بكِ يا ليلة الـوداعِ الرهيــبِ |
|
سال دمعي دماً لرُزءِ الغريـبِ |
مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى |
|
يتلقَّى الردى بصدرٍ رحيــبِ |
قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتــم |
|
فاذهبوا في ظلام هذا الغـروبِ |
واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي |
|
كيف ترضـى نفوسُنا بالتخلِّي |
فأجابوه يا حبيـبَ القلـــوبِ |
|
عنك في محنةٍ ويومٍ عصيـبِ |
لك نفدي أرواحَنـا وقلـيــلٌ |
|
لك بذلُ الأرواحِ عند الوثـوبِ |
سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينـا |
|
لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجـوبِ |
أنخلّيك مفرداً يــا بـنَ طـه |
|
والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ |
أي عذرٍ لنا إذا مـا سُئِلْنـــا |
|
ما جرى فالتجأتُـمُ للهــروبِ |
يا أبا عبدالله دَعْنا ننــالُ الـ |
|
أجرَ والفضل في الجهادِ القريبِ |
فجـزاهم خيراً وقــال إليكــــم |
|
ما أردتم والفــوز للمستجيـــبِ |
وأراهـم منــــازلاً قد أُعــدَّت |
|
لَهُمُ في الجنـــانِ بالترحيـــبِ |
ليروا راحـةً بها وارتيــاحــــاً |
|
بعد ذاك العنـا وتلك الكـــروبِ |
ثم باتـوا لـهــم دويٌ تعـــالى |
|
بالمناجـــاةِ للإلــهِ المجيــبِ |
فقضوها بالعـشـقِ ليلةَ وصـــلٍ |
|
ببكـاءٍ وحســـرةٍ ونحيـــبِ |
ومع الدهرِ للحسـيـــن عتــابٌ |
|
بخطابٍ إلى القلـــوب مذيــبِ |
قال يادهر ُ منـك كم قد أُصِبْنـــا |
|
ودهينا بكــل خطـــبٍ مريبِ |
هدَّنا خطبُـك الجلـيــلُ وانـــا |
|
منه شبنا قبل يــوم المشيـــب |
ثم طوراً يرنو لزيـنـبُ تبكـــي |
|
ولها ينثنـي بقلـــبٍ كئيـــبِ |
أختُ يا زينبُ العقيلـةِ صبــــراً |
|
إن رماكِ القضا بـــرزءٍ عجيب |
كم علينا حوادث الدهـر جـــرت |
|
من مآس تدمي عيـــون اللبيـب |
أنتِ أم النبوغ بنـت علـي وعلــي |
|
في الدهـــر أسمى خطيـــب |
هو ممن ذلت لديـه المعانــــي |
|
لسمو التفكير فــي الترتيــــب |
فخذي خط أمك فــي جهــــاد |
|
لك في محتـــواه أوفـى نصيب |
وابذلي في زمان أسـرك جهـــداً |
|
ببيان مفصــل ومـصـيـــب |
أوضحي فيه أمرنـــا لأنـــاس |
|
قادهـم للشقــاء قـــول كذوب |
وضعي في عـروش آل أمــــي |
|
قبسا يابنة الهــدى من لهيـــب |
واحفظي لي العيـال ثم اعرضي عن |
|
جزع موجــب لشـــق الجيوب |
واتركي النوح والبكــاء لوقـــت |
|
من لقانا بعد الفــراق قريـــب |
واذكريني عند الصــلاة البليـــل |
|
رُب ذكرى تريـــك وجه الحبيب |
واندبيني إن شئتي ندبـي حينــاً |
|
واروي حر الحشا بدمـع سكـوب |
أبلغي منـي الســـلام لجـدي |
|
ولأمي وأعلنـي بالـوجـيـــب |
واقربي عني السـلام شقيقــي |
|
حسن الفعل في جميـع الــدروب |
وعلى البعد وجّهـي لأبيـنـــا |
|
في الغريين أجمل الترحـيـــب |
ثم قصّي عليه رزءاً بـكـــاه |
|
قبلُ في نينوى ببعـض الحـروب |
واخبريه بأننــا قد أصبنـــا |
|
من رزايا زماننـا بضـــروب |
فرقتنا يد النـوائـب شرقـــا |
|
وشمالا ومالنا مـن صحيـــب |
يا ابنة الطاهريـــن جدا وأمـا |
|
وأبا ذا حجا وصدر رحيـــب |
اصبري صبره فبالصبـر يرقـى |
|
كل حي لذا الالــه الرقيـــب |
واعلمي أننا على الحق نحيــى |
|
وعليه نموت من دون حـــوب |
وسلام عليـــكِ منـيَّ يتـرى |
|
في حياتي وبعد يـوم مغيـــب |
صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ |
|
قد رماني بكلّ خطبٍ فظـيــعِ |
وسقاني كؤوس همٍّ وحــزن |
|
سلبت راحتي وأحنـت ضلوعي |
ذالكم حين صاح ليلاً حسيـنٌ |
|
يا بني هاشم بصـوتٍ رفيــعِ |
هذه ليلة الـوداع فقومـــوا |
|
بعد لبس القلـوب فوق الـدّروعِ |
ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها |
|
وهي تبكيكم بحمـر الدّمــوعِ |
حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّــا |
|
أقبل الطّاهـرون للتّـوديـــعِ |
رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقـــاً |
|
وكذا الابِن ينحنـي بخضــوعِ |
يلثم الوالد الحنــون فيحنــو |
|
فوقه من أسىً بقلبٍ وجيـــعِ |
فهو طوراً يرنو العيال وطوراً |
|
يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ |
حيث يدري بطفله سوف يُرمى |
|
وعن الماء يرتوي بالنَّجيـعِ (1) |
تشبُّ بقلبي نارُ وجـدي وتَضــرمُ |
|
لذكراكَ يا ليـلَ الــوداعِ متيّـــمُ |
وهيهــات أن أسلو مصائب كربلا |
|
وتلك بَكاها قبلُ طــه المكـــرّمُ |
فما زلت في بحرٍ من الحزن والشّجا |
|
أعومُ وطرفي بالكـــرى لا يهـوّمُ |
مدى العمر لا أنســى عقيلةَ حيدرٍ |
|
عشيّةَ أمست والقضــاءُ مخيّـــمُ |
تودّع أهليها الكــرامَ وتنثنـــي |
|
مع اللّيل من فرط الأســـى تتكلّـمُ |
تقول له يا ليلُ رفقــاً بحالنـــا |
|
فأنت بنا من شمس صبحــكَ أرحمُ |
بربّك لا تُبدي الصّبــاحَ فإنّـــه |
|
صباحٌ به جيـشُ الضــلالةِ يهجمُ |
أطلْ يا رعاكَ اللهُ وقتَكَ أن تجــد |
|
طريقاً ولا تخفى لجــوّك أنجــمُ |
طلْ لوداع الطّاهـراتِ حماتِهـــا |
|
فصُبحكَ فيه منهمُ يُهـــرقُ الـدّمُ |
أنا زينبُ الكبرى سليلـــةُ أحمـدٍ |
|
وهذا حسينٌ والزّمــانُ محـــرّمُ |
وهذي جيوشُ الظالمينَ تراكمـــت |
|
علينا فهل فيمـا يُريــــدونَ تعلمُ |
يُريدونَ قتلَ ابن النبي وصحبـــهِ |
|
وإنّك تدري مَنْ حسيـــنٌ وَمَنْ همُ |
أطالت مع اللّيل الحديـث من الأسى |
|
واجفانُها كالمُزنِ تهمـــي وتسجمُ |
فلو فَهِمَ اللّيلُ البهيــمُ كلامَهـــا |
|
لرقَّ لها لكنّـه ليـــس يفهـــمُ |
ولو كان ذا حسٍّ ويعرفُ قدْرَهــا |
|
أجاب نداها لكن اللّيـــلُ أبكـــمُ |
تُخاطِبُه في أن يُطيـــلَ ظـلامَه |
|
عليها وما للّيـــلٍ أُذنٌ ولا فـــمُ |
أليلٌ سجـى في كربلاءَ أم الحشــرُ ؟ |
|
تَسامت به الأيـــامُ وافتـخـر الدهرُ |
وهل بسمـاتُ الوالهين إلى الرضـــا |
|
أضائته أم ثغرُ الحقيقـــةِ يفتـــرُّ |
وتلك دمـوعُ المشفقـات تسابقـــتْ |
|
شئآبيبَ أم سحبٌ بهـا انبجسَ القطــرُ |
وهذي جبـاهٌ أم بـروقُ صـــوارمٍ |
|
أم اللوحُ محفوظاً بهيكلــه الذكـــرُ |
وهل تلـك أرضٌ أشرقت في عراصها |
|
ـ أو الفلكِ الأعلى ـ الكواكبُ (2) البدرُ |
نعم حلَّها ثقـلُ الرِّسالــةِ فاكتســى |
|
بهم سندساً من فيضِ جدواهـــم القفرُ |
وليس ظلاماً ما أرى بل صحيفــةً |
|
من النور تبدو والجهادُ لهــا سِفْرُ |
جرت من أبيِّ الضّيمِ فيها دمــاؤُهُ |
|
كتاباً جهادُ الأنبيـاء به سطـــرُ |
ففي كلِّ جرحٍ من عديد جراحــه |
|
لنوحٍ وبلواهُ السفينــةُ والبحــرُ |
وفي كلِّ حرفٍ من لهيـب ندائــه |
|
خليلٌ لإسماعيله في الحشــا جمرُ |
وإنْ كان بالذبح العظيــم فــداؤُهُ |
|
لتُفْدى بإسماعيلَ فتيانــه الغُــرُّ |
وإنْ فخرت أرضُ الطَّواف بها جرٍ |
|
فكم هاجرٍ بالطَّفِّ أبرزهــا الخدرُ |
سَعتْ ألفَ شوطٍ تطلبُ الماءَ بعدما |
|
جرى في مسيـر النَّهر ريقُهُ الغمرُ |
ولو ملكتْ أمراً سقت من دموعها |
|
عطاشاه لولا أنَّها أدمــعٌ حُمــرُ |
تسيلُ بجنب النهر يندى بها الثرى |
|
وتنسجُ برديه الشّقائقُ والزَهْـــرُ |
فلم يعرفِ الراؤونَ ما الدمعُ منهما |
|
غداةَ جرى من مقلتيها ومــا النَّهْرُ |
وهذا ابنُ عمرانَ استقلَّ جهَــادَه |
|
وما صَغُرَتْ شأناً مَوَاقِفُــه الكُثْـرُ |
غداةَ رأى سبطَ النبيِّ بكربـــلا |
|
به يستجيرُ الدينُ إذ مسَّــهُ الضُـرُّ |
لئن خانه الحانون فى الذل جبهـةً |
|
وأصبتهم الدنيا فما خانــه النَّصـرُ |
وإن ظلَّ فرداً حيثُ خلاَّه عسكرٌ |
|
فكان له من عزمهِ عسكـرٌ بحــرُ |
تمنَّى كليمُ الله تفديـه نفسُـــهُ |
|
ودونَ الحسينِ السبطِ تنحرهُ السُمْــرُ |
وجلَّ الصليبُ المجتلى فوق عوده |
|
مسيحٌ كما يجلى من الغَبَش الفَجْرُ (1) |
تسلَّق أعواد الصليب فما ونَـــتْ |
|
رؤاه ولكن باح بــالألم السَّـــرُّ |
يقولُ وملأُ الكونِ منـه شكايـــةٌ |
|
إلى الله ممزوجٌ بهـــا الألـمُ المُرُّ |
إلهي وربي كُنْ معي في مصيبتـي |
|
رفيقي فقد عنَّاني الصلــبُ والأسرُ |
وأُولاءِ فتيانُ الرسولِ تسابقـــوا |
|
إلى الموت يتلو الحُرَّ في سعيه والحُرُّ |
تَلفُّهُمُ الحربُ العَــوانُ كأنَّهـــا |
|
نعيمٌ وفيه الأُنسُ لا البيـضُ والسُمْرُ |
فما ضَعُفَت منها القلوبُ عن الوغى |
|
أجل مات فيها الخوفُ وانذعر الذُعْرُ |
وإن جلَّ يوم المطمئنِ وخائٍــفَ |
|
فمَنّ منهما في السابقين له الفَخْــرُ ؟ |
طوى اللهُ آناءِ الزَّمانِ الذي مضـى |
|
وفي ليلِ عاشوراءَ كان لــه النَّشْرُ |
تَطلَّعَ ماضٍ في الزَّمـانِ وحاضـرُ |
|
كراءٍ جيادَ السبقِ أبرزهــا الحضرُ |
إلى فتيةٍ قد زانت الأرضَ بالسنــا |
|
كما ازدان في عقدٍ من الـدُرَرِ النَّحْرُ |
أحاطــت بسـرِّ الله فيهــا كأنَّه |
|
فؤادٌ حواه بيـن أضلُعـــهِ الصدرُ |
تمنَّت لقاءَ الموت قبـل أوانـــهِ |
|
فأمْثَلُ شيءٍ أن يطـولَ بهــا العُمْرُ |
تبرَّجَ رضـــوانُ الإله بعينهــا |
|
نعيماً وما أخفاه عن ناظـــرٍ سِتْرُ |
هَفَتْ لعناق البيض وهي مشوقــةٌ |
|
لمقعدِ صدقٍ عنــدهُ يَعظــمُ الأجْرُ |
وحَفَّتْ بسبط المصطفى وهو باسـمٌ |
|
أضاءَ الهدى في ثغره إذ دجا الكفـرُ |
أبَتْ أن ترى من هاشمٍ بشبا الظُبـا |
|
عفيراً فعند المصطفى ما هـو العُذْرُ |
ولكن أبَتْ فرسانُ هاشم أن تُــرى |
|
مُحَلأَّةً والموتُ ريَّــانُ مُحْمَـــرُ |
ونادى الهدى في حكمـه متنهِّــداً |
|
كما فاح من غَنَّاءَ مطلولـــةٍ نَشْرُ |
دَعُوا للوغى أنصارنا فقلوبُهـــا |
|
لقطف رؤوس الكفر ضاق بها الصبرُ |
ومذ حَظِيتْ بالحكم في الموت أقبلت |
|
كما احتشدت في الأفقِ أنجُمُـهُ الزُهِرُ |