جهاد الامام السجاد عليه السلام 269




جهاد الامام السجاد عليه السلام 270




جهاد الامام السجاد عليه السلام 271


رسالة الحقوق

بسم الله الرحمن الرحيم

[ المقدمة ]

أعلم ـ رحمك الله ـ أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها أو سكنة سكنتها [ أو حال حلتها ] أو منزلة نزلتها أو جارحة قلّبتها أو آلة تصرّفت بها ( بعضها أكبر من بعض ) :
[أ] فأكبر حقوق الله عليك : ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من [ 1 ] حقه الذي هو أصل الحقوق ( ومنه تُفرّع ).
[ب] ثمّ ما أوجبه الله عزّوجل لنفسك ، من قرنك الى قدمك ، على اختلاف جوارحك :
فجعل [ 2 ] للسانك عليك حقا (1) و [ 3 ] لسمعك عليك حقا ، و [ 4 ] لبصرك عليك حقا ، و [ 5 ] وليدك عليك حقا ، و [ 6 ] لرجلك عليك حقا ، و [ 7 ] لبطنك عليك حقا ، و [ 8 ] لفرجك عليك حقا.
فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال.
[ج] ثمّ جعل عزّوجل لأفعالك عليك حقوقا :
فجعل [ 9 ] لصلاتك عليك حقا ، و [ 10 ] لحجّك عليك حقا (2) ، و [ 11 ] لصومك عليك حقا ، و [ 12 ] لصدقتك عليك حقا ، و [ 13 ] لهديك عليك حقا ، و [ 14 ] لأفعالك عليك حقا.
ثمّ تخرج الحقوق منك الى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها

(1) في التحف ، أخر ذكر اللسان عن السمع والبصر ، هنا ، لكنه قدمه عليهما في ذكر تفصيل الحقوق ، فكان ما أثبتناه هنا أنسب.
(2) الحق رقم [ 10 ] لم يذكر في رواية التحف ، لا هنا ولا في تفصيل الحقوق ، وإنما ورد في روايات الصدوق ، فقط ، فلاحظ ما ذكرناه عند التفصيل عن الحق [ 10 ].
جهاد الامام السجاد عليه السلام 272

عليك : [ د ] حقوق أئمتك ، ثم [ هـ ] حقوق رعيّتك ، ثمّ [ و ] حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّب منها حقوق.
[د] فحقوق أئمتك ثلاثة :
أوجبها عليك [ 15 ] حق سائسك بالسلطان ، ثمّ [ 16 ] حق سائسك بالعلم ، ثم [ 17 ] حق سائسك بالمِلك.
وكلّ سائس إمام.
[هـ] وحقوق رعيّتك ثلاثة :
أوجبها عليك [ 18 ] حق رعيّتك بالسلطان ، ثمّ [ 19 ] حق رعيتك بالعلم ، فإن الجاهل رعيّة العالم ، ثمّ [ 20 ] حق رعيّتك بالمِلك : من الأزواج وما ملكت الأيمان.
[و] وحقوق رَحِمك كثيرة ، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة.
فأوجبها عليك [ 21 ] حق أمّك ، ثمّ [ 22 ] حق أبيك ، ثمّ [ 23 ] حق ولدك ، ثمّ [ 24 ] حق أخيك ، ثمّ الأقرب فالأقرب ، والأول فالأول (1).
[ز] ثم [ حقوق الآخرين ] (2) :
[ 25 ] حق مولاك المنعم عليك ، ثمّ [ 26 ] حق مولاك الجارية نعمتك عليه ، ثمّ [ 27 ] حق ذي المعروف لديك ، ثم [ 28 ] حق مؤذنك لصلاتك ، ثمّ [ 29 ] حق إمامك في صلاتك ، ثمّ [ 30 ] حق جليسك ، ثمّ [ 31 ] حق جارك ، ثمّ [ 32 ] حق صاحبك ، ثم [ 33 ] حق شريكك ، ثمّ [ 34 ] حق مالِك ، ثمّ [ 35 ] حق غريمك الذي يطالبك (3) ، ثمّ [ 36 ] حق خليطك ، ثمّ [ 37 ] حق خصمك المدّعي عليك ، ثمّ [ 38 ] حق خصمك الذي تدّعي عليه ، ثمّ [ 39 ] حق مستشيرك ، ثمّ [40 ] حق المشير عليك ، ثمّ [ 41 ] حق مستنصحك ، ثمّ [ 42 ] حق الناصح لك ، ثمّ [ 43 ] حق من هو أكبر منك ، ثمّ [ 44 ] حق من هو أصغر منك ، ثمّ [ 45 ] حق سائلك ، ثمّ [ 46 ] حق من سألته ، ثمّ [ 47 ] حق

(1) في غير التحف : الأولى فالأولى.
(2) ما بين المعقوفين هنا زيادة منا ، لتحديد عناوين أصول الحقوق السبعة ، والمعبر عنها بـ « الحقوق الجارية... » في آخر هذه المقدّمة ، فلاحظ.
(3) أضاف في النسخ هنا : « ثم حق غريمك الذي تطالبه» وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق ، لا في الصدوق ولا التحف ، وبدونه تتم الحقوق : خمسين حقا ، فالظاهر كونه زائدا.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 273

من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل ، عن تعمّد منه أو غير تعمّد ، [ ثم [ 48 ] حق من جرى على يديه مسرّة من قول أو فعل ] (1) ثم [ 49 ] حق أهل ملّتك عامّة ، ثمّ [ 50 ] حقّ أهل ذمّتك.
ثم (2) الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب.
فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفقه لذلك وسدّده (3).
[ أ ـ حق الله ] (4)

[1] فأمّا حقّ الله الأكبر عليك :
ـ فأن تعبده لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ( ويحفظ لك ما تحبّ منها ).

[ ب ـ حقوق الأعضاء ] (5)

وأما حق نفسك (6) عليك : أن تستعملها (7) في طاعة الله : ( فتؤدّي الى لسانك حقه ، والى سمعك حقه ، والى يدك حقّها ، والى رجلك حقها ، والى بطنك حقه ، والى فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك ) :

(1) هذا الحق مذكور في المتن في النصين ، لكنه لم يذكر هنا في مقدمة الصدوق في الخصال.
(2) كذا جاءت كلمة ( ثمّ ) هنا في الروايات والنسخ كلّها وأظنها مصحفة عن ( هي ) إشارة الى جميع الحقوق المذكورة في [ ز ] ويؤيد هذا ، أن الرسالة ـ في كل نسخها ـ تنتهي عند ذكر ( حق أهل الذمة ) ولم يذكر فيها عن حقوق أخرى أيّ شيء ، فليلاحظ.
(3) هذه المقدمة لم يوردها الصدوق في الفقيه ولا الأمالي ، وإنما أوردها في الخصال كما في التحف.
(4 ـ 5) ما بين المعقوفين أضفنا لتوحيد النسق مع العناوين التالية المثبتة في اصل التحف.
(6) اعتبر كثير من الذين طبعوا رسالة الحقوق في عصرنا « حق النفس » حقا منفصلا وأعطوه رقما مستقلا ، فأدّى بهم ذلك الى زيادة عدد الحقوق الى ( 51 ) بينا هي ( خمسون ) قطعا كماعرفت في المقدّمة ، مع أن هذا هو عنوان جامع لما تحته من ( حقوق الأعضاء ) كما سجّلنا فلاحظ ، وقد عدّها في تحف العقول المطبوع مستقلا بينما لم يورد ( حقّ الحجّ ) الآتي برقم [ 11 ] وسيأتي أن من الضروري إيراده.
(7) في نسخة : تستوفيها.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 274

[2] وأمّا حقّ اللسان :
ـ فإكرامه عن الخَنى.
ـ وتعويده على الخير [ والبرّ بالناس ، وحسن القول فيهم ].
( ـ وحمله على الأدب
ـ وإجمامه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا.
ـ وإعفاؤه عن الفضول الشنيعة ، القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قِلّة فائدتها. (8)
ـ ويُعَد شاهدَ العقل ، والدليل عليه ، وتزيّن العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه.
ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) (9)
[3] وأما حقّ السمع :
ـ فتنزيهه عن أن تجعله طريقا الى قلبك إلاّ لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا ، أو تكسب خلقا كريما ، فإنه باب الكلام الى القلب ، يؤدّي اليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر.
ولا قوة إلاّ بالله (10)

(8) في روايات الصدوق : وترك الفضول التي لا فائدة فيها.
(9) روى الكليني بسنده عن إبراهيم بن مهزم الاسدي عن أبي حمزة [ الثُمالي ] عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إن لسان بني آدم يُشرف على جميع جوارحه ، فيقول : كيف أصبحتم ؟
فيقولون : بخير ، إن تركتنا.
ويقولون : الله ، الله فينا.
ويناشدونه ويقولون : إنما نثاب [ بك ] ونعاقب بك.
الكافي ( 2/115 ) كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت وحفظ اللسان ، ورواه في الاختصاص المنسوب الى المفيد ( ص 230 ) وما بين المعقوفات منه.
(10) في الصدوق : فتنزيهه عن سماع الغِيبَة ، وسماع مالا يحلّ سماعه.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 275

[4] وأمّا حقّ بصرك :
ـ فغضّه عمّا لا يحلّ لك.
( ـ وترك ابتذاله إلاّ لموضع عبرة تستقبل بها بصرا ، أو تستفيد بها علما ، فإن البصر باب الاعتبار ) (1)
[5] وأمّا حقّ يدك :
ـ فأن لا تبسطها الى ما لا يحلّ لك ( فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل.
ـ ولا تقبضها عمّا افترض الله عليها.
ولكن توقّرها : بقبضها عن كثير مما يحل لها ، وبسطها الى كثير ممّا ليس عليها ، فإذا هي قد عُقِلَت وشرّفت في العاجل وَجَبَ له حُسن الثواب من الله في الآجل ) (2).
[6] وأما حق رجلك (3) :
ـ أن لا تمشي بها الى ما لا يحل لك. [ فبها تقف على الصراط ، فانظر أن لا تَزِلّ بك فتردى في النار ]
( ـ ولا تجعلها مطيّتك في الطريق المستخفّة بأهلها فيها ، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين ، والسبق لك.
ولا قوة إلاّ بالله ).
[7] وأمّا حق بطنك :
ـ فإن لا تجعله وعاءا ( لقليل من ) الحرام ( ولا لكثير.
ـ وأن تقتصد له في الحلال ، ولا تخرجه من حدّ التقوية الى حدّ التهوين ،

(1) في الصدوق ـ بدل ما بين القوسين ـ : وتعتبر بالنظر به.
(2) ما بين القوسين ليس في روايات الصدوق.
(3) في أكثر النسخ « رجليك » مع تثنية الضمائر العائدة إليها في الفقرة الاولى. وقد أفردنا الجميع لوروده في نسخ أخرى ، كما أنه الانسب بسائر الفقر.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 276

وذهاب المروءة.
ـ وضبطه إذا همّ ، بالجوع والعطش (1).
ـ [ و لا تزيد على الشبع ] فإن الشبع المنتهي بصاحبه الى التخم مَكْسَلة ومَثبَطة ومَقطَعة عن كل برّ وكرم ، وإن الريّ المنتهي بصاحبه الى السكر مَسْخَفة ومَجهَلة ومَذهَبة للمروءة ).
[8] وأما حقّ فرجك :
ـ ( فحفظه ممّا لا يحلّ لك [ أن تحصنه عن الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه ] والاستعانة عليه بغض البَصَر ، فإنّه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتهدّد لنفسك بالله والتخويف لها به.
وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوة إلاّ به ).
[ ج] ثمّ حقوق الأفعال (2)

[9] فأمّا حقّ الصلاة :
ـ فأن تعلم أنّها وفادة الى الله ، وأنّك قائم بها بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام العبد ، الذليل [ الحقير ] ، الراغب ، الراهب ، الخائف ، الراجي ، المسكين ، المتضرّع ، المعظّم من قام بين يديه بالسكون والإطراف (3) ( وخشوع الأطراف ، ولين الجناح ، وحسن المناجاة له في نفسه.
والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك ، واستهلكتها ذنوبك ).
ـ [ وتقبل عليه بقلبك.
ـ وتقيمها بحدودها وحقوقها ].
ولا قوة إلاّ بالله.

(1) في نسخة التحف : والظمأ.
(2) هذا العنوان لم يرد في الصدوق.
(3) في الصدوق : والوقار ، بدل ( والإطراف ).
جهاد الامام السجاد عليه السلام 277

[10] وحقّ الحجّ :
ـ أن تعلم أنه وفادة الى ربّك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك ] (1)
[11] وأمّا حقّ الصوم :
ـ فأن تعلم أنّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار [ فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك ].
( وهكذا جاء في الحديث : « الصوم جُنّة من النار» فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطّلع الى ما ليس لها ، بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوّة الخارجة عن حدّ التقية لله ، لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه.
ولا قوة إلاّ بالله )
[12] وأمّا حقّ الصدقة :
ـ فأن تعلم أنّها ذخرك عند ربك ، ووديعتك التي لا تحتاج الى الإشهاد [ عليها ] ( فإذا علمت ذلك ) كنت بما استودعته سرا أوثق [ منك ] بما استودعته علانية ( وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كلّ حال ، ولم تستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الاسماع والأبصار عليه بها كأنّك أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك.
ـ [ وتعلم أنّها تدفع البلايا والاسقام عنك في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة ]
ـ ثمّ لم تمتنّ بها على أحد ، لأنّها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها الى من مننت بها عليه ، لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد.

(1) حق الحجّ هذا لم يرد في تحف العقول ، ووجوده ضروري ، كما شرحنا في المقدمة.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 278

ولا قوّة إلاّ بالله )
[13] وأمّا حقّ الهدي :
ـ فإن تخلص بها الإرادة الى ربّك ، والتعرّض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلّفا ولا متصنّعا ، وكنت إنّما تقصد الى الله (1)
[14] وأما حقّ عامّة الأفعال : (2)
ـ واعلم أن الله يراد باليسير ، ولا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير.
ـ وكذلك التذلّل أولى بك من التدهقن ، لأنّ الكلفة والمؤونة في المتدهقنين ، فأمّا التذلّل والتمسكن فلا كلفة فيهما ، ولا مؤونة عليهما ، لأنّهما الخلقة ، وهما موجودان في الطبيعة.
ولا قوّة إلاّ بالله.
[د] ( ثمّ حقوق الأئمة ) (3)

; [15] فأمّا حقّ سائسك بالسلطان :
ـ فأن تعلم أنك جعلت له فتنة ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان.
( ـ وأن تخلص له في النصيحة.
ـ وأن لا تماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.

(1) في الصدوق : وحق الهدي : أن تريد به الله عزّوجل ، ولا تريد خلقه ، ولا تريد به إلاّ التعرّض لرحمة الله عزّوجل ونجاة روحك يوم تلقاه.
(2) هذا العنوان من وضعنا ، وقد أوضحنا أن عدّ هذا الحق ضروري ، لقوله في مقدّمة الرسالة بعد حق الهدي : « ولأفعالك عليك حقاً » وقد شرحنا ذلك في المقدمة ، وذكرنا أن المؤلّفين لم يرقّموا هذا الحق ، وهو ساقط من روايات الصدوق بالكليّة.
(3) العنوان الأصلي لم يرد في الصدوق ، وكذا جميع العناوين الاصلية التالية.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 279

ـ وتذلل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله.
ـ ولا تعازّه ، ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته ، وعققت نفسك ، فعرّضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له عليه نفسك ) (1) وشريكا له في ما أتى إليك [ من سوء ].
ولا قوّة إلاّ بالله.
[16] وأمّا حق سائسك بالعلم :
ـ فالتعظيم له.
ـ والتوقير لمجلسه.
ـ وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه.
( ـ والمعونة له على نفسك في ما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرّغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتزكي له قلبك ، وتجلي له بصرك : بترك اللّذات ، ونقص الشهوات.
ـ وإن تعلم أنّك ـ في ما ألقى إليك ـ رسوله الى من لقِيَك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، ولا تخُنْه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلّدتها ).
[ ـ وأن لا ترفع عليه صوتك.
ـ وأن لا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب.
ـ ولا تحدّث في مجلسه أحدا.
ـ ولا تغتاب عنده أحدا.
ـ وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء.
ـ وأن تستر عيوبه.
ـ وتظهر مناقبه.
ـ ولا تجالس له عدوّا.
ـ ولا تعادي له وليّا.

(1) في الصدوق بدل ما بين القوسين قوله : وأن عليك أن لا تتعرّض لسخطه ، فتلقي بيدك الى التهلكة ، وتكون شريكا له في ما يأتي أليك من سوء.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 280

فإذا فعلت ذلك شهدت ملائكة الله عزّوجل بانك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ وعزّ أسمه ، لا للناس ] (1).
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
[17] وأمّا حقّ سائسك بالمِلْك :
ـ فنحو من سائسك بالسلطان ، إلاّ أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته في مادقّ وجلّ منك إلاّ أن تخرجك من وجوب حق الله ، فان حق الله يحول بينك وبين حقّه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت الى حقّه فتشاغلت به.
ولا قوّة إلاّ بالله (2)

[هـ] ثم حقوق الرعيّة

[18] فأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان :
( ـ فإن تعلم أنك إنّما استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم ، فإنه إنما أحلّهم محلّ الرعيّة لك ضعفهم ، وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه ـ حتى صيّره لك رعيّة ، وصيّر حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع عنك بعزّة ولا قوّة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلاّ بالله ـ بالرحمة والحياطة والأناة ! ) (3)
[ ـ فيجب أن تعدل فيهم ، وتكون لهم كالوالد الرحيم.
ـ وتغفر لهم جهلهم.
ـ ولا تعاجلهم بالعقوبة ]
( وما أولاك ـ إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها ـ أن تكون لله شاكرا ! [ وتشكر الله عزّوجل على ما آتاك من القوّة عليهم ] ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه.

(1) ما بين المعقوفين ورد في الصدوق ، واكثر المذكورات من حقوق المعلّم مذكور في حديث مسند الى أمير المؤمنين عليه السلام ، لاحظ آداب المتعلمين ( ص 74 ـ 77 ) الفقرة [ 21 ].
(2) في الصدوق بدل هذا الحقّ : فأن تطيعه ، ولا تعصيه ، إلاّ في ما يسخط الله عزّوجل ، فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
(3) في الصدوق : فأن تعلم أنّهم صاروا رعيتّك لضعفهم وقوّتك.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 281

ولا قوّة إلاّ بالله ).
[19] وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم :
ـ فأن تعلم أن الله قد جعلك قيّما لهم في ما آتاك من العلم ، وولاّك (1) من خزانة الحكمة.
فإن أحسنت في [ تعليم الناس ] ( ما ولاّك الله من ذلك ، [ ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ] وقمت لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه [ زادك الله من فضله ] كنت راشدا ، وكنت لذلك آملا معتقدا.
وإلاّ (2) كنت له خائنا ، ولخلقه ظالما ، ولسلبه وغرّه متعرّضا )
[ كان حقّا على الله عزّوجل أن يسلبك العلم ، وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك ].
[20 وأمّا حق رعيّتك بالملك ] (3)
وأمّا حق رعيّتك بملك النكاح (4)
ـ فأن تعلم أنّ الله جعلها لك سكنا ( ومستراحا ) وأنسا ( وواقية.
ـ وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ) ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ( ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ).
ـ فتكرمها وترفق بها.
ـ وإن كان حقّك عليها أوجب (5) ( وطاعتك لها ألزم في ما أحببت وكرهت ، مالم تكن معصية ) فإن لها [ عليك ] حق الرحمة والمؤانسة ) [ أن ترحمها ، لأنّها أسيرك.
ـ وتطعمها ، وتسقيها ، وتكسوها.
ـ فإذا جهلت عفوت عنها ]

(1) في الصدوق : وفتح لك ، بدلّ ( وولاك ).
(2) في الصدوق : وإن انت منعت الناس علمك ، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك.
(3) هذا العنوان منّا لتوحيد النسق ، ولكن المؤلّفين جعلوا ما تحته حقّين : حق الزوجة ، وحقّ ملك اليمين ، وهو سهو كما شرحنا في المقدّمة.
(4) في الصدوق : وأما حق الزوجة.
(5) في تحف العقول : أغلظ ، بدل : أوجب.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 282

( ـ وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها ، وذلك عظيم.
ولا قوّة إلاّ بالله ).
وأما حقّ رعيّتك بِمْلك اليمين (1) :
ـ فأن تعلم أنّه خلق ربّك [ وابن أبيك واُمّك ] ولحمك ودمك ، وأنك تملكه ، لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ، ولا أجريت له رزقا (2) ، ولكن الله كفاك ذلك ، ثمّ سخّره لك ، وائتمنك عليه ، واستودعك إيّاه ( لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ) (3)
ـ فإن كرهته ( خرجت الى الله منه و ) استبدلت به ، ولم تعذّب خلق الله عزّوجل.
ولا قوّة إلاّ بالله.

[و] ( وأمّا حقّ الرحم

[21] فحقّ أمّك :
ـ أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، وانها وقتك بـ ( سمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ) و ( جميع جوارحها ) مستبشرة بذلك فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك الى الارض.
ـ فرضيت أن تشبع وتجوع هي (4) ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلّك وتضحى ، وتنعمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها ، ( وكان بطنها لك وعاءا ، وحجرها لك حواءا ، وثديها لك سقاءا ، ونفسها لك وقاءا ) تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك

(1) في الصدوق : وأما حقّ مملوكك.
(2) في بعض نسخ الصدوق : « لم تملكه ، لأنّك صنعته دون الله ! ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا».
(3) بدل ما بين القوسين في الصدوق : ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك.
(4) في الصدوق : ولم تبال أن تجوع وتطعمك... وهكذا الى آخر الفقرة ، باختلاف يسير.
جهاد الامام السجاد عليه السلام 283

ـ ( فتشكرها على قدر ذلك ) : [ فإنك لا تطيق شكرها ] ( ولا تقدر عليه ) إلاّ بعون الله وتوفيقه.
[22] وأمّا حقّ أبيك :
ـ فتعلم أنّه أصلك ، ( وأنّك فرعه ) وأنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه.
ـ فأحمد الله واشكره على قدر ذلك.
ولا قوّة إلاّ بالله.
[23] وأمّا حقّ ولدك :
ـ فتعلم أنّه منك ، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه.
ـ وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب ، والدلالة على ربّه ، والمعونة له على طاعته ( فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب ).
ـ فاعمل في أمره عمل [ من يعلم أنّه مثاب على الإحسان اليه ، معاقب على الإساءة اليه ] ( المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر الى ربّه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منه.
ولا قوّة إلاّ بالله ).
[24] وأما حقّ أخيك :
ـ فأن تعلم أنّه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجيء إليه ، وعزّك الذي تعتمد عليه ، وقوّتك التي تصول بها (1)
ـ فلا تتخذه سلاحا على معصية الله.
ـ ولا عدّة للظلم لخلق الله (2)
ـ ولا تدع نصرته على ( نفسه ، ومعونته على ) عدوّه ( والحؤول بينه وبين شياطينه ) و ( تأدية ) النصيحة إليه ، ( والإقبال عليه في الله ).

(1) في الصدوق : فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوّتك.
(2) في تحف العقول : بحقّ الله.

السابق السابق الفهرس التالي التالي