كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 281

تُراعي بأشباح الظلام عُيونُهـــم حريماً وأطفـــالاً مُرَوَّعَةً سغبى
حريماً وأطفالاً براهُــنَّ غائــلٌ من الوجَل المحتوم مُنقَدحاً كربــا
على وجلٍ يخفقنَ من كلِّ همســةٍ يُنمنْمُ هولُ الخطبِ في عينِها عَضبا
خيامٌ عليها خيَّم الوجــدُ ناحِــلاً وَجَلّى عَليّهَا الغمُّ بالهـمِّ مُنصَبَّــا
بنفسِيَ آلُ المصطفى أَحدَقـتْ بهم ضُروبُ الرزايا حَزَّبتْ حَولهمُ حِزبا
تدور عليهم بالشجــى فكأنّهــم بفطرتهم كانوا لجمرتهــا قُطبــا
ألا ليتنـي حيث التمنـي عبــادةٌ لمن ليس في عينيه غير المنى دربا
خباءٌ به النيـران كفٌ تقطّعــت وصدرٌ غدا للخيل مضمارها نهبـا
وقلب تفرّى بالظَّمـا وجــوارحٌ تُوزَّعُ بالأسياف مَحمــرةً إربــا
بنفسي أبو الأحرار ما ذاق جُرعـةً ليجرع كأس العزِّ مُترعـةً نخبــا
ألا ليت لي لثم الضريح ورشفــهُ من العبق الفـوَّاح ألثمُــه عبّــا
وأهتف يا مولايَ جئتـك دمعــةً نشيداً ، جراحاً ، دامياً ، ولِهاً ، صَبَّـا
ألا ليتني بين السيـوفِ فريســةً لإيقاعها غنَّت جوارحـيَ التعبــى
أقي قلبك الصادي بقلـبٍ أذابَــهُ نوى هجرك الممتدِّ يا سيدي حقبـا
أفدِّيك إجلالاً وأنشـدُك الحُبّـــا أتُحرمُ عذبَ الوِرد يا مورداً عذبـا
ويا عنصر الألطاف من روح أحمد بأوردة الدنيا يُكلّلهــا الخصبــا
ويا عبقا من رحمة الوحي فاتحــاً تَنشَّقَ منه الماحلُ النسـمَ الرطبــا
ويا قبسا في العيـن يُثقلهــا رؤى تفرَّسُ بالايمان تختـرقُ الحُجبــا
ويُكحلها التقوى حيــاءً وعفّــة ويسكبُ فيها من هواه المدى سكبـا
فأنت الذي في العين يُذكي سناءَهـا فتحلوا إذا ترنو أو اثّاقلت هدبـــا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 282

لأن مراسيهــا هواكــم ونورُكــم وإكسيــرُها فيضُ المـودة في القربـى
أفدِّيك يا من الهبَ الشمـسَ والسمــا نجيعاً فذابــا في قداستــهِ ذوبــــا
على أنّ مُحمــرّ السمــاءِ تألَّــقٌ لتُزجي به من فيضك الشـرق والغربــا
أفديك يا فرع الرسالــة يا هــوى لأحمد في الآفـاق يملـــؤها حُبّـــا
ويا مبسماً يحكـي شفــاهَ مُحمــدٍ وريــاه ما قلت ولا عطرُها أكبـــى
عليه ولا أدري أتقبيـــل عــودةٍ بها شغـفٌ أم رام يوسعــه ضربـــا
ويا كبدا حرى تفـرَّت من الظمـــا وفيها الفراتُ انساب سائغــهُ شُربـــا
ويا صارما لولا الحنــانُ أعاقــه لَقَدَّ الدنـــى قَدّاً وقَطَّعهَـــا إربــا
بمهجته الغيرى وان نــزَّ جُرحُهــا يرصُّ معانـي المجــد مملوءةً لبـــا
ويا صامداً ما زعزعتْ من كيانـــه صنوفُ الردى بل لم تحرَّك له هدبـــا
ويا مقلة ما زال يعصرهـــا الأسى لترويْ بقايــا الآهِ والــدمَ والجدبــا
بكت قاتليهـا والذيــن تَجمَّعُـــوا لثاراتِ بـدرً ضدَّه اجتمعـــوا إلبــا
رأت روحُك الاسلامَ جرحاً فلم تطـقْ هواناً وصبراً فاعتلتْ تُعلـنُ الحربـــا
وتلثمُ صابَ الدهرِ جذلـى ولا تـرى جراحاً تنزُّ الآه قـد ذربــت ذربـــا
وسالت على جرح الهدى اعتصمتْ به وصبَّت حياة القدس في فمـه صبّـــا
فدِّيك يا من قبَّل السيـفُ نَحـــرَه ففاض وأضفى وانثنى يكرَهُ النصبـــا
ويا واحدا لا نِدَّ شاركَـــهُ المــدى وَوهْجَ الجهادِ الحـرِّ والـدمَ والدربـــا
أنبِّيكَ ما زال الزمــانُ مـــردداً صداكَ ملأتَ البحرَ والأُفقَ والرحبـــا
وأنَّ سيــاجــاً من دماك وجمرِها وأحمرِهــا ما زالَ متقَّــداً شهبـــا
يحيطُ الطواغيتَ اللئــام بلفحِـــهِ فيصبُغُهمْ ذعرا ويملؤهــم رعبــــا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 283

إلى الان وقـعُ اسم الحسين بسمعِهمْ وأحرفِهِ ما زالَ مستصعباً صعبــا
تصارعُ أحقـابُ الدهورِ ونفسهــا على ان ترى ندّاً يجــدده وثبــا
يعيد لميدان الجـهـاد وميضَـــه ويُذكى أواراً من سوى فيك ما شَبـّا
ويوقظُ افكاراً عليهـا من الونــى تراكمُ أحقـابٍ مخثـرةٍ حجبـــاً
ويروي بسلسالِ النجـيعِ عقيــدةً بغيرِ دماكَ الطهرِ لم تعرفِ الخصبا
ويصنعُ يا مولاي ما كـنتَ صانعاً ويهمي علينا من بسالتِه صوبـــا
ولكنه الدهرُ الذي عَقمـتْ بـــه لياليـهِ أن تأتــي بمثلكَ أو تُحبى
ولو رام نِدّاً لاستشــاركَ عنــوةً لأنَّك أولى مَنْ يخطّطُـه لحبـــا
وأدرى به علمـاً وأجلـى به رؤىً ولكنــه يأبـى وإنك لا تأبـــى
لقد خسر الدهرُ الرهـانَ فلم يطـق محالٌ عليه اليوم ان كرر الذنبـــا
وقد صدَقَ الحُسادُ أنَّ يـزيدَهــم تكرر في الأزمان ممتلئا عُجبـــا
ونحن نقولُ السبطُ مـا زال باقيـاً هو السبطُ لا قولَ افتراءٍ ولا كذبـا

عبد الكريم آل زرع
28 / 10 / 1416 هـ
تاروت ـ القطيف


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 284

الشيخ عبدالكريم آل زرع

الشاعر آل زرع يختبر طاقاته التعبيريه والتوصيلية إختباراً مطوّلاً مع بحرعصيّ وقافية غير مطواعة عاصت جهده ودأبه في أكثر من موضع ، فتراكيبه وأبنيته تُظهره لنا صائغاً يحاول أن يتفرّد في استخدامه للألفاظ والعبارات ، فيرفع عن كفيه أصابع الآخرين حين الكتابة ، وهذه المحاولة جادّة وظاهرة عنده فقصيدته لها شخصية متميزه لعلها لا تُحاكي أحداً ولا تُصغي لقول الآخرين الشعري بحيث تبدو بصمات الغير على قماش القصيدة أو إطارها ، وأمام آل زرع مهمة شاقّة لأن قصيدته طرق متأنٍّ على حجر صلد يحاول الشاعر أن يقنعنا أنه قد شكّل أو كوّن مايمكن معرفته ، لكنّي أقول إنه متعجّل في التعامل مع مادّته الشعرية ، فهو يطهو على نار هادئة لكنّه يُنزل قدره قبل النضج بفترة وجيزة ـ إن صحّ التشبيه ـ وهذا واضح عند تأمّل أبياته فهو صاحب بيت شعري متماسك الصدر دائماً لكنه يتعب في عجز البيت غالباً فيصل القافية منهكاً ، فنلاحظ هذا الصدر المتجاوز للمألوف بصياغته المتفرّدة
يقضّي بها صحبُ الحسينِ دُجاهمُ...دوياً....
فما أجمل هذه المحاذاة الناقلة لحالة ( دويّ النحل ) لكن آل زرع تعجّل بإلصاق عبارة تشبيهية تُضر بجمال ما تقدّم وهي عبارة ( كمن يحصي بجارحة تعبى ) فما علاقة الإحصاء بالجارحة التعبى بحالة العبادة والخشوع التي يؤدّيها الأصحاب في اُفق الإنتظار ، ونلاحظ أيضاً هذا البيت :

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 285

وقد قايضوا الارواح بالخلد والظما برشف فِرَنْدٍ.....
فينتقل من الرشف وهو شرب على رقة للسوائل من المشروبات الى الاحتساء الذي هو شرب أيضا ولكنّه للأغذية الصلبة التي اُسيلت فتشرب حارة عادةً ، فدخل البيت الى منطقة القلق في المعاني بعبارة ( يحتسون بها الصهبا ) فكان الجمال في التصور والتأمل لكنّ الألفاظ خانت التعبير.
وكذلك الحال في أكثر من موضع حيث تنقلب الأعجاز على الصدور الجميلة فتخنقها فمثلاً :
على وجلٍ يخفقن من كلِ همسةٍ....
فأنت الذي في العين يُذكي سناءها.....
ويا مبسماً يحكي شفاه محمد.....
من أين تأتّى لهذا الغرّيد الفذّ أن يكبو هذه الكبوة ؟
في نظري أن آل زرع إختار أن يتحدّى قالباً شعرياً من أعسر القوالب في إختياره بحر الطويل التام وفي إختياره لحرف الباء المفتوح كرويّ لقصيدته ، فبحر الطويل التام أطول بحور الشعر العربي قاطبة وخصوصاً في الأعجاز التي يستمر الشاعر في النظم عليها الى نهاية القصيدة ، فعلى الشاعر أن يحشو فيه بكثرة لكي يصل الى آخره ، فلم يستطع الافذاذ من شعراء العربية أن يكتبوا به نتاجهم الأفضل منذ إمريء القيس في :
ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البـــالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟

وهذا الحكم سائر على القصيدة العربية المنظومة به كقاعدة قابلة للإستثناء.
وإذا أضفنا أن آل زرع إختار حرف الباء المفتوح كرويّ لقافيته فستزداد

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 286

الصعوبة ويتعسّر الطلب ، وللشاهد سنذكر قصيدتين كانتا على بحر الطويل التام وزناً وعلى حرف الباء المفتوح رويّاً لنثبت ـ على سبيل المثال ـ ما قدمنا.
القصيدة الاولى للسيد حيدر الحلي ومطلعها :
لحى الله دهراً لو يميل الى العتبى لأوسعت بعد اليوم مسمعه عتبا

والقصيدة الثانية للسيد مصطفى جمال الدين بعنوان ( معلم الأمة ) والتي مطلعها :
جذورك في بغداد ضامئة سغبى وظلك في طهران يحتضن العربا

فالمتتبع لنتاج الشاعرين يرى بوضوح أن هاتين القصيدتين ليستا من جيد شعرهما مما يؤكّد ما ذهبنا اليه في أن الشاعر عبد الكريم آل زرع ركب المركب الصعب.
وعلى قسوة هذه الملاحظات فإنها تشد على يد الشاعر بإخلاص للتأني وعدم العجلة فإن في قصيدته المزيد من الموفقية ولَعَلِي أختم بإبداء إعجابي بأكثر أبيات القصيدة توفيقاً وهو :
لان مراسيها هواكم ونوركم واكسيرها فيض المدوة في القربي

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 287

ـ 18 ـ
للشيخ عبدالمنعم الفرطوسي (1)
من الملحمة الحسينية
خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) في أصحابه مساء يوم التاسع

ولقد قام خاطباً سبطُ طـــه بعَد جمعِ الأصحابِ في كربلاءِ
قال أُثني علـى إله البرايــا شاكراً فضلَه بخيـرِ ثَنـــاءِ
وله في البلاء حَمدي وشُكري مثل حَمدي له على الســرَّاءِ
وله الحمدُ حيـنَ مَنّ علينــا كرماً في نبــوّة الأنبيـــاءِ
وحبانا التفقيه في الدينِ رشـداً بعدَ تعليمِنا كتــابَ السَّمــاءِ
لم نكن مشركينَ حين اصطفانا وهدى للتوحيد خير اهتـــداءِ
بعد خَلق الأبصارِ والسمعِ منا وبناء القلوب خيــر بنــاءِ
أُشهـدُ اللهَ ما رأيتُ كصحبـي أبداً في الولا وصدقِ الوفــاءِ
أهـل بيتي ولا أبــرّ واتقى منهمُ ما رأتهُ مقلـةُ رائـــي

(1) هو : شاعر أهل البيت عليهم السلام العلامة الحجة الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي ، وفاضل محقق ، ولد في النجف الأشرف عام 1335 هـ ، قرأ المقدمات على يد فريق من أرباب الفضيلة وأخذ الفقه والأصول على يد السيد محمد باقر الشخص الأحسائي ، ولازم أخيراً بحث آية الله العظمى المرحوم السيد الخوئي قدس سره ، ومن آثاره العلمية 1 ـ شرح كفاية الأصول ( الجزء الاول ) 2 ـ شرح المكاسب 3 ـ ديوان شعر 4 ـ ملحمة أهل البيت ( وقد تناول فيها سيرة أهل البيت عليهم السلام ) توفي سنة 1404 هـ ودفن في جوار أمير المؤمنين عليه السلام) في النجف الأشرف راجع شُعراء الغري للخاقاني : ج6 ، ص3 ـ 7.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 288

ولقد قال مُخبِراً لي بقتلــي سيّدُ الرُسلِ خَاتِمُ السُفــَرَاءِ
سوف تمضي لكربلاءَ فَتغدو بعدَ سَوق لها من الشُهــداءِ
وأظنُ اليومَ الذي فيـه نلقـى هؤلاءِ الخصومَ ليـس بنـائيِ
فَجُزيتم عنّي بخير جــزاءٍ في مواساتكم وأسنى حبــاءِ
لكم قد أذِنتُ طُرّاً فسيــروا بافتراقٍ عنّي وطولِ تنــائي
أبداً ما عليكم من ذمـــامٍ وحقوقٍ تُقضى بوقـتِ الأداءِ
جَنَّ هذا الظـلامُ فاتخــذوه جملاً للنجا وأضفـى غشـاءِ
وليصاحب مِنْ أهلِ بيتي منكم كلُّ شخصٍ شخصاً بخيرِ إخاءِ

جواب بني هاشم له (عليه السلام)
فأجابَ الحسينَ بَعــدَ قيـامٍ مِنْ بني هاشـم أُسودُ الإبــاء
وأخوه العباسُ يقْـدمُ فيهــم وهُمُ خَلفـَه بخيـرِ اقتـــداء
لمَ يا ابنَ الرسول نفعـلُ هذا ألنَبْقى وأنتَ رَهـنُ الفنـــاء
لا أرانا الإلهُ بَعــدكَ هـذا يا سليلَ النبي طـولَ البقــاء
ورنـا قائــلاً لآلِ عقيــل فاذهبوا أنتم بغيــرِ جَفــاء
قد كُفيتم في قَتل مُسلـمَ عمّا أنتـم فيه أحسنَ الاكتفـــاء
فأجابوه كيف نذَهبُ عنكــم بسلامٍ فـي ساعـةِ الابتـلاء
أيُّ شيء يقولُه الناسُ عنّــا ولهم ما نقولُ عنـدَ اللقــاء
إن خذلنا أعمامَنا وتركنــا شيخَنا وهو خيرةُ الأصفيـاء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 289

دون ضربٍ ودونَ طعـنٍ ورميٍ معهم عندَ ساعــةِ الالتقـــاء
أَمَا واللهِ إنّنـا ســوف نلقــى ما تـلاقونــه بحدٍّ سَـــواء
ونواسيك بالنـفــوسِ ونغــدو لك عندَ الطعانِ خيـرَ فـــداء

جواب الأنصار لهعليه السلام)

ولقد قال مُسلمٌ ليـس نمضــي أبداً عنكـم بيـومِ البــلاء (1)
وبأي الامورِ نُبـدي اعتــذاراً حينَ نمضي عنكم لربِّ السمـاء
بعد تركِ الحقِ العظيمِ علينـــا لك من ربِّنا بــدونِ قَضــاء
ليس نمضي بدونِ طعنٍ وضربٍ في صدور العِدا بأقوى مضـاء
ولو انّي فقدتُ كــلَّ ســلاحٍ حينما ألتقي بأهـلِ العـــداء
لقذفتُ العِــدا لألقى حِمــامي دونَكُم بالحجـارةِ الصَمَّـــاء
وسعيدٌ أهابَ كـالليث فيهـــم صارخاً في بسالة وضـراء(2)
لا نُخلّي عنكم ونذهب حتـــى يعلمَ اللهُ بَعدَ حُسـنِ البـــلاء
أنّنا كلّنــا حفظنــا غيابــاً فيكم حقَ خاتــمِ الأنبيـــاء
ولو انّي أُحْرِقْتُ بالنارِ حرقــاً أنا سبعينَ مــرّة باقتفـــاء
بعد قتلٍ للسيف يتلـوه قتــلٌ وأُذرّى في إثرِهــا بالهــواء
ليس أمضي عنكم وَما هـيَ إلاّ قتلةٌ عندَ ساعــةِ الالتقـــاء

(1) هو مسلم بن عوسجة.
(2) هوَ سعيد بن عبدالله الحنفي.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 290

بعدها نحنُ بالكـرامـةِ نَحظـى وهي تبقى لنا بـدونِ انقضـاء
ولقد قال لو قُتلـتُ زهيـــرٌ ثم اُحييت يا أبـا الأزكيـاء (1)
هكذا ألفُ مـرّة بـي يجــري وأنا مُذعـِنٌ بِحُكـم القضــاء
هان هـذا علـيَّ واللهُ يُنجــي مِنكُمُ فتيـةً كَشُهـبِ السمــاء
وجميعُ الأصحـابِ أَدْلَوا بقـولٍ يُشبهُ البعـضُ بعضَهُ بجــلاء
فجزاهم خَيراً وأثنى عليـهــم بعدَ صدْقِ الولا بخيـرِ ثنَــاء

موقف الحضرمي الصادق
وتراءى الإخلاصُ بابـن بشيـرٍ وهو في مثلِ حالهِ المترائي (2)
حين أوحى وكانَ بعـضُ بنيـه أخبروه عن أسره وهـو نائـي
قائلاً ما وددتُ أنـّيَ أبقـــى وهو يُمسي فِيهم من الأســراء
وأجابَ الحسيـنُ أنـت بحــلٍّ مِنْ ذِمامي فاذهب لبذلِ الفـداء
قال واللهِ لَستُ أذهـبُ عنكُــم حين يَغدو في شِدّةٍ أو رخــاء
قال هذي الثيابُ خُـذها وارسل عنك للريّ صنوَهُ في الإخــاء
ساعياً بالفكاكِ وهـي تُسـاوي ألفُ دينار ساعــةَ الإفتــداء
وهو أوحى لصحبه حيـن أبدى غامضَ السرِّ مِنْ ضميرِالخَفـاء
إنَكُـم تُقتلونَ حتى رَضيعــي وأنا في غدٍ بغيــرِ امتــراء

(1) هو : زهير بن القين.
(2) هو : محمد بن بشير الحضرمي.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 291

دونَ زينِ العبّادِ يَحفظ منّــي فيه نسلَ الأئمــةِ الامُنــاء
فأجَابوهُ نَحمدُ اللهَ شُكـــراً وامتناناً على عظيمِ العَطــاء
إذ حبانا فضلَ الشهادةِ فـوزاً معَكُم في كـرامةٍ وعُــلاء
أفلا ترتضي بأنّــا سنغـدو معَكُم في منـازلِ السُعــداء

الإمام الحسين(عليه السلام)
يُري أصحابه منازلهم
في الجنّة
وأراهم وقد رأى الصدقَ منهُم في الموالاةِ بعد كشـفِ الغطاء
ما لهم من منازلَ قد أُعـدت في جنانِ الخلودِ يـومَ الجزاء
ولعمري وليـس ذا بعسيـرٍ أو غريبٍ من سيّـدِ الشُهـداء
فلقد أطْلعَ الكليــمُ عليهــا منهمُ كلَّ ساحــرِ بجــلاء
حينما آمنوا بما جـاء فيــه عند إبطال سحِرهِم والريــاء
بعد خوفٍ من آل فرعون مُردٍ لهم منـذرٍ بسـوءِ البـــلاء
فأراهُم منازلَ الخيرِ زُلفــىً وثواباً في جنّـة الأتقيـــاء
لازديادِ اليقينِ بالحقِ فيهــم بعد دحضٍ للشكّ والإفتــراء
وثَباتاً منهم على الدينِ فيمــا شَاهدوه مِن عالمَ الإرتقـــاء

ليلة الوداع
هذه ليلــةُ الـوداعِ وهــذا آخرُ العهدِ منهُـم باللقـــاء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 292

عَمّرُوها من التقى فأماتــوا شهواتِ النفـوسِ بالإحيــاء
يومَ باتوا على هُـدى صلواتٍ بين خوفٍ مِنْ ربهِم ورجـاء
كدويِّ النحلِ ابتهالاً ونجـوىً لهُم في غياهـبِ الظلمــاء
وهُمُ بينَ راكـعٍ بخضــوعٍ وخشوعٍ وضارعٍ في دُعـاء
يتهادَون والهدايـا تحايـــا بُشرياتٍ بغبطـةٍ وَهنـــاء
هذه الجنّةُ التي قد أُعــدتْ تتراءى لأُعينِ الشُهـــداء
لم تكن غيرَ ساعةٍ هي فصلٌ بين أُخرى الهنا ودنُيا الشقاء
ثم تحظى بخيرِ فوزٍ ونعمـى بعد مأوى لجنّةِ الأتقيـــاء
وبنو هاشمٍ نطـاقُ عيــونٍ مستديرٌ على خيامِ النســاء
وأبو الفضلِ فارسُ الجمع ترنو مـقلتاهُ لمقُلـةِ الحـــوراء

الاستعداد للحرب
ولقد قاربوا الخيـامَ جميعــاً دونَ بُعدٍ ما بينها وتنائـــي
واُحيطت في خَندق مــلأوهُ حطباً حولهَا بخيـرِ امتــلاء
ليشبّوا يومَ الوغى فيه نــاراً فيكونَ القتالَ عنـدُ اللقـــاء
حينما يحملونَ فيه لوجـــه واحدٍ دونَ سائرِ الأنحـــاء
كلُّ هذا قد كان منهم بأمــرٍ أخذوه عن سيّدِ الشهـــداء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 293

كلام الحسين(عليه السلام)
مع نافع
وتهادى سبطُ النبـوّةِ ليـــلاً لاختبار الرُبى بظلِّ الخفـــاء
حذراً أن تكونَ دون اختبــارٍ مكمَناً للعِـدا وخيــرِ وقــاء
ورأى نافـعٌ إمـامَ البرايـــا خارجاً في غياهبِ الظلمـــاء
فاقتفى إثرَهُ احتفاظـاً عليــه خيفةً من غوائـلِ الأعـــداء
فرنا قائلاً : أنــافـعُ هــذا ما الذي جاء فيكَ بعـدَ العِشـاء
قلتُ ياسيّدي خروجُـك ليــلاً لثنايـا مُعسكــرِ الخُصَمــاء
قال فاسُلك ما بينَ تلك الروابي وانجُ بالنفس مِن عظيـمِ البـلاء
هي واللهِ ليلةُ الوعـدِ صِدقــاً وهو وعدٌ خلوٌ مِن الافتـــراء
قلتُ واللهِ ما أنا عنكَ مــاضٍ قطّ حتى أذوقَ كأسَ الفنـــاء
فَرسي هَذهِ بألــفٍ وسيفــي مثلُهـا سيّدي بحــدٍّ ســواء
لستُ أنأى حتّى يَكِلا بفــريٍ ويجريٍ منّي بــأيّ تنائــي

حبيب والأصحاب أمام خيمة النساء
وسمعتُ الحوراءَ حينَ تــوارى وأنا واقفٌ أمــامَ الخبـــاء
تَتناجى معَ الحسيــنِ وقالــت وهي تبكـي يا سيّدَ الشُهــداء
هل تبيّنتَ وابتليــتَ النوايــا من جميعِ الأصحاب ِخيرَ ابتلاء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 294

إن طعمَ الحِمــامِ مُرٌّ وأخشـــى أنــا أن يُسلمــوك دونَ عنـــاء
عندَ وقتِ اصطكاكِ كــل سنــانٍ بسنـانٍ فــي وثبــةٍ شعـــواء
قــال جرّبتُهـم فـلـــم أر إلاّ أشوساً أقعسـاً شديــدَ المضـــاء
وهُمُ يأنسـونَ بالمــوتِ دونــي رغـبــاً في مســرّةٍ وهنـــاء
مثلما في محالــبِ الأمِّ شوقـــاً يأنسُ الطفلُ عندَ وقــتِ الغـــذِاء
قلـتُ إي والإلـــه وانصعــتُ أسعى لحبيبٍ في حَسـرةٍ ورثـــاء
قلت هذا جــرى فهلا تنـــادي كل أصحابنــا بخيـــر نـــداء
قال سمعاً وطاعــةً ودعـــاهُم ياليوثَ الهيجــا بخيــرِ دُعـــاء
فأجابـوا لبيّكَ حيــنَ تجلَّـــوا كأُسودِ الشرى وشُهــبِ السمـــاء
قال ردّوا فلا سهرتُــم عُيونــاً لبنـي هاشــمٍ عيــونُ العـــلاء
وحكى للصحـابِ ما قد حكـــاهُ نافـعٌ عنــدَ ساعــةِ الإبتـــداء
فأجابــوه كلُّـهـم لـو أتتنـــا ساعةُ الإذنِ من أبــي الأزكيـــاء
لبـدأناهُــمُ جميعــاً عُجـــالاً نَحنُ بـالحــربِ دونَ أيّ رخــاء
قال سيروا معي وكان أمامَ الصَحب يَسـري عَـــدْواً وهُم مِــنْ ورَاء
وهُمُ يَهرعـونَ جنبـــاً لجنــبٍ وَجثوا قـُرب خيمــةِ الحـــوراء
وحبيبُ نادى فنـــادوَاوا جميعــاً يـا كريمـاتِ خاتـــمِ الأنبيـــاء
هذه هذه السيـــوفُ المواضــي من جميـعِ الغُلمــان والأوليـــاء
قد أصرّوا طُرّاً بـأن يُغمدُوهـــا في نَحورِ العِـدا بيـــوم اللقـــاء
والعوالي آلوا بـأن يـركـزُوهــا دونَكُم في صُـدورِ أهــل العِــداء
سوفَ نفديكُـم بكــلِّ نفيـــسٍ ونـفــوسٍ مخلـوقــةٍ للفـــدِاء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 295

لن تُصابوا ونحنُ تَطُرفُ فينــا مقلةٌ قطّ بـالأذى والعَنـــاء
لا نرى منكُمُ قتيـلاً وفينـــا رَمقٌ مِن نوابضِ الأحيـــاء
فتعالى من النسـاء صُــراخٌ ضجّ منه بالنوحِ كلُ فنـــاء
دافعوا عن بناتِ طهِ وحامــوا غيرةً عن حرائرِ الزهـــراء
فعراهُــم من النحيــبِ دوّيٌ طَبّقَ الاُفُقَ مِن رحيبِ الفضاء

الإمام الحسين والحوراء زينب
(عليهما السلام)
وعليُّ السجادِ أنبــأ فيهـــا بحديثٍ عن سيّــدِ الشُهــداء
قد رأيتُ الحسيـنَ يُصلحُ سَيفـاً بينَ كفيّهِ تحتَ ظـلِ الخبِــاء
وهو يَتلو يا دهرُ كم لك غـدراً مِنْ قتيلٍ مُضـرجٍ بالدمـــاء
لك أُفٍّ على مـرور الليالــي مِنْ خليلٍ مُولّــعٍ بالجفـــاء
فَتفهّمــتُ مــا أرادَ بهــذا وتيقنت في وقُـوعِ البـــلاء
وأتت عمّتـي وقد سمعتهـــا من أخيها تجُرّ ذيلَ الـــرداء
وهيَ تدعو بالثّكلِ ليت حياتـي قبل هذا قد اُعدمَـت بالفِنــاء
يا ثمال الباقين من أهـل بيتـي ولمن غاب خيـرة الخلفـــاء
هكذا يا أُخيُّ يُصنَـعُ ظُلمـــاً بكَ منهُم يا نبعةَ الأصفيـــاء
قال لا يذهبنّ في حلمك الشيطانُ طيشاً أُختـاه دون ارعـــواء
وتَعزِّ استكانـةَ واصطبـــاراً بعزاءِ الرحمن خيـرَ عــزاء
ليس يبقى أهلُ السمـاء وأهـلُ الأرض يُفنونَ مثلَ أهلِ السماء

السابق السابق الفهرس التالي التالي