المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة147

الستر : يا أبتاه .(1)
وللإمام الثامن الضامن عليه السلام مع دعبل الخزاعي قضية مشهورة (2) ؛

(1) انظر : كامل الزيارات : 105 ح 3 .
(2) قال رحمه الله : أشار إليها الفاضل العباسي في أحوال دعبل من معاهد التنصيص في شرح شواهد التلخيص في اوّل ص 373 ، وذكرها الصدوق في عيون أخبار الرضا ، والعلامة الأربلي في كشف الغمّة ، والمجلسي في بحار الأنوار ، وأبو الفرج الأصفهاني في أغانيه ، وغير واحد من المحدّثين والمؤرخين . أقول : وقد ذكرنا القصّة مفصّلة في الهامش أثناء تعليقناعلى ذكرها في المقدّمة الزاهرة .
أما أبيات القصيدة التي أنشدها دعبل فمنها :
مدارس آيات خلـت مـن تـلاوة ومنزل وحـي مقفـر العرصات
لآل رسول الله من خيف من منى وبالبيت والتعريـف والجمـرات
ديـار علـي والحسيـن وجعفـر وحمـزة والسجـاد ذي الثفنـات
منازل كانت للصـلاة وللتـقـى وللصوم والتطهيـر والحسنـات
إذا لـم ننـاج الله فـي صلواتنـا بأسمـائهـم لم يقبـل الصلوات
فيا ربّ زدنـي في هواي بصيرة وزد حبهم يا ربّ فـي حسنـاتي
سأبكيـهـم ما حـجّ لله راكـب وما ناخ قمريّ علـى الشجـرات
سقـى الله قبـراً بالمـدينة غيثه فقد حـلّ فيـه الأمـن والبركات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا معـرسهـم منها بشـط فـرات
توفّوا عطـاشا بالفـرات فليتني توفّيـت فيهـم قبـل حين وفاتي
الى الله أشكـو لوعةً عند ذكرهم سقتني بكأس الثكل والفـظـعات
أفاطم لو خلـت الحسيـن مجدّلاً وقد مات عطشـانـاً بشطّ فرات
اذاً للطـمت الخـدّ فاطم عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي نجوم سمـاوات بـأرض فلاة
ديار رسـول الله أصبحن بلقعاً وآل زيـاد تسكـن الحجـرات
وآل زياد في القصور مصونة وآل رسـول الله فـي الفلـوات
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة148

وذلك لما وفد عليه بعبقريته التائية تلك القصيدة التاريخية الرنّانة ، التي تجاذبت بها أندية الأدب ، وانتشرت في أقطار العرب ، وقامت بتلاوتها في دار الرضا قيامة الأحزان ، وقرعت ساحته الشريفة بنوح دعبل بها الأشجان ، فبكى الإمام أحرّ بكاء ، وعلا من وراء الستر صراخ النساء ، وكان لأطفاله رنين ومأق ورغاء(1) حتى استولي عليه الاغماء ، واشترك في البكاء معه جنّة الأرض وملائكة السماء .
وقد علم الناس أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد أمر بشراً(2) برثاء سيد الشهداء حيث قال :
يا بشر ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه ؟
قال : نعم يا بن رسول الله .
قال عليه السلام : ادخل المدينة وأنع أبا عبد الله .
قال بشر بن حذلم : فركبت فرسي ، وركضت حتى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ
الجسم منه بكربلاء مضرّجُ والرأس منه على القناء يدار(3)

(1) قال رحمه الله : المأق : ما يأخذ الصبي بعد البكاء من الشهيق الشبيه بالفواق ، ورغاء الصبي : هو أشد ما يكون من بكائه .
(2) وهو بشر بن حذلم ؛ وقيل أيضاً : ان اسمه بشير بن جذلم ، وهو من أصحاب الإمام السجاد عليه السلام ، رافق عيال الإمام الحسين عليه السلام عند عودتهم من الشام إلى المدينة .
انظر : الملهوف : 226 .
(3) حياة الإمام الحسين 2 : 423 ، الملهوف : 227 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة149

المجلس الثالث : في تلاوة الأحاديث

لا ريب في رجحان تلاوة الأحاديث المشتملة على مناقب الموتى من المؤمنين ومصائبهم ، إذ تكون كذكرى لحياتهم ، تنتفع الامّة بها على قدر مكانتهم في محامد الصفات ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال .
وانّ امّته تهتم بتاريخ عظمائها الممتازين في دينهم ودنياهم ، لتعد حافظة مجدها ، ناصحة لمن بعدها ، وقد جرت سيرة الخلف والسلف على ذكر مناقب الموتى ومصائبهم ، كتابة وخطابة ، نظماً ونثراً . والعقل والنقل يحكمان بحسن ذلك ، وقواعد المدنية تقتضيه ، واصول الترقّي في المعارف والفضائل توجبه ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وتخلّد الأرواح الشريفة ، وبالتنافس فيه تعرج أبطال المنابر إلى أوج البلاغة ، وتستوي رجال المحابر ببراعتها على عرش البراعة .
وما أحوج الامّة إلى ذكرى ما أصاب سلفها من النوائب أيّام بؤسهم ، وما اكتسبوه من المآثر والمناقب أيّام عزّهم
«إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب»(1) .
وهذا كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله يمثّلان مناقب الأنبياء ومصائبهم بأجلى مظاهر التمثيل ، ويصوّران مثالب أعداء الله وأعداء أنبيائه بأوضح التصوير ، ولولا الكتاب والسنّة ، ما عرفنا فضائل أنبياء الله ، ولا رذائل أعدائه ، وأنّى لنا ـ لولا الكتاب والسنّة ـ بالوقوف على نصح الأنبياء لله تعالى ولعباده ، والصبر على الأذى الذي نالهم في سبيل الحق من النماردة

(1) سورة الزمر : 21 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة150

والفراعنة والعمالقة ، وأصحاب الرسّ والأخدود وغيرهم .
فالقول بتحريم تلاوة مناقب أهل المناقب من الموتى ومصائبهم يستلزم تحريم تلاوة الكتاب والسنّة ، وقراءة التاريخ وعلم الرجال ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ! ويختار لبصيرته هذا العمي ! نعوذ بالله من سفه الجاهلين .
وقف أمير المؤمنين عليه السلام على قبر خباب بن الأرت في ظهر الكوفة ، وهو أوّل من دفن هناك فقال عليه السلام ـ في تأبينه ـ :
رحم الله خباباً ، لقد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً .
ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام فقال :
أشهد انّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلى الله عليه وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة في ظلمهم ايّاك مع ما لك من الحجج البالغة .
ووقف الإمام الصادق عليه السلام على قبر جدّه الإمام الحسين عليه السلام فقال :
أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وأطعت الله ورسوله ، وعبدته مخلصاً ، وجاهدت في سبيله صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين ، فلعن الله امّة قتلتك ، ولعن الله امّة ظلمتك ، ولعن الله امّة سمعت بذلك فرضيت به .(1)

(1) العقد الفريد 2 : 147 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة151

ووقف الحسين على قبر أخيه الحسن عليهما السلام فقال :
أأدهـن رأسي أم تطيب مجالسي وخـدّك معفـور وأنت تريب
وليس حريباً من اُصيـب بماله ولكن من وارى أخـاه حريب
غريب وأطراف البيوت تحوطه ألا كلّ من تحت التراب غريب
بكائـي طويل والدموع غزيرة وأنت بعيـد والمـزار قريب(1)

ووقف محمد بن أمير المؤمنين ـ المعروف بابن الحنفيّة ـ على قبر اخيه ، وخليفة أبيه أبي محمد الحسن الزكي المجتبى عليه السلام فخنقته العبرة فقال :
يرحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت بقيّة ولد الأنبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفّ الحقّ ، وربّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيّبة

(1) قال محمد بن أبي طالب في تسلية المُجالس وزينة المَجالس ، ولمّا وضع الحسن عليه السلام في قبره أنشأ سيّدنا ومولانا أبا عبد الله الحسين عليه السلام :
أأدهـنُ رأسـي أم اُطيـّب مجـالسي ورأسـك معفـور وأنـت سليـب
أو استمـتـع الدنيـا بشـيء اُحبّـه ألا كـلّ ما أدنـى إليـك حبـيـب
فلا زلت أبكـي ما تغنّـت حمـامة عليـك وما هبـّت صبـا وجنوب
وما هملت عينـي من الدمع قطـرة وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بكائـي طويـل والـدموع غزيرة وأنت بعـيـد والـمـزار قريـب
غريب وأطـراف البيوت تحـوطه ألا كلّ من تحـت التـراب غريب
فلا يفرح الباقي خلاف الذي مضى فكل فتـى للمـوت فيه نصـيـب
وليس حريباً مـن اُصيـب بمـاله ولكـنّ مـن وارى أخـاه حـريب
نسيبك من أمسـى يناجيـك طرفه وليس لمن تحـت التـراب نسيـب
انظر : مناقب ابن شهراشوب 4 : 45 ، تسلية المُجالس وزينة المَجالس 2 : 65 ، بحار الأنوار 44 : 160 ذ ح 29 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة152

بفراقك ، ولا شاكّة في الخيار لك .
ثمّ بكى بكاءاً شديداً وبكى الحاضرون حتى علا نشيجهم وفيهم الحسين واخوته وابن عبّاس وسائر الهاشميين .(1)
ولمّا توفّي أمير المؤمنين عليه السلام قام الخلف من بعده أبو محمد الحسن الزكي عليهما السلام فقال :
لقد قتلتم الليلة رجلاً والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، [والله] إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليبعثه في السرية ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، [والله] ما ترك بيضاء ولا صفراء ... إلى آخر كلامه .(2)
ووقف أمير المؤمنين عليه السلام على الضريح الأقدس ، ضريح النبي صلى الله عليه وآله ساعة دفنه فقال :

إن الصبر لجميل الاعنك ، وان الجزع لقبيح الاعليك ، وانّ المصاب بك لجليل ، وانّه بعدك لقليل .(3)
وعن أنس بن مالك قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبلت فاطمة عليها السلام فقالت :
[يا أنس ،] كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب ؟

(1) تاريخ الاُمم والملوك (حوادث سنة 40) ، العقد الفريد 2 : 78 .
(2) تاريخ الاُمم والملوك 5 : 157 .
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 194 ، العقد الفريد 2 : 102 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة153

ثم بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه من ربّه ناداه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه ، يا أبتاه لست بعد اليوم أراه .(1)
وكأنّي بها وقد أصلى ضلعها الخطب ، ولاع قلبها الكرب ، ولجّ فؤادها الحزن ، واستوقد صدرها الغبن ، حين ذهبت كاظمة ، ورجعت راغمة ، ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها باكية شاكية قائلة :
قد كـان بعـدك أنباء وهنبثة لو كان شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلها فاختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا(2)
فليت بعدك كان الموت صادفنا لمّا قضيت وحالت دونك الكثب(3)

ولم تزل ـ: بأبي هي واُمّي ـ بعد أبيها صلى الله عليه وآله ذات غصّة لا تساغ ، ودموع تترى من مقلة عبرى ، قد استسلمت للوجد ، واخلدت في بيت أحزانها إلى الشجون ، حتى لحقت بأبيها صلى الله عليه وآله معصّبة الرأس ، قد ضاقت عليها الأرض برحبها .
فلمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من دفنها في ظلام الليل ، ورهقه من الحزن عليها ما عيل به صبره ، وضاق به صدره ، استقبل بوجهه ضريح رسول الله صلى الله عليه وآله يشكو إليه بثّه وحزنه ، وقد جاشت في صدره غصص الهموم ،

(1) المصنف لعبد الرزاق 3 : 553 ح 6673 ، الطبقات الكبرى 2 : 311 ، صحيح البخاري 6 : 18 ، سنن ابن ماجة 1 : 522 ح 1630 ، سنن النسائي 4 : 13 ، العقد الفريد 3 : 230 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 382 .
(2) قال رحمه الله : الموجود في شرح النهج ، واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب ، لكنّ الصحيح ما أثبتناه ، وهو المأثور عندنا ، ومعنى نكبوا : عدلوا .
(3) العقد الفريد 3 : 194 ، النهاية لابن الأثير 3 : 156 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة154

واعتلجت فيه حزازات الغموم ، فقال وهو يجرض بريقه ، ويميد به شجوه ، وقد انحلّت عقود دموعه ، وتناثرت لآلئ جفونه :
السلام عليك يا رسول الله ، وعلى ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، ألا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعزٍ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، وأمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، أو يحتار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبؤك ابنتك بتظافر اُمّتك على هضمها ، فأحفّها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر .(1)
فـلأي الأمـور تـدفـن سـرّاً بضعة المصطفى ويعفى ثراها
فمضت وهي أعظم الناس شجواً في فم الدهر غصّة من جواها

وكأنّي بأمير المؤمنين عليه السلام واقفاً على قبرها وهو شجي بغصصه ، لا يملك دمعه ولا قلبه ، وكأنّي به ينشد :
لكل اجتماع من خليلين فُرقة وكلّ الذي دون الممات قليل
وإنّ افتقادي واحداً بعد واحدٍ دلـيل على أن لا يدوم خليل(2)

(1) قال رحمه الله : هذا الكلام من الثابت عنه عليه السلام المأثور في كتاب نهج البلاغة .
(2) العقد الفريد 3 : 198 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة155

المجلس الرابع : في الجلوس حزناً على الموتى

لا ريب في أنّ النبي صلى الله عليه وآله حزن حزناً شديداً على شيخ الأباطح وبيضة البلد ، عمّه وكافله أبي طالب ، وعلى صدّيقته الكبرى امّ المؤمنين ، وقد ماتا في عام واحد ، فسماه النبي صلى الله عليه وآله «عام الحزن» ، ولزم بيته(1) وأقلّ من الخروج حزناً عليهما ، وكان إذا تهجّمت عليه قريش يندب عمّه فيقول : «يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك»(2) .
وصحّ جلوسه في المسجد حزناً على ابن عمّه جعفر وصاحبيه زيد وابن رواحة .(3)
وصحّ أيضاً أنه حزن حزناً شديداً ، لم ير أشدّ منه حين قتل القرّاء من أصحابه وقنت شهراً يستغفر لهم ، ويدعو على قاتليهم في قنوته .
والعقل يحكم برجحان الجلوس حزناً على فقد المصلحين من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة ، لأنّ تمييزهم بذلك يكون سبباً في تنشيط أمثالهم ، وأداء حقّهم بعد موتهم ، ويكون داعياً إلى كثرة الناسجين على منوالهم .

(1) انظر : السيرة النبويّة 1 : 108 ، الكامل في التاريخ 1 : 462 ، السيرة الحلبية 1 : 462 باب وفاة أبي طالب وخديجة .
(2) السيرة النبويّة 1 : 108 .
(3) قال رحمه الله : والحديث هذا ثابت في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ص 154 من الجزء الأوّل من صحيح البخاري ، وفي باب التشديد في النياحة ص 345 من الجزء الأوّل من صحيح مسلم ، وثابت في صحيح أبي داود أيضاً .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة156

أمّا الجلوس لذكرى ما أصاب الأئمّة في سبيل مصالح الاُمّة ، فيبعث فيها روح الايمان والهدى ، ويأخذ بقلوبها إليهم ، وان بعُد العهد وطال المدى .
وقـول اللائميـن : بأنّه لا يحسن الجلوس حزناً على الميّت إذا تقادم العهد بموته(1) لا يتمّ في فجائعنا بأهل البيت ، حيث لا يتلاشى الحزن عليهم مهما تقادم العهد بهم ، بل لا تخبو زفرة تلك الفجائع ، ولا تخمد لوعة هاتيك القوارع ، ما بقي الزمان ، وكر الجديدان ، فقربُ العهد بها وبعده عنها سيان ، وما أولى هذا اللائم ، بقول بعض الأعاظم :
خلي اُميمـة عـن ملا مك ما المعزّي كالثكول
ما الراقد الوسنان مثـ ـل معذب القلب العليل
سهران من ألـم وهـ ـذا نائـم الليل الطويل
ذوقـي اُميمة ما أذو ق وبعده ما شئت قولي

ورحم الله القائل :
ويل قلبي الشجي ممّا يعاني من ملام الخلي طعناً ووخزا

ولو علم اللائم الأحمق بما في حزننا على أهل البيت من النصرة لهم ، والحرب الطاحنة لأعدائهم ، لخشع أمام حزننا الطويل ، ولأكبر الحكمة المقصودة من هذا النوح والعويل ، ولأذعن للأسرار في استمرارنا على ذلك في كل جيل ،

(1) قال رحمه الله : أخرج الإمام أحمد في ص 201 من الجزء الأول من مسنده من حديث الحسين عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وان طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعاً الاجدّد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم اُصيب بها .
وروى ابن ماجة وأبو يعلى عنه هذا الحديث أيضاً كما في ترجمته عليه السلام من الاصابة .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة157

وما أولاه وإيّانا بقول القائل :
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتـي فعـذلتني وعلمت أنّك جاهل فعـذرتكا

على أنّ الأوامر المتواترة عن أئمّة العترة الطاهرة تستوجب التعبّد بترتيب آثار الحزن على الدوام ، ولو ثبتت هذه الأوامر عن أئمّة المذاهب الأربعة لعمل اللائمون بها ، فلماذا إذن يلوموننا بعد ثبوتها عن أئمّة العترة ، وسفينة نجاة الامّة ، وباب حطّة ، وأمان أهل الأرض ، وأعدل كتاب الله ، وعيبة رسوله ، لو كانـوا ينصفون ؟؟
ولِمَ يلومنا اللائمون في حزننا ، مع تقادم العهد بمصيبتنا ، ويحبّذون استمرار أهل المدينة على ندب حمزة كلّما ناحوا على ميّت منهم ؟
فإن كان بكاؤهم على حمزة مواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله بمصيبته في عمّه ، وأداء لواجب قوله صلى الله عليه وآله : «لكن حمزة لا بواكي له» ، فانّ بكاؤنا انّما هو مواساة له في مصيبته بريحانته من الدنيا ، وقرّة عينه ، واداء لواجب بكائه عليه .
أيبكي رسول الله صلى الله عليه وآله على الحسين ـ بأبي هو واُمّي ـ قبل الفاجعة ونحن لا نبكيه بعدها ؟؟
ما هذا شأن المتأسّي بنبيه ، والمواسي له !؟
ألم يرو الإمام أحمد : انّ عليّاً لما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين نادى : صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله بشطّ الفرات ، فسئل عن ذلك فقال :
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو يبكي ، فسألته

السابق السابق الفهرس التالي التالي