حــَرّكَ الليـلُ سيفَهُ الأمويّا |
|
يَرسمُ الصـبحَ مسرحاً دمويا |
يطعنُ النجمَ والدراري اغتيالاً |
|
غاضَهُ الأفــقُ مُذ بدا قمريا |
فتلقتُه أنجــمٌ زاهـــرات |
|
ٌسكبت فيــه نـورَها العلويا |
نحتتهُ النجومُ ليـلاً مــنيراً |
|
تحسدُ الشمسُ نورَه السرمديا |
ثم غنتــهُ للّــيالي نشيدا |
|
ملأ الأفقَ صــرخةً ودويا |
إنَّ لحناً بــه الحسينُ تغنّى |
|
سوفَ يبقى على المدى أبديا |
قــال «اُفٍ» وليتـه لـم يقلْها |
|
فبها ظــلّ دهــرُنا أمـويا |
ويدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ المـوتَ |
|
طريقاً إلــى العُلى دمــويا |
قبّلتها أنصــارُه فــي هيامٍ |
|
وجدوا الموتَ في الحسينِ هنيّا |
قرأوا في الــدماءِ جناتٍ عدنٍ |
|
صــاغها اللهُ مــرفأً أزليا |
فمضَوا للخلودِ في زورق الطفّ |
|
وخاضوا نهرا الدمـاءِ الزكيا |
ما ألذّ الدمــاء فـي نُصرةِ الله |
|
إذا كــان نبعُهــا حيدريا |
وتلاقتْ علــى الهـدى بسماتٌ |
|
لم يرعْها مــوتٌ يلـوحُ جليا |
ضحكوا يهزؤون بالـموتِ شوقا |
|
ًللقاءٍ يحــوي الإمــامَ عليا |
وانبروا للّقاء في ســَكرةِ الحُب |
|
ّالإلهــيِّ بالــصلاة سويـا |
وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحا |
|
ًنحتَ اللهُ شمسَهُ فـي الثــريا |
أطفـأتْ وهجَهُ الــسيوفُ فما |
|
زالت رماداً ولم يـزل هو حيّا |
وغفى الليل في عيون الصحارى |
|
يتخفّى في جفنهـا إعــصارا |
والعيـونُ السمراءُ كانتْ رمادا |
|
ًوهو تحت الجـفون كان جِمارا |
وإذا أقبــلَ الصبـاحُ سيمتـ |
|
ّـدُ ضباباً يـُخفى لهيبـاً ونارا |
فأعّدَ الحسينُ سيفــاً من النور |
|
ونحـــراً وثلــةً أقمـارا |
هاتفاً ياظلامُ (أُفٍ) فــكم أطفـ |
|
ـأت فجراً وكم نحــرتَ نهـارا |
ولقــد آنَ أن تمــوت لتحيا |
|
فوقَ أشلائِكَ الشموسُ العذارى |
يـوقـدُ النـارَ للألى طعنوا الشمس |
|
ونــوراً للتائهيــن الحــيارى |
يـعـزفُ المـوتَ للحيــاةِ وكان |
|
السيفُ في وحـي صمتــه قيثارا |
قـرأت فــي عينيـه من لغة الدم |
|
حروفاً قــد عاهــدتُه انتصارا |
ورأته يبني الشمــوخَ على أطلالِ |
|
جُـرحٍ لــم يعــرف الإنكسارا |
ويريقُ الشَــريانَ شلالَ هــدىٍ |
|
كــانَ ينسابُ مــن يديه بحارا |
فانبرت والرمالُ تسبقُهـا خَــطواً |
|
إلى الشــمس قبــل أن تتوارى |
إيهـي ياشمــسُ لاتمــوتي فإنّا |
|
ما ألفنا مـن غيــر شمسٍ نهارا |
إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى |
|
موطــن إشــراقك لنحياكِ ثارا |
وهنــا المســرحُ الحسينيُّ قـد |
|
أســدل ستـراً وأطفـأ الأنوارا |
ياليلَ عَشـرِ محــرمٍ ألبستنــا |
|
ثوبَ الحــدادِ فكلُّنــا مثكـولُ |
وافيتنــا بالنائبــاتِ وإنَّهــا |
|
أمرٌ على كلِّ النفــوس ثقيــلُ |
فجَّرْتها يومَ الطفـوفِ عظيمــة |
|
ًمنها ربوعٌ قد بكـت وطلــولُ |
حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى |
|
نطق الكتــابُ ونـوّهَ الانجيـلُ |
لما رأيــتَ ابن النــبي ونورُه |
|
(عُرضُ الدُنى فيه زها والطولُ ) |
أمَّ العـراقَ بِفتيــةٍ مــن أهله |
|
ليُقيمَ أمراً قــد عراه خمــولُ |
أثقلــتَ كــاهلَه بهـا وأعَقْتَه |
|
من أن يحقــّقَ ما هـو المأمولُ |
ورميتَه بسهام غــدرٍ مـا ابتلى |
|
فيها وصـيٌ قبلَــه ورســولُ |
خَذَلَتْه أقــوامٌ تسابــقَ رُسْلُهم |
|
منهـم مُــريحٌ عنده وعجـولُ |
برسائــلٍ مضمونُهــا وحديثُها |
|
أن ليس غيرُك للنجـاةِ سبيــلُ |
إنا لأمرك طائعــون فقــم بنا |
|
فإلامَ يحكم فــي البلاد جهولُ |
عجِّل فــدتك نفوسُنا فكبيــرُنا |
|
وصغيرُنا لك ناصــحٌ ووصولُ |
تالله إن لــم تستجب لندائنــا |
|
فالدينُ ديــن أميــةٍ ســيؤولُ |
ومن المدينة حيـن راح يحفــه |
|
مَنْ مالَهم في العالمــين مثيــلُ |
قد نُزِّهوا عــن كل ما من شأنه |
|
يُوري فــهم لذوي العُلا إكليــلُ |
نزلوا بأرض الغاضرية فازدهت |
|
من نــورهم ليت المقام يطــولُ |
باتوا وبات ابــن النبي كأنَّــه |
|
بــدرُ الســماء وذالكمْ تــأويلُ |
أحيى وأحــيوا ليلَهـم بتضرعٍ |
|
وتبتّــُل وعــلا لهــم تهليـلُ |
وغدا يودّعُ بعضُهم بعــضاً فما |
|
أحرى بأن يبكي الخليــلَ خليـلُ |
حتى إذا ولَّى الظلامُ وأصــبحوا |
|
أُسداً تجول على العدى وتصــولُ |
شهدت ببأسهم الفيالــقُ إذ رأتْ |
|
موتَ الــزؤام لـه بــهم تعجيلُ |
فكـأنَّ يــومَ النفــخ آن أوانُه |
|
وبه الموكّل أُعـطيَ التخويــلُ(1) |
منهــم تهيَّب جيــشُ آل أميةٍ |
|
وعرى الــجميعَ تخاذلٌ وذهـولُ |
وَعَلَيهِمُ حام القــضا فدعـاهم |
|
داعي الــمنونِ وإنَّـه لعجــولُ |
فهووا على حرِّ الصعيدِ وبعـدَهم |
|
نُكِبَ الهــدى إذ ربّــُه المثكولُ |
أمَّ الخيام إلى النسـاء معــزِّياً |
|
ومودِّعاً فبــدا لهــنَّ عـويلُ |
وغدا يُسَلِّي الثــاكلاتِ وهكذا |
|
حتى هَدَأنَ فقــام وهــو يقولُ |
(مَنْ ذا يُقدمُ لي الجوادَ ولامتـي |
|
والصحبُ صرعى والنصيرُ قليلُ) |
هــا هنا فرقتان فالسبط والآل |
|
|
وبنــو الحقد والنفـاق وتبدو |
|
في نفوس وقد غشاها الخنــوع |
هذه أنفـس من القدس صيغت |
|
ونفوس الأعــداد بناها وضيع |
وهنــا العـز والبسالة روحا |
|
وهـم ساقهــم جبـان جزوع |
وهنا عفــة وصـدق وحلم |
|
وهناك الدهــا وغــدر فظيع |
وهنا للفداء عــنوان حـق |
|
وهناك فيـن القــذارات ريـع |
وهنا العطف والحنان تسامي |
|
وهم ما نجى ـ لديهم ـ رضيع |
وهنا تزدهي الصراحة شمسا |
|
وهم خـادع لــه مخــدوع |
هذه صفحة من الطهر صيغت |
|
وعلى تلـكم الهـوى والمـيوع |
واشترى الله أنفسا طاهـرات |
|
لا تحابـي بمبــدإ أو تبــيع |
هاهم الصحب بالوفاء تسمـوا |
|
فمجال الوفـاء قطعــا وسيـع |
قد بدا الحقد في ابن سعد فجرما |
|
قد أتــاه فساء منـه صنيــع |
اسخطوا الوحي والسماء عليهم |
|
إن حرب الحسين جرم شنــيع |
ليـس حربا لشخصه بل لروح |
|
هي للدين أصــله والــفروع |
فغــذا هـذه الشموع ستدوي |
|
ذاك فـوق الصعيد مرمى صريع |
وعزيــز بـكت عليه الثكالى |
|
خضبوه فسال مــنه الـنجـيع |
ونساء يصــحن إنا عطاشى |
|
وأبو الفضل لليــديـن قـطيع |
وغدا تندب اليتــامى لقتلـي |
|
صحن قد ( قوض العماد الرفيع ) |
إنما هذه الضحــايا ستبقـى |
|
وستهدي الأنام هــذي الشموع |
وسيبقـى الحسيـن يجري بدم |
|
في عروقي فبالعبــير يضـوع |
ويهيــم الفؤاد في تلبيــات |
|
كلما مــرّ ذكــرُهُ ويــميع |
ليلة السبط خلدت دين طــه |
|
حــيث لولاه ديـن طه يضيع |
فمضـى يخبر صحبه عما جرى |
|
ويبين للأمـر المهــول الأكبر |
هذي الطـفوف وذي منازل كربلا |
|
أفما ترون لسابقــي لـم يجسر |
قـد قــال جــدي إنها أوطاننا |
|
وبها تسيل دمــاؤنـا كالأبحر |
وبها تسام الخــسف نسوة أحمد |
|
وبها تصيب الديــن طعنة أكفر |
لكنكـم في الحــل مني فارحلوا |
|
من قبل ابلاج الصبــاح المسفر |
قالوا لـه انــت الصـباح وسيره |
|
فيه الصلاح لعاقــل مـستبصر |
ماذا نقــول إذا أتـينــا أحمداً |
|
وأباك والزهراء عنـد الكوثــر |
تفديك يــا نـفس الرسول نفوسنا |
|
وأقل شيء أن تراق بمحضــر |
فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلا |
|
وتر الصحيح من القتال الأكبـر |
لله در نــفوسهــم لمــا علوا |
|
فوق السوابق والخيول الـضمر |
فكانهم فــوق الخيــول كواكب |
|
تسمو على مريخها والمشتري |
وكــأن خليــهم نجوم قد هوت |
|
رجما لشيــطان وكــل مكفر |
لم يحسبــوا رشـق النبال أذية |
|
كلا ولا طــعن الرماح بمذعر |
ولكم أبادوا مــن عصـاة ذادة |
|
بسوا الـدروع واقبلوا كالأنسر |
حتى قضوا ما بين مشتبــك القنا |
|
وبقي حسين مفردا لم ينصر(2) |
أليلة عاشوراء يا حلكــاً شَبَّــا |
|
حنينك أدرى من نهارك ما خبّــا |
وما خبّأ الآتي صهاريـج أدهُــرٍ |
|
بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّــا |
بساعات ليلٍ صرَّم الوجـدُ حينهـا |
|
يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّــا |
يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجـاهُمُ |
|
دَويّاً كمن يُحصي بجارحـة تعبـى |
لقد بيّتوا في خاطر الخلـدِ نيــةً |
|
أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهبـاً |
وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما |
|
برشف فرندٍ يحتسون بـه الصَّهبـا |
فواعظمهم أنصار حَقِّ توغلــوا |
|
إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا |
فأكبْــر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً |
|
وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا |
بهم ظمأٌ لـو بالجبــال لهدَّهــا |
|
ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتها تُربــا |
عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغـت |
|
ولو رامت الأفلاك كانت لها تربـا |
وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَهــا |
|
شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكـرَ واللبّــا |