المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة138

المجلس الثاني : في الرثاء

لا ريب في جواز رثاء موتى المؤمنين ، لأصالة الإباحة ، وعدم الدليل على خلافها(1) وقد رثي آدم ولده هابيل ، واستمرت على ذلك ذرّيّته إلى يومنا هذا بلا

=
قد أوهنت جلـدي الديـار الخالية من أهلهـا ما للـديـار وماليـة
ومتى سألت الـدار عـن أربابها يعد الصـدى منهـا سؤالي ثانية
ومعالم أضحـت مآتـم لا تـرى فيها سـوى ناع يجـاوب ناعية
كانت غياثـاً للمنوب فأصبحـت فلجميع أنواع النـوائـب حاوية
ورد الحسـين إلى العراق وظنهم تركوا النفاق اذ العراق كما هية
قست القلـوب فلـم تمـل لهداية تباً لها تيـك القـلـوب القاسية
ما ذاق طعم فراتهـم حتى قضى عطشاً فغسّل بالـدمـاء القانية
لابن النبي المصطفـى ووصيه وأخي الزكي ابن البتول الزاكية
تبكيك عينـي لا لأجـل مثوبة لكنّما عينـي لأجلـك باكيـة
تبتل منكم كـربـلا بـدم ولا تبتل مني بالـدمـوع الجارية
أنست رزيتـكـم رزايانا التي سلفت وهونت الرزايـا الاتية
وفجائـع الأيـام تبقـى مـدةً وتزول وهي الى القيامة باقية
لهفي لركب صرّعوا في كربلا كانت بها آجالهـم مـتـدانين
نصروا ابن نبيّـهم طوبى لهم نالوا بنصرته مـراتب سامية
(1) قال رحمه الله : لكن الذي يظهر من القسطلاني ـ في باب رثي النبي سعد بن خولي ص 318 من الجزء 30 من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ـ انّ جماعة يفصلون القول في الرثاء فيحرّمون منه ما اشتمل على مدح الميّت وذكر محاسنه الباعث على تحريك الحزن وتهييج اللوعة ، ويبيحون منه ما عدا ذلك ، والحقّ إباحته مطلقاً الا إذا اشتمل على الباطل ، إذ لا دليل على الحرمة ، والنهي الذي يزعمون انّما يستفاد منه الكراهة في موارد اُخر ليست موضوع بحثنا ، على انّ النهي غير صحيح عندنا .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة139

نكير .
وأقرّ رسول الله صلى الله عليه وآله عليه اصحابه مع اكثارهم من تهيج الحـزن به ، وتفنّنهم في ذلك بذكر مدائح الموتى في أخلاقهم وأفعالهم(1) .
ولمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله تنافست فضلاء الصحابة في رثائه .
فرثته بضعته الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام بأبيات تهيج الأحزان ، ذكر القسطلاني منها هذين البيتين :
ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت عليَّ مصائب لو أنّها صبّت على الأيّام صرن لياليا

(1) قال رحمه الله : تلك مراثيهم في كتب الأخبار ، فراجع «الاستيعاب» ان أردت بعضها أحوال سيد الشهداء حمزة ، وعثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وشمّاس بن عثمان بن الشريد ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وأبي خرّاش الهذلي ، واياس بن بكير الليثي ، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم .
ولاحظ من «الاصابة» أحوال ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب ، وأبي زيد الطائي ، وأبي سنان بن حريث المخزومي ، والأشهب بن رميلة الدارمي ، وزينب بنت العوّام ، وعبد الله بن عبد المدان الحارثي ، وجماعة آخرين لا يحضرني أسمائهم ، ودونك كتاب (الدرّة في التعازي والمراثي) وهو في أوّل الجزء الثاني من العقد الفريد تجد فيه مراثي الصحابة ومن بعده شيئاً كثيراً .
وإذا تتبّعت كتاب «اُسد الغابة» تجد الكثير من مراثي الصحابة ، وليس شيء ممّا أشرنا إليه الا وقد اشتمل على ما يهيج الحزن ، ويجدّد اللوعة بمدح الميّت بالحقّ ، وذكر محاسنه بالصدق .
أقول : وقد فصّلنا الكلام في كلّ ما ذكره المصنّف رحمه الله في مقدّمة الكتاب ، فيمكنك مراجعة ذلك للاطّلاع على تلك المراثي وغيرها .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة140

ورثته أيضا بأبيات تثير الأشجان ، ذكر ابن عبد ربّه منها هذين البيتين :
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلها وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا لمـا نعيت وحالـت دونـك الكتب

ورثاه كلّ من عمّته صفيّة ، وابن عمّه أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وأبي ذؤيب الهذلي ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وامّ رعلة القشيرية ، وعامر بن الطفيل وغيرهم .
ومن استوعب الاستيعاب ، وتتبّع طبقات ابن سعد واُسد الغابة والاصابة يجد من مراثي الصحابة شيئاً كثيراً .(1)
وقد أكثرت الخنساء ـ وهي صحابية ذات شأن ـ من رثاء أخويها صخر ومعاوية ـ وهما كافران ـ وابدعت في مدائح صخر ، وأهاجت عليه لواعج الأحزان ، على انّها كانت من الصالحات ، وقد بذلت أولادها الأربعة في نشر الدعوة الإسلامية ، وسرّها قتلهم في هذا السبيل ، وما برحت ترثي أخويها حتى ماتت ، فما أنكر عليها في ذلك أحد .
وأكثر أيضاً متمّم بن نويرة من تهيج الحزن على أخيه مالك في مراثيه السائرة حتى وقف مرّة في المسجد وهو غاص بالصحابة ، واتكأ على سيّة قوسه أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح فأنشد :
نعم القتيل إذ الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا بن الأزور

ثم أومأ إلى أبي بكر فقال مخاطباً له :
أدعوته بالله ثم غدرته هو لو دعاك بذمة لم يغدر

(1) وللاطّلاع أكثر على هذه المراثي ، انظر : المقدّمة الزاهرة لهذا الكتاب .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة141

فقال أبو بكر : والله ما دعوته ، ولا غدرته ، ثمّ قال متمّم :
لنعم حشو الدرع كان وحاسراً ولنعم مأوى الطارق المتنوّر
لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه حلـو شمائله عفيف المأزر

وبكي حتى انحط عن سية قوسه .
قالوا : فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء ، فما أنكر عليه في بكائه ، ولا في رثائه منكر ، مع ما في بكائه ورثائه من المغازي السياسية ، بل قال له عمر : لوددت انّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثي متمّم بعدها زيداً فما أجاد .
فعاتبه عمر بقوله : لِمَ لَم ترث أخي كما رثيت اخاك ؟
فقال : إنّه والله ليحرّكني لأخي ما لا يحرّكني لأخيك .
واستحسن الصحابة والتابعين ومن بعدهم مراثيه في مالك ، فكانوا يتمثّلون بها إذا اقتضى الأمر ذلك ، كما فعلته عائشة إذ وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن فبكت عليه وتمثّلت بقول متمّم :
وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلمّـا تفرّقنا كأنّي ومالكاً لطـول اجتماع لم نبت ليلة معا

وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين في كل عصر ومصر لا يتناكرونه .
وحسبنا دليلاً على استحبابه في مآتمنا ما رواه أصحابنا عن زيد الشحّام قال : كنّا عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام نحن وجماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفّان فقرّبه الإمام وأدناه ، ثم قال : يا جعفر بلغني انّك تقول الشعر في الحسين وتجيد .

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة142

قال : نعم جعلت فداك .
قال : قل ، فأنشدته :
ليبك علـى الإسـلام من كان باكياً فقد ضيعت أحكـامـه واستـحلّت
غــداة حسيـن للرمـاح دريئـة وقد نهلت منـه السيـوف وعلـّت
وغـودر في الصحراء شلواً مبدداً عليه عتاق الطيـر بـاتـت وظلّت
فمـا نصرته اُمّة السـوء إذ دعا لقد طاشت الأحلام منهـم وظـلّت
وما حفظت قرب النبي ولا رعت وزلّت بهـا أقـدامهـا واسـتزلّت
أذاقتـه حـرّ القـتـل امّة جـدّه فتبـّت أكـف الظالميـن وشلّـت
فلا قدّس الرحـمـن امـّة جـده وإن هي صـامت للإله وصـلـّت
كما فجعت بنت الرسـول بنسلها وكانوا كماة(1) الحرب حين استقلّت

فبكي الصادق عليه السلام ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ثمّ قال : يا جعفر والله لقد شهدك الملائكة المقرّبون ، وأنّهم لهاهنا يسمعون قولك في الحسين ، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ، وقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنّة وغفر لك .
ثم قال عليه السلام : ألا ازيدك ؟
قال : نعم يا سيّدي .
قال عليه السلام : ما من أحد قال في الحسين شعراً ، فبكى وأبكى الا أوجب الله له الجنّة وغفر له .
وقد نسج جعفر بن عفّان في هذا الرثاء على روي سليمان بن قتّة

(1) كذا في الأصل ، وفي المصدر : حماة .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة143

العدوي(1) ، إذ مرّ بكربلاء لثلاث بعد قتل الحسين وأصحابه ، فنظر إلى مصارعهم ومضاربهم ، فأنشأ يقول ويبكي :
مررت علـى أبـيـات آل محمـد فلم أرهـا أمثـالها(2) حين حلّت
فلا يـبعد الله الـديـار وأهـلـها وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت
وانّ قتيـل الطـفّ مـن آل هاشم أذلّ رقاب المسلمـيـن فـذلـّت
وكانوا غيـاثاً ثم أضحـوا رزيـة ألا عظمت تلك الرزايـا وجـلّت
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة لقتـل حسيـن والبـلاد اقشعرّت
وقد أعولـت تبكـي السماء لفقده وأنجمها ناحت علـيـه وصلّت(3)

(1) في القاموس : قتّة : كضبّة ، اسم (امُ سليمان) بن حبيب المحاربي (التابعي) المشهور يعرف بابن قتّة ، وهو القائل في رثاء الحسين عليه السلام :
وانّ قتيل الطف من آل هاشم أذلّ رقاب المسلمين فذلّت
وهو مولى بني تيم بن مرّة ، توفّي بدمشق سنة 126 هـ ، وينبغي أن يكون أوّل من رثى الحسين عليه السلام ، لأنّه مرّ بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث ليال ، فنظر إلى مضاربهم ، واتّكأ على قوس له عربية وأنشأ يقول : مررت ....
وقيل : إن هذه المرثيّة لأبي الرميح (الزميج) الخزاعي .
انظر : سير أعلام النبلاء 4 : 596 (وذكر انّ قتّة اسم امّه) ، الجرح والتعديل 4 : 136 ، المعجم الأوسط 2 : 457 ، طبقات القرّاء 1 : 314 ، تهذيب الكمال 6 : 477 .
(2) في بعض المصادر : كعهدها ، وقد صحّفت في مصادر اخرى ، فقد وردت في تهذيب الكمال وأنساب الأشراف : «فألفيتها أمثالها ...» وهذا التصحيف متعمّد من أشياع آل أبي سفيان لعنهم الله .
(3) قال رحمه الله : أنشد هذه الأبيات أبو تمام في الحماسة ، والمبرد في الكامل لسليمان بن قتّة ، ونسبها ابن الأثير في آخر وقعة الطف من كامله الى التيمي تيم مرّة قال : وكان منقطعاً إلى بني هاشم ، والظاهر أنّه أراد سليمان بن قتّة لأنّه تيمي بالولاء .
وقال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة : رواها البرقي لأبي زميج الخزاعي ، وأوردها ابن عبد البر في ترجمة الحسين من الاستيعاب ، فنسبها إلى سليمان بن قتّة =
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة144

ورحم الله الحسين بن الضحاك(1) إذ نسج على هذا الروي والقافية ، فقال :
وممّا شجا قلبي وأسبل(2) عبرتي محارم من آل النـبـي استحلـّت
ومهتـوكة بالطفّ عنها سجوفها كعاب كقـرن الشمـس لما تبدّت
إذا حفزتـها وزعـة من منازع لها المرط عادت بالخضوع ورنّت
وربّات خـدرٍ مـن ذؤابة هاشم هتفن بدعـوى خيـر حيٍّ وميّت
أردّ يداً منّـي إذا مـا ذكـرتها على كبد حـرّى وقلـب مفتّـت
فلا بات ليل الشامتين بغيـظه(3) ولا بلغت آمالهـا مـا تمـنـّت(4)

ولله درّ عواطف الامام محمد بن إدريس الشافعي(5) حيث يقول من أبيات له في رثاء الحسين عليه السلام :(6)
تزلزلـت الدنيـا لآل محمـد وكادت لهم صمّ الجبال تذوب
فمن مبلغ عنّي الحسين رسالة وان كرهتها أنفـس وقلـوب
قتيل بلا جـرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان خضيب(7)

= الخزاعي ، وقيل : انّها لأبي الزميج الخزاعي .
(1) هو أبو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع ، ولد سنة 162 ومات سنة 250 فيكون عمره 88 سنة ؛ وقيل : بل عمّر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة . انظر : أدب الطف 1 : 310 .
(2) في أدب الطف : وأوكف .
(3) في أدب الطف : بغبطة .
(4) الدرّ النضيد : 126 .
(5) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، ولد سنة 150 هـ وتوفي سنة 204 بمصر ، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة السنّية .
(6) انظر : ينابيع المودّة 2 ك 356 ، بحار الانوار 45 : 274 ، فرائد السمطين 2 : 266 .
(7) قال رحمه الله : هذا الرثاء نقله عن الإمام الشافعي جمال الدين الحافظ الزرندي المدني كما في كتاب معارج الأصول ، ونقله الفاضل البلخي في ينابيعه .
=
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة145

وروى الصدوق في أماليه وفي ثواب الأعمال ؛ وابن قولويه في كامله بالإسناد إلى أبي عمارة قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال : أنشد في الحسين ، فأنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فوالله ما زلت أنشده وهو يبكي حتى سمعت البكاء من الدار .
فقال : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنّة ....
وروى الصدوق في ثواب الأعمال ، وابن قولويه في كامله بالإسناد إلى أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، فقال : يا

= أقول : وأورد هذه الأبيات ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب :
تأوّب غمـّي والـفـؤاد كئـيـب وأرّق نومـي فالـرقاد غريب
وممّا نفي نـومـي وشيّـب لمّتي تصاريف ايّام لهـنّ خطـوب
فمن مبلّغ عـنّي الحسـيـن رسالة وإن كرهتها أنفـس وقلـوب
قتيـل بـلا جـرم كـأنّ قميصه صبيغ بماء الأرجوان خضيب
وللسيـف أعـوال وللـرمح رنّة وللخيل من بعد الصهيل نحيب
تـزلـزلـت الـدنيا لآل محمـّد وكادت لهم صمّ الجبال تذوب
وغارت نجوم واقشعرت كـواكب وهتك أستـار وشـقّ جيوب
يصلّى على المبعوث من آل هاشم ويغزى بنوه إنّ ذا لعجـيـب
لئن كـان ذنبـي حـبّ آل محمد فذلك ذنـب لسـت عنه أتوب
هم شفعـائي يوم حشري وموقفي إذا ما بدت للناظـرين خطوب
وقال الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة : قال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه (معراج الاصول) انّ الامام الشافعي أنشد :
تأوّه قلبـي والفـؤاد كئيـب وأرّق نومي فالسهاد عجيـب
فمن مبلّغ عني الحسين رسالة وإن كرهتها أنفس وقـلـوب
ذبيح ، بلا جرم كأنّ قميصه صيبغ بماء الارجوان خضيب
الأبيات ....
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة146

أبا هارون ، انشدني في الحسين ، فأنشدته ـ فلم يعجبه الانشاد لخلوّه من الرقّة المشجية وكأنّه تركها حياء من الإمام عليه السلام ـ .
فقال : لا ، ـ يعني لا تنشد بهذه الطريقة ـ ، بل كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره .
قال : فأنشدته(1) حينئذ :
أمرر على جدث الحسين فقل لاعظمـه الزكيّة
يا أعظمـاً لا زلـت من وطفاء ساكـبة رويّة(2)
وإذا مـررت بقـبـره فأطل به وقف المطيّة
وابك المطهّر للمطـهّـ ر والمطهـّرة التقيـّة
كبكـاء معـولة أتـت يوماً لواحـدها المنيّة

قال : فبكى ، ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الاخرى :
يا مريم قومي واندبي مولاك وعلى الحسين اسعدي ببكاك

قال : فبكى الصادق وتهايج النساء من خلف الستر ، فلمّا أن سكتن قال : يا أبا هارون ، مَن أنشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنّة ـ إلى أن قال : ـ ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة .
ودخل عبد الله بن غالب على الإمام الصادق عليه السلام فأنشده مرثيّته في الحسين عليه السلام ، فلمّا انتهى إلى قوله : لبلية ... البيت ، صاحت باكية من وراء

(1) قال رحمه الله : أنشد أبو هارون هذه الأبيات وهي للسيد إسماعيل الحميري .
(2) وطفاء ـ كحمراء ـ : منهمرة ، من قولهم : وطف المطر : انهمر ؛ ويقال : سحابة وطفآء ، أي : مسترخية لكثرة مائها .

السابق السابق الفهرس التالي التالي