأن ماصدر من انشائه مثل« الذكر الحكيم » مع حفظ التفاوت الواضح بين كلام الخالق والمخلوق والدواعي متوفرة لنقل ذلك لو كان .
فهو صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد كما

علي الاكبر 50

وصف نفسه المقدسة وأبلغهم مطابقة لمتضيات الأحوال .
وأما قوله صلى الله عليه وآله :« بيد اني من قريش » فقد جرى فيه على عادة العرب من الاتيان بالمدح في صورة العيب فلا استثناء أأكد في الأطراء لأنهم يرون انه لوكان في الممدوح عيب فهو هذا والحال انه فضيلة فلاعيب فيه وهذا على حد قول الشاعر :
ولاعيب فيهم غير قبضهم اللوى عند اشتباك الحرب قبض ضنين

ويقول الآخر :
ولاعيب فيهم غير ان سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

لقد انفرد الرسول الأقدس بما اوتي من الفصاحة وحسن البيان حتى استطاع أن يخاطب جميع القبائل بلغاتها وعلى مذهبها وكان في خطابه إياهم بلحونهم أحسنهم بياناً واقومهم منطقاً ولم يذكر التاريخ ان انساناً لم يمارس الكتابة ولارحل في طلب معرفة اللغاة يستطيع التفوق على أهلها في وضوح الحجة وظهور البرهان مثل رسول الله صلى الله عليه وآله ولا غرو فقد منحه « المهيمن جلت آلاؤه» سلامة الفطرة وصفاء الحس ونفاذ البصيرة ومكنه من الاحاطة باللغات جمعاء على

علي الاكبر 51

الوجه الأكمل فكان في أدائها قوي العارضة لاتغيب عنه لغة ولاتضطرب له عبارة ولاينقطع له نظم ولا يشوبه تكلف .
اوتي الحكمة البالغه وهو امي لم يقرأ كتاباً ولا درس علماً ولا صحب عالماً ولا معلم فكان ما يأتي به من الاتقان وحسن الاداء ما أبهر العقول وأهذل الادباء .
إني لاأقول انه صلى عليه وآله امي لايعرف الكتابة لأنها صفه كمال ويجل مثله ان يفقدها وقد جمع صفات الكمال بأسرها وبذ العالم في المحامد والمحاسن ، لكني أقول ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختلف الى حبر فيستفيد من علمه ولا اجتمع بكاهن ليأخذ كهانته ولاصاحب من يعرف الحساب والكتابة والأخبار ولا نشأ بين أقوام لهم مدارسة في العلوم ليكون عنده من علومهم وهذا دليل واضح على اتيانه بما تعجز عنه العلماء واهل البلاغة والفصاحة ومن له المعرفة بسائر الفنون وقد تنبه لهذه الظاهرة شيخنا المفيد أعلى الله مقامه فسجلها في كتابه « المقالات» درة ثمينة وحقيقة راهنة يستفيد القراء منها طريق الرشد لقد خبط الباحثون في هذا فلم يأتو فيه نجعة المرتاد فاثبتو جهله ـ والعياذ بالله ـ حتى بمعرفة أسمه ففي يوم « الحديبية » حيث لم يتمكن من معرفة اسمه فيمحوه وضع أمير المؤمنين اصبعه عليه فمحاه وعدوا هذا مما تتوقف عليه الدعوة الإلهية وهو

علي الاكبر 52

جهل منه بمقام نبينا الأقدس الذي بذ الأنبياء في صفات الحمد وآيات الجلال :
أي خلـق الله اعـظـم مـنه وهـو الغايـة التي استقصاها
قلـب الخافقين ظهـراً لبطن فرأى ذات احـمد فـجتبـاها
ذات علم بكل شيء كان اللو ح مـا أثــبتتـه الايـداهـا
علـم تلحـظ العوالـم منـه خير من حـل ارضها وسماها
ما تـناهـت عوالم العلم إلا

والـى ذات احـمد منتهـاهـا
وغـدت تنشر الفضائل عنه كـل قـوم على اختلاف لغاها
وتنادت بـه فـلاسفة الكهان حـتى وعـى الاصـم نـداها (1)

لقد كان كلامه صلى الله عليه وآله مرتلاً واضحاً عليه مخايل النبوة والمنحة الإلهية وفيه من روعة الفصاحة وعذوبة

(1) الشيخ محمد كاظم الازري البغدادي رحمه الله .
علي الاكبر 53

المنطق وسلامة النظم ما تعجب منه كل من سمعه . حتى قال له بعضهم :
لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم فمن أدبك ؟
فقال صلى الله عليه وآله :
لقد أدبني ربي فاحسن تاديبي .
فمن كلامه الذي لايجارى في حسن إيجازه :
قوله : الناس بزمانهم اشبه ، العقل ألوف مألوف ، العدة عطية ، اليد العليا خير من السفلى ، الخير كثير وقليل فاعله ، اذا اراد الله بعبداً خيراً جعل له واعظاً من نفسه ، ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فالمنجيات : خشية الله في السر والعـلانية والاقتصاد في الغنى والفقر ، والحكم بالعدل في الرضا والغضب ، والمهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه .
هذه لمعة من كلامه وانت لاتجده إلا مقتصراً على قدر الكفاية غير مترسل هذراً ولامحجم حصراً يأتي بأقوم دليل وأوضح تعليل كيف لاوهو القائل .
اوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً .
لقد امتاز الرسول الأعظم عن سائر الأنبياء والرسل بما

علي الاكبر 54

أودع المهيمن تعالى فيه من خلال الجمال وصفات الجلالة فكانت احاديثه واعماله شاملة لما يحتاجه البشر في معاشهم ومعادهم واعماله مصدقة لأقواله لاتناقض فيها فهي نبراس لبني الانسان يستضيئون بها على ممر الدهور ولولا ما جاء به « النبي محمد » صلى الله عليه وآله من الشمائل الإلهية والأعمال الحكيمة لم يفهم العالم قدر النبوة والأنبياء فأحرى بمن ينصح للناس أن يكون صابراً على احتمال الأذى والتجلد له راكباً متن الأهوال في سبيل رأيه وعقيدته واقفاً موقف العدل في احكامه فلم يغل كما فعلت النصارى ولم يقصر كما صنعت اليهود ولم يمل بأصحابه الى الدنيا ولا رفضها عن آخرها بل أمرهم بالاعتدال فيها فقال :
خيركم من لم يترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا .
' وكان يكرم كريم قوم ويوليه امرهم ويقبل معذرة المعتذر .
روى المؤرخون ان كعب بن زهير كتب إلى أخيه بحير حين أسلم يلومه ويعتب عليه ، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه إلى أخيه اهدرالنبي دم كعب فأشفق كعب على نفسه إذ لم يجد أحداً يأويه حتى عشيرته قصد المدينة ونزل على أمير المؤمنين تائبا مما فرط .

علي الاكبر 55


فطمنه « أبو الحسن » عليه السلام بقبول الرسول الكريم توبته ولما اخبره أمير المؤمنين بما جاء به كعب من الندم والتربة أنعم صلى الله عليه وآله بالقبول .
فصاح كعب بن زهير آمنت وأسلمت فسر رسول الله وعفا عنه ونهر من طلب قتله .
فوقف زهير أمام النبي صلى الله عليه وآله وأنشده« بانت سعاد» يمدحه فيها ويذكر خوفه الى أن وصل إلى قوله :
ان الرسـول لنور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول
نبئت ان رسـول الله اوعدني والعفوعـند رسول الله مأمول

فرمى رسول الله صلى الله عليه وآله ببردته تكريماً له ولرفع العادية عنه (1) .

(1) في السيرة الحلبية ج 3 ص 242 في باب مايتعلق بالوفود ان معاوية دفع لكعب عشرة آلاف دينار فلم يبعها كعب حرصاً على هدية النبي صلى الله عليه وآله ولكن معاوية اشتراها من ورثة كعب بعشرين ألف دينار وتوارثها خلفاء بني أمية والعباس وأول من اشتراها من بني العباس السفاح بثلثمائة دينار فكانوا يطرحونها على اكتافهم جلوساً وركوباً وكانت على المقتدر حين قتل قتلوثت بالدم وفي هذا =
علي الاكبر 56

ولا عجب من النبي فقد جاء بالرحمة والرأفة وعلم الكتاب وانذر وبشر وبالغ في النصيحة وقام بالهداية وانقذ من العماية ودعا إلى الفلاح والنجاح وفي ذلك يقول سبحانه :
« ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعززوه ونصـروه واتبعوا النـور الذي انزل معه اولئك هـم المفلحـون » (1) .
= يقول الشريف الرضي :
ردوا تراث محمد ردوا ليس القضيب لكم ولا البرد
وحكى عن ابن كثير ان التتر اخذوها بعد فتح بغداد .
(1) سورة الأعراف الآيات : 156 ـ 157
علي الاكبر 57

الأكبر يشبه الرسول

هذه أخلاق صاحب الدعوة الإلهية التي منحه المهيمن سبحانه بها فبذ العالم اجمع وامتاز على الانبياء والرسل واستكبرها المولى تعالى فوصفها بالعظمة إذ يقول فيها : «وإنك لعلى خلق عظيم »(1) .
ولم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي صلى الله عليه وآله له في جميع الصفات إلا ولده الأكبر .
يحدث السروي عن جابر الأنصاري ان فاطمة الزهراء تشبه أباها في المشية فانها تميل على الجانب الأيمن مرة وعلى الأيسر اخرى (2) .
ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة

(1) سورة القلم : الاية 4 .
(2) المناقب ج 2 ص 112 إيران .
علي الاكبر 58

والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة (1) .
وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجعفر الطيار اشبهت خلقي وخلقي (2) .
ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب ان الحسين قال في حق الرضيع : اللهم انت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله .
وهذه الشواهد كلها لاتدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة .
لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر :
اللهم اشهد انه برز إليهم أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا إليه (3) .
ترشدنا الى ان فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي ومثال كماله الاسمى وانموذجاً من منطقه البليغ الرائع

(1) الخصال ج 1 ص 39 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 211 .
(3) اللهوف للسيد ابن طاووس ص 63 صيدا .
علي الاكبر 59

حتى ان أباه عليه السلام اذا اشتاق الى رؤية ذلك المحيا الابهج الذي يقول فيه حسان مصرحاً بالحقيقة غير مبالغ :
واحسن منك لم ترقط عيني واجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً عن كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء

عطف نظره إليه ، أوأرد سماع ذلك الصوت المبهج الذي ترك نغمات داود خاضعة للطفه أصاخ الى قيله ، أو راقه تجديد العهد بتلكم الخلائق الكريمة التي مدحها الله تعالى بقوله :« وإنك لعلى خلق عظيم » توجه بكله إليه .
وأنت تعلم ان جامع هذا الخلق الممدوح يشمل ما كان يتحلى به رسول الله من ورع واخلاص وشجاعة وكرم وحلم وبشاشة في العشرة ودماثة في الخلق ولين الجانب وخشونة في ذات الله وتجنب عن الدنايا والرذائل سواء في ذلك ما حضرته الشريعة أو زجرت عنه الانسانية الكاملة الى غيرها مما حق له ان يعد عظيماً عند الله تعالى .
وان الآثار كما عرفت وان افادت مشابهة افذاذ من البشر لشخصية الرسالة لكن « الأكبر » هو المثل الأعلى لتلك الذات القدسية الكاملة المعصومة عن كل خطاً المنزهة عن

علي الاكبر 60

أي عيب المحلاة بالجمال القدسي الإلهي فلا يعدوه ان يكون معصوماً كالذوات الطاهرة من الأئمة المعصومين وان احتاج إلى إمام يركن .
وليس ببعيد من فضل الباري جل شأنه ان يوجد ذاتاً كاملة منزهة عن كل عيب مبرأة عن أي شين وعار وان كلمة سيد الشهداء تلفتنا الى تحقق تلك الشخصية القدسية بما حوته من فضائل ومحامد في ولده علي الأكبر عليه السلام .
أضف الى ذلك ما جاء في زيارته المخصوصة في أول رجب من قول الامام عليه السلام :
كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
واذهاب الرجس معنى العصمة فهي متحققة فيه وان لم تكن واجبة كوجوبها في الامام المطلق الحجة على الخلق .

السابق السابق الفهرس التالي التالي