علي الاكبر 117

الدم الطاهر

حدث ابن قولويه في « كامل الزيارة» ص 222 عن رجال اجلاء ثقاة ومشايخ في الحديث اثبات (1) عن أبي حمزة الثمالي ان أبا عبد الله الصادق عليه السلام قال له :
إذا أردت المسير الى قبر الحسين فصم يوم الاربعاء والخميس والجمعة الى أن قال عليه السلام :
ثم صر إلى قبر علي بن الحسين فهو عند رجلي الحسين فاذا وقفت عليه فقل :
« السلام عليك ياابن رسول الله ورحمة الله وبركاته

(1) ان شيخنا الحجة المجاهد ميرزا عبد الحسين الاميني أيده الله صاحب « الغدير في الاسلام » ذلك الكتاب المفعم بالتحقيقات المعرب عن جهد المؤلف ترجم رجال السند في هامش كامل الزيارة الذي سعى في طبعه ونشره فجزاه الله خيراً عن هذه الخدمات الجليلة .
علي الاكبر 118

مضاعفة كلما طلعت شمس أو غربت السلام عليك وعلى روحك وبدنك بأبي أنت وأمي من مذبوح من غير جرم بأبي أنت دمك المرتقى به إلى حبيب الله بأبي أنت وامي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه يرفع دمك بكفه الى عنان السماء لايرجع منه قطرة ولا تسكن عليك من أبيك زفرة .
والظاهرمن الفقرة الاولى«المرتقى الى حبيب الله»ان هنالك موكلون برفع الدماء الطاهرة الى مبوء الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وهو كفعل الامام الحكيم أبي عبد الله الحسين عليه السلام من رمي دم« الأكبر » الزاكي إلى ملأ القدس فإنه لايكون الاعلى وفق المصلحة ولحكمة البالغة وان خفيت علينا حيث لم ندرك المصالح الواقعية وقد صدر منه مثله في دم ولده« الرضيع» كما في حديث أبي جعفر الباقر عليه السلام ونطقت به زيارة الناحية :
« السلام على عبد الله الرضيع المرمي الصديع المصعد بدمه الى السماء لعن الله قاتله حرملة بن كاهل الاسدي ».
وقد فعل عليه السلام كذلك بدمه الطاهر فانه لما رمي بالسهم المثلث وضع يده تحت الجرح فلما امتلأت رمى به

علي الاكبر 119

نحو السماء فلم تسقط منه قطرة (1) .
ولعل من حكمته ان هاتيك الدماء كانت من انفس ذخائر آل محمد صلى الله عليه وآله واقوى حججهم في الملأ الأعلى ويوم القيامة على أعدائهم ولانقاذ شيعتهم فان مطلق دم الشهادة له ميزة خاصة ينتفع به الشهيد المقتول دون الدعوة الالهية وقد نص الحديث في شهداء احد انهم يحشرون يوم القيامة وجروحهم دامية كل لون الدم وريح المسك (2)
وليس ذلك لخصوصية في شهداءاحد بل كل شهيد في سبيل الدين يحاج بدمه وقد ورد ان أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن يدفنوا من استشهد معه يوم« الجمل » بثيابهم ودمائهم ليحاجوا بها (3) .
ونص المؤرخون ان حجر بن عدي قال ادفنوني بثيابي فاني اخاصم بها .

(1) كشف الغمة ص 189 والا تحاف ص 41 .
(2) السيرة الحلبية ج 2 ص 67 وشرح السير الكبير لمحمد ابن احمد السرخسي ج 1 ص 155 .
(3) كتاب الجمل للشيخ المفيد ص 195 طبعة ثانية
علي الاكبر 120

وينص الحديث : أن ابن عباس رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء أشعث مغبر وبيده قارورة فيها دم فقال له ما هذا الدم ؟ قال صلى الله عليه وآله : هذا دم الحسين لم أزل التقطه منذ اليوم (1) وفي آخر عنه رأى بيده قارورتين فسأله عما فيهما قال النبي صلى الله عليه وآله هذا دم الحسين وأصحابه التقطه هذا اليوم (2) .
ويحدث الصدوق في« الامالي »عن الامام الصادق عليه السلام ان الله سبحانه وتعالى بعث ملكاً معه قارورة خضراء يلتقط فيها دم الحسين عليه السلام .
وإنما خص الحسين عليه السلام ولديه الشهيدين بهذه الميزة لما احتف بهما من خصوصيات لم يشاركهما أحد من ضحايا ذلك المشهد الكريم .
أما السيد الرضيع فلم يبح قتله اي شريعة وناموس ولم يسغ الاجهاز عليه مروءة أو حفاظ وان كان أهل الطفل وذووه اشقى العالمين لأنه لاذنب عليه ولا يمكن أن ينوء بظلامة أو يجترج سيئة إلا أن يريد قاتله استئصال شأفه قومه واجتياح

(1) مقتل العوالم ص 171 .
(2) كشف الغمة ص 189 والاتحاف الاشراف ص 41 .
علي الاكبر 121

أصولهم وهو الذي أردته بنو امية في قتل بضعة الرسول وهي جريمة لاتعادلها أي جريمة .
واما السيد الأكبر فهو البقية الفذة من آل الرسول لشبهه به خلقاًً وخلقاً ومنطقاً وهو معقد الأمال لهم وللملأ الديني للنهوض بالامور العظام لصالح الدين والمسلمين من بث خلق النبي الكريم وهو مرآة جماله ومنبثق أنوار علومه ومن قود العساكر وعقد بنود الرايات وسد الثغور وإقامة الأمت والعوج فبقتله اخفقت الظنون وأكدت الأمال ومن يفعل ذلك فقد جاء بحوب عظيم لايماثله شيء من الذنوب .
إذاً فلها تيك الدماء المراقة بتلك الصفة منزلة كبرى تتم بها الحجة وتقوم بها الشفاعة لم يحزها أي دم مراق ظلماً إلا ما حاذاها في ذلك المستوى الممنع« كدم أبي الفضل » المرفوع وهامته المرضوخة بعمد الحديد ودماؤه السائلة ويداه المقطوعتان المعوض عنها بجناحين يطير بهما مع الملائكة الى حظائر القدس فيرمقه عالم الملكوت بعيون دامية فيلعنوا قاتليه وظالميه ويستغفروا لشيعته الذين لانقاذهم استسهل هو وآله تلكم المصاعب .
وفي بعض الروايات ان ما تحتج به فاطمة الزهراء يوم

علي الاكبر 122

الحساب يدا أبي الفضل عليه السلام (1) وثنية أبيها المصطفى وثوب الحسين المخرق بالنبال والسيوف (2) .
أما الأحتفاظ بدم السبط الشهيد ابي عبد الله عليه السلام فان الحقيقة النورانية لمحمد والمعصومين من آله لما كانت هي العنصر الزاكي في الحياة دينياُ واخلاقياً ومدنياً وحيوياً لأنهم وسائط الفيض الإلهي فلا غنى لأي موجود عنهم في نشأته وبقائه واستفادته من « المبدأ الأعلى» جل شأنه لأنهم وسائل الحياة وسائل الافاضة وسائل النجاة في هذه الدنيا والآخرة يوم تنصب الموازين .
وقد ورد عنهم عليهم السلام في أحاديث كثيرة متواترة الأشارة اليه في الزيارة الجامعة : «بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبكم ينفس الهم وبكم يكشف الضر».
وقد جعل الله تعالى الأئمة من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله رحمة منه على العباد غير أنه جعل شأنه بلطفه وعميم فضله نوع تلكم الوسائل المكونة فيهم حتى يتوصل كل بما

(1) جواهر الايقان ص 194 .
(2) اسرار الشهادة ص 234 .
علي الاكبر 123

تيسر له منها فمن ناج بولايتهم ومن نستفيد عنهم طريق المحاججة ومن رابح بنشر فضائلهم ومن متقدم بالدعوة إليهم الى متزلف بتعظيم شعائرهم .
وكل هذا في الحسين أكثر وشعبها فيه أوفر وفيه انواع من الوسائل اختصه الله بها وحباه بالفضل الكثير فجعل الامامة في عقبه والشفاء في تربته واجابة الدعاء عند قبره وان ايام زائريه لاتعد من العمر ذهاباً وإياباً والحسنة في زيارته تتضاعف الى ألف ألف والسيئة بواحدة فكان الامام عليه السلام يقول :
أين الواحدة من الألف ألف والدرهم المنفق في الخروج إليه والمنفق عنده مدخرة له يوم القيامة بعشرة آلاف ويخلف الله تعالى على من جهز الى زيارته اضعاف ماانفق مضافاً الى ما ادخره له من الاجر في الآخرة .
وان لله سبحانه ملائكة يزاحمون الزائرين على القبر ويمسحون بأيديهم وجوههم ويسمونهم بمسيم من نور يعرفون به يوم القيامة يكون سبباً لنجاتهم .
وأما السبعون ألف ملك الذين نزلوا لنصرته فوجدوه مقتولاً وأمرهم سبحانه بالبقاء عند قبره فان صلاتهم للزائرين ولصلاة الواحد منهم تعدل ألأف صلاة من الآدميين .

علي الاكبر 124

وينزل الله على زواره كل غدوة وعشية من طعام الجنة وان مات الزائر في سفره إليه حضرت ملائكة الرحمة غسله وكفنته فوق اكفانه وشيعته الى قبره وفرشت له الريحان واستغفرت له ودفعت الأرض من قبل رأسه ومن بين يديه ومن خلفه وادخل عليه ريح طيب وأمن من ضغطة القبر وسؤال منكر ونكير ووجي عند خروجه من القبر بنور يضيء مثل ما بين المشرق والمغرب ومناد ينادي هذا من زوار الحسين شوقاً إليه فلا يبقى أحد ممن لم يزره إلا تقطعت نفسه حسرة (1) الى غير ذلك من خصائص امتازبها على غيره من أئمة الهدى تعويضاً عن شهادته وتضحيته دون الدين الحنيف .
إذاً فمن القريب جداً ان يجعل الله لكل من توصل الى شيء من وسائله المنقذة يوم القيامة وساماً يميزه عن عامة الناس يكون مفخرة له وإظهاراً لفضل الامام الحجة المراق دمه الطاهر على محرزة الشهادة .
ولعل من هذا القبيل الاحتفاظ بدمه الأقدس الى يوم المعاد ليكون سبباً لانقاذ أوليائه الذين تزلفوا إليه بالمبيت ليلة عاشوراء عند قبره حتى الصباح فهو حاجز بينهم وبين النار وليس هذا بعزيز في حيز القدرة الإلهية .

(1) هذه الآثار الى غيرها ذكرها العلامة المجلسي في مزار البحار .
علي الاكبر 125

وذكر الشيخ المفيد أعلى الله مقامه انه جاء عن أهل البيت عليهم السلام انه من بات عند الحسين ليلة عاشوراء حتى يصبح حشره الله ملطخاً بدم الحسين في جملة الذين استشهدوا معه .
وناهيك رفعة وجلالة بمن يتلطخ بدنه بدم المظلوم ويحشر في جملة الشهداء نيراً فوجهه تحفة الملائكة المقربون ويغبطه جميع المؤمنين .
ومن هنا كان الشيخ الجليل الثبت الشيخ جعفر الشوشتري يقول في«الخصائص الحسينية»ان المبيت عند الحسين في هذه الليلة أفضل من الجهاد .
أولاً : ان المجاهد ربما لاتحصل له الشهادة والبائت عند الحسين في هذه الليلة يحصل له ثواب الشهادة قطعاً .
ثانياُ : ان الشهادة اذا حصلت للمجاهد فانما هي دفعة واحدة بخلاف المبيت عند الحسين فانه يحصل به ثواب الشهادة كلما تكرر منه في السنين .
ثم انه ورد الحديث بأن الحسين يحشر واوداجه تشخب دماً كما جاء في حديث آخر ان الحسين يقوم يوم القيامة مخضباً بدمه ومعه جميع من استشهد في الطف من

علي الاكبر 126

أهل بيته واصحابه مخضبين بدمائهم .
وإذا جاز ابقاء الدم الطاهر في أوداجه الزاكية فمن الجائز القريب أن يوفره المولى سبحانه ويبسطه فيصبغ به وبتلك الدماء المرفوعة الى الملأ الأعلى من بات في ذلك المشهد المطهر في تلك الليلة التي هي أحرج الليالي على آل محمد ومن توسل الى سيد الشهداء بأنواع من الوسائل الموجبة للزلفى والسعادة الخالدة تشريفاً لاولئك المضطهدين في سبيل مرضاة رب العالمين وانقاذاً لشيعتهم من هوة الهلكة .

(1) البحار ج 13 من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام .
علي الاكبر 127

الدفن

ذكر المؤرخون ان سيد الشهداء عليه السلام أفرد خيمة في حومة الميدان (1) يحمل إليها من قتل من صحبه وأهل بيته وكلما يؤتى بشهيد يقول أبو عبد الله : قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين (2) .
إلا أخاه العباس تركه في محل سقوطه قريباً من المسناة (3) لسر دقيق ولنكتة لاتخفى على المتأمل المستشرف

(1)الطبري ج 6 ص 256 وابن الاثير ج 4 ص 30 .
(2) حكاه في البحار ج 10 ص 211 وج 13 ص 135 عن غيبة النعماني .
(3) نص عليه المفيد في الارشاد والطبرسي في اعلام الورى ص 147 والسيد الجزائري في الانوار النعمانية ص 344 والداودي في عمدة الطالب ص 349 نجف والشيخ الطريحي في المنتخب والسيد في رياض الاحزان ص 39 .
علي الاكبر 128

للحقايق بنظر صحيح وهو أن يكون له مشهد يقصد بالزيارات ومرقد يؤمه ذوو الحاجات فتظهر له الكرامات وتعرف الامة حق قدره ومنزلته عند الله سبحانه فشاء حجة الله ووليه عليه السلام كما شاء المولى الجليل عز شأنه واراده من ان تكون منزلة « أبي الفضل» الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الاخروية فكان كما شاءا وأحبا .
ولو حمله سيد الشهداء الى الحائر الأقدس كالشهداء لغمره فضل الامام الحجة كما غمر غيره ولم تظهر له هذه المنزلة السامية التي ضاهت منزلة الحجج المعصومين عليهم السلام .
ولما ارتحل عمربن سعد بحرم الرسالة الى الكوفة ترك أولئك الذين وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام بأنهم سادة الشهداء في الدنيا والأخرة (1) ولم يسبقهم سابق ولا يلحقهم

= وهو الظاهر من ابن ادريس الحلي في السرائر والعلامة الحلي في المنتهى والشهيد الأول في المزار ولاردبيلي في شرح الارشاد والسبزواري في الذخيرة والشيخ آغارضا الهمداني في مصباح الفقيه فانهم نقلوا كلام الشيخ المفيد في الارشاد ساكتين عليه . (1) كامل الزيارة ص 219 .
علي الاكبر 129

لاحق (1) على وجه الصعيد تصهرهم الشمس ويزورهم وحش الفلا :
قد غير الطعن منهم كل جارحة إلا المكارم في أمن من الغير
وبينهم سيد شباب أهل الجنة بحالة تفطر الصخر الاصم ويرق لها العدو الألد غير أن الأنوار الإلهية تتصاعد من جوانبه والارواح العطرة تفوح من نواحية كيف لاوقد اشتق من روح النبوة وارتضع در العصمة وتربى في حجر الخلافة العلوية .
ومجرح ما غيرت منه القنا حسناً ولااخلقن منه جديدا
تحمي اشعته العيون فكلما حاولن نهجاً خلنه مسدودا
حدث رجل من بني أسد انه جاء الى المعركة بعد ارتحال العسكر فشاهد من تلك الجسوم المضرجة أنواراً ساطعة وأرواحاً طيبة ورأى أسداً هائل المنظر يتخطى تلك الاشلاء المقطعة حتى إّذا وصل الى هيكل القداسة وقربان

(1) المصدر ص 270
علي الاكبر 130

الهداية تمرغ بدمه ولاذ بجسمه وله همهمة وصياح فأدهشه الحال إذلم يعهد مثل هذا الحيوان المفترس يترك ما هو طعمة أمثاله ويشجيه المصاب فاختفى في بعض الاكم لينظر مايصنع فلم يظهر له غير ذلك الحال .
ومما زاد في تحيره انه عند انتصاف الليل رأى شموعاً مسرجة ملأت الأرض وبكاء وعويلاً مفجعاً (1) .
وفي اليوم الثالث عشر من المحرم اقبل زين العابدين لدفن أبيه الشهيد لأن الامام لايلي أمره إلا إمام مثله (2) يشهد

(1) مدينة المعاجز ص 263 باب 127 .
(2) لم تكشف الاحاديث عن هذا السر المصون ولعل النكتا فيه ان جثمان المعصوم عند سيره الى المبداً الأعلى بانتهاء أما الفيض الإلهي يختص بأثار منها ان لا يقرب منه من لم يكن من أهل هذه المرتبة وليست هذه الدعوى في الأئمة بغريبة بعد أن تكونوا مر الحقيقة المحمدية وشاركوا جدهم النبي في الماثر كلها إلا النبووالأزواج ويؤيد هذه الدعوى مافي أمالي الشيخ الطوسي ص 59 من تعصيب عيني الفضل بن العباس لما كان يحمل الماء أمير المؤمنين عليه السلام عند تغسيل النبي صلى الله عليه وآله فان فيه التعلل بخشية العمى ان وقع نظره على جسده المقدس وهذا التعليل يدلنا على افتراق حال الموت عن الحياة والافمن المقطوع به ان الفضل وغيره كانوا يرون جسد النبي الطاهر فمنع الفضل عن الرؤية في حال الموت لهذه الخصوصية .
علي الاكبر 131

له مناظرة الرضا عليه السلام مع علي بن أبي حمزة البطائني قال له أبو الحسن الرضا أخبرني عن الحسين بن علي كان إماماً ؟
قال : بلى .
قال الرضا عليه السلام : فمن ولي أمره ؟
قال ابن أبي حمزة : تولاه علي بن الحسين السجاد .
قال الرضا عليه السلام: فأين كان علي ابن الحسين ؟
قال ابن أبي حمزة : كان محبوساً بالكوفة عند ابن زياد لكنه خرج وهم لايعلمون به حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف إلى السجن .

= وهذه أسرار لاتصل إليها افكار البشر ولاسبيل لنا إلى إنكارها بمجرد بعدنا عن إدراكها ما لم تبلغ حد الاستحالة وقد نطقت الآثار الصحيحة بأن للأئمة أحوالاً غريبة ليس لسائر الخلق الشركة معهم كاحيائهم الاموات بالأجساد الأصلية ورؤية بعضهم بعضاً وصعود اجسادهم الى السماء سماعهم سلام الزائرين لهم وقد صادق على ذلك شيخنا المفيد في «المقالات » ص 84 طهران والكراجكي في كنز الفوائد والمجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 373 والشيخ الأكبر كاشف الغطاء في منهج الرشاد ص 51 والمحدث النوري في دار السلام ج 1 ص 289 .
علي الاكبر 132

قال الرضا : ان من مكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه وليس هو في حبس ولاأسر (1) .
ولما أقبل السجاد عليه السلام وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيرين لايدرون ما يصنعون إذ لم يهتدوا الى معرفتهم لأن القوم قد فرقوا بين رؤوسهم وأبدانهم وربما يسألون من أهلهم .
فأخبرهم عليه السلام عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل وسالت الدموع كل مسيل ونشرت الاسديات الشعور ولطمن الخدود .
ثم مشى زين العابدين إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءاً عالياً وأتى الى موضع قبره ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق فبسط كفيه تحت ظهره وقال :
بسم الله وفي سبيل الله على ملة رسول الله صدق الله ورسوله ماشاء الله ولاحول ولا قوة إلابالله العلي العظيم .

(1) اثبات الوصية للمسعودي ص 173 طبعة النجف الأشرف .
علي الاكبر 133

وأنزله وحده ولم يشاركه بنو أسد فيه وقال لهم :« ان معي من يعينني» ولما أقره في لحده وضع فمه الشريف على منحره المقدس قائلاً : طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر أما الليل فمسهد والحزن سرمد أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم وعليك مني السلام ياابن رسول الله ورحمة الله وبركاته .
وكتب على قبره بيده :« هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا ًغريباً »
ما إن بقيت من الهوان على الثرى ملقى ثلاثاً في ربى ووهاد
لكن لكي تقضي عليك صلاتها زمر الملائك فوق سبع شداد

ثم مشى إلى عمه العباس فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السموات وأبكت الحور في غرف الجار ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلاً على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته .
وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الوصي وقال لبني أسد « إن معي من يعينني»

علي الاكبر 134

نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء وعين لهم مرضعين وامرهم أن يحفرحفرتين وضع في الأولى بني هاشم وفي الثانية الأصحاب (1) .
وأما الحر الرياحي فأبعدته عشيرته الى حيث مرقده الآن وقيل ان امه كانت حاضرة فلما وأت ما يصنع بالقتلى من قطع الرؤوس ورض الأجساد حملت الى هذا المكان (2) .

(1) الكبريت الاحمر وأسرار الشهادة والايقاد للعلامة الجليل السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي رحمه الله .
(2) الكبريت الأحمر :ذكر السيد نعمة الله الجزائري في الانوار النعمانية ص 345 ان الشاه اسماعيل الصفوي لما ملك بغداد وزار قبر الحسين عليه السلام اخبر ان بعض العلماء يذهب الى عدم صحة ماورد من توبة الحر فأمر الشاه بالكشف عنه فرأوه بهيئته لما قتل وعلى رأسه عصابة فأراد الشاه أن يأخذها للتبرك بها فلما رفعوها عن رأسه سال الدم من الجرح وكلما عالج قطعة بغيرها لم يتمكن ولما عاودها الى رأسه انقطع الدم ففرح الشاه بهذه المنقبة الباهرة وبنى على القبر قبة وعين خادماً .
علي الاكبر 135

مرقد الأكبر

ان البرهنة الصحيحة في كل ما يفعله الامام المعصوم الحكيم ترشدنا الى مرجح فعلي من بيان حكم أو اشادة بذكر رجل أو اظهار فضيلة أو غاية كريمة أو مزية ظاهرة .
وانا إذا نظرنا الى فعل الامام زين العابدين في وضع « علي الأكبر»قريباً من أبيه نعرف من ذلك الغرض الباعث له وهو تعريف الملأ الديني بما حواه« أبو الحسن»من مزايا جليلة وصفات فاضلة وانه اقرب من أولئك الصفوة الى المهيمن تعالى لما حواه من ملكات لا تدركها أحلام البشر .
وهناك شيء آخر لاحظه الامام الحجة الواقف على نفسيات الرجال وتقدير اعمالهم ذلك ان هذه الحالة أشجى للقلوب وأذرف للدموع فأي مؤمن يقف بذاك الحرم القدسي فلا يتمثل لديه « والد وما ولد» وما تضمنه ذالك القبر من شلو

علي الاكبر 136

مبضع ودماء سائلة وجروح دامية ورأس محزوزواصبع مفصول وجناجن طحنتها سنابك العاديات واحشاء التهبت بالظماوقلب تشعب بالسهام .
وإلى جنبه بضعة الرسالة شبيه النبي صلى الله عليه وآله خلقاً وخلقاً ومنطقاًَ مقطع بالسيوف إرباً إرباً .
وان الامام الشهيد عانى ماجرى على ولده وديعة« محمد» فينظر إليه معفراً على البوغاء ولم تدم المقاضب منه عضواًً سالماً حتى فارقه أو فارق نفسه التي بين جنبيه ولم يسعه أن يغيثه بماء أو يرد عنه عادية فوضع خده على خده ولم يرفعه إلا بدموع منهلة وزفرات متصاعدة .
فبطبع الحال يكون الموالي الماثل أمام الضريح المطهر معتلج الاشجان متدفق العبرة مرتفع العقيرة ويشتد ولاؤه ووده الذي هو أجر الرسالة .
«قل لاأسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» (1)
ويحتدم إذ ذاك قلبه على كل من أوقع هذا الفادح الجلل وتتحكم البراءة منه ويتواتر منه اللعن عليه فيؤجر على تلك

(1) سورة الشورى : الآية 23 .
علي الاكبر 137

الأحوال ويسعد بالنعيم الدائم ويؤوب الى محله مغتنم الخيردنياً وآخرة .
ولعل من أسراره ماهو أدخل في غرض الامام أبي عبد الله عليه السلام وأكد لغايتة الكريمة من تلك النهضة التي أوضح فيها فظاعة الامويين وقساوتهم البالغة حدها وانهم بعداء عن التأهل لخلافة الاسلام فاقدون أي حنكة أو جدارة شرعية أو عرفية أو انسانية فيكون في تمييز« الأكبر»عن غيره من الشهداء بالقرب من أبيه لفت للانظار إلى فضله وتذكير بما صنع به من الفجائع وان كل احد يتحرج عن ارتكابها مع كل احد فضلاً عمن هو مرآة الجمال المحمدي وممثل خلقه العظيم ومنبثق منطقه القويم .
وان المجترح لهذه السيئات خارج عن مجاري الناموس الإلهي خارج عن خطة الملكات الفاضلة خارج عن الحدود البشرية تنبذه تلكم الطقوس فليس له التأهل للاستحواذ على أمر الامة المسلمة .
قال الامام الصادق عليه السلام لحماد البصري :
ان الحسين بن علي غريب مدفون بأرض غريبة يبكيه من زاره ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده ويرحمه من نظر الى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ولا حميم قربه

علي الاكبر 138

ولاقريب ثم منع الحق وتوازرعليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب وضيعوا حق رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيته به وبأهل بيته فأمسى مجفواً في حفرته صريعاُ بين قرابته وشيعته بين أطباق الثرى قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده والمنزل الذي لايأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرفه حقنا .
ولقد حدثني أبي انه لم يخل مكانه منذ قتل من مصل عليه من الملائكة أومن الجن والانس اومن الوحش ومامن شيء إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره الى قبره .
وان الله ليباهي الملائكة بزائريه .
واما ماله عندنا فالترحم كل صباح ومساء .
ولقد بلغني ان قوماً من أهل الكوفة وناساً من غيرهم يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب ونساء يندبنه وقائل يقول المراثي .
فقال حماد قد شهدت بعض ماتصف .
قال الصادق عليه السلام : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا يطعن

علي الاكبر 139

عليهم ويقبح ما يصنعون (1) .
وهذا الدعاء من إمام الأمة شاهد على محبوبية ماتفعله الشيعة من المظاهر التي تؤيد دعوة أهل البيت عليهم السلام وتفيد الامة درساً بالغاية التي ضحو لاجلها كل ما لديهم من مال وحرمات حتى نفوسهم القدسية لأن في هذه المظاهر التي يقيمها الموالون لأهل البيت سواء كانت في ايام الافراح اوالاحزان إحياء لأمرهم وتثبيت لدعوتهم وتعريف للملأ الديني باستسهال كل دال ورخيص في سبيل تأييدها .
وهزء الاغيار وسخرية الجاهلين بفوائدها من هذه الطائفة أو غيرها لايرفع محبوبية هذه الأعمال وإلا لارتفع الامر بالحج والصلاة ونحوها مما أوجب سخرية الغير ولذلك لم يبال المسلمون الأولون بهزء المشركين في السجود وسخرية اليهود بالأذان ومشوا على التعاليم النبوية قدماً ولم يثن من عزمهم شيئاً ولا أكدى لهم أملاً حرصاً على إظهار الحقيقة ونشر الدين الصحيح .
ولو كان عيب الاغيار وسخرية من لم يستضيء بنور الحقيقة مما يرتفع به رجحان هذه الشعائر المذهبية لوجب

(1) مزار البحار ص 124 عن كامل الزيارة .
علي الاكبر 140

على الامام المقيض لنشر الأحكام وإرشاد الضال تعريف الناس بترك ما يستلزم ذلك ولما دعا لشيعتة بالخير ودعا على غيرهم ممن لم يرض بهذه الأعمال بالخيبة والخسران .
فيقول الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل في عدونا من يطعن عليهم ويقبح ما يصنعون .
ويقول : والله لحظهم أخطأوا وعن ثواب الله زاغوا وعن جرار محمد تباعدوا .
ولوجب عليه أن ينهي ذريح المحاربي عن الزيارة المستلزمة لسخرية ولده وأقاربه وحيث أكد فعله بقوله عليه السلام :
«ياذريح دع الناس يذهبون حيث شاؤوا وكن معنا »
عرفنا رغبته في فعل هذه الأعمال .
أما دعاؤه وهو ساجد الذي يرويه معاوية بن وهب الذي يقول فيه :
« اللهم ان أعداءنا عابوا عليهم خروجهم إلينا خلافاً منهم على من خالفنا فارحم تلك الصرخة التي كانت لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واخترقت لنا وارحم تلك الأعين

علي الاكبر 141

التي جرت دموعها رحمة لنا (1) .
فيفيدنا وثوقاً برغبتهم فيما تفعله الشيعة سما به إظهار مظلوميتهم واحقيتهم للأمر .
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال لأمير المؤمنين عليه السلام : ان حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم كما تعير الزانية بزانية بزناها اولئك شرار أمتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة (2) .

(1) رواه الكليني في الكافي ج 4 ص 582 ج 2 ص 477 . وابن قولويه في كامل الزيارة ص 116 وذكرناه بتمامه في مقتل الحسين ص 31 .
(2) فرحة الغري لابن طاووس ص 63 طبع النجف

السابق السابق الفهرس التالي التالي