كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 368

وقد مال خدرُ الهاشميــاتِ بالأسى كما مال في زغبٍ مروَّعـــةٍ وكرُ
دعوا عند آل الله يخلص العــدى إليكم بضرٍ ما جـرى دَمُنـــا الثرُّ
فما عرفت ماالخوفُ حتى تمرَّغتْ على الفلق الريَّان من دمهـــا العُقْرُ
* * *
ويالك من ليلٍ محــت مُدلهِمَّـــه جباهُهُم والبــدرُ والقُضُــبُ البُتْرُ
رأى الملأُ الأعلى لــو انَّ متــونَهُ لهم صهواتٌ لا المُجمَّلـــةُ الشُقْـرُ
جرى دمهم في المَهْمِه القفر فاغتـدى نعيماً وأمسى وهو مُؤتلــفٌ نضـرُ
وما سال فوقَ الأرضِ حتى تضَّرجت به وجناتُ الأفقِ مما جنــى الغـدرُ
تفجَّرتْ الدّنيا جمــالاً بهم كمـــا تفجَّرَ بالإبداعِ مـن مُلهــمٍ فِكْــرُ
وحقَّق للإنسانِ معنــى وجـــوده دمٌ سال منهـم لا قليــلٌ ولا نَـزْرُ
وخصَّهـــم بالسبـطِ ربٌّ بَـراهُمُ فلا قَدْرَ إلا فوقَــه لهُـمُ قَـــدْرُ

السيد محمد شعاع فاخر
27 / 10 / 1417 هـ.
الأهواز


السيد محمد شعاع فاخر

قصيدة الإقتطاف الجميل من حدائق النص القرآني الكريم هي قصيدة السيد محمد شعاع فاخر ( ليلة من زمن الأنبياء ) وهو توجّه مقتدر كم أحببت أن يساوقه تحرر من أسار الفخامة والتراكيب المستدعية لنمط التراكيب القديمة التي إستنفدت طاقتها فلم

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 369

تعد تخاطب السمع النابض لحركة العصر الحديث.
فمنذ الصدر الاول يتبادر إلى الذهن هذا التنميط الذي يجر القصيدة إلى الوراء فمثلاً ( أليل سجى في كربلاء.. ) يُذكّرني بقوة ( أبرق بدا من جانب الحي لامع.. ) لكن الشاعر يغادر هذه المناطق كثيراً مما يمنح القصيدة عدم الإستقرار على محور نظمي محدّد وواضح فكأن شاعريته مرآة تعكس ما يمرّ أمامها من نصوص يداخلها في نصّه
فنرى مثلاً هذا البيت الرائع :
تسلّق أعواد الصليب فما ونت رؤاه ولكن باح بالألم الســرّ
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 370

ـ 34 ـ
للشاعر الأستاذ محمد الشويلي (1)
ليلة عاشوراء أعراس الدم

قِدُ الحرف وسط الليل يقتحم القدرْ فقلبُ المنايا من لغـاك سينتحـــرْ
تناغيك أمواج الأعاصيـر في غد تعد لها المهر الجريــح لتنتصــر
تُرى ليل عاشوراء عرس منابـرٍ تمشّى بها صحو الضمير فمـا عثـر
قُمَيْرٌ يناغي النجم وهي تحوطــه تقد!يه إن ألوى بجانبــه الخطــر
ومن كل نجم ينزف الضوء أحمرا تضاء بها الأكوان ، تفتتن العصــر
فياليلة العشاق كــان دويهـــم تخر له الدنيا ويستسلــم القـــدر
يمد الدجى فوق الرمال مخاوفــا فتنكسر الصحراء والعـزم معتمّــر
وأنت فم قد جلل الكون رفضــه وأنف شموخ فرّعت كبـره مضــر
فتعلن أن الموت غايتك التـــي ستسعد فيها والحيـاة لمـن قهـــر
وينثال كل يستبيــح وجـــوده فداءً لظل الله والأضـلع الطهـــر
صمود له التاريخ ينـدى جبينــه ويرقى على عين الزمان فيُختصــر
ستبصر عند الأفق شر ذمة سعـت لتغتال ضوء الشمس أو تطفىء القمر
وسوف تمد الطرف نشوان والوغى كغابات خوف والا سنة كالشجـــر

(1) هو : الشاعر الأستاذ محمد الشويلي ولد سنة 1387 هـ في بغداد ، تخرج من معهد التكنولوجيا ، له مشاركات في الماتقيات الأدبية والدينية ، وله ديوان شعر ( مخطوط ).
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 371

ويوم غد من كل طعنــة خنجـــر يصيح فم إن البغــاة ستندحـــر
ستعدو بهم والأفق سـدت تخومـــه من الخيل ، والرمضاء ترميه بالشرر
رويداً سيلقاكــم رضيعي بنحـــره خطاباً عصياً دكّ افئـدة الحجـــر
ويلقاكـم حتى الصبي يشــد فـــي ذراعيه عزمات النبي فمـا انكســر
ولادة أحــلام هنا تقهـر الظمـــا ونبع مذال في مدى الروح ينفجــر
فصح يا فــرات الآن هذي دماؤنــا ستغترف الأجيال من نزفها الغضـر
ويا حزمة للضــوء ودّت لـوانّهــا تحرق ألفـا أو تُــذرُ ولاتَـــذَر
تخطي على الدنيا نبــوءة عاشـــق توطيء في أزكى مواجعها المطــر
فيا أيها الحرف المطهـر لم يـــزل على شفة الأرماح بالوحي يدكـــر
ويا ليلة ( غابت نحوس نجومهـــا ) لك المجد أن أشرقت في ظلمة البشر

محمد الشويلي
1 / 12 / 1417 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 372

ـ 35 ـ
للشاعر الأستاذ محمد الماجد (1)
خصلةُ شَعرٍ لساعديَّ

ومن ذا سيعبر بين الفراتين.. ؟
هذا أنا..
رب هذا المسيل المولّه بالصافنات الجيادْ !
قرون وأنت تمرّين من ههنا ياجيادْ
على هذه الأضلع الخاوياتْ
بربك أي المضامير رحت تجوبين فيّ ؟
وأي الأعنة شدّت يداي ؟
أحبك يامن تجيبين نذري
عقدت على ساعدي الضعيفين
خصلة شعر لحيدك
ثم ارتميت اقبل نقش الحوافر فوق الصعيد

(1) هو : الشاعر الاستاذ محمد حسن يوسف الماجد ، ولد سنة 1386 هـ في سنابس تاروت إحرى مناطق القطيف ، حاز على شهادة البكالوريوس في العمارة من كلية تصاميم البيئة في جامعة الملك للبترول والمعادن سنة 1411 هـ و يعمل حالياً في إدارة المشاريع والصيانة بالإدارة العامة للتعليم ، و له مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 373

اقوم و اهوي عليها مراراً!
اقوم..
واهوى عليها مراراً!
فهلا تعجلت برني
فهذا صدى الحمحمات يذيب فؤادي
ـ قرون عليه ـ
ومازال يملأ صدري نحيبا
جياد الخلاص
اضاء لك البرق ليل المتاهة فاجري
صراطك : صدري … وقلبي.. و نحري
صراطك : هذا الممدد بين الفراتين
رب المسيل الموله بالصفنات الجياد
افيقيه عدواً..
اقضي مضاجع هذا الرفات..
قليل من العدو يسكر رمسى..!
فطوفى عليه مطاف الجوامح
انعلن جمراً..
واشربن نخب الطفوف
ذرفن الدموع علي ساكنيها
وزرن ( الغريب )..

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 374

تحلقن حول الضريح المدمى
ألوفا.. الوف
الا يا جياد..!
قليل من العدو يسكر رمسي
فأصحو..
لينشق عن مدنف لايتوب
تحمل مالايطاق
وعاد تحمل مالايطاق
وعاد.. وعاد..
الى ان افاق

محمد الماجد
20 / 3 / 1417 هـ
سنابس


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 375

الأستاذ أحمد الماجد

قصيدة الماجد ( خصلة شعر لساعديّ ) إعتمدت الوحدة العضوية في نسيجها بمتابعة متأملة لحركة خيول يستعطيها أن تأتي من زمن عصيّ لتمسح البعد المأساوي عن صفحة الوجود ، وانعكست حركة الخيول إيقاعاً نفسياً داخلياً أحاط أجواء القصيدة في مونولوجها الداخلي وتداعياتها المتسائلة الباحثة عن الخلاص من ليل المتاهة.
الإستعطاء تبدّى في عنف الأسئلة المتتالية ، فالنص يبدأ بسؤال كبير ( من ذا سيعبر بين الفراتين ؟ ) والعبور ببقعة جغرافية محددة رَمَزَ لها الشاعر بالفراتين فأزاح الدلالة عن أن تكون مخصوصة بالفرات ـ وهو مفردة تنتظم في تشكيلة الطف جغرافياً وشعورياً ـ ليذهب أبعد في انتظار ما سيحدث فيخاطب الخيول ليعرّفها بنفسه ( هذا أنا ربُّ هذا المسيل المولّه بالصافنات الجياد ) إنه صاحب المسيل والإقتران المائي واضح في تتابع ( الفراتين ـ المسيل ) لكن هذا المسيل هو تيار الوعي الذي يلازم الحب هنا بصيغة الخلاص فهو مولّه بالصافنات الجياد في إسقاط قرآني لتلبّس شخصية النبي سليمان(عليه السلام) بشكل ناقص ، فهو أضلع خاويات تتساءل بإلحاح مقترن بالقسم ( بربك أيُّ المضامير رحت تجوبين فيَّ ؟ ) في حركة داخلية نفسية هي حركة الأمل داخل الذات و ( أيّ الأعنّة شدّت يداي ؟ ) وهو أمل آخر عندما تقبض يداه على أعنّة غير محدّدة للخيول ، ليبتدأ مونولوجاً عاطفياً يناجيها به من ( أحبك يا من تجيبين نذري ) إلى أن تظهر صنمية الحب في تقبيل

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 376

نقش الحوافر فوق الصعيد وتكون آثار الأمل الصغيرة هي الأمل كلّه في قيام وهويّ ينتهي إلى التحضيض والطلب ( فهلاًّ تعجّلت برئي ) ويتحوّل جانب حسيّ من الأمل هو ( صدى الحمحمات ) إلى نحيب ذائب في القلب لنبدأ حركة أخرى من ندائه لها لكن على التخصيص هنا ( جياد الخلاص ) ويطرح عهداً وميثاقا بالتضحية قائماً على الإستعطاف والإلحاح في الطلب ( أفيقيه عدواً.. قضّي مضاجع هذا الرفات ) وهي حالة يأس من النهوض والقيام الذاتي فتتمّ مطالبة الأمل المجسد في الخيول في حركتها الصاخبة الممتلئة بالحيوية ( قليل من العدو يسكر رمسي ) هذه الحاجة إلى ومض بسيط لتنبعث الحرائق وتدب الحياة ، ويتكرر هذا الخطاب ثانية في القصيدة لتلحقه لفظة ( فأصحو ) هذه الصحوة المطلوبة بإصرار مبدئي تأخذ شكل الحتمية في عودة الروح إلى أوصال المدنف التي تحملت عناء المسيرة ، وتكرر هذا التحمل والمعاناة إلى أن تتم الإفاقة والنهوض.
قصيدة الماجد ولائية الجذور وعقيدية الإنطلاقة بشكل يخلق واقعية خاصة يمكن أن نسميها الواقعية الشعرية التي لاتصاحب الواقع الحقيقي لتطابقه ، بل لتوازيه وتنهل من ينابيعه بإختيار صادر عن موقف وتجربة وتوجه جمالي فني.
وأخيراً فإن ليلة عاشوراء لم تكن موجودة في نصه كوثيقة تاريخية بل كحالة مستبطَنة يخاطبها الشاعر بإيماء مكثّف من خلال خطاب عام للجرح الحسيني الغائر في الأعماق المتلهّفة للخلاص.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 377

ـ 36 ـ
للشيخ مهدي المصلّي (1)
عزائم الابطال

ليلةٌ أسهرت عيـون الليالـــي لتُرينـا عزائــمَ الأبطـــالِ
وتُرينا الشموسَ تفتــرسُ الليـ ـلَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ
وتُرينا التاريخَ أشـرقَ فيـــه عقدُ نورٍ مرصّـعٍ باللآلـــي
وتُرينا الإنسانَ يسمو على النجـ ـمِ مناراً ورجلُهُ فـي الرمـالِ
وتُرينــا الليلَ الذي يلـد الفجـ ـرَ فيهوي ظلامُـهُ للــزوالِ
فيها عصبةٌ تُسبـــحُ بالحـمـ ـدِ فتذكي شوامــخَ الآمــالِ
في دويٍّ كالنهـرِ يملـؤُهُ التسـ ـبيحُ ينسابُ من رُبى شَــلاّلِ
في جلالٍ كنسمةِ الفجرِ هبّــت لتبُثَّ الحيـاةَ فــي الآصــالِ
والحسينُ الشهيدُ يفتحُ بـابـــاً في زوايا المسيرِ والترحـــالِ
إنما شخصيَ المرادُ فسيـــروا ودعوا ساحةَ القنا والنصـــالِ

(1) هو : الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي بن الحاج حسن بن الحاج عيسى المصلّي ، ولد في سنة 1383 هـ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل شطراً من الدراسة الأكاديمية ، ثم التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة سنة 1400 هـ ، ثم واصل دراسته الحوزوية متنقلاً بين القطيف والأحساء وسوريا ، ولا يزال يواصل مسيرته العلمية في النجف الأشرف ، ومن مؤلفاته 1 ـ رسالة في غسل الوجه ( استدلالية ) ( مطبوعة ) 2 ـ الأصول النقية ( مخطوط ) 3 ـ ديوان شعر ( مخطوط ) وله كتابات أخرى ، وله مشاركات فعالة في النوادي الثقافية الدينية والادبية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 378

فإذا بالقلوبِ تنطـــقُ إنّـــا بمواضي سيُوفِهم لانُبــالـــي
إنما الموتُ يفتحُ البابَ للخــلـ ـدِ فتُمحى عظـائمُ الأهـــوالِ
إنّنا نعشقُ الشهادةَ في الحـــقِّ وإن مُثِّلَـتْ بألـــفِ مِثـــالِ
وسنبقى حولَ الحسيــنِ سِياجـاً من قلوبٍ لا من سيوفٍ صقــالِ
فالقلـوبُ الولهى أحدُّ من السيفِ وأقوى من الــدروعِ الثقـــالِ
والفؤادُ المجروحُ يعصفُ كالاعـ ـصارِ يمحو ثوابـــتَ الآجالِ
والجريحُ المظلومُ لا يَرهبُ الموتَ إذا ما دعاهُ داعــي النِّـــزالِ
إنَّما المـوتُ خطوةٌ لجنانِ الخلـ ـدَ أو رشفةٌ مـن السلســـالِ
حبَّذا الموتُ في سبيلِكَ يــا سِـ ـبْطُ ويا حَبَّذا مروعُ القتـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا نَ سيُحي ضمائـرَ الأجيـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا نَ طريقاً الى جَميـل المـــآلِ
رايةٌ قَلبُها الحسيــنُ تَشـــقُّ الحشرَ شقاً الى عظيـمِ النَّــوالِ
وقلوبٌ حُـبُّ الحسيــنِ يناغيـ ـها تغذَّت حياتُهـا بالـــزّلالِ
حُبُّهم مصدرُ الـرواءِ وأسّ الطُـ ـهرِ والخيرِ والهدى والجمــالِ
في سبيل الحسين ما أنتَ يا موتُ سوى يـومِ رحلــةٍ للكمـــالِ
ليس أغلى من الحيـاة ولكــن لك غالي أرواحِنــا والعيــالِ
كلُّ غالٍ تَملَّكَ القلــبَ حُبــاً في سبيل الحسينِ ليـسَ بغالــي

مهدي المصلي
12 / 11 / 1416
تاروت ـ القطيف


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 379

الشيخ مهدي المصلّي

تتدفق الصور في قصيدة المصلّي ببراءة إبداعية متصاعدة في الكشف عن أحداث ليلة عاشوراء ، فهو حريص على التسجيل والتوثيق لكن عبر عينيه المفتوحتين على ماوراء الظاهر والسطحي والمألوف لنشاركه كشوفه وإرتياداته لدروب الحقيقية والمصير البشري عبر ليلة نوعية في حسابه لليالي التي مرّت ولا زالت تمرّ وستبقى تمرّ كاشفة لنا بؤس المصير لغير المرتبطين بسموّ الحقائق المطلقة ، السائرين في متاهات السراب والخواء والجدب ، فنرى المصلّي صدّاحاً بما تجلوه الليلة من ضميره :
وتُرينا الإنسان يسمو على النجم مناراً ورجلـــه في الرمــال

مع إرتباطه بما هو ارضي فهو متطلّع الى السمو والتحليق بروحه في سماوات الوجود الحق ، فهكذا الإنسان المتكامل.
والمصلّي مع معانقته لجلال الأفكار السامية فهو لا يعدم وسيلة الى طرحها بمعادلاتها الشعرية الوجدانية المصوّرة ، حتى أنه يقارب المتن التاريخي بصور شفّافة وتكوينات بصرية برّاقة فنراه يقول عن الوصف التاريخي لعبادة الأصحاب ( دويّ النحل ) :
فى دويء كالنهر يملؤه التسبيح ينســاب من ربـى شـــلال

فهو يفكّك الوثيقة التاريخية ليعيد انتاجها وفق ماتريد شاعريته لكن ضمن الإطار الدلالي العام الذي لا يعوم بعيداً عن ضفاف التوصيل وربما خرج علينا بحلّة

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 380

شاعرية محضة ليُنطِق الشخصيات التأريخية بما يخطر لتأملاته أن تقول فنراه يُنطِق الأصحاب بما يحسّه هو :
وسنبقى حول الحسين سياجاً من قلوب لا من يسيوف صقال

هذا هو التوغل الباحث عما هو جوهري وعما وراء الظواهر في تجربة مهدي المصلي الشعرية يتجلى في هذا البيت المنسوج بكل الأدوات الممكنة ، فنرى الخروج على التراكيب النمطية التقليدية في بؤرة تركيبة مشعّة على عموم البيت في ( سياجاً من قلوب ) وهذا التركيب حداثي أدخله المصلي بكل يسر الى قلب البيت لينظّم دقّاته بنبض متسارع على مستوى المضمون والشكل ، ولنا أن نلاحظ أيضاً ثيمة إيقاعية تقصّدها الشاعر في إستخدامه لحرفين من حروف الصفير الصاخبة هما ( السين والصاد ) فنرى صدر البيت وقد توشّح نُطقاً بثلاثة سينات تموسق الإيقاع المتشابك لبحر الخفيف ببريق لحني أخّاذ في ( وسنبقى حول الحسين سياجاً ) في تعارض ثنائي مع حائين في الوسط متجوّفين كعمق نغمي مستقر في ( حول الحسين ) لننتهي الى قفلة مطربة تسبق جرس حرف الروي من القافية عندما إشتبكت السين في ( سيوف ) مع الصاد في ( صقال ) بصفير متقابل لايُوفّق له إلا ذو حظّ عظيم من الشاعرية التي تستوعب وتشمل ، وأراني منساقاً إلى إبداء أكثر من الإعجاب بهذه الشاعرية الفذّة التي سيكون لها شأن عندما تنفتح بشكل أكثر عمقاً على التجارب الشعرية الأخرى وأختم إنطباعاتي ببيت آخر للشاعر بلا تعليق :
راية قلبها الحسين تشـــق الحشر شقّاً الى عظيم النوال

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 381

ـ 37 ـ
للسيد مهنّد جمال الدين (1)
الليل ورفيقه { في الليلة الأخيرة }

«في آخر ليلة وقف الحسين بن علي عليه السلام) بين يدي الله متهجِّداً كعادته...غير أن الليل في هذه المرّة له حوار مع نفسه وهو انه يشعر بانقضائه إلى الأبد حينما يأتي الصباح...»

الليلُ قد نثر الدموعَ رحيقـــا وهوى يُقبّل في الظلامِ رفيقـا
خمسُونَ ما رعِشَ الضميرُ لغيره أبداً... وما عَرفَ الفؤادُ عُقوقا
كانت لياليه الحسـانُ وضيئــةً تزهو على كبد الزمان بروقـا
وتصاعدت أنفاسُه فـي موكـبٍ قد زُفّ للأفلاك نوراً يوقــا
وإذ ارتقى نحو السماءِ نشيجــهُ غفت الشجونُ وجُنّت الموسيقى
رقصت وقد سال النُهى في كأسه فالفَجرُ جاءَ مُهرولاً ليذوقــا

(1) هو : الفاضل الشاعر السيد مهند بن الشاعر الكبير المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ، ولد سنة 1395 هـ في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية ، تخرّج من معهد التكنولوجيا ببغداد سنة 1407 هـ ، التحقَ بالحوزة العلمية في قم المقدسة 1412 هـ ، ومن نتاجه الأدبي ديوان شعر ( مخطوط ) وكتابات اُخرى ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 382

حتى إذا اقتربـت إليــه غــادةٌ حسناءُ تضرمُ في الدِماءِ حَريقــا
الصُبحُ في وَجناتَهــا مُتـــورّد ومن الفضاءِ النورُ يشكو ضيقــا
فترنّحت بالوجد تَعتصـرُ المُنــى لتصبَّ قلباً في الغـرام أُريقـــا
قالتْ وقدْ فاحَ العبيـرُ بصوتهــا والثغرُ نثَّ أقاحيـاً وشقيقـــا :
« هلاّ نزلت إلى فـــؤادي مَرّةً وهل ارتشفت رضابَهُ والريقـا »
« إنّي أمدُّ يداً لقد ذابـت لهـــا كلُّ القلوبِ ومُزّقتْ تمزيقـــا »
فهل ارتضيتَ بأن أكون عقيلــةً لأصونَ من غيظي الدّمَ المحروقا؟!
فأجاب :مَنْ هذي التي دَوّت بنــا وَمَضَتْ إلى النجوى تَشقُ طَريقا؟!
قالت : أنا « الدُنيا » وهذي نِعمتي تجني الثمارَ أسـاوراً وعقيقـــا
فأجابها والحلمُ يمتشق السنـــا ويمدُّ صوتاً في الوجود طليقــا :
« حَرُمَتْ على الأبناء من قد طُلِقَتُْ وأبوهُمُ مَنْ أَوقـعَ التطليقـــا »
« وأبي لقد حَفِظَ الزّمـانُ طَـلاقهُ لكِ في صَميمِ الخالداتِ بريقــا »
* * *
الليلُ يسمــعُ ما يـدورُ بقلبـــه فيعدُّ دقــاتٍ لــه وشهيقـــا
ويعدُّ ليلته ـ وقد ماست بـــه ـ أملاً يَمــوتُ وعالمــاً مَسروقا
هي آخـــرُ العنقودِ يَـدري أنهـا تلِدُ الصباحَ وضــوءَه المخنوقـا
فلتستعدّي يـا نجــوم وتخمــدي فجراً تخطّى نحونــا وشروقــا
طولي فقد شدَّ الرحيــلُ رِكـابَـهُ وبه تهجّى الضــارعُ التفريقــا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 383

فغداً يخرُّ الوهم من عليائــه « وأبو عليٍّ » يَرسمُ التصديقا
وغداً يُطهِّرُ من نزيف جراحه ماءً على نهرِ الفراتِ غريقـا
ويشيدُ نصراً للإباءِ مُنضَّـراً ويُنيرُ جُرحاً للسُراة عميقــا
ويَخطُّ للثوّارِ درباً واضحــاً ويصونُ للمتطلّعين حقوقــا

مهند جمال الدين
الأحد 4 / 11 / 1416 هـ


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 384

السيد مهند جمال الدين

في قصيدة ( الليل ورفيقه ) يبدو مهند جمال الدين وريثاً كفوءاً لتجربة أبيه الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين إلى حد الإقتراب من التطابق رؤىً وتأملاً وأدواتاً.. جزالة لفظ.. وتصورات مشرقة وبناء منتظماً بكل مميزات قصيدة مصطفى جمال الدين العاشقة الولهى التي تناغم إشراقات النَفَس العباسي الأصيل في استخدام معاصر للمفودات واستصحاب للتراكيب المتقدمة زمنياً وتفوق في إختيار موقع مغاير للإطلالة المتأملة على جوّ القصيدة وحدودها وآفاقها وتحولاتها وتطلعاتها.
إن هذه القصيدة تخيّرت الإصطفاف والإنضمام إلى طابور طويل يقف فيه شعراء العمود مدافعين بصرامة واستبسال عن ماء وجه القصيدة العربية الذي تأكّله جذام النظم الرديء والتنميط المسطح لكل خواء روحي مصبوب في قالب الوزن ومجترّات القوافي المقحمة.
على أني رأيت أخيراً في نتاج مهند جمال الدين تطلّعاً مختلفاً عن الإتّباعية والإحتذاء بالمثال في بواكيره على الرغم من إخلاصه ووفائه في هذه القصيدة لكي يكون صدى وترجيعاً حتى في إختياره لبحر الكامل دون البحور الاُخرى ( والذي يشكل ثلث شعر السيد مصطفى جمال الدين المنشور ) أو تطعيمه لقصيدته بصيغ بنائية تخصّ المرحوم والده كصيغة ( حتى إذا ) التي لاتكاد تخلو قصيدة من قصائد المرحوم الشاعر مصطفى جمال الدين منها فنرى عند مهند :
حتى إذا إقتربت إليه غـــادة حسناء تضرم في الدماء حريقا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 385

ويمكننا أن نرى البذور المستزرَعة القابلة للنمو والإنطلاق الى آفاق جديدة في التعبير والتوصيل مثل هذه البذرة :
وإذا إرتقى نحو السماء نشيجه غفت الشجون وجُنّت الموسيقى

فهو يقابل المحسوسات الصوتية المسموعة في نهاية الصدر ( نشيجه ) ونهاية العجز ( الموسيقى ) في حركة بنائية محدثة.
ونرى كذلك بذور الإنطلاق والتجدد في الحوارات المبثوثة في منتصف القصيدة بين ( قالت ـ وأجابها ) أوعندما يزاوج بين الخيالات والمحسوسات في :
فأجابها والحلم يمتشق السنا ويمدّ صوتاً في الوجود طليقا

فالحلم خيالات تنطلق بلغة الضوء المرئيّ الحسيّ ( السنا ) إمتشاقاً أو تنطلق بلغة الصوت المسموع الحسيّ ( صوتاً ) إمتداداً في الوجود.
إنّ شاعرية مهند جمال الدين هنا تتبرزخ مشدودة الى أصداء ما مضى والى نداءات ما سيأتي بدون إنحياز واضح هذا على مستوى البناء ، أمّا على مستوى التأمل والتصور فهي منحازة بعض الشيء الى السياقات والأنساق الحديثة أكثر.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 386

ـ 38 ـ
للشاعر الأستاذ ناجي الحرز (1)
الفتح المقدس

يُحيِّرُني مصابُكَ كـلَّ عــامِ ويختطفُ الجسارةَ من كلامـي
فأحشدُ في يدٍ ظمـأى القـوافي وأشعلُ في اليدِ الأُخرى عُرامي
فتنطفىءُ الحروفُ علـى رؤاهُ الغريقةِ في السيوفِ وفي السِّهامِ
فأمتشقُ الدموعَ تـذبُّ عنــي وتؤنِسُ ركبَ حُبِّكَ في عِظامي
** *
أُحبُّكَ يا حسيــنُ وأنت أدرى لأي مَدى يُغامرُ بي هيامـــي
فَبعضُ الوجدِ أنشُرُه لِـــواءً وَبعضُ الوجدِ أسرجُهُ أمامــي
وأجترحُ الخُطى حتــى إذا ما وقفنَ بلهفتي بيــنَ الخيــامِ
سمِعتُكَ ليلةَ التوديـعِ تتلـــو مواثيــقَ المحبَّةِ والسّــلامِ

(1) هو : الشاعر المبدع الأستاذ ناجي داود علي الحرز ، ولد سنة 1379 هـ في المبرّز ـ الأحساء ، نظم الشعر في سنٍ مُبكّر في الثانية عشرة من عمره ، حصل على دبلوم في المعهد الثانوي التجاري في الأحساء ، وله مشاركات في النوادي الادبية والدينية ، والكتابات النثرية والاجتماعية ، ومن نتاجه الأدبي المطبوع : 1 ـ ديوان نشيد ونشيج ( قصائد وجدانية ) 2 ـ ديوان يا حبيبي يا محمد ( اناشيد إسلامية ) 3 ـ ديوان الوسيلة ، ( قصائد ولائية ) 4 ـ الإمام علي في وجدان الشاعر ( دراسة أدبية نقدية لملحمة الغدير )..

السابق السابق الفهرس التالي التالي