الحسين في طريقه الى الشهادة 38

تركه ان المـؤنة اكثر مما يخرج منه . وفي هذا المتعشا حرة يقال لها حرة بني سليم(4) وفي حرة بني سليم ـ حبس سبل ـ والحبس جمعه احباس . فلوق في الحرة تمسك الماء . لو وردت عليها امة لوسعتها . وروى ابو البداح بن عاصم عن ابيه قال : سألنا رسول الله (ص) حدثان ما قدم . فقال اين حبس سبل ؟ فقلنا لا ندري فمر بنا رجل من بني سليم . فقلت له من اين جئت ؟ قال من حبس سبل . فانحدرت به الى رسول الله (ص) فقلت له : زعم هذا ان اهله بحبس سبل فقال : له اخرج أهلك فيوشك أن يخرج منها نار تضئ أعناق الابل منها ببصري(5) قال الهمداني ومن افيعية الى حرة بني سليم ستة وعشرون ميلا وعرض حرة بني سليم ثلاثة وعشرون جزءا ونصف ومن هذا المعدن رحل الحسين بظعنه الى عمق .
وعمق مرّ به وصحبه تحفه كأنهم اسُد الشرى

(العمق) . بوزن زفر موضع على الطريق قال البكري . وهذا المنهل هو واقع في بلاد غطفان(1) قال ابن بليهد وقد اخطأ الفراء بقوله : انه دون النقرة والفراء من أهل بغداد . وعلى تحديده يكون العمق شرقا عن النقرة .. وموضعه الصحيح انه بين النقرة ومعدن بني سليم وهو في بلاد عبد الله بن غطفان معروف . وهو في وسط أملاحها . ولا يعد منها لان ماءه احسن من المياه الذي حوله الاماء الوبرة كأنها اعذب منه ، وعمق منهل معروف الى هذا العهد ، وقال ايضا اختلف علماء المعاجم في عمق . فهذا الاسم يطلق على موضعين احدهما في بلاد غطفان بين املاحها وماؤه عذب . والموضع الثاني في سواد باهلة يقال له ـ عمق ـ قريب منهل يقال له ـ لجع ـ ومنهل يقال له ـ جفر تبران ـ والفرق بينهما ان الواقع في بلاد غطفان منصوب الميم والثاني ساكنة الميم ـ عمق ـ وهذا معروف

(4) كل ما ذكرناه آنفا عن معدن بني سليم مصدره المخطوط .
(5) انظر اين بليهد ـ صحيح الاخبار ـ ج 3 ص 186 .
(6) انظر البكري ج 3 ص 963 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 39

عند جميع أهل نجد باديتها وخاضرتها(2) . وقال الفرآء : وهو دون النقرة . والعامة تقول العمق بضمتين وهو خطأ . وبه قصر ومسجد وبئر تعرف بالخضراء من عمل المنصور لا تنزح . وبئر تعرف بالروحا . من عمل البرامكة . وبئر تعرف . لمحمد بن الفضل التاجر . وبئر تعرف بأبي طاهر الزبيدي . وبئر السدرة ضيقة الرأس . وبئر الحمام وذات القرنين . واخرى تعرف ببئر العلم . وبها بركة نائية عن الطريق مربعة تعرف بنعيم . ومن العمق الى المعدن اثنان وعشرون ميلا . والبريد السادس واربعين قبل الصفحة باربعة اميال . والصفحة على عشرة اميال من المعدن عند المتعشا وهي بركة تسمى الصفحة وهي صفاح شروري مربعة . ويقال لهذا الموضع ـ بهوى ـ واد حسن واسع على ستة اميال من العمق . يسير بين جبلين . يسمى احدهما شروري وهو الجبل الذي فيه الجن وتسير في ارضه لينة انشد بعض الاعراب :
كأنها بين شرورا والعمق وقـد كساها السير حبلا من عرق
نواحة تلوى بجلباب خلق

قالوا زعم جعفر بن الحسين اليقطيني . عن عيسى بن عبيد بن يقطين . قال احتفر يقطين بن موسى بئر العمق من ماله . فخرجت أعذب بئر . فأمر له المهدي بما أنفق عليها فأبى قبوله . وأخبر أنه فعل ذلك لله عز وجل . فسأله المهدي أن يجعل له حظا في أجرها . فجعل له الثلث . قالوا وليس في الطريق أعذب من ماء العمق . وقبل المعدن بثلاثة أميال يمنة موضع يعرف ببستان ام صالح . وام صالح امرأة من أهل المعدن حفرت في هذا الموضع بئرين . واحدثت عليهما بستانا . فاشتراه منها ابن نهيك . ثم قبضها المهدي . وهي ناحية عن الطريق وكان الطريق عليها فحول . لان هذا أقرب بميل(3) ، و(الشرى) مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل . ولقد اجتاز الحسين هذا المنزال ـ العمق ـ الى السليلية .

(2) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الاخبار عما في بلاد العرب من الآثار ـ ج 5 ص 65 .
(3) عن المخطوط .
الحسين في طريقه الى الشهادة 40

وواصل السير بركبه الى ماء السلّيلية وحاديه حَدا

(السليلية) . بفتح اوله وكسر ثانيه . بها آبار عجيبة والماء غير واسع . وقال ابو عبيدة : السليلية . ماء لبني برثن من بني اسد واليه عنى جرير بقوله :
أيجمع قلبـه طـربـا اليكم وهجرا بيت أهلك واجتنابا
ووجدا قد طويت يكـاد منه ضمير القلب يلتهب التهـابا
سألناها الشفاء فمـا شفتـنا ومنتنا المواعـد والخلابا
لشتـان المجـاور دير أروى ومن سكن السليلة والجنابا

ذكر ابن بليهد(1) قال : السليل معروف بهذا الاسم وهو واد واقع في بلاد غطفان أعلاه يقال له (السليلة) وفيه ماءة يقال لها السليلة ايضا وماؤها مر والسليل والسليلة باقيان على اسميهما من الجاهلية الى هذا العهد . وقد اقتتلت عبس واسد في السليل . وقال رجل من بني عمرو بن تعين :
لئـن ختلت بنو عبس بريا بغرته فلـم تخـتل سويدا
قلعنا رأسه بسقـى سـم كلون الملح مذروبا جديدا
فأوجزناهم منه فراحـوا وهم يـوم السليل نعى شهيدا

وعن روح بن حازم عن ابيه عن جده . ان جده كلم السليل بن زيد وادركه بالسليلة . وعن حازم بن قطرى عن أبيه حدثه انها كانت لرجل من بني سليم . يقال له السليل بن زيد بن الحرث بن ذكوان . فسميت باسمه . وكان اول من اقتطنها ومن السليلية الى العمق ثمانية عشر ميلا . وبالسليلية قصر ومسجد . وهي للزبير بن العوام . وبها بركة مربعة ولها مصفاة . وللمصفاة مسيل ماء . وبها من الابار الغليظة الماء المعمولة بالحجارة المنقوشة ست آبار . وعلى أحد عشر ميلا بركة تسمى ضبة . والضبة في واد يسرة عن الطريق مربعة . والى جانبها بئر فيه ماء كثير وبناء خرب . وهو المتعشا . والجبل الذي قبالته . يقال له ذات قرقر(2) ومن السليلية سار الحسين بمن معه الى مغيثة .

(1) انظر محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي ـ صحيح الاخبار ـ ج 1 ص 137 .
(2) عن المخطوط .
الحسين في طريقه الى الشهادة 41

وراح بالمسرى جّداً قاصداً مغيثة فالنقرة ثم الفضا

(مغيثة) . اسم الفاعل من أغاثه يغيثه . اذا أغاثه . يقال : غاث الله البلاد . اذا انزل بها الغيث . منزل في طريق مكة . قال المقدسي : من معدن بني سليم الى ا لمغيثة ثلاثة وثلاثون ميلا . قال الحموي . وكانت اولا مدينة فخربت وشرب أهله ماء المطر . وهي لبني نبهان . ويقال لها مغيثة الماوان ، ذكر ابن بليهد(1) قال ياقوت الجبل الى جانب الصلعاء . وقال ايضا الصلعاء بين الحاجر والنقرة . والذي اعرفه بهذا الاسم موضعين الاولى هضبة صغيرة . يقال لها الصلعاء تحمل هذا الاسم الى هذا العهد وهي بين ماوان والنقرة والموضع الثاني قطعة رمل منقطعة من رمال أعفرية . يقال لها الصلعاء وهي تحمل هذا الاسم الى هذا العهد . وجاء في المخطوط : وبها قصر ومسجد وهي لبني محارث بن حفصة بن قيس بن غيلان وبها بركة ومصفاة وبها خمسة آبار كلها مالحة ، انشد بعض الاعراب :
شربن بالماوان ماء مرا وبالسليل مثله أو شرا(2)

وقال عروة بن الورد :
أقول لقوم بالكنيف تروحوا عشية قلنا عندماوان رزح

وقال امرؤ القيس :
عظيم طويل مطمئن كأنه بأسفل ذي ماوان سرحة مرقب

وهناك موضع . يقال له معدن الماوان لرجل من الاعراب . يقال له مربع . ويقال للجبل المشرف على المعدن ـ سقر ـ والمشرف على جبل يقال له ـ فرعون ـ وقبله بركة زبيدية مدورة يسرة الطريق . وعلى ستة أميال من الماوان بركة تسمى ـ الحيران ـ وهي لحمار اليزيدي مدورة . وهي بين الميل التاسع والعاشر ، وعندها

(1) انظر محمد بن عبد الله ـ صحيح الاخبار ـ ج 3 ص 184 .
(2) وقد ذكر ـ ابن بليهد النجدي هذا البيت بتغيير ، وهو لابي محمد الفقعي .
شربن من مـاوان ماء مرا ومن شبام مثله أوشرا
الحسين في طريقه الى الشهادة 42

بئر رديئة وقباب وخزانة الخالصة . وموضع هذه البركة ثلثي طريق الكوفة من مكة . وخلفها بركة أخرى على عشرة أميال من الماوان تسمى ـ أريمة ـ وهي المتغشا . وتعرف بالكواذع . وأريمة جبل ممتد يمنة الطريق على أرجح من ميل وقبال المتعشا جبل يقال له سنام . وسنام هذا غيره سنام الذي قرب الزبير . ذكر ابن بليهد قال سنام أعرف ثلاثة مواضع . يقال لكل واحد منها سنام اثنان منها في بلاد العرب . والثالث قلعة احدتها المقنع الخارجي . وهي التي عناها مالك بن الريب في قوله حين خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان الى خراسان .
تذكرني قباب التـرك اهلي ومبـدأهم اذا نـزلـوا سنـاما
وصوت حمامة بجبال كش دعت من مطلع الشمس الحماما
فبت لصوتها أرق وباتـت بمنطقهـا تـراجعنـي الكلاما

والموضعان اللذان في بلاد العرب احدهما جبل مجاور لبلد الزبير يقال له ـ سنام ـ وذكروا فيه اخبارا كثيرة اغلبها قريب من الخرافات قالوا : ان بجنبه ماء كثير السافي ولاشك انه ماءة سفوان(3) وقال صاحب معجم البلدان(4) انه او ماء يرده الدجال من مياه بلاد العرب . وذكروا في رواية ثانية انه سار من الحجاز حتى وقف مكانه الان متأخما لبلد الزبير ونباته الذي فيه من نبات جبال الحجاز : القطف . والاذخر والقيا ، كلها موجودة فيه . وقالوا ان ذلك الجبل طريقة وادي الرمة الذي يصب من قريب الحجاز وينتهي قريب الزبير . ولكن هذه خرافات لا يتصورها العقل وقد اختصرناها . وهذا الجبل قريب من الزبير ولم أر فيه اشعارا وهو اشهر الموضعين المعروفين بهذا الاسم الى هذا العهد ، والجبل الثاني جبل صغير له رأس في بلاد غطفان قريب من ماء المرير يقال له سنام هو الذي قال فيه شاعر من غطفان :
شربن من مـاوان ماء مرا ومن سنام مثله او شرا

وللصمة بن عبد الله العشيري قالها وهو مريض في طبرستان ومات بعدها هناك :

(3) انظر ابن بليهد ج 2 ص 55 .
(4) انظر المعجم ج 5 ص 141 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 43

أحقا عباد الله ان لست ناظرا سنام الحمى اخرى الليالي الغوابر
كان فؤادي من تذكـره الحمى واهل الحمى يهفو به ريش طائر

وهذا الجبل من الحميين حمى الربذة وحمى ضربة . وبعد أريمة بنحو من أربعة اميال قباب خربة . ودونها بئر ردية ووراء ذلك أحسا(5) بموضع يقال له ـ الامعر ـ وقبل الربذة بميل بركة ناحية عن الطريق ، وجاء الحسين (ع) بربكه الى مغيثة الماوان ثم غادرها الى النقرة .
(النقرة) . أو معدن النقرة على ما ذكرها المقدسي . والنقرة بفتح النون وسكون القاف . ورواه الزهري بفتح النون وكسر القاف . قال الاعرابي : كل ارض منصبة في وهدة فهي النقرة . وبها سميت النقرة بطريق مكة . التي يقال لها معدن النقرة(6) قال ابو عبد الله السكوني . النقرة ضبطه ابن اخي الشافعي بكسر القاف بطريق مكة يجيئ المصعد الى مكة من الحاجر اليه . وفيه بركة وثلاث آبار بئر تعرف بالمهدي(7) وبئران تعرفان بالرشيد . وآبار صغار للاعراب تنزح عند كثرة الناس . وماؤهن عذب . ورشاؤهن ثلاثون ذراعا ، وبها حصن وماء ضعيف . وموضع وحش هكذا ذكره المقدسي . وعندها مفترق الطريق . فمن أراد مكة نزل المغيثة . ومن أراد المدينة أخذ نحو العسيلة فنزلها . قال ابو المسور :
فصبحت معدن سـوق النقره وما بايـديهـا تحـس فتره
في روحة موصولة ببكـره من بين حـرف بـازل وبكره

قال ابو زياد في بلادهم نقرتان لبني فزاره بينهما ميل(8) وذكر ابن بليهد قال

(5) الاحسا . وهو الماء تنشفه الارض من الرمل فاذا صار الى صلابة امسكته فتحفر عنه العرب فتستخرجه وهو علم لمواضع من بلاد العرب . انظر ياقوت الحموي . المشتركات ص 14 طبع غوتنجن المانيا .
(6) انظر ياقوت الحموي ـ المعجم ـ ج 8 ص 308 .
(7) ذكر السيوطي . انه في سنة احدى وستين بعد الماية . امر المهدي بعمارة طريق مكة . وعمل البرك .
(8) انظر ابن بليهد ج 5 ص 17 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 44

النقرة اقرب ما يكون لها من المناهل الحاجر المشهور بهذا الاسم من العهد الجاهلي الى هذا العهد(9) وفي المخطوط : عن سنان المازني . مازن فزارة . عن ابيه عن جده . ان النقرة الح عليها النقرين ، انه حفر فيها قليبا في زمان عطش في صفا . دل عليها مهندس فنقرت في الصفا حتى أدرك ماءها . فسميت النقرة . وكانت اذ ذاك لبني فزارة . ثم لبطن منهم . يقال لها ربيعة بن عدي بن فزارة . فأما اليوم فباديها لهم وحاضرها لقريش والنجار . وقال في ذلك سويد العبسي :
قد علمت خود تحل الابرقا والنقرتين والقصيم والنقا
انا نداوى بالسيوف الاحمقا

وعن هاشم بن محمد عن ابيه . قال : سمي ذو نقرة بنقرين بن جنادة . احتفرها فنسبت اليه واخوه . الرمة بن جنادة نسبت اليه بطن الرمة . ومن النقرة الى مغيثة الماوان سبعة وعشرون ميلا . وبالنقرة قصر ومسجد وبركتان وآبار . وبها ثمانية أعلام . علمان للدخول . وعلمان للخروج . وعلمان لطريق البصرة وعلمان لطريق المدينة . وعلى ثمانية اميال منها بئر طيبة الماء وآبار مدفنة يسرة عندها قباب حضرتها ـ خالصة ـ بين الميل الثالث والرابع . واذا سال الوادي دخلها . وعلى اثني عشر ميلا منها بركة تدعى ـ السمط ـ وجبل أسود فيه بياض وعند البريد . قبر رجل من أهل الكوفة . يدعى ـ اليزيدي ـ وعلى ثلاثة عشر ميلا من النقرة بركة تقع عن يمين الطريق عند الجبل والقصر تسمى ـ الاقحوانة ـ وهي المتعشا . وعند البريد بئران فيهما ماء غليظ . وبعدها بأربعة اميال بركة الماوان في الوادي عند المتعشا . وقصر ومسجد يسرة الوادي . يقال له ـ بنج ـ والماوان جبل يسرة . وبقرب العلمين في مواضع أحسا صالحة الماء . ومن الطريق يسرة منابت طرفا . وعلى سبعة أميال من المغيثة بركة مدورة خراب يسرة(10) وذكر الرحالة ابن جبير . قال ثم نزلنا يوم الاربعاء خامس رحيلنا

(9) انظر ابن بليهد ـ صحيح الاخبار ـ ج 4 ص 177 .
(10) عن المخطوط .
الحسين في طريقه الى الشهادة 45

بموضع يعرف بالنقرة . وفيها آبار ومصانع كالصهاريج العظام وجدنا أحدها مملوءا بماء المطر فعم جميع المحلة . ولم ينضب على كثرة الاستماحة ، قلت ومنها سار الحسين (ع) مجدا بسيره حتى وافى الحاجر .
والحاجر المعروف منه سيّر الر سول قَيسا ذاك رائد الهدى

(الحاجر) . بالجيم والراء . وهو لغة عند العرب . ما يمسك الماء من شفة الوادي وكذلك الحاجور . وهو فاعل . موضع قرب معدن النقرة . للقادم من العراق . وقال . دون فيد حاجر . يروى عن كعب بن زهير بن ابي سلمى عن أبيه عن جده . ان الحاجر كان اسمه ـ المنيفة ـ وان كان لغنى(1) فغلب عليه الحاجر . وانما سمته الحاجر . غطفان منذ كان في ايام الجاهلية . وقال في ذلك الرجل من بني عبد الله بن عفان . يقال له سليل بن الحرث . كانت له امرأة من بني سحيم بن عبدالله فكأنهم اتهموه أن يكون سب أصهاره فاعتذر من ذلك بقوله :
فمن يذكر بلاد بني سحيم بمقلية فلسـت لمـن قلاها
هم منعوا المنيفة من على وحاجرها وهم أحمو حماها

وذكر ابن بليهد الحاجر قال : خرج وائل بن صريم اليشكري من اليمامة . فقتلته بنو اسيد بن عمرو بن تميم . وكانوا اخذوه أسيرا ، فجعلوا يغمسونه في الركية ويقولون :
يا أيها المائح دلوى دونكا اني رأيت الناس يحمدونكا

حتى قتلوه . ثم غزاهم اخوه باعث بن صريم يوم حاجر وهو موضع بديارهم فقتل منهم ماية وقال :
سائل اسيد هل ثارت بوائل أم هل أتيتهـم بامـر مبـرم
اذ أرسلوني مائحا لدمـائهم فملات تلك الى العراقي بالدم

(1) غنى قبيلة من قبائل العرب .
الحسين في طريقه الى الشهادة 46

ويدل على ان حاجرالمزينة قول زهير بن ابي سلمى او لابنه ضرغام :
اني خلفت برب مكة صادقا لو لا الحياء ونسوة بالحاجر
لكسوت عقبة حلة مشهورة نرد المدائن مـن كلام عائر

وبالحاجر قتل حصن بن حذيفة بن بدر . وذاك انه خرج في غزى من فزارة . فالتقوا في هذا الموضع مع غزى من بني عامر التقاطا فانهزمت بنو عامر . وقتلت قتلا ذريعا وشد كرز العقيلي عن حصن رئيس بني فزارة فقتله . وقال شاعرهم :
يا كرز انك قد فتكت بفارس بطل اذا هاب الكماة مجرب

وقال عيينة بن حصن هذا قد نهى عمر بن الخطاب (رض) أن يدخل العلوج المدينة . وقال كأني برجل منهم قد طعنك هنا . ووضع يده تحت سرته . وهو الموضع الذي طعن فيه . فلما طعنه ابو لؤلؤة لعنه الله . قال : ان بين النقرة والحاجر لرأيا . قال ابن بليهد . حاجر منهل ماء أعرفه الى هذا العهد قريب النقرة التي بها المعدن المشهور وهو يحمل هذا الاسم الى هذا العهد(2) .
وذكر ابن سنان الخفاجي الحاجر بشعره . فقال في صباه :
تروح بنجد تغصب الذئب زاده وقومك بالروحاء في المنزل الرحب
ومـا ذاك الانـفحة حـاجرية هويت لها عيش الا عاريب والجدب
وقوله ايضا بذكر الحاجر :
ماذا على الناقة من غرامة لو أنه أنصف أو رثى لها
أراد أن تشرب ماء حاجر أريها يطلـب أم كـلالها
فعللوهـا بحديـث حاجر ولتصنع الفلاة ما بدا لها

ولابن الخياط . يذكر الحاجر :
الاحبذا عهد الكثيـب ونـاعم من العيش مجرور الذيول لبسناه
ولله واد دون من ميثاء حاجر تصح اذا اعتـل النسيـم خزاماه

(2) محمد بن عبد الله بن بليهد ـ صحيح الاخبار ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 47

ولفضيلة السيد عباس شبر . قاضي لواء العمارة اليوم يذكر الحاجر :
حجر الكرى تذكار حاجر عن مقلتى والذكر حاجر
أو ترتجى الغمض الجفو ن وتبتغي النوم المحاجر

ولعبد المحسن الكاظمي (ره) يذكر الحاجر :
كم بالقبيبات على حاجر من قمر باد ومن حاضر

الى قوله :
فدى لعينيك عيون المها من رمل نجران الى حاجر

حدث عبد الله بن ابي سعيد الوراق : قال : حدثني علي بن محمد بن سليمان الهاشمي قال : حدثني ابي . قال : نزلنا النابغة . وهو غلام لم يبلغ الحلم مع عمه الحاجر وهو ماء لنمر جاهلي . على طريق الكوفة . فاخذ عمه سقى ابله ومضى النابغة بفخ ينصبه لقنابير رآهن والفخ عليه حبا . فأقبلن يجسن فليقطعن ما حول الفخ ويهبن الفخ فلا يدنون منه فقال :
قاتلكـن الله مـن قنابر مهذبات في الفـلا نـوافر
فلا سقيتن بغيث ماطر ولا رعيتن بصوب الحاجر

وقال علي بن محمد الشاعر :
أقول لصاحبي والعيس تسرى بنا بين المنيفة والغـمار(3)
تمتـع مـن شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار(4)
وبين قفـارها تقـف المطايا فان العيس تحبس بالقفار

(3) وادي الغمار هو الوادي المجاور لبلد سميراء من جهة الجنوب . شرقي سلمى وفيد قال الشاعر :
فما عن قلى سلمى ولا بغضى الملا ولا العبد من واد الغمار تمار
ولزهير يذكر غمار بقوله :
رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم اوردوا غمارا تسيل بالرماح وبالدم
(4) العرار : بهار البرية . وهو نبت نجدى : قال الشاعر يذكر العرار :
أشاقتك البوارق والجنوب ومن علوى الرياح لها هبوب
أتتك بنفحة من شيح نجد تضـوع والعرار بها مشوب
الحسين في طريقه الى الشهادة 48

وجاء في المخطوط ومن الحاجر الى النقرة سبعة وعشرون ميلا ونصف . وطريق العشيرة يعدل المنحدر من الحاجر يمنة حتى يخرج الى الاجفر . وان أحب أن يدخل فيدا . خرج من البريد الذي قبل فيد بستة اميال . وبالحاجر بركة مربعة يمنة عن الطريق على ميل من المنزل وبئران يعرفان بالمهديين من آبار المهدي . عليهما حوض . وبئران يعرفان بالحرشى . وبئران يعرفان برماح . وبئر تعرف بالضربة وحسى وطوى يعرف بالصيري . وبئر بحضرة الحصن يعرف بالمثلثة ضيقة الرأس . وبئر يعرف بالكرادية . وبها سوى ذلك من الاحسا المطوية . مما احدث في خلافة المتوكل ثلثة احسا . ومن الاحسا التي غير مطوية ماية حسا . وآبار قريبة الماء والوادي الذي يسبق الحاجر بطن رمة في طريق المدينة . وهو ايضا يخرج الى قريب النباح . ومن حفر فيه ذراعين وجد الماء . والبريد الخارج يقال له بريد ـ اكمة المسرف ، والمسرف بموضع يقال له ـ القاطة ـ وبها قباب دارسة وخزانة يمنة الطريق لخالصة وبعد الحاجر بميلين اكمة يقال لها . اكمة العشرق . كان عندها البريد السادس والثلاثون لحاج بغداد(5) . ومن هذا الحاجر سير الحسين (ع) رسوله قيس بن مسهر الصيداوي(6) بكتاب الى اهل الكوفة . وفي رواية بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر(7) ولم يأته آنذاك خبر مقتل مسلم بن عقيل ـ ابن عمه ـ وقتئذ واكثر ارباب السير ينصون على أن الذي أرسله الحسين (ع) من الحاجر الى أهل الكوفة . هو قيس ابن مسهر الصيداوي . وكتب معه كتابا يقول فيه . بسم الله الرحمن الرحيم . من الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) الى اخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام

(5) انظر شهاب الدين . ياقوت بن عبد الله الحموي المتوفى 626 ـ المشترك ص 206 طبع غوتنجن المانيا .
(6) هو قيس بن مسهر الصيداوي مر ذكره .
(7) كل منهم ارسله الحسين (ع) لاهل الكوفة وكان عبد الله بن يقطر صحابيا . وكان لدة الحسين (ع) ـ واللدة الذي ولد مع الانسان في زمن واحد لان يقطر كان خادما عند رسول الله وكانت زوجته ميمونة في بيت امير المؤمنين . فولدت عبد الله قبل ولادة الحسين بثلاثة ايام . وكانت حاضنة للحسين (ع) فلذلك فهو أخ للحسين (ع) من الرضاعة ـ انظر الجزرى . اسد الغابة .
الحسين في طريقه الى الشهادة 49

عليكم . فاني أحمد اليكم الله الذي لا اله الا هو . اما بعد . فان كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا . فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الاجر . وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة ـ يوم التروية ـ فاذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في ايامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ذكر الشيخ المفيد (ره)(8) قال : فأقبل قيس بن مسهر الصيداوي يجد السير حتى اذا انتهى الى القادسية(9) وكان ابن زياد . قد بلغه قدوم الحسين (ع) الى

(8) انظر الشيخ المفيد (ره) ـ الارشاد ـ .
(9) القادسية . قيل سميت بقادس هراة . قال المدايني : كانت القادسية تسمى قديسا وروى ابو عينية . قال : مر ابراهيم الخليل (ع) بالقادسية فراى زهرتها . ووجد هناك عجوزا فغسلت رأسه . فقال قدست من أرض فسميت القادسية . وبهذا الموضع كانت وقعة القادسية بين المسلمين والفرس في ايام عمر بن الخطاب (رض) في سنة ستة عشر من الهجرة . وقاتل المسلمون يومئذ . وسعد بن ابي وقاص قائدهم في القصر ينظر اليهم . فنسب الى الجبن . فقال : رجل من المسلمين :
ألم تر ان الله انزل نصره وسعد بباب القادسية معصم
فابنا وقد أمت نساء كثيرة ونسوة قيس ليس فيهـن آيم
والقادسية قرية بها الامام المستعين وبها الحارث بن مضرس وسعد بن عبيد ، انظر علي بن ابي بكر الهروي . المتوفى بحلب 611 ، الاشارات ص 84 طبع والقادسية مدينة على شفير البادية صغيرة ذات نخل ومياه ويزرع بها الرطاب الكثيرة ويتخذ منه القت علفا لجمال الحاج وغيرها وليس للعراق بعدها من ناحية البادية وجزيرة العرب ماء يجري ولا شجر ، انظر صورة الارض لابن حوقل ص 240 طبع ليدن الخ . ومن القادسية الى الكوفة مرحلتان . ومن القادسية الى مدينة السلام ـ بغداد ـ احد وستون فرسخا . ومن القادسية الى العذيب . وهي اول خط البادية ستة أميال انظر الشريف الادريسي . نزهة المشتاق ج 1 ص 138 طبع اوربا . وقال عبد المؤمن . القادسية قرية بالكوفة . من جهة البر بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا . وبينها وبين العذيب أربعة أميال . عندها كانت الوقعة العظمى بين المسلمين وفارس . قتل فيها اهل فارس وفتحت بلادهم على المسلمين . وكان سعد في قصر هناك هو واهله . وكان به دماميل قد منعته من الجلوس والركوب . فكان في أعلا القصر منبطحا على وجهه يشرف عليهم وله تحت القصر من يبلغهم أمره وتدبيره لهم ـ انظر فصي الدين عبد المؤمن . مراصد الاطلاع ج 2 ص 3767 طبع اوربا .
الحسين في طريقه الى الشهادة 50

العراق . وقد ارسل الحصين بن نمير مدير شرطته الى البادية . ونظم الخيل والمسالح ما بين القادسية الى خفان(10) وما بين القادسية الى القطقطانية(11) وقال للناس : هذا الحسين (ع) يريد العراق . قال : وعندما انتهى قيس الى القادسية . القى الشرطة عليه القبض وجيء به الى الحصين بن نمير . فاخرج قيس الكتاب ومزقه بأسنانه . فبعث به الحصين الى الكوفة . ولما مثل بين يدي ابن زياد . سأله عن اسمه وعن الكتاب . فقال : اسمي قيس والكتاب من الحسين ابن علي بن ابي طالب (ع) قال : لمن ؟ قال : الى جماعة من أهل الكوفة . فقال : له اذن لم خرقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه . فقال والله لا تفارقني حتى تخبرني باسماء القوم أو تصعد المنبر فتسب الحسين وأباه . فقال : اما القوم فلا اخبرك باسمائهم واما السب فأفعل ـ وحاشاه ـ فأمر بصعوده المنبر فلما تسنم قيس المنبر . حمد الله واثنى عليه . وذكر النبي (ص) فصلى عليه . ثم قال : ايها الناس أنا رسول الحسين اليكم . وقد خلفته بموضع كذا وكذا فأجيبوه . والحسين كما تعلمون خير خلق الله وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) . ثم انه لعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن يزيد بن معاوية وترحم على علي (ع) واصحابه . فلما سمع ابن زياد منه ذلك صاح انزلوه من على المنبر فانزلته الشرطة . ثم أمرهم فصعدوا به فوق القصر ورموه من أعلا القصر الى الارض فتقطع . ويروى انه وقع على الارض مكتوفا فتكسرت عظامه وكان به رمق الحياة . فجاء اليه رجل . يقال له ـ عبد الملك بن عمير اللخمي ـ فذبحه فقيل له في ذلك وعيب

(10) خفان . بالخاء المعجمة . والفاء المشددة والالف والنون . موضع فوق الكوفة قرب القادسية قال ابو عبد الله السكوني : خفان من وراء النسوخ على ميلين او ثلاثة . عين عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي . وقال البكري : خفان وخفية اجمتان قريبتان من مسجد سعد بن ابي وقاص بالكوفة وانشد :
من المحميات الغيل غيل خفية ترى تحت لحييه الفريس المعفرا
(11) القطقطانية . قال ابو عبد الله السكوني . القطقطانية بينها وبين الرهيمة مغربا نيف وعشرون ميلا اذا خرجت من القادسية تريد الشام . ومنه الى قصر مقاتل . وقال ياقوت في معجمه ورواه الازهري . بالفتح . موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف كان به سجن النعمان .

السابق السابق الفهرس التالي التالي