كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 229

أو :
وخذوا عترتي وهيموا بجنح الليل فالليــل درعكــم للنجــاة

مقابل : ( وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ـ هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا )
أو :
ليتنا يا حسين نسقط صرعى ثم تحيا الجسوم فى حيوات
وسنفديك مــرة بعد اُخرى ونضحي دمــاءنا مـرات

مقابل :( قال زهير بن القين : والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة )
وربما تكون بعض المقتضيات الفنية قد جعلته يبتكر في الحوارات مالم يُقل نصّاً بل مايُستشعر بأنه سيقال حتى أنه جاء بلغة معاصرة لا يمكن لأنصار الحسين أن يقولوا مثلها في زمنهم بل يقولونها بلغة عصرهم الذي عاشوا فيه :
فنكون الأقذار في صفحة التاريخ والعار فـي حديث الــروات
أو سبابــاً على لسان عجوز أو لسان القصّاص في السهرات
يتــوارى أبنائنـا في الزوايا من اليم الــهجاء واللعنــات

و هذا التمكن في إستخدام أدوات الفنون الاُخرى كالمسرح أضفى على القصيدة درامية في التعبير تضاف الى الحصيلة العامة مما أسميناه بالخيوط التعبيرية والتوصيلية الناسجة لشبكات الإتصال بين النص والمتلقي حين تنكشف معطيات القصيدة كإنجاز نوعي على مستوى المبنى الحامل للمعنى بموقف جمالي متقدم.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 230

(2)
الكوكبُ الفرد

أنــزلوه بكــربلاء وشادوا حوله من رماحــهم أســوارا
لا دفاعاً عــن الحسين ولكن أهل بيت الرسول صاروا أُسارى
قال : ماهــذه البقـاعُ فقالوا كربلاء فقــال : ويحــكِ دارا
هاهنا يشربُ الثرى مـن دمانا ويثيرُ الجمـادَ دمــعُ العذارى
بالمصير المحتوم أنبأنـي جدي وهيهــات أدفـــع الأقـدارا
إن خَلَتْ هـذه البقـــاع من الأزهار تمسي قبورُنا أزهــارا
أو نجوماً عـلى الصعيد تهاوت في الدياجير تُطلـعُ الأنـــوارا
تتلاقى الأكبـادُ من كُل صوبٍ فوقَها والعيــونُ تهمـي ادّكارا
مَنْ رآها بكـى ومن لم يزرها حَمَّل الــريحَ قلبُه تـِذكــارا
كربلاء !! ستصبــحين محجاً وتصيرين كالهـواءِ انتشــارا
ذكركِ المفجع الألــيم سيغدو في البرايا مثلَ الضيـاءِ اشتهارا
فيكون الهدى لمــن رام هدياً وفخاراً لمـن يــرومُ الفخارا
كُلّما يُذكـر الحســينُ شهيداً موكبُ الــدهر يُنبت الأحرارا
فيجيءُ الأحرار في الكون بعدي حيثما ســرتُ يلثمون الغبارا
وينادون دولــةَ الظلـم حيدي قد نقلنا عــن الحسين الشعارا
فليمت كــلُ ظالـــمٍ مستبدٍّ فإذا لــم يمــت قتيلاً توارى
ويعــودون والكــرامةُ مَدّت حول هامــاتهم سنـاءً وغارا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 231

فإذا أُكــرهوا ومــاتوا ليـوثاً خَلّدَ الحـقُ للأُســود انتصـارا
سَمِعَتْ زينبُ مقــالَ حســينٍ فأحستْ في مُقلتيــها الــدوارا
خالتْ الأزرقَ المفضّض ســقفاً أمسكتُهُ النــجومُ أن ينهــارا
خالتْ الأرضَ وهـي صمّاءَ حزنٌ حمأً تحـتَ رجِلهــا مَــوّارا
ليتني مـُتُّ يـاحســينُ فلــمْ اسمع كَلاماً أرى عَليـه احتضارا
فُنيــتْ عِتــرةُ الرسولِ فأنتَ الكــوكبُ الـفردُ لا يزالُ منارا
مات جدي فانــهدَّت الوردةُ الـ زهـراءُ حزنـاً ، وخلَّفتنا صغارا
ومضي الوالـدُ العــظيمُ شهيداً فاستــبدّ الزمـانُ والظلُّ جارا
وأخوك الــذي فقدنـاهُ مسموماً فبتنا مـن الخــطوبِ سُكارى
لا تَمُتْ يـا حســينُ تفديكَ منّا مُهجــاتٌ لـم تقرب الأوزارا
فتقيكَ الجفــونُ والهُدب نرخيها ونلقـي دون المنــون ستارا
شقّت الجيــبَ زينـبٌ وتلتهـا طاهــراتٌ فمـا تركن إزارا
لا طمــاتٍ خـُدودهـنَّ حُزانى ناثراتٍ شعــورهنَّ دثــارا
فدعاهـنَّ لاصـطبــارٍ حسينٌ فكأنَّ المياه تُطفــيء نــارا
قــال : إن مـتُّ فالعـزاءُ لكنّ الله يُعطي من جــوده إمطارا
يلبـسُ العاقلُ الحكيمُ لباسَ الصبر إن كانــتْ الخــطوبُ كبارا
إنّ هــذه الدنيـا سحابةُ صيفٍ ومتــى كانـت الغيومُ قرارا
حُـبّيَ المـوتُ يُلبسُ الموتَ ذلاً مثلمـا يكسفُ الّهيبُ البخارا (2)

(1) عيد الغدير : بولس سلامة : ص 250 ـ 253.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 232

ـ 6 ـ
للشاعر الأستاذ جاسم الصحيّح(1)
تأملات في ليلة عاشوراء
ذكراكِ مـِلءُ مَحـاَجِرِ الأجيالِ خَطَرَاتُ حـُزْنٍ يَزْدَهِـي بِجَلأل
وَرَفَيفُ سـِرْبٍ من طُيُوفِ كآبةٍ تختالُ بيــنَ عَـوَاصِفٍ ورِماَل
يَا لَيْلَــةً كَسـَت الزمانَ بِغَابَةٍ مِنْ رُوحِها ، قَمــَرِيَّةِ الأَدْغـاَل
ذكراكِ مَلْحَمــَةٌ تَوَشَّحَ سِفْرُهاَ بروائعٍ نُسِجَت مـن الأَهْــوَال
فَهناَ (الحسينُ ) يَخِيطُ من أحْلأمِهِ فَجْرَيْنِ : فَجْرَ هوىً وَفَجْرَ نِضَالِ
وَ أَماَمَهُ الأجيالُ...يلمحُ شَوْطَها كَابٍ على حَجـَرٍ مــن الإِذْلألِ
فيجيشُ في دَمِهِ الفداءُ ويصطلي عَزْمــاً يُرَمّــِمُ كَبْوَةَ الأجيالِ
* * * *
وَهُنِا (الحسينُ) يُرِيقُ نبضَ فؤادِهِ مُتَمَرِّغاً في جَهْشَهِ الأطفالِ

(1) هو : الشاعر المبدع جاسم محمد أحمد الصحيّح ، ولد سنة 1384 هـ في الجفر إحدى قرى الأحساء ، حاز على بكالوريس في الهندسة الميكانيكية ، ويعمل حالياً موظفاً في شركة آرامكو السعودية ، ومن نتاجه الشعري الرائع ، أربعة دواوين وهي : 1 ـ عناق الشموع والدموع 2 ـ خميرة الغضب 3 ـ ظلّي خليفتي عليكم 4 ـ سهام أليفة ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 233

طَعَنُوهُ مــن صَرخـَاتِهِمْ بِأَسِنَّةٍ وَرَمَوْهُ مــن أَنَّاتِهــِمْ بِنِبـَالِ
(فَأَحَلَّ) مـن ثَوْبِ التــجلُّدِ حَانِياً وَ (أفاَضَ) في دَمْعِ الحنانِ الغالي
وانْهاَرَ فــي جُرْحِ الإباءِ مُضَرجاً بِالحُزْنِ... مُعْتَقَلاً بِغَيـٍرِ عِقَال
فَتَجَلَّتِ (الحوارءُ) في جَبَرُوتِها الـ قُدْسِيِّ تجلو موقف الأبطــال
مَدَّتْ علـى البَطَلِ الجريحِ ظِلألَها وَ طَوَتْهُ بين سَوَاعِـدِ الاّمـال
فَتَعاَنَقاَ...رُوحَيــْنِ سَلَّهُمِا الأسى بِصَفَائِهِ من قَبْضَةِ الصَـلْصَالِ
وعلى وَقِيدِ الــهَمِّ فـي كَبِدَيْهِما نَضَجَ العِنَاقُ خَمَائِلاً و دَواَلـيِ
* * * *
وَهُنـَاكَ ( زينُ العابدين) يَشُدُّ في سَاقَيْهِ صَبْرَهُماَ علـى الأَغْلألِ
و (سُكَيْنَةٌ) بـاَتَتْ تـُوَدِّعُ خِدْرَهاَ فَتدِبُّ نارُ الشوقِ فـي الأسْدَالِ
والنسوةُ الخَفِراَتُ طـِرَنَ حمائماً حيرى الرفيفِ كـئيبةَ الأَزْجَالِ
مَازِلْنَ خلفَ دموعِ كـل صَغِيرةٍ يَخْمِشنَ وَجْهَ الـصبرِ بالأذيالِ
حتَّى تفجَّرَ سِرْبُها في سَرْوَةِ الـ أحزانِ فاحْتـَرَقـَتْ مِنَ المَوَّالِ
ووراءَ أروِقَةِ الخيــامِ حكـايةٌ أُخْرَى تتيـهُ طيُـوفُها بِجَمَالِ
فَهُناَلِكِ (الأَسَدِيُّ) يُبْدِع صــورةً لِفِدائِهِ ، حُورِيَّــةَ الأشكـالِ
ويحاولُ استنفارَ شِيمَةِ نــُخْبَةٍ زرعوا الفَلأةَ رُجُولَةً ومعـَاَلي (1)
نادى بِهِمْ... والمجدُ يشهــدُ أنَّهُ نادى بِأعظمِ فَاتِحِينَ رِجــاَلِ
فإذا الفضاءُ مُُدَجَّجٌ بِصــوارمٍ وإذا الترابُ مُلَغَّـمٌ بِعَوَالــي

(1) حكم ( دوالي ـ معالي ) النصب عطفاً.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 234

ومشى بِهِم أَسَـداً يقــودُ وَرَاءه نحو الخلــودِ ، كتيبةَ الأشْبَالِ
حتـَّى إذا خدرُ (العقيلةِ) أجهشتْ أستارُه فــي مِسْمــعِ الأَبْطَالِ
ألقـى السلامَ.... فما تبقَّتْ نَبْضَةٌ في قَلْبِه لــم ترتعــشْ بِجَلألِ
وَمـُذِ الْتَقَتْهُ ـ مَعَ الكآبةِ ـ زينَبٌ مخنــوقَةً مــن هَمِّها بِحِبَالِ
قَطــَع استـدارةَ دمعةٍ في خَدِّها وَأَراَقَ خَاطِــرَها مـن البَلْبالِ
وَتَفَجَّرَ الفــرسانُ بِالعَهْـدِ الذي ينسـابُ حــول رِقَابِهـم بِدَلألِ
قرِّي فُؤَاداً يا (عقيلةُ) وأحــفظي هـذي الدموع.. فإنَّهنَّ غـوالي
ما دامتِ الصحراءُ... يَحْفَلُ قلبُها مِنَّـاـ بِنَبْضـَةِ فــَارِسٍ خَيَّالِ
سيظلُّ في تاريخ كـلِّ كــرامة ميزان عِــزِّكِ طَـافِحَ المِكْيَالِ
عَهْدٌ زَرَعْناَ في السـيوفِ بُذُورَهُ وَسَقَتـْهُ دِيـمَةُ جُرْحِناَ الهَطَّالِ
* * * *
أمـاَّ (الفراتُ) فَمُقْلةٌ مَشبُوحَةٌ نحو الصباح ، مُسَهَّدُ السَلْسَالِ
يَتَرقَّـبُ الغَدَ...بِالدِمَاءِ يَزُفُّهُ عَبْرَ امْتِــدَادِ أَبَاطِحٍ وتلأل
وَيَتُوقُ (لِلْعَبَّاسِ) يَغْسِلُ مَائَه بِأَجَلِّ مَعْنـىً للوفاءِ ، زُلألِ

جاسم محمد أحمد الصحيّح
24| شهر رمضان |1416 هـ
الجفر ـ الأحساء


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 235

الأستاذ جاسم الصحيّح (1)

نحن إزاء شاعرية تهندس خطابها بصخب هادر وتُزاوج رؤاها بليونة الطين في يد النّحات المتمرّس.
هناك مخطط في بناء القصيدة لا يُخطيء المتلقي في فرزه وتمييزه ، وهناك جهد يختبيء خلف سطور النص ، وهناك جدارة تنزوي خوفاً من قسوة التلقي وبطشه ، لكن هناك جرأة وشجاعة على مستوى التعبير وعلى مستوى الخروج على النمط لايستطيع القاريء إغفاله :
ياليلة كست الزمان بغابة من روحها قمرية الأدغال

إنّ القوافي سلسة المجيء الى نهايات البيت الشعري ولها ما يبرر مجيئها في حشو البيت ، لكن ماهذه الجرأة في التركيب (غابة من روحها) وما هذا الإنشاء التصويري في المزاوجة بين خطابه لليلة وبين إكتساء الزمان منها بضوء قمر جاء على شكل غابة من الروح أدغالها نورانية الإشعاع ؟
وسنلاحظ هذا النهج في أكثر من بيت عند الصحيّح مما يؤكد أصالة الإلتصاق والإلتحام بما هو جوهري في التأمل الشعري وكيفية معالجته.
والامثلة تتعدد في قصيدته الهادرة فمثلاً نلاحظ :
فهنا الحسين يخيط من أحلامه فجرين : فجر هوى وفجر نضال
وهنا الحسين يريق نبض فؤاده متمــرّغاً فـي جهشة الأطفال

ونلاحظ (متمرّغاً في جهشة الأطفال) التي لها معنى بعيد عن المعنى

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 236

المعجمي المحدود ، وكأن الصحيّح إنتشلها من نسقها القديم ونظّفها من أغبرة الإستخدام المألوف وركّب لها جناحين لتطير في سماء شاعريته ، ونرى أيضاً :
فتعانقا روحين سلّهماالأسى بصفائه من قبضة الصلصال

وكأنه يقول أن الألم الإنساني في تجلّياته المأساوية يجرّد الإنسان من طينيته ليسمو روحاً تعانق الأرواح القدسية المتآخية.
ونلاحظ ايضا :
قطع استدارة دمعة في خدّها وأراق خاطرها من البلبال

هذا النظر الى كتلة الأجسام التي يصوّرها وتحديد أشكالها داخل منظور هندسي تتشابك المفردات في تظليلها وتلوينها ، يكشف اللمسات لبارعة للريشة المبدعة التي يقبض عليها جاسم الصحيّح بكل كفاءة واقتدار تجعل من شاعريته الفيّاضة متقدمة بخطوةٍ أوسع من مجايليه.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 237

ـ 7 ـ
للشيخ جعفر الهلالي(1)
(1)
ليلة الشجى

ليلةَ العشــرِ كمْ بعثتِ الضَّراما لقلوبِ الأنامِ عــاماً فعامــا
ليلةَ العــشرِ مـا تزال حكاياك تُثير الشجى دموعـاً سجامــا
حدّثينا عـن المــآسي العظيما ت توالت على الـهدى تترامى
حدّثينا عــن غربة السبط تُبدي زُمرُ الشركِ في عداه الخصاما
يوم جــاءت يقودها البغيُ ظُلماً واستشاطت لحــربه أقزامـا
حــاولت أن تــذلَّه ليزيــد أو يذوقَ المنونَ جاما فجامــا
فرأتهُ صعبَ المجسَّةِ صُلبَ العود يأبى له الحجـى أنْ يُضامــا
وبوادي الطفوف سجّل مجــداً كلَّما مــرَّ ذكــره يتسامـى
بات والأهلُ والصحابُ تُناجـيه بنطقٍ تـعطيه فيـه التزامــا
تتفـدّاه بالبنيــن وبالأهــل وتستعـذبُ الردى حيـنَ حاما

(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ جعفر بن الشيخ عبدالحميد الهلالي ، ولد سنة 1351 هـ في مدينة البصرة ـ العراق ، درس في الحوزة العلمية في النجف الأشرف والتحق بكلية الفقه وتخرج منها عام 1386 هـ بشهادة بكالوريوس في الشريعة الأسلامية وعلوم العربية ، ويُعدُّ من ابرز الخطباء المعاصرين ، ومن مؤلفاته 1 ـ معجم شعراء الحسين عليه السلام) 2 ـ الملحمة العلوية 3 ـ ديوان شعر الكبير 4 ـ محاضرات إسلامية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 238

وعويلُ النساءِ والصبيةِ الأطفال فــي ليلةِ الوداعِ يـتامــى
وابنةُ الطهرِ زينبٌ عمّها الوجدُ فآبت تدعو الحسينَ الإمــاما
يا أخــي من لنا يُحيط حمانا إن فقدناك حارسـاً مقدامــا
ليت لا كان يومَ عاشوراء لكن ما قضى الله كان حـتماً لزاما

الشيخ جعفر الهلالي
15 / شوال / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 239

(2)
دجى الليل
ياليلـة العشر كم تسمو بك الفكر وفي دروسـك ما تحيى به العبر
رهــط لنسل رسول الله يطرده عن داره موغـل بالظلم مؤتزر
رهــط تقـاذفه البيداء لاسكن يأوي إليـه ، عـليه حوم الخطر
ياللعجائب كــم للظلم من صور يأتي بهـا بشـر فـي فعله أشر
مثل الحسين الذي في جده نعمت هذي الأنام غــدا يجفى ويحتقر
ونغل ميسون بين الناس حاكمها وهو الذي لم يصنه الدين والخفر
يملي على السبط إذعانا لبيعته ودون مـا يبتغيه الصارم الذكر
حاشا ابن فاطمة أن يغتدي تبعا وهو الذي غصنه ما عاد ينكسر
* * * *
ياليلة العشر من عاشور أي فتى قد بـات ليلك لا ماء ولا شجر
وحــوله النسوة الأطهار ذاهلة وسط الخيام ومنها القلب منفطر
كل تراها وقد اودى المصاب بها وعندها من مآسي صبحها خبر
وبنيــها زينب والهم يعصرها ودمعها من جفون العين ينحدر
ترى الحسين أخاها وهو يعلمها بقتلــه والعدا من حوله كثر

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 240

فأعولت والأسى يذكي جوانبها مما دهاها ونـار الحزن تستعر
فراح يطلب منهـا ان تشاطره عظم المهمة مهما يعظم الضرر
يااخت لا تجزعـي مما يلم بنا فذاك أمــر بــه لله نأتمـر
* * * *
ياليلــة العشر ما خرت عزائم من للبسط دون الورى في الحق قد نصروا
بـاتــوا ومثل دوي النحل صوتهم وللصلاة لهــم فــي ليلــهم وطر
وبيــن مــن يقرأ القـرآن ديدنه حتى الصــباح فمـا ملوا وما فتروا
أكرم بهــم مـن حمـاة مالهم شبه بين العبـاد وإن قلــوا وإن نـزروا
هم إن دجــى الليل رهبان سماتهم وفي النــهار ليوث الغاب إن زأروا
صلى الألــه عليهم ماهمت سحب ومــا أضــاء بأنوار لــه القمر

الشيخ جعفر الهلالي
7 / 12 / 1417 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 241

الشيخ جعفر الهلالي

خطاب منفتح على ليلة عاشوراء لتحديد أثرها العاطفي حرقة في القلوب على مدى التاريخ ، وحكايا تثير الاحزان دموعا ساكبات ، ثم يدور الخطاب ليصبح حوارا مع الليلة أو مطالبة بالحديث من الليلة كي تسرد الحوادث والمآسي وهي طريقة يختص بها الخطباء الشعراء ضمن طرقهم لشرح مايدور من وقائع حيث يستنطقون حالة ما أو شخصية ما أو غيرها في سرد الحوادث التي جرت على الإمام الحسين عليه السلام) في كربلاء ، والشيخ الهلالي من الخطباء الذين يوظفون معارفهم وعلومهم وأدبهم خدمة للمنبر الحسيني فلا يفوته فن شعري أو أسلوب أدبي أو طريقة خطابة إلا وجندها في صفّه ليغني منبره ويجود خطابته، وكيف وهو شاعر أيضا يختار لمقدمات خطابته ماجودته القريحة الموالية وما أحسنت صنعه الشاعرية المتفاعلة مع قضية الإمام الحسين(عليه السلام).

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 242

ـ 8 ـ
للشاعر الأستاذ جواد جميل(1)
(1)
ودعيني


ودّعيني ففي غدٍ يشرب السيفُ وريدي ويحفرُ القلبَ نصلُ
وغداً تذعرين حين ترين الخيلَ في وجهها جـنونٌ وقتلُ
وغداً تحملين أشلائيَ الحمراء غِمداً لألف سيفٍ يُسلُّ
وغداً تُنهب الخيامُ وخلفَ النارِ تبكي النسا ويهربُ طفلُ
وغداً لا يَظلُّ من يــوم عاشــوراء إلاّ جراحــنا... والرملُ
هاهنـا تصـرخ الرؤوس الخضيبات ويبكي على صداها النخلُ
وترضُّ الخيولُ صدري فيبكي النهرُ في صمته وتبكي الخيلُ
آهِ يا زينبَ البطولةِ خلّي الصبرَ رمحاً على خيامكِ يعلو
ودعي الدمعَ جمرةً ولهيباً من كُوى الغيب كلُّ آنٍ يَطلُّ
فطريقُ الخلودِ صعبٌ وفيه يفتحُ المرءُ جُرحَهُ أو يذلُّ

جواد جميل
الأحد 27 شوال 1416 هـ ق


(1) هو : الشاعر الأستاذ جواد جميل ، ولد سنة 1373 هـ في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية ، تخرج من كلية الهندسة سنة 1395 هـ ، وحاز على البكالوريوس فيها ، يُعد في طليعة الشعراء المعاصرين ، ومن نتاجه الأدبي» الحسين عليه السلام) لغة ثانية وله مجاميع شعرية اُخرى ، وله مساهمة فعالة في النوادي الأدبية والثقافية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 243

(2)
ليلة الأسى والدموع


آه ، يا ليلة الأسـى والدمــوعِ ، أطفأي في دمِ الطفـوف شموعي
ودعيني أعيش في ظلمة الحزن ، فعمري شمس بغير طلوعِ
وانثري في عيوني الجمرَ وقّاداً ، وخلّي اللهيب بين ضلوعي
وامسحي بالسواد لون وجــودي فلقـد كفّنَ الرمادُ ربيعي
واحمليني لكربلاءَ خيالاً بجناحٍ من عبرةٍ.. وخشوعِ
حيث نحر الحسين ينتظر الماءَ ، ويهفو لرأسهِ المقطوعِ
وجراحاته تئنُّ ، فيبكــي ألفُ كون ، على الصدى الموجوعِ
والشفـاهُ المخضباتُ نجــومٌ شاحباتٌ من الظما والجوعِ
وتمنّـى «الفراتُ» لو طهّرتهُ قطرةٌ من دماءِ نحر الرضيعِ
يا عيوني أين البكاءُ ؟ ففيضي هذه كربلا وهذا شفيعي
هذه كربلا...وهذي الخيولُ الجُرْدُ تعدو على التريبِ الصريعِ
هذه كربلا...وهذا رسول الله يبــكي فــي ساعـة التوديعِ

جواد جميل
21 / 11 / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 244

الأستاذ جواد جميل

عرية الحيوية الإنسانية المتدفقة المنتصبة أمام الفناء والموت بكل شموخ الموقف الوجودي التفصيلي الذي يصون ويديم قيم الحياة ونقاءها الخلاب ، شاعرية الرؤى والتأملات الهاربة خلف نزق طفولي يمسك بطين الإبداع ليشكّله وفق أعين الكبار الذين يرون فيه توازناً وانسجاماً مفقوداً لديهم.
لذلك فشاعرها يبكيهم لكن ليس من أجل البكاء ، فلا يصل بكاؤه إلى مناطق العويل لأنه سرعان ما ينتبه إلى التدفّق والنموّ والنضارة والطراوة التي تحيط الأشياء فيهرب اليها بلا وقار ولا تصنّع.
إن النزق العابث هو روح شاعرية جواد جميل الذي يلائم نصّه مع حاجاته الإتصالية بكل سلاسة فهو ذو رؤيا ملتفتة بشدّة إلى البدء الاول أو الى لجوهري والصميمي من الأشياء ، وعلاقته بمادته علاقة حدسيّة متوقّدة يستشرف النهايات بعمق منذ الوهلة الاولى ، وهو أكثر إخلاصاً لما لم تشكّل بعد ، ومالم يأت بعد ، ومالم يخن الجذور الاولى ، فتأتي قصيدته دائماً مثل حلم اليقظة ، حلم وطفولة وبدائية منفتحة على كل الإحتمالات والإمكانات من جهة، وفي الجهة الاخرى هي يقظة ووعي وموقف واستشراف للأبعاد المستترة والخفية، ومن معطيات هذا الوعي واليقضة محاولة جادة متسلطة على قصيدة العمود ذات الشطرين لتحديثها من خلال ضخّ الكريّات الأدونيسية في دمها بشكل يمكن أن نصطلح على تسميته بـ (أدنسة العمود) مع خشية حريصة على عدم تشتت وتبعثر الأوليات إلى شظايا شعرية متناثرة ، فهذه المحاولة لا تزال في افق التجريب والإختبار ، مع كفاءتها في التوازي

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 245

والتجاور وقدرتها على الإمتداد والثبوت والإنطلاق.
أما عن قصيدتيه (ليلة الاسى والدموع ـ ودّعيني) فهما صدى محاكي لتجربة الشاعر في ديوانه الأخير (الحسين .. لغة ثانية) ولم تستطيعا تجاوز الافق الشعري الذي افترضته تلك التجربة المجدّدة ، بل أن الشاعر لا يزال يناغي الرؤيا ذاتها ويشتغل على موضوعة ليلة عاشوراء بنفس الآليات ولكن بمخطّط مبتور عن الوحدة العضوية التي نسجت شبكات التعبير والتوصيل في الديوان ، فنراه قد لجأ الى تكنيك الحوار في كلتا القصيدتين ففي قصيدة (ليلة الاسى والدموع) كان الحوار يدور بين ذات الشاعر ـ كمحاوِر نوعيّ ـ وبين الليلة ـ كمخاطَب جماعي ـ له أن يردّ أو لا يردّ الخطاب ، مما جعل الحوار ذا بعد وطرف واحد فتقلص الى مونولوج داخلي يسرد مايحدث بإحاطة وشمولية العارف بكل شيء.
وفي قصيدة (ودعيني) يرتدي الحوار حنجرة الإمام الحسين عليه السلام) محاوراً الحوراء زينب عليها السلام في عرض بانورامي لما سيحدث بلغة التنبؤ وإستشراف المستقبل.
وعلى مستوى الألفاظ وطرق تركيبها فهو لا يتجاوز قاموسه الخاص ولا يتخطى طرقه المعتادة في التركيب والبناء ، فلا يزال النسق الناري ينتظم بمفرداته (إطفاء الشموع ، الشمس ، الجمر الوقّاد ، اللهيب ، النجوم الشاحبات) وتدفق مفردات النسق المائي ماثلة (دم الطفوف ، انتظار الماء ، الظمأ ، الفرات ، قطرة من دماء ، فيضي ، يشرب السيف وريدي ، يبكي النهر ، الدمع) إضافة للسيوف والأغماد والخيول والخيام والرماح والخضاب والرماد .
ومع انتظام الإيقاع وفق ما يؤثره الشاعر من أبحر الشعر فقد إختار تراكب الحركات الإيقاعية لبحر الخفيف لتنظيم هيكلية القصيدتين البنائية.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 246

ـ 9 ـ
للشيخ الخليعي ـ رحمه الله ـ
الصبر الجميل

ها هنا تُنحــر النحـور ولم يبق لنــا فــي الحياة غيــر القليلِ
ها هنا يصبح العزيزُ من الأشراف في قبضــة الحقــير الذليــلِ
ها هنا تُهتـك الكــرائم مـن آلِ علـــيّ بذلـــةٍ وخمــولِ
من دمــي يبــلل الثرى ها هنا واحر قلبي على الثرى المبلــولِ
ورقى فــوق مــنبرٍ حامد الله يُثني علـى العزيــز الجليــل
ثـم قــال أربعــوا فقتلي شفاءٌ لصــدورٍ مملــوءةٍ بـالذحولِ
فاجــابوه حــاش لله بل يُفديك كلّ بالنفس يــا بــن البتـولِ
فجزاهــمُ خيــراً وقــال لقد فُزتم ونلتم نهــاية المأمــولِ
ومضى يقصدُ الخيــامَ ويــدعو ودعيني يا أخت قبـل الــرحيلِ
ودعيني فما الــى جمــع شمل بكم بعــد فــرقةٍ مـن سبيلِ
ودعيني واستعملي الصــبر إنـّا من قبيـلٍ يفــوقُ كــلّ قبيلِ
سأننا إن طغت علينـا خطــوبٌ نتلقــى الأذى بــصبرٍ جميلِ
لا تشقي جيبــاً ولاتلطمـي خداً فأنا أهـل الــرضا والقبــولِ
وأخلفيني على بناتـي وكــوني خير مستخــلف لأكــرم جيلِ
وأطيعي إمامــك السـيد السجّاد رب التحــريــم والتحليــلِ
فاذا ما قضيـــت نحـبي فقولي فـي الإلــه خيــر سبيــلِ
وأذكـرينـي أذا تنفـلت بالليل عقيب التكبيــر والتهليــلِ(1)

(1) المنتخب للطريحي : ص489 ـ 490.

السابق السابق الفهرس التالي التالي