ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 151

وسـحباً تجرّ بأسـواقهم ألـست أمـيرهم الـبارحه
أتقضي ولم تبكك الباكيات أما لك في المصر من نائحه
لئن تقض نحباً فكم زرود عليك العشية من صائحه (1)
(1) الابيات للمرحوم السيد باقر الهندي رحمه الله انتهى . ابصار العين للسماوي : 48 .
وذلك لما وصل خبر الستشهاد مسلم عليه السلام للحسين عليه السلام وكان في زرود , كأني به استرجع قائلاً إنا لله وإنا إليه راجعون , ثم إنه عليه السلام عمد إلى خيمة النساء ونادى الحوراء زينب عليها السلام قائلاً ائتني بحميدة , فلما أقبلت إليه وضعها في حجره وأخذ يمسح على رأسها :

(نصاري)

أخذ بت مسلم من الخيم بيده يمسح على راسها ابحسره شديده
وبالشر حست الطفله حميده گالتله يعمي وسـالت الـعـين
يعمي لاحت ابوجهك علامه على راسي امسحت گلي علامه
السجيه هاي بس ويّه اليتامه أظن عودي گضه ويتّمني الـبين

(دكسن)

غده يمسح دمعها ومحنّي ضلعه ابوچ آنه يگلها ويـهـل دمعه
يعمّي النوح دلالي يـصـدعه وبطلي البچه وهوّدي لا تونّين
(تخميس)
مسح الحسين برأسها فاستشعرت باليتم وهي علامة تكفيها
لم يبكها عـدم الوثـوق بعمّها كلّا ولا الوجد المبرّح فيها
لكـنهـا تـبكي مـخافة أنـّها تمسي يتيمة عمّها وأبيها
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 152


المطلب الثامن والعشرون
في استعلام الحسين عليه السلام بقتل مسلم عليه السلام
روى الصدوق في أماليه , باسناده عن ابن جبير , عن ابن عباس , قال : قال علي عليه السلام يوماً لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم : يا رسول الله إنّك لتحب عقيلاً ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «اي والله إني لأحبّه حبّاً لأبي طالب عليه السلام , إن ولده مقتول في محبّة ولدك , فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون» ثم بكى حتى جرت دموعه على خدّيه , ثم قال : إلى الله اشكوا ما تلقى عترتي من بعدي (1).
ولعظم قدره بكاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , كيف لا يكون كذلك وهو رائد الحسين وسفيره عليهما السلام والذي يدّلنا على جلالة قدره وعظيم شأنه كتاب الحسين عليه السلام الذي كتبه الى الكوفة : «أمّا بعد ... فقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي , مسلم بن عقيل رأيه رأيي , أمره أمري , فأطيعوا له ...» . ورحم الله الأعرجي حيث أنشد:
أيا ابن عقيل ومن قد سمى فخاراً إلى الكوكب الثاقب
لسرّ سليل النبي اصطـفاك له دون آل أبي طـالب
هنيئاً فرفعة قدر الـمـنوب تدلّ على رفعة النائب
(1) أمالي الصدوق .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 153


ولعظم قدره ومنزلته عند الحسين عليه السلام وحبّه له فقد بكاه في مواطن عديدة وذلك لما استعلم بقتله , فالموطن الأول هو :
ما قد رواه أبو مخنف عن عبدالله بن سليمان والمنذر ابن المشعل الأسديان , قالا : لما قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلا اللحاق بالحسين في الطريق للنظر ما يكون من أمره وشأنه , فأقبلنا ترقل بنا ناقتنا مسرعين حتى لحقناه بزرود , فلما دنونا منه وإذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين , قالا : فوقف الحسين وكأنه يريده ثمّ تركه ومضى . فقال أحدنا لصاحبه امض بنا إليه لنسأله بخبر الكوفة , قال : فانتهينا إليه وسلمنا عليه , وانتسبنا له وانتسب لنا , فإذا هو بكير بن المثبعة الأسدي , فاستخبرناه عن الكوفة فقال : ما خرجت من الكوفة حتى رأيت مسلماً وهانياً قتيلين يجرّان من أرجلهما في الأسواق , قالا : ثم ودّعنا وسار فلحقنا بالحسين فسلمنا عليه وسايرناه حتى نزل الثعلبيه ممسياً , فدخنا عليه وقلنا له : يا ابن رسول الله , إنا عندنا خبراً إن شئت أخبرناك به سرّاً وإن شئت علانية ؟ قال : فنظر إلى أصحابه وقال : مادون هؤلاء سرّ , فقلنا : رإيت الراكب الذي استقبلك عشية أمس ؟ قال : نعم وقد أردت مسألته , فقلنا وقد استبرئنا لك خبره وكفيناك مسئلته , وهو امرء منا ذوي رأي وصدق وفضل وعقل وقد حدّثنا يابن رسول الله قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني , فاسترجع وقال : رحمة الله عليهما وكررهما مراراً , فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت فإنه ليس لك في الكوفة ناصر بل نتخوّف أن يكونوا عليك ؛ فالتفت إلى بني عقيل وقال : ما ترون يا بني عقيل : فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق مسلم , ثم التفت إلينا وقال : قبّح الله العيش بعد هؤلاء . فعلمنا أنه عزم على المسير فقلنا له : خار الله لك , قال : يرحمكم الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 154


والموطن الثاني : وذلك لمّا ورد الحسين عليه السلام زبالة أخرج كتاباً لأصحابه فقرأه عليهم , وفيه : «أما بعد ... فقد أتانا خبر فضيع بأنه قتل مسلم بن عقيل وهاني ابن عروة وعبدالله بن يقطر , وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فالينصرف فليس عليه منّا ذمام» . قال : فتفرّق الناس عنه يميناً وشمالاً إلا صفوته .
وروي في خبر آخر , إنه لقيه رجل من شيعة أبيه في زبالة فسلم عليه , فرد السلام عليه عليه السلام فقال له : يابن رسول الله كيف تركن لأهل الكوفة وهم الذين قتلوا بن عمك مسلم بن عقيل؟! قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكياً , وقال: رحم الله مسلماً فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه , ألا إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا , ثم أنشأ يقول:
فإن تـكن الدنـيا تـعدّ نفيسة فإن ثـواب الله أعـلـى وأنـبـل
وإن تكن الأبدان للموت أنشأت فـقـتـل امرء بالسيف لله أفـضل
وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً فقلّة حرص المرء في الحرص أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها فـمـا بـال متروك به المرء يبخل

ثم قال : «اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً , واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك , إنك على كلّ شيء قدير».
والموطن الثالث : يروى أيضاً عن زهير بن القين البجلي قال : بينا نحن جلوس في زرود إذ طلع علينا رجل من جهة الكوفة , وبيده لواء أسود وركزّ اللواء بباب خيمتي , ثم دخل وقال : السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين , فقلت له : من تريد ؟ قال : الحسين بن علي بن إبي طالب . فقال له الناس : وما تريد منه ؟ قال: أريد أن أعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل , قال : فأشاروا له على خيمة الحسين . قال : فقام الرجل وأقبل الى الخيام فرأى حول الخيام أطفالاً يلعبون , فقال للأطفال : من يدلّني على خيمة الحسين ؟ فقامت إليه بنت صغيرة وقالت : يا هذا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 155

وما تريد منه ؟ قال : أريد أن أعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل , فصاحت البنت : واأبتاه وامسلماه ... ثم وقعت مغماً عليها , أقبل إليه الحسين وأقبلت بنو هاشم وقالوا للرجل : ما صنعت بها؟ قال : والله ما قلت له شيء إلا أن قلت له إرشديني على خيمة الحسين , فقالت : وما تريد منه؟ فقلت لها : أريد أن اعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل , فقالوا : يا هذا إنّها إبنة مسلم .
قال الراوي : وأخذها الحسين إلى الخيمة فأجلسها في حجره فجعل يمسح على رأسها وناصيتها فقالت له : عم استشهد والدي مسلم؟ فقال لها : بنية أنا أبوك وبناتي إخوتك :
مسح الحسين برأسها فاستشعرت باليتم وهي علامة تكفيها
لم يبكها بعـدم الـوثـوق بعمّها كلا ولا الوجد المبّرح فيها
لكنّـها تـبكي مـخافـة أنـها تمسي يتيمة عمّها وأبيها

أقول: ولا تسمّى هذه الطفلة يتيمة وإن كان اليتم للأب لكن بوجود عمّها الحسين لا تعد يتيمة , لأن الحسين عليه السلام ما نزل إلا ودعاها وأجلسها في حجره يلاطفها ويسلّيها , فهي عزيزة مكرّمة بوجود عمها الحسين عليه السلام , وعمومتها من بني عقيل وبني هاشم واخوتها , بل اليتيمة سكينة لانها بعد قتل أبيها الحسين عليه السلام لم تجد أحداً يسلّيها , بل كان يقرعها شمر برمحه ويضربها زجر بسوطه وهي القائلة «كلما دمعت من أحدنا عين أو بكت منّا طفلة قرعوا راسها بالرمح».
يقنّعها بالسوط شمر وإن شـكت يؤنـبـها زجر ويوسعها زجراً
تسوّد من ضرب السّياط متونها ووجوهها بلظى الهواجر تسطلي
فإن يبكي اليتـيم أبـاه شـجواً مسحن سياطهم رأس اليتيم (1)
(1) نعم سكينة بنت الحسين عليه السلام كانت تضرب بكعب الرمح إذا دمعت لها عين .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 156


المطلب التاسع والعشرون
في مقتل أولاد مسلم بن عقيل

ذكر الصدوق رحمه الله في أماليه :
«إنه لما قتل الحسين عليه السلام وهجم القوم على رحله , فرّت العيالات والأطفال كالطيور الهاربة من النار , فمن جملة من هرب من الاطفال طفلي مسلم بن عقيل , ولمّا ألقي القبض عليهما جيء بهما إلى الكوفة وادخلا على ابن زياد فأمر بهما أن يزجا في السجن , حتى إذا مرت عليهما سنة كاملة وهما في السجن , وقد ضاقت صدورهما , فقال الصغير ذات يوم لأخيه الكبير : أخي .. يوشك أن تفنى أعمارنا

(نصاري)

يــســلّنها السياط ولوّعنها ومن ضرب السياط اسود متنها
يتيمه اتيتّمت من زغر سـنها يسيره او يالعده او ركبت هزلها

(ابوذيّة)

سرى حادي الظعن بالحرم وحده ولا بالي بس على السجّاد وحده
يسارى وبس تـهل الـدمع وحده يـضربوها وتـون ونّه خـفيّه

(تخميس)

كم دعاك اليتيم في قفر واد لم تجبه وكنت غوث المنادي
يا أخي ندبه أذاب فؤادي
ما أذل الـيتـيم حين ينادي بأبـيـه لا يراه مجـيـبـا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 157

في هذا السجن , فلم لا نخبر السجّان بخبرنا ونعرفه أنفسنا لقربنا من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ ولما إن جاء إليهما السجّان بقوتهما قام إليه الصغير وقال له : يا هذا أتعرف محمد المصطفى نبي هذه الأمة ؟ قال : وكيف لا أعرف النبي !! فقال له : أو تعرف ابن عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال : وكيف لا أعرفه وهو إمامي !! فقال له : يا شيخ أو تعرف مسلم بن عقيل؟ قال : نعم , فقال له : يا هذا فنحن أولاده فمالك ومالنا لا ترحمنا لصغر سننّا؟! فلمّا سمع السجان بكى وانكب عليهما ويقبلهما , وهو يقول : نفسي لكما الفداء , والله ما كان لي علم بأنكما أبني مسلم وإن أمير المؤمنين عمكما , سيّدي هذا باب السجن مفتوح فخذا أي طريق شئتما وسيرا في الليل واكمنا في النهار .
قال الراوي : فأطلقهما من السجن وخرجا وهما لا يدريان إلى أين يتوجّهان , فجعلا يسيران في شوارع الكوفة حتى إذا كان وقت طلوع الفجر ودخلا في بستان هناك فكمنا , فمرّت عليهم جارية فسألتهما عن حالهما , فأقسما عليها أن لا تخبر أحداً بخبرهما , وعلما منها انها موالية لعمهما , فقصا لها خبرهما فقالت لهما : سيدي إمضيا معيا فإن مولاتي موالية لعمكما ومحبّة لكما . فجاءا معها حتى إذا وصلا سبقتهما الجارية على مولاتها وأخبرتها فلّما سمعت قامت لاستقبالهما وقالت لهما : ادخلا البيت على الرحب والسعة ورفّهت عليهما .
هذا وقد استخبر ابن زياد بخروجهما من السجن فأمر مناديه أن ينادي : من جائني بولدي مسلم له عند الأمير الجائزة العظمى . فصار أجلاف أهل الكوفة يفتشون عليهما ويطلبونهما , ومن جملتهم زوج تلك المرأه التي جارتهما , قال : فلما جنّ الليل أقبل زوجها وقد أتعب نفسه في طلبهما رجاء الجائزة , فقالت له زوجته : أين كنت اليوم وأرى عليك آثار التعب؟! فحكى لها بما نادى منادي ابن زياد وقد أتعب نفسه في طلب الطفلين , فلمّا سمعت الحرّة قالت له : مالك وذرية
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 158

عبد المطلب أما تخشى أن يكون محمداً غداً خصمك ؟ فقال لها : دعيني من هذا ؛ فبينما هي تكلّمه ويكلّمها إذ سمع همهمة من داخل الحجرة فقال لها : أي شيء أسمعه هل عندنا أحد ؟! فأعرضت وتلجلجت فقام اللعين وأخذ الضياء ودخل الحجرة وإذا بالطفلين قائمين يصليان حتى إذا فرغا قال لهما : من أنتما ؟ فقالا : أولاد مسلم بن عقيل أجارتنا هذه الحرّه , فقال اللعين : أتعبت نفسي وفرسي في طلبكما وأنتما في داري !!
ثم رفع يده ولطم الكبير على وجهه وجاء لهما بالحبال واوثقهما كتافاً فقالا له : مالك تفعل بنا هذا الفعل وامرأتك أضافتنا ؟ أما تخاف الله فينا , أما تراعي يتمنا وقربنا من رسول الله ؟ فلم يعبأ اللعين بكلامهما ولا رقّ لهما فتركهما في الحجرة يبكيان حتى الصباح .
ثم أخرجهما من داره وتبعته امرأته وولده وعبده , هذا وامرأته تتوسّل به وتمانعه وتذكره الله , حتى جاء بهما إلى جانب الفرات ليقتلهما فالتفت إلى عبده وقال له : خذ السيف واضرب عنقيهما وأثنى برأسيهما , فأخذهما العبد وأراد قتلهما فقالا له : يا هذا ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله ... يا هذا لا تقتلنا فإنّك إن قتلتنا يخاصمك رسول الله يوم القيامة . فقال لهما : من أنتما ؟! فقالا : نحن أولاد مسلم بن عقيل .
قال : فانكب العبد عليهما يقبّلهما ورمى السيف من يده وألقى نفسه في الفرات وعبر إلى جانب الآخر , فصاح به مولاه : عصيتني ؟! فقال له : عصيتك لما عصيت الله , فقال اللعين : والله لا يتولّى قتلهما أحد غيري . فأخذ السيف وأتى إليهما فلمّا هم بقتليهما جاء إليه ابنه وقال له : أبه ارحمهما لقربهما من رسول الله ولصغر سنّهما , فلم يعبأ به فلما رأيا صنعه تباكيا ووقع كل منهما على الآخر يودعه ويعتنقه , والتفتا إليه وقالا له , يا هذا لا تدعنا نطالبك بدمنا أمام رسول الله يوم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 159

القيامة خذنا حييّن إلى ابن زياد يصنع بنا ما يشاء , فقال : ليس إلى ذلك من سبيل , فقالا : يا هذا بعنا في السوق وانتفع بأثماننا ولا تقتلنا , فقال : لابد من قتلكما . فقالا له : أما ترحم يتمنا وصغر سننّا , وإن كنت عزمت على قتلنا فدعنا نصلّي لربّنا ركعتين . قال : صليا ما شئتما إن نفعتكم الصلاة , فلما فرغا من الصلاة شهر سيفه وقدّم الكبير ليضرب عنقه فقال له الصغير : أقتلني قبل أخي , فقال الكبير: إنّي لا أحب أن أرى أخي قتيلاً , فشهر سيفه وضرب الكبير فقتله فوقع عليه الصغير يتمرّغ بدم أخيه وهو ينادي : واأخاه ثم اجتذبه وضرب الصغير فقتله , وقطع رأسيهما وحملهما في مخلاة له ورمى بأبدانهما في الفرات , وسار برأسيهما إلى ابن زياد , فلمّا مثّل بين يديه ووضع المخلاة فقال له ابن زياد : ما معك ؟ فأخرج إليه الرأسين فكشف عن وجهيما وإذا هما كالقمرين فقال له : لم قتلتهما ؟قال : طمعاً بالجائزة , فقال أين ظفرت بهما ؟ قال : في داري وإن زوجتي أجارتهما , فقال له ابن زياد , ما عرفت لهما حق الضيافة وقتلتهما , ولو جئتني بهما أحياء لضاعفت لك الجائزة , ثم قال : ويلك ما قالا لك حين أردت قتلهما ؟ قتل : قالا : لي ارحم يتمنا ولا تقتلنا فيكون خصمك محمداً يوم القيامة وامضي بنا إلى ابن زياد حييّن , وإن شئت فبعنا في السوق وانتفع بثمننا . فقلت لهما : لابدّ من قتلكما , فنظر ابن زياد إلى جلسائة وقال : ما أفضه وأجفاه .
قال الراوي : فامر ابن زياد بقتله فقتل عليه لعائن الله وأمر الرأسين أن يدفنا في المكان الذي قتلا به , وليت اللعين فعل هذا الفعل ودفن رأس الحسين ورؤوس أهل بيته مع الجثث , بل سير على أطراف الرماح من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام وفي مقدمة الرؤوس رأس إمامنا الحسين عليه السلام كأنه البدر ليلة تمامه :
رأس ابن بنت محمد ووصيّه للنــاظرين عـلى قناة يرفع
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 160

والمسلمون بمشهد وبـمـسمع لا منكر مـنـهم ولا متفجّع
يتلو الكتاب وما سمعت بواعظ تخذ القنا بدلاً عـن الأعـواد
أحامل ذاك الرأس قل لي برأس من تمايل هذا السمهري الثقف (1)
(1) وزينب عليه السلام كأني بلسان حالها تخاطب رأس الحسين عليه السلام وهو على الرمح :

(نصاري)

<
لحگتك على ريحة الـخوّه أشوفك عفتني ابگاع شلوه
بديرة غرب ما هي امروّه تدري الشمر بيّه اشـسوّه
سوطه على امتوني تلوّه

(بحراني)

ناداها من فوگ الرمح الله يـرعــاچ صبري يختي وسلّمي أمرچ المولاچ
راسى على راس الرمح هالرايح اوياچ ويّاچ يبره العايله ويرعى اليطيحون
يختي استعدّي للـهـظم والهظم جـدّام ولابد يودّوك يساره الطاغـي الشام
ولابد تسمعون المسبّه ابمـجلس الـعام ولابد تشوفون المذلّه الوان وافـنون

(تخميس)

خفرات الرسول في الاسر تجلى أرملات في السبي جاوبن ثكلى
من لها والحماة بالطف قتلى
فترفّق بــها فـما هـي إلا نــاظـر دامع وقـلب مروع
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 161


المطلب الثلاثون
في شهادة رسول الحسين عليه السلام قيس رحمه الله

قال شيخنا المفيد : لما بلغ ابن زياد قدوم الحسين من مكة المشرفة يريد الكوفة بعث الحصين بن نمير صـاحب شرطته حتى نـزل القادسية (1), ونظم الخيل والرجال ما بين القادسية إلى خفان (2), وما بين خفان إلى القطقطانية (3), وقال للناس : هذا الحسين يريد العراق .
(1) قال ابو عمر وقيل سمّيت القادسية بقادس هراة وقال المدايني كانت القادسية تسمى قدّيساً , وروى أبو عيينة قال : مر ابراهيم الخليل بالقادسية فرأى زهرتها ووجد هناك عجوزاً فغلست رأسه فقال قدّست من أرض فسمّيت القادسية وبهذا الموضع كان يوم القادسية بين سعد ابن أبي وقاص والمسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب في سنة ستة عشر من الهجرة وقاتل المسلمون يومئذ وسعد في القصر ينظر إليهم فنسب إلى الجبن فقال رجل من المسلمين :
ألـم تـر أن الله نـصره وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد أمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس ليهنّ آيـم
(2) خفان بالخاء المعجمة والفاء المشدودة والألف والنون موضع فوق الكوفة قرب القادسية .
(3) قال أبو عبدالله السكوني القطقطانيه بينها وبين الريهمة مغربا نيف وعشرون ميلاً إذا خرجت من القادسية تريد الشام ومنه إلى قصر مقاتل وقال ياقوت في المعجم ورواه اللأزهري بالفتح موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف كان به سجن النعمان بن منذر وقال السكوني وقصر مقاتل قريباً منها وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان ولم يذكر قصر بني مقاتل وأما عين التمر فهي الآن تعرف بشفاثا .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 162


وروى المفيد رحمه الله قال : لما بلغ الحسين الحاجر (1)من بطن الرمة (2), بعث قيس بن مصهر الصيداوي (3), وقيل : بعث أخاه من الرضاعة عبدالله بن يقطر (4) وكتب معه كتاباً يقول فيه :
«من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى إخوته المؤمنين ,
سلام عليكم
أما بعد .. فإن كتاب مسلم بن عقيل قد جائني يخبر فيه بحسن رأيكم , واجماع ملّتكم على نصرنا , والطلب بحقنا , فسئلت الله أن يحسن لنا الصنع , وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر , وقد شخصت إليكم يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة , فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدّوا , فإني قادم عليكم في أيامي هذه والسلام»
ويروى أنه كتب كتاباً غير هذا إلى أشراف أهل الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه , فكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي بن أبي طالب ...
(1) بحاء مهملة وجيم وراء مهملة اسم مكان .
(2) الرمة بضم الراء المهملة وتشديد الميم وقد تختلف قاع عظيم بنجد .
(3) أحد بني الصيداء وهي قبيلة من بني أسد وإيّاهم عنى الشاعر :
يا بني الصيداء ردّوا فرسي إنّما يفـعل هـذا بـالذليل

وقال علماء السير : كان قيس رجلاً شريفاً شجاعاً مخلصاً في محبة أهل البيت عليهم السلام .
(4) روى عزالدين الجزري في اسد الغابة والعسقلاني في الإصابة كان عبدالله بن يقطر صحابياً لأنه لدة الحسين واللدة الذي ولد مع الإنسان في زمان واحد لأن يقطر كان خادماً عند رسول الله وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين عليه السلام فولدت عبدالله قبل ولادة الحسين بثلاثة أيام وكانت حاضنة للحسين عليه السلام .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 163


إلى سليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب بن نجيبة ورفاعة بن شدّاد وعبدالله بن وائل وجماعة المؤمنين ...
«أما بعد ... فقد علمتم أن رسول الله قد قال في حياته : «من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لمحارم الله , ناكثاً لعهد الله , مخالفاً لسنة رسول الله , يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان , ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقياً على الله أن يدخله مدخله» وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان , وتوانوا عن طاعة الرحمن , وأظهروا الفساد , وعطّلوا الحدود , واستأثروا بالغيّ , وأحلّوا حرام الله , وحرّموا حلاله , وإنّي أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله , وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم , أنكم لا تسلّموني ولا تخذلوني , فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم , ونفسي مع أنفسكم , وأهلي وولدي مع أهليكم وأولادكم , فلكم بي اُسوة , وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخالفتم بيعتكم فلعمري ما هي منكم بنكر , لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي , والمغرور من اغترّ بكم , فحظّكم وأخطأتم , ونصيبك ضيّعتم , ومن نكث فعلى نفسه , وسيغنينى الله عنكم» .
ثم طوى الكتاب ودفعه لقيس بن مسهر الصيداوي , فسار قيس بكتاب الحسين عليه السلام حتى إذا بلغ القادسية قبض عليه الحصين بن نمير ليفتّشه , فأخرج قيس الكتاب حرقه , فحمله الحصين إلى ابن زياد بالكوفة , فلمّا مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال :أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين . قال : لماذا أحرقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم بما فيه ؛ قال : ممّن الكتاب وإلى من ؟ قال : من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى جماعة لا أعرف أسمائهم .
قال : فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء القوم , أو تصعد المنبر فتسب الحسين وأباه وأخاه , وإلا قطعتك بالسيف إرباً إرباً .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 164


فقال قيس : أما القوم فلا اخبرك بأسمائهم , وأما السب فأفعل ـ وحاشاه ـ قال :إذا فاصعد المنبر .
[فصعد المنبر] , فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلّى عليه , وأكثر من الترحم على علي وولده , ثم لعن ابن زياد وأباه وأخاه , وعتات بني امية عن آخرهم , ثم قال : «أيها الناس .. أنا رسول الحسين إليكم , وقد خلّفته بموضع كذا وكذا , فأجيبونني» فغضب ابن زياد وأمر أن يصعد به إلى أعلى القصر , وأن يوثّقوه كتافاً ويرموه من أعلى القصر إلى الأرض حيّا فصعدوا به إلى أعلى القصر ورموه إلى الأرض فتكسرت عظامه , فوقع به رمق الحياة فأقبل إليه رجل من أهل الكوفة يسمّى عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه بمديه وعيب عليه بعد ذلك , فقال : أردت أن أريحه .
ولمّا بلغ خبره الحسين عليه السلام فاستعبر باكياً , هذا وقد سمع بقتله ولم يسمع بأنه يجر من رجليه في الأسواق , إذاً ما حاله عليه السلام حين سمع بخبر مسلم بن عقيل وقد رموه من أعلى القصر إلى الارض ووضعوا الحبال في رجلي مسلم وهاني وسحبوهما في الأسواق :
ولو كان في الكوفة غير مسلم ومــسـلم ما قطّعوه إربا (1)
(1)
اويلي اعلى ابو طاهر اويلاه يوم الذي خانت رعـاياه
واصبح غريب ابولية اعـداه ومن اخوته ما واحد اوياه
او يجر صارمه ويمنع اليدناه شالته الغيره ويومه ساواه
يشبه العمّه حامي احـمـاه من ضعف والطاغي تلقّاه
وبـمرهفه وگـع ثـنـاياه وجتفوا يساره فوگ يمناه
وظـل يـلتفت ويدير عيناه ولحسين ذيگ السا تـمنّاه
ثمرات الاعواد ـ الجزء الاول 165


المطلب الواحد والثلاثون
في كتب الحسين عليه السلام إلى البصرة

قال السيد في اللهوف :
كتب الحسين عليه السلام إلى أهل البصرة اثنى عشر كتاباً وحين أراد الخرج من مكة المشرفة مع مولى له يقال له : سليمان , ويكنّى : أبا رزين (1), يدعوهم إلى نصرته واللزوم تحت طاعته , منها : كتاب إلى يزيد بن مسعود النهشلي , ومنها : كتاب المنذر بن الجارود العبدي , ومنها : إلى الأحنف بن قيس , ومنها إلى مالك بن
يويلي و لابن زياد من جاه فـرحـان متشـمّت لگاه
او من فوگ عالي القصر ودّاه وانـوخـذ ما واحد ترجّاه
آه ولـرجـس يـوم الـتولّاه گص راسه والجسمه رماه
او للگاع صار النفل مـهواه او بحبال سحبوه عالي الجاه
* * *
قتلوه ثم رموه مـن أعل البنا وعلى الثرى سحبوه وهو قتيل
ربطوا برجليه الحبال ومثّلوا فيه فليت أصابني الـتـمثـيل
(1) أقول : سليمان المكنى بأبي رزين , مولى الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام , أرسله بكتبه إلى رؤساء الأخماس بالبصرة حين كان بمكة , وامه كبشة كانت جارية للحسين اشتراها بألف درهم , وكانت تخدم في البيت ام اسحاق بنت طلحة بن عبدالله التميمية زوجة الحسين , ثم تزوج الجارية أبو رزين فولدت منه سليمان فهو مولى للحسين عليه السلام .

السابق السابق الفهرس التالي التالي