كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 351

سيظلُّ الدهرُ شوقـاً كلّمــا ردَّده يستـــاف عطــــرا
سنجلّي ساحة الحـــرب بما يُشـــرق في التـاريخ بدرا
لو تقاسمنا جيوش القوم إذ نقلبهـــا بطنـــاً وظهـــرا
ولأفنى كلُّ شهم من عـرانينــك للجحفـــل شطـــرا
ولألفيت فلول الجيش قد أَلقـــت إلى المهـــزوم عُـذرا
وسعيد القوم من أسعفه الحــظُ من القتـــل وفــــرّا
بيد أن الله لا تعلـم ما سوف غـداً يقضيـــه أمــــرا

محمد رضا القزويني
28 / شوال / 1416 هـ


السيد محمد رضا القزويني

إقتطع السيد محمد رضا القزويني في قصيدته ( العباس وليلة العاشر ) مقطعاً مؤثراً من مقاطع ليلة عاشوراء الأليمة فاختار شخصية أبي الفضل العباس(عليه السلام) في خطاب ذاتي من الشاعر مع الكمالات الروحية والجسدية التي وضعها العباس(عليه السلام) رخيصة فداء لولائه لسيد الشهداء(عليه السلام) ثم صوّر لنا جانياً آخر تشارك فيه الشاهدة العظيمة على المأساة وتفاصيلها زينب (عليها السلام) لتحتدم رؤى القصيدة و تتصاعد فجيعة وفقداناً لننتهي بلسان حالها وهي تخاطبه خطاب الوفاء والمحبة بعقائدية مذهلة

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 352

وايمان غيبي متوهج وهذه الالتفاتة في اختيار السيد القزويني لهذا المقطع المأساوي وايفاؤه لمتطلباته في لغة هي للتراث اقرب منها للحداثة ينم عن ذوق وحس شفافين نراهما ـ أيضا ـ في قصيدته الاُخرى ( حديث الليل ) والتي أفاضت على كل أحداث الليلة بتوثيقها وتسجيلها وحفظها بلغة سلسلة رشيقة ساوقها الإيقاع المرهف والمتقافز لبحر الرمل الذي جاء به السيد القزويني بخمس تفعيلات خارجا عن مألوف عمودية البح بصدر بيته المساوي لعجزه في عدد التفعيلات فأصبحت القصيدة من نظام الاشطر المتساوية في عدد تفعيلاتها وليست من نظام الصدر والعجز التقليدي وهو خروج يشعر القاريء المتمرس بشيء من المغايرة فيشده للإنتباه الى خصوصية البناء وفرادته وهذه الحال ـ بلا ادنى شك ـ قصدها السيد القزويني اثارة محسوبة على التجريب الواعي في عملية النظم و كسراً ملحوظاً للرتابة و التكرارية.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 353

ـ 31 ـ
للشيخ محمد سعيد المنامين (1)
على مشارف الشمس ؟

نجمــةٌ أنـتَ أم أنــا أم هو الحلـم بيننـــا ؟
كيف فاجـأت حُلكـــة من ظلام تـوطّنـــا ؟
أنت أشمسـت ليلهـــا فاستفاقـت ، وأذعنـــا
أخجل الضوءُ من سنــا وجهكَ ، الليلَ فانحنــى
* * *
لم يكن غيـــرُه هناكْ عندما خــطَّ مسرحــا
حاصر الأرض والزمانْ ثم للأُفــق لوَّحــــا
رمقت عينـه النجــومْ فأحاطته ، كالرحـــى
.. أنا نجـم تفتحـــا بالدما قد توشـحــــا
* * *
ها أنا مطرق ؛ يقـول : لن أُنادي ، سأسكــتُ
فامتطوا صهوة الظـلامْ أسرعـوا لا تلفّتـــوا
.. ألف عصفورة هنـا ـ يا رفاقي ـ ستصمتُ
شمعنا هاهنا ؛ يضيــعْ ضوؤه ، ثـم يخــفتُ

(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ محمد سعيد عبدالله المناميين ، ولد سنة 1390 هـ في القطيفه ، أكمل المرحلة المتوسطة ثم طلب العلم في النجف الاشرف سنة 1409 هـ ، ثم في حوزة قم المقدسة سنة 1411 هـ ولا زال يواصل دراسته العلمية ، له نثارات شعرية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 354

فـي غـدٍ أسهــم الطُغـــاةْ حولـنـا ســوف تقنـــتُ
إنمــا هـــذه الحـيـــاةْ فـــرَصٌ لا تـفــــوَّتُ
* * *
ها هنـا مصرع الرضيـعْ هـكـذا السهـــمُ قَبَّلــــهْ
لو تــرون التماعـــة النـّ صل في كــفِّ حرمـلـــهْ
حينمــا شـــدَّ قوســـهُ صوّب النحـــرَ مقتـلـــهْ
عطشٌ يخنــقُ الضلـــوعْ وارتـجــاف وحوقـلـــةْ،
.. ثــمَّ دوّى ، أزيـــزُهُ ملأ الكـــون ، أذهـلـــهْ
ولمحـــتُ احـتـضــارهْ بسـمـة ثـمَّ بـسـمـلـــةْ
* * *
فــأحاطـوه ، أحـدقـــوا طوّقــوهُ ، تـألَّـقـــوا !
وأجــابــوه أحـــرفاً.. شفـةَ الشمــس تــرمــقُ
أحرفــاً لونُهـــا القنـــا ودمـوعــاً تــرقـــرقُ
: هل هو الموت ؟.. مرحبـاً فـالـمـنـايــا سنَطــرُقُ
سـوف نؤوي سـهـامـهــا وبهـــا سـوف نرفـــقُ
أن نّــوارى فـمـشـــرقٌ ـ أنت ـ في القبـر يُــورقُ
* * *
لم أكن نـجـمـــةً أنـــا بل هـو الحُلـــم بيننـــا

1 / 11 / 1417 هـ
محمد سعيد المناميين


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 355

الشيخ محمد سعيد المناميين

بعدما أكثر من الإصغاء ومرافقة الشعراء والأدباء قرّر محمد سعيد المناميين أن يلج البوابة السحرية بجواز سفر يشهره بثقة أمام حرس الحدود ليُذعنوا لرغبته في الدخول بترنيمة غذبة تؤشّره كصاحب شاعرية واعدة بالعطاء الثرّ والإنجاز النوعي المتنامي على مستوى القصيدة الحديثة الرؤى ، الاصيلة في محتواها.
إنّ تجربة المناميين هذه لاتغفل التحدي بل تطلبه مع الذات ومع الآخرين أيضاً فهي عرض للقدرة وفحص للكفاءة جاءت على مستوى البناء لتصدح على مجزوء الخفيف لتقول لسامعها : ( إنني أتجاوز حدود الصنعة الشعرية بأدوات متمكنة في الجانب الإجرائي التنفيذي ).
أما على مستوى الإنشاء التصويري فقد حبك المناميين قصيدته في نسيج متآلف يتدرّج بصوره لينوّع داخل وحدة متماسكة ، ويقفز برشاقة المقتدرين من الشعراء ليواصل مسيرة القصيدة بنفس خاص وخُطى متميزة تقرّب تجربته الجديدة الى قمم الإبداع الأصيل.
فنلاحظ صراع النور والظلام في المقطع الأول من القصيدة على قصر الجمل وإيجازها قد تبدّى بشكل ومضات شعرية لمّاحة تنتهي بضربة تعبيرية كثيفة ليقول :
أخجل الضوء من سنا وجهك الليل فانحنــى

وفي المقطع الثالث يعالج الأحداث الواقعية بلغة شعرية متمكنة ، ويُسلس قياد حرف التاء كقافية عصية ليقول :
ألف عصفورة هنا يارفاقي ستصمــت

ونحن نبارك له هذا الإعلان عن شاعريته ونصافحه بقوة لإعجابنا بهذا البيت من المقطع الرابع :
ولمحت احتضاره بسمة ثمّ بسملـة

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 356

ـ 32 ـ
للشيخ محمد سعيد المنصوري(1)
(1)
ليلة الوداع

بكِ يا ليلة الـوداعِ الرهيــبِ سال دمعي دماً لرُزءِ الغريـبِ
مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى يتلقَّى الردى بصدرٍ رحيــبِ
قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتــم فاذهبوا في ظلام هذا الغـروبِ
واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي كيف ترضـى نفوسُنا بالتخلِّي
فأجابوه يا حبيـبَ القلـــوبِ عنك في محنةٍ ويومٍ عصيـبِ
لك نفدي أرواحَنـا وقلـيــلٌ لك بذلُ الأرواحِ عند الوثـوبِ
سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينـا لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجـوبِ
أنخلّيك مفرداً يــا بـنَ طـه والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ
أي عذرٍ لنا إذا مـا سُئِلْنـــا ما جرى فالتجأتُـمُ للهــروبِ
يا أبا عبدالله دَعْنا ننــالُ الـ أجرَ والفضل في الجهادِ القريبِ

(1) هو الخطيب الشاعر الشيخ محمد سعيد بن الشيخ موسى المنصوري ، ولد سنة 1354 هـ قرأ في البصرة والمحمرة والبحرين وقطر والكويت ، وقم المقدسة ويُدرس حالياً الخطابة في معهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ومن مؤلفاته : 1 ـ ميراث المنبر في جزءين 2 ـ مفاتيح الدموع لكل قلب مروع. 3 ـ ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد 4 ـ الذكر الخالد ( محاضرات ) في ثلاثة أجزاء ، وله نشاط بارز في النوادي الحسينية والشعريّة.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 357

فجـزاهم خيراً وقــال إليكــــم ما أردتم والفــوز للمستجيـــبِ
وأراهـم منــــازلاً قد أُعــدَّت لَهُمُ في الجنـــانِ بالترحيـــبِ
ليروا راحـةً بها وارتيــاحــــاً بعد ذاك العنـا وتلك الكـــروبِ
ثم باتـوا لـهــم دويٌ تعـــالى بالمناجـــاةِ للإلــهِ المجيــبِ
فقضوها بالعـشـقِ ليلةَ وصـــلٍ ببكـاءٍ وحســـرةٍ ونحيـــبِ
ومع الدهرِ للحسـيـــن عتــابٌ بخطابٍ إلى القلـــوب مذيــبِ
قال يادهر ُ منـك كم قد أُصِبْنـــا ودهينا بكــل خطـــبٍ مريبِ
هدَّنا خطبُـك الجلـيــلُ وانـــا منه شبنا قبل يــوم المشيـــب
ثم طوراً يرنو لزيـنـبُ تبكـــي ولها ينثنـي بقلـــبٍ كئيـــبِ
أختُ يا زينبُ العقيلـةِ صبــــراً إن رماكِ القضا بـــرزءٍ عجيب
كم علينا حوادث الدهـر جـــرت من مآس تدمي عيـــون اللبيـب
أنتِ أم النبوغ بنـت علـي وعلــي في الدهـــر أسمى خطيـــب
هو ممن ذلت لديـه المعانــــي لسمو التفكير فــي الترتيــــب
فخذي خط أمك فــي جهــــاد لك في محتـــواه أوفـى نصيب
وابذلي في زمان أسـرك جهـــداً ببيان مفصــل ومـصـيـــب
أوضحي فيه أمرنـــا لأنـــاس قادهـم للشقــاء قـــول كذوب
وضعي في عـروش آل أمــــي قبسا يابنة الهــدى من لهيـــب
واحفظي لي العيـال ثم اعرضي عن جزع موجــب لشـــق الجيوب
واتركي النوح والبكــاء لوقـــت من لقانا بعد الفــراق قريـــب
واذكريني عند الصــلاة البليـــل رُب ذكرى تريـــك وجه الحبيب

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 358

واندبيني إن شئتي ندبـي حينــاً واروي حر الحشا بدمـع سكـوب
أبلغي منـي الســـلام لجـدي ولأمي وأعلنـي بالـوجـيـــب
واقربي عني السـلام شقيقــي حسن الفعل في جميـع الــدروب
وعلى البعد وجّهـي لأبيـنـــا في الغريين أجمل الترحـيـــب
ثم قصّي عليه رزءاً بـكـــاه قبلُ في نينوى ببعـض الحـروب
واخبريه بأننــا قد أصبنـــا من رزايا زماننـا بضـــروب
فرقتنا يد النـوائـب شرقـــا وشمالا ومالنا مـن صحيـــب
يا ابنة الطاهريـــن جدا وأمـا وأبا ذا حجا وصدر رحيـــب
اصبري صبره فبالصبـر يرقـى كل حي لذا الالــه الرقيـــب
واعلمي أننا على الحق نحيــى وعليه نموت من دون حـــوب
وسلام عليـــكِ منـيَّ يتـرى في حياتي وبعد يـوم مغيـــب

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 359

(2)
صورة من الوداع

صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ قد رماني بكلّ خطبٍ فظـيــعِ
وسقاني كؤوس همٍّ وحــزن سلبت راحتي وأحنـت ضلوعي
ذالكم حين صاح ليلاً حسيـنٌ يا بني هاشم بصـوتٍ رفيــعِ
هذه ليلة الـوداع فقومـــوا بعد لبس القلـوب فوق الـدّروعِ
ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها وهي تبكيكم بحمـر الدّمــوعِ
حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّــا أقبل الطّاهـرون للتّـوديـــعِ
رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقـــاً وكذا الابِن ينحنـي بخضــوعِ
يلثم الوالد الحنــون فيحنــو فوقه من أسىً بقلبٍ وجيـــعِ
فهو طوراً يرنو العيال وطوراً يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ
حيث يدري بطفله سوف يُرمى وعن الماء يرتوي بالنَّجيـعِ (1)

(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 224.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 360

(3)
حديث مع الليل

ياليلة العشر طولـي قد زاد فيكِ نحولـي
وِدِدْتُ من قبل قومي يَحِيْنُ وقتُ رحيلـي
بكربلا مذ نزلنـــا عَلمتُ عند النّـزولِ
بأنّنا سوف نبقــى بلا حمِىً وكفيــلِ
وذاك أعظمُ خطـبٍ من الزّمان جليــلِ
يمسي الحسينُ قتيـلاً ويا له من قتيـــلِ
فيا دموعيَ سِيلــي عليـه كلَّ مَسيــلِ
ثم انثنت بنتُ طــه بعبــرةٍ وعويــلِ
تخاطب اللّيلَ لكــن خطابُها عن ذهـولِ
فاللّيل يُسري وتسري نجومــه للأُفــولِ
تقول لا تُبدِ صبحـاً وذا من المستحيــلِ
أيسمعُ الليلُ قــولاً من الكلام الطويلِ (1)

(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 216.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 361

(4)
زينب تخاطب الليل

تشبُّ بقلبي نارُ وجـدي وتَضــرمُ لذكراكَ يا ليـلَ الــوداعِ متيّـــمُ
وهيهــات أن أسلو مصائب كربلا وتلك بَكاها قبلُ طــه المكـــرّمُ
فما زلت في بحرٍ من الحزن والشّجا أعومُ وطرفي بالكـــرى لا يهـوّمُ
مدى العمر لا أنســى عقيلةَ حيدرٍ عشيّةَ أمست والقضــاءُ مخيّـــمُ
تودّع أهليها الكــرامَ وتنثنـــي مع اللّيل من فرط الأســـى تتكلّـمُ
تقول له يا ليلُ رفقــاً بحالنـــا فأنت بنا من شمس صبحــكَ أرحمُ
بربّك لا تُبدي الصّبــاحَ فإنّـــه صباحٌ به جيـشُ الضــلالةِ يهجمُ
أطلْ يا رعاكَ اللهُ وقتَكَ أن تجــد طريقاً ولا تخفى لجــوّك أنجــمُ
طلْ لوداع الطّاهـراتِ حماتِهـــا فصُبحكَ فيه منهمُ يُهـــرقُ الـدّمُ
أنا زينبُ الكبرى سليلـــةُ أحمـدٍ وهذا حسينٌ والزّمــانُ محـــرّمُ
وهذي جيوشُ الظالمينَ تراكمـــت علينا فهل فيمـا يُريــــدونَ تعلمُ
يُريدونَ قتلَ ابن النبي وصحبـــهِ وإنّك تدري مَنْ حسيـــنٌ وَمَنْ همُ
أطالت مع اللّيل الحديـث من الأسى واجفانُها كالمُزنِ تهمـــي وتسجمُ
فلو فَهِمَ اللّيلُ البهيــمُ كلامَهـــا لرقَّ لها لكنّـه ليـــس يفهـــمُ
ولو كان ذا حسٍّ ويعرفُ قدْرَهــا أجاب نداها لكن اللّيـــلُ أبكـــمُ
تُخاطِبُه في أن يُطيـــلَ ظـلامَه عليها وما للّيـــلٍ أُذنٌ ولا فـــمُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 362

شكتْ همّها للّيلٍ واللّيــلُ أخـــرسٌ وزينبُ حيـرى والفــؤادُ مكلَّـــمُ
ومرَّ عليها وقتُــهُ وتصـرَّمـــت دقائِقُه والصُبـحُ بالشــرِّ مُفعـــمُ
ولاقتْ مُصاباً لو اُصيبَ ببعـضـــه أشمُّ الرواسي الشامخـــات يُهــدَّمُ
لقد شاهدتْ قتـلَ الحسيـنِ بعينهـــا وهل منه أدهى في الزمان وأعظمُ (1)
* * *

(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 221.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 363

الشيخ محمد سعيد المنصوري

الشيخ المنصوري مشدود الى تلبية نداء الخطابة الصارم في شعره بشكل لا يخفى على المطّلع ، لذا فشعره مضغوط داخل شروط ومتطلبات آمرة ناهية تحصر الشاعر بحدّتها وضيقها ومع ذلك فالشيخ المنصوري يتجاوز كل هذا بعد تحقيقه وينصرف الى جمال التصوير بلغة توصيلية سهلة التلقي يراعي فيها ثقافة السامعين اللغوية ليحقق جماهرية النص فى التواصل على حساب التعبير التوّاق الى الإنطلاق والتحرر من المباشر والسائد والمألوف.
إن القصيدة المنبرية تتوجه لمخاطبة مساحة عريضة من المتلقين فتكون لذلك قصيدة محافظة على جذورها واُسسها ، لا تستخدم آليات الإيماء البعيد الإشارة المحتاجة للمفاتيح الغائبة أو الغموض الموحي بالدلالة غير المباشرة ، وهي أقرب إلى نقل الجانب المأساوي الفاجع الباكي أو المتباكي أو هي تصنع هذا الجو مثيرة لحزن المتلقّي مستدّرة لدموعه وناشدة للتوجّع والتأوه على ماحدث لسيد الشهداء(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه من مآسٍ وأحداث دامية فلغتها تعريفية متدرّجة في نقل المعلومات التفصيلية التي تذكّر السامع بكل شيء حتى وإن كان من البديهيات المسلّم بها فمثلاً يقول المنصوري بلسان حال زينب (عليها السلام) :
أنا زينب الكبرى سليلة احمد وهذا حسين والزمان محــرّم

وهذه طريقة منبرية قائمة على شرح وتفسير تفاصيل الأحداث رغبة بالشمولية واستيعاب كل ماجرى ، على أن قصائد المنصوري تنحو منحى ذاتياً في

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 364

إستهلالها ، فالقصيدة تبدأ من وقفة الشاعر الخطيب على الحدث معبّراً عن عواطفه وانفعاله واحاسيسه ولواعجه :
تشبّ بقلبي نار وجـدي وتضــرم لذكـراك ياليـــل الــوداع متيّـم
وهيهات أن أسلو مصائب كربــلا وتلك بكاها قبــل طـــه المكـرّم
فما زلت في بحر من الحزن والشجا أعوم وطرفي بالكـــرى لا يُهــوّم

ثم يلتفت الى الحدث لنقله :
مدى العمر لا أنسى عقيلة حيدر عشية أمست والقضاء مخيّــم

وتبدأ الأحداث بين رسمه وتصويره وتعقيبه وبين حوارات زينب(عليه السلام) وبنفس الإسلوب وذات الطريقة نرى قصيدة اُخرى :
بكِ ياليلة الوداع الرهيـب سال دمعي دماً لرزء الغريب

ويلتفت سريعاً :
مذ أحاطت به الجيوش وأمسى يتلقّى الردى بصدر رحيــب

وفى قصيدة ثالثة نرى :
صاح دهري ولم أكن بالجزوع قد رماني بكل خطب فظيــع
وسقانــي كؤوس همّ وحـزن سلبت راحتي وأحنت ضلوعي

ويلتفت كالعادة :
ذلكم حين صاح ليلاً حسين يا بني هاشم بصوت رفيع

وقد تكون قصيدته لسان حال أحدى الشخصيات مثل زينب (عليها السلام) منذ البداية تخاطب ليلة الوداع في حوارية نسيجها العتاب المرّ والشكوى والانين فنرى :
ياليلة العشر طولـي قد زاد فيـكِ نحولـي
وددت من قبل قومي يحين وقت رحيلــي

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 365

ـ 33 ـ
للسيد محمد شعاع فاخر (1)
ليلة في زمن الانبياء

أليلٌ سجـى في كربلاءَ أم الحشــرُ ؟ تَسامت به الأيـــامُ وافتـخـر الدهرُ
وهل بسمـاتُ الوالهين إلى الرضـــا أضائته أم ثغرُ الحقيقـــةِ يفتـــرُّ
وتلك دمـوعُ المشفقـات تسابقـــتْ شئآبيبَ أم سحبٌ بهـا انبجسَ القطــرُ
وهذي جبـاهٌ أم بـروقُ صـــوارمٍ أم اللوحُ محفوظاً بهيكلــه الذكـــرُ
وهل تلـك أرضٌ أشرقت في عراصها ـ أو الفلكِ الأعلى ـ الكواكبُ (2) البدرُ
نعم حلَّها ثقـلُ الرِّسالــةِ فاكتســى بهم سندساً من فيضِ جدواهـــم القفرُ
* * *
تعـالتْ علـى رمضــان أيامُ عشرها وعن ليلة القدر استطـال بهــا القدرُ
لئن زاد قدرُ الشهـــرِ بالذكرِ وحـدَهُ ففي العشر منها استُشهد الذكرُ والطهرُ
وإن كان يفنـى بالثلاثيـــن عــدّه فما هي إلا الدهر أيامهـــا العشـرُ

(1) هو : الفاضل الخطيب الشاعر السيد محمد شعاع فاخر ، ولد سنة 1360 هـ في الضفة الشمالية من شط العرب درس في حوزة الأهواز العلمية ثم هاجر الى حوزة النجف الأشرف لإكمال دراسته وكان عضواً في الرابطة الأدبية في النجف الأشرف ، ثم عاد الى الأهواز وحضر عند العلامة الكرمي ، ثم آثر الإقبال على الخطابة والكتابة ، من مولفاته 1 ـ حجة الشيعة الكبرى 2 ـ دفاع عن السيد المسيح 3 ـ جهاد كربلاء والإنسان 4 ـ ديوان شعر بعنوان « أنا الشاعر ».
(2) فاعل أشرقت.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 366

وليس ظلاماً ما أرى بل صحيفــةً من النور تبدو والجهادُ لهــا سِفْرُ
جرت من أبيِّ الضّيمِ فيها دمــاؤُهُ كتاباً جهادُ الأنبيـاء به سطـــرُ
ففي كلِّ جرحٍ من عديد جراحــه لنوحٍ وبلواهُ السفينــةُ والبحــرُ
وفي كلِّ حرفٍ من لهيـب ندائــه خليلٌ لإسماعيله في الحشــا جمرُ
وإنْ كان بالذبح العظيــم فــداؤُهُ لتُفْدى بإسماعيلَ فتيانــه الغُــرُّ
* * *
وإنْ فخرت أرضُ الطَّواف بها جرٍ فكم هاجرٍ بالطَّفِّ أبرزهــا الخدرُ
سَعتْ ألفَ شوطٍ تطلبُ الماءَ بعدما جرى في مسيـر النَّهر ريقُهُ الغمرُ
ولو ملكتْ أمراً سقت من دموعها عطاشاه لولا أنَّها أدمــعٌ حُمــرُ
تسيلُ بجنب النهر يندى بها الثرى وتنسجُ برديه الشّقائقُ والزَهْـــرُ
فلم يعرفِ الراؤونَ ما الدمعُ منهما غداةَ جرى من مقلتيها ومــا النَّهْرُ
* * *
وهذا ابنُ عمرانَ استقلَّ جهَــادَه وما صَغُرَتْ شأناً مَوَاقِفُــه الكُثْـرُ
غداةَ رأى سبطَ النبيِّ بكربـــلا به يستجيرُ الدينُ إذ مسَّــهُ الضُـرُّ
لئن خانه الحانون فى الذل جبهـةً وأصبتهم الدنيا فما خانــه النَّصـرُ
وإن ظلَّ فرداً حيثُ خلاَّه عسكرٌ فكان له من عزمهِ عسكـرٌ بحــرُ
تمنَّى كليمُ الله تفديـه نفسُـــهُ ودونَ الحسينِ السبطِ تنحرهُ السُمْــرُ
وجلَّ الصليبُ المجتلى فوق عوده مسيحٌ كما يجلى من الغَبَش الفَجْرُ (1)

(1) هذه الأبيات ناظرة إلى ما جاء في الإنجيل من أن المسيح عليه السلام) جزع حين رُفع على خشبة الصليب وأظهر ضعفاً ، وبالطبع هذا مفتعل على روح الله ولكن الشاعر جرى على معنى الإنجيل وفيه شبه الرد على النصارى.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 367

تسلَّق أعواد الصليب فما ونَـــتْ رؤاه ولكن باح بــالألم السَّـــرُّ
يقولُ وملأُ الكونِ منـه شكايـــةٌ إلى الله ممزوجٌ بهـــا الألـمُ المُرُّ
إلهي وربي كُنْ معي في مصيبتـي رفيقي فقد عنَّاني الصلــبُ والأسرُ
وأُولاءِ فتيانُ الرسولِ تسابقـــوا إلى الموت يتلو الحُرَّ في سعيه والحُرُّ
تَلفُّهُمُ الحربُ العَــوانُ كأنَّهـــا نعيمٌ وفيه الأُنسُ لا البيـضُ والسُمْرُ
فما ضَعُفَت منها القلوبُ عن الوغى أجل مات فيها الخوفُ وانذعر الذُعْرُ
وإن جلَّ يوم المطمئنِ وخائٍــفَ فمَنّ منهما في السابقين له الفَخْــرُ ؟
* * *
طوى اللهُ آناءِ الزَّمانِ الذي مضـى وفي ليلِ عاشوراءَ كان لــه النَّشْرُ
تَطلَّعَ ماضٍ في الزَّمـانِ وحاضـرُ كراءٍ جيادَ السبقِ أبرزهــا الحضرُ
إلى فتيةٍ قد زانت الأرضَ بالسنــا كما ازدان في عقدٍ من الـدُرَرِ النَّحْرُ
أحاطــت بسـرِّ الله فيهــا كأنَّه فؤادٌ حواه بيـن أضلُعـــهِ الصدرُ
تمنَّت لقاءَ الموت قبـل أوانـــهِ فأمْثَلُ شيءٍ أن يطـولَ بهــا العُمْرُ
تبرَّجَ رضـــوانُ الإله بعينهــا نعيماً وما أخفاه عن ناظـــرٍ سِتْرُ
هَفَتْ لعناق البيض وهي مشوقــةٌ لمقعدِ صدقٍ عنــدهُ يَعظــمُ الأجْرُ
وحَفَّتْ بسبط المصطفى وهو باسـمٌ أضاءَ الهدى في ثغره إذ دجا الكفـرُ
أبَتْ أن ترى من هاشمٍ بشبا الظُبـا عفيراً فعند المصطفى ما هـو العُذْرُ
ولكن أبَتْ فرسانُ هاشم أن تُــرى مُحَلأَّةً والموتُ ريَّــانُ مُحْمَـــرُ
ونادى الهدى في حكمـه متنهِّــداً كما فاح من غَنَّاءَ مطلولـــةٍ نَشْرُ
دَعُوا للوغى أنصارنا فقلوبُهـــا لقطف رؤوس الكفر ضاق بها الصبرُ
ومذ حَظِيتْ بالحكم في الموت أقبلت كما احتشدت في الأفقِ أنجُمُـهُ الزُهِرُ

السابق السابق الفهرس التالي التالي