تراث كربلاء 399

زجرى بشرط أن يتوسطه لدى الحكومة وسلم نفسه وسجن مع رفاقه في الحلة ، وكذلك السيد محمد الكشميري الذي فر إلى خارج كربلاء ، وعندما علم أن السلطة قبضت على عائلته وزجتهم في السجن ، سلم نفسه إلى الحكومة في 24 صفر سنة 1339 هـ أما عبد الجليل آل عواد فقد فر إلى أبو صخير وسلم نفسه إلى السلطة بعد مضي عشرة أيام ، وقد أمرت السلطة بتهديم دور هؤلاء الفارين (1) .
وهكذا شملت الثورة جميع منطقة الفرات الأوسط ، وامتدت جنوباًَ حتى الناصرية وشمالاً حتى المحمودية ، وأشتملت على أهم المدن الفراتية ، وبعد ذلك قامت حكومات مؤقتة في المدن المحتلة عنوة وأخلاها الإنكليز اضطراراً ولم يكن بوسع حكومة الإحتلال إلا أن تعترف بالأمر الواقع . وفي هذه الأثناء انتقل الإمام الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي إلى الرفيق الأعلى في 3 ذي الحجة لسنة 1338 هـ ( 13 آب سنة 1920 م ) .
واستمرت الثورة والثوار على احتلال مدن الفرات الأوسط ، كما استولى الثوار على لواء ديالى وأسسوا حكومات محلية ، وسرعان ما سرت الثورة إلى اللواءين كركوك واربيل سريان النار في الهشيم ، حتى شملت جميع أنحاء العراق من أقصاه إلى أقصاه ، وراح زعماء الفرات والعشائر تقاوم الانكليز بكل صلابة وجرأة ، حتى تم تشكيل الدولة العراقية وعين الفيصل بن الحسين ملكاً على العراق .
وأرى من المناسب أن أستشهد في هذا المقام بأرجوزة العلامة السيد محمد علي هبة الدين الحسيني التي نظمها في سجن الحلة وفيها أسماء المسجونين أبطال الثورة العراقية وهي :
هاك أسامـي نخبـة الآفاق من حوكموا في نهضة العراق
سبع وعشرون شيوخ رؤسا وستة من نسل أصحاب الكسا

(1) مذكرات السيد ابراهيم شمس الدين القزويني .
تراث كربلاء 400

هم هبـة الديـن لأهـل الدين وحبرنا الحسين من قزوين
والسيـد الوهـاب مظهر الابا والهادي للحق الزوين نسبا
والمرشد الحسين من نسل الدده خاتمهـم محمد ذو المحمده
أحصى الشيوخ كمنـازل القمر هذا الدليمـي وذاك المفتخر
أشخير مـن آل أبـو سلطـان ثم الفتـى أميـن أبو نعمان
ثـلاثـة إسمـهـم سلـمـان والمحسنـان والفتى دوهان
عمران ذاك الصارم المصقول علوان فيهم سيفنا المسلول
والبـر نجـم كالسماوي العابد ولافتى حـر كعبـد الواحد
علـي المـزعـل للأعـادي كخادم الغازي كـذا عبادي
خضير العاصـي عن التسليم والشهم من كان كـابراهيم
طليفح الحـر كـذا فـرحان متعب أعدانا هو الرحمـن
عبد الجلـيـل صنـوه العواد والتاج عبد الرسول الهادي
وابن عنيـن اسمـه عـبـود وابن الصليلي الفتـى حمود

واستطاعت كربلاء القيام بنصيبها الأوفر في أضطهاد المستعمرين ومقاومة الانكليز ، وقدمت التضحيات الجسام بكل غال ونفيس في سبيل الحصول على الاستقلال ، وكانت الشروط التي أملتها حكومة الاحتلال على كربلاء دون سواها من المدن العراقية لها اثرها الفعال .
ولا يخفى على القارئ اللبيب ما لكربلاء من مكانة وبطولة في ميادين الجهاد ، وآخر هذا العهد من الطموح هو ( مؤتمر كربلاء) الشهير ، فكربلاء قلب العراق النابض ومطمح انظار العراقيين الذين أخذوا عنها دروساً في الجهاد والتضحية والنبل والكرامة . ومما يجدر ذكره ان المرحوم تحسين العسكري مؤلف كتاب ( الثورة العربية الكبرى ) يتخذ من وطنية كربلاء رمزاً سامياً فيما يتعلق برفع العلم العراقي . فإن أول رياح لاعبت العلم العراقي هي رياح كربلاء لاغير ، وكانت أول يد كريمة رفعته عالياً هي يد السيد محمد حسن آل طعمة

تراث كربلاء 401

على سطح بلدية كربلاء القديمة . وان أول قلب أذيب نظماً في وصف العلم العراقي ومدحه هو قلب ابن كربلاء البار الاستاذ خليل عزمي من قصيدة له يستهلها بقوله :

بشراك يا كربلاء قومي انظري العلما علـى ربوعـك خفـاقاً ومبتسمـا

وهذه الثورة وإن لم يجن منها الشعب العراقي الثمرات المرجوة ، إلا أنها كانت الشرارة الاولى التي ألهبت في نفوس العراقيين الوعي الوطني ، فكانت مقدمة لعدة انتفاضات وثورات قام بها الشعب العربي في العراق ضد الانكليز المستعمرين حتى استطاع ان يحطم اغلال العبودية وينال استقلاله الناجز التام ويصبح ما عليه الآن من عزة وسؤدد ومنعة .
كربلاء في الثلاثينات

نشرت جريدة ( الأحرار ) البغدادية في العدد 16 الصادر في اليوم الخامس من تموز سنة 1933 م مقالاً عنوانه ( الشباب المعذب في كربلاء ) جاء فيه : كانت دعوة ذكرى شهداء الثورة من لجنة تنظيمها وكان لها دوي في كربلاء تردده أرجاؤها ، فتطوع فريق للذهاب إلى الرميثة وسافروا اليها في يومي 28 و 29 حزيران ومن لم يذهب انتظر رجوعهم ليحييهم وفي غرة تموز حوالي الساعة الرابعة عربية جاءت برقية من النجف تنبئ برجوع قسم من الوفد إلى كربلاء فارتأى البعض أن يقوموا لهم بواجب الإحتفاء ، فهرع الناس لاستقبال الوفد وعند وصوله توجه (بين الهتاف والنشيد والتصفيق ) إلى المرقدين الشريفين يتقدمهم رسم شيخ شهداء الثورة وفقيد الدين والوطن حجة الإسلام الشيخ محمد تقي الشيرازي فتم الاحتفال بقراءة الفاتحة لأرواح شهداء الثورة والمرحوم آية الله الشيرازي ولم يحدث ما يخل بالأمن . وعند العصر أخذ الناس يستقبلون بقية الوفد المتأخر ولما نزلوا من القطار القادم من الحلة أخذ بين ضجيج الأصوات من الهتاف والأناشيد يتقدمهم رسم شيخ شهداء الثورة أيضاً فساروا بهم نحو المرقدين

تراث كربلاء 402

الشريفين بوجوه ضاحكة مستبشرة وثغور باسمة تجلل تلك التضحيات الخالدة وعند وصول الجمع مقبرة الشيخ المرحوم الشيرازي انفض عقد المجتمعين بقراءة الفاتحة بكل طمأنينة . ولم يكد الظلام ينشر أجنحته السوداء إلا وكلكل بالهموم على تلك النفوس التي كانت ضاحكة فرحة فانقلب ذلك السرور كدراً وتلك الأماني أشواكاً تسمل العيون ، إذ أذيع في البلد ان مدير الشرطة القى القبض على اثنين من الشباب حقر أحدهما وأهانه وأشبع الآخر منهما ضرباً وإهانة وسباً بما يستهجن ويستقبح ولم يكنف بذلك فأوعز إلى ملتزم العباسية أن يعد من يضربه وعند خروج الشباب من الشرطة هجم عليه أربعة أشخاص وانهالوا عليه بـ ( مكاويرهم ) حتى إذا ما انحلوه تركوه يتلوى بين الأنات والشكوى وفي مصباح اليوم الثاني أخذ مدير الشرطة يلقي القبض على الباقين يهين ويضرب كل احد منهما . وكان معظم من أوقفهم هم طلاب المدارس وذلك لقراءتهم الأناشيد أوهتافهم بحياة الشعب .
ونشرت الصحيفة نفسها في عددها (18) الصادر في اليوم السابع من تموز سنة 1933 م مقالاً آخر بعنوان ( من حوادث كربلاء ـ أعمال مدير الشرطة ) جاء فيه : والذين القوا عليهم القبض وعاملوهم تلك المعاملة الشائنة في ذلك اليوم هم : محمد كاظم سعيد آغا ، ذياب البارودي ، محمد يوسف الطالب في المتوسطة ، محمد حسن السيد مصطفى ، عبد المطلب محمد علي ، محمد حسين ساعاتي . ولم يطلق صالح حمام سراح هؤلاء إلا بعد أن أشبعهم ضرباً وإهانة .
وفي اليوم الثاني من وقوع هذه التصرفات الشائنة المخلة باحترام القوانين واحترام النفوس حدث حادث آخر لا يقل أهمية عما سبقه . بينما كان السيد حسن السيد موسى شنو العضو في جمعية مكافحة الأمية بيده اعلانات المكافحة ويلصقها على الجدران في البلدة وذلك في ظهر يوم الاثنين الموافق 3 تموز الجاري إذ فاجأه أحد الأشرار بآلة انتقام مدير الشرطة وانهال على الشاب المسكين المذكور بـ ( مقوار ) كان يحمله وأشبعه ضرباً بتلك الآلة الجهنمية ولولا تدخل الناس

تراث كربلاء 403

لتخليص المذكور من يد ذلك الوحش الضار الذي كان يحمل معه مسدساً أيضاً لكان قضي على حياته خدمة لأولي الأمر وعند ذلك وصل شرطي وساق كلاهما إلى دائرة الشرطة ولكن الشرطة أطلقت سراح المعتدي بدون كفالة ودون تحقيق عن الواقعة .
وفي الذكرى الخامسة عشرة لثورة العشرين أي في سنة 1935 م أقيم حفل كبير في مدينة الرميثة على أثر منع ياسين الهاشمي المواكب الحسينية ، فأحتج أبناء الشعب على حرمانهم من ممارسة الطقوس الدينية ، فنظمت وفود لاحياء ذكرى ثورة العشرين فشد الرحال إلى الرميثة رهط من الوطنيين الأحرار وفي مقدمتهم عبد القادر اسماعيل والدكتور عبد الجواد الكليدار صاحب جريدة ( الأحرار ) وعز الدين اسماعيل والشاعر محمود الحبوبي وتقي المصعبي والسيد مصطفى الكليدار والشيخ عبد الحسين الشيرازي والمحامي عبد الأمير الحلي وروؤف الجبوري والشاعر محمد صالح بحر العلوم ومحمد حسن مصطفى الكليدار وضياء الدين أبو الحب وآخرون غيرهم . وهناك ضايقتهم الشرطة وحاولت عرقلة الاحتفال ، وأخذت تعقب القائمين به مما أضطرت الوفود القادمة الرحيل عن الرميثة فعاد قسم منهم إلى بغداد والآخر إلى الحلة والقسم الأكبر رجع إلى كربلاء فأقام لهم الدكتور عبد الجواد الكليدار مأدبة غذاء فخمة في داره وكان قد استقبلهم الشباب الكربلائي بمظاهرات صاخبة اعتزازاً بهم وتخليداً لذكرى ثورة العشرين المجيدة وقائدها الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي فطافوا بالصحنين المقدسين هاتفين بالخلود لشهدائها مما اضطر الشرطة إلى تفريقهم واعتقال قسم آخر منهم .
وفي سنة 1936 م في عهد وزارة ياسين الهاشمي ، عندما قامت عشائر الفرات الأوسط في حركاتها ضد الوزارة كان لكربلاء دور مهم في اجتماعات قادة الحركة ورؤساء العشائر وساداتها وغذاها محامون من بغداد ، ونتيجة لتلك الاجتماعات خرج ميثاق أسموه ( ميثاق الشعب ) يدعو إلى المطالبة بحقوقهم

تراث كربلاء 404

المغتصبة ، وقد بارك هذا الميثاق الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ووقع عليه عدد كبير من رؤساء قبائل الفرات في الحلة والديوانية وكربلاء والناصرية (1) وعلى اثر هذه الحركات قام انقلاب سنة 1936 م بقيادة الفريق بكر صدقي للاطاحة بحكومة ياسين الهاشمي ، فاستقبل الانقلاب من قبل جماهير الشعب بالهتاف بحياة الجيش ووزارة حكمت سليمان التي جاءت على اثر الانقلاب ، والتي ساهم فيها الزعيم الوطني المرحوم جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي .

كربلاء في الأربعينيات

ثار الشعب العراقي بقيادة جيشه المظفر على المستعمرين الإنكليز وذلك في مايس سنة 1941 م . فهبت جماهير الشعب بكل طوائفه تحارب المستعمرين ، فخرجت المظاهرات التي ساهم فيها الطلاب والفلاحون والكسبة .
وفي كربلاء كان لفتاوي رجال الدين أثرها الفعال في تحفيز الشعب العراقي للدفاع عن قدسية البلاد (2) . وخرجت جماهير المدينة يتقدمها رجال الدين والطلاب والكسبة تدافع عن شرف الأمة وكرامتها ، فنظمت المظاهرات الصاخبة وسار الشعب وطلبة المدارس إلى سراي الحكومة وطافوا شوارع المدينة وأسواقها حاملين الراية العراقية مرتلين الأناشيد الوطنية والأهازيج الشعبية . وأبرقت البرقيات المؤيدة للحركة وقادتها وعلى رأسها الزعيم رشيد عالي الكيلاني من قبل رجال الدين والأشراف ورؤساء العشائر العربية الذين اشتركوا فعلاً بالحركة ومساندتهم للحكومة الجديدة والتنديد بعبد الاله وعمالته . وبعد فشل

(1) الحرب العراقية البريطانية 1941 / محمود الددة ( دار الطليعة بيروت ـ مارس 1961 ) ص 60 .
(2) نشرت جريدة ( الندوة ) الكربلائية بعض فتاوي العلماء بأعدادها 1 ، 2 ، 3 الصادرة في 3 أيار و 7 أيار و 10 أيار سنة 1941 .
تراث كربلاء 405

الثورة وعودة عبد الاله على رأس الجيش البريطاني إلى العراق ، تم إلقاء القبض على عدد كبير من المواطنين منهم عبد المهدي القنبر والسيد ابراهيم شمس الدين القزويني .
وفي وثبة كانون سنة 1948 م كان لكربلاء دور بارز في هذه الوثبة ، حيث قامت المظاهرات الطلابية مخترقة شوارع المدينة هاتفة بسقوط وزارة صالح جبر ومعاهدة بورت سموث ، وإرسال برقيات الاحتجاج من قبل الأهالي إلى الصحف والأحزاب الوطنية في بغداد منددة بجرائم شرطة الحكومة التي أطلقت الرصاص على المواطنين وقتلهم الأبرياء . وكان لجماهير المدينة الدور الفعال في استقبال جثث الشهداء وتشييعها بمواكب فخمة تعبر عن استنكارها وسخطها على الوضع المزري وكان لتشييع جثمان الشهيد جعفر الجواهري وقع كبير في المدينة ، قامت الشرطة على اثره باعتقال عدد كبير من المواطنين وزجتهم في غياهب السجون.


دور كربلاء في الخمسينات

انتفاضة تشرين 1952

بعد انتفاضة الشعب العراقي في تشرين سنة 1952 م ضد حكومة نور الدين محمود العسكرية التي أعلنت الأحكام العرفية فور تسلمها الحكم كان لكربلاء دور بارز في هذه الانتفاضة حيث انطلقت بواكيرها من ثانوية كربلاء للبنين ، فاعترضها حرس دار المتصرف ، وبعد مفاوضات من قبل ممثلي المظاهرة ، تم اختراق الشارع المذكور ومن ثم شارع العباس . وكان الجيش يتخذ له مواقع في الشوارع الرئيسية وفي مداخلها ، إلا أن المتظاهرين استطاعوا أن يكسبوا أفراد الجيش إلى جانبهم ، مما جعلوا الدبابات والمصفحات العسكرية منابر لخطبهم وقصائدهم الحماسية .
وعندما علمت السلطة بسقوط الأمر في يدها ، حاولت أن تزج بقوات

تراث كربلاء 406

من الشرطة لضرب المتظاهرين ، إلا أن المتظاهرين عند وصولهم إلى ساحة علي الأكبر، اخترقوا سياج الشرطة المضروب حولهم وأحرقوا في وسط الساحة سيارة ( جيب ) محملة بالأعتدة والذخيرة والتجهيزات الخاصة بالشرطة .
وهنا أخذت الشرطة تضرب المتظاهرين بعنف ، مما أصيب بعضهم بطلقات نارية . ومع ذلك فإن المتظاهرين أبدوا بسالة متناهية ، وعندها عززت القوات المسلحة المتواجدة بالمدينة بقوات إضافية مكثفة جيء بها من بغداد ، واستطاعوا بشكل أوبآخر السيطرة على المدينة . وقد أمرت السلطة أن تتخذ شرطتها أماكن لها في مداخل الصحنين الشريفين وفي سورهما ، إلا أن سادن الروضة العباسية رفض أن تكون الروضة المقدسة مقراً لهم في تقتيل أبناء الشعب .
وفي المساء استطاعت قوى الأمن من اعتقال عدد كبير من الشبان وقادة المظاهرة ، وبفعل الضغط الجاهيري قدمت حكومة نور الدين محمود استقالتها والغيت الأحكام العرفية وعادت الأوضاع الطبيعية إلى مجراها .


أحداث سنة 1956

على أثر الاعتداء الثلاثي على مصر ، هبت جماهير الشعب العراقي لنجدة شقيقته الكبرى مصر العروبة . وكانت كربلاء إحدى المدن التي قاومت السلطة الحاكمة آنذاك بمظاهرات صاخبة ساهم فيها الطلاب والعمال والفلاحون والكسبة فكانت الجموع تحتشد في شوارع المدينة هاتفة بسقوط السلطة الحاكمة مساندة الشعب المصري في نضالة ضد المستعمرين الغزاة ، مما دعا إلى اعتقال عدد كبير من المتظاهرين وفي مقدمتهم الطلاب ، حيث فصل عدد كبير منهم ، وأحيلوا إلى المجالس العرفية ومن ثم سيقوا مجندين إلى منطقة السعدية .

تراث كربلاء 407


أحداث سنة 1958 ثورة 14 تموز

استمرت الحركة الوطنية متأججة في جميع أنحاء القطر خاصة في مدينة كربلاء الثائرة ، حيث كان الوطنيون على مختلف اتجاهاتهم وميولهم يبثون الوعي الوطني بين الناس منددين بأعمال السلطة الحاكمة وعمالتها المستعمرين والضالعين في ركابهم ، حتى كانت ثورة الرابع عشر من تموز سنة 1958 م حيث قامت المظاهرات المؤيدة للثورة الظافرة منذ انبثاقها مخترقة شوارع المدينة ، مؤيدة ومباركة لقادتها الذين دكوا صروح الاستعمار وأسقطوا حلف بغداد المشؤوم .


تراث كربلاء 408

الفصل العاشر

الجمعيات والاحزاب السياسية

تألفت في كربلاء قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها عدة مقرات للأحزاب السياسية وجمعيات صحية وأدبية ودينية ، قامت بنشاطات واسعة في مختلف الميادين ، وساهمت بقسط وافر في الحركة الفكرية ، وأهملها هي :
1ـ فرع جمعية الاتحاد والترقي


تأسس في كربلاء سنة 1908 م وهو فرع لجمعية سياسية هدفها الرئيسي مكافحة الاستبداد التركي والعصيان ضد الاستعباد ، في الوقت الذي أراد السلطان عبد الحميد الثاني التغلب على الأحرار وخنق الحريات ، فكان تأسيس هذه الجمعية السرية مناصرة للأحرار ومناهضة لتوحيد الصفوف ، وكان الاسم الحقيقي لها ( قلوب ) . وقد انتسب إليها كثير من الشباب المثقف كالشيخ حسن السنلي والحاج عبد المهدي الحافظ والشيخ كاظم أبو ذان . ونجحت الجمعية في مسعاها وتم لها ما أرادت ، إذ كان الانقلاب في 31 مارس 1909 م .

تراث كربلاء 409

2ـ فرع جمعية مكافحة الاستبداد


تأسس في نفس السنة التي تأسست فيها الجمعية الآنفة الذكر ، وكان هدفه مكافحة الإستبداد الإيراني وإعلان الدستور الذي وعد به السلطان مظفر الدين القاجاري . وكان الإسم الحقيقي له (أنجمن احرار) ومركزه في محلة العباسية الغربية . وقد انتسب اليه كل من محمد علي غفوري والشيخ جواد البهبهاني وغيرهما ، فكانت النتيجة ان اسفرت جهودهم بالفوز ، حيث أُعلن الدستور الإيراني سنة 1327 هـ / 1910 م وتسنم العرش السلطان احمد شاه القاجاري .
الجمعية الوطنية الاسلامية


وقد تألفت عقيب الهدنة جمعية سرية (1) في محلة باب النجف ، غايتها العمل ضد بريطانيا ، وكانت تحت اشراف آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي ، وبراية نجله الشيخ محمد رضا وعضوية السيد محمد علي هبة الدين الحسيني والسيد عبد الوهاب آل طعمة وعبد الكريم آل عواد والسيد حسين القزويني وعمر الحاج علوان وعثمان الحاج علوان وطليفح الحسون وعبد المهدي القنبر ومحمد علي أبو الحب والشيخ محمد حسن أبو المحاسن . كما ان أكثر وجوه البلد ورؤسائه اتفقوا مع هذه الجمعية بعد لأي كما تقدمت بذلك مضبطة انتخاب أحد انجال الملك حسين عند الاستفتاء العام (2)وأخذ أفراد هذه الجمعية يوالون الاجتماعات ويبثون الدعاية الوطنية ويوفقوا بين رؤساء العشائر وزعماء الفرات لإزالة ما أحدثته سياسة الاستعمار من ضغائن وأحقاد ، فتوسع نطاق الحركة .

(1) تألفت جمعية ثانية بنفس الاسم قوامها رجال الدين ، وكانت برئاسة آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي وعضوية نجله الشيخ محمد رضا الشيرازي وعبد الحسين المندلاوي والسيد حسين القزويني والسيد محمد علي هبة الدين الحسيني والسيد محمد علي الطباطبائي والسيد محمد مهدي المولوي والشيخ يحيى الزرندي ، وكان مقرهم في محلة باب الطاق .
(2) كربلاء في التاريخ / للسيد عبد الرزاق الوهاب آل طعمة ـ الجزء الثالث ص 25 .
تراث كربلاء 410

4ـ فرع حزب النهضة


أسسه في كربلاء المرحوم الحاج أمين الجرجفجي وذلك في سنة 1343 هـ المصادف 1924 م وانضم إلى هذا الفرع بعض رجالات كربلاء وشخصياتها . كما ان هناك فروعاً أخرى سياسية لحزب الاخاء الوطني وحزب الاستقلال وحزب الامة وحزب الاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي .
5ـ فرع حزب الاخاء الوطني


تأسس سنة 1930 م برئاسة عثمان الحاج علوان وعضوية السيد رضا السيد سعيد الشروفي والسيد كاظم السيد أحمد النقيب والشيخ حميد كمونة ومحمد حسن عبد الرضا أبو الحب وعباس علوان الصالح ومحمد كاظم سعيد آغا . وكان مقره في دار عمر العلوان بمحلة باب السلالمة . وكان هدفه تنوير الرأي العالم الكربلائي بالقضايا الوطنية والذب عن حياض الوطن من براثن الاستعمار (1) .
6ـ الجمعية الخيرية الشبيرية


تأسست في شهر محرم سنة 1351 هـ / 1932 م ، كان موقعها قرب حمام الكبيس في محلة باب الطاق ثم انتقلت إلى مقبرة السيد علي القطب في صحن العباس ، كان رئيسها المرحوم السيد حسن السيد محمد حكيم صاحب ، وبعد وفاته ترأسها أخوه السيد ضامن . وقد فتحت لها مستوصفاً لحماية الأطفال وزودته بمختلف الأدوية الصحية والغذاء وكانت توزع الكساء على الاطفال الفقراء في المناسبات الدينية . وقد فتح هذا المستوصف سنة 1949 م بحفلة رائعة كان من خطبائها الحقوقي اللامع حمزة بحر ، والاستاذ حسن عبد الأمير وغيرهما . وقد اغلق هذا المستوصف بعد أن عجز عن سد ميزانيته .

(1) استقيت هذه المعلومات شفاهاً من المرحوم السيد كاظم السيد أحمد النقيب بتاريخ 28 / 1/ 1969 .
تراث كربلاء 411

7ـ فرع جمعية تشجيع المنتجات الوطنية


تأسس هذا الفرع في كربلاء سنة 1934 م ومركزه في بغداد ، والغاية من تأسيسه السعي لتقليل الاحتياج للمصنوعات الأجنبية ، والسعي لتصدير ماتنتجه البلاد إلى الخارج . وقد انتخب الحاج عبد الرزاق النصراوي رئيساً للفرع والحاج رشيد عبد الله نائباً للرئيس وعباس علوان الصالح سكرتيراً ومحمد عبد الحسين أميناً للصندوق ورحيم خضير الكيال عضواً وغيرهم من الأعضاء . وقد افتتح الفرع في 28 تشرين الثاني سنة 1934 ، وألقى الاستاذ رحيم الكيال عضو الفرع كلمة (1) حث فيها المواطنين على بذل الجهود في ايجاد النهضة الصناعية المحلية وتحفيز الشباب العراقي على مؤازرة المشاريع الاقتصادية وتشجيع منتجاتها .
8ـ فرع جمعية حماية الأطفال


تم تأسيس هذا الفرع سنة 1360 هـ / 1941 م وقام بخدمات مهمة من أجل رفع المستوى الصحي في المدينة . ومن بين هذه الخدمات التي أداها الفرع ختان مجموعة من الأطفال وتوزيع بدلات كشافية وبدلات متنوعة شتوية على الطلاب والطالبات ، كما نوهت بذلك الصحف المحلية في حينها .
9ـ جمعية ندوة الشباب العربي


ليس هناك من ينكر الفوائد الجمة التي تجنى من هذا المنتدى الأدبي الشهير الذي تأسس في كربلاء عام 1941 م ، وكان أعضاؤه المؤسسون كل من السيد صدر الدين شرف الدين والحاج صالح الصافي والمحامي كامل عبد الوهاب الخطيب والسيد محمد علي السعيد والسيد محمد مهدي الوهاب آل طعمة . وكانت غاية الجمعية نشر الثقافة العامة ورفع المستوى الأدبي ومكافحة الأمية . فقد سجلت المؤسسة المزيد من المفاخر والمآثر ، فأول عمل بادرت إليه هو نشر صحيفة أدبية

(1) مجلة ( الاقتصاد ) البغدادية ـ العدد 45 ـ 6 كانون الأول سنة 1934 م .

السابق السابق الفهرس التالي التالي