ورأى جـدَّه فأوحــى اليــه |
|
قد تدانى ميعــادُ يومِ اللقـــاء |
سيكونُ الإفطــارُ منك بحـقٍ |
|
في غدٍ عندنا بوقـتِ المســـاء |
بك أهلُ الجنانِ زادوا ابتشـاراً |
|
والصفيحُ الأعلى بأصفى هناء (1) |
ولقد جاء من إلـه البرايـــا |
|
ملـك من أكــارم الامنـــاء |
ليصون الدماءَ منكَ احتفـاظـاً |
|
بين جنبي قـارورةٍ خضـــراء |
قال عبد الرحمن حُبّاً ونُصحــاً |
|
لبريرَ بـدونِ أيِّ جفـــاء (1) |
حينما هازلَ ابتهاجاً وبُشـــراً |
|
شخصَه في تَحبُّـبٍ وإخـــاء |
ليس هذي بساعـةٍ يَعتريهـــا |
|
باطلٌ دونَ ريبـةٍ وامتـــراء |
قال واللهِ ما ودَدتُ اشتياقـــاً |
|
أبــداً كـلَّ باطلٍ وريـــاء |
طولَ عُمري طفلاً وكهلاً وقومي |
|
لي بهذا مِنْ خيـرةِ الشُهــداء |
غير أنّي مُستبشرُ النفسِ فيمــا |
|
سوف نلقاهُ من نعيمِ البقـــاء |
ليس إلاّ بأن يَميلـوا علينـــا |
|
بالمواضي في ساعةِ الإلتقــاء |
ثم إنّا نعانقُ الحـورَ فـــوزاً |
|
بعدَ هذا في جَنّـةِ السُعـــداء |
وحبيبٌ عندَ التبسُـم أوحـــى |
|
ليزيدَ هذا بحــدٍ ســواء (2) |
لو أتاني إذنُ الحسينِ لعجّلــتُ |
|
عليهم مِنْ ساعتي باللقــاء (3) |
في غد يشرق الصباح مدمـىً |
|
وعلى الترب أنجم مطفـــآتُ |
واشتعال الرمال يلهب أفقــا |
|
أججته ضغائــنّ وهنـــاتُ |
والمدى الرحب خلفه يتـوارى |
|
فيه غابت شموسه النيـــراتُ |
وجفون السماء تقطر دمعــاً |
|
سكبته عيونُهــا الباكيـــاتُ |
علّها تُطفيء اللظـي بــزلال |
|
وعلى الأرض أكبد ظامئــاتُ |
أغلقت دونها الينابيع عذبــا |
|
بعدما شحّ بالرواء الفـــراتُ |
أيبس الطف والقلوب جفـاف |
|
ونفوسٌ عن الرؤى مجدبــاتُ |
لن ترى غير مقتل الحق نصراً |
|
فهي في صحوة الحياة سبـاتُ |
غادرت يقظة الضمائر موتى |
|
فتعرت أشلاؤهـا الصدئــاتُ |
رسمت لوحة الخطيئة بحــراً |
|
من جحيم وعمقـه الظلمــاتُ |
أبحرت فيه والمتـاه دلـيــل |
|
مزقتها عواصفٌ مهلكـــاتُ |
نبذت قبر عريها كـل أرض |
|
فهي في رقدة العذاب شتاتُ |
في غدٍ تملأ الشعاب صبايـا |
|
ونساءٌ فواجعٌ ثـا كــلاتُ |
أثقلتها مصائـب ورزايــا |
|
غاب عنها أعزةٌ وحمــاةُ |
طاردتها شمس الظهيرة جواً |
|
وقفارٌ تحت الخطى مسعراتُ |
خلفها يُشعل الخيامَ ضــرامٌ |
|
حاط فيها توحّشٌ وقســاةُ |
وخيول الأعداء تطحن صدراً |
|
وضلوعاً تهفو لها الكائنـاتُ |
جسدٌ ضمَّ في ثناياهُ كونــاً |
|
يتسامى وفيضُهُ المكرمـاتُ |
عانقَ الموتَ والشهادةَ شوقـاً |
|
فجنانٌ لشوقـهِ عاشقــاتُ |
ووحيداً يُلقن الحشدَ درســاً |
|
بثباتٍ يحارُ فيـه الثبــاتُ |
حوله من بنيه والصحب جمعٌ |
|
جمعتهم مواقفٌ خالــداتُ |
وقفوا وقفةَ الإبـاء بحــزمٍ |
|
وسيوفٍ تهاب منها الكُمـاةُ |
سطّروا صفحةَ الوفاء وساروا |
|
بطريق تهيم فيـه الأبــاةُ |
فإلى الخلد أنفـسٌ تتعالــى |
|
وعلى الرمل أبدنٌ زاكيـاتُ |
سال منها دمُ الحيـاة نديــاً |
|
بربيع الجراح تَحيى المواتُ |
سوف تجتاح في غدٍ معقل الظلم |
|
وتنهـار أعــرشٌ نكـــراتُ |
وستبقى الدمـاءُ ما دام فيهــا |
|
صحوةُ الدين والفدا والعظــاتُ |
وستبقى الدماء أغلى وجــوداً |
|
من حياةٍ يعيش فيهـا الجنــاةُ |
ينحني السيفُ خاشعاً وذليــلاً |
|
وخضوعاً ستركع المرهفــاتُ |
حين أعطت قيادهــا للئــامٍ |
|
ثم أودت بعزهــا عثـــراتُ |
فاستحقت مدى الزمان عتابــاً |
|
وتنامـت بفعلهــا النائبــاتُ |
فلما رأى أن لا مناص من الـردى |
|
وإنّ مراد القــوم منه كبـيـــرُ |
فقال لأهليه وباقـي صحـبـــه |
|
ألا إنّ لبثـي فيكــمُ ليسـيـــرُ |
عليكم بهذا الليل فاستـتـروا بــه |
|
وقوموا وجدّوا في الظلام وسيـروا |
ويأخذ كلُّ منكــم يـدَ واحـــدٍ |
|
من الآن وخفّوا في البلاد و غوروا |
فما بُغيةُ الأرجاس غيري وخالقـي |
|
على كلّ شيءٍ يبتغـيــه قديــرُ |
فقالوا معاذَ الله نسلمك للـعــدى |
|
وتضفى علينا للحـيـاة ستـــورُ |
فأيُّ حياة بعد فقـدك نرتـجــي |
|
وأيُّ فــؤادٍ يعتـريـه ســرورُ |
ولكن نقي عنك الـردى بسيوفـنـا |
|
لتحظى بنا دارُ النعـيـم وحــورُ |
فقال جُزيتم كلّ خيــرٍ فأنتــمُ |
|
لكلّ الورى يوم القيـامـة نــورُ |
فأصبح يدعو هل مغيثٌ يُغيثُنــا |
|
فقلّ مُجيبــوه وعـزّ نصـيــرُ |
ولم تبقى إلا عصبةٌ علـويـــةٌ |
|
لهم عزماتٌ ما بهـنَّ قـصــورُ |
ولمّا شبّت نار الحروب وأضرمت |
|
وقتْ نفسَه هـامٌ لهــم ونحــورُ |
ولم أنسه يوم الهيــاج كأنـــه |
|
هزبرٌ له وقعُ السيـوف زئيـــرُ |
يكرُّ عليهـم والحســام بكفــه |
|
فلم يرَ إلا صــارخٌ وعفيـــرُ |
وراح إلى نحو الخيـام مودعــاً |
|
يُهمهمُ بالقرآن حيــثُ يسيـــرُ |
فقمنَّ إليه الفاطميـات حُسَّــراً |
|
يفدينه والمعـولات كثيـــرُ |
فقال استعينوا بالإلــه فإنَّــه |
|
عليمٌ بما يُخفي العباد بصيــرُ |
ألا لاتشقنَ الجيوب ولا يُــرى |
|
لكُنَّ عويلٌ إنَّ ذاك غـــرورُ |
ألم تعلمي ياأختُ إنَّ جميعَ مـن |
|
على الأرضِ كلٌ للمماتِ يصيرُ |
عليك بزين العابديــن فإنّــه |
|
إمامكِ بل للمؤمنيــن أميــرُ |
أطيعي له إنْ قال مولىً فإنَّــه |
|
المطاعُ بأحكام الكتاب خبيرُ (1) |
أغسلي يا نجوم عن سأم الليـ |
|
ـل جفونَ الحسينِ والأصحـابِ |
وَدّعي ذلك الزعيمَ ودمعــا |
|
ذابَ فيه طبعُ انكسارِ السحـابِ |
دمعةٌ منه أنبتتْ للمــلاييـ |
|
ـن حِراباً من سُنةٍ وكتــابِ |
ودّعيه دماً تأهبّ فـي الأقـ |
|
ـداح كيما يُراق في الأكـواب |
دمُه صبغة السماءِ وأين السـ |
|
ـيفُ منه وهو انتماء التُـراب |
حدّثيني عن الاُسود كم امتـــدَّ< |
|
بهم للسمـا خيـوطُ انتســـابِ |
زرعوا الليل أعيناً تحرس الغ |
|
ـاب كَسربٍ من الردى جـــوّابِ |
أنت يا ليلة انخساف المرايـــا |
|
في وجوه السنيـن والأحقـــاب |
غُرست فيك آهتي واحتضـاري |
|
ونمت فيك صرختي واغترابــي |
عجبٌ أن أراك سـوداءَ والشمـ |
|
ـس بجنبَيـكِ معبـدُ الأهــداب |
عجبٌ أن أرى لديك ( دويَّ النـ |
|
ـحل) يهتزُّ من أُسـود الغــاب |
سهروا بين جانحيــك جبــالاً |
|
وغدوا فوق راحتيـك روابـــي |
عليه اُغمضُ روحي ـ حلمَه العجبا ـ ! |
|
فكيف فــرَّ إلى عينــيَّ مُنسربـــا |
ومن أضــاءَ له حُــزني فغــادره |
|
إلى فضـاء قصيّ اللمـح فاقتربـــا ! |
حتى تسلّــل من حُبٍّ ومن وجـــعٍ |
|
دمعاً يُطهّر نبعَ القلــب لا الهدبـــا |
رأيتُ فيما رأيتُ الدهشـة انكســـرت |
|
وخضّبت جســداً للمستحيــل كبــا |
وكـان يَلقى سيوفَ الليـل منصلتـــاً |
|
ويستفزُّ مُـدىً مجنونـــة وظبـــى |
وكان يعبر فـي أشفارهــا فزعـــاً |
|
مُرّاً ، وترتدُّ عن أوداجـه رُعبـــا ! |
تمتد لهفتهــا حيــرى فيُسلمُهـــا |
|
إلى ضلوع تشظّـت تحتهــا نهبـــا |
مَنْ ينحرِ الماء مَنْ يخنـقْ شواطئــه ؟ |
|
والنهر مدَّ يديـه نحــوه... وأبـى ! |
فناولني دمــه ياليلـــة عبـــرت |
|
إلى النزيف جريح الخطـو منسكبـــا |
يا نافراً مثل وجه الحـلم رُدَّ دمــي |
|
إلى هواك... دمي الممهور ما اغتربـا |
يطلُّ ظلُّك فيه... بــوحَ اُغنيـــةٍ |
|
ظمآنةٍ عبَّ منهـا لحنُهــا اللهـبــا |
رأيتُ فيما رأيتُ الليـلَ متّشحـــاً |
|
عباءةَ الشمس مختـالاً بهـا طربـــا |
وفوق أكتافه فجرُ النعوش هـــوت |
|
نجومُه...والمدى يرتـجُّ منتحـبـــا |
قبل الحرائق كـان الورد يُشبهـــهُ |
|
وبعده لرماد الريـح صــار سبـــا |
قبل الفجيعة من لون الفـــرات له |
|
شكلٌ ، ومن طينه وجهٌ يفيض صبــا |
وبعدها سقطت في النار خضرتــه |
|
وحال عن بهجة مسحورة ، حطبـــا |
وما تألّـق من جمـرٍ فبسمتــــهُ |
|
غارت ، وتحت رمادٍ باردٍ شحبــا ! |
وأنت ، دون عزيف الموت ، صرختنا |
|
وأنت.. تنفخ فيها صوتهـا.. نسبــا |
وأنت عنـدك مجــدُ الله... آيتــهُ |
|
بيارقاً نسلــت... جـرارةً حقبـــا |
وأنت تلوي عنان الأرض ثمّ إلـــى |
|
أقدارها تطلـق الأقـدار والشُهبــــا |
وعند جرحك مات الموت وانبجسـت |
|
من الصهيل خيـولٌ تنهـب الصخبــا |
فاحملْ دمَ الكوكب الغضّ الذبيح وسـر |
|
إلى الخلــود فقد أرهقتَــه نصَبــا |
وقف...فحيث مدار الكون صرت له |
|
مشيئةً تكتب التاريــخ ، أو قطـبــا |
عكفتْ تشحــذُ للمــوتِ النصـــالا |
|
أو تهزُّ الليــلَ ذكــراً وابتهـــالا |
فـتــيــةٌ نــاداهـمُ ربُّــهُـــم |
|
أقدِموا ، فاستسهلوا الاُخـرى منـــالا |
ومضوا عن هذه الدنيـــا عُجالـــى |
|
وسرَوا للخُلدِ يبغــونَ الـوِصـــالا |
بسَمَ المجـــدُ لهم فابـتـسـمـــوا |
|
وإلى أسيــافهــمْ مالــوُا فَمــالا |
وارتدَوا من عدَّةِ الحـــربِ هُـــدىً |
|
ووفـــاءً ومُــروءاتٍ ثِـقـــالا |
جَنَّهُمْ في الطـفِّ لـيـــلٌ وهُـــمُ |
|
بالحسينِ الطُهرِ قد جَنُّــوا خَبـــالا |
فاشهــدي ياليلة الضــوء هـــوىً |
|
نضراً يبتكـر الرؤيـــا جمـــالا |
يا مسـاءً لم يلُــــحْ في أفْقــــهِ |
|
غيـرُ وجهِ اللهِ ، والسبطِ ـ تعالـى ـ ! |
ترقـــبُ الفجـــرَ به أمنـيـــةٌ |
|
حُرَّةٌ لم تُلقِ لـلـرَّهـبـــةِ بـــالا |
رغبتْ أن تشهـد الفتــحَ غــــداً |
|
بدمٍ ما سـالَ بـل صـالَ وجـــالا ! |
فأعدَّتْ لـلِـقـــاهُ صَـبــرَهــا |
|
ونفوساً أنفـت تهــوى الضـــلالا |
وتمدّ اليــدَ لــلـطـاغــي وقـد |
|
عاثَ بالديـن حــرامـاً وحـــلالا |
ترِبَـتْ كــفُّ أبيــهِ.. ليتَــــهُ |
|
نَصبَ القـردَ أميـراً.. واستقـــالا ! |