كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 88

وفي قضاء الحوائج ونيل المقاصد ودفع الاعادي.
وقد أكد أهل البيت (عليهم السلام) على هذه الزيارة عاشوراء وحثوا شيعتهم عليها بما فيها دعاء علقمة والذي يُقرأ بعد الزيارة.
روي عن صفوان أنه قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزر به فإني ضامنٌ على الله لكل من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدّعاء من قُرب أو بُعد ، أنّ زيارته مقبولة وسعيه مشكور وسلامه واصل غير محجوب وحاجته مقضية من الله تعالى بالغة ما بلغت ولا يخيّبُه.
يا صفوان ، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين(عليهما السلام) مضموناً بهذا الضمان عن الحسين(عليه السلام) والحسين(عليه السلام) عن أخيه الحسن(عليه السلام) مضموناً بهذا الضمان والحسن(عليه السلام) عن أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) مضموناً بهذا الضمان ، وأمير المؤمنين(عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مضموناً بهذا الضمان ورسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل(عليه السلام) مضموناً بهذا الضمان وجبرئيل عن الله عزّوجلّ مضموناً بهذا الضمان ، وقد آلى الله على نفسه عزّوجلّ أنّ من زار الحسين(عليه السلام) بهذه الزيارة من قُرب أو بُعد ودعا بهذا الدعاء قبلتُ منه زيارته وشفّعته في مسألته بالغةً ما بلغت ، وأعطيته سؤله ثم لا ينقلب عنّي خائباً ، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاءِ حاجته والفوز بالجنة والعتق من النار وشفّعته في كل من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت آلى الله تعالى بذلك على نفسه ، وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك ، ثمّ قال جبرئيل : يا رسول الله ـ إن الله ـ أرسلني إليك سُروراً وبشرى لك ، وسروراً وبشرى لعليّ وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولدك وشيعتكم إلى يوم البعث.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 89

ثم قال صفوان : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : يا صفوان إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت وادع بهذا الدعاء وسل ربّك حاجتك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده ورسوله (صلى الله عليه وآله) بمنّه والحمدُ لله..... (1)
وقال شيخنا ثقة الاسلام النوري ـ رحمه الله ـ : أما زيارة عاشوراء فكفاها فضلاً وشرفاً أنها لا تسانخ سائر الزيارات التي هي من إنشاء المعصوم وإملائه في ظاهر الامر ، وإن كان لا يبرز من قلوبهم الطاهرة إلا ما تبلغها من المبدأ الاعلى ، بل تسانخ الاحاديث القدسية التي أوحى الله ـ جلّت عظمته ـ بها إلى جبرئيل بنصها بما فيها من اللعن والسّلام والدعاء فأبلغها جبرئيل إلى خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله)(2)
وإليك زيارة عاشوراء برواية الشيخ الطوسي ـ عليه الرحمة ـ كما في المصباح :

(1) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ص723 ـ 724 ، بحار الانوار : ج98 ،ص 299 ـ 300.
(2) مفاتيح الجنان : ص 463.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 90

زيارة عاشوراء

السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا أبَا عَبْدِاللهِ ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطِمَةَ الزّهراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ ، السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ المَوْتُورَ ، السَّلأمُ عَلَيْكَ وَعَلَى الارْواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ ، وَأنَاخَتْ بِرحْلِك عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ.
يَا أبَا عَبْدِ اللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وجَلّتْ وعَظُمَتْ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَمِيعِ أهْلِ الاسْلام ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أهْلِ السَّمَوَاتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسَّسَتْ أساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ وَأوْلِيائِهِمْ.
يَا أبَا عَبْدِاللهِ ، إنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوليٌ لِمَنْ والاكُم وعدوٌّ لِمَنْ عَاداكُمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آل زِيَاد وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَنِي اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسْرَجَتْ وَألْجَمَتْ وَتَهيّأتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ ، بِأبِي أنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابِي بِكَ ، فَأسْالُ اللهَ الّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأكْرَمَنِي بِكَ ، أنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُور مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلّى الله

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 91

عَلَيْهِ وَآلِهِ.
اللهمّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ (عليه السلام)َّلأم فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ مِنَ المقَرّبينْ.
يَا أبَا عَبْداللهِ ، إنِّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ تعالى ، وَإلَى رَسُولِهِ ، وَإلى أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وَإلَى فاطِمَةَ ، وإلى الحَسَنِ وَإلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، ومُوالاةِ أَوليائِك وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصبَ لَكَ الحَربَ ، وبالْبَرَاءةِ مِمَّنْ أسَّسَ أساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَعلى أشياعِكُم وَأبْرَأُ إلى اللهِ وَإلى رَسُولِهِ وَبِالبراءِةِ مِمَّنْ أسَّسَ أساسَ ذلِكَ ، وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرَى في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأتَقَرَّبُّ إلى اللهِ وَإلى رَسولِهِ ثُمَّ إلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُم وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أعْدائِكُمْ ،وَالنَّاصِبِينَ لَكُم الحَرْبَ ، وَبِالبَرَاءَةِ مِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ ، يا أبا عَبدِ الله إنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأسْألُ اللهَ الّذِي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني البَراءَةَ مِنْ أعْدائِكُمْ ، أنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق في الدُّنْيا وَالاخِرَةِ ، وَأسْألُهُ أنْ يُبَلِّغَنِي الْمقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِي مَعَ إمَام مَهْدِيٍّ ظَاهِر نَاطِق بالحقِّ مِنْكُمْ ، وَأسْألُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أفْضَلَ ما يُعْطِي مصاباً بِمُصِيبَتِهِ ، يا لَها منْ مُصِيبَة مَا أعْظَمَها وَأعْظَمَ رَزِيّتهَا فِي الاسْلامِ وَفِي جَمِيعِ أهلِ السَّموَاتِ وَالارْضِ.
اللهُمَّ اجْعَلْني في مَقامِي هذا مِمَّن تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 92

وَمَغْفِرَةٌ.
اللهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّد وَآل ِمُحَمَّد.
اللهُمَّ إنَّ هَذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الاكْبادِ ، اللعِينُ بْنُ ال لعِينِ عَلَى لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ في كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبيُّكَ ـ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ.
اللهُمَّ الْعَنْ أبَا سُفْيانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وآلَ مَرْوَانَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللعْنَةُ أبَدَ الابِدِينَ ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيَاد وَآلُ مَرْوانَ عَليهِمُ اللَّعْنةُ بِقَتْلِهِمُ الحُسَيْنَ (عليه السلام)سَّلأم.
اللهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللعْنَ وَالعَذابَ الالِيم.
اللهُمَّ إنِّي أتَقَرَّبُّ إلَيْكَ في هذَا اليَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هَذا ، وَأيَّامِ حَيَاتِي بِالبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيِه وعَلَيْهِمُ السَّلأمُ.
ثمّ يقول :
اللهُمَّ الْعَنْ أوّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَآخِرَ تَابِع لَهُ عَلَى ذلِكَ ، اللهُمَّ الْعَنِ العِصابَةَ الَّتِي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عليه السلام)سَّلأم وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ. اللهُمَّ الْعَنْهم جَميعاً ( يقول ذلك مائة مرّة ).
ثمّ يقول :
السَّلأمُ عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الارْواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ ، وَأنَاخَت برَحْلِك عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 93

آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ ، أهْلَ البَيتِ السَّلأمُ عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين
( يقول ذلك مائة مرّة ).
ثمّ يقول :
اللهمَّ خُصَّ أنْتَ أوّلَ ظالم بِاللّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أوّلاً ، ثُمَّ الثَّانِي ، وَالثَّالِثَ وَالرَّابِع.
اللهُمَّ الْعَنْ يزِيَدَ خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَاللهِ بْنَ زِيَاد وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْد وَشِمْراً وَآلَ أبي سُفْيانَ وَآلَ زِيَاد وآلَ مَرْوانَ إلَى يَوْمِ القِيامَةِ.

ثم تسجد وتقول :
اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرينَ لَكَ عَلَى مُصابِهِمْ ، الحَمْدُ للهِ عَلَى عَظِيمِ رَزِيّتي.
اللهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الحُسَيْن عليه السلام)َّلأم يَوْمَ الوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَأصْحابِ الحُسَيْن الّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْن عليه السلام)سَّلأم.

قال علقمة : قال أبو جعفر(عليه السلام) وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 94

دعاء علقمة

وروى محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عُميرة ، قال : خرجت مع صفوان بن مهران الجمَّال وعندنا جماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما خرج أبو عبدالله(عليه السلام) فسرنا من الحيرة إلى المدينة ، فلمَّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) ، فقال لنا : تزورون الحسين(عليه السلام) من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين(عليه السلام) من هَهنا أومأ إليه أبو عبدالله الصادق(عليه السلام) وأنا معه.
قال : فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي ، عن أبي جعفر(عليه السلام) في يوم عاشوراء ثم صلَّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين(عليه السلام) وودَّع في دبرهما أمير المؤمنين وأومأ إلى الحسين بالسلام منصرفاً بوجهه نحوه ، وودَّع وكان فيما دعا في دبرهما :
يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ ، يَا مُجيبَ دَعوَةِ الْمُضْطَّرينَ ، يَا كَاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبِينَ ، يَا غِيَاثَ المُسْتَغِيثِينَ ، يَا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، يَا مَنْ هُوَ أقْرَبُ إلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَيَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الاعْلَى ، وَبِالاُفُق الْمُبِينِ ، وَيَا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ، وَيَا مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، ويَا مَنْ لأ يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، يَا مَنْ لأ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الاصْوَاتُ ، وَيَا مَنْ لاتُغَلِّطُهُ الْحَاجَاتُ ، وَيَا مَنْ لأ يُبْرِمُهُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 95

إلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ، ويَا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْت ، وَيَا جَامِعَ كُلِّ شَمْل ، وَيَا بَارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، يَا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْم في شَأْن ، يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ ، يَا مُنَفِّسَ الْكُرُبَاتِ ، يَا مُعْطِيَ الْسُّؤلاتِ ، يَا وَلِيَّ الرَّغَبَاتِ ، يَا كَافِيَ الْمُهِمَّاتِ ، يَا مَنْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيء وَلا يَكْفِي مِنْهُ شَيٌ فِي السَّمواتِ وَالارْضِ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّد خَاتَمِ النَبيين وَعَلِيٍّ أمير المُؤمنين ، وَبِحَقّ فَاطِمَةَ بنتِ نَبيِّكَ ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.
فَإنِّي بِهِمْ أتَوَجَّهُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا ، وَبِهِمْ أتَوَسَّلُ ، وَبِهِمْ أتَشَفَّعُ إلَيْكَ ، وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ وَاُقْسِمُ وَأعْزِمُ عَلَيْكَ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَهُمْ عِنْدَكَ وَبِالْقَدْرِ الّذِي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَبِاسْمِكَ الّذَي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعَالَمِينَ ، وَبِهِ أبَنْتَهُمْ وَأَبَنْتَ فَضْلَهُمْ من فَضْلِ الْعَالَمِينَ حَتَّى فَاقَ فَضْلُهُمْ فَضْلَ الْعَالَمِينَ جَميعاً أسألُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد وَأنْ تَكْشفَ عَنِّي غَمِّي وَهَمِّي وكَرْبِي ، وَتَكْفِيَنِيَ المُهِمَّ مِنْ اُمُورِي ، وَتَقْضِيَ عَنِّي دَيْنِي ، وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَقْرِ ، وَتجْيرَني مِنْ الفَاقَةِ ، وَتُغْنِيَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَتَكْفِيَنِي هَمَّ مَنْ أخَافُ هَمَّهُ ، وَجَورَ مَنْ أَخافُ جَوْرَه ، وَعُسْرَ مَنْ أخَافُ عُسْرَهُ ، وَحُزُونَةَ مَنْ أخَافُ حُزُونَتَهُ ، وَشَرَّ مَن أخَافُ شَرَّهُ ، وَمَكْرَ مَنْ أخَافُ مَكْرَهُ ، وَبَغْيَ مَنْ أخَافُ بَغْيَهُ ، وَسُلْطَانَ مَنْ أخَافُ سُلْطَانَهُ ، وَكَيْدَ مَنْ أخَافُ كَيْدَهُ ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أخَافُ مَقْدُرَته عَلَيَّ ، وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الْكَيَدَةِ ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ.
اللهُمَّ مَنْ أرادَني فَأرِدْهُ ، وَمَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ ، وَاصْرِفُ عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأمَانِيَّهُ ، وَامْنَعْهُ عَنِّي كَيْفَ شِئْتَ ، وَأنّّى شِئْتَ.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 96

اللهُمَّ اشْغَلْهُ عَنِّي بِفَقْر لا تَجْبُرُهُ ، وَبِبَلاء لا تَسْتُرُهُ ، وَبِفَاقَة لا تَسُدَّهَا ، وَبِسُقْم لا تُعَافِيهِ ، وَذُلٍّ لا تُعِزُّهُ ، وَبِمَسْكَنَة لا تَجْبُرُها.
اللهُمَّ اضْرِبْ بِالذُلِّ نَصْبَ عَيْنيهِ ، وَاَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ ، وَالْعِلَّةَ وَالسَّقْمَ فِي بَدَنِهِ ، حَتَّى تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْلِ شَاغِل لا فَرَاغَ لَهُ ، وَأنْسِهِ ذِكْرِي كَما أنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ ، وَخُذْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِهِ ، وَأدْخِلْ عَلَيْهِ في جَميعِ ذَلِكَ السُّقْمَ ، وَلا تَشْفِهِ حَتَّى تَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ شُغْلاً شَاغِلاً بِهِ عَنِّي وَعَنْ ذِكْرِي.
وَاكْفِنِي يَا كافِي مَا لا يَكْفِي سِوَاكَ فَإنَّكَ الْكَافِي لا كافِيَ سِوَاكَ ، وَمُفَرِّجٌ لا مُفَرِّجَ سِوَاكَ ، وَمُغِيثٌ لا مُغِيثَ سِوَاكَ ، وَجَارٌ لا جارَ سِوَاكَ ، خَابَ مَنْ كَانَ جَارُهُ سِوَاكَ ، وَمُغِيثُهُ سِوَاكَ ، وَمَفْزَعُهُ إلَى سِوَاكَ ، وَمَهْرَبُهُ إلى سِوَاكَ ، وَمَلْجَأُهُ إلى غَيْرِكَ ، وَمَنْجَاهُ مِنْ مَخْلُوق غَيْرِكَ ، فَأنْتَ ثِقَتِي وَرَجَائِي وَمَفْزَعِي وَمَهْرَبِي وَمَلْجَايَ وَمَنْجَايَ ، فَبِكَ أسْتَفْتِحُ ، وَبِكَ أسْتَنْجِحُ ، وَبِمُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد أَتَوَجَّهُ إليْكَ وَأتَوسَّلُ وَأتَشَفَّعُ ، فَأَسْأَلُكَ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ ، فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَلَكَ الشُّكْرُ ، وَإلَيْكَ المُشْتَكَى وَأنْتَ المُسْتَعَانُ ، فَأسْألُكَ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ ، بِحَقِّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمِّي وَهَمِّي وَكَرْبِي فِي مَقَامِي هَذَا كَمَا كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فَاكْشِفْ عَنِّي كَمَا كَشَفْتَ عَنْهُ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كَمَا فَرَّجْتَ عَنْهُ ، وَاكْفِنِي كَمَا كَفَيْتَهُ واصْرِفْ عَنّي هَوْلَ مَا أخَافُ هَوْلَهُ وَمَؤُونَةَ مَا أخَافُ مَؤُونَتَهُ ، وَهَمَّ مَا أخَافُ هَمَّهُ بِلا مَؤُونَة عَلَى نَفْسِي مِنْ ذلِكَ ، وَاصْرِفْنِي بِقَضَاءِ حَوَائِجِي ، وَكِفَايَةِ ما أهَمَّنِي هَمُّهُ مِنْ أمْرِ آخِرَتِي وَدُنْيَايَ.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 97

يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَيَا أبَا عَبْدِ الله ، عَلَيْكُما مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمَا وَلا فَرَّقَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُما.
اللهُمَّ أحْيِنِي حيَاةَ مُحَمَّد صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَأمِتْنِي مَمَاتَهُمْ ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِمْ ، وَاحْشُرْني في زُمْرَتِهِمْ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْن أبَداً في الدُّنْيا وَالاخِرَةِ.
يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَا أبَا عَبْدِاللهِ ، أَتَيْتُكُمَا زائِراً وَمُتَوَسِّلاً إلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمَا ، وَمُتَوَجِّهاً إلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُمَا إلَى اللهِ تَعَالَى في حَاجَتِي هذِهِ فَاشْفَعَا لِي فَإنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجَاهَ الوَجِيهَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالوَسِيلَةَ ، إنِّي أنْقَلِبُ عَنْكُما مُنْتَظِراً لِتَنَجُّزِ الحَاجَةِ وَقَضائِهَا وَنَجاحِهَا مِنَ اللهِ بِشَفاعَتِكُما لِي إلَى اللهِ في ذلِكَ فَلا أخِيبُ ، وَلا يَكُونُ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً خَائِباً خَاسِراً بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً رَاجِحاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجَاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ الحَوَائِجِ وَتَشْفَعا لِي إلَى اللهِ ، انْقَلَبتُ عَلَى مَا شَاءَ اللهُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ ، ومُفَوِّضاً أمْري إلَى اللهِ ، مُلْجِئاً ظَهْري إلَى اللهِ ، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللهِ ، وَأقُولُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفَى ، سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعَا ، لَيْسَ لي وَراءَ الله وَوَراءَكُمْ يا سادَتِي مُنْتَهى ، ما شاءَ رَبِّي كانَ ، وَمَا لَمْ يَشأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ أسْتَوْدِعُكُم اللهَ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي إلَيْكُمَا ، انْصرَفْتُ يَا سَيِّدِي يَا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلايَ وَأنْتَ يَا أبَا عَبْدِاللهِ ، يَا سَيّدِي وَسَلامِي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ مَا اتَّصَلَ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَاصِلٌ ذلِكَ إلَيْكُمَا غَيْرُ مَحْجُوب عَنْكُمَا ، سَلأمِي إنْ شَاءَ ، اللهُ وَأسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أنْ يَشاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ فَإنَّهُ حَمِيدٌ مَجيدٌ ،

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 98

انْقَلَبْتُ يَا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تَائِباً حَامِداً للهِ ، شاكِراً رَاجِياً لِلاجابَةِ ، غَيْرَ آيِس وَلا قانِط ، آئِباً عَائِداً راجِعَاً إلَى زِيَارَتِكُمَا غَيْرَ رَاغِب عَنْكُما وَلا عَنْ زِيارَتِكُما ، بَلْ رَاجِعٌ عَائِدٌ إنْ شاءَ اللهُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العَليِّ العَظِيمِ ، يَا سَادَتي رَغِبْتُ إلَيْكُمَا وَإلَى زِيارَتِكُمَا بَعْدَ أنْ زَهِدَ فِيكُمَا وَفي زِيَارَتِكُمَا أهْلُ الدُّنْيا فَلا خَيَّبَنِي اللهُ مَا رَجَوْتُ ، وَمَا أمّلْتُ فِي زِيَارَتِكُمَا ، إنّه قَرِيبٌ مُجِيبٌ (1)


(1) المصباح للشيخ الطوسي : ص715 ـ 723 ، وعنه بحار الانوار : ج98 ، ص293 ـ 299.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 99




كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 100

3 ـ الابعاد المستوحاة من ليلة عاشوراء

البعد الديني
البعد العبادي
البعد الأخلاقي التربوي
البعد العسكري


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 101

تمهيـد

إن لهذه الليلة العظيمة أبعاداً مختلفةً ، وجوانبَ متعددةً ، وعِبَراً نافعةً ، في ميادين العقيدة والشريعة الاسلامية يجدُرُ الوقوفُ عليها ، واستكناه ما في سويعاتها العصيبة التي نزلت بساحة أهل بيت الوحي والتنزيل (عليهم السلام) ، وما أعقبها من أحداث مُنيَ بها الاسلامُ والمسلمون بأفدح ما عرفهُ تاريخ البشرية أجمع ، وكيف لا وقد اتفقت الكلمةُ على إبادة أهل بيت الوحي ومعدن الرسالة ومهبط التنزيل.
إن ليلة عاشوراءَ الاليمة من سنة (61 هـ ) وإن كانت في حساب الليالي ليلةً واحدةً ذات سُويعات محدودة ، إلا أنها في حساب التاريخ شكلت مُنعطفاً حاداً في تاريخ الاسلام ، لم تشهده ليلةٌ من لياليه مُنذ فجره وإلى يومنا هذا ، سوى ليال معدودة شاءَ اللهُ أن يجعلها شموساً في تاريخ الاسلام ، والتي منها ليلةُ مبيتِ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله) ، وليلةٌ سَمعت فيها فاطمة الزهراء(عليها السلام) صوتَ بلال يُردد : أشهد أن محمداً رسول الله ، وأبوها العظيم (صلى الله عليه وآله)ملبٍّ نداء الله «يَاأَيَّتُها النَّفسُ المُطمئنَّةُ ، ارجِعي إِلى رّبِكِ راضِيةً مَّرضِيَّةً »(1).
وليلةٌ سمعت فيها عقيلةُ الهاشميين (عليها السلام) إخاها الحسين(عليه السلام) ينشد ويردد : يا دهر اُف لك من خليل...

(1) سورة الفجر : الاية 27 و28.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 102

إنها ليلةُ عاشوراء التي أعاد صبحُهَا أحداثَ بدر الكُبرى ، مجسمةً حيّةً على رمال كربلاءَ ، حيثُ تصارعَ الكفرُ والايمانُ ، وانهزم فيها السيف الجبان ، وانتصرالحقُّ بحدِّ اللسان وَكانت كلمةُ الله هي العليا ، وكلمة الكُفر هي السُفلى.
صحيح أن أحداثَ ليلة عاشوراءَ قد غشيها الظلامُ ، إلا أن الحسين(عليه السلام) جعل من ذلك الليلِ المظُلم شُموساً وأقماراً تُضيءُ التِلال والاكام ، وتدلُ على الحق وتُعرّف أهله ، وتشخّصُ الباطلَ وتلعنُ اهلهَ في كل عصر وجيل.
وإذا ما نظرنا بعين الاعتبار في هذه الليلة العظيمة أدركنا أهمية هذه الليلة وضرورةَ الاطلاع عليها وعلى أبعادها العقائدية والاخلاقية والاجتماعية وغيرها ، ودراستها وفَهم ما أرادَه سيدُ الشهداء(عليه السلام) منها.
ولا ندعي استيعابَ جميع ما فيها من أبعاد ، فهي أوسع من أن تُحصر أو تُعد لانها الحد الفاصلُ بين محض الايمان ولبابه ، وبين مَكر الشيطان وأوليائه ، إلا أن ما لم يُدرك كُلّه لا يُترك جلّه ، وفي إدراك اليسير النافع من أبعاد هذه الليلة ومحاولة الاستفادة منها وتجسيدها على أرض الواقع هو ما نرجوه ومن الله التوفيق والعون.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 103

البعد الديني


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 104




كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 105

أ ـ البعد الديني في موقف الحسين (عليه السلام) :


إن ليلة عاشوراءَ وما ترتب عليها من آثار ومواقف جاءت نتيجة لموقف الحسين(عليه السلام) الشرعي ، وانطلاقاً من مبدئه السامي القائم على طلب الاصلاح في أُمة جده (صلى الله عليه وآله) كما أوضح هذا قبل خروجه قائلاً :
وأني لم أخرُج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإِنما خَرجتُ لطِلبِ الاصلاح في اُمّة جَدّي (صلى الله عليه وآله) ، اُريدُ أَن آمرَ بالمعروف وأَنهى عن المُنكر ، وأَسيرَ بسيرةِ جَدّي وَأبي علي بن أبي طالب ، فمن قَبلني بقَبول الحق فاللهُ أولى بالحق َ ومَنْ رَدَّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضي اللهُ بيني وبين القوم وهو خيرُ الحاكمين(1).
وقد أكد على ذلك أيضاً في خطبته التي خطبها في ذي حُسْم(2)قائلاً :
إنَّهُ قد نَزل بنا مِن الامر ما قد تَرون ، وإِنَّ الدُّنيا قَدْ تَغيَّرت وتَنكّرَت وأَدبر معرُوفُها ، واستمرَّت جِدّاً ، فلم يَبقَ مِنْها إلا صُبابَةٌ كصُبابةِ الاناءِ ، وخَسيسُ عَيش كالمرعى الوبيلِ ، أَلا تَرَونَ أن الحَقَّ لا يُعملُ بهِ ، وأن الباطل لا يُتناهى عنهُ ، ليرغَبِ المؤْمنُ في لقاءِ اللهِ مُحقّاً ، فإنّي لا أَرى المَوتَ إلاسعادةً ، ولا الحياةَ مع الظالِمين إلا بَرماً(3).

(1) بحار الانوار : ج44 ، ص329 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج1 ،ص188ـ 189 ، مقتل الحسين للمقرم : ص139.
(2) قيل : إنه موضع بالكوفة أو جبل في طريق البر ، وفيه استقبل الحر الرياحي في ألف فارس.
(1) تاريخ الطبري : ج4 ،ص 305 ، تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الامام الحسين(عليه السلام) : ص214 ، بحار الانوار : ج44 ، ص381.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 106

فقد أوضح(عليه السلام) في خُطبته أن الدنيا تغيرت عما هو المرجو من جريانها ، وأنكرت وأدبر معروفها ، بحيث صار المُنكر مَعروفاً والمعروف مُنكراً ، ولا بدَ من إصلاح ما فسد وتقويم ما اعوج ، وإن أدى ذلك إلى الشهادة ، وهو ما عَبّرعنه بقوله(عليه السلام) : ليرغب المؤمنُ في لقاءِ الله مُحقاً.
ومما أشار إليه(عليه السلام) في خطبته هو أنه يرى الحياةَ مع الظالمين برماً ، ولِذا وَقف موقفاً صارماً وحازماً من بيعة يزيد بن معاوية.
وحيث أن الامام الحسين(عليه السلام) إمامٌ معصومٌ مفترضُ الطاعة فيجب على الامة الانقياد إليه والائتمار بأمره ، فما رآه(عليه السلام) ودعا إليه فهو الحق وما رفضه ونهى عنه فهو الباطل ، فلما رأى(عليه السلام) بأن وظيفته وتكليفه يحتمان عليه السير في إصلاح ما فسد في الامة ، ليحق الحق ويبطل الباطل سار على ذلك وإن انتهى به الامر إلى الشهادة ، وله بهذا أسوةٌ بالانبياء (عليهم السلام) الذين واجهوا الصعاب في سبيل الله تعالى ، حتى أُوذوا وشُرِّدوا ونُفوا عن أوطانهم ، ومنهُم من تَعرَّض للقتل ونُشر بالمنشار ، ومنهم من قُطع رأسُه في سبيله تعالى كيحيى بن زكريا(عليه السلام) وأُهدي رأسُه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
واختار يحيى أن يُطاف برأسه وله التأسي بالحسين يكون

ومنهم من أرادوا إحراقه بالنار لولا أن نجاه اللهُ كإبراهيم الخليل(عليه السلام) الذيِ سار على ضَوءِ ما يُمليِه عليه الواجب الديني ، فَكسّرَ أصنام المشركين فكانت النتيجة تعرضه للقتل«قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلهَتكُم »(1) وغيرهما من

(1) سورة الانبياء : الاية 68.

السابق السابق الفهرس التالي التالي