هــلاّ علمـت بيـوم عاشوراء |
|
ماذا جــرى مـن كربةٍ وبلاء |
فيه الحرائر قـد بكين من الأسى |
|
وجفونهنّ نأت عــن الإغفـاء |
وصغارهن تعـجّ من فرط الظّما |
|
والأرض تغرق حولهم بالمــاء |
وتلفّ أنــوار اليقيـن ضلالـة |
|
كاللّيل لفّ البــدر بالدّهمــاء |
وصهيل خيل الظلم قد بلغ المـدى |
|
حتى تجــاوز قمــة الجوزاء |
والشمس تحتضن الرماح كأنهـا |
|
ترمي عليهــا ألف ألـف غطاء |
والحزن ضمّ جفــون آل محمدٍ |
|
وقلوبــهم بنــوازل البلـواءِ |
وبدا الحسين يسنُّ شفـرة صارمٍ |
|
فيه يواجـه كثــرة الأعــداء |
ويعاتب الدهر الخـؤون بحسـرةٍ |
|
منــها يقــاسي شدة الأرزاء |
سمَعتُه حاميةُ العيـال فأسرعـت |
|
تَرنو اليــه بمقلــةٍ حـوراء |
قالت فديتُكَ يـا أخـيّ بمهجتـي |
|
وحشاشتي ومحاجـري ودمـائي |
ليت المنيــّة أعـدمتني والفنـا |
|
رقصت مصائبه عـلى أشلـائي |
تشكو زمانك هل يـئست من البقا |
|
وجماله يــا فلــذة الزهـراء |
يا غاسلاً بالدمع لـون محاجري |
|
حتـى غـدت كالشمعة البيضاء |
سيطول بعدك يــا أُخيّ تنهدي |
|
وتلوّعــي وتــأسّفي وبكائي |
فأجابهــا اعتصمي بحبل محمدٍ |
|
وتصبـري فالصبــر خير عزاء |
قالـت أتغتصب الهدوء وأنت في |
|
همٍ لتؤنس وحشتــي وشقــائي |
فبكــى وقال لها فلو ترك القطا |
|
ليلاً لنـام بمهمــه الصحــراء |
آن الــوداع وإنمـا هـي ليلة |
|
فتودّعــي مــن رؤيتي ولقائي |
وأطل نور الفجـر بعد أن انقضى |
|
ليلٌ مريــرٌ فيــه كـل شـقاء |
فمضى إلى صـون العيال بخندق |
|
ترتد عنــه غــارة النــذلاءٍٍ |
والنار فيـه أوقــدت ولـهيبها |
|
خلف الخيام يذيب عين الــرائي |
نادى علــى أصحابه مستبشراً |
|
كالنور يضحك في دجى الظـلماء |
اليوم عــرس شهادةٍ نرجو بها |
|
رضوان خالقنا وفيــض هنــاء |
ودماؤنا تروي الفــلاة وتكتسي |
|
منهـا الرمــال بــحلّة حمراء |
والصّبر ليس لنا سـواه إذا جرت |
|
خيل الــردى خببـاً على البيداء |
ورنت إلى خيل العــدى أنظاره |
|
فرأى بها بحـراً عـلى الصحراء |
والموج يزخر بالضلالـة والعمى |
|
وبه تمــوت ضمــائر السفهاء |
فتوجّهت أبصـاره نحــو السما |
|
ودعا بكــل تضــرعٍ وثنـاء |
ربّاه أنت مــن المصائب منقذي |
|
ياعــدتي فــي شدتي ورخائي |
أنت الكريــم عليك حُسن توكلي |
|
حمــداً وأنــت مُعَوّلي ورجائي |
فاجعل خــواتيم الفعـال محجّة |
|
بيضاء وكتبني مع الشــهداء (1) |
ســل كربلاء ويومها المشهودا |
|
وســل السهول وسل هناك البيدا |
وسل الرّبى عما رأته من الأسى |
|
والدمع أغــرقَ سهلهَا وجرودا |
وســل النجومَ البيض تعلم أنها |
|
صارت على هول المصائب سودا |
هــذي الفواطم من بنات محمد |
|
يلبَسن من خـوف المصير برودا |
والجــو مربـد الجـوانب قاتم |
|
والريح تبعــث في الرمال وقيدا |
ما كان يسمع غيـر وَلْوَلَة النسا |
|
وصيــاحهن يفجّــر الجلمودا |
وبكاءُ أطفالٍ ونهــدةُ مـرضعٍ |
|
لم تستطعِ أن ترضــع المولودا |
وبرغم قرب الماء ليــس ينالُه |
|
أحدٌ وباتَ على الــحسين بَعيدا |
من دونه خيلُ العدى وصـوارم |
|
بيض أقامـت بالفــرات سدودا |
والظالمـون تنكّـروا لمحمــد |
|
علناً وأمســوا للضـلال عبيدا |
وتبادرت للــذبّ عنه عصـبة |
|
ٌعقدت على هام الزمـان عـقودا |
تستقبل المــوتَ الزّؤامَ كأنـها |
|
تلقى بمعتـرك النــزال الـغيدا |
كانوا ضراغمـةً يرون أمامَهم |
|
جَيــشاً كثيفاً أنكـرَ التـوحيدا |
وبرغم ذلك يــضحكونَ كأنهُم |
|
ْفوقَ المعالي يرتقونَ صــعودا |
يتهازلون وهــزلهم لا ينطوي |
|
إلا على تقوى تصافح جــودا |
هذا بُرَير ضاحـكٌ مسـتبشرٌ |
|
وحبيبُ يَعزفُ للمنونِ نشيــدا |
رهبــانُ ليـلٍ والعبادةُ دأبُهم |
|
أما الضحى فَيُرى الجميع أسودا |
والليلُ يطربــه نشيد صلاتهم |
|
والنجمُ يــرعى للأُبَاة سجودا |
خطبوا الــردى بدمائهم فكأنما |
|
قد أمــهروه ذمــةً وعهودا |
يفدون بــالمُهج الحسينِ لأنهم |
|
عرفوا ومُذ كان الحـسينُ وليدا |
أن الوصــية لمِ تكن في غيره |
|
والناس ما برحـوا لذاك شهودا |
وبرغم قِــلتِهمْ ونَقصِ عديدِهم |
|
كانت لهم غُرُب السيوف جنودا |
هي ليلةٌ كــانت برغم سوادها |
|
بيضاء تبعث فـي الهدى تغريدا |
راح الحسين السبط يُصلح سَيفَهُ |
|
فيها ليهزم بـالشفـار حشـودا |
ويذيـق أعنــاق الطغاة بحده |
|
ضرباً يثيـر زلازلاً ورعـودا |
وبــدا يعــاتب دهره وكأنه |
|
قد كان منه مُثقـلاً مجهــودا |
ويقول أفٍّ يـا زمان حملت لي |
|
همّاً وكيــداً حـالف التنكيدا |
عُميت بصائر هؤلاء عن الهدى |
|
ولقيت منهم ضلــةً وجحودا |
والأمر للرحمـن جــل جلاله |
|
كتبَ المهيمِنُ أن أمـوت شهيدا |
سمعت عقيلــة هـاشمٍ إنشادَه |
|
فأتتهُ تلطــمُ بالأكـفّ خدودا |
وتقول واثكلــاه ليــت منيتي |
|
جاءت وشقت لـي فداك لحودا |
اليوم ماتت يا ابن أمــّيَ فاطمٌ |
|
واليوم أصبـح والدي ملحودا |
واليوم مات أخي الزكّي المجتبى |
|
والحزن سَــهّد مقلتي تسهيدا |
فأجابها كلُ الوجود إلــى الفنا |
|
إلا الذي وهـب الحياة وجودا |
لا تجزعي أختاه صَبراً واعلمي |
|
أني سَالقى فـي الجنان خلودا |
مهما تمـردت الطغــاة فإنما |
|
جنح البعوضـة أهلك النمرودا |
وبكــت حرائر آل بيت محمدٍ |
|
وندبنَ بحــراً للهدى مــورودا |
قــال الحســين برقةٍ نبوية |
|
ٍحملت لهــن مـن الفؤاد ورودا |
لا تخمشن علـيّ وجهاً إن أتى |
|
حتفي وصرتُ على الثرى ممدودا |
شدّوا العزائـمَ واستعدوا للعنا |
|
ودعوا الرسالــة تبلغ المقصودا |
لا يستقيــم الدّيـن إلا في دمٍ |
|
من منحري إن سال يخضب جيدا |
والخيل تمشي في حوافرها على |
|
ظهري وتحتز السيــوفُ وريدا |
وبذاك أعتبـرُ المنيــةَ فرحةً |
|
كبرى وأعتبرُ الشهــادة عيدا (1) |
وكفــاه فخــراً للمرتضى |
|
شبلٌ وللهادي العظيــم سليلُ |
والنورُ أدنى من ضياء محمد |
|
ٍوكأنــهُ بإزائــه قنديــلُ |
وقفَ الحسينُ وحولَهُ أصحابُه |
|
كالبــدرِ ما بينَ النجوم يقولُ |
هذا سوادُ الليــل مَدّ ظلامَه |
|
وجــناحه من فوقكم مسدولُ |
هَيا إذهبوا إن الفـَلاةَ وسيعةٌ |
|
وجــبالُها حصنٌ لكم ومقيلُ |
ولقد وقفتُ إلى الـوداع كأنما |
|
يدعـوا إلى هذا الوداع رحيلُ |
فالقومُ لا يبغونَ غـير مقاتلي |
|
فيــها تجولُ بواترٌ ونصولُ |
وغداً سألقى الظالمين بصارمٍ |
|
منه الجبالُ على السهول تميلُ |
فأدقُ أصلاباً ثوى فيـها الخنا |
|
وأشقُ أكبــاداً بها التضليلُ |
ثابوا إليه كالأســود عوابس |
|
ٌبعزائمٍ منها يغــيضُ النيلُ |
قالوا وقد زار اليقيـنُ قلوبَهُم |
|
تُفديك منّا أنــفسٌ وعقولُ |
فغداً ترانا بين معـترك القنا |
|
كالنار بين الظـالمينَ نجولُ |
وسيُوفُنا تشوي الوجوهَ كأنها |
|
لهبٌ لها فوقَ الـرقابِ صليلُ |
لله يا تلك النفـوس وقـد أبت |
|
إلا نــرالاً ليس عنه بـديلُ |
فمضت لخالقها بعـز شهادةٍ |
|
طابت وقاتِلُها هو المقتول (1) |
رَكــبٌ يحــلُ بكربـلا وخيامُ |
|
نُصبتْ وقــد غـَدرَتْ به الأيامُ |
فيـه حرائــرُ آلِ بــيتِ محمد |
|
ٍتحت الهجيرِ عــلى الرمالِ تنامُ |
لا ظــلَّ إلا الشمــسُ حرَّ لهيبها |
|
نارٌ بهــا تــتقلّب الأجســامُ |
تهفو إلى مـاء الفُــراتِ ولا ترى |
|
إلا الأسنــّةَ حَــولهـنَّ تُـقامُ |
والخيلُ تــَصهلُ والسيوفُ لوامع |
|
ٌوالجوّ فيــه غِبـــرةٌ وقـتامُ |
والرعــبُ خـَيَّمَ والجفونُ دوامعٌ |
|
والخوفُ بين ضلوعهـنَّ سهـامُ |
عَجباً وأبــناءُ الـرسالة في عنا |
|
ويزيدُ مِنْ فوقِ الحريــر ينـامُ |
عجباً وسبطُ محمــدٍ يشكو الظما |
|
ويحيطُ فيه على الفُــرات لئـامُ |
والشمرُ يَنُعمُ في الـظلال وَيرتوي |
|
مــن مائــه ويــلفُه الإنعامُ |
لم لا تغيبي يا نجــومُ من السما |
|
أسفــاً ويحَتــلُ الـوجودَ ظلامُ |
والبدرُ يُخسفُ فــى علاه وينتهي |
|
عمرُ الكواكــبِ والمــعادُ يُقامُ |
والناسُ تُنشرُ للحـساب لكي ترى |
|
قوماً بأحــضانِ الضـلالةِ ناموا |
واستكبرُوا وعتوا وضـلّوا وانطوى |
|
هَديٌ وعاشـت فِيهُــمُ الأصنامُ |
منعوا الحسينَ من الــورودِ كأنما |
|
هذا الورودُ عــلى الحُسين حرامُ |
أطفالهُ عَطشى تعــجُّ من الأسى |
|
ونســاؤه طـافتْ بهــا الآلامُ |
فَكأنهــُم حَــرموا النبيَّ محمدا |
|
ًمن ماءِ زمــزمَ والنبـي يُضامُ |
بــاعَ ابنُ سعــدٍ جنـةً أزلية |
|
ًبـجهنَّم فيهــا يُشبُّ ضـرامُ |
أغراه مُلكُ الرّي فاختــارَ الشقا |
|
وتحكّمـتْ بمصيــرهِ الأزلامُ |
نادى الخبيثُ إلى الوغى فتحركت |
|
خيلٌ عليهــا سيطـر الإجرامُ |
ورأت تحرُكَهَا العقيلـةُ زينــب |
|
ٌفأصابهــا ممــا رأت أسقامُ |
وتلفتتْ نحوَ الحُســينِ وإذ بـه |
|
غافٍ تــُراود جِفْـنَهُ الأحلامُ |
قالتْ أُخيَّ شقيقَ روحـي جانِحي |
|
أَغَفَوتَ ؟ إنَّ الحادثـاتِ جسامُ |
هذا العدو أتاك يزحف وهـو في |
|
حقدٍ عليــكَ تَقــُودُه الظلاّمُ |
فصحا وقال رأيتُ جدي المصطفى |
|
حينَ اعــترني بالـغفاء منامُ |
هو زفَّ لِي بُشرى نهاية مصرعي |
|
بشهادةٍ يعلـوُ بهــا الإسلامُ |
ذُعرَتْ لما سمعت وجرحُ قلبهــا |
|
خبرٌ يهــونُ لهـولهِ الإعدامُ |
راحت تنادي ويلتـاهُ وحُزنُــها |
|
منه تذوبُ مفــاصلٌ وعظامُ |
وتحركَ العباسُ نـحو من اعتدى |
|
كالليثِ إنْ خَطـُرَتْ به الأقدامُ |
قال امهلونا يــا طـغاةُ إلى غذٍ |
|
وغداً سيحكم بـيننا الصمصام |
ودعوا سوادَ الليــلِ أنْ يلقي بنا |
|
قوماً بُحبِ صـلاتِهم قد هاموا |
واللهُ يعلـمُ أنَّ سبــطَ محمــدٍ |
|
ما راعَــهُ كــرٌّ ولا إقدامُ |
لكنــَّهُ يهــوى الصـلاةَ لربهِ |
|
وله بها رغمُ الخطوبِ غرامُ(1) |
فــرَّ التقــى وتبــرّأ القرأنُ |
|
ممَّن بــهِم تتحكّــمُ الأوثانُ |
إسلامُهُم مـا كـان إلا خــدعة |
|
ًفيها تجلّى الـزورُ والبهتــانُ |
باعوا الضمائـرَ بالضلالِ وآثروا |
|
دنُياً بــها يتعطّلُ الوجــدانُ |
وعـدوا الحسيـنَ بنصره وتخلّفوا |
|
عنه وعهدُ محّمدٍ قـد خانــوا |
والبغــيُ أنهضهُـم إليه وأعلنوا |
|
حَرباً عِواناً قادهــا الطغيـانُ |
وتجمّعوا حــولَ الفـُراتِ بخسةٍ |
|
ما ردَهُم شـَرفٌ ولا إيــمانُ |
أطفالُه مثـلُ الــورودِ بـِلا ندى |
|
والماءُ جــارٍ قُربُهـم غِدرانُ |
والرعبُ حـولَ نسائِهِ بعثَ الأسى |
|
فيهنَّ وهـو محاصــَرٌ ظمآنُ |
سامُوهُ أن يـَردَ الهوانَ أو الردى |
|
وهل الصقورُ تُخيفُها الغُربانُ ؟ |
فأبى الهـوانَ لأنَّ فيـه مــذلة |
|
ًوبــه لـربّ محُمدٍ عِصيانُ |
أنَّى لشبـلِ المرتضى أن يرتضي |
|
عاراً حــَوتهُ مـذلَّةٌ وهوانُ |
فاختـارَ حـَرباً كاللهيبِ غمارُها |
|
حمراء منها تفــزعُ الأزمانُ |
وتبـادرت نحــو المنيةِ عصبة |
|
ٌمعَهُ بهـا يســتبشرُ الميدانُ |
وسمتْ أمــاجدُها إليــه كأنَهُ |
|
مَلِكٌ سَمـَتْ لجلالِـه التيجانُ |
ومَشتْ إلى الغمراتِ لاترجو سوى |
|
رضوانِه فتباركَ الــرضوانُ |
يمشي الهوينا نحو خيمــةِ زينب |
|
أُمِ العيـالِ وكلــّهُ اطمينانُ |
أصحابُهُ مثل الصقور ، كـواسرٌ |
|
عنــد اللقاء وكلهـم إخـوانُ |
قالت هل استعلمتَ عـن نيَّاتِهمْ |
|
وثباتِهـمْ إنْ جــالت الفُرسانُ |
فلعلهُمْ قد يُسلمـوكَ إلـى الردى |
|
بالخوفِ أو يُغريهِمُ السلطانُ (1) |
فأجابَها إنـي اختبــرتُ ثباتَهم |
|
فوجدتُهُــم وكأنــَّهمْ عُقبانُ |
يستأنسـونَ إذا الــمنيةُ أقبلتْ |
|
والحـربُ إن صَرَّتْ لها أسنانُ |
كالطفـلِ يأنسُ في مـحالبِ أمّه |
|
ويضُمــهُ عنـدَ البُكاءِ حنانُ |
وبكتْ حناناً والدمـوعُ تَسيلُ من |
|
جفنٍ بــه تتوقـدُ الأحـزانُ |
قال الحـسينُ وقد تهدّجَ صوتُه |
|
لاتحزنـي فلنا الجنــانُ أمانُ |
أُختــاهُ إنَّ الصبرَ خيرُ وسيلة |
|
لا يَذهبَنَّ بحلمــِكِ الشيطـانُ |
ومضـت من الليلِ المُعذبِ فترة |
|
ٌسوداءَ لم تَغفُ بها الأجفانُ |
لــكن أبـيُّ الضيمِ مالَ لغفوةٍ(2) |
|
أذكت جواهُ ، وطرفُهُ وسِنــانُ |
وصحا فقــالَ : رأيتُ كلباً أبقعاً |
|
قُربي يلوحُ بوجهِهِ الكُفــرانُ |
أنيابُهُ حمــراء تَنهشُ مهجتي |
|
ويبينُ في قسماتِهِ الخــِزيانُ |
ثم استعــدوا للردى فتحنطوا |
|
والكلُّ منهُم ضاحكٌ جــذلانُ |
والطيبُ راحَ يُشمُ مِنْ أجسادهم |
|
طيباً به يستأنسُ الغُفـرانُ(3) |
طــُلْ يـا مساءُ فلا أروم صباحا |
|
إن كــان صبحُك للأسى مفتاحا |
لو دَرّ ضرع الصبح خيراً لإمرىء |
|
ٍفأنـا سـأُسقـى ضيمــَهُ أقداحا |
وإذا تـــلألأ نــورُهُ متّبسمـاً |
|
ألقى عليَّ مـن الهمــوم وشاحا |
يا ليلُ لم أسأم ظلامـكَ طالمــا |
|
عينـاي تُبصــرُ كـوكباً لمّاحا |
فمتى انجليت فسـوف أُفجع بالذي |
|
عنّي يزيــل الغــمَّ والأتراحا |
لو كنــت تعـلمُ ما يحلُّ بنا غداً |
|
لـم تَطْوِ عن أفق الطفوف جناحا |
ياليــلُ انَّ الأم تَسعــدُ بـابنها |
|
وبــه تـرى صفو الحياةِ مُتاحا |
ومتى توارى شخصُه عـن عينها |
|
قَضَــت الحيــاةَ تأوّهاً ونواحا |
فَلَكَمْ قلوبٍ سوفَ تذرفُ مِــنْ دمٍ |
|
دمعاً يفوقُ الــعارضَ السَّحّاحا |
فغداً جميعُ الطاهــرات بــكربلا |
|
كلٌّ ستثكل سيــداً جِحّجَاحــا |
يا ليــلُ صُبحــك متخمٌ بفجائعٍ |
|
دمــُها سيغمـرُ أنجداً وبطاحا |
فغداً بأرض الطفِّ طُهْرُ دمٍ الهدى |
|
يغدو بشــرع الظالميـن مُباحا |
حيث الطغاةُ على ابن بنـت نبيِّهم |
|
جيشاً أراهم حشَّدوا وســلاحـا |
وأراه قلبــاً ظامئاً مــا بينهُمْ |
|
وسيوفُهم قــد أثخنتْهُ جراحــا |
وأرى أخي العباس من طعن القنا |
|
نسراً لــه جــذَّ الطغاةُ جناحا |
وعلى رمـال الطفِّ أجساداً أرى |
|
زُحلاً شأت بعــلوّهـا وضُراحا |
وجليلُ مــا تبكي له عينُ الهدى |
|
ويزلـزل الأبــدانَ والأرواحـا |
نحرُ الرضـيعِ غداةَ يُرسَلُ نَحوَهُ |
|
سَهمُ (ابــن كاهل) خارقاً ذبّاحا |
وأرى عيـالَ محمدٍ أسرى العدى |
|
مَنْ ذا سَيُطِلـقُ للأسيـر سراحا |
يا ليلُ إذ يقــعُ الذي يُدمي الحشا |
|
أتوَدُّ عيني أن ترى الإصبـاحـا |
إنّا إلـى حــكم الدعيِّ ورهطه |
|
هيهات نَركنُ أو نليـنُ جماحـا |
فليقــتفِ الأحرارُ نهجَ زعيمِهِم |
|
ليرَوْهُ فــي آفاقهــم مصباحا |
وليقــصد الظمـآنُ ماءَ غديرنا |
|
ليذوقَ من فيض الجنــان قراحا |
لو لا دمـانا مــا استقامَ لمسلمٍ |
|
ديــنٌ ولا بـدرُ الكرامةِ لاحا |
ما سال مـن نحر الحسين بكربلا |
|
للمـجد خــَطَّ المنهجَ الوضاحا |