أليلةَ يومِ عاشــوراءَ عُـودي |
|
لكونٍ ساغـبٍ للعدلِ ظامـــي |
لأكبادٍ مُروَّعــةٍ تُساقـــى |
|
كؤوسُ المُرِّ من صابٍ وجــامِ |
لأعيُّننا التي في الـذُلِّ شاخـتْ |
|
ولا تَنفـكُ تَحلُــمُ بالفِطـــامِ |
أليلةَ يومِ عاشــوارءَ عُـودي |
|
بكُلِّ الصحو والهمَـمِ العظـــامِ |
أعيــدي فتحَكِ القُدْسيَّ زهواً |
|
حُسينيَّاً على الــداءِ العُقـــامِ |
وصُبِّي النورَ في شرقٍ وغربٍ |
|
وليسَ على عـراقٍ أو شـــامِ |
فقد عَمَّ الظلامُ وعـادَ حَيَّــاً |
|
أبو سُفيانُ ينفـخُ في الظـــلامِ |
واعتزلَ الحسينُ وَهو يُنْشِدُ |
|
وَسيفُهُ أمامَــهُ مُجــرّدُ |
يـا دَهرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَليلِ |
|
كمْ لك بالإشْراقِ وَالأصيلِ |
مِنْ صاحبٍ أو طِالبٍ قتيلِ |
|
وِالدّهرُ لا يَقْنَعُ بالبَديــلِ |
وَكلُّ حيٍّ سالــكٌ سبيلي |
|
ما أقَربَ الوَعْدَ من الرّحِيلِ |
وقدْ وَعَتْ هذا النشيدَ زَينبُ |
|
وَكادَ قَلْبُها لـهُ يَنْشَعِــبُ |
قالـت أُخيَّ يا عزيزَ أهلي |
|
هذا كلامُ موقنٍ بـالقتـلِ |
قال لها نعم أيـا أختــاهُ |
|
قالت له بعدك واثكــلاهُ |
يَنْعى إليَّ نفسَهُ الحسيــنُ |
|
يقولُ قدْ دنا إِليَّ الحيــنُ |
وَشقّقَتْ جيُوبَها النســاءُ |
|
وَقدْ عَلا العَويلُ وَالبُكـاءُ |
وأمُّ كُلْثُومٍ غَــدَتْ تنـــادي |
|
تَنْدِبُ بالآبــاءِ وَالأجـــدادِ |
وا أبتـاهُ وا مــحــمّـــداهُ |
|
وَوا عـلـيّــاهُ وَوا أخــاهُ |
تَقُولُ واضَيْعَتَنــا جميعـــا |
|
بعدَكَ إذْ تَغْدوا لقى صريـعــا |
قـالَ تَعَــزَّيْ بعـــزاءِ اللهِ |
|
وَفوضّي الأمـرَ إلـى الإلــهِ |
فكلُّ مَنْ فَوْقَ الثرى لا يبقــى |
|
وَإنّ سكانَ السمــاءِ تفنــى |
صبراً إذا أنـا قُتلتُ صبـــراً |
|
فلا تَقُلْنَ بَعْدَ قتلـي هَجْـــراً |
وَلا تَشُقّـنّ عَلَـي جَزَعــــا |
|
جَيْباً وإنْ جَلَّ المُصابُ مَوْقِعـا |
وَقدْ رَوى المفيدُ في الإرشادِ (1) |
|
مُذْ سَمِعَتْ زينـبُ بالإنشــادِ |
قامـتْ تجرُّ الثوبَ وهيَ حَسْرى |
|
الى أخيها لا تُطيـقُ صَبْــرا |
قالتْ لَهُ ياليــتَ إنَّ موتـــي |
|
أعْدَمَني الحياةَ قَبلَ الفـــوتِ |
اليومَ ماتتْ أُميَ الـزَهـــراءُ |
|
وَماتْت الاخـوَةُ وَالأبنـــاءُ |
وَاقبلتْ جيـوُش آلِ حــرْبِ |
|
حتّى بهم قدْ ضاقَ كلُّ رَحْبِ |
جاءَتْ لهُ بخيِلهــا وَالرّجْـلِ |
|
كأنّها تطِلبُــهُ بِذَحْـــلِ |
عشرون ألف فارسٍ بَلْ زادوا |
|
وَالرّاجلونَ ما لَهُـم عِــدادُ |
فضيّقوا على الحسينِ السّبُـلا |
|
وَمَنَعوهُ سَهْلَهـا وَالجبَــلا |
وَشَمّروا ثِيابَهـمْ للحَـــرْبِ |
|
واسْتَسهَلوا لذاك كلَّ صَعْـبِ |
فقالَ للعباسِ سِـرِْ للقَـــوْمِ |
|
واصْرِفْهُمُ بياضَ هذا اليــومِ |
لَعَلَّنا لرَبّنـــا نُصـلّـــي |
|
في هذه الليلة ذاتِ الفضــلِ |
وَقدْ توقَّفَ ابنُ سعـد عُمَــرُ |
|
والخيرُ مِن أَمثالِه لا يَظْهــرُ |
لكنَّ بعــضَ القومِ من أتباعِهِ |
|
أبدى لَهُ المَلامَ في امتناعِــهِ |
قال : لو انّ غيرَهُـم إِلينـــا |
|
جاؤوا وَ رامُوا ذاك ما أبينـا |
كيفَ وَهُمْ اَجلُّ ساداتِ العَرَبِ |
|
وَهُمْ سُلالَةُ النبيِّ المُنْتَجَــبْ |
فقالَ ذلكَ الظَّلومُ المعتــدي |
|
إنّيَّ قـد أجّلْتُهُم إلى غَـــدِ |
والسِّبْطُ لَيلاً قد دعا أصحابَـهُ |
|
مُوَجِّهاً إليْـهِــمُ خِطَابَـــهُ |
فقالَ بعدَ الحمـدِ والثنـــاءِ |
|
والشكرِ للمُنعـــم ِ ذى الآلاء |
إنّي لا أعلمُ فيمــا أعلـــمُ |
|
أوفى ولا أصلحَ صَحبــاً منكُمُ |
وَلسـت أَدري أَهل بيتٍ أَفضلا |
|
من أَهلِ بيتي نَجْدَةً وأَوْصــلا |
جزاكُم اللهُ جميعــاً خَيْــرا |
|
وَلا رَأَيْتُم ما حَييتُم ضَيْـــرا |
ألا وإنّي قَـدْ أَذنْــتُ لَكُــمُ |
|
فانطلقوا لا عَهْدَ لي عليكُـــمُ |
والليــلُ قَدْ أَجَنَّكُمْ وأَقْبَــلا |
|
فاتخـذوهُ للنجــاةِ جَمَـــلا |
والقومُ لا يبغونَ غيـري أَحَدا |
|
فارتحِلوا لِتَسْلَموا مِـنَ الـرَّدَى |
فَابتدأ العبّــاسُ في مقالِــهِ |
|
وَقدْ جرى الصَّحْبُ على منْوالِهِ |
قالوا جميعاً : وَلماذا نفعــلُ |
|
نَظَلُّ أَحيـاءً وَأَنـتَ تُقْتَـــلُ |
فَلا اَرانـا اللهُ ذاكَ أَبَـــدَا |
|
وَليتَ أنّا لَكَ قَدْ صِرْنـا فِــدا |
قالَ مُخاطبـــاً بني عقيـلِ |
|
حَسْبُكُمُ مُسلـمُ مِـنْ قتيـــلِ |
وَعندَ ذا تكلّمـوا جَميعـــا |
|
وَقدْ أَبَوْا عنْ عَزْمِهـمْ رُجُوعـا |
وَأَقسمـوا أَنْ لا يفارُقـــوهُ |
|
يَوماً وَبالأَنْفُـسِ أَنْ يَقـــوهُ |
فالعيشُ من بعدِ الحسينِ يَقْبُـحُ |
|
وبَعدَه الحياةُ ليسـتَ تَصْلُــحُ |
ثُمّ تلاهم مسلمُ بنُ عَوْسَجَـــهْ |
|
قالَ مَقالاً صادقاً ما أَبْهَجَــهْ |
نحنُ نُخَلّيكَ كــذا وَنســري |
|
وَقدْ أَحاطَ فيكَ أهـلُ الغَــدْرِ |
ما العُذرُ عنـــدَ اللهِ في أداءِ |
|
حَقِّك وَهْوَ أوجبُ الأشيـــاءِ |
لأحْفَظَنَّ غَيْبَــةَ الرســـولِ |
|
بالنفسِ والكثيـرِ والقليـــلِ |
لوْ لَمْ يَكُنْ معي سلاحٌ أبـــدا |
|
قَذَفْتُهُمْ بالصَّخْرِ حتّى يَنْفَــدا |
سبعين مرّةً لَو انّـي اُقتـــلُ |
|
أُحْرَقُ مثلَها بنــارٍ تشعــلُ |
ثم أُذَرّى بعـدُ في الهـــواءِ |
|
ما ملْتُ عنْ نصري وَلا وَلائي |
فكيفَ وَهي قتلـةٌ وَبعـــدَها |
|
كرامَـة خالقُهــا أَعـــدَّها |
وَقامَ بعدَ مسـلــمٍ زهيـــرُ |
|
وَكلُّهُمْ يُؤْمَلُ فيـهِ الخيـــرُ |
قالَ وَدَدْتُ لَو قُتلْـتُ ألفـــا |
|
وَيدفعُ اللهُ بــذاكَ الحَتْفَـــا |
عنكَ وَعنْ فتْيانِك الأبـــرارِ |
|
ذوي الإبا وَالعزِّ وَالفِخـــارِ |
تَكلّم البــاقونَ مـنْ أَصحابِـهِ |
|
والكلُّ قدْ أَجادَ في جوابـــهِ |
قالوا لَهُ أَنْفُسُنـا لَـكَ الفِـــدا |
|
نقيك بالأَرواح مِنْ بَأسِ العِدى |
فإنْ قُتِلْنـا فلقــدْ وَفينــــا |
|
وقدْ قَضَيْنا لكَ مـا علينـــا |
وَقدْ أتَى للحَضْرَمِيِّ الخبــرُ |
|
أنّ الأعادي لابنه قدْ أَســروا |
قالَ قَدْ احْتَسَبتُهُ وَنفســـي |
|
عندَ إلهي إذ أحـلّ رَمْســي |
ما كنتُ أهوى بَعْدَهُ بقــائي |
|
وَهوَ أسيرٌ في يـدِ الاعــداءِ |
دعا لَهُ سِبْطُ الهُدى بالرّحمـهْ |
|
لمّا رأى امرَ ابنِـهِ أهمّـــهْ |
قال لَهُ من بيعتي في حِــلٍّ |
|
أنت فَسِرْ وَلا تُقِمْ من أجلــي |
واطلُب نجاةَ ابنكَ من هلاكِـهِ |
|
وَاعملْ بما يُجْديك في فَكَاكِـهِ |
قالَ السِّبـــاعُ اكلتنـي حَيّاً |
|
إنْ رُمتُ عنكَ مَوْضَعاً قَصَيّـا |
فانظرْ رَعاكَ اللهُ ما أوْفــاهُ |
|
وَما أَبـرَّهُ وَمــا أتقـــاهُ |
وَهكذا فَلْيَكُــنِ الإيمـــانُ |
|
والحبُّ وَالوفاءُ وَالعرْفـــانُ |
لَمْ يَعْتذرْ وَعُذْرُهُ مَقبـــوُلُ |
|
وَما انثنـى وَرزْؤهُ جَليـــلُ |
مضى مَضاءَ الصارمِ الصقيلِ |
|
في طاعةِ المهيمـنِ الجليــلِ |
عنْ ابنهِ وَهو اَسيرٌ أعْرَضـا |
|
وفَوّضَ الأمرَ لمالكِ القضــا |
لَمْ يَفْتَتنْ قَطُّ بِتلـكَ المِحنْــهْ |
|
والولدُ للأبِ العطوفِ فتنــهْ |
حقٌّ بأنْ نرْثي لمِثلِ حالِــهِ |
|
وَحَقُّ انْ نبكي على أمثالِــه |
والسِّبْطُ والصَّحْبُ اُولوا الوفاءِ |
|
باتُوا بِتلْكَ اللَّيْلَـةِ اللَّيْـــلاء |
لَهُمْ دَويٌّ كَــدَويِّ النَّحــلِ |
|
من ذاكــرٍ للهِ أوْ مُصَـــلِّ |
صلاةَ عبدٍ خاشـــعٍ مُوَدّعِ |
|
يدعوه بالخضوعِ وَالتضــرّعِ |
اَحْيَوا جميعَ الليـــلِ بالعباده |
|
فأدركوا سعـادةَ الشهـــاده |
وَاصبحوا مثلَ الليوثِ الضاريه |
|
قد أَرْخَصوا النفوّسَ وهي غاليه |
لَذَّ لَهُمْ طَعمُ المنايــا وَحـلا |
|
في طاعةِ الرّحمنِ جلَّ وَعـلا |
طابَ وَراقَ لهـُمُ الممـــاةُ |
|
والموتُ في نصر الهدى حيـاةُ |
فاستقبلوا الموتَ بجأْشٍ ثابتِ |
|
وعَزمِ شهمٍ للحيــاةِ ماقــتِ |
قالَ بريرٌ لابــنِ عبــد رَبِّهِ |
|
لّما رأى تأنيبَــهُ بِعَتْبِـــهِ |
قدْ عَلِمَ القومُ جميعــاً أنّنــي |
|
ما مِلْتُ للباطلِ طولَ زَمَنــي |
وإنّما أفعــلُ ذا استبشـــارا |
|
بما إليْه أمرُنـا قدْ صـــارا |
مـا هوَ إلاّ أنْ نخوضَ الحَرْبـا |
|
بالسُّمْرِ طَعْناً وَالسيوفِ ضَرْبـا< |
وَبَعْدَهــا لا نَصَبٌ وَلا عَنــا |
|
نُعانِقُ الحُورَ وَنحظى بالمُنى (1) |
وكأني بها عشيــةَ ألقـــى |
|
سبطُ خيرِ الورى الركابَ لداها |
يسألُ القومَ وهو أعلمُ حتــى |
|
بعد لأيٍ أن صرحوا بسماهـا |
إنّها كربلاء فقال استقلـــوا |
|
فعلينا قد كرّ حتـمُ بلاهـــا |
فلديها قبورُ مختلفِ الــزوار |
|
فيها صباحُها ومـســاهــا |
وبها تُهتَكُ الكرائــمُ منّـــا |
|
ورؤوسُ الكرامِ تعلوا قنـاهـا |
وتبـدت شوارعُ الخيلِ والسمر |
|
وفرسانُها يرفّ لــواهـــا |
تتداعى ثاراتُ بــدرٍ ولمّــا |
|
يكفها كبدُ حمـزةَ وكلاهـــا |
فدعى صحبَهُ هلموا فقد أسمـع |
|
داعي المنون نفسـي رداهــا |
كنتُ عرضتكُم لمحبوبِ أمــرٍ |
|
أن تروا فيه غبطةً وارتفـاهـا |
فإذا الأمرُ عكسُ ما قد رجونـا |
|
محنةٌ فاجأت وأُخرى ولاهــا |
فأجابَ الجميعُ عن صدقِ نفسٍ |
|
أجمعت أمرَها وحازتْ هُداهـا |