مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 35

أيام لا يهدء لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، وكلّ يوم جاء بكاؤها أكثر من اليوم الأول ، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن الكامن ، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت فكأنها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) نطقت ، فتبادرت النسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وجاء الناس من كل مكان ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات وجوه النساء ، وخيّل الى الناس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قام من قبره وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي تنادي وتندب أباها : « وا أبتاه ، وا ضيعتاه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، يا ربيع الأرامل واليتاما ، مَن للقبلة والمصلى ؟ ومن لابنتك الواهلة الثكلى » ؟
ثم أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ، وتواتر دمعتها ، حتى دنت من قبر أبيها ، فلما نظرت إلى الحجرة الطاهرة ، ووقع طرفها على المأذنة ، قصّرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أغمي عليها ، فتبادرت النسوة إليها ، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها ، حتى أفاقت من غشاها ، عادت إلى نحيبها وبكاها وهي تقول :
« رفعت قوّتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوّي ، والكمد قاتلي .
يا ابتاه ، بقيت بعدك والهة وحيدة ، حيرانة فريدة ، قد انخمد صوتي ، وانقطع ظهري ، وتنغصّ عيشي ، وتكدّر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادا لدمعتي ، ولا معينا لضعف قوّتي ، قد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرئيل ومحلّ ميكائيل ، واقلبت من بعدك يا أبتاه الأسباب ، وتغلقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قالية ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية ، لا ينفد شوقي إليك ولا يفنى حزني عليك
» .
ثم نادت : « يا أبتاه ، يا أبتاه » . ثم أنشأت تقول :
إنّ حزني عليك حزن جديد وفؤادي والله صـبّ عتيد
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 36

كل يوم يزيد فيه شجو واكتئابي عليك ليـس يبيدني
جلّ خطبي فبان عنّي عزائي فبكائي في كــل وقت يزيد
إن قلبا عليك يألـف صبـرا أو عــزاء فـإنـه لجليـد

ثم نادت : « يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا وأنوارها ، وذوت زهرتها ، وكانت بهجتك زاهرة ، فقد اسودّ نهارها ، فصار يحكى حنادسها ، رطبها ويابسها .
يا أبتاه ، لازلت آسفة عليك إلى التلاق .
يا أبتاه زال غمضي منذ حقّ الفراق .
يا أبتاه ، من للأرامل والمساكين ؟ ومَن للأمة إلى يوم الدين ؟
يا ابتاه ، أمسينا بعدك من المستضعفين ؟
يا أبتاه ، أصبحت الناس عنّا معرضين ، ولقد كنا بك معظّمين وفي الناس غير مستضعفين ! فأيّة دمعة لفراقك لا تنهمل ؟ وأيّ حزن عليك لا يتّصل ؟ وأيّ جفن بعدك بالنوم يكتحل ؟ وأنت ربيع الدين ونور النبيين ، وكيف للجبال لا تمور ؟ وللبحار بعدك لا تغور ؟ والأرض لم تتزلزل ؟ والجبال بعدك لا تتهيّل ؟
رمتينا يا أبتاه بعدك بالخطب الجليل ، والفادح المهول ، ولم يكن رزؤك علينا بالقليل ، وطرقتنا يا أبتاه بالمصاب العظيم الثقيل .
قد بكتك يا أبتاه الأملاك ، ووقفت عن حركتها الأفلاك ، فمنبرك خال من ذاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، ومحرابك مستوحش لفقد مناجاتك ، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعواتك وصلواتك .
يا أبتاه ، ما أعظم ظلمة مساجدك ومجالسك وأوقاتك ! فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك .
ولقد أثكل أبوالحسن المؤتمن أبو ولديك الحسن والحسين ، وأخوك ووليك ، وحبيبك وصفيّك ، ومن ربّيته صغيرا ، وآخيته كبيرا ، وأجل أحبابك إليك وأعز أصحابك عليك ، من كان منهم سابقا ومهاجرا ومحاميا وناصرا ، والبكاء قاتلنا والأسى لازمنا
» .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 37

ثم زفرت زفرة في أثر زفرة ، وأنّت أنّة في أثر أنّة ، كادت بها روحها أن تخرج (1) .

(1) وأورده المجلسي في البحار : 43 : 174 باب ما وقع عليها عليها السلام من الظلم : ح 15 ، والبحراني في العوالم : في تاريخ فاطمة عليها السلام : 255 .
قال المجلسي : وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها عليها السلام فأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعوّل عليه .
روى ورقة بن عبدالله الأزدي قال : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين ، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء ، مليحة الوجه ، عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها وهي تقول :
« اللهم رب الكعبة الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العظام ، ورب محمد خير الأنام صلى الله عليه وآله البررة الكرام ، [ أسألك ] أن تحشرني مع سادات الطاهرين وأبناءهم الغرّ المحجّلين الميامين .
ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين ، أن موالي خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، الذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار ، المرتدين بالفخار .
قال ورقة بن عبدالله : فقلت : يا جارية ، إني لأظنك من موالي أهل البيت عليهم السلام ؟ فقالت : أجل . قلت : فمن أنت من مواليهم ؟ قالت : أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
فقلت لها : مرحبا بك وأهل وسهلا ، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك ، فأريد منك الساعة أن تجيبني عن مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى أتيك . وأنت مثابة مأجورة . فافترقنا [ في الطواف ] .
فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريق على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليه هدية ولم أعتقد أنها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهرا وما الذي رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها صلى الله عليه وآله .
قال ورقة : فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت : يا ورقة بن عبدالله هيّجت عليّ حزنا ساكنا وأشجانا في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها عليها السلام .
اعلم أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء وقلّ العزاء ،

=

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 38


=
وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب ، ولم تلق إلا كل باك وباكية ، ونادب ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشدّ حزنا وأعظم بكاء وانتهابا من مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكان حزنها يتجدد ويزيد ، وبكاؤها يشتدّ .
فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ، ولايسكن منها الحنين ، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول ، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت ، فكأنها من فم رسول الله صلى الله عليه وآله تنطق .
فتبادرت النسوان وخرجت الولائد والولدان ، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وجاء الناس من كل مكان ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء وخيّل إلى النسوان أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد قام من قبره ، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي عليها السلام تنادي وتندب أباه : « وا أبتاه ، وا صفياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى ، مَن للقبلة والمصلى ؟ ومَن لابنتك الوالهة الثكلى » ؟
ثم أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر شيئا من عَبرتها ، ومن تواتر دمعتها ، حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه وآله ، فلما نظرت إلى الحجرة وقعت طرفها على المأذنة فقصرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أغمي عليها ، فتبادرت النسوان إليها ، فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت ، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول :
« رفعت قوّتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوي ، والكمَد قاتلي ، يا أبتاه ، بقيت والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة ، فقد انخمد صوتي ، وانقطع ظهري ، وتنغصّ عيشي ، وتكدّر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادّا لدمعتي ، ولا معينا لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ومهبط جبرئيل ومحل ميكائيل ، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب ، وتغلّقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قالية ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكية ، لا ينفد شوقي إليك ، ولا حزني عليك » .
ثم نادت : « يا أبتاه ، وا لبّاه » . ثم قالت :
إنّ حزني عليك حـزن جديد وفؤداي والله صـبّ عنيــد
كلّ يوم يزيد فيـه شجونـي واكتئابـي عليك ليـس يبيـد
جلّ خطبي فبان عنّي عزائي فبكائي في كل وقت جديــد
إنّ قلبا عليك يألف صبــرا أو عزاءً فإنّــه لجلـيــد

=

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 39


=
ثم نادت : « يا أبتاه ، انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وزوت زهرتها ببهجتك زاهرة ، فقد اسودّ نهارها ، فصار يحكي حنادسها ، رطبها ويابسها ، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق ، يا أبتاه زال غمضي منذ حقّ الفراق ، يا أبتاه مَن للأرامل والمساكين ؟ ومَن للأمّة إلى يوم الدين ؟ يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين ، يا أبتاه أصبحت الناس عنّا معرضين ، ولقد كنّا بك معظّمين في الناس غير مستضعفين ، فأيّ دمعة لفراقك لا تنهمل ، وأيّ حزن بعدك عليك لا يتّصل ؟ وأيّ جفن بعدك بالنوم يكتحل ؟ وأنت ربيعة الدين ، ونور النبيين ، فكيف للجبال لا تمور ، وللبحار بعدك لا تغور ، والأرض كيف لم تتزلزل ، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزيّة بالقليل ، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم وبالفادح المهول .
بكتك يا أبتاه الأملاك ، ووقفت الأفلاك ، فمنبرك بعدك مستوحش ، ومحرابك خال من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك .
يا ابتاه ، ما أعظم ظلمة مجالسك ، فوا أسفاه عليك ، إلى أن أقدم عاجلا عليك ، وأثكل أبوالحسن المؤتمن ، أبو ولديك الحسن والحسين ، وأخوك ووليك وحبيبك ، ومن ربّيته صغيرا وواخيته كبيرا ، وأجلّ أحبابك وأصحابك إليك ، من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا ، والثكل شاملنا ، والبكاء قاتلنا ، والأسى لازمنا » .
ثم زفرت زفرة ، وأنّت أنّة ، كادت روحها أن تخرج ، ثم قال :
قلّ صبري وبان عنّـي عزائـي بعــد فقـدي لخاتم الأنبيـاء
عين يا عين اسكب الدمـع سحّا ويـك لا تبخلـي بفيض الدماء
يا رسول الإلـه يا خيــرة الله وكهـف الأيتـام والضعفــاء
قد بكتك الجبال والوحش جمعـا والطير والأرض بعد بكي السماء
وبكاك الحجون والركن والمشـ ـعر يا سيدي مـع البطحــاء
وبكاك المحراب والدرس للقر آن في الصبــح معلنا والمسـاء
وبكاك الإسلام إذ صار في النـ ـاس غريبا من سـائر الغربــاء
لو ترى المنبر الذي كنت تعلـ ـوه علاه الظــلام بعد الضيــاء
يا إلهي عجّل وفاتي سريعــا فلقــد تنغّصت الحياة يا مولائي

قالت : ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها ، وهي لاترقأ دمعتها ، ولا تهدأ زفرتها .

=

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 40


=
واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له : يا أبا الحسن إنّ فاطمة عليها السلام تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منا يتهنّأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معائشنا ، وإنا نخبّرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا . فقال عليه السلام : « حبّا وكرامة » .
فأقبل أميرالمؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة عليها السلام وهي لاتفيق من البكاء ، ولاينفع فيها العزاء ، فلما رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها : « يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلا وإما نهارا » . فقالت : يا أبا الحسن ، ما أقلّ مكثي بينهم ، وما اقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا ، أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه وآله » . فقال لها علي عليه السلام : « افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك » .
ثم إنه بنى لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمّى « بيت الأحزان » ، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلام أمامها وخرجت إلى البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام إليها وساقت من بين يديه إلى منزلها .
ولم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوما ، واعتلّت العلة التي توفّيت فيها ، فبقيت إلى يوم الأربعين ، وقد صلى أميرالمؤمنين عليه السلام صلاة الظهر وأقبل يريد المنزل ، إذا استقبلته الجواري باكيات حزينات ، فقال لهن : « ما الخبر ، وما لي أراكنّ متغيّرات الوجوه والصور » ؟ فقلن : يا أميرالمؤمنين ، أدرك ابنة عمك الزهراء عليها السلام ، وما نظنّ تدركها .
فأقبل أميرالمؤمنين عليه السلام مسرعا حتى دخل عليها ، فإذا هي ملقاة على فراشها ، وهو من قباطي مصر ، وهي تقبض يمينا وتمدّ شمالا ، فألقى الرداء عن عاتقه ، والعمامة عن رأسه ، وحلّ أزراره ، وأقبل حتى أخذ رأسها وتركه في حجره ، وناداها : « يا زهراء » ، فلم تكلّمه ، فناداه : « يا بنت محمد المصطفى » ، فلم تكلمه ، فنادها : « يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه وبذلها على الفقراء » ، فلم تكلّمه ، فناداه : « يا ابنة من صلّى للملائكة في السماء مثنى مثنى » ، فلم تكلمه ، فناداها : « يا فاطمة كلّميني ، فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب » .
قالت : ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى وقال : « ما الذي تجدينه ، فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب » .
فقالت : « يا ابن العمّ ، إني أجد الموت الذي لابدّ منه ولا محيص عنه ، وأنا أعلم أنّك بعدي لاتصبر على قلّة التزويج ، فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوما وليلة واجعل لأولادي

=

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 41


=
يوما وليلة ، يا أبا الحسن ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين ، فإنهما بالأمس فقد اجدهما واليوم يفقدان أمهما ، فالويل لأمة تقتلهما وتبغضهما » .
ثمّ أنشأت تقول :
ابكني إن بكيت يا خير هـادي واسبل الدمع فهو يوم الفـراق
يا قرين البتول أوصيك بالنسل فقد أصبحــا حليـف اشتياق
ابكني وابك لليتامى ولا تنـس قتيل العدى بطــفّ العـراق
فارقوا فاصبحوا يتامى حيارى يحلف الله فهو يــوم الفـراق
قالت : فقال لها علي عليه السلام : « من أين لك يا بنت رسول الله هذا الخبر ، والوحي قد انقطع عنّا » ؟ فقالت : « يا أبا الحسن ، رقدت الساعة فرايت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله في قصر من الدر الأبيض ، فلما رآني : هلمّي إليّ يا بُنيّة فإنّي إليك مشتاق . فقلت : والله إني لأشدّ شوقا منك إلى لقائك . فقالت : أنت الليلة عندي . وهو صادق لما وعد ، والموفي لما عاهد .
فإذا أنت قرأت يس فاعلم أنّي قد قضيت نحبي ، فغسّلني ولا تكشف عنّي ، فإني طاهرة مطهرة ، وليصلّ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى ، ومن رزق أجري ، وادفنّي ليلا في قبري ، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله » .
فقال علي : « والله لقد أخذت في أمرها ، وغسّلتها في قميصها ولم اكشفه عنها ، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهّرة ، ثم حنّطتها من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها ، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت : « يا أم كلثوم ، يا زينب ، يا سكينة ! يا فضّة ، يا حسن ، يا حسين ، هلمّوا تزوّدوا من أمّكم ، فهذا الفراق واللقاء في الجنة » .
فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام وهما يناديان : « وا حسرتا ، لا تنطفئ أبدا من فقد جدّنا محمد المصطفى وأمّنا فاطمة الزهراء ، يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له : إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا » .
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : « إني أشهد الله أنها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّا ، وإذا هاتف من السماء ينادي : يا أبا الحسن ارفعهما عنها ، فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات ، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب » .
قال : فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبيات :
فراقك أعظم الأشياء عندي وفقدك فاطـم أدهى الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجوا على خلّ مضى أسنى سبيل

=

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 42

فيا لها مصائب ينسى عندها يوسف يعقوب ، ونوائب يذهل ضرّه لديها أيّوب ، وفوادح صدّعت صفاة الإيمان ، وفوادح أورت نيران الصبابة في قلوب أنبياء الرحمان ، وكدّرت على أرباب الصفا موارد البشر والهنا .
وروي أنها صلوات الله عليها لما جرى لها مع أبي بكر ما جرى من الاحتجاج ـ كما في الاحتجاج ـ انكفأت إلى منزلها مكسورة القلب ، باكية العين ، وأميرالمؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها ويتطلّع طلوعها ، فلما استقرّت بها الدار قالت لأميرالمؤمنين (عليه السلام) : « يا ابن أبي طالب ، عليك مني السلام ورحمة الله وبركاته ، اشتملت شلمة الجنين ، وقعدت حُجرة الظنين (1) ، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل (2) ، هذا ابن أبي قحافة يبتزّ نحلة أبي وبلغة (3) بنيّ ، لقد أجهد

=
ألا يا عين جودي واسعديني فحزني دائم أبكي خليلي

ثم حملها على يده وأقبل بها إلى قبر أبيها ونادى : « السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نور الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، منّي السلام عليك ، والتحية واصلة مني إليك ولديك ، ومن ابنتك النازلة عليك بفنائك ، وإنّ الوديعة قد استردّت ، والرهينة قد أخذت ، فوا حزناه على الرسول ، ثم من بعده على البتول ، ولقد اسودّت عليّ الغبراء ، وبعدت عنّي الخضراء ، فوا حزناه ثم وا أسفاه » .
ثمّ عدل بها على الروضة فصلى عليه في أهله وأصحابه ومواليه وأحبّائه وطائفة من المهاجرين والأنصار ، فلما واراها وألحدها في لحدها أنشأ بهذا الأبيات يقول :
أرى علل الدنيا عليّ كثيـرة وصاحبها حتى الممات عليل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة وإنّ بقــائي عندكـم لقليل
وإنّ افتقادي فاطما بعد أحمد دليل على أن لا يـدوم خليل

(1) الظنين : المتهم ، أي : اختفيت عن الناس كالجنين ، وقعدت عن طلب الحق ، ونزلت منزلة الخائف المتهم .
(2) الأجدل : الصقر ، وقادمة الأجدل : مقاديم ريشه . قال الجوهري في صحاح اللغة : 1 : 248 : خات البازي واختات : أي انقضّ على الصيد ليأخذه . على هذا فالأظهر أنه كان في الأصل « خاتك » بالتاء المثناة الفوقانية كما في مناقب ابن شهر آشوب ، فصحّف .
(3) بزّ ثيابه : سلبه ، والبلغة ـ بالضم ـ : الكفاية ، وهو ما يكتفى به في العيش . ( مجمع البحرين ) .
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 43

في خصامي ، وألفيته ألدّ في كلامي ، حتى حبستني قيلة (1) نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضّت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، أضرعت خدّك ، يومَ أضعت جدّك ، افترست الذئاب ، وافترشت التراب ، ما كففت قائلا ، ولا أغنيتَ عائلا ، لا خيار لي ، ليتني متّ قبل هنيئتي ودون ذلّتي ، عذيري الله منك عاديا ، وفيك (2) حاميا ، ويلاي في كلّ شارق ، ويلاي في كلّ غارب ، مات العمد ووهى (3) العضد ، شكواي الى أبي ، وعَدواي إلى ربي ، اللهم إنك أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا » .
تشجعه وهي العليمة أنــه أخو السيف في ملمومة الدفعات

فقال لها أميرالمؤمنين (عليه السلام) : « لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت في ديني ، ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك موجود ، وما أعدّ لك أفضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله » .
فقالت : « حسبي الله ونعم الوكيل »(4) .
اليوم شقّق جيب الديــن وانتهبت بنــات أحمد نهب الروم والصين
اليوم قام بأعلى الطـف نادبهــم يقـول مَن ليتيــم أو لمسكيــن
اليوم خرّت نجوم الفخر من مضر على معاطــس تذليــل وتوهين

(1) قليلة ـ بالفتح ـ بنت كاهل ، أمّ قبيلة الأوس من الأنصار . وفي النسخة : « القبيلة » .
(2) في المصدر : « ومنك » .
(3) في المصدر : « ووهن » .
(4) رواه الشيخ الطوسي في أماليه : المجلس 38 الحديث 8 ، وعنه المجلسي في البحار : 29 : 323 ح 9 .
وأورده ابن شهر آشوب في المناقب : 2 : 237 في ظلامة أهل البيت عليهم السلام مع اختلاف في بعض الألفاظ ، وعنه المجلسي في البحار : 43 : 148 .
ورواه الطبرسي في الاحتجاج : 1 : 280 مع اختلاف في بعض الألفاظ .
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 44

اليوم اطفئى نــور الله متّقـدا وجرّرت لمم التقوى على الطين
اليوم تهتك أسرار الهدى مزقـا وبرقعت غـرة الإسلام بالهون
اليوم زعزع قدس من جوانبـه وهاج بالخيـل سادات الميامين
اليوم شق على الزهـرا كِلّتهـا وسـاوروهـا بتنكيـب وتوهين
اليوم نالت بنو حـرب طلائبهم مما صلــوه ببـدر ثم صفّيـن
اليوم جدّل سبط المصطفى شرقا من نفسه بنجيع غيــر مسنون
نالوا أزمّة دنياهــم ببغيهــم فليتهم سمحوا منهــا بماعـون
يا عين لا تدّعـي شيئا لغاديـة تهمى ولا تدعـي دمعا لمحزون

وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل يوما على فاطمة عليها السلام فرآها قد عجنت عجينا للخبز ووضعت طينا في الماء لتغسل به رؤوس أولادها ، فتعجّب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : « يا بنت رسول الله ، ما عهدتك تشتغلين بعملين من الدنيا في يوم واحد ، وما أظنّه إلا من سبب » !
فبكت فاطمة (عليها السلام) وتحدّرت عبراتها على وجناتها وقالت : « يا أميرالمؤمنين ، هذا فراق بيني وبينك ، اعلم أني رأيت البارحة في منامي أبي (صلى الله عليه وآله) وهو واقف في مكان مرتفع يلتفت يمينا وشمالا كأنه ينتظر أحدا ، فقلت له : يا أبتاه ، مضيت عنّي وتركتني وحيدة فريدة أبكي عليك ليلي ونهاري وعشيّتي وأبكاري ، لا ألتذّ بطعام ولا أتهنّى بمنام . فقال لي : يا فاطمة ، إني واقف هنا للانتظار . قلت : فلمن تنتظر يا أبتاه ؟ قال : أنتظرك يا فاطمة ، فإنّ مدّة الفراق قد تجاوزت ، وليالي الهموم والأشواق قد تصرّمت ، وقرب وقت الارتحال ، لنفوز بالملاقاة والوصال ، وتقلعي أطناب خيمة بدنك من المضائق السفلية ، وتنصبيها في فضاء العوالم العلوية ، وتفرّي من مطمورة الدنيا ، وتسكني معمورة العقبى ، يا فاطمة ، عجّلي فإني في انتظارك ، ولا أبرح من مكاني حتى تأتيني فأسرِعي ، وسأخبرك يا بنتي أنّ وقت وصولك إليّ في الليلة القابلة .

مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 45

فلما رأيت الرؤيا أيقنت أنّي راحلة عنك في عشية الليلة المقبلة ، وهذا العجين أخبزه في هذا اليوم ، والطين أغسل به رؤوس أولادي ، لأنّك في غداة غد مشغول بتجهيزي وغسلي ، وأخاف أن تجوع أولادي وتبقى رؤوسهم مغبرّة وثيابهم دكنة (1) ، فعملت هذين العملين في هذا اليوم » .
وجعلت تغسل قميص ولدها وتمشط رأسيهما وهي تقول : « ليتني أعلم بالذي يقع عليكم من بعدي من القتل والسمّ » .
ثم التفتت إلى عليّ (عليه السلام) وقالت : « يا ابن العمّ ، لي عندك أربع وصايا : الأولى : إن كان وقع منّي تقصير لجنابك فاعف عنّي واسمح لي » .
فقال (عليه السلام) : « حاشاك يا سيدة النساء والتقصير ، بل كنت في كمال المحبة ونهاية المودة والشفقة عليّ والرضا والقناعة بما يأتيك منّي » .
ثم قالت : « وأما الوصية الثانية : فإني أوصيك يابن العم إذا تزوّجت بامرأة فاجعل لها يوما ولولديّ يوما ، يا أبا الحسن بلّغهما آمالهما ولا تنهرهما ولا تصح في وجههما ، فإنما يصبحان غريبين يتيمين منكسرين ، لأنهما بالأمس فقدا جدهما واليوم أمّهما » .
فجلس عليّ (عليه السلام) عند رأسها ، وأمرت أسماء بنت عميس أن تصنع للحسن والحسين طعاما فيأكلان ويذهبان ، فبينما هي كذلك إذا أقبلا ، فوضعت لهما حصيرا وقدّمت لهما الطعام ، فقالا : « يا أسماء ، ما فعلت أمنا ؟ وهل رأيت أيّنا نأكل بغير أمّنا » ؟
فقالت أسماء : يا ابني رسول الله ، إنّ أمّكما عندها بعض التصديع .
قال : فقاما ودخلا عليها ، فوجداها متّكئة على فراشها وعليّ عند رأسها ، فلما رأتهما قالت : « يا أبا الحسن ، امض بولديك إلى قبر جدّهما » . وكان مرادها عدم حضورهما عند وفاتها لئلا تنزعج قلوبهما ، فخرج بهما عليّ (عليه السلام) .
قال الراوي : فلما كان اليوم الأربعون أقبل أميرالمؤمنين (عليه السلام) يريد المنزل ،

(1) دكن دكنا ودكنة : مال إلى الصواب ، والثوب اتّسح واغبرّ لونه . ( المعجم الوسيط ) .
مصارع الشهداء ومقاتل السعداء 46

فاستقبلته الجواري وهنّ باكيات ، فقال (عليه السلام) لهنّ : « ما الخبر » ؟ فقلن : سيدنا ، أدرك ابنة عمك . فأقبل مسرعا حتى دخل عليها فإذا هي ملقاة على فراشها وهي تقبض يمينا وتمدّ شمالا ، فألقى عن عاتقه الرداء ، ونزع العمامة عن رأسه وحل إزاره ، وأخذ رأسها في حجره وناداها : « يا زهرا » . فلم تكلّمه فنادى ثانية : « يا بنت محمد المصطفى ، يا ابنة من حمل الزكاة بأطراف الرداء » . فلم تكلّمه ، فنادتها : « يا فاطمة ، أنا ابن عمك » . ففتحت عينها في وجهه وبكت وبكى ، ثم قال لها : « ما الذي تجدين » ؟ قالت : « هو الموت الذي لابدّ منه ولا محيص عنه » .
قال : ثم إن الحسن والحسين رجعا ودخلا عليها ، فوجداها متّكئة على فراشها تجود بنفسها الشريفة ، فجعلا يقبّلان يديها ورجليها ويقولان : « يا أماه ، افتحي عينك وانظري إلى يتيميك » . فلما سمعت صوتهما فتحت عينها فرأتهما وضمتهما إلى صدرها وقالت : « ليتني أدري بما يقع عليكما من بعدي » . ثم أمرت بإحضار بناتها زينب وأم كلثوم وأوصت الحسن والحسين بهما .]
وتوفّيت صلوات الله عليها في اليوم الثامن من شهر ربيع الثاني على أحد الأقوال سنة عشر من الهجرة .
فيا دموعي السواكب سيلي سيل الجداول ، ويا نيران وجدي اللواهب كنّى حنايا الضلوع النواحل ، ويا فؤادي الذاهب اتّخذ عن السلوة المعازل ، أو لا تكونون يا إخواني الأطائب وخلاني الأفاضل كمن رشقته سهام هذه المصيبة الصوائب فأصابت منه المقاتل ، وتجرّع كأس هذه الداهية العاطب ورشف أقداح الخطب الشامل ، فرثاهم بما سنح له من المراثي والنوادب ، ولله درّه من ثاكل .

منهاج البكاء في فجائع كربلاء 47

المصرع الثالث

وهو مصرع أميرالمؤمنين
(عليه السلام)

إخواني ، قرّطوا آذان الإيمان بفكّ أقفالها ، وشنّفوا مسامع الإذعان بحلّ أغلالها ، وخففوا ظهور الإيقان بحطّ أثقالها ، وتيقّنوا أنّ الحكيم الأكمل لم يخلق الخلق بلا فائدة ، وتصوّروا أن الحاكم الأعدل لا يظلم في الأحكام النافذة ، واعلموا أنّ الغنيّ الجواد لا يرغب إلى رفد سواه ، وتحققوا أنّ الكريم المتفضّل لا يرجع فيما أسداه ، والطبع السليم أوجب شكر المنعم ، والعقل المستقيم حتّم حمد الرازق المتكرّم ، والشكر على جسيم الفواضل ضروريّ الوجوب ، والحمد لربّ الفضائل أمر مندوب .
فأعظم منن الله على العباد إرشادهم إلى طريق الرشاد ، وأجسم مواهب الملك الجواد إيصال عبده إلى جادة السداد ، ليفيض عليه نوالَيه ، حيث قد منحه بأصغَريه ، وكشف عن محجّبات عقله حجاب المتشكّكين ، وناداه بعد فتح باب المعرفة : « اُدخلوها بسلام آمنين»(1) .
وعلة هذه النعمة وأصلها ومعناها وصورتها هي الولاية لأميرالمؤمنين عليه السلام ، وبها يصل العبد إلى غاية المرام ، وذلك لأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام أخو النبي ووصيّه ، ونائب الحق تعالى ووليه ، وأسد الله وعليّه ، ومختاره ورضيّه ، الذي واسى النبي وساواه ، وبمهجته في الملّمات وقاه ، وأجابه حين دعاه ولبّاه ، وشيّد الدين بعزمه وبناه ، وكان بيت النبوّة مرباه ومنشاه ، وشمس الرسالة عرشه ومرتقاه ، وغُصنَي الجلالة ولداه ، فكم نصر الرسول وحماه ، وغسّل النبي وواراه ، وقام بدَينه

(1) سورة الحجر : 15 : 46 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي