كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 387

وتُقسِمُ أن يظلَّ الديـنُ حيـــاً بفيضِ جراحِكَ الحُمْرِ الدَّوامـي
رأيتكَ ليلةَ التوديــعِ فجــراً كأنكَ أحمدٌ خيــرُ الأنـــامِ
وعباســاً يكادُ يشبُ نـارَ الـ ـعزيمةِ في السِّنانِ وفي الحُسامِ
وزينبَ تستعدُّ لخطـبِ يـــومٍ يَشيبُ لهولـهِ رأسُ الغُـــلامِ
ويَرجعُ جانبُ الدُنيــا فتيّـــاً ترفُّ عليه أسـرابُ الحَمَــامِ
* * *
أليلةَ يومِ عاشــوراءَ عُـودي لكونٍ ساغـبٍ للعدلِ ظامـــي
لأكبادٍ مُروَّعــةٍ تُساقـــى كؤوسُ المُرِّ من صابٍ وجــامِ
لأعيُّننا التي في الـذُلِّ شاخـتْ ولا تَنفـكُ تَحلُــمُ بالفِطـــامِ
أليلةَ يومِ عاشــوارءَ عُـودي بكُلِّ الصحو والهمَـمِ العظـــامِ
أعيــدي فتحَكِ القُدْسيَّ زهواً حُسينيَّاً على الــداءِ العُقـــامِ
وصُبِّي النورَ في شرقٍ وغربٍ وليسَ على عـراقٍ أو شـــامِ
فقد عَمَّ الظلامُ وعـادَ حَيَّــاً أبو سُفيانُ ينفـخُ في الظـــلامِ

ناجي الحرز
الأربعاء 19 / 4 / 1317 هـ
الهفّوف ـ الأحساء


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 388

الأستاذ ناجي الحرز

إمتازت قصيدة الحرز برشاقة القفز على الموضوع عندما ترك الشاعر المداخل التقليدية المثبتة للولوج فدخل من النوافذ لا من الأبواب بل تسلق أسوار الموضوع من الواجهات الخلفية فاختار زاوية نظر ذاتية بعيداً عن التسجيل المباشر والتوثيق المطابق والإيغال في التفاصيل.
تبدأ القصيدة بإعلان الحيرة المتكررة كل عام مع حلول الذكرى التي تختطف فروسية الكلام وشجاعته ، فمع وقوف الشاعر بأدواته الفنية وتأملاته الجمالية لكن الحروف تنطفيء عندما تكشف الرؤيا الشعرية أمام الشاعر صورة الإمام الحسين عليه السلام) غريقاً بين السيوف والسهام ، فيترك الشاعر القصيدة ويرفع لافتة الدموع المقابلة لحالة الوجد المرتعش في عظامه والمصورة ـ ببراعة ـ بهيئة ركب أو موكب موالات محتاج للأنس الذي يجده في الدموع ولا يجده في القصيدة.
فالحرز يعلف هيامه ووجده في مسيرته نحو الجرح الخالد وهو يجترح ـ بشاعريته ـ خطاه التي تحمل لهفته وشوقه للقاء فيسمع ثم يرى ويتخلص الى نداء الليلة ومطالبتها بالعودة الى زمنه الحاضر في شكل إسقاط تأريخي يقارن فيه بين زمنين ويعلن عن حاجة زمانه الى طف جديد وفتح قدسي يمتد على كل الأرض :
أليلة يـوم عاشوراء عــودي بكل الصحو والهمم العظــام
وصبي النور في شرق وغرب وليس على عــراق أو شـام

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 389

ـ 39 ـ
للشيخ نزار سنبل (1)
حوار في دائرة الضوء

يجلس أصحاب الحسين(عليه السلام) يتحدّثون فيما بينهم :
في هُدوء الظلامِ يَفتـرش الر مل كماةٌ من الهُدى أمنـاءُ
قد اُديرت حكايةُ الزمـنِ الما ضي وما قد تفوّهَ الأنبيـاءُ
خيرةُ الناس في الزمان رجالٌ حضنتهم في تُربها كربلاءُ
في غدٍ تُفرشُ الجنانُ الروابي ويلمُّ السعـادةَ الشهــداءُ
فعَلت في ثغـورهم بسمـاتٌ إيهِ يا قوم إنّنا السعــداءُ

يأتي الإمام الحسين(عليه السلام) فيجمع أصحابه ويخاطبهم :
لفَّ جنحُ الظلام أودية الأر * ض فأَغفت عيونها الأعـداء

(1) هو : الفاضل والشاعر الشيخ نزار بن محمد شوقي بن عبد الرزاق بن الشيخ بدر آل سنبل ، ولد سنة 1385 هـ في الجش إحدى بلاد القطيف ، التحق بالحوزة العلمية بعد إنهائه شطراً من الدراسة الأكاديمية سنة 1401 هـ ودرس في القطيف والنجف الأشرف وأخيراً في قم المقدسة حيث يحضر الآن البحث الخارج ، ومن نتاجه الأدبي : 1 ـ ديوان شعر 2 ـ أهل البيت في الشعر القطيفي المعاصر 3 ـ رواية ـ عندما يُرفع الستار ( عقائدية ) ، كما نُشرت له بعض القصائد في مجلتي الموسم والتوحيد، ومن نتاجه العلمي 4 ـ تقرير بحث الخارج فقهاً واُصولاً لبعض الأساتذة الأعلام ، وله أيضاً مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 390

والدروبُ السمراءُ تعتنـق الليـ ـل بشـوقٍ فتختفـي الأشيـاء
قد وَفيتُم وليس غيـريَّ مطلـو باً لدى القـوم أيهـا الأوفيـاء
ارتدوا الدربَ في الخفاء سُراعا واركبوا الليل أيهـا الأزكيــاء

فيقوم أخوه العباس(عليه السلام) ويتبعه بنو هاشم فيقولون :
أفنمضي وأنت وحدك تبقى ؟ ليس هذا من شيمة النبـلاء
أفنمضي لكي نعيش فنشقى ؟ قد أبينا الحياة في الظلمـاء

ثم يتوجه الإمام(عليه السلام) نحو بني عقيل ويقول :
حسبكُم مسلم العظيم شهيداً فاذرعوا الليل خلسةً والبيـدا

ولكنهم يجيبونه :
نحن...نحن...الفداء والقربان إنما أنـت بالقلـوب تُصـانُ
كيف نمضي وما تعرَّت ذراعٌ واكتوى خـافِقٌ وبُـحَّ لِسـانُ

ثم يقوم مسلم بن عوسجة الأسدي ويُشير إلى معسكر الأعداء فيقول :
السياجُ الــذي تلـوثَ بالحـقـ ـدِ ذئــابٌ ممسـوخـةُ الألـوانِ
أي عـذرٍ إذا التحــم القــومُ فأقعـت عن نَصركُـم ساعــدان
لا يراني الإلهُ أهــربُ خوفـاً سوف أمشي للحـرب والميــدانِ
إنّ سهميَّ مرماه صدرُ الأعـادي ورماحــي مشتاقةٌ للطعـــان

ويقوم سعيد بن عبدالله الحنفي فيقول :
لو قُتلنا سبعبن قتلـة عزٍ ما تركناك للسيوف طعاما
وسنبقى ليعلم الله أنّــا قد حفظنا فيك العهود ذماما

ويقوم زهير بن القين ويقول :

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 391

قد وددت الممات ألفاً وكانت لغةُ القتل للحسيــن وقِــاءا
إنّ روحي على يديَّ وأمشي؟ حاشـا لله أن أروم بقـــاءا
إنها النعمـة الكبيـرة تنصّبُ لاُلقي لهـا الفـؤاد إنـــاءا
فرحةُ النفس أن تروح فـداءاً لحسينٍ فترتـدي الأضـواءا

ويتكلم جماعة أصحاب الإمام(عليه السلام) بكلام يشبه بعضه بعضاً فيقولون :
قد أبت أنفـسُ الكـرام انهزاما وأحطنــاك سيداً وإمامـا
في غدٍ نُطعمُ المواضي قلوبـاً ونهزّ الرمــاحَ والأعلامـا
شرفٌ أن نموت دون حسيـنٍ ونفوسٌ نفدي بهــا الأسلاما

وهنا يشكرهم الإمام(عليه السلام) على موقفهم هذا :
لكم الجنة الموشاة بالنـور وفائـي وعينُ كـل وســامِ
أنتمُ الهالة المضيئة ســرٌ غرقت فيــه قصــة الأيام
في غدٍ تنطوي الحياة ولكن سوف تحيونَ في نفوس الكرام
كلُ فردٍ يلقى المنية دونـي دمه الماءُ في عروق النوامـي

صوت يجيء من وراء الغيب :
بارك الله في النفوس نفوســـا عانقت في الوغى السيوف عروسا

نزار سـنبل
الخميس 1 / 11 / 1416


كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 392

الشيخ نزار سنبل

ما نفذه العسيلي في ملحمته من وحدة البحر واختلاف القوافي نفذه الشيخ نزار سنبل في (32) بيتاً من ملحمة مصغرة من بحر الخفيف ومن قواف متعددة تحت عنوان يشع شعراً ـ أيضاً ـ هو ( حوار في دائرة الضوء ).
ويبدو الشيخ نزار سنبل هنا وهو يدور حول الحادثة بعينيّ فنان تشكيلي تقتنصان ما يجري لتوصلاه الى مخزن التأمل والرؤيا عند الشاعر فمثلاً :
الدروب السمراء تعتنق الليل بشوق فتختفي الاشيـــاء

أو :
السياج الذي تلوث بالحقـد ذئاب ممسـوخـة الألوان
لكم الجنة الموشاة بالنـور وفائي وعيـن كل وسـام
أنتم الهالة المضيئـة سـر غرقت فيه قصـة الايـام

وتتم عملية تحويل الصور الملتقطة ألواناً وخطوطاً وظلالاً الى لغة مركزة وتراكيب كثيفة تبتدئ المقطعين الاولين من الظلام لتدخل الى المكان بطريقة سردية مستقاة من تقنيات القصة القصيرة أو الأدب الروائي في الاستهلال المكاني فنرى المقطع الاول يبتدئ هكذا :
فى هدوى الظلام يفترش الرمل كمـــاة من الهـدى أمنـاء

وفي المقطع الثانى :
لف جنح الظلام أوديـة الارض أغفـت عيونهـــا الاعــداء

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 393

ثم تبتدئ الحوارات في تقابلها من جميع الأطراف يصعّدها الايجاز والإختصار في درامية شفافة تسجل لنزار سنبل تمكناً واضحاً في إستخدام لغة المسرح وأدواته فنرى مثلاً حوار زهير بن القين مع الإمام (عليه السلام) :
قد وددت الممات الفاً وكانت لغة القتل للحسيـن وقـــاءا
إن روحي على يديّ وأمشـي حاشـى لله أن أروم بقــاءا
إنها النعمة الكبيرة تنصــبّ لاُلقي لها الفــؤاد إنـــاءا
فرحة النفس أن تروح فـداءاً لحسين فترتـدي الاضــواءا

ولا تسلم تقنيات فن السينما من توق الشاعر الى إستخدام كل الطرق والوسائل التعبيرية الفنية الممكنة ليوصل القاريء الى ما يريد فمقاطع قصيدته لقطات سينمائية قريبة ومتوسطة وبعيدة يلمها مونتاج متتابع في تشابك من خارج بناء القصيدة يمنحها إيقاعاً صورياً يقطعه ( صوت يجي من وراء الغيب ) ليعلن نهاية المشاهد وإنغلاق دائرة الضوء.
إن قصيدة نزار سنبل قصيدة ذاهبة الى المستقبل والتجدد بكفاءة أدواتها وكثافة رؤاها وأشكالها المتحركة على محاور تعبيرية متعددة ناقلة ولاءها وإخلاصها عبر تقاطع أبعاد الزمان وهي من نصوص المجموعة المتفوقة في عطائها.

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 394

ـ 40 ـ
إرجوزةُ للشيخ هادي آل كاشف الغطاء (1)
من الارجوزة الحسينية
الإمام (عليه السلام) ينعى نفسه

واعتزلَ الحسينُ وَهو يُنْشِدُ وَسيفُهُ أمامَــهُ مُجــرّدُ
يـا دَهرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَليلِ كمْ لك بالإشْراقِ وَالأصيلِ
مِنْ صاحبٍ أو طِالبٍ قتيلِ وِالدّهرُ لا يَقْنَعُ بالبَديــلِ
وَكلُّ حيٍّ سالــكٌ سبيلي ما أقَربَ الوَعْدَ من الرّحِيلِ
وقدْ وَعَتْ هذا النشيدَ زَينبُ وَكادَ قَلْبُها لـهُ يَنْشَعِــبُ
قالـت أُخيَّ يا عزيزَ أهلي هذا كلامُ موقنٍ بـالقتـلِ
قال لها نعم أيـا أختــاهُ قالت له بعدك واثكــلاهُ
يَنْعى إليَّ نفسَهُ الحسيــنُ يقولُ قدْ دنا إِليَّ الحيــنُ
وَشقّقَتْ جيُوبَها النســاءُ وَقدْ عَلا العَويلُ وَالبُكـاءُ

(1) هو : العلامة الحجة الشيخ هادي بن الشيخ عباس بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي قدس سره ، ولد في النجف الأشرف سنة 1289 ـ ، وتوفي سنة 1361 هـ ، وقد نشأ في ظلال أسرة كريمة معروفة بالعلم ، تتلمذ ـ عليه الرحمة ـ على يد الآخوند وشيخ الشريعة واليزدي ـ عليهم الرحمة ـ ، ومن مؤلفاته 1 ـ مستدرك نهج البلاغة 2 ـ مدارك نهج البلاغة 3 ـ شرح شرائع الأسلام 4 ـ هدى المتقين ( رسالة عملية ) 5 ـ المقبولة الحسينية ( ملحمة ) راجع: أدب الطف للسيد جواد شبر : ج9 ، ص224 ، الملحمة الكبرى ( أو المقبولة الحسينية ).
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 395

وأمُّ كُلْثُومٍ غَــدَتْ تنـــادي تَنْدِبُ بالآبــاءِ وَالأجـــدادِ
وا أبتـاهُ وا مــحــمّـــداهُ وَوا عـلـيّــاهُ وَوا أخــاهُ
تَقُولُ واضَيْعَتَنــا جميعـــا بعدَكَ إذْ تَغْدوا لقى صريـعــا
قـالَ تَعَــزَّيْ بعـــزاءِ اللهِ وَفوضّي الأمـرَ إلـى الإلــهِ
فكلُّ مَنْ فَوْقَ الثرى لا يبقــى وَإنّ سكانَ السمــاءِ تفنــى
صبراً إذا أنـا قُتلتُ صبـــراً فلا تَقُلْنَ بَعْدَ قتلـي هَجْـــراً
وَلا تَشُقّـنّ عَلَـي جَزَعــــا جَيْباً وإنْ جَلَّ المُصابُ مَوْقِعـا
وَقدْ رَوى المفيدُ في الإرشادِ (1) مُذْ سَمِعَتْ زينـبُ بالإنشــادِ
قامـتْ تجرُّ الثوبَ وهيَ حَسْرى الى أخيها لا تُطيـقُ صَبْــرا
قالتْ لَهُ ياليــتَ إنَّ موتـــي أعْدَمَني الحياةَ قَبلَ الفـــوتِ
اليومَ ماتتْ أُميَ الـزَهـــراءُ وَماتْت الاخـوَةُ وَالأبنـــاءُ

الإمام (عليه السلام) يُهديء خواطرَ العقيلات ويأمرهن بالصبر
والتسليم والرضا بقضاء الله

قــالَ لَها وَشأْنُهُ الكِتْمــانُ لا يُذْهِبَنَّ حِلْمَكِ الشّيْطـــانُ
وَهوَالذيّ لَمْ يكُ بالجــزَوعِ ترَقرَقتْ عينـاهُ بالــدّموعِ
ثمَّ هَوَتْ مَغْشِيّـةً عَلَيْهـــا فقامَ ـ جلَّ صبرُه ـ إليهـا
عنْ نفسِهِ بنفسـه عَزَاهــا وبَالرّضا وَالصبرِ قَدْ أوْصاها

(1) الإرشاد للشيخ المفيد : ص 232.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 396

مجيء الجيوش والتضييق على الحسين
(عليه السلام)

وَاقبلتْ جيـوُش آلِ حــرْبِ حتّى بهم قدْ ضاقَ كلُّ رَحْبِ
جاءَتْ لهُ بخيِلهــا وَالرّجْـلِ كأنّها تطِلبُــهُ بِذَحْـــلِ
عشرون ألف فارسٍ بَلْ زادوا وَالرّاجلونَ ما لَهُـم عِــدادُ
فضيّقوا على الحسينِ السّبُـلا وَمَنَعوهُ سَهْلَهـا وَالجبَــلا
وَشَمّروا ثِيابَهـمْ للحَـــرْبِ واسْتَسهَلوا لذاك كلَّ صَعْـبِ

تأجيل الحرب إلى الصبح

فقالَ للعباسِ سِـرِْ للقَـــوْمِ واصْرِفْهُمُ بياضَ هذا اليــومِ
لَعَلَّنا لرَبّنـــا نُصـلّـــي في هذه الليلة ذاتِ الفضــلِ
وَقدْ توقَّفَ ابنُ سعـد عُمَــرُ والخيرُ مِن أَمثالِه لا يَظْهــرُ
لكنَّ بعــضَ القومِ من أتباعِهِ أبدى لَهُ المَلامَ في امتناعِــهِ
قال : لو انّ غيرَهُـم إِلينـــا جاؤوا وَ رامُوا ذاك ما أبينـا
كيفَ وَهُمْ اَجلُّ ساداتِ العَرَبِ وَهُمْ سُلالَةُ النبيِّ المُنْتَجَــبْ
فقالَ ذلكَ الظَّلومُ المعتــدي إنّيَّ قـد أجّلْتُهُم إلى غَـــدِ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 397

الإمام (عليه السلام)
يأذن للأصحابه بالتفرق

والسِّبْطُ لَيلاً قد دعا أصحابَـهُ مُوَجِّهاً إليْـهِــمُ خِطَابَـــهُ
فقالَ بعدَ الحمـدِ والثنـــاءِ والشكرِ للمُنعـــم ِ ذى الآلاء
إنّي لا أعلمُ فيمــا أعلـــمُ أوفى ولا أصلحَ صَحبــاً منكُمُ
وَلسـت أَدري أَهل بيتٍ أَفضلا من أَهلِ بيتي نَجْدَةً وأَوْصــلا
جزاكُم اللهُ جميعــاً خَيْــرا وَلا رَأَيْتُم ما حَييتُم ضَيْـــرا
ألا وإنّي قَـدْ أَذنْــتُ لَكُــمُ فانطلقوا لا عَهْدَ لي عليكُـــمُ
والليــلُ قَدْ أَجَنَّكُمْ وأَقْبَــلا فاتخـذوهُ للنجــاةِ جَمَـــلا
والقومُ لا يبغونَ غيـري أَحَدا فارتحِلوا لِتَسْلَموا مِـنَ الـرَّدَى

جواب أهل بيته ( عليهم السلام)

فَابتدأ العبّــاسُ في مقالِــهِ وَقدْ جرى الصَّحْبُ على منْوالِهِ
قالوا جميعاً : وَلماذا نفعــلُ نَظَلُّ أَحيـاءً وَأَنـتَ تُقْتَـــلُ
فَلا اَرانـا اللهُ ذاكَ أَبَـــدَا وَليتَ أنّا لَكَ قَدْ صِرْنـا فِــدا
قالَ مُخاطبـــاً بني عقيـلِ حَسْبُكُمُ مُسلـمُ مِـنْ قتيـــلِ
وَعندَ ذا تكلّمـوا جَميعـــا وَقدْ أَبَوْا عنْ عَزْمِهـمْ رُجُوعـا
وَأَقسمـوا أَنْ لا يفارُقـــوهُ يَوماً وَبالأَنْفُـسِ أَنْ يَقـــوهُ
فالعيشُ من بعدِ الحسينِ يَقْبُـحُ وبَعدَه الحياةُ ليسـتَ تَصْلُــحُ

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 398

جواب أصحابه (عليهم السلام)

ثُمّ تلاهم مسلمُ بنُ عَوْسَجَـــهْ قالَ مَقالاً صادقاً ما أَبْهَجَــهْ
نحنُ نُخَلّيكَ كــذا وَنســري وَقدْ أَحاطَ فيكَ أهـلُ الغَــدْرِ
ما العُذرُ عنـــدَ اللهِ في أداءِ حَقِّك وَهْوَ أوجبُ الأشيـــاءِ
لأحْفَظَنَّ غَيْبَــةَ الرســـولِ بالنفسِ والكثيـرِ والقليـــلِ
لوْ لَمْ يَكُنْ معي سلاحٌ أبـــدا قَذَفْتُهُمْ بالصَّخْرِ حتّى يَنْفَــدا
سبعين مرّةً لَو انّـي اُقتـــلُ أُحْرَقُ مثلَها بنــارٍ تشعــلُ
ثم أُذَرّى بعـدُ في الهـــواءِ ما ملْتُ عنْ نصري وَلا وَلائي
فكيفَ وَهي قتلـةٌ وَبعـــدَها كرامَـة خالقُهــا أَعـــدَّها
وَقامَ بعدَ مسـلــمٍ زهيـــرُ وَكلُّهُمْ يُؤْمَلُ فيـهِ الخيـــرُ
قالَ وَدَدْتُ لَو قُتلْـتُ ألفـــا وَيدفعُ اللهُ بــذاكَ الحَتْفَـــا
عنكَ وَعنْ فتْيانِك الأبـــرارِ ذوي الإبا وَالعزِّ وَالفِخـــارِ
تَكلّم البــاقونَ مـنْ أَصحابِـهِ والكلُّ قدْ أَجادَ في جوابـــهِ
قالوا لَهُ أَنْفُسُنـا لَـكَ الفِـــدا نقيك بالأَرواح مِنْ بَأسِ العِدى
فإنْ قُتِلْنـا فلقــدْ وَفينــــا وقدْ قَضَيْنا لكَ مـا علينـــا

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 399

الحضرمي يعلن عن تصميمه الصادق على
ملازمة الإمام(عليه السلام) وفدائه

وَقدْ أتَى للحَضْرَمِيِّ الخبــرُ أنّ الأعادي لابنه قدْ أَســروا
قالَ قَدْ احْتَسَبتُهُ وَنفســـي عندَ إلهي إذ أحـلّ رَمْســي
ما كنتُ أهوى بَعْدَهُ بقــائي وَهوَ أسيرٌ في يـدِ الاعــداءِ
دعا لَهُ سِبْطُ الهُدى بالرّحمـهْ لمّا رأى امرَ ابنِـهِ أهمّـــهْ
قال لَهُ من بيعتي في حِــلٍّ أنت فَسِرْ وَلا تُقِمْ من أجلــي
واطلُب نجاةَ ابنكَ من هلاكِـهِ وَاعملْ بما يُجْديك في فَكَاكِـهِ
قالَ السِّبـــاعُ اكلتنـي حَيّاً إنْ رُمتُ عنكَ مَوْضَعاً قَصَيّـا
فانظرْ رَعاكَ اللهُ ما أوْفــاهُ وَما أَبـرَّهُ وَمــا أتقـــاهُ
وَهكذا فَلْيَكُــنِ الإيمـــانُ والحبُّ وَالوفاءُ وَالعرْفـــانُ
لَمْ يَعْتذرْ وَعُذْرُهُ مَقبـــوُلُ وَما انثنـى وَرزْؤهُ جَليـــلُ
مضى مَضاءَ الصارمِ الصقيلِ في طاعةِ المهيمـنِ الجليــلِ
عنْ ابنهِ وَهو اَسيرٌ أعْرَضـا وفَوّضَ الأمرَ لمالكِ القضــا
لَمْ يَفْتَتنْ قَطُّ بِتلـكَ المِحنْــهْ والولدُ للأبِ العطوفِ فتنــهْ
حقٌّ بأنْ نرْثي لمِثلِ حالِــهِ وَحَقُّ انْ نبكي على أمثالِــه

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 400

إحياء ليلة عاشوراء بالعبادة

والسِّبْطُ والصَّحْبُ اُولوا الوفاءِ باتُوا بِتلْكَ اللَّيْلَـةِ اللَّيْـــلاء
لَهُمْ دَويٌّ كَــدَويِّ النَّحــلِ من ذاكــرٍ للهِ أوْ مُصَـــلِّ
صلاةَ عبدٍ خاشـــعٍ مُوَدّعِ يدعوه بالخضوعِ وَالتضــرّعِ
اَحْيَوا جميعَ الليـــلِ بالعباده فأدركوا سعـادةَ الشهـــاده
وَاصبحوا مثلَ الليوثِ الضاريه قد أَرْخَصوا النفوّسَ وهي غاليه
لَذَّ لَهُمْ طَعمُ المنايــا وَحـلا في طاعةِ الرّحمنِ جلَّ وَعـلا
طابَ وَراقَ لهـُمُ الممـــاةُ والموتُ في نصر الهدى حيـاةُ
فاستقبلوا الموتَ بجأْشٍ ثابتِ وعَزمِ شهمٍ للحيــاةِ ماقــتِ

استبشار أصحاب الإمام(عليه السلام)

قالَ بريرٌ لابــنِ عبــد رَبِّهِ لّما رأى تأنيبَــهُ بِعَتْبِـــهِ
قدْ عَلِمَ القومُ جميعــاً أنّنــي ما مِلْتُ للباطلِ طولَ زَمَنــي
وإنّما أفعــلُ ذا استبشـــارا بما إليْه أمرُنـا قدْ صـــارا
مـا هوَ إلاّ أنْ نخوضَ الحَرْبـا بالسُّمْرِ طَعْناً وَالسيوفِ ضَرْبـا<
وَبَعْدَهــا لا نَصَبٌ وَلا عَنــا نُعانِقُ الحُورَ وَنحظى بالمُنى (1)

(1) الملحمة الكبرى لواقعة الطف : للشيخ هادي كاشف الغطاء : ص 63ـ 75.
كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 401

اُرجوزة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء

منظومة تأريخية جليلة قامت بتوثيق المجريات والاحداث والاقوال والشخصيات توثيقاً تطابقياً دقيقاً.
ومما لا يخفى أن هذا المنحى في نظم المزدوجات من بحر الرجز هو طريقة مدرسية أكاديمية لتسهيل حفظ المطالب والدروس في العلوم المختلفة ومن أشهر أمثلتها ( الفية ابن مالك ) في النحو ومنظومة السبزواري في الحكمة.
وتكون هذه المنظومات عادة وفيّة للمادة التي تعالجها أو الموضوع الذي تطرحه ولا تولي إهتماماً لفن الشعر وجماليته ، ولغتها على العموم الغالب لغة العلم النثرية القائمة على الإخبار ونقل المعلومات بتقريرية ومباشرة لا مجال للشاعرية والتأملات الجمالية فيها ، فروحها روح علمية وصلتها بالادب والشعر صلة علمية أيضا فهي تعتني بعلم العروض كثوب لها وتختار من نظام التقفية نظام المزودجات لسهولته ولعدم قناعتها في الإيغال بفنون القوافي..

كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 402

ـ 41 ـ
للشيخ هاشم الكعبي (1)
إنها كربلاء

وكأني بها عشيــةَ ألقـــى سبطُ خيرِ الورى الركابَ لداها
يسألُ القومَ وهو أعلمُ حتــى بعد لأيٍ أن صرحوا بسماهـا
إنّها كربلاء فقال استقلـــوا فعلينا قد كرّ حتـمُ بلاهـــا
فلديها قبورُ مختلفِ الــزوار فيها صباحُها ومـســاهــا
وبها تُهتَكُ الكرائــمُ منّـــا ورؤوسُ الكرامِ تعلوا قنـاهـا
وتبـدت شوارعُ الخيلِ والسمر وفرسانُها يرفّ لــواهـــا
تتداعى ثاراتُ بــدرٍ ولمّــا يكفها كبدُ حمـزةَ وكلاهـــا
فدعى صحبَهُ هلموا فقد أسمـع داعي المنون نفسـي رداهــا
كنتُ عرضتكُم لمحبوبِ أمــرٍ أن تروا فيه غبطةً وارتفـاهـا
فإذا الأمرُ عكسُ ما قد رجونـا محنةٌ فاجأت وأُخرى ولاهــا
فأجابَ الجميعُ عن صدقِ نفسٍ أجمعت أمرَها وحازتْ هُداهـا

(1) هو : شاعر أهل البيت عليهم السلام الحاج الشيخ هاشم بن حردان الكعبي الدورقي ، ولد ونشأ في الدورق مسكن عشائر كعب في الأهواز ثم سكن كربلاء والنجف توفي سنة 1231 هـ ويعد من فحول الشعراء وفي طليعتهم ، له ديوان أكثره في الأئمة عليهم السلام. راجع أدب الطف للسيد جواد شبر : ج6 ، ص218 ـ 219.

السابق السابق الفهرس التالي التالي