كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 247

ـ 10 ـ
للشاعر الأستاذ سعيد العسيلي
(1) فديتك ياأخي

هــلاّ علمـت بيـوم عاشوراء ماذا جــرى مـن كربةٍ وبلاء
فيه الحرائر قـد بكين من الأسى وجفونهنّ نأت عــن الإغفـاء
وصغارهن تعـجّ من فرط الظّما والأرض تغرق حولهم بالمــاء
وتلفّ أنــوار اليقيـن ضلالـة كاللّيل لفّ البــدر بالدّهمــاء
وصهيل خيل الظلم قد بلغ المـدى حتى تجــاوز قمــة الجوزاء
والشمس تحتضن الرماح كأنهـا ترمي عليهــا ألف ألـف غطاء
والحزن ضمّ جفــون آل محمدٍ وقلوبــهم بنــوازل البلـواءِ
وبدا الحسين يسنُّ شفـرة صارمٍ فيه يواجـه كثــرة الأعــداء
ويعاتب الدهر الخـؤون بحسـرةٍ منــها يقــاسي شدة الأرزاء
سمَعتُه حاميةُ العيـال فأسرعـت تَرنو اليــه بمقلــةٍ حـوراء
قالت فديتُكَ يـا أخـيّ بمهجتـي وحشاشتي ومحاجـري ودمـائي
ليت المنيــّة أعـدمتني والفنـا رقصت مصائبه عـلى أشلـائي
تشكو زمانك هل يـئست من البقا وجماله يــا فلــذة الزهـراء
يا غاسلاً بالدمع لـون محاجري حتـى غـدت كالشمعة البيضاء
سيطول بعدك يــا أُخيّ تنهدي وتلوّعــي وتــأسّفي وبكائي

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 248

فأجابهــا اعتصمي بحبل محمدٍ وتصبـري فالصبــر خير عزاء
قالـت أتغتصب الهدوء وأنت في همٍ لتؤنس وحشتــي وشقــائي
فبكــى وقال لها فلو ترك القطا ليلاً لنـام بمهمــه الصحــراء
آن الــوداع وإنمـا هـي ليلة فتودّعــي مــن رؤيتي ولقائي
وأطل نور الفجـر بعد أن انقضى ليلٌ مريــرٌ فيــه كـل شـقاء
فمضى إلى صـون العيال بخندق ترتد عنــه غــارة النــذلاءٍٍ
والنار فيـه أوقــدت ولـهيبها خلف الخيام يذيب عين الــرائي
نادى علــى أصحابه مستبشراً كالنور يضحك في دجى الظـلماء
اليوم عــرس شهادةٍ نرجو بها رضوان خالقنا وفيــض هنــاء
ودماؤنا تروي الفــلاة وتكتسي منهـا الرمــال بــحلّة حمراء
والصّبر ليس لنا سـواه إذا جرت خيل الــردى خببـاً على البيداء
ورنت إلى خيل العــدى أنظاره فرأى بها بحـراً عـلى الصحراء
والموج يزخر بالضلالـة والعمى وبه تمــوت ضمــائر السفهاء
فتوجّهت أبصـاره نحــو السما ودعا بكــل تضــرعٍ وثنـاء
ربّاه أنت مــن المصائب منقذي ياعــدتي فــي شدتي ورخائي
أنت الكريــم عليك حُسن توكلي حمــداً وأنــت مُعَوّلي ورجائي
فاجعل خــواتيم الفعـال محجّة بيضاء وكتبني مع الشــهداء (1)

(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص302 ـ 304.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 249

(2)
رهبان الليل والنجم
ســل كربلاء ويومها المشهودا وســل السهول وسل هناك البيدا
وسل الرّبى عما رأته من الأسى والدمع أغــرقَ سهلهَا وجرودا
وســل النجومَ البيض تعلم أنها صارت على هول المصائب سودا
هــذي الفواطم من بنات محمد يلبَسن من خـوف المصير برودا
والجــو مربـد الجـوانب قاتم والريح تبعــث في الرمال وقيدا
ما كان يسمع غيـر وَلْوَلَة النسا وصيــاحهن يفجّــر الجلمودا
وبكاءُ أطفالٍ ونهــدةُ مـرضعٍ لم تستطعِ أن ترضــع المولودا
وبرغم قرب الماء ليــس ينالُه أحدٌ وباتَ على الــحسين بَعيدا
من دونه خيلُ العدى وصـوارم بيض أقامـت بالفــرات سدودا
والظالمـون تنكّـروا لمحمــد علناً وأمســوا للضـلال عبيدا
وتبادرت للــذبّ عنه عصـبة ٌعقدت على هام الزمـان عـقودا
تستقبل المــوتَ الزّؤامَ كأنـها تلقى بمعتـرك النــزال الـغيدا
كانوا ضراغمـةً يرون أمامَهم جَيــشاً كثيفاً أنكـرَ التـوحيدا
وبرغم ذلك يــضحكونَ كأنهُم ْفوقَ المعالي يرتقونَ صــعودا
يتهازلون وهــزلهم لا ينطوي إلا على تقوى تصافح جــودا
هذا بُرَير ضاحـكٌ مسـتبشرٌ وحبيبُ يَعزفُ للمنونِ نشيــدا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 250

رهبــانُ ليـلٍ والعبادةُ دأبُهم أما الضحى فَيُرى الجميع أسودا
والليلُ يطربــه نشيد صلاتهم والنجمُ يــرعى للأُبَاة سجودا
خطبوا الــردى بدمائهم فكأنما قد أمــهروه ذمــةً وعهودا
يفدون بــالمُهج الحسينِ لأنهم عرفوا ومُذ كان الحـسينُ وليدا
أن الوصــية لمِ تكن في غيره والناس ما برحـوا لذاك شهودا
وبرغم قِــلتِهمْ ونَقصِ عديدِهم كانت لهم غُرُب السيوف جنودا
هي ليلةٌ كــانت برغم سوادها بيضاء تبعث فـي الهدى تغريدا
راح الحسين السبط يُصلح سَيفَهُ فيها ليهزم بـالشفـار حشـودا
ويذيـق أعنــاق الطغاة بحده ضرباً يثيـر زلازلاً ورعـودا
وبــدا يعــاتب دهره وكأنه قد كان منه مُثقـلاً مجهــودا
ويقول أفٍّ يـا زمان حملت لي همّاً وكيــداً حـالف التنكيدا
عُميت بصائر هؤلاء عن الهدى ولقيت منهم ضلــةً وجحودا
والأمر للرحمـن جــل جلاله كتبَ المهيمِنُ أن أمـوت شهيدا
سمعت عقيلــة هـاشمٍ إنشادَه فأتتهُ تلطــمُ بالأكـفّ خدودا
وتقول واثكلــاه ليــت منيتي جاءت وشقت لـي فداك لحودا
اليوم ماتت يا ابن أمــّيَ فاطمٌ واليوم أصبـح والدي ملحودا
واليوم مات أخي الزكّي المجتبى والحزن سَــهّد مقلتي تسهيدا
فأجابها كلُ الوجود إلــى الفنا إلا الذي وهـب الحياة وجودا
لا تجزعي أختاه صَبراً واعلمي أني سَالقى فـي الجنان خلودا
مهما تمـردت الطغــاة فإنما جنح البعوضـة أهلك النمرودا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 251

وبكــت حرائر آل بيت محمدٍ وندبنَ بحــراً للهدى مــورودا
قــال الحســين برقةٍ نبوية ٍحملت لهــن مـن الفؤاد ورودا
لا تخمشن علـيّ وجهاً إن أتى حتفي وصرتُ على الثرى ممدودا
شدّوا العزائـمَ واستعدوا للعنا ودعوا الرسالــة تبلغ المقصودا
لا يستقيــم الدّيـن إلا في دمٍ من منحري إن سال يخضب جيدا
والخيل تمشي في حوافرها على ظهري وتحتز السيــوفُ وريدا
وبذاك أعتبـرُ المنيــةَ فرحةً كبرى وأعتبرُ الشهــادة عيدا (1)

(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص 295 ـ 298.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 252

(3)
البدر بين النجوم

وكفــاه فخــراً للمرتضى شبلٌ وللهادي العظيــم سليلُ
والنورُ أدنى من ضياء محمد ٍوكأنــهُ بإزائــه قنديــلُ
وقفَ الحسينُ وحولَهُ أصحابُه كالبــدرِ ما بينَ النجوم يقولُ
هذا سوادُ الليــل مَدّ ظلامَه وجــناحه من فوقكم مسدولُ
هَيا إذهبوا إن الفـَلاةَ وسيعةٌ وجــبالُها حصنٌ لكم ومقيلُ
ولقد وقفتُ إلى الـوداع كأنما يدعـوا إلى هذا الوداع رحيلُ
فالقومُ لا يبغونَ غـير مقاتلي فيــها تجولُ بواترٌ ونصولُ
وغداً سألقى الظالمين بصارمٍ منه الجبالُ على السهول تميلُ
فأدقُ أصلاباً ثوى فيـها الخنا وأشقُ أكبــاداً بها التضليلُ
ثابوا إليه كالأســود عوابس ٌبعزائمٍ منها يغــيضُ النيلُ
قالوا وقد زار اليقيـنُ قلوبَهُم تُفديك منّا أنــفسٌ وعقولُ
فغداً ترانا بين معـترك القنا كالنار بين الظـالمينَ نجولُ
وسيُوفُنا تشوي الوجوهَ كأنها لهبٌ لها فوقَ الـرقابِ صليلُ
لله يا تلك النفـوس وقـد أبت إلا نــرالاً ليس عنه بـديلُ
فمضت لخالقها بعـز شهادةٍ طابت وقاتِلُها هو المقتول (1)

(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص293.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 253

(4)
على أعتاب ليلة عاشوراء

رَكــبٌ يحــلُ بكربـلا وخيامُ نُصبتْ وقــد غـَدرَتْ به الأيامُ
فيـه حرائــرُ آلِ بــيتِ محمد ٍتحت الهجيرِ عــلى الرمالِ تنامُ
لا ظــلَّ إلا الشمــسُ حرَّ لهيبها نارٌ بهــا تــتقلّب الأجســامُ
تهفو إلى مـاء الفُــراتِ ولا ترى إلا الأسنــّةَ حَــولهـنَّ تُـقامُ
والخيلُ تــَصهلُ والسيوفُ لوامع ٌوالجوّ فيــه غِبـــرةٌ وقـتامُ
والرعــبُ خـَيَّمَ والجفونُ دوامعٌ والخوفُ بين ضلوعهـنَّ سهـامُ
عَجباً وأبــناءُ الـرسالة في عنا ويزيدُ مِنْ فوقِ الحريــر ينـامُ
عجباً وسبطُ محمــدٍ يشكو الظما ويحيطُ فيه على الفُــرات لئـامُ
والشمرُ يَنُعمُ في الـظلال وَيرتوي مــن مائــه ويــلفُه الإنعامُ
لم لا تغيبي يا نجــومُ من السما أسفــاً ويحَتــلُ الـوجودَ ظلامُ
والبدرُ يُخسفُ فــى علاه وينتهي عمرُ الكواكــبِ والمــعادُ يُقامُ
والناسُ تُنشرُ للحـساب لكي ترى قوماً بأحــضانِ الضـلالةِ ناموا
واستكبرُوا وعتوا وضـلّوا وانطوى هَديٌ وعاشـت فِيهُــمُ الأصنامُ
منعوا الحسينَ من الــورودِ كأنما هذا الورودُ عــلى الحُسين حرامُ
أطفالهُ عَطشى تعــجُّ من الأسى ونســاؤه طـافتْ بهــا الآلامُ
فَكأنهــُم حَــرموا النبيَّ محمدا ًمن ماءِ زمــزمَ والنبـي يُضامُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 254

بــاعَ ابنُ سعــدٍ جنـةً أزلية ًبـجهنَّم فيهــا يُشبُّ ضـرامُ
أغراه مُلكُ الرّي فاختــارَ الشقا وتحكّمـتْ بمصيــرهِ الأزلامُ
نادى الخبيثُ إلى الوغى فتحركت خيلٌ عليهــا سيطـر الإجرامُ
ورأت تحرُكَهَا العقيلـةُ زينــب ٌفأصابهــا ممــا رأت أسقامُ
وتلفتتْ نحوَ الحُســينِ وإذ بـه غافٍ تــُراود جِفْـنَهُ الأحلامُ
قالتْ أُخيَّ شقيقَ روحـي جانِحي أَغَفَوتَ ؟ إنَّ الحادثـاتِ جسامُ
هذا العدو أتاك يزحف وهـو في حقدٍ عليــكَ تَقــُودُه الظلاّمُ
فصحا وقال رأيتُ جدي المصطفى حينَ اعــترني بالـغفاء منامُ
هو زفَّ لِي بُشرى نهاية مصرعي بشهادةٍ يعلـوُ بهــا الإسلامُ
ذُعرَتْ لما سمعت وجرحُ قلبهــا خبرٌ يهــونُ لهـولهِ الإعدامُ
راحت تنادي ويلتـاهُ وحُزنُــها منه تذوبُ مفــاصلٌ وعظامُ
وتحركَ العباسُ نـحو من اعتدى كالليثِ إنْ خَطـُرَتْ به الأقدامُ
قال امهلونا يــا طـغاةُ إلى غذٍ وغداً سيحكم بـيننا الصمصام
ودعوا سوادَ الليــلِ أنْ يلقي بنا قوماً بُحبِ صـلاتِهم قد هاموا
واللهُ يعلـمُ أنَّ سبــطَ محمــدٍ ما راعَــهُ كــرٌّ ولا إقدامُ
لكنــَّهُ يهــوى الصـلاةَ لربهِ وله بها رغمُ الخطوبِ غرامُ(1)

(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص288 ـ 290.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 255

(5)
الجفونُ المُسّهَدة

فــرَّ التقــى وتبــرّأ القرأنُ ممَّن بــهِم تتحكّــمُ الأوثانُ
إسلامُهُم مـا كـان إلا خــدعة ًفيها تجلّى الـزورُ والبهتــانُ
باعوا الضمائـرَ بالضلالِ وآثروا دنُياً بــها يتعطّلُ الوجــدانُ
وعـدوا الحسيـنَ بنصره وتخلّفوا عنه وعهدُ محّمدٍ قـد خانــوا
والبغــيُ أنهضهُـم إليه وأعلنوا حَرباً عِواناً قادهــا الطغيـانُ
وتجمّعوا حــولَ الفـُراتِ بخسةٍ ما ردَهُم شـَرفٌ ولا إيــمانُ
أطفالُه مثـلُ الــورودِ بـِلا ندى والماءُ جــارٍ قُربُهـم غِدرانُ
والرعبُ حـولَ نسائِهِ بعثَ الأسى فيهنَّ وهـو محاصــَرٌ ظمآنُ
سامُوهُ أن يـَردَ الهوانَ أو الردى وهل الصقورُ تُخيفُها الغُربانُ ؟
فأبى الهـوانَ لأنَّ فيـه مــذلة ًوبــه لـربّ محُمدٍ عِصيانُ
أنَّى لشبـلِ المرتضى أن يرتضي عاراً حــَوتهُ مـذلَّةٌ وهوانُ
فاختـارَ حـَرباً كاللهيبِ غمارُها حمراء منها تفــزعُ الأزمانُ
وتبـادرت نحــو المنيةِ عصبة ٌمعَهُ بهـا يســتبشرُ الميدانُ
وسمتْ أمــاجدُها إليــه كأنَهُ مَلِكٌ سَمـَتْ لجلالِـه التيجانُ
ومَشتْ إلى الغمراتِ لاترجو سوى رضوانِه فتباركَ الــرضوانُ
يمشي الهوينا نحو خيمــةِ زينب أُمِ العيـالِ وكلــّهُ اطمينانُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 256

أصحابُهُ مثل الصقور ، كـواسرٌ عنــد اللقاء وكلهـم إخـوانُ
قالت هل استعلمتَ عـن نيَّاتِهمْ وثباتِهـمْ إنْ جــالت الفُرسانُ
فلعلهُمْ قد يُسلمـوكَ إلـى الردى بالخوفِ أو يُغريهِمُ السلطانُ (1)
فأجابَها إنـي اختبــرتُ ثباتَهم فوجدتُهُــم وكأنــَّهمْ عُقبانُ
يستأنسـونَ إذا الــمنيةُ أقبلتْ والحـربُ إن صَرَّتْ لها أسنانُ
كالطفـلِ يأنسُ في مـحالبِ أمّه ويضُمــهُ عنـدَ البُكاءِ حنانُ
وبكتْ حناناً والدمـوعُ تَسيلُ من جفنٍ بــه تتوقـدُ الأحـزانُ
قال الحـسينُ وقد تهدّجَ صوتُه لاتحزنـي فلنا الجنــانُ أمانُ
أُختــاهُ إنَّ الصبرَ خيرُ وسيلة لا يَذهبَنَّ بحلمــِكِ الشيطـانُ
ومضـت من الليلِ المُعذبِ فترة ٌسوداءَ لم تَغفُ بها الأجفانُ
لــكن أبـيُّ الضيمِ مالَ لغفوةٍ(2) أذكت جواهُ ، وطرفُهُ وسِنــانُ
وصحا فقــالَ : رأيتُ كلباً أبقعاً قُربي يلوحُ بوجهِهِ الكُفــرانُ
أنيابُهُ حمــراء تَنهشُ مهجتي ويبينُ في قسماتِهِ الخــِزيانُ
ثم استعــدوا للردى فتحنطوا والكلُّ منهُم ضاحكٌ جــذلانُ
والطيبُ راحَ يُشمُ مِنْ أجسادهم طيباً به يستأنسُ الغُفـرانُ(3)

(1) لا نعرف سبباً لجزم ( يسلموك ).
(2) جاءت ( تغف بها ) على ( مفتعلن ) في حشو البيت وهي من العيوب العروضية الواضحة.
(3) كربلاء (ملحمة) للعسيلي : ص 299 ـ 301.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 257

الأستاذ سعيد العسيلي

مع وحدة البحر ( بحر الكامل ) واختلاف القوافي ينفتح سعيد العسيلي في ملحمته على آفاق تعبيرية أرحب تعينه شاعرية تدور على الوثائقية التسجيلية بريشة متوثبة تهرب من أسار التأريخية لتتأمل فتُصور ظلالاً ذاتية تتخطى النظم المدرسي وجفافه لتنثر عبير الشعر وعطوره في فضاء النص ولكن بتحرج وتردد سرعان ما يعود الى قفص التأريخ ليسجل حوادث الليلة بلغة التقرير والخطاب الإخباري لكن نزوعه الشعري ومثابرته لتحديد موقف جمالي تُداخل بين اللغتين وتوازن بين المنحيين فنراه مصوراً بارعاً تارة
في :
والشمس تحتضن الرماح كأنها ترمي عليها الف الف غطاء

او :
يا غاسلاً بالدمع لون محاجري حتى غدت كالشمعة البيضاء

ونراه يزاوج التسحيل الوثائقي بالفن الشعري في :
ليت المنية اعدمتني والفنا رقصت مصائبه على أشلائي

أو :
قالت اتغتصب الهدوء وأنت في همّ لتؤنس وحشتي وشقائي

فلاحظ في (والغنا رقصت مصائبه على أشلائي ) تداخل الوثيقة بالفن وكذلك ( أتغتصب الهدوء) فحوارات الحوراء زينب (عليها السلام) تُقال عند العسيلي بلغة فنية

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 258

جمالية تناسب عصرنا الحاضر مع عدم فقدانها للدلالة الأصلية التي قيلت من أجلها ، لكنه يخفق أحياناً في إضافاته عندما يتقابل نصه مع نص مثبّت من تلك الليلة العظيمة كما في المثال التالي :
ويقول افِّ يا زمان حـملت لي همــاً وكيداً حالف التنكيدا
عميت بصائر هؤلاء عن الهدى ولقيــت منهم ضلةً وجحودا
والأمـر للرحمن جل جـلاله كتب المهيمن أن أموت شهيداً

فأعادة صياغة النصّ الاصلي جاءت مهلهلة ومترهلة ونستطيع أن نعزو ذلك الى أن التقابل هنا تم مع نص شعري للإمام الحسين(عليه السلام) وهو إرجوزة وجدانية تفجّعية قالها الإمام (عليه السلام) من صفاء روحه الطاهرة وهي عصية على الترجمة واعادة الإنتاج بألفاظها الرقيقة وجرسها المنغّم الدافق ولا نراها تحمل سمة زمانية محددة بل هي لا تعبر عن لحظتها التأريخية فقط لكنها جاءت بلغة طافحة فوق كلّ زمان كنشيد أبديّ خالد ولذا ظهر عجز العسيلي عن التواشج معها والمقابسة وأخفق قبله الشيخ الفرطوسي عندما حاول محاذاتها في :
وهو يتلو يا دهر كم لك غدراً من قتيل مضرّج بالدماءِ
لك اُفّ على مرور الليالـي من خليل مولّعٍ بالجفـاءِ

على إننا نثني على شجاعة المحاولة وجرأة التجريب فتجربة العسيلي فيها الكثير الكثير من التجاوز على عادية الطريقة التسجيلية ومألوف الإسلوب التوثيقي مما يمتع المتلقي الباحث عن الفن والجمال.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 259

ـ 11 ـ
للشاعر الأستاذ سلمان الربيعي(1)
المساء الأخير
زينب (عليها السلام) تخاطب ليلة العاشر

طــُلْ يـا مساءُ فلا أروم صباحا إن كــان صبحُك للأسى مفتاحا
لو دَرّ ضرع الصبح خيراً لإمرىء ٍفأنـا سـأُسقـى ضيمــَهُ أقداحا
وإذا تـــلألأ نــورُهُ متّبسمـاً ألقى عليَّ مـن الهمــوم وشاحا
يا ليلُ لم أسأم ظلامـكَ طالمــا عينـاي تُبصــرُ كـوكباً لمّاحا
فمتى انجليت فسـوف أُفجع بالذي عنّي يزيــل الغــمَّ والأتراحا
لو كنــت تعـلمُ ما يحلُّ بنا غداً لـم تَطْوِ عن أفق الطفوف جناحا
ياليــلُ انَّ الأم تَسعــدُ بـابنها وبــه تـرى صفو الحياةِ مُتاحا
ومتى توارى شخصُه عـن عينها قَضَــت الحيــاةَ تأوّهاً ونواحا
فَلَكَمْ قلوبٍ سوفَ تذرفُ مِــنْ دمٍ دمعاً يفوقُ الــعارضَ السَّحّاحا
فغداً جميعُ الطاهــرات بــكربلا كلٌّ ستثكل سيــداً جِحّجَاحــا
يا ليــلُ صُبحــك متخمٌ بفجائعٍ دمــُها سيغمـرُ أنجداً وبطاحا
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 260

فغداً بأرض الطفِّ طُهْرُ دمٍ الهدى يغدو بشــرع الظالميـن مُباحا
حيث الطغاةُ على ابن بنـت نبيِّهم جيشاً أراهم حشَّدوا وســلاحـا
وأراه قلبــاً ظامئاً مــا بينهُمْ وسيوفُهم قــد أثخنتْهُ جراحــا
وأرى أخي العباس من طعن القنا نسراً لــه جــذَّ الطغاةُ جناحا
وعلى رمـال الطفِّ أجساداً أرى زُحلاً شأت بعــلوّهـا وضُراحا
وجليلُ مــا تبكي له عينُ الهدى ويزلـزل الأبــدانَ والأرواحـا
نحرُ الرضـيعِ غداةَ يُرسَلُ نَحوَهُ سَهمُ (ابــن كاهل) خارقاً ذبّاحا
وأرى عيـالَ محمدٍ أسرى العدى مَنْ ذا سَيُطِلـقُ للأسيـر سراحا
يا ليلُ إذ يقــعُ الذي يُدمي الحشا أتوَدُّ عيني أن ترى الإصبـاحـا
إنّا إلـى حــكم الدعيِّ ورهطه هيهات نَركنُ أو نليـنُ جماحـا
فليقــتفِ الأحرارُ نهجَ زعيمِهِم ليرَوْهُ فــي آفاقهــم مصباحا
وليقــصد الظمـآنُ ماءَ غديرنا ليذوقَ من فيض الجنــان قراحا
لو لا دمـانا مــا استقامَ لمسلمٍ ديــنٌ ولا بـدرُ الكرامةِ لاحا
ما سال مـن نحر الحسين بكربلا للمـجد خــَطَّ المنهجَ الوضاحا

أبو أمل الربيعي
24 شوال 1417 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 261

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنص يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لاتزال حيّة ونابضة وله الحق في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لازالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.
وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.
والقصيدة عند الربيعي تعبوية التوجّه مخطط لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحو وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.
فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره و خصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.
ولازلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذر شديد وتوجس.

(1) هو : الشاعر الأستاذ سلمان عاصي الربيعي ، ولد سنة 1951 م في الحلّة ـ العراق ، له مشاركات في النوادي الأدبية والدينية ، صدر له ثلاثة دواوين شعرية : 1 ـ على أعتاب الديار 2 ـ الديار المحجوبة 3 ـ طيف الوطن.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 262

ـ12 ـ
للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)
الى سيدتي الذكرى

اطلّي...
فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين
وجئنا على الوعد ياامرأة زادُها الحزن والذكرياتْ
لأبنائها الراحلينْ
مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ
لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ
وننثُرها بين كفيك يُنبوع ماءْ
قرابينَ
لكنها...
ـ يالفرط البلاهة ـ
من أحرف مطفآت
لكيما...


(1) هو : الشاعر الاستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 هـ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ،يكتب الشعر والمقالة وا لقصة وينشر نتاجه الادبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الادبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

السابق السابق الفهرس التالي التالي