علي الاكبر 74

الأكبر مع الحسين

تمهيد


الولد رشحة من رشحات أبيه ولمعة مما تكنه جوانحه وانطوت عليه أضالعه ومظهر من مظاهره في طبائعة وغرائزه في صفاته وضرائبه في فضائله ورذائله قضاء لناموس الوراثة بينهما المشترك بين المال والحال المنبعث عن كونه شظية من كبده وعضواً من أعظائه ومن تربيته الممرنة على الطبيعة المنتقلة منه اليه ولذلك تجد الولد على سر أبيه مهما كان الأب براً او شقياً وقد اوجب المولى سبحانه للأبوين حقوقاً على الولد لاسيما إذا كانا صالحين .
ومن عظيم أمرهما عند الله تعالى شأنه انه قرن شكرهما بشكره فقال تعالى :« ان اشكر لي ولوالديك » (1) كما قرن

سورة لقمان : الآية 14 .
علي الاكبر 75

الاحسان إليهما بتوحيده فقال جل شأنه :« وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً ».(1)
كل ذلك لأنهما مبداً وجود الولد وأوعية نطفته وجثمانه بين الصلب والترائب وكفيلاً تربيته وملقحاً الفضائل في نفسيته طبيعياً وتلقينياً فالفضل كله لهما في نشوئه على الدين الحق والسلوك به الى الطريق المهيع والملكات الفاضلة وإليه يشير الشاعر :
لاعذب الله امـي انها شربت حـب الوصـي وغذتنيـه باللبـن
وكان لي والد يهوى أبا حسن فصرت من ذا وذي أهوى أبا حسن
وقد أوجب الله تعالى على الولد الخضوع لهما والتواضع قولاَ وفعلاً فقال جل شأنه :«واخفض لهما جناح الذل من الرحمـة وقـل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ».(2)
واطلاق الأمر بالدعاء لهما شامل للحي والميت منهما وحيث ان الأمر للوجوب من غير تكرار فيكفي الدعاء لهما في

(1) سورة الإسراء : الآية 23 .
(2) الإسراء : الآية 24 .
علي الاكبر 76

العمر مرة واحدة ولزيادة من الراجح المندوب إليه وارتأى هذه النظرية المحقق السيد علي خان أعلى الله مقامه .
وفي هذا الأمر بالدعاء لهما ايماء الى أن شفقة الولد عليهما أقل من شفقتهما عليه فانه لوكانت الشفقة في الأولاد متوفرة لما صدرت الوصية لهم بخفض الجناح والخضوع والتذلل والعطف وإلانة الجانب لهما .
فشفقة الأبوين على الأولاد ذاتية عمت جميع الحيوانات ومن غاية شفقتهما عليه انهما يطلبان له كل كمال ولا يحسدانه إذا كان خيراً منهما بل يتمنيان له كل سعادة وما فيه الفوز والرقي بخلاف غير الأبوين فانك تجده لايرضى أن يكون غيره خيراً منه ومن هنا كان تعظيم الأبوين امراً معتبراً في جميع الشرائع .
ومن الجهل مايحكى ان بعضهم كان يضرب أباه ويقول هو الذي ادخلني في عالم الكون والفساد وعرضني للفقر والعمى والزمانة .
وروي ان أبا العلاء المعري أمر أن يكتب على قبره :
هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد
وقال بعض الحكماء :

علي الاكبر 77

قبـح الله لذة قـد توالت نالها الامهـات والآبـاء
نحن لولا الوجود لم نألم الفقد فإيجـاده علينا بلاء
وكان بعضهم يعظم استاذه أكثرمن والده فقيل له في ذلك قال ان الاستاذ تحمل الأذى والجهد في أنقاذي من الجهل وتنويري بالعلم وأن أبي طلب لذة الوقاع لنفسه واخرجني الى آفات عالم الكون والفساد (1) .
وهذا جهل منهم فان الوالد هب انه في اول امره طلب اللذة إلاأن اهتمامه بإيصال الخيرات الى ولده ودفع الآفاق عنه من أول وجوده الى آخر عمره لاينكر وفي الحديث ان رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله يشكو أباه بأنه اخذ ماله فأرسل النبي الى الأب وقبل مجيئه هبط الأمين جبرائيل عليه وأمره أن يسأله عما قاله في نفسه ولما حضر الشيخ عند رسول الله قال سله يانبي الله هل أنفق ماله على نفسي أو على عماته وخالاته ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله دعني من هذا

(1) شرح الصحيفة للسيد علي خان ص 232 في باب الدعاء للأبوين .
علي الاكبر 78

وأخبرني عن شيء قلته في نفسك لم تسمعه اذناك ؟ فقال الشيخ والله يانبي الله انه سبحانه وتعالى لم يزل يزيدنا فيك إلا يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئاً ما سمعته اذناي .
فقال قل وأنا أسمع .
قال قلت :
غذوتك مولـوداً وقد كنت يافعاً تعـل بما أحني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لـم أبت لسقمـك إلا ساهراً أتملـمل
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وانها لتعلم ان الموت وقت مؤجل
فلمـا بلغت السـن والغاية التي اليها مدى مافيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفـظاظة كأنك أنت المنـعم امتفضل
فليتك إذلم تـرع حـق أبـشوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

علي الاكبر 79

فلما سمع النبي هذا من الشيخ التفت الى ابنه وقال : قم أنت ومالك لأبيك (1) .
فالولد مهما يقول بخدمة أبويه لايؤدي قدر حنوهما وشفقتهما وعطفهما عليه لأنهما طيلة عمر الولد يجدان في تكثير الخير له ودفع الأذى عنه ويودان سلامته وان اصابتهما العوارض دونه فهل والحالة هذه يستطيع الولد اداء شكرهما والاحسان اليهما ؟
ومن هنا ورد إلزام الشارع الأقدس باحترامهما واجتناب ما يغيظهما فيقول سبحانه وتعالى :
:« أما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهر هما وقل لهما قولاَ كريما » (2) .
وفي الاتيان بكلمة اف زيادة حث وتأكيد على أكرامهما عندما يطعنان في السن فيكونان في حاجة الى الخدمة والرفق فيكون في نهي الأولاد عن الاتيان بأقل كلمة تدل على الضجر والسأم والملل هي « أف » شدلالة بالأولى على المنع مما هو أكبر من هذه الكلمة وهو الصياح والزجر بغلظة فضلاً عن الضرب والشتم المراد من قوله تعالى:« ولا تنهرهما»

(1) أحكام القرآن لابن العربي الاندلسي ج 2 ص 35 .
(2) سورة الإسراء : الآية 23 .
علي الاكبر 80

عدم الامتناع من اتيان مايريد انه وليس المراد منه الطرد والدفع فانه على حد قوله تعالى :«وأما السائل فلا تنهر» (1) وإلا فالنهر والزجر والقول الغليظ مدلول عليه بالنهي عن كلمة « أف »
وليس النهي عن ذلك مخصوصاً بما اذا طعنا في السن بل النهي عن قول « أف » شامل لجميع الأحوال وإنما نص على الكبر للارشاد الى انهما في هذا السن احوج الى الخدمة من غير هذا الحال .
ثم ان البر بالابوين لايختص بحال الاسلام فان الابوين اذا كانا مشرشكين وجبت مصاحبتهما بالمعروف لقوله تعالى « وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما» (1)
فإخرج سبحانه من عموم الاحسان وخفض الجناح لهما خصوص ما لو حملاه على الشرك بالله تعالى وأما لولم يحملاه على الشرك فلزوم طاعتهما واحترامهما ثابت بالأمر بالاحسان إليهما ويشهد لذلك إطلاق قوله سبحانه وتعالى لموسى بن عمران :« أخبر عبادي ان من عقّ والديه أو سبّهما مسلمين كانا أو مشركين ثم مات قبل أن يموتا فلا أمان

(1) سورة الضحى : الآية 10 .
(2) سورة العنكبوت : الآية 8 .
علي الاكبر 81
له عندي». (1)
وسألت أسماء بنت عميس رسول الله صلى الله عليه وآله عن صلة امها وهي على الشرك فقال لها نعم صلي امك .
وسأل رجل أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن بره لأبويه المخالفين له فقال عليه السلام .
برّهما كما تبّر المسلمين (2) .
وليس المقصود من الشرك هنا الاكفار بالله تعالى بل خلاف الطاعة لله تعالى فلا يعتبر اذنهما في الجهاد بل ولا تحرم مخالفتهما فيه وعلى ذلك صاحب الجواهر مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخرج معه الى الجهاد من الصحابة من كان أبواه كافرين كأبي بكر وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ولم يتباعد الرازي عن هذا الرأي فـي تفــسير الشرك (3) .
وإطاعة الأبوين لاتختص بالحرين منهما فان طاعة المملوكين منهما لازمة لعموم الاحسان إليهما وبه أفتى الشيخ الطوسي والشهيدان .

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 631 عن لب اللباب للراوندي « حديث قدسي » .
(2) المصدر ص 668 عن التعريف للكراجكي .
(3) مفاتيح الغيب ج 2 ص 541 في تفسير الآية .
علي الاكبر 82

وعد رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله من الاحسان إليهما عتقهما قال :
لايجزي ولد عن والده الا ان يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه (1) .
وليس الاحسان الى الابوين مقصوراً على الحياة بل يعم مابعد الموت ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله :
ان الصلاة عنهما والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما بعد موتهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي يوصلانها من البر بهما (2) ويترتب عليه فوائد البر والاحسان اليهما ويزيده الله ببره خيراً كثيراً (3) .
ولقد عد أهل البيت من العقوق ان يموت الأبوان فلا يقضي الولد عنهما دينهما ولا يستغفر لهما وان كان في حياتهما باراً بهما ومن العقوق ان ينظر الولد الى أبويه بحدة أو يسميهما باسمهما أو يمشي بين يديهما أو يجلس أمامهما .
ولو كان في حياتهما عاقاً لهما وبعد موتهما استغفرلهما .

(1) مستدرك النوري ج 2 ص 633 عن كتاب التعريف .
(2) مجمع البيان ج 6 ص 410 صيدا .
(3) جامع السعادات للنراقي إيران ص 336 .
علي الاكبر 83

وتصدّق عنهما وقضى دينهما وفعل مافيه البر عنهما كان ذلك موجباً للقرب من المولى سبحانه بالرحمة والرضوان بسبب ذلك فان البر بالوالدين كما يزيد في الأجل يوجب برولده به .
وان الله ملكين يقول احدهما : اللهم احفظ البارين بعصمتك ويقول الثاني : اللهم اهلك العاقين بغضبك (1) .
ولقد سر الامام الصادق عليه السلام لما اخبره عماربن حيان ببر ولده اسماعيل به وحكى فعل رسول الله صلى الله عليه وآله مع اخته من الرضاعة فانها لما وفدت عليه بسط لها ملحفته واجلسها عليها ولم يفعل هذا مع أخيها فسئل عنه قال انها أبر بوالديها منه (2) .
ثم قال رحم الله والدين حملا ولدهما على برهما ولم يضطراه الى العقوق (3) .
ثم ان الأبوين وان كان لهما جميعاً حق على الولد إلا أن حق الام أهم فان رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله عمن

(1) لب اللباب للراوندي .
(2) سفينة البحار للشيخ عباس القمي ج 2 ص 686 .
(3) مكارم الأخلاق . ص 300 إيران .
علي الاكبر 84

يبرمن أبويه فأمره ببرامه فكرر السؤال ثلاثاً وهو يأمره ببر امه وفي الرابعة أمره ببر أبيه (1) .
وشكى رجل الى رسول الله سوء خلق امه فقال صلى الله عليه وآله انها لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة اشهر وحين ارضعتك حولين وحين سهرت لك ليلها وأظمأت نهارها فقال الرجل اني جازيتها وحججت بها على عاتقي فقال صلى الله عليه واله ما جازيتها ولا طلقة(2) .
وفي الحديث عن الرضا عليه السلام ان حق الام الزم الحقوق وأوجبها لأنها حملت حيث لم يحمل أحد أحداً ووقيت بالسمع والبصر وجميع الجوارح مسرورة مستبشرة فحملته بما فيه من المكروه الذي لايصبر عليه احد رضيت بأن تجوع ويشبع ويروى وتظمأ ويكسو وتعرى وتظله وتضحي فليكن الشكرلها والبر والرفق بها على قدر ذلك (3) .
وكان رسول الله يقول : حق الوالد أن تطيعه ما عاش واما حق الوالدة فهيهات هيهات لوانه عدد رمل عالج وقطر

(1) سبط الطبرسي في المشكاة . ص 159.
(2) شرح الصحيفة للسيد علي خان ص 227 في باب الدعاء للوالدين .
(3) فقه الرضا . ص 45 .
علي الاكبر 85

المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها (1) .
وهذه الأهمية من جهة تحملها مالم يتحمله الأب من المشاق لكونها حملته بين الجنبين واجلسته على الفخذين وأرضعته الثديين وفدته بالابوين (2) الى مصاعب تلاقيها عند الولادة فتكون على شفامن الهلكة في مداراتها له في الحر والبرد ومن هنا ورد ان الجنة تحت أقدام الامهات(3) وعد من الشهداء الميتة في النفاس وفي هذا يقول بعضهم (4)
لامـك حـق لـو علمـت كبيـر كـثيرك يـاهـذا لديها يسير
فكـم ليـلة باتـت بثقلك تشتكـي لهـا مـن جراها أنة وزفير
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص كاد الفؤاد يطير
وكـم غسلت عنـك الأذى بيمينها ومـا حـجرها إلا لديك سرير

(1) عوالي اللئالي . ج 1 ص 269 .
(2) التعريف بحقوق الابوين للكراجكي مخطوط .
(3) لب اللباب للراوندي .
(4) روح المعاني للالوسي ج 21 ص 86 .
علي الاكبر 86

وتـفديـك مـما تشتكيه بنفسها ومـن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت واعطتك قوتها حـنواً وإشفاقاً وأنـت صغير
فـآهـاً لذي عقل فيتبع الهوى وآهاً لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها فـأنـت لما تـدعـوبه لفقير
وغير خفي ان طاعة الأبوين وحرمة مخالفتهما لاتعتبر في الواجبات العينية لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ولم يعرف في ذلك مخالف كما نص عليه العلامة الحلي في « المنتهى » واما الواجبات الكفائية , كالصلاة على الاموات والجهاد ان لم يتعين عليه ، ففريق من العلماء اعتبرإذن الأبوين لقول الصادق عليه السلام ان رجلاً جاء الى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال اني نشيط راغب في الجهاد ولي والدان كبيران يزعمان انهما يأنسان بي ويكرهان خروجي فقال له رسول الله أقم مع والديك والذي نفسي بيده لانسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة(1) .

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 245.
علي الاكبر 87

وقال له آخر اني احب الجهاد ووالدتي تكره ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن مع والدتك والذي بعثني بالحق نبياً لانسها بك ليلة خير من جهاد سنة (1) .
وحدث ابن عباس ان رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبواي يبكيان فقال النبي إرجع إليهم وأضحكهما كما أبكيتهما .
وحيث ان هذه الأحاديث لاتدل على أكثر من الرفق بهما وإضحاكهما وإيناسهما كان لازمه ثبوت سلطنة المنع لهما فان منعا حرمت مخالفتهما وإلا فلاحرمة ولا دلالة فيها على اعتبار اذنهما بحيث لو خرج الى الجهاد من دون اذنهما ولا منعهما لم يكن عاصياً وليس سفره معصية ومن هنا ذهب الفريق الثاني من العلماء الى عدم اعتبار اذنهما ، نعم يعتبر أن لايمنعان منه .
وخبر سعيد بن جبير الناص على ان رجلاً هاجر الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له هل لك باليمن أحد ؟ قال نعم أبواي فقال صلى الله عليه واله هل أذنا لك ؟ قال لا فقال ارجع اليهما وأستاذنهما فأن أذنا لك فجاهد وإلا

(1) الوسائل للحر العاملي ج 2ص 417 عين الدولة .
علي الاكبر 88

فبرهما (1) .
وإن اعتبر إذن الابوين المقتضي لعدم صحة الجهاد مع فقده إلا أن رجاله مجهولون فلا ينهض بالحجة على ما يدعيه الفريق الأول من العلماء وهو اعتبار إذنهما .
والاجماع المحكي في « المنتهى » لم يظهر من معقد هذه الصورة مع احتمال الدلالة على خصوص سلطنتها على المنع فلو لم يمنعا منه فلا عصيان .
ولعل هذا منشاً حكم الشهيدين وغيرهم في الاقتصار على أن للأبوين منعه عن الجهاد من دون أن ينصوا على اعتبار الاذن منهما .
هذا حال الواجبات واما المندوبات كالنوافل والزيارات والصدقات وطلب العلم ان لم يتعين عليه واعمال البر فيظهر من جماعة اعتبار اذنهما وكأنه لما ورد عن هشام بياع الكرابيس عن أبي عبد الله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه :
من بر الولد أن لا يصوم تطوعاً ولايحج تطوعاً ولايصلي

(1) مستدرك النوري ج 2 ص 245 .
علي الاكبر 89

تطوعاً إلا باذن أبويه وإلا كان الولد عاقاً قاطع الرحم (1) .
لكن في سند حديث احمد بن هلال العبرتائي فقد اتفق أهل الرجال على أنه غال كذاب فهو متروك الحديث ولا يصلح سنداً للحكم ومن هنا ضعف الحديث المجلسي في مرآة العقول ج 3 ص 238 والميرزا القمي في « الغنائم» ص 500 .
وقد ارتأى بعض العلماء وجوب طاعة الأبوين في كل فعل وان كان شبهة فلو أمراه بالأكل معهما من مال مشتبه عنده أكل لأن إطاعتهما واجبة وترك الشبهة مستحب .
ولو دعواه الى فعل وقد حضرت الصلاة فليؤخرها لأجل إطاعتهما .
كما انه لو دعواه وهو في النافلة لزمه قطعها واستدل له بما روي ان امراًة نادت ولدها جريحاً فلم يلتفت اليها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله به فقال لو كان جريحاً فقيهاً لعلم ان اجابة امه أفضل من صلاته (2) .
لكن صاحب الجواهر اعلى الله مقامه (3) استشكل في

(1) علل الشرايع للصدوق ص 134 باب 115 .
(2) هذه الفروع ذكرها الشهيد الأول في القواعد ص 212 .
(3) تعرض للمسألة مفصلاً في كتاب الجهاد عند اعتبار إذن الابوين .
علي الاكبر 90

عموم وجوب الطاعة لهما في كل مايقترحانه حتى مما لا أذية عليهما في الفعل والترك لعدم الدليل المعتد به على ذلك فان العقوق المنهي عنه هو ضد البر وهو أمر عرفي فيما يصدق عرفاً أنه عاق لهما تتحقق الحرمة وفيما لم يصدق عليه انه عاق لهما فلا حرمة .
ولعل أكثر ما ورد في حكم الاولاد مع الابوين إنما هو للتأديب والتنزيه وتعريف كبر شأنهما وانه ينبغي للولد أن يكون مع الابوين كالعبد الذليل مع مولاه وسيده .
ويؤيده ماورد في صلاة الجماعة من السؤال عن الصلاة مع رجل لابأس به الاأنه يخالف أبويه فقال الامام لابأس .
ولوكان مطلق المخالفة لهما عقوقاَ لما صحت صلاته ولعل هذا هو منشأ فتوى الشيخ الجليل الصدوق بأنه ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعاً كان أو فريضة ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعاً كان او فريضة ولا في شيء من ترك الطاعات .
وذكر صاحب الجواهر ان المستفاد من الأدلة عدم الفرق بين أن يمنعه كلاهما أو أحدهما واما لومنعة أحدهما عن الفعل وألزمه الآخر به فالظاهر السقوط للأصل .

علي الاكبر 91

وكأنه أراد أصالة عدم اللزوم عليه بعد سقوط طاعتهما للمعارضة اللهم إلا أن نقول بأهمية حق الام فالترجيح لها لكنك قد عرفت ان الأهمية فيما إذا كان ذلك مستلزماً للعقوق في حقها .
وأما إذا لم يصادق الفهم العرفي على هذا الاستلزام فلا تكون المخالفة محرمة .
وإطلاق لفظ الابوين في الاخبار يشمل الأجداد والجدات وعليه العلامة الحلي في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك وزاد الشهيد وجوب طاعة الأجداد والجدات حتى لو كانا مع الأبوين وتعارضا في الفعل والترك .

السابق السابق الفهرس التالي التالي