المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة158

فقال : قام من عندي جبرئيل فحدّثني إنّ الحسين يقتل بشط الفرات .
قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته ؟
قال : قلت : نعم ، فمدّ يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها .
وأخرج ابن سعد ، عن الشعبي قال : مرّ عليّ رضي الله عنه بكربلاء عند مسيره إلى صفّين ، فوقف وسأل عن اسم الأرض ؛ فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه .
ثم قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبكي فقـلت : ما يبكيـك ؟
قال : كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، بموضع يقال له : كربلاء ... .
وأخرج الملأ : انّ علياً مرّ بموضع قبر الحسين عليه السلام فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وهاهنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليه السماء والأرض ... .
ومن حديث امّ سلمة قالت : كان عندي النبي صلى الله عليه وآله ومعي الحسين ، فدنا من النبي صلى الله عليه وآله فأخذته ، فبكى فتركته ، فدنا منه ، فأخذته ، فبكى فتركته ، فقال له جبرئيل : أتحبّه يا محمد ؟!
قال : نعم .
قال : أما إنّ اُمّتك ستقتله ، وان شئت أريتك الأرض التي يقتل بها ، فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وروى الماوردي الشافعي ، عن عائشة ، قالت : دخل الحسين بن علي

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة159

على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يوحى إليه ، فقال جبرئيل : انّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء ، وقال : في هذه يقتل ابنك اسمها الطف .
فلمّا عرج جبرئيل عليه السلام ، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه والتربة بيده ، وفيهم : أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟!
فقال : أخبرني جبرئيل : إنّ بني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاء بهذه التربة(1) ، فأخبرني إنّ فيها مضجعه .
فإذن أوّل من بكى في هذه الامّة على الحسين ، وأوّل من اُهدي إليه تربته ، وأوّل من شمّها ، وأوّل من تلا على الناس مقتل الحسين بأرض الطف لهو رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأوّل من سمّع حديث مقتله لأصحابه الكرام ، ولا احتمل الاأنّهم واسوا يومئذ رسول الله صلى الله عليه وآله في حزنه وبكائه و
«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر»(2) ، «ومَن يتولّ فإنّ الله هو الغنيّ الحميد»(3) .
وأخرج الترمذي : إنّ امّ سلمة رأت النبي صلى الله عليه وآله ـ فيما يراه النائم ـ باكياً ، وبرأسه ولحيته التراب فسألته ، فقال : قتل الحسين آنفاً .
قال في الصواعق : وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار ، أشعث أغبر ، وفي

(1) قال رحمه الله : انّ تربة يحملها الروح الأمين إلى سيد النبيّين والمرسلين لحقيقة بالاحترام وجديرة بأن تدّخر وتحمل وتُهدى بكلّ إجلال وإعظام .
(2) سورة الأحزاب : 21 .
(3) سورة الحديد : 24 ، سورة الممتحنة : 6 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة160

يده قارورة فيها دم يلتقطه فسأله ، فقال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل أتتبّعه منذ اليوم .
قال : فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم .
وأمّا صحاحنا فانّها متواترة في بكائه صلى الله عليه وآله ، على سبطه وريحانته في مقامات عديدة ، يوم ولادته وقبلها ، ويوم السابع من مولده ، وبعده في بيت الزهراء ، وفي حجرته ، وعلى منبره ، وفي بعض أسفاره ، تارة يبكيه وحده ، ومرّة هو والملائكة ، وأحياناً هو وعلي وفاطمة ، وربّما بكاه هو وبعض أصحابه ، وربمّا قبّله في نحره وبكى ، وربّما قبّله في شفتيه فبكى ، وربّما بكى إذا رآه فرحاً أو رآه حزناً .
ولله در السيد الرضي حيث يقول :
لو رسـول الله يحـيـا بعـده قـعـد اليـوم عليـه للـعـزا
جزروا جرز الأضـاحي نسله ثـم سـاقـوا أهلـه سَوق الإما
ليـس هـذا لرسـول الله يـا امّـة الطغيان والبـغـي جـزا
يا رسـول الله لو أبصرتهـم(1) وهـم ما بيـن قتـلـى وسِـبا
مِن رميض يُمنـع الظلّ ومِن عاطـش يسقـى أنابيـب القنـا
ومسوق عاثـر يُسـعـى به خلـف محمول على غيـر وطا
لرأت عيناك منهم منـظـراً للحـشـى شجـواً وللعيـن قذا
لا أرى حـزنكـم يُنسى ولا رزءكـم يُسلى وإن طال المدى(2)

(1) كذا في الأصل ، وفي ديوان الرضي : عاينتهم .
(2) هذه الأبيات من قصيدة رائعة للشريف الرضي ألقاها وهو بالحائر الحسيني وهي بعنوان «كربلا كرب وبلا» . انظر : ديوان الرضي 1 : 44 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 386 .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة161

المجلس الخامس : في الانفاق صدقة عن الميّت

لا ريب في استحباب الانفاق صدقة عن موتى المؤمنين ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وأمر به .
ففي الصحيحين بطرق متعدّدة عن عائشة قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي [مثل] ما غرت على خديجة وما رأيتها ، لكن كان النبي صلى الله عليه وآله يكثر ذكرها ، وربّما ذبح الشاة ثمّ يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربّما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا الاخديجة ، فيقول لي : انّها كانت وكانت وكان لي منها ولد .(1)
وأخرج مسلم : أنّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله إن امّي افتلت نفسها ولم توص ، أفلها أجر إن تصدّقت عنها ؟
قال صلى الله عليه وآله : نعم .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده : انّ سعد بن عبادة قال : إنّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفّيت امّه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله إنّ امّي توفّيت وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدّقت بشيء عنها ؟
قال : نعم .
قال : فاني أشهدك أن حائط المخرف صدقة عليها .(2)

(1) قال رحمه الله : هذا الحديث يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميّت وأوليائه صدقة عنه .
(2) قال رحمه الله : ربّما كان المنكرون علينا فيما نفعله في مجالسنا من الصدقة عن الحسين عليه السلام لا يقنعون بأقوال النبي ولا بأفعاله صلى الله عليه وآله الاأن يكون ذلك مأثوراً عن سلفهم ، وحينئذ نحتجّ عليهم بما فعله الوليد بن أبي معيط الأموي ، إذ مات لبيد بن ربيعة =
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة162

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا مات الانسان انقطع عمله الامن ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
وفي خصال الصدوق بالإسناد إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، اولئك منّا وإلينا .
بأبي أنتم وامّي أهل بيت الرحمة ، أسبغتم على العالمين آلاءكم ، وأفضتم على أهل الارض سجال نعمائكم ، فاياديكم تسترقّ الأعناق ، ومننكم تستعبد قلوب الأحرار ، وما رأى الراؤون أعطى لجزيل عن ظهر يد منكم(1) ، أنشأتم الهدى ، وكافحتم الكفر والضلال ، والبغي والفساد والعمى ، وسنّيتم في الأرض صراطاً مستقيماً ، وقاسيتم من الناس في سبيل هدايتهم بلاء عظيماً .
سلبوكم بشبا الصوارم أنفساً قام الوجود بسرّها المكنون

فما خطر أموالنا وأنفسنا في جنب أموالكم وأنفكسم التي بذلتموها فينا ، وكيف نستكثر أموالاً وأنفساً نقابل بها تلك الأموال والأنفس ، وانّ الجرأة عليكم بسلب عقال من أموالكم المقدّسة ، او مسيل قطرة من دمائكم الزكيّة لأفظع من اجتياح أموال العالمين وأنفسهم كافة ، فالويل لمن قتلكم وسلبكم ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، تبّت أيديهم ولُعنوا بما ارتكبوا ، إذ قتلوا عترة رسول الله وبقيّته فيهم .
امّة قاتلت امام هداها يا ترى أين زال عنها حياها

ويحهم أخزاهم الله ، كيف سلبوه حتى ثيابه ، فأخذ قميصه ـ بأبي وامّي ـ

= العامري الشاعر ، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً فجزرت عنه . نقل ذلك ابن عبد البر في ترجمة لبيد من الاستيعاب .
(1) قال رحمه الله : أي تفضّلاً من غير مكافأة ولا قرض .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة163

إسحاق بن حوية(1) ، وأخذ سراويله أبجر بن كعب(2) ، وأخذ عمامته أخنس بن

(1) وهو : إسحاق بن حويّة (حيوة) الحضرمي ، أحد المجرمين في جيش الكوفة ممّن شارك في واقعة كربلاء ، حيث قام بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بسلبه قميصه ، وهو من جملة من تطوّع ـ بأمر عمر بن سعد ـ لرضّ جسد الإمام الحسين عليه السلام بالخيل ، حيث تعتبر هذه الجريمة من الجرائم المفجعة التي ارتكبها جيش ابن زياد بحقّ الإمام الحسين ، وكانت هذه الجريمة قد تمّت بتحريض من شمر بن ذي الجوشن لابن زياد ، فالكتاب الذي بعثه عمر بن سعد إلى ابن زياد كان كتاباً عاديّاً ، لكن ابن زياد ردّ عليه بكتاب يعنّفه فيه ، وكتب إليه : إنّي لم ابعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا لتمنّيه ، ولا لتطاوله ، ولا لتقعد له عندي شافعاً ، انظر فان نزل الحسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم اليَّ سلماً ، وإن أَبَو فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنّهم لذلك مستحقون ، فان قتل الحسين فاوطئ الخيل صدره وظهره ، فانّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم ، فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وان أنت أبيت فاعتزل جندنا ، وخلّ بين شمر وبين العسكر ، فأتى شمر بالكتاب وسلّمه لعمر بن سعد .
وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام عصر يوم عاشوراء نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب إلى الحسين فيوطئه بفرسه ؟ فانتدب منهم عشرة ، حيث داسوا الحسين بخيولهم حتّى رضّوا صدره وظهره ، وهم : إسحاق بن حويّة الحضرمي الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل السبيعي ، وعمر بن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وواحظ بن ناعم ، وصالح بن وهب الجعفي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي ، واُسيد بن مالك لعنهم الله .
وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد ، فقال أحدهم وهو اُسيد بن مالك :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكلّ يعسوب شديد الأمر
فقال ابن زياد لعنه الله : مَن أنتم ؟ قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنّا حناجر صدره . قال : فأمر لهم بجائزة يسيرة .
قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعاً أولاد زنا .
وهؤلاء أخذهم المختار رحمه الله فشدّ أيديهم وأرجلهم بسلاسل الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا . انظر : الملهوف : 183 ، زينة المجالس : 459 .
(2) وقيل اسمه : أبحر بن كعب ، حيث قام بتجريد الإمام من ثيابه بعد قتله ، وترك جسد =
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة164

مرثد ، وأخذ سيفه رجل من بني دارم ، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله ، وسلبوا نساءه وهنّ عقائل النبوّة ، وخفرات بني الوحي والتنزيل .
قال حميد بن مسلم(1) : فوالله لقد كنت أرى المرأة من نساء الحسين وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها .
قال : ثمّ انتهينا إلى علي بن الحسين عليهما السلام وهو منبسط على فراش ، وهو شديد المرض ، ومع شمر(2) جماعة من الرجّالة فقالوا له : ألا نقتل هذا

= الحسين عارياً على رمضاء كربلاء ، وقد يبست يدا هذا الشخص فيما بعد حتّى اصبحتا كالخشبتين ، وجاء في خبر آخر إنّه اُصيب بعد ارتداء السروال بشلل في رجليه أقعده عن الحركة تماماً .
انظر : اثبات الهداة 5 : 201 ، عوالم الإمام الحسين : 297 ، بحار الانوار 45 : 57 .
(1) في تنقيح المقال 1 : 380 : حميد بن مسلم الكوفي ، لم أقف فيه الاعلى عدّ الشيخ رحمه الله إيّاه في رجاله من أصحاب السجاد عليه السلام ، وظاهره كونه إمامياً ، الا أنّ حاله مجهول .
وفي مستدركات علم الرجال 3 : 289 : حميد بن مسلم الكوفي ، وعدّ من مجاهيل أصحاب السجاد عليه السلام وهو ناقل جملة من قضايا كربلاء على نحو يظهر منه أنّه كان في وقعة الطف ... وكان من جند سليمان بن صرد الخزاعي من طرف المختار في مقتل عين الوردة في حرب الشام لطلب ثأر الحسين عليه السلام .
أقول : يحتمل أن يكون أكثر من شخص بهذا الاسم ، فأحدهما كان في وقعة الطف ونقل بعض الوقائع وأرسل عمر بن سعد رأس الحسين معه ومع جماعة إلى عبيدالله بن زياد ، ممّا يدلّ على انّه كان من أعوان عمر بن سعد ، والثاني إمامي من أصحاب الإمام السجاد ومن جند سليمان بن صرد .
(2) شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي ، أبو السابغة ، من كبار قتلة ومبغضي الحسين عليه السلام ، كان في أوّل أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع عليّ عليه السلام ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنّك تعلم أني شريف فاغفر لي !! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل =
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة165

العليل ؟!
[قال حميد :] فقلت : سبحان الله أيقتل الصبيان ! إنّما هذا صبي وانّه لما به ، فلم أزل حتى دفعتهم عنه .
قال : وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة ، ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض ، وسألته النسوة ليسترجعن ما أخذ منهنّ ليسترن به ، فقال : من أخذ من متاعهنّ شيء فليرده عليهنّ .
[قال :] فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً .
وروى حميد بن مسلم أيضاً قال : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام فسطاطهنّ ، وهم يسلبونهنّ أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، وقالت : يا آل بكر بن وائل أتُسلب بنات رسول الله ؟ لا حكم الالله ، يا لثارات رسول الله .
قال : فأخذها زوجها وردّها إلى رحله .
أأنسى هجوم الخيل ضابحة(1) على خيام نساكم بالعواسل والقضب

= ابن رسول الله ؟! فقال : ويحك كيف نصنع ، إنّ اُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ! ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر ؟ ثمّ أنّه لمّا قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأة جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكّن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكّن منه أبو عمرة فقتله واُلقيت جثته للكلاب . انظر : الكامل في التاريخ 4 : 92 ، ميزان الاعتدال 1 : 44 ، لسان الميزان 3 : 152 .
(1) ضبحت الخيل في عدوها : أسمعت من أفواهها صوتاً ليس بصهيل ولا حمحمة .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة166

عشيـة حنـّت جـزعاً خفـراتكم بأوجهها ندباً لحامي الحمـى الـندب
صرخن بلا لبّ وما زال صـوتها يغضّ ولكن صحـن من دهشـة اللب
فأبرزن من حجب الخدور تودّ لو قضت نحبها قبل الخروج من الحجب
وسيقت سبايا فـوق أحلاس هزل إلى الشام تطوي البيد سهباً على سهب
يسار بهـا عنفـاً بلا رفق محرم بها غير مغلـول يحـن علـى صعب
ويحضرهـا الطاغي يناديه شامتاً بما نال أهل البيـت من فادح الخطب
ويوضع رأس السبط بين يديه كي تدار عليه الراح فـي مجلـس الشرب
ويسمـع آل الله شتـم خطيـبـه أبا الحسن الممـدوح في محكم الكتب
يصلّـي عليه الله جلّ وتجـتـري على سبّـه من خصّهـا الله بالسـبّ


المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة167

الفصل الاول

فيما يُتلى بتمامه صبيحة العاشر من المحرم ، ويتلى مجالس متعدّدة في سائر أيّام العشر ،أو في باقي أيّام السنّة ، فهو ليوم العاشر مجلس واحد ، ولغيره اثنا عشر مجلساً
فلينتبه القارئ ـ في غير يوم عاشوراء ـ بوقوفه عليها ،وليذكرني بأدعيته فانّي مضطر إليها ، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .




المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة168




المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة169

[المجلس الأوّل]

كان مولد الحسين عليه السلام لخمس [ليالٍ] خلون من شعبان سنة أربع للهجرة ، وروي غير ذلك(1) .
ولمّا ولد هبط جبرئيل عليه السلام في ألف مَلك يهنّئون النبي صلى الله عليه وآله ، وقد سرّ به وسمّاه حسيناً .
وعن امّ الفضل(2) قالت : رأيت في منامي قبل مولد الحسين عليه السلام(3) كأنّ قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قُطعت فوضعت في حجري ، فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : «رأيتِ خيراً ، إن

(1) وقيل : اليوم الثالث منه ؛ وقيل : في أواخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة .
(2) لبابة بنت الحارث الهلالية ، الشهيرة بامّ الفضل ، زوجة العباس بن عبد المطلب ، ولدت من العباس سبعة أسلمت بمكة بعد إسلام خديجة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يزورها ويقيل في بيتها ، توفيت نحو 30 هـ . انظر : الاصابة : ترجمة رقم 942 و1448 ، الجمع بين الصحيحين : 612 ، الاعلام 5 : 239 .
(3) قال رحمه الله : وأخرج أحمد بن حنبل من حديث امّ الفضل زوجة العبّاس ، قالت : كأنّ في بيتي عضواً من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فجزعت من ذلك فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك ، فقال : خيراً تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه بلبن ابنك قثم ، قالت : فولدت حسيناً فأعطيته حتى تحرك أو فطمته ثمّ جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجلسته في حجره ، فبال ، فضربت بين كتفيه ، فقال : ارفقي بابني رحمك الله أو أصلحك الله أوجعت ابني ... الحديث في ص 339 من الجزء السادس .
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة170

صدقت رؤياك فإنّ فاطمة تلد غلاماً ، وأدفعه إليك لترضعينه» .
قالت : فجرى الأمر على ذلك .
فجئت به يوماً إليه فوضعته في حجره ، فبينما هو يقبّله بال ، فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي صلى الله عليه وآله ، فقرصته ، فبكى ، فقال النبي كالمغضب : «مهلاً يا اُمّ الفضل ، فهذا ثوبي يُغسل ، وقد أوجعتِ ابني» .
قالت : فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء ، فجئت إليه فوجدته يبكي ، فقلت : ممّ بكاؤك يا رسول الله ؟
فقال :
«انّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ولدي [هذا] ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة» .(1)
ولمّا أتت على الحسين من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ملكاً محمرّة وجوههم ، باكية عيونهم ، وهم يقولون : إنّه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل .
[قال :] ولم يبق في السماوات ملك مقرّب الا ونزل إلى النبي صلى الله عليه وآله يقرؤه السلام ، ويعزّيه عن الحسين ، ويخبره في ثواب ما يُعطى ، ويَعرض

(1) المستدرك 3 : 176 ، دلائل النبوة 1 : 213 ، الصواعق المحرقة : 115 ، الخصائص الكبرى 2 : 125 ، الفصول المهمّة 154 ، كنز العمّال 6 : 223 (باختلاف يسير في الألفاظ) .

السابق السابق الفهرس التالي التالي