الحسين في طريقه الى الشهادة 24

الله يا يزيد . اتحب محمدا عندنا الان في مكانك نضرب عنقه . وانك في أهلك ؟ قال والله ما احب ان محمدا الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه واني جالس في أهلي قال : يقول ابو سفيان : ما رأيت من الناس احدا يحب احدا كحبّ اصحاب محمد محمدا ، ثم قتله نسطاس يرحمه الله ، واما خبيب . قال ابن هاشم(12) قال ابن اسحاق : قال عاصم : نم خرجوا بخبيب حتى اذا جاؤا به الى التنعيم ليصلبوه قال لهم ان رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا . قالوا : دونك فاركع ، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم اقبل على القوم فقال : اما والله لو لا أن تظنوا اني انما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة ، قال فكان خبيب بن عدى أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين ، قال : ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه . قال : اللهم انا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا . ثم قال : اللهم احصهم عددا . واقتلهم بددا . ولا تغادر منهم أحدا ، ثم قتلوه رحمه الله ، فقال الشاعر في ذلك .
لعمري لقد آبت هذيل بن مدرك أحاديث جاءت من خبيب وعاصم
فهـذا حماه الله بالنحـل منهـم وهذا أتـى مـن بعـد بيع المغانم

والذي حماه الله هو عاصم بن ثابت بن ابي أفلح الانصاري رحمه الله فانه لما قتل حماه الدبر . ذكر ابن هشام . قال : وكان عاصم بن ثابت يكنى ابا سليمان . ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه . فلما قتل عاصم ارادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد . وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم احد ـ لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعته الدبر ، فلما حالت بينهم وبينه الدبر . قالوا دعوه حتى يمسى فيذهب عنه فنأخذه ، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به ، وكان عاصم قد اعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا ابدا تنجسا ، فكان عمر بن

(12) انظر محمد بن عبد الملك بن هشام ج 3 ص 165 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 25

الخطاب (رض) يقول حين بلغه ان الدبر منعته : يحفظ الله العبد المؤمن ، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته(13) . وفي كتاب مرآة الحرمين(14) التنعيم حدّ الحرم من جهة المدينة وهو في شمال مكة الغربي والمسافة بينه وبين باب العمرة 6148 مترا والطريق سهل رملي تحفه الجبال من الجانبين وبه آبار كثيرة . وفيه تباع المأكولات والقهوة والشاي . وقد اقيم عند التنعيم علمان يفصلان الحل من الحرم . ارتفاع كل منهما ستة أمتار . وعرضه ثلاثة وهما مبنيان بالحجر والملاط الجيد والذي بناهما محمد او أحمد بن المقتدر الراضي بالله سنة 315 هجـ وبجوار هذين العلمين مسجد عائشة الذي اقيم في مكان احرامها بالعمرة بعد أن حجت مع الرسول (ص) حجة الوداع وطول هذا المسجد 16 مترا في عرض 15 وارتفاعه 4 امتار ، وخلف مسجد عائشة حوض اعدّ لخزن المياه طوله 24 مترا وعرضه 19 مترا وعمقه ثلاثة وسطحه مواز لسطح الارض بني بالحجر والملاط الجيد وفي كل من جهتيه الشمالية والجنوبية سلم يوصل الى قاعة ويتكون من سبع درجات وبأعلى الجهة الشرقية من الخزان حجر سطر به تاريخه غير انه مقلوب الوضع . وهناك صهريج كبير كان يمتلئ من السيول ويتوضا منه المعتمرون وهذا الصهريج قديم . ولما حج سنان باشا الوزير المجاهد في سنة 978 هجـ اعتمر من التنعيم فرأى هذا الصهريج خاويا ورأى ما يعانيه المعتمرون في حمل الماء من مسافات بعيدة ليشربوا منه ويتوضئوا فحركته الشفقة الى بئر قديمة هنالك تبعد عن الخزان بنحو مأتي متر قد ملأها التراب فأمر باصلاحها . واقيمت هنالك ساقية ومجرى مرتفع مقدار قامة يجري الماء فيه من البئر الى هذا الصهريج الذي عمره الوزير المذكور والى الخزان السابق الذي انشأه وجعل للقائم بنزح المياه اجرا من ريع أوقاف له بمصر وذلك في سنة 981 هجـ وفي غربي الخزان مصلى صغير ارتفاع جدره 80 سنتيما وبه محراب وحجرات عن يمين المحراب وشماله مكتوب في احدهما حفر بالخط

(13) ذكر ابن هشام ان واقعة يوم الرجيع كانت في سنة ثلاث للهجرة .
(14) انظر ابراهيم رفعت باشا ـ مرآة الحرمين ـ ج 1 ص 341 مصر .
الحسين في طريقه الى الشهادة 26

الكوفي تاريخ سنة 531 هجـ وما وقف عليه . وفي ثانيهما بالحفر ايضا كتابة بالخط المغربي لم اتبين رسمها . ونقلت التاريخ فاذا هو سنة 301 هجـ كما تبينته من حضرة الاثري يوسف افندي .
قال ارباب السير ولما وصل الحسين (ع) بظعنه الى التنعيم . لقى بها عيراً أقبل بها من اليمن . وقد بعث بها بحير بن ريسان الحميري الى يزيد بن معاوية . وكان عامله على اليمن . وعلى العير الورس(15) والحلل . ينطلق بها الى يزيد . فأخذها الحسين (ع) فانطلق بها . ثم قال : لاصحاب الابل لا اكرهكم . من أحب أن يمضي معنا الى العراق أو فيناه كراه وأحسنا صحبته . ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الارض . قال : فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقه . ومن مضى منهم معه أعطاه كراه وكساه(16) قال أرباب التاريخ وراح الحسين يواصل السير الى الصفاح .
ومرّ بالصفاح بالأهل وبا لصَحب ويتبع الخُطى اثـر الخُطى

(الصفاح) بالكسر وآخره خاء مهملة . موضع بين حنين وانصاب الحرم على يسرة الداخل الى مكة من مشاش(1) قال الازرقي(2) القطع او الصفاح . في طريق نجد والعراق والانصاب على رأس ثنية الخل منتهى الحرم ، وقال ابن بليهد . الصفاح في اللغة يطلق على سفح كل جبل أو كثيب صفحته . فصفحته جانبه ، ويطلق لفظ الصفحة على جانب السيف . والموضع الذي يقال له الصفاح معروف

(15) الورس . نبات كالسمسم . يصبغ به . ويتخذ الغمرة منه . والغمرة . الزعفران . قال البروني الورس يجلب من اليمن وقيل يحمل من أرض الحبش انظر صفة المعمورة ص 140 طبع استنبول .
(16) انظر الطبري ج 6 ص 218 .
(1) المشاش بالضم . قال عرام : يتصل بجبال عرفات جبال الطائف . وفيها مياه كثيرة اوشال وعظائم وقنى منها . ويتصل الى مكة .
(2) انظر محمد بن عبد الله بن احمد الازرقي . اخبار مكة ج 2 ص 251 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 27

في حدود الجبال المشرعة على واد المغمس ، وهي آخرها ويتركها قاصد مكة على شماله(3) ، قال ابن مقبل يرثي عثمان بن عفان لما قتل :
فعف وداع فالصفاح فمكة فليس بها الادماء ومحرب

وحدث غالب بن عبيد الله قال سمعت مجاهدا يذكر عن ابن عباس رضي الله عنه . قال : مر بصفاح الروحاء ستون نبيا ابلهم مخطمة بالليف قاصدين حج البيت ، قال أرباب التاريخ . وفي الصفاح . لقي الفرزدق الحسين (ع) خارجا من مكة . قال الفرزدق : حججت بامي سنة ستين . فبينا انا اسوق بعيرها حين دخلت الحرم . اذ لقيت الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) خارجا من مكة مع أسيافه واتراسه . فقلت لمن هذا القطار ؟ فقيل للحسين بن علي بن ابي طالب (ع) . قال : فأتيته وسلمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك . وأملك في ما تحب . بابي أنت وامي يابن رسول الله (ص) ما أعجلك عن الحج ؟ فقال : لو لم اعجل لاخذت . ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك . فقلت : الخبير سألت . قلوب الناس معك وسيوفهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء . فقال : صدقت لله الامر من قبل ومن بعد . وكل يوم هو في شأن . ان نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر . وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق بينته والتقوى سريرته . فقلت : أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر . قال : وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته . وقال السلام عليك ثم افترقنا ، وفي ذلك يقول :
لقيت الحسين بأرض الصفـاح عليه اليلامق والدرق(4)

قالوا وسار الحسين (ع) من الصفاح قاصدا وادي العتيق .

(3) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الاخبار ـ ج 1 ص 227 .
(4) اليلامق مفردها يلمق . وهو القباء . والدرق . مفردها درقة . الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب . والعقب بفتح العين . العصب الذي تعمل منه الاوتار . جمعه أعقاب .
الحسين في طريقه الى الشهادة 28

ثم الى وادي العقيق بعدها وافى وذات عـرق هُضبها علا

(العقيق) . بفتح أوله وكسر ثانيه وقافين بينهما ياء مثناة من تحت . ذكر ياقوت عن ابي منصور قال : والعرب تقول : لكل مسيل ماء شقه السيل في الارض فأنهره ووسعه . عقيق . والاعقة في بلاد العرب كثيرة . منها هذا العقيق الذي جاء فيه . انك بواد مبارك . وهو الذي ببطن وادي ذي الحليفة . وهو الذي جاء فيه أنه مهل اهل العراق . على ما ذكره الفقهاء في مناسكهم . من ذات عرق وهو الذي ذكره الشافعي (ره) فقال : لو أهلوا من العقيق كان احب الي . قال في المشترك . وهو اسم لعدة اودية . فمنها العقيق الاعلى عند مدينة الرسول وهو مما يلي الحرة الى منتهى البقيع مقابر المدينة . ومنها العقيق الاسفل . وهو اسفل من ذلك . ومنها عقيق العارض باليمامة . والعقيق ايضا واد يدفق سيله في غور تهامة متصل بعقيق المدينة . وهو الذي ذكره الشافعي . والعقيق ايضا بطن وادي ذي الحليفة(1) . وقرئ على قصر بالعقيق :
وكم توارث هذا القصر من ملك فمات والوارث الباقي على الاثر(2)

ومن الاعتقة عقيق المدينة الذي ذكره الشاعر بقوله :
اني مـررت على العقيق واهله يشكون من مطر الربيع نزورا
ماضركم ان كان جعفر جـاركم أن لا يكـون عقيقكم ممطورا

والي هذا العقيق ينسب محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الاصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) المعروف بالعقيقي . له عقب . وفي ولده رياسة . ومن ولده أحمد بن علي بن محمد العقيقي . ابو القاسم . كان

(1) انظر الملك المؤيد ابن ايوب صاحب حماة المتوفى 732 هجـ ـ تقويم البلدان ص 79 طبع باريس .
(2) انظر ابن الفقيه من علماء أواخر قرن الثالث للهجرة ـ البلدان ـ ص 161 طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 29

من وجوه الاشراف بدمشق . ومدحه أبو الفرج الوأواء(3) ومات بدمشق لاربع خلون من جماي الاولى 378 هجـ ودفن بالباب الصغير ، وقال صاحب حماه ذات عرق . ميقات اهل العراق وهي عن مكة على ثمانية واربعين ميلا . قال في العزيزي وبين ذات عرق وغمرة ستة وعشرون ميلا(4) . وقال بعض الاعراب يذكر وادي العقيق :
أيا سروتي وادي العقيق سقيتما حيا غضة الانفـاس طيبـة الورد(5)
ترديتما مـح الثـرى وتغلغلت عروقكما تحت الذي في ثرى جعد
ولا تهنن ظلاكمـا ان تباعدت بي الدار من يرجو ظلا لكما بعدي

ولابي فرعون الشاشي(6) يخاطب بعض الحجاج :
يا خيـر ركب سلكوا طريقا ويممـوا مكـة والعقيقا
وأطعمـوا ذا الكعك والسويقا والخشكنان اليابس الرقيقا(7)

وللشريف الرضي (ره) يذكر العقيق(8) :
شموس قبـاب قد رأينا شروقها فياليت شعري أين منا أفولها
تعالين عن بطن العقيق تيامنا يقومها قصد السرى ويميلها

(3) الوأواء . هو محمد بن أحمد (او ابن محمد) الغساني الدمشقي . شاعر مطبوع حلو الالفاظ . كان في مبدأ أمره مناديا بدار البطيخ في دمشق . توفي حدود 385 هجـ . طبع ديوانه بعناية المجمع العلمي بدمشق .
(4) انظر الملك المؤيد ـ البلدان ـ ص 82 طبع باريس .
(5) السرو بفتح السين وسكون الراء والواو . شجر قويم الساق حسن الهيئة الواحدة منه سروة .
(6) هو الهشيم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي . محدث ما وراء النهر ومؤلف «المسند الكبير» اصله من مرو . وكان مقامه في بخارى توفي 335 هجـ .
(7) الكعك والخشكنان من انواع الخبز تصنع من دقيق البر .
(8) هو ابو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) ولد ببغداد سنة 359 اشعر الطالبيين بل انه اشعر قريش ديوانه طبع عدة طبعات توفي سنة 406 هجـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 30

وقال أيضا :
وهل لخـشيـف بالعقيـق عـلاقـة بقلبي ام ذا بنت غير مدان
وله أيضا : هل ناشد لي بعقيق اللوى غزيلا مـر علـى الركب

وللطغرائي(9) . يذكر العقيق :
فياسر وتي وادي العقيق سقـاكما وان لم تظلاني الغمــام الرواجس

ولابن سنان الخفاجي(10) في العقيق :
يا حبذا ذات الاجارع منزلا وجوارنــا قبل العقيق جوارا

وللامير شكيب ارسلان(11) يذكر العقيق :
ما بين غزلان العقيـق وبـانـه حرب بها بطل الهوى كجبانه
حرب تضرم بالحضيض سعيرها ولجاجها بالجزع فوق رعانه
عشت بعشاق العقيـق واوغلـت فدماؤهم تربى علـى غدرانه
لم يرهبوا باسـا لقـاء اسـوده فابادهم حتـفـا لقا غزلانـه
يا زائرا تلـك الـربوع وسائرا بعراصها الفيحاء في ركبـانه
ان تنزلن سفـح العقيق فاشرفن واسفح عقيق الدمع مع عقيانه
وتأملن صنـع الهـوى بفريقه فاذا رضيـت فبعد ذلك عانه
سبحان من خلق الفؤاد وطامه ابدا على حب الحمى وحسانه

قال أهل السير : ولما اجتاز الحسين (ع) وادي العقيق واصل سيره الى ذات عرق .

(9) هو مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد الاصبهاني قتل سنة 513 وقيل 514 هجـ .
(10) هو عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي صاحب سر الفصاحة في اللغة . وفاته سنة 466 هجـ فمن شعره في بني امية :
يا امة كفرت وفي افواهها القرآن فيه ضلالها ورشادها
اعلى المنابر تعلنون بسبه وبسيفه نصبـت لكم أعوادها
تلك الخلائق بينكـم بدرية قتل الحسين وما خبت أحقادها
(11) من ديوانه المطبوع بمطبعة النار بمصر .
الحسين في طريقه الى الشهادة 31

(ذات عرق) . موضع مهل أهل العراق أيضا . وهو ا لحد بين نجد وتهامة . وقيل : عرق . جبل بطريق مكة . ومنه ذات عرق . قال الاصمعي : ما ا رتفع من بطن الرمة فهو نجد الى ثنايا ذات عرق . وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق . قال ابن عيينة : اني سألت أهل ذات عرق . أمتهمون ام منجدون ؟ فقالوا ما نحن بمتهمين ولا منجدين نحن أهل الغور . وكانت ذات عرق في الجاهلية بها أبيات قليلة . فلما كثر الناس تحولت . وبنى المهدي العباسي بها مسجد المحرم . ولقد وقت النبي (ص) لاهل العراق ذات عرق . وقيل وقت لاهل البصرة ذات عرق ، وعن كيس بن يحيى عن أبيه . قال : أقبل النبي (ص) حتى أشرف على بنية مسجد النجد فصلى به . وأشرف على قرية ذات عرق . وكان يقال لها ـ رهاط ـ فوقفت ناقته فضرب عصاه فأنبط عينا فهي تسقي الآن وداي النخل برهاط . وأثر ناقته في صفا . ثم جانب العين من ذات عرق على ليلة مما يلي القبلة . قطاع لال الزبير . ولمحمد بن يوسف الجعفري . وعينهم تسمى عين النبي (ص) . ودون ذات عرق بميلين ونصف . مسجد للنبي (ص) . وهو الميقات للاحرام . وهو أول تهامة . سمي هذا المسجد نجدا . والمسجد الذي في ذات عرق الكبير فيه المنبر ، والى جنب ذات عرق «الحربة» سميت بعرق الجبل . فاذا صرت عند الثامن من البريد رأيت بيوت الحربة في الجبل . وهناك بئر للاعراب يمنة الطريق . واهل ذات عرق يسمون الجبل كله ذات عرق(12) وذكـر الازرقـي(13) قال : ذات عرق في طريق العراق . وهي الطريق التي يقال لها اليوم «الطريق الشرقي» وذات عرق مندثرة . ويحرم الحاج من «الخريبة» التي تسمى اليوم «الخريبات» وهي بين المضيق ووادي العقيق ـ عقيق الطائف ـ وذكروا : أول تهامة من قبل نجد . مدارج ذات عرق . قال بعض أهل ذات

(12) عن المخطوط .
(13) انظر محمد بن عبد الله بن احمد الازرقي . اخبار مكة ج 2 ص 251 طبع مصر .
الحسين في طريقه الى الشهادة 32

عرق : شعرا
ونحن بسهب مشرف غيـر منجد ولامتهم فالعين بالدمع تذرف(14)

وذكر محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) ذات عرق في أبيات . قالها وهو في سجن المتوكل العباسي بسر من رأى . قال(15) :
الم يحـزنك ياذلـفـاء اني سكنت مساكن الامـوات حيا
وان حمائلي ونجـاد سيفـي علون مجدعا أشـرا سنيـا
فقصرهن لمـا طلـن حتى آ ستوين عليه لا امسي سويا
أما والراقصات بذات عرق تؤم البيت تحسبـهـا قسيا
لو أمكنني غداتـئـذ جلاد لالفوني به سمحـا سخيـا

ومحمد هذا . قال ابو الفرج الاصفهاني(16) حبس بسر من رأى مدة . ثم اطلق وأقام بها سنين حتى مات رحمه الله .
وقال ابو نهشل يعاتب صديقا له بشعره ويذكر ذات عرق(17) :
أما والراقصات بذات عرق ورب البيت والركـن الــوثيق
لقد أطلقت لي تهمـا أراها ستحملني على مضض العقـوق

وقال آخر :
كأن المطايا لم تنخ بتهامة اذا صعدت من ذات عرق صدورها

ذكر الهمداني(18) قال : من بستان بن معمر الى ذات عرق أربعة وعشرون ميلا وعرض ذات عرق احد وعشرون جزءا وثلثا جزء .

(14) السهب بضم اوله . من الارض البعيد المستوى جمعها سهوب .
(15) انظر أبي الفرج الاصبهاني . مقاتل الطالبيين ص 609 طبع مصر .
(16) انظر ابي الفرج الاصبهاني . مقاتل الطالبيين ص 600 طبع مصر .
(17) انظر ابن قتيبة . عيون الاخبار ج 3 ص 28 طبع مصر .
(18) انظر الحسن بن احمد الهمداني صفة جزيرة العرب ج 1 ص 185 طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 33

وذكر المؤرخون انه لما وصل الحسين (ع) بركبه ذات عرق . لقيه بشر بن غالب . واردا من العراق فسأله عن أهلها . فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني امية . فقال الحسين : صدق اخو بني اسد . ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . وما زال عليه السلام يواصل سيره حتى اتى «غمرة» .
وغمرة مرّ بهــا ومُسلح ثمّ افيعيّة فيهـا ما ونى

(غمرة) بفتح أوله وسكون ثانيه . وهو منهل من مناهل الطريق ومنزل من منازلها وهو فصل بين تهامة ونجد . وكان به يوم من أيامهم . وهي التي عناها الحارث بن ظالم المري بقوله :
واني يوم غمرة غير فخر تركت النهب والاسرى الرغابا

وهناك موضع يقال له (غمرة) في الجهة الشرقية من نجد وهي التي عناها الشمردل بن شريك بقوله :
سقى جـدنا أعراق غمرة دونه ببيشة ديمات الربيع هواطله
ومابى حب الارض الا جوارها صداه وقـول ظن انى قائله

وهي التي عناها عمرو بن قيس المرادي بقوله :
الأ يــا بيت بالعلياء بيت ولـولا حـب أهلك مـا أتيت

الى قوله :
وحـى نـازليـن وهـم جميـع حذار الشـر يـوما قد دهيت
وقد علـم المعـاشـر غير فخر باني يوم غمـرة قـد مضيت
فوارس من بني حجـر بن عمرو واخرى من بني وهب حميت
متى مـا يأتني يومـي تجـدني شبعت من اللذاذة واستـقيـت

وهناك موضع رابع يقال له (غمرة) في جهة خيبر على مسافة يوم او اكثر شمالا ، وتسمى عقيلة غمرة .
وذكر في المخطوط . أن وجرة. بازاء غمرة . قال الاعشى :
ظبية من ظباء وجرة أدما ء تسف الكيال تحت الهدال

الحسين في طريقه الى الشهادة 34

قال الحسن الهمداني(1) ومناهل الطريق العقبة . وسميراء . وفيد والنقرة . والحاجر والعمق . وافيعية . والمسلح . وغمرة ، وغمرة في بلاد غنى . قال الطفيل :
جنبنا من الاعراف أعراف غمرة وأعراف لبني الخيل يا أم مجنب

قال الحسن الهمداني(2) كما ان حرش ماء لغنى كذلك . الفلج . وسمسم . وتبان . وجدود مياه لغنى . ومن غمرة الى ذات عرق عشرون ميلا . وعرض غمرة اثنان وعشرون جزءا هكذا ذكره الهمداني(3) . وعلى ثمانية اميال من غمرة عند الحادي عشر من البريد يسرة . وقبل البريد ـ ام خرمان ـ ومنه يعدل أهل البصرة . وهو الجبل الذي عليه علم ومنظرة وعنده بركة أوطاس وآبار ومنازل . ـ وأم خرمان ـ امرأة كانت في هذا الموضع يسمى ذلك الجبال بها . وأوطاس الذي قسم النبي (ص) عندها غنائم خيبر حين رجع من الجعرانة . وعند أوطاس قصور وأبيات وحوانيت . وبركة عن يسارها . ويقال ان النبي (ص) كان يرضع في تلك الناحية . وثم مسجد يقال له مسجد عائشة . بناه عبد الصمد بن علي فاذا انحدرت منه صرت الى تهامة ، ذكر ابن بليهد ـ غمرة ـ عند ذكره ـ غمار قال هذا الاسم ـ اي غمار ـ يطلق على موضعين احدهما جبل محاذ بلد سميراء من الجهة الجنوبية على حدود بني أسد ويقال له اليوم ـ الغيمار ـ وهو جبل أحمر شاهق الى السماء وتصطاد منه الصقور . وبه مياه كثيرة . وهناك ماءة يقال لها غمرة وظنى انها التي عناها زهير في هذين البيتين :
دعوا ما دعوا من ظمئهم ثم أوردوا غمارا تسيل بالرماح وبالدم
فقضوا منايا بينهـم ثـم اصـدروا الى كلاء مستـو بل متوخم

وهي واقعة في بلاد غطفان شمالي النقرة على مسافة يوم . وقد اغزى

(1) انظر الحسن بن احمد الهمداني صفة جزيرة العرب ج 1 ص 142 طبع ليدن .
(2) انظر الهمداني صفة جزيرة العرب ج 1 ص 174 و177 طبع ليدن .
(3) انظر الهمداني صفة جزيرة العرب ج 1 ص 185 طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 35

رسول الله (ص) عكاشة بن محصن حتى وصل غمرة ، وهي باقية بهذا الاسم الى هذا العهد(4) . قلت ولما رحل الحسين (ع) من غمرة قصد مسلحا .
(مسلح) . بضم الميم وسكون السين واللام . قال ابن اسحاق . في غزوة بدر . فلما استقبل رسول الله (ص) الصفراء . وهي قرية بين جبلين . فسأل (ص) عن جبليهما . ما اسماهما . فقالوا هذا مسلح وهذا مخرئ . فكره (ص) المرور بينهما . فسار ذات اليمين . قال المقدسي(5) من غمرة الى مسلح ثمانية عشرة ميلا(6) ومثله ذكر الحسن الهمداني(7) قال : ومن غمرة الى مسلخ سبعة عشر ميلا وعرض مسلح اثنان وعشرون جزءا وفي المخطوط . عن عبد الرحمن بن ابي بكر . قال : كان ـ المسلح ـ أو له لبني سليم . وكان الحاج ينزلون ـ البعث ـ ويسلكون أسفل المسلح بينه وبين الجهة المشرقية . وكان أول من نزل هذا الحائط . عيسى بن علي العباسي . فحفر به بركة . يقال لها بركة عيسى ، وبنى هناك قصرا . ثم ورد عليه أبو جعفر المنصور . فطلب منه البركة أن يهبها له . فقال : انها صدقة على ابن السبيل . وهي بأسفل المسلح . فلما ابى أن يهبها له استشار على بلد يحفر فيه بركة . فأشاروا عليه ببطن الوادي . فحفر بركة تعرف ببركة ـ أمير المؤمنين ـ وقلب الطريق من البعث الى المسلح فحول به القرية وعمرت . فغالبة القريش لواد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابي بكر . ولبني سليم وغيرهم . وقيل ان المهدي . طلب من عيسى ذلك . وبالمسلح قصر ومسجد وبه بركة مربعة لها مصفاة وسط الطريق وتعرف بمسرور الخادم حيال القصر . وبئر من آبار السلطان حلوة الماء . ومن قلب الاعراب عشرون قليبا . وبئر حفرت في خلافة المتوكل العباسي . تعرف ببئر المعلى الى جانب البركة التي لمسرور ، وبين

(4) انظر ابن بليهد ـ صحيح الاخبار ـ ج 1 ص 116 .
(5) انظر محمد بن احمد المقدسي أحسن التقاسيم .
(6) وفي المخطوط من مسلح الى غمرة سبعة عشر ميلا .
(7) انظر الحسن بن احمد الهمداني . صفة جزيرة العرب ج 1 ص 185 طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 36

افيعية وغمرة طريق يختصره من لا يريد المسلح . يعدل من غمرة على احد عشر ميلا عند الميل المكتوب عليه اربعة من البريد . وعلى ستة اميال من المسلح ، ويخرج عند الميل الذي عليه خمسة من البريد . قبل المسلح خمسة اميال يسقط من الطريق . ثلاثة أميال . وعلى تسعة اميال من المسلح يمنة عن الطريق بركة . يقال لها المعتق ـ وتدعى بركة عواذل وآكام صغار ، فالحسين (ع) قطع في طريقة الى العراق . من المسلح الى الافيعية احد هذين الطريقين حتى وصل الافيعية .
(افيعية) . بالضم . ثم الفتح والعين المهملة . وهي منهل لسليم . من أعمال المدينة في الطريق النجدي الى مكة من الكوفة . حدث عبد الله بن عمرو عن يعقوب بن حذيفة السلمي . قال : سميت الافيعية لكثرة حياتها الافاعي . قال : وبها بركة مربعة . تعرف ببركة الوادي . وبركة مدورة . وهي أعلى الجبل على مقدار ميل الى المنزل تسمى بركة ـ هرار ـ ولها مصفاة . وبالافيعية آبار لجماعة . وهي غليظة الماء . فالحسين (ع) تابع سيره من الافيعية هذه الى معدن بني سليم .
وبعدها جاء لمعدن الذي قيـل الى بني سليم يُنتمى

(معدن) بفتح الميم وسكون العين) . يقال له معدن ـ فران ـ ومعدن ـ بني سليم ـ وهو منسوب الى فران بن بلى بن عمرو بن الخفاف بن قضاعة . نزلت على بني سليم فدخلوا فيهم وصاروا منهم . فكان يقال لهم . بنوا القين . فلذلك قال خفاف بن عمرو :
متى كان للقينين قين طمية وقين بلى معدن بفران

وقال حاتم بن رباب السلمي :
أتحسـب نجـدا ما فران اليكم يهنك في الدنيا بنجـد لجاهل
أفي كل عـام يضربون وجوهكم على كـل نهب وجهته الكـوامل

أراد أنك لجاهل اذا تحسب ماء فران نجدا . وهنا قصر ماء وهو ممدود ضرورة ومن معدن الى السليلية ستة وعشرون ميلا . وبني سليم هم الذين خاطبهم العباس بن مرداس . لما انصرف من مكة . فقال : يا بني سليم . اني رأيت

الحسين في طريقه الى الشهادة 37

أمرا . وسيكون خيرا . رأيت بني عبد المطلب . كأن قدودهم الرماح الردينية(1) وكان وجوههم بدور الدجنة . وكأن عمائمهم فوق الرجال ألوية . وكان منطقهم مطر الوبل على المحل وان الله اذا اراد ثمرا غرس له غرسا . وان أولئك غرس الله . فترقبوا ثمرته . وتوكفوا غيثه(2) وتفيؤا ظلا له . واستبشروا بنعمة الله عليكم ، ويقال له اليوم مهد الذهب . قريب من سايه الذي لبني سليم أيضا قال في المخطوط . وفي معدن بني سليم قصر ومسجد وبه بركة مدورة زبيدية . وبه آبار كثيرة قديمة وحديثة لها اسماء . وعلى ميلين ونصف من المعدن . المنزل الخرب الذي يقال له ـ ريان ـ كان الرشيد ينزله . وبه قصور له وللقواد والموالي وحوانيت خربة وآبار . وبركة مربعة . وعلى ميل من الريان بركة ومصفاة ومن ريان الى السلق سبعة اميال . والسلق أرض مستوية . ويقال لها الاسلاق . وبها صخرة كبيرة . كان عليها البريد الاول . يقال لها صخرة ريان . وجبل من جانب الغرب ناحية يمنة الطريق مستطيل معه . ومنه الى جبل معترض الطريق . يقال له ـ السويقة ـ (3) أقل من خمسة أميال . فيه أقلبه . ويهبط في قاع سويقة . والعقبة التي تسمى ـ عقبة كراع ـ على احد عشر ميلا من افيعية . وبين العقبتين بركتان احداهما الى جانب الاخرى . وهما المتعشا . وبه قصران كبير وصغير وبئر وابيات وحوانيت . ودون البركتين بميل خشونة وصعوبة وهبوط . وفي آخر المنزل مثل ذلك . زعم علي بن محمد . ان المعدن كان به ذهب كثير يستخرج في قديم الدهر ويحفر عليه في جبل يمنة الطريق للمصعد فعظمت فيه المؤنة . قال علي بن محمد . وتراب البلد مخلوط بالذهب . والذي حملهم على

(1) الرماح الردينية . نسبة الى ردينة . وهي امرأة من العرب كانت تقوم الرماح .
(2) توكفوا غيثه . أي ارتقبوه وانتظروه .
(3) ولعلها تسمى السوارقية اليوم . قال ابن بليهد قرية معروفة الى هذا العهد وموقعها في بلاد عبد الله بن غطفان ورأيت لها ذكر في الجاهلية انها لبني سليم .

السابق السابق الفهرس التالي التالي