ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 51
وفي السنة الثانية : نهب المدينة , وأباحها ثلاثة ايام , وفتك الفتك العظيم بأهلها حتى قتل في الوقعة (1) جماعة من الصحابة , ولم يبقي بدري بعد ذلك , وقتل من سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف , وافتضت ألف عذراء (2) .
وفي السنة الثالثة : غزا الكعبة فهدمها.
قال المسعودي : شمل الناس جور يزيد بن معاوية وعماله , وعمهم الظلم وما ظهر من فسقه , ومن قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وما ظهر من شرب الخمور , وسيرته سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في الرعية (3) (4) .
وقال محمد بن علي ـ المعروف بالطقطقي ـ في كتابه «الفخري» : إن يزيد بن معاوية كان موفر الرغبة في اللهو , والقنص , والخمر , والنساء , والشعر (5) .
وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة , واستعملت الملاهي (6) , ومن قوله في الخمرة :
(1) انظر أخبار «وقعة الحرة» في : الفخري في الآداب السلطانية .
(2) قال ياقوت في معجم البلدان (حرة) : واستباحوا الفروج , وحملت منهم ثمانمئة حرة وولدان وكان يقال لأولئك الأولاد أولاد الحرة .
(3) مروج الذهب للمسعودي : 3/68 .
(4) وروى ابن سعد في «الطبقات» ترجمة عبدالله بن حنظلة :
«انه بايع أهل المدينة ـ ليلة الحرة ـ على الموت , وقال : ياقوم , اتقوا الله وحده لا شريك له , فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء , إن رجلا ينكح الامهات والبنات والخوات , ويشرب الخمر , ويدع الصلاة , والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليك لله فيه بلاءا حسنا» . انظر طبقات ابن سعد : 5/66 .
(5) الفخري في الآداب السلطانية : 98 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الأول 52
أقول لصحب ضمت الكأس شملهم وداعي صبابات الهوى يترنم
خذوا بـنصيـب مـن نعيم ولذه فكل وإن طال المدى يتصرم
وهو القائل لما نهاه أبوه عن شرب الخمر الكثير :
أمن شـربة من ماء كـرم شربتها غضبت علي اليوم طاب لي الخمر
سأشرب فاسخط او رضيت كلاهما حبيب إلى قلبي عـقوقك والسـكر

يروى أن معاوية أرسل سرية إلى قسطنطنية الروم وأمر عليها سفيان ابن عوف ثم ورد الخبر أنهم أصابهم جوع ومرض شديد , فأنشأ يزيد يقول :
إذا ارتفعت على الانماط مصطبحا بدير مران عندي ام كلثوم
فما ابـالي بمـا لاقت جـنودهم بالغذ قذونة من حمى وموم (1)

وكان له قرد يكنى بأبى قيس , يحضره في مجلس منادمته , ويطرح له متكأ , وكان قردا خبيثا , وكان يحمله على أتان وحشية , قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام , وكان يسابق بها الخيل يوم الحلبة ' فجاء في بعض الايام سابقا , فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل , وعلى أبي قيس قباء من الحرير الأحمر والأصفر , منقوش يلمع بأنواع الألوان , فقال في ذلك بعض شعراء الشام :
تمسك أبا قـبيس بـفضل عنانها فليس عليها إن سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذي سبقت به جـياد امـير المؤمنين أتان (2)

وقال المسعودي في «مروج الذهب» : كان يزيد صاحب طرب , وجوار , وكلاب , وقرود , وفهود , ومنادمة علي الشراب , وجلس ذات يوم على شرابه
(1) انظر كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : 17 /210 .
(2) مروج الذهب للمسعودي : 3/68 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الأول 53
وعن يمينه عبيد الله بن زياد (1) , وذلك بعد قتل الحسين عليه السلام فأقبل على ساقيه فقال :
أسقني شربة تروي حشاشتي ثم قم فاسق بعدها ابن زياد
صاحب السر والامانة عندي ولتـسديد مغنمي وجهادي
قاتل الخارجي اعني حسينا ومـبيد الاعـداء والحساد

ويروى ايضا إنه لما جيء أليه برأس الحسين عليه السلام وهو في طشت من لجين وضع بين يديه , فجعل يشرب الخمر ويصب فضلته حول الطشت ألذي فيه رأس الحسين عليه السلام وهو يتمثل بأبيات ابن الزبعري :
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل (3)
ويروى انه لما وضعوا الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليه السلام جعل يقول :
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواظب في ايماننا تقطر الدما
نفـلق هاما من رجـال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما
(1) هوعبيد الله بن زياد : كان يكنى أبا حفص , وكان أباه زياد قد طلق امه (مرجانة) وزوجها من شيروية الأسواري ودفع اليها عبيد الله , فنشأ بين الأساورة ومن هنا جاءته اللكنة , وكان ولاه معاوية خراسان ثم ولي البصرة خمس سنين , ولما هلك ابوه ضمت اليه الكوفة فكانت ولايته على العراقيين ثمان سنين , بعد هلاك يزيد اخرجه اهل البصرة من داره واستجار بمسعود بن عمرو الأزدي , ولما قتل مسعود هرب الى الشام فكان مع مروان بن الحكم وكان يوم «مرج راهط» على إحدى مجنبتي عسكره , فلما ظفر مروان بالضحاك بن قيس الفهري وقتله ورده مروان إلى العراق فبينا هو قد قرب من الكوفة إلتقى به إبراهيم بن الأشتر النخعي على جيش من جيوش المختار بن عبيد الثقفي فناجزه الحرب فظفر به وقتله , وكان قتله يوم عاشوراء سنة (67هــ) . راجع ترجمة (عبيدالله بن زياد) في :
(2) مروج الذهب للمسعودي : 3/67 .
(3) هذه الابيات نسبها السيد ابن طاووس في اللهوف إلى ابن الزبعري.
ثمرات الاعواد ـ الجزء الأول 54
فقام يحيى بن الحكم وهو يقول :
لهام بجنب الطف أدنـى قرابة من ابن زياد النغل ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله لـيست بـذي نسل
وجعل يزيد ينكث ثنايا الحسين عليه السلام بعود الخيزران بمنظر من بناته وأخواته .
أتضربها شلت يمينك إنها وجوه لوجه الله طال سجودها (1)
(1) وزينب عليها السلام كأني بها :

(نصاري)

يحسين راسك حين شفتة تلعب عصى ايزيد على شفته
ذاك الوطت وجهي لطمتة صديتله ابـحرگه ونـدهـتة
شلت يمينك يالضربته

(ابوذية)

هضمنا ما جرى اعلى احد وشافه بري بينه العدو وجرحـه وشافـه
على راس الـسبط تلعب وشافه عصى ايزيد ويسب حامي الحميه
* * *
أيهدى الى الشامات رأس ابن فاطم وينكته بالخيزرانة كاشحه
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 55


المطلب العاشر

في سبب عداوة يزيد ابن معاوية مع الحسين عليه السلام

الأضغان أصلية وفرعية , أما الأصلية فهي ما وقع بين هاشم وعبد شمس , لأنهما ولدا توأمين وقد إلتصقت إبهام رجل هاشم بجبهة عبد شمس , ففرق بينهما بالسيف وخرج الدم وفتفؤل بوقوع عداوة بين ذريتهما , ومن هنا كانت العداوة بين حرب ابن امية وبين عبد المطلب بن هاشم , وبين النبي صلى الله عليه واله وسلم وبين أبي سفيان بن حرب , وبين علي عليه السلام وبين معاوية .
وأما سبب عداوة يزيد بن معاوية مع الحسين فأنها فرعية (1) .
يروى انه كانت امرأة تسمة ارينب بنت اسحاق زوجة لعبد الله بن سلام , بارعة في الجمال , وكانت مثلاً لأهل لحسنها وجمالها ,فعشها يزيد بن
(1) ذكر هذه القصة «محمد بن مسلم بن قتيبة» في كتاب )الإمامة والسياسة) و(انويري) في (نهاية الإرب) , وذكرها صاحب (المستطرف) وغيرهم من المؤرخين على اختلاف بسيط شأن أرباب التاريخ , انظر : الامامة والسياسه : 1/216 , وثمرات الوراق (بهامش المستطرف) : 1/169 , ونهاية الإرب : 6/180 ـ 185 , وتاريخ الطبري : 2/252 ـ 254 , وطبقات ابن سعد : 1/76 , والمستطرف : وفصل النزاع والتخاصم فيما بينى بني اميه وبني هاشم للبقريزي : (6 , 18 , 38) , والنصائح الكافية للشريف اليمني السيد ابن عقيل : (هامش ص 97) , والأرجوزه اللطيفة لأحمد خيري : 20 ـ 21 (الأبيات 37 ـ 39) .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 56
معاوية وهام بها حتى مرض مرضا ً شديدا , فلما نظر إليه معاوية وهو بتلك الحالة ظن أنه قد أصابه مرض اعيى الأطباء عن معالجته , وقد قيل له : إن ولدك هذا عاشق , ولا تنفعه معالجتنا , وهو لا يبرء حتى تأتيه بطلبته , فانظر ما بغيته وما طلبته , فاذا أتيت به إليه فإنه يبرء ؛ فدعا معاوية عبد له يدعى سرجون , وقال له : اختل مع يزيد واسأله ما بغيته وما طلبته ؟ فاختلى به سرجون وأخبر فأطلعه يزيد على ذلك , فجاء سرجون وأخبر معاوية انه عاشق لأرينب بن إسحاق , فاخذ معاوية يدبر الحيلة في إيصالها له بكل طريق , فأرسل الى زوجها عبدالله بن سلام «أني قلبت الأمر ظهرا لبطن (1)ونظرت فرأيت ان اهل الشام أوباش , وأنهم لا يليقون لهذا الأمر وقد وجدتك مستحقا للخلافة فأقدم إلينا حتى أجعلك ولي عهدي» .
فلما ورد الكتاب على عبدالله بن سلام فرح وسر سرورا عظيما , وتجهز من وقته وساعته وجعل يجد السير ليلا ونهارا , حتى إذا وصل الشام وبلغ معاوية قدومه خرج لاستقباله هو حفدته كأبي الدرداء وأبي هريرة ونظائرهما , فلما نظر عبدالله إلى ذلك اطمأن قلبه وفرح , ثم جئ به الى دار من دور معاوية فأنزل فيها , وبقى في الشام مدة من الزمن , فقال له معاوية يوما : أريد أن أزوجك أبنتي حتى تكون الخلافة لك من بعدي , ـ وكان ذلك على يد أبي الدرداء (2) وأبي هريرة ـ
(1) يعني أمر الخلافة وولاية العهد.
(2) أبو الدرداء هو : عامر بن زيد الانصاري ' كان صحابيا وكان يعد من ثلاثة علماء أهل الأرض قال بن قتيبة : إن أبا الدرداء وأبي هريرة جاءا لعلي ـ ولقد بعثهما معاوية ـ فقالا لعلي : إن لك فضلا لا يدفع , وقد سرت مسيرة فتى الى سفيه من السفهاء , ومعاوية يسألك أن تدفع اليه قتلة عثمان , فإن فعلت ذلك وقاتلك كنا معك ؛ فقال عليه السلام : أتعرفانهم : ؟ قالا : نعم , فقال عليه السلام : فخذاهم , فأتيا محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر والأشتر فقال : أنتم من قتلة عثمان قد امرنا بأخذكم , قال : فخرج اليهم اكثر من عشرة الاف رجل فقالوا : نحن قتلة
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 57
فقبل عبدالله , فأخبر معاوية بذلك وجاء معاوية الى ابنته وقال لها : إذا أتاك أبو الدرداء وأبو هريرة ليخطباك لعبدالله فقولي لهما : إن عبد الله كفؤ كريم , وقريب حميم , غير أنه تحت ارينب بنت إسحاق وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء , فأتولي منه ما أسخط الله فيه فيعذبني عليه , ولست بفاعلة حتى يفارقها , وإذا طلقها رضيت به بعلاً .
ثم ان ابي الدرداء وابي هريرة جاءا إلى معاوية وقالا له : قد أخبرنا عبدالله وسر سروراً عظيما , فقال لهما معاوية , أن ادخلا على إبنتي وكلماها في هذا الأمر ؛ فدخلا عليه , وعرضا عليه ما ارتضاه لها ابوها , فقالت لهما بالذي علمها أبوها , فجاءا لمعاوية وأخباه بذلك , قال : أمضيا وأعلما عبد الله ببغيتها ؛ فدخلا على عبد الله وأعلما ببغيتها قال : نعم إن زوجتي بنت اسحاق طالق , فطلقها بشهادتهما فرجعا لمعاوية وأخبراه , ولما بلغ لارينب الخبر اعدت بعدتها , وبقي عبد الله باشام راجيا أن يزوجه معاوية ابنته وأن يجعله ولي عهده , فصار معاوية بعد ذلك لا بعبأ به ولا يلتفت إليه .
ولما ان قضت عدت ارينب , دعا معاوية ابي الدرداء وقال له : تمضى الى المدينة خاطبا ارينب لولدي يزيد , وليكن المهر حكمها بالغا ما بلغ ؛ فسار أبو الدرداء حتى إذا وصل المدينة فقال في نفسه : والله لا ابتدأ بشئ قبل أن ازور قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم , فجاء ودخل مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فزار النبي صلى الله عليه واله وسلم , ثم خرج وقال في نفسه : لأمضين إلى زيارة سيدي و مولاي الحسين عليه السلام , فلما رآه رحب به وقال
عثمان فقالا : لا نرى امرا شديدا .
وذكر نصر بن مزاحم ان أبا الدرداء رجع من صفين ولم يشهد القتال . انظر : الامامة والسياسة لابن قتيبة 1/128 , ووقعة صفين للمنقري : 190
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 58
له : من أين أقبلت يا أبا الدرداء ؟ قال ؟ سيدي من الشام , فقال له الحسين عليه السلام : ما حاجتك ؟ قال : خاطبا ارينب ليزيد ابن معاوية ,فقال له الحسين عليه السلام : أجل اذكرني عندها , واجعل مهرها حكم لسانها بالغاً ما بلغ ؛ فقال : اعرض عليها انشاء الله .
ثم خرج من عند الحسين عليه السلام , فلقيه القثم ابن العباس ابن عبد المطلب (1), فسأله عن سبب مجيئه فأخبره بما جاء فيه , فقال : اذكرني عندها ؛ ثم لقيه عبدالله بن الزبير فسأله عن سبب قدومه الى المدينة , فأخبره بذلك فقال له :اذكرني عندها ؛ قال :افعل . ثم أقبل حتى دخل عليها , فسلم فردت عليه السلام , ورحبت به , فلما استقر بها المجلس قال لها : يا ارينب اني اتيت خاطباً لك ؛ قالت : لمن ؟ قال : لأربعة نفر للحسين بن علي بن ابي طالب , وليزيد ابن معاوية , وللقثم بن العباس , ولعبد الله بن الزبير , والصداق ما تحكمين به انت بالغاً ما بلغ . فتبسمت , فقال لها : لا تتبسمي ولي فيك رغبة , فقالت له : أستشيرك والمستشار لا يخون , فقال : أنا اشير عليك , واعرض لك الحقيقة , أما اذا أردت الدنيا بلا لآخرة فعليك بيزيد ابن معاوية , وإن كنت تريدين الجمال والبهاء فعليك بالقثم ابن العباس , وإن كنت تريدين الشجاعة والبسالة فعليك بابن الزبير إلا انه بخيل , وإن كنت تريدين شرف الدنيا والآخره فعليك بالحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام , وان كنت
(1) القثم ابن العباس بن عبد المطلب : ولد على عهد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وليست له رواية عنه لأنه كان صغيرا , وكان من خواص امير المؤمنين عليه السلام , وكان عامله على مكة , وكتب إليه في بعض كتبه : «اقم للناس الحج , وذكرهم بايام الله , واجلس لهم العصرين , فأفت المستفتي وعلم الجاهل وذاكر العالم ... إلى اخر كلامه عليه السلام»ومنها يعرف جلالة قدره وعدالته وثقة امير المؤمنين عليه السلام به , [انظر نهج البلاغة : 3 : 140/67] . وفي رجال الشيخ الطوسي ؟ 55/7 , وفيه: في بعض النسخ المعتبرة قبره بسمرقند ؛ وفي المعارف : 122 , قال ابن قتيبة : قتل بسمرقند
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 59
تريدين لا دنيا لا آخرة فعليك بي . قالت : إعقدها للحسين بن علي عليه السلام ؛ فعقدها أبو الدرداء للحسين عليه السلام , وبذل لها الحسين اموالاُ جزيرة , وأفرغ لها دارا وأعزها وأكرمها , ولم يصل إليها ولم يدخل بها , وأما عبد الله بن سلام فإن معاوية تركه وقكع عنه روافده لسوء قوله فيه , وأسقط ما في يديه , فرجع الى المدينه وقد بلغه ما فعل الحسين عليه السلام سر سروراً عظيما , حيث انها لم تصل الى ليزيد ابن معاوية فصادف الحسين عليه السلام في الطريق فسلم عليه وقبل يده , فقال له الحسين عليه السلام : يا عبد الله ما فعل بك معاوية ؟ قال : سيدي ما لا خفاء به عليك . فقال له الحسين : ألك حاجة عند ارينب ؟ قال : نعم , اودعت عندها حقاً , وفيه شئ من الدر , سيدي أسألها لعلها ترده علي , . وكان يظن أنها تجحده لطلاقها من غير سبب كان منها له , فقال له الحسين عليه السلام : امض بنا اليها , فمضى عبد الله يمشي خلف الحسين عليه السلام , حتى وافيا المنزل فصاح الحسين عليه السلام : ربة الخدر أرسلي عليك جلبابك ؛ فأرسلت عليها جلبابها ثم سألها الحسين عليه السلام عن الحق , قالت : نعم هو عندي ولا أعلم بما فيه , وانه مختوم بخاتمه . ثم قامت ودخلت الحجرة وجاءت بالحق فوضعته بين يدي الحسين عليه السلام , فلما نظر اليه عبدالله والى ختمه على حالته بكى , فقال له الحسين : مم بكاؤك ؟ قال : سيدي لحسن وفائها وأنها لم تخني بشئ قط منذ كانت عندي , وأبكي أسفا على ما ابتليت به . فقال له الحسين عليه السلام : أتحب ؟أن ترجع إليها ؟ فسكت عبد الله ؛ فقال الحسين عليه السلام : أشهد الله انها طالق ثلاثاً , اللهم إنك تعلم أني لم استنكحها رغبة في مالها ولا في جمالها ولكني اردت احلالها لبعلها .
قال الراوي : ولم يأخذ الحسين عليه السلام ما ساق لها من مهرها قليلا ولا كثيرا , وكان عبدالله سأل ارينب التعويض على الحسين عليه السلام , فأجابته إلى ذلك شكرا لما صنعه , فلم يقبل الحسين عليه السلام وقال : الذي أرجو عليه الثواب خير لي منه ؛ فلما
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 60
انقضت اقراؤها تزوجها عبدالله بن سلام , وعاشا متحابين حتى قبضهما الله تعالى (1) .
قال الراوي: ولما بلغ يزيد ابن معاوية صنع الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه , وبقي قبله يغلي على الحسين عليه السلام كالمرجل , وكادت شضايا قالبه أن تخرج مع نفسه , لذا لما هلك معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان , وكان والياً على المدينة أن خذ من أهل المدينة البيعة لي عامة , ومن الحسين خاصة , وإن أبى فليكن جواب كتابي هذا مع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
ولما خاف الحسين عليه السام أن تهتك حرمة جده خرج من أهل المكة بأهله وعياله , كما قال السيد جعفر رحمه الله :
خرج الحسين من المدينة خائفاً كخروج موسى خائفاً يتكتم
أقول فلو كان الحسين خائفا من أحد للزم غير الجادة , كما فعل ابن الزبير وأخوه فأنهما هربا على طريق الفرع , والحسين عليه السلام أشاروا عليه في ذلك وقالوا له : لو تنكبت الطريق كما فعل ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب ؟ فقال : لا والله , لا افارق الطريق الأقوم حتى يقضي الله ما هو قاض .
ولكنه إنما خرج ليلا خوفا على حرمه لئلا يقع عليهن عيون الأجانب , لذا قال السيد جعفر :
خرج الحسين من المدينة خائفا كخروج موسى خافاُ يتكتم
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبها تشرفت الحطيم وزمزم
(1) انظر الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1/216 , وثمرات الاوراق في المحاضرات : 1/196 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 61

لم يدر أين يريح بدن ركابه فكأنما المأوى عليه محرم (1) (2)
(1) انظر ديوان السيد جعفر الحلي رحمه الله .
(2)

(حدي)

يوم الذي راعي الشيم انوه يـشد الـراحله
جاب المحامل للـحرم كل فرد وجه فرد حيد اله
طب لعد زينب مبتسم عباس راعي المرجله
گاللها يـا ضنوة علي گومـي نريد لـكربله
گالـتله خويه محملي يا هو الـذي يـتچفله
گاللـها عيناچ ابشري امرچ نـود نـتمثـله
طلعن اوعباس ايحدي والزمل ضج اهلاهله
كل ساع وعباس ونزل محمل الحـره ايعدله
صد له لحسين وناشده شنهي نزلـتك بالـفله
گله يـخويه نـزلـتي تدري بخـتـنه امدلله
ما تحمل الذل والهظم نشات على العز والعله
ريتك ياعباس اتحضر يوم اطلعـت من كربله
سترت وجهها اچفوفها والدمعه على الخد سايله

(نصاري)

آنه بگيت امحيره واصفگ باليدين لا عباس يبرالي ولا احسين
سضربوني من ابچي وتدمع العين وتبگه عبرتي ابصدري تكسر

(تخميس)

هذه زينت ومن قبل كانت بفنا دارها يحط الرحال
أضحت اليوم واليتامى عليها يالقوم تصدق والأنذال
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 62


المطلب الحادي عشر

في مراسلة أهل الكوفة للحسين ووصية معاوية ليزيد
وروى المفيد رحمه الله قال : لما قضى الحسن بن علي عليهما السلام اجتمع نفر من أهل الكوفه في دار سليمان بن صرد الخزاعي (1), وكتبوا الى الحسين عليه السلام كتابا يعزونه
(1) سليمان بن صرد الجون الخزاعي :
كان صحابيا , اسمه في الجاهليه : يسار , فسماه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سليمان ويكنى أبا المطرف , ونقل الكشي عن الفضل بن شاذان: أنه كان من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم, وقال ابن الأثير في اسد الغابة في «ترجمة سليمان» : وكان له قدر وشرف في قومه , وشهد مع علي بن أبي طالب مشاهده كلها , وهو الذي قتل حوشباذاظليم الألألهاني بصفين مبارزة , وكان فيمن كتب إلى الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية يسأله القدوم إلى الكوفة , فلما قدمها كان في حبس ابن زياد , فلما قتل الحسين عليه السلام ندم وهو المسيب بن نجية الفزاري وجميع من خذله ولم يقاتل معه , وقالوا ما لنا توبه إلا أن نطلب بدمه , وخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر سنة اربع وستين , وولو أمرهم سليمان وسموه أمير التوابين , وساروا الى عبيد اله بن زياد , وكان قد سار من الشام في جيش ثير يريد العراق فالتقوا بعين الوردة من أرض الجزيرة وهي رأس عين , قتل سليمان ومسيب وكثير ممن معهما , وحمل رأسيهما الى مروان بن الحكم بالشام وكان عمر سليمان حين قتل ثلاثا وتسعين سنة . انظر رجال الكشي : 96/124 , واسد الغابة : 2/351 , والإصابة : / رقم (3450) , وتاريخ الإسلام للذهبي : 3/17 , والأعلام للزركلي : 3/127 , وتاريخ من دفن في العراق من الصحابة (للمؤلف رحمه الله ) : 219 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 63
فيه بوفاة اخيه الحسن عليه السلام , وهو :
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
من شيعته وشيعة أبيه , أما بعد ...
«فقد بلغنا وفاة أخيك الحسن عليه السلام , فرحمه الله , وضاعف حسناته بدرجة جده محمد صلى الله عليه واله وسلم , وأبيه علي عليه السلام , وضاعف لك الأجر بالمصاب , فعند الله نحتسبه , فإنا لله وإنا إليه راجعون مما اصيب بهذه الامة عامة , ورزيت به خاصة , فاصبر يا ابا عبد الله , فان ذلك من عزم الامور , وإنك والحمد لله خلف من كان قبلك , وإن الله يعطي رشده لمن كان سبيلك , ونحن شيعتك المحزونون بحزنك , والمسرورون بسرورك , والمنتظرون لأمرك , والسلام» (1)
ثم صار الناس يقولون : إن هلك معاوية لن نبدل بالحسين أحدا , وصاروا يختلفون إليه , فبلغ ذلك معاوية , فكتب للحسين عليه السلام كتابا يقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن أبي سفيان إلى الحسين بن علي بن أبي طالب ... أما بعد ...
«فقد بلغني عنك أشياء قد انتهت الي , واظنها باطلة , ولعمري إن كان ما بلغني عنك كما ظننت , فأنت بذلك أسعد , وبعهد الله أوفى , ولا تحملني على أن أقطعك , فأنك متى تكدني أكدك , ومتى تكرمني أكرمك , ولا تشق عصى هذه
(1) نقول : لم نعثر على هذه المكاتبة في كتاب الإرشاد في كتاب المفيد رحمه الله , وذكره اليعقوبي في تاريخه باختلاف يسير: انظر تاريخ اليعقوبي : 2/216 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 64
الأمة فقد خبرتهم وبلوتهم, فانظر لنفسك ولدينك , والسلام» (1) .
فلما وصل الكتاب إلى الحسين كتب إليه :
أما بعد ... فقد وصلني كتابك , وفهمت ما ذكرت فيه , ومعاذ الله أن أنقض عهداً عهده إليك أخي الحسن عليه السلام , وأما ما ذكرت من الكلام , فإنما أوصله اليك الوشاة الملقون بالنمائم , فإنهم والله يكذبون , والسلام .
ولما وصل الكتاب الى معاوية امسك عنه , ولم يجبه إلى أن أحس بدنو اجله , وكان نغله يزيد غائبا , فدعى بدواة وبياض , وكتب له وصية , وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ... فان الله خلق كل شئ لميقات يوم معلوم , ولو خلد في هذه الدنيا أحد , لكان رسول الله أولى بذلك , يا بني اوصيك بوصية لا تزال بخير ما دمت حافظا عليها , اوصيك بأهل الشام فانهم منك وأنت منهم , فمن قدم عليك منهم فأكرمه : وإذا دهمك عدو سر بهم إليه , وإذا ظفرت فردهم الى بلدهم , فإنهم متى أقاموا بغير بلدهم فسدوا عليك , لأنهم لا يعقلون , وانظر يا بني الى اهل العراق في امورهم , فان سألوك ان تعزل عنهم في كل يوم عاملاً فافعل , فإن عزل العامل أهون عليك من شقق العصى , واعلم يا بني إني قد وطئت لك البلاد , وذللت لك رقالب العباد , ولا اخشى عليك إلا من أربعة أنفار , فإنهم لا يبايعونك , أولهم : عبد الرحمن بن أبي بكر , فأنه صاحب الدنيا , فمده بدنياه , وأعطه ما يريد .
والثاني : عبد الله بن عمر (2) , فإنه صاحب محراب وقرآن , وقد تخلى من
(1) الإمامة والسياسة : 1/201 . (2) هو عبدالله بن عمر بن الخطاب , كان يكنى أبا عبد الرحمن , أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير , يروى أنه دخل على الحجاج أيام عبد الملك بن مروان وقال له : مد يدك اُبايعك لعبد الملك , .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 65
الدنيا ولا أظنه ينازعك في هذه الأمر .
والثالث عبد الله ابن الزبير , فإنه يراوغك مراوغة الثعلب , ويجثوا لك جثو الأسد , فإن حاربك فحاربه , وإن سالمك فسالمه , وإن أشار عليك فاقبل مشاورته.
والرابع : الحسين بن علي بي أبي طالب , يا بني فإن الناس لا يدعونه حتى يخرج عليك , فإن ظفرت به فاحفظ قرابته من رسول الله , واعلم يا بني أن أباه خير من أبيك , وإن اُمه خير من اُمك , وإن جده خير من جدك , وللمرء ما بقلبه , وهذه وصيتي إليك والسلام (1).
أقول : لو أمعنا النظر إلى هذه الوصية التى اوصا بها معاوية نغله لوجدناها في الحقيقة كما يقال : (كلمة حق يراد بها باطل(, كأنه يريد ان يقول : لا يعزب عنك ان الحسين بن رسول الله وابوه أمير المؤمنين واُمه سيدة نساء العالمين , وهو حي يرزق , والأبصار شاخصة له , وله الأهلية في الخلافة , لشرفه وفضيلته , فالناس لا يتركونه حتى يبايعون له , ويخرج الأمر من يدك , فإذا ظفرت به فاقتله .
لذا كتب الى الوليد كتابا في أخذ البيعة له من الحسين وإن أبى فليكن رأس الحسين مع جواب الكتاب , وبعدها كتب إلى ابن زياد في أمر الحسين عليه السلام , وكتب ابن زياد إلى قائد جيش الظلال وهو عمر ابن سعد : فإذا قتلت حسينا فأوطئ
فمد الحجاج اليه رجله ـ وكان نائما ـ وقال له : إصفق على هذه , وبعد هذا دس إليها الحجاج رجلا من جنده فسم زج رمحه والتقى معه في الطريق , فزحمه وطعنه في ظهر قدمه بالزج المسموم , فتورمت قدمه وسرى السم في جسمه فمات . انظر ترجمة (عبدالله بن عمر) في : طبقات ابن سعد : 4/105ـ 138 , تهذيب الأسماء : 1/278 , الأعلام : 4/108
(1) ذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبين وصية معاوية بتحريف , منها : وأما الحسين فإني أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه . انظر : البيان والتبين : 2/106 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 66
الخيل صدره وظهره , فإنه عات ظلوم , فكان كل ذلك بايعاز من يزيد بن معاوية , إذ أن ابن زياد لا يستبد برأيه , وامثال القائد بما أمره به زياد , فلما قتل الحسين أعطى الجيش إرادة لازمة برض الجسد الشريف , ونادى باعلى صوته , من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل صدره وظهره ؟ فانتدب اليه عشرة عشرة يقدمهم الأخنس عليه اللعنه , وداسوا صدر الحسين بحوافر خيولهم بمرئ من الحوراء زينب :
يا عقر الله تلك الخيل اذ جعلت اعضاءه لعوايدها مضاميرا
رضت جلايا الخيل صدري ان سلى بالطف قلبي رض تلك الاضلع (1)
(1)

(نصاري)

نادى ابن سعد گوموا يـفرسان العبوا فوگ صدر احـسين ميدان
تعنت خيل عشرة الفخر عدنان خبوها اعلى صدره اشلون جاسين

(دكسن)

داسـت خيـلهم ظهر المچنة بـحوافرها يـويلي جلبنة
ظهره فوگ صدره رضرضنه ردن من بعد ما فعلن الشين
وزينب وكأني بها :

(عاشوري)

يخويه فوگ اصاويبك يرضوك ولا راعوا شرف جدك ولا ابوك
عـطشان من الـورد منعوك وچثـته امـعفرة فـوگ الوطية

(ابوذية)

اليمة تـنصب ابـعاشور عـشرة على الداست اضلوعة اخيول عشرة
متنسه الشابچه اعلى الراس عشرة لو متنسه اچـفوف ابو فاضل وخية
* * *
ولصدره تطأ الخيول وطالما بسريره جبريل كان موكلا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 67


المطلب الثاني عشر

في بعض وصية معاوية وتخلف يزيد
وكتابه الى الوليد بن عتبة الى المدينة

قال أهل السير : إن معاوية لما دنا أجله بعث على نغله يزيد , وكان والياً على حمص (1), يأمره بالقدوم إليه , فأقبل إليه الرسول وكان يزيد على سطح الدار , فسمع النحيب , نظر الى سطح الدار فرأى الرسول واقفا , فقال له ويلك مات معاوية ؟ قال : لا , فأنشأ [يزيد] يقول :
جاء البريد بقرطاس يحث به فأوجس القلب من قرطاسه جزعا
قلنا : لك الويل ماذا في صحيفتكم؟ قال الخليفة أضحى مدفنا وجعا
(1) في ولاية يزيد (لعنه الله) على حمص , قال بها دول الإسلام :37 .
حمص : مدينة مشهورة قديمة وكبيرة , بناها رجل يقال له : حمص بن المهر , وتقع في بلاد الشام بين دمشق وحلب , وتعتبر من المدن الاسلامية المهمة , فيها مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام , فيه عمود عليه موضع إصبعه عليه السلام , (هكذا يقال) ويقال ايضاً : أن فيها قبر (قنبر) مولى امير المؤمنين عليه السلام , وقبر سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وبها قبور لأولاد جعفر الطيار عليه السلام , وإن شئت التفصيل أكثر فراجع معجم البلدان للحموي : 2/302 وفيه : ان يزيد بن معاوية كان والياً عليها في خلافة أبيه .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 68
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا حتى كأن قوى أركانها قلعا

ثم تهيأ للمسير من وقته وساعته , وسار إلى الشام فوجده حياً , وكان معاوية قد كتب له وصية كما تقدم , وقد كتب له في أمر الأربعة وكيف يعاملهم , وهم الحسين بن علي بن ابي طالب , وعبدالرحمن ابن ابي بكر , وعبدالله بن عمر , وعبدالله بن الزبير ؛ فقال ارباب التاريخ :
ولما فرغ يزيد من دفن أبيه جلس للعزاء فدخل عليه الناس وهم لا يدرون يعزونه ام يهنئونه , فتقدم اليه عبدالله بن همام السلوي , وقال : آجرك الله يا أمير على الرزية , وبارك لك في العطية , فاشكر الله على عطيته , واصبر على عظيم رزيته , ثم أنشأ يقول :
اصـبر يزيد لقد لاقيت معظلة واشكر ايادي التي للملك أعطاكا
لا رزء أعظم والأقوم قد علموا لقد رزيـت ولا عـقباً كـعقباكا
أصبحت والي جميع الناس كلهم فأنـت ترعـاهم والله يـرعاكا

ودخل عليه الضحاك بن قيس الفهري , وقال : يا أمير أصبحت خليفة ورزيت بخليفة , هنيئت بالعطية وأجرت على الرزية .
ولما تمت له الامور كتب إلى الوليد ابن عتبة ابن أبي سفيان , كتاباً يأمره بأخذ البيعة له من أهل المدينة عامة , ومن الحسين بن علي , وعبد الرحمن ابن ابي بكر , وعبدالله ابن عمر , وعبدالله ابن الزبير, خاصة (1).
وقال اليعقوبي في تأريخه : كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان , وهو عامل المدينة :
(1) المنتظم لابن الجوزي : 5/322 , تاريخ الاُمم والملوك للطبري : 5/338 ـ 328 , وانظر كتاب التعازي والمراثي لابن المبرد : 119 ـ 121 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 69
إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي , وعبد الله بن الزبير , فخذهما بابيعة , فان امتنعا فاضرب عنقيهما , وابعث الي برأسيهما , وخذ الناس بالبيعة , فمن امتنع فانفذ فيه الحكم , وفي حسين بن علي وعبدالله ابن الزبير , والسلام (1) .
فلما وصل اليه الكتاب بعث على مروان بن الحكم , فأحضره واستشاره في أمر هذه الأربعة , فقال له مروان : الرأي أن ترسل إليهم في الليل , وتدعوهم الى البيعة, فإن فعلوا فذاك , وإلا فاضرب عنقهم . ولما جن الليل أنفذ الوليد اليهم رسولاً , فذكر له أنهم مجتمعون عند قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم , فجاء إليهم وقال لهم , إن الأمير يدعوكم ؛ فقالوا له : انصرف , نحن نأتي خلفك . فلما أنصرف الرسول قال ابن الزبير للحسين عليه السلام : يابن رسول الله أتدري ماذا يريد منا الوليد ؟ قال عليه السلام : نعم إن معاوية قد مات , وقد خل نغله يزيد من بعده , وولاه الأمر , وقد وجه في طلبكم ليأخذ منكم البيعة له , فما أنتم قائلون ؟ فقال عبد الرحمن ابن بي بكر: أما أنا فأدخل داري وأغلق علي الباب ولا أبايعه ؛ وقال عبد الله بن عمر : أما أنا فعلي بقرآءة القرآن ولزوم المحراب ؛ وقال ابن الزبير : أما أنا فلا اُبايع , حتى يصير السيف والرمح بيني وبينه ؛ وقال الحسين عليه السلام : أما أنا فأجمع فتيتي وأتركهم بباب الدار وأدخل على الوليد , فأناظره ويناظرني , وأطالب بحقي .
قال الراوي : ثم تفرقا , وجاء الحسين عليه السلام الى داره وجمع مواليه وإخته , وهو تسع عشر , وخرج حتى وافى دار الوليد , فقال لإخوته : أنا داخل على هذا الرجل فاجلسوا انتم على الباب , فإن سمعتم صوتي قد علا فقد هجموا عليه لتمنعوه عني ؛ ثم دخل عليه فوجد عنده مروان بن الحكم , فقام الوليد اجلالاً له , ورحب به وأجلسه إلى جنبه , ثم أخرج إليه كتاب يزيد , ونعى إليه معاوية , ودعا الى
(1) تاريخ اليعقوبي : 2/229 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 70
البيعة .
فقال الحسين عليه السلام : انا لله وإنا إليه راجعون , إذا مثلي لا يبايع سراً , ولا أظنكم تردون مني في السر , ولكن إذا خرجت إلى الناس ودعوتهم الى البيعة كنت أول مبايع . وكان الوليد يحب حسن العواقب بالُامور , فقال له : انصرف يا أبا عبد الله على اسم الله , حتى تأتينا غداً . فقال له مروان : إن فاتك الثعلب لم تر إلا غباره فلا تدعه يخرج إلا يبايع أو تضرب عنقه ؛ فلما سمع الحسين كلامه وثب إليه قائماً على قدميه , وقال له : يابن الزرقاء (1) أنت تقلتني أم هو ؟! كذبت والله واثمت ؛ ثم التفت الحسين عليه السلام الى الوليد , وقال له : يا أمير نحن أهل بيت النبوة , ومعدن الرسالة , بنا فتح الله , وبنا يختم , ويزيد رجل فاسق شارب الخمر , ومثلي لا يبايع مثله , ولكن نصبح وتصبحون , وننظر وتنظرون , أينا أحق بالبيعة والخلافة .
فبينا هو كذلك اذ دخلوا اخوة الحسين مجردين سيوفهم , وكأني بهم يقدمهم أبو الفضل العباس شاهراً سيفه , منتظراً أمر أخيه الحسين .
قال الراوي: ثم خرج الحسين من عند الوليد وقد احدقت به اخوته، وهو يقول:
لا ذعرت السوافي فلق الصبح مغيراً فلا دعيت يزيدا
(1) الزرقاء : هي جدة مروان وهي كانت مشهورة بالفجور , وكانت لمروان مع الحسين عليه السلام مواقف كثيرة , وكان شديد العداوة للحسين عليه السلام , منها : انه صعد يوما على المنبر بالمدينة وقال : يا بني هاشم انما فخركم بامرأة وهي فاطمة وكان الحسين عليه السلام جالساً فقام إليه ولوى عمامته في عنقه حتى خرج الدم من انفه , ثم أراد قتله فأقسم الناس عليه بجده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن يتركه فترك . انظر : تاريخ الطبري : 4/338 , وتاريخ اليعقوبي : 2/229 , وتاريخ الخميس : 2/297 , وتاريخ ابن خلدون : 3/19 , والكامل في التاريخ لأبن الأثير : 4/14 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 71
يوم أعطي مخافة الموت ضميما والمنايا يرصدنني أن أحيدا

أقول : أجل أين كانت عنه هذه الفتية من بني هاشم لما افترق عليه أهل الكوفة أربعة فرق , نعم كانوا بقربة مجزرين كالأضحي :
على الأرض صرعى من كهول وفتية فرادا على حر الصفا وتوام (1)
(1) وكأني بالحسين عليه السلام لما نظر الى اصحابه صرعى مجزرين على أرض كربلاء :

(بحراني)

ظل يـناديـهم يفـرساني تـخلوني وحيد شالسبب عفتوا مخيمكم او نمتوا على الصعيد
لا ولد ليه بقه يحمي حـريمي او لا عـضيد اوابن سعد بـعدي يـسير هالحـراير نـيتة
واشلون يا عباس تتركني او حريم امحيره عايف الـخيمة يـبوفاضل ونايم بالــثرى
وهاي زينب عگب عينك بالحرم متمرمره او تدري باليفگد عضيده اتقل يخويه حـيلته

(موشح)

صاح يا زهير او يا مسـلم يا هلال ويا حبيب صحبتي كلكم نسيتوها وتركتوني غريب
ما تجون الها الـيتامه ذبـوني امـن النحيب ظلت اجثثهم تموج وتضطرب من نخوته
تصيح يامحنه يبو سكنه ترى احنا مصرعين شوفنا هذا كفوفه امـگطعه وهـذا طعين
صاح معذورين يالي على التراب امجزرين واگبل علـى امخيمه عزمه يودع نسوته

(تخميس)

لهفي عليهم وبحد السيف قد صرعوا وبعدهم لأسى والحزن ارتضع
بالله هل لهم في رجعة طمع
نذر علي لئن عادوا وإن رجعوا لأزرعن طريق الطف ريحانا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 72


المطلب الثالث عشر


في موبقات معاوية

ذكر ابن عساكر في تأريخه , قال :
«أربعة خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة (1) : إنتزاءه على هذه الاُمة بالسفهاء حتى ابتزها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوالفضيلة (2) , واستخلافه إبنه [يزيد] بعده سكيراً خميراُ يلبس الحرير ويضرب بالطنابير , وادعاؤه زياداً ـ وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ـ وقتله حجر ابن عدي؛ فيا ويلاله من حجر , ويا ويلاله من حجر وأصحاب حجر» (3) .
(1) قوله تعالى «وجعلنا بينهم موبقا» أي : مهلكاً , ويوبقهن (أي) : يهلكهن , ومنه : «اعوذ بك من موبقات الذنوب» , اي : مهلكاتها , من إضافة الصفة الى الموصوف , أي : الذنوب المهلكة : الموبق : واد في جهنم ؛ انظر سورة الكهف 18 : 52 , و مجمع البيان : 6/735 , ومجمع البحرين .
(2) قال المبرد في الكامل : ويروى انه يزيد ابن معاوية قال لمعاوية في يوم بويع له على عهده , فجعل الناس يمدحونه ويقرظونه : يا أمير المؤمنين انخدع الناس أم يخدعوننا ؟ فقال له معاوية : كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ حاجتك فقد خدعته . انظر الكامل للمبرد : 305 .
(3) تاريخ ابن عساكر . ونقله فضيلة الاستاذ المرحوم أحمد خيري عن ابن الأثير والطبري
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 73

قال أرباب التأريخ : أما سبب قتله حجر بن عدي , فإنه كان المغيرة بن شعبة والي الكوفة من قبل معاوية , فكان يلعن علي بن ابي طالب عليه السلام في خطبته , فيقوم له حجر بن عدي الكندي ويقول له : إن الفقراء محتاجون , فلو قسمت مال المسلمين عليهم لكان خير من هذا ـ وغرضه أن يهيج عليه , حتى يمتنع من سب أمير المؤمنين عليه السلام ـ فقيل له : لو ضربت عنقه فقد أهاج الناس عليك , فقال : إنه رجل صحابي وتابعي , وما أحب أن ألقى الله بدمه , وسيأتي غيري , فيفعل معه مثل ما يفعل بي , فيتولي قتله .
حتى إذا ولى المصرين زياد ابن أبيه ـ وهما الكوفة والبصرة ـ صار يلعن أمير المؤمنين عليه السلام أمام خطبته , فيقوم له حجر ويقول له مثل ما كان يقوله للمغيرة : قسم المال على الفقراء فإنهم محتاجون , ودع لعن علي بن أبي طالب .
فأمر زياد (لعنه الله) بقبضه , فقبض ومعه ثلاثون رجلاً وبعثه الى معاوية , فلما وصلوا «مرج عذراء» (1) حبسا هناك , فاُخبر معاوية بوصولهم , فأمر معاوية بقتل حجر وبعض من كان معه وعفى عن الباقين لتشفع اقوامهم بهم , فلما قدموا
وايضاً عن ابن عبد ربه , وذلك في ارجوزته اللطيفة :19 / البيت (35) .
انظر : الكامل للتأريخ لابن الأثير : 3/209 , وتاريخ الطبري : 6/157 , والإستيعاب (بهامش الإصابة) : 1/134 .
وفي خزانة الادب للبغدادي نقله ايضاً , وأضافه بعدها ما نصه: (وروي عن الشافعي أنه أسر إلى الربيع أن لا يقبل شهادة أربعة , وهم : معاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة وزياد) . انظر خزانة الأدب للبغدادي : 2/519
(1) مرج عذراء : قرية بغوطة دمشق فتحها حجر بن عدي الكندي , وقتل بها (رضوان الله عليه) , وقبره بها وفيها يقول الشاعر :
وكم من قتيل يوم عذراء لم يكن لصاحبه في أول الدهر قاليا
انظر معجم البلدان للحموي : 4/91 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي