الكاتب: ahmads

  • المواقيت الشرعية

    جاري تحميل مواقيت الصلاة...

  • مرقد الامام الحسين عليه السلام في القرن الاول

    مرقد الامام الحسين عليه السلام في القرن الاول

    الحرم الحسيني في القرن السادس الهجري

    (1109 ـ 1205 ميلادي )

    وفي سنة 513 هـ زار كربلاء الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد أبو الأعز الأسدي ، وكان شجاعاً أديباً شاعراً ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً وقتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما قصد كربلاء دخل الحائر الحسيني باكيا حافيا متضرعا الى الله ان يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه ، ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً لا تقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولايخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل ماعمل في كربلاء .

    وفي سنة 526هـ (1132م) قام الخليفة العباسي المسترشد بوضع يده على الخزائن من الأموال والمجوهرات العائدة لمرقد (الإمام) الحسين (ع) لحاجته إلى المال لصرفه على الجيش وأكتفى بذلك دون أن يتعرض للمرقد بسوء.

    وفي سنة 529 هـ مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لايحصون وظهر التشيع .

    وفي سنة 553هـ (1158م) زار الخليفة العباسي المقتفي بالله كربلاء ومرقد الإمام الحسين (ع) وهو في طريقه لزيارة مدينة الأنبار بعد أن عبر نهر الفرات.

  • آثار وفضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام

    آثار وفضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام

    أيا زائراً قبراً على العرش قد علا تضمّن سبط المصطفى خيرة الملا
    هل دمعك القاني وقل متمثلاً أيقتل عطشاناً حسين بكربلا

    وفي كل عضو من أنامله بحر

    مَن زاره عليه السلام ماشياً :

    عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثمّ لم يزل يقدس بكلّ خطوة حتّى يأتيه ، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي سلني اعطك ، ادعني اجبك ، اطلب مني اعطك ، سلني حاجةً اقضها لك ، قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وحقّ على الله أن يعطي ما بذل (۱).

    وأيضاً عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلتُ له : جعلت فداك ما أدنى مالزائر قبر الحسين عليه السلام فقال لي :

    يا عبد الله إنّ أدنى ما يكون له أن يحفظه في نفسه وأهله حتّى يردّه إلى أهله ، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له (۲).

    كرامة الله لزوّار الحسين عليه السلام :

    عن عبد الله الطحان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : ما من أحد يوم القيامة إلّا وهو يتمنّى أنّه من زوّار الحسين لما يرى ممّا يصنع بزوّار الحسين عليه السلام من كرامتهم على الله تعالى (۳).

    وعنه عليه السلام أيضاً قال : مَن سرّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين بن علي عليه السلام (٤).

    أيّام زائري الحسين عليه السلام لا تعد من أعمارهم :

    عن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه قال : قال أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام : إنّ أيام زائري الحسين عليه السلام لا تُحسب من أعمارهم ولا تُعد من أجالهم (٥).

    إنّ زائر الحسين عليه السلام يكون في جوار رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليهما السلام :

    عن أبي خالد ذي الشامة ، قال : حدّثني أبو اسامة قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : مَن أراد أن يكون في جوار نبيّه صلّى الله عليه وآله وجوار علي وفاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي عليه السلام (٦).

    إن زائر الحسين عليه السلام يدخل الجنّة قبل الناس :

    عن عبد الله بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ لزوّار الحسين بن علي عليه السلام يوم القيامة فضلاً على الناس ، قلتُ : وما فضلهم ؟ قال : يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف (۷).

    مَن زار الحسين عليه السلام كَمن زار الله في عرشه :

    عن زيد الشحام ، قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : ما لمَن زار قبر الحسين عليه السلام قال : كان كمَن زار الله في عرشه (۸).

    مَن زار الحسين عليه السلام كُتب في أعلى عليّين :

    عن أبي عبد الله عليه السلام قال : مَن أتى الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه كتبه الله في أعلى عليّين (۹).

    إنّ زيارة الحسين عليه السلام تزيد في العمر والرزق :

    عن الإمام الباقر عليه السلام قال : مرّوا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ إتيانه يُزيد في الرزق ويمدّ في العمر ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله (۱۰).

    إنّ زيارة الحسين عليه السلام تحطّ الذنوب :

    عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

    مَن أراد أن يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمّد صلّى الله عليه وآله فليكن للحسين زائراً ينال من الله الفضل والكرامة وحسن الثواب ، ولا يسأله عن ذنب عمله في حياة الدنيا ، ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج وجبال تهامة وزبد البحر ، إنّ الحسين عليه السلام قُتل مظلوماً مضطهداً نفسه عطشاناً هو وأهل بيته وأصحابه (۱۱).

    إنّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل عمرة وتعدل حجّة :

    عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سأل بعض أصحابنا أبا الحسن الرضا عليه السلام ، عَمّن أتى قبر الحسين عليه السلام ، قال : تعدل عمرة (۱۲).

    روى محمّد بن سنان قال : سمعتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : من أتى قبر الحسين عليه السلام كتب الله له حجّة مبرورة (۱۳).

    إنّ زيارة الحسين عليه السلام تعدل عتق الرقاب :

    عن أبي سعيد المدائني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام فقلت :

    جعلت فداك أتي قبر ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : نعم يا أبا سعيد ائتِ قبر ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله أطيب الطيّبين وأطهر الأطهرين وأبرّ الأبرار ، فإذا زرته كتب الله لك عتق خمسة وعشرين رقبة (۱٤).

    إنّ زوّار الحسين عليه السلام مشفّعون :

    عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم ، ثمّ يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك (۱٥).

    إنّ زيارة الحسين عليه السلام يُنفّس بها الكرب وتُقضى بها الحوائج :

    عن الإمام الصادق عليه السلام : قال : إنّ إلى جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلّا نفّس الله كربته وقضى حاجته (۱٦).

    في جامع الأخبار : أن الله ـ تعالى ـ يخلق من عرق زوّار الحسين عليه السلام من كلّ عرقة سبعين ألف ملك يسبّحون الله ويهللونه.

    وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : من زار الحسين عليه السلام أوّل يوم من رجب غفر الله له البتة.

    روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال : من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجّة مع القائم ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله ، وسمّاه الله عزّ وجل عبدي الصدّيق آمن بوعدي ، وقالت الملائكة فلان صديق زكّاه الله من فوق عرشه ، وسمى في الأرض وينادي منادي هذا من زوّار الحسين ابن علي عليه السلام شوقاً إليه فلا يبقى أحد في القيامة إلّا تمنّى يومئذ أنّه كان من زوّار الإمام الحسين عليه السلام (۱۷).

    إن الله تعالى يبدأ بالنظر إلى زوّار قبر الحسين عليه‌السلام عشيّة عرفة قبل أن ينظر إلى أهل الموقف ، وأنّ يوم عرفة له من الفضل ، وقد وردت أخبار كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام منها ما رواه بشير الدهان عن الإمام الصادق عليه السلام وذلك حين سأله وقال له : سيّدي ربّما فاتني الوقوف بعرفات فأعرّف عند قبر الحسين عليه السلام فقال له الإمام : أحسنت يا بشير أيما مؤمناً أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه في غير عيد يوم عرفة كتب له عشرون حجّة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل.

    روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين عليه السلام إلى أن تقوم الساعة فلا يأتيه أحد إلّا استقبلوه ولا يرجع أحد إلّا شيّعوه ولا يمرض إلّا عادوه ولا يموت إلّا شيّعوه (۱۸).

    وفي كامل الزيارات روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : كان الحسين بن علي عليهما السلام ذات يوم في حجر النبي صلّى الله عليه وآله يلاعبه ويضاحكه فقالت عائشة : يا رسول الله ما أشدّ إعجابك بهذا الصبيّ ؟! فقال لها : ويلك وكيف لا أحبّه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني ، أما إن أُمّتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حججي ، فقالت : يا رسول الله حجّة من حججك ، قال : نعم ، وأربعة ، قال : ولم تزل تزاده وهو صلّى الله عليه وآله يزيد ويضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول الله بأعمارها.

    وأيضاً في الكامل عن يونس عن الرضا عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام فقد حجّ واعتمر ، قلت : يطرح عنه حجّة الإسلام قال : لا هي حجّة الضعيف حتّى يقوى ويحجّ إلى بيت الله الحرام ، أما علمت أن البيت يطوف به كلّ يوم سبعون ألف ملك حتّى إذا أدركهم الليل صعدوا ونزل غيرهم فطافوا بالبيت حتّى الصباح ، وإن الحسين عليه السلام لأكرم إلى الله من البيت ، وإنّه في وقت كلّ صلاة لينزل عليه سبعون ألف ملك شعث غبر لا يقع عليهم النوبة إلى يوم القيامة.

    وروي أن امرأة يقال لها أُمّ سعيد الأحمسيّة وهذه المرأة من أهل العراق وقد ذهبت إلى زيارة الشهداء في المدينة في زمان الإمام الصادق عليه السلام قالت : فجئت إلى الصادق عليه السلام فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت : قد جئتك بالدابّة فقال عليه السلام : يا أُمّ سعيد أيّ شيء هذه الدابّة أين تبغين تذهبين ، قلت : أزور قبور الشهداء ؛ فقال عليه السلام : ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء ألا تأتونه ، قالت : فقلت له : مَن سيد الشهداء ؟ فقال عليه السلام : هو الإمام الحسين عليه السلام بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، تقول : فقلت له : إنّي امرأة ، فقال : لا بأس لمن مثلك أن تذهب إليه وتزوره ، فقلت : أيّ شيء لنا في زيارته ، قال : كعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها وخير منها قالت : وبسط يده وضمّها ثلاث مرّات ، ثم قال عليه السلام : يا أُمّ سعيد تزورين قبر الحسين ، قالت : قلت : نعم ، قال : يا أُمّ سعيد زوريه فإنّ زيارته واجبة على الرجال والنساء (۱۹).

    وفي البحار عن حنان بن سدير عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا سدير تزور قبر الحسين في كلّ يوم ، قلت : لا ، فقال : ما أجفاكم فتزوره في كلّ شهر قلت : لا ، قال : أفتزوره في كلّ سنة ، قلت : قد يكون ذلك ، قال : يا سدير ما أفجاكم بالحسين عليه السلام ، أما علمت أن لله ألف ألف ملك شعث غبر يبكون فيزورون لا يفترون ، وعليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في الجمعة خمس مرّات وفي كلّ يوم مرّة ، قلت : جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة ، قال لي : إصعد فوق سطحك ثمّ تلفت يمنة ويسرة ثمّ ترفع رأسك إلى السماء ثمّ تنحو نحو القبر وتقول : « السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته » يكتب لك بكلّ زيارة حجّة وعمرة.

    روي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقاً إليه وتقطعت أنفاسهم عليه حسرات.

    وقال عليه السلام : من أتاه متشوّقاً كتب الله له ألف حجّة متقبّلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أُريد بها وجه الله ، ولم يزل محفوظاً سنة من كلّ آفة ، وإن مات في سنته حضرته الملائكة وهم ملائكة الرحمة ، يحضرون غسله وإكفانه والاستغفار له ، ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له ، ويفسح له في قبره ، ويؤمنه الله من ضغطة القبر ، ومن منكر ونكير أن يروعاه ، ويفتح له باب إلى الجنّة ، ويعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نوراً ليضيء لنوره ما بين المشرق ، والمغرب وينادىٰ هذا من زوّار قبر الحسين بن علي عليه السلام ، ثمّ يقول الإمام عليه السلام : إذا اغتسل الزائر من ماء الفرات تساقطت عنه ذنوبه كيوم ولدته أُمّه (۲۰).

    الهوامش

    ۱. كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ۲٥۳ ، الحديث ۳۷۹ ، الباب التاسع والأربعون.

    ۲. بحار الأنوار ۱۰۱ : ۷۸.

    ۳. الوسائل للحر العاملي ۱٤ : ٤۲٤.

    ٤. بحار الأنوار ۱۰۱ : ۷۲.

    ٥. التهذيب للشيخ الطوسي ٦ : ۳٦.

    ٦. كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ۲٦۰ ، الحديث ۳۹۲.

    ۷. بحار الأنوار ۱۰۱ : ۲٦.

    ۸. المستدرك الوسائل ۱۰ : ۱۱٥.

    ۹. ثواب الأعمال للشيخ الصدوق : ۱۱۰.

    ۱۰. بحار الأنوار ۱۰۱ : ۳.

    ۱۱. بحار الأنوار ۱۰۱ : ۲۷.

    ۱۲. ثواب الأعمال للصدوق : ۱۱۲.

    ۱۳. كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ۲۹٤ ، الحديث ٤۸۲.

    ۱٤. الوسائل للحرّ العاملي ۱٤ : ٤٤۸.

    ۱٥. مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ٤۹۷.

    ۱٦. بحار الأنوار ۱۰۱ : ٤٥.

    ۱۷. من مجالس عاشوراء للشيخ كاظم الاحسائي النجفي : ۳۱۸.

    ۱۸. نفس المصدر.

    ۱۹. نفس المصدر : ۳۲۰ .

    ۲۰. نفس المصدر : ۳۱۸.

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم

  • هناك أمورا وقعت بعد قتل الامام الحسين عليه السلام

     

    من كتاب الإرشاد للمفيد رحمه الله لما وصل رأس الحسين عليه السلام وصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين عليه السلام وأهله جلس ابن زياد لعنه الله في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر باحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسم إليه وبيده قضيب يضرب به ثناياه عليه السلام وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما ما لا أحصيه كثيرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد لعنه الله أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله .

    وأدخل عيال الحسين عليه السلام على ابن زياد لعنه الله فدخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت ومعها نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية وثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل عليها ابن زياد وقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فغضب ابن زياد واستشاط فقال له عمرو بن حريث أيها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطئها فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرقت زينب عليها السلام وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان يشفك هذا فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن نفث صدري بما قلت .

    قلت من سماع هذه الأقوال واستفظاع هذه الأفعال كنت أكره الخوض في ذكر مصرعه عليه السلام وبقيت سنين لم أسمعه يقرأ في عاشورا كما جرت عوائد الناس بقراءته لأني كنت أجد لما جرى عليه وعلى أهل بيته عليهم السلام ألما قويا وجزعا تاما وتحرقا مفرطا وانزعاجا بالغا ولوعة مبرحة ثم كان قصارى ان أبكى وألعن ظالميه وأسبهم ولم أر ذلك مطفيا غليلي ولا مطامنا من غلواء حزني وجزعي ولا مسكنا حركة نفسي في طلب الانتقام من أعدائه .

    ربما اخرج الحزين جوى ال‍ * * ثكل إلى غير لايق بالسداد

    مثل ما فاتت الصلاة سليمان * * فأنحى على رقاب الجياد

    فلعن الله ابن زياد فلقد أوغل في عداوته طغيانه وبالغ في تعديه وعداوته وشمر في استيصال أهل هذا البيت الشريف بسيف شمره وسنان سنانه وأبان عن دناءة أصله بقبح فعله وفعل أعوانه وركب مركبا وعرا أطاع فيه داعي سلطانه وشيطانه ورجع إلى أصله الخبيث ونسبه المدخول فجرى على سننه ومضى لشأنه وثقل وطأته على العترة الهاشمية فقضى ذلك بمروقه عن الدين وخفة ميزانه وليته أخزاه الله إذ لم يكف عزب سيفه كف عزب لسانه وليته قنع بتلك الأفعال الشنيعة ولم يلق النساء الكرايم بجبهه وبهتانه ولا عجب من قوله وفعله الدالين على سوء فرعه وأصله فإنه رجع إلى سنخه الخبيث وطبعه الدنى فان من قديمه ذلك القديم وحديثه هذا الحديث النغل الأديم فلا بد أن ينزع إلى نسبه وحسبه ويدل بفعله على سوء مذهبه فالاناء ينضح بما فيه والولد سر أبيه .

    ومن هنا ينقطع نسبه لأن أباه ابن أبيه ورضاه بهذا النسب سلبه النخوة والحمية ونفى عنه المروة والأريحية وأقامه على دعوى الجاهلية فالولد للفراش في الشريعة المحمدية والملة الحنيفية ومن هذه الأوصاف الدنية والنعوت الغير المرضية أبيح دم الحسين عليه السلام وسيق أهله وحرمه كما تساق الإماء في العراق والشام

    وقد غصت البيداء بالعيس فوقها * * كرائم أبناء النبي المكرم

    فما في حريم بعدها من تحرج * * ولا هتك ستر بعدها بمحرم

    يقول ابن هاني المغربي فيها

    بأسياف ذاك البغي أول سلها * * أصيب على لا بسيف ابن ملجم

    وبالحقد حقد الجاهلية أنه * * إلى الآن لم يذهب ولم يتصرم

    فأبعد الله تلك الأنفس الخبيثة والعقول المختلة والهمم الساقطة والعقائد الواهية والأديان المدخولة والأحلام الطائشة والأصول الفاسدة والقلوب التي لا تهتدي إلى رشاد والعيون التي لا تنظر إلى سداد وقد غطى عليها الغين وفيهم يقال أعمى القلب والعين وصلوات الله على الحسين وأهله السادات الأفاضل ثمال اليتامى عصمة الأرامل المعروفين بالمعروف والفواضل ليوث الجدال والجلاد في الجمع الحافل الآمرين بالقسط والناطقين بالحق المتحلين بالصدق العادلين في الحكم الفارعين بمجدهم الجبال الشم الآخذين بالعفو والحلم المعصومين من الزلل المبرئين من الخطايا والخطل الضاربين الهام والقلل المعروفين بالمعروف الناهين عن المنكر البدور الطوالع الغيوث الهوامع السيول الدوافع الفاخرين فلا مساجل ولا منازع القائمين بأمر الله الراضين بحكم الله الممسوسين في ذات الله الفرحين بلقاء الله .

    نجوم طوالع جبال فوارع * * غيوث هوامع سيول دوافع

    مضوا وكأن المكرمات لديهم * * لكثرة ما أوصوا بهن شرايع

    فأي يد مدت إلى المجد لم يكن * * لها راحة من جودهم وأضايع

    بهاليل لو عاينت فيض أكفهم * * تيقنت ان الرزق في الأرض واسع

    إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم * * خداها الندى واستنشقتها المطامع

    وعرض عليه علي بن الحسين عليهما السلام فقال له من أنت فقال أنا علي بن الحسين فقال أليس الله قد قتل علي بن الحسين فقال له علي عليه السلام قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس فقال له ابن زياد بل الله قتله فقال على ابن الحسين عليهما السلام الله يتوفى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد لعنه الله فقال له وبك جرأة على جوابي وبك بقية للرد على اذهبوا به واضربوا عنقه فتعلقت به زينب عمته وقالت له يا بن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليه ساعة ثم قال عجبا للرحم والله وأنى لأظنها ودت انى قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به .

    ثم قام من مجلسه حتى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا عدو الله ان الكاذب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيين وتقوم على المنابر مقام الصديقين فقال ابن زياد على به فأخذته الجلاوزة فنادى بشعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة رجل فانتزعوه من الجلاوزة فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه في السبخة رحمة الله عليه .

    ولما أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها فروى عن زيد بن أرقم انه قال مر به على وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا فقف والله شعري وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب .

    قلت قد تركت أمورا جرت من هؤلاء الطغام الأجلاف لعنهم الله وأبعدهم من رحمته عند قتله عليه السلام وما فعلوه من قطع يده ورشقه بالسهام والحراب وذبحه وأخذ رأسه وإيطاء الخيل جسده الشريف وسبى حريمه وانتزاع ملابسهن إلى غير ذلك من الأفعال التي لا يعتمدها ولا بعضها مسلم ولا يتأتى لمردة الكفار وفجارهم وطغاتهم الإقدام على مثلها والإصرار عليها وكذلك جرت الحال في حمل رأسه الكريم وحريمه الطاهرات إلى دمشق كما تحمل الأسرى والسبايا ودخولهم إلى يزيد بن معاوية على تلك الهيئة المنكرة والأحوال الشاقة وانفاذ ابن زياد يبشر أولياءه وأصحابه وتابعي رأيه بقتل الحسين عليه السلام .

    ولما دخل رسوله على عمرو بن سعيد بن العاص وهو أمير المدينة قال له ما وراك قال ما سر الأمير قتل الحسين بن علي قال اخرج فناد بقتله فنادى فلم أسمع والله واعية قط كواعية بنى هاشم في دورهم فدخلت على عمرو ابن سعيد فلما رآني تبسم إلى ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معدى كرب .

    عجت نساء بنى زياد عجة * * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

    ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام ودعا ليزيد بن معاوية ونزل .

    ودخل بعض موالى عبد الله بن جعفر فنعى إليه ابنيه فاسترجع فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا من الحسين عليه السلام فحذفه عبد الله بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه والله انه لمما يسخي بنفسي عنهما ويعزى عن المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمى مواسين له صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز على بمصرع الحسين عليه السلام أن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولدى .

    وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعى الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها أم هاني وأسماء ورملة وزينب تبكي قتلاها بالطف وتقول

    ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم * * ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

    بعترتي وبأهلي بعد منقلبي * * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

    ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

    فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادى يسمعون

    صوته ولا يرون شخصه

    أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل

    كل من في السماء يدعو عليكم * من نبي ملائك وقبيل

    قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل

    قلت أجاد ديك الجن عبد السلام في قوله من قصيدة يرثى بها

    الحسين عليه السلام

    ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا

    ومن شعري

    إن في الرزء بالحسين الشهيد * لعناء يؤدى بصبر الجليد

    إن رزء الحسين أضرم نارا * لا تنى في القلوب ذات وقود

    إن رزء الحسين نجل على * هد ركنا ما كان بالمهدود

    حادث أحزن الولي وأضناه * وخطب أقر عين الحسود

    يا لها نكبة أباحت حمى * الصبر وأجرت مدامعا في خدود

    ومصابا عم البرية بالحزن * وأعزي العيون بالتسهيد

    يا قتيلا ثوى بقتله الدين * وأمسى الإسلام واهي العمود

    ووحيدا في معشر من عدو * لهف نفسي على الفريد الوحيد

    ونزيفا يسقى المنية صرفا * ظاميا يرتوي بماء الوريد

    وصريعا تبكي السماء عليه * فتروي بالدمع ظامي الصعيد

    وغريبا بين الأعادي يعاني * منهم ما يشيب رأس الوليد

    قتلوه مع علمهم أنه * خير البرايا من سيد ومسود

    واستباحوا دم النبي رسول * الله إذ أظهروا قديم الحقود

    وأضاعوا حق الرسول التزاما * بطليق ورغبة في طريد

    وأتوها صماء شنعاء شوهاء * أكانت قلوبهم من حديد

    وجروا في العماء إلى الغاية * القصوى أما كان فيهم من رشيد

    أسخطوا الله في رضى ابن زياد * وعصوه قضاء حق يزيد

    وأرى الحر كان حرا ولكن * ابن سعد في الخزي كابن سعيد

    ومن شعر كنت قلته في أيام الحداثة من قصيدة لم أذكر غزلها

    وإذا ما الشباب ولى فما * أنت على فعل أهله معذور

    فاتباع الهوى وقد وحظ الشيب * وأودى غصن التصابي غرور

    فاله عن حاجز وسلع ودع * وصل الغواني فوصلهن قصير

    وتعرض إلى ولاء أناس * حبل معروفهم قوى مرير

    خيرة الله في الأنام ومن * وجه مواليهم بهى منير

    أمناء الله الكرام وأرباب * المعالي ففضلهم مشهور

    المفيدون حين يخفق سعى * والمجيرون حين عز المجير

    كرموا مولدا وطابوا أصولا * فبطون زكية وظهور

    عترة المصطفى وحسبك فخرا * أيها السائل البشير النذير

    بعلي شيدت معالم دين * الله والأرض بالعناد تمور

    وبه أيد الإله رسول * الله إذ ليس في الأنام نصير

    وبأسيافه أقيمت حدود * صعرت برهة وخرت نحور

    وبأولاد الهداة إلى الحق * أضاء المستبهم الديجور

    سل حنينا عنه وبدرا فما * يخبر عما سئلت إلا الخبير

    إذ جلا هبوة الخطوب وللحرب * زناد يشب منها سعير

    أسد ماله إذا استحفل الناس * سوى رنة السلاح زئير

    ثابت الجأش لا يروعه الخطب * ولا يعتريه فيه فتور

    أعرب السيف منه إذ أعجم * الرمح لأن العدى لديه سطور

    عزمات أمضى من القدر * المحتوم يجرى بحكمه المقدور

    ومزايا مفاخر عطر الأفق * شذاها ويخال فيها عبير

    وأحاديث سؤدد هي في الدنيا * على رغم حاسديه تسير

    وترى المشركين يبغي رضا * الله تعالى وأنه موتور

    حسدوه على مآثر شتى * وكفاهم حقدا عليه الغدير * كتموا داء دخلهم وطووا كشحا * وقالوا صرف الليالي يدور

    ورموا نحله الحسين بأحقاد * تبوخ النيران وهي تفور

    لهف نفسي طول الزمان وينمي * الحزن عندي إذا أتى عاشور

    لهف نفسي عليه لهف حزين * ظل صرف الردى عليه يجور

    أسفا غير بالغ كنه ما * أكفى وحزنا تضيق عنه الصدور

    يا لها وقعة لقد شمل إلا * سلام منها رزء جليل خطير

    ليث غاب تغيث فيه كلاب * وعظيم سطا عليه حقير

    يا بنى أحمد نداء ولى * مخلص جهره لكم والضمير

    لكم صدق وده وعلى * أعدائكم سيف نطقه مشهور

    وهواكم طوق له وسوار * وعليه من المخاوف سور

    أنتم ذخره إذا أخفق السعي * وأضحى في فعله تقصير

    أنتم عونه إذا دهمته * حادثات وفاجأته أمور

    أنتم غوثه وعروته * الوثقى إذا ما تضمنته القبور

    وإليكم يهدى المديح اعتقادا * وبكم في معاده يستجير

    بعلي يرجو على أمانا * من سعير شرارها مستطير

    هاتان القصيدتان قلتهما قديما وكان عهدي بهما بعيدا ولما جرى القلم

    بجمع هذا الكتاب عزمت على أن أمدح كل واحد من الأئمة عليهم السلام

    بقصيدة لا لأنها تزيد أقدارهم أو ترفع منارهم فهم أعلى رتبة وأسمى مكانة

    من أن يزيد هم مجدا على مجدهم الأثيل أو شرفا على شرفهم الأصيل ولكن

    كان جهد المقل ونصرة من تعذرت عليه النصرة باليد ولأني أحببت أن

    أخلد لي ذكرا بذكرهم وحمدهم وأنبه على أنى عبدهم بل عبد عبدهم فلما انتهيت

    إلى أخبار الحسين عليه السلام وأثبت تينك القصيدتين خطر أنك قلتهما قديما

    والثواب عليهما حصل أولا ولا بد الآن من قصيدة وفق ما عزمت عليه

    فسمحت القريحة بهذه القطعة مع بعد عهد بالشعر وعمله ومن الله أستمد

    التوفيق فيما أبتغيه والإعانة على ما يختاره ويرتضيه وهي

    يا ابن بنت النبي دعوة عبد * مخلص في ولائه لا يحول

    لكم محض وده وعلى * أعدائكم سيف نطقه مسلول

    أنتم عونه وعروته الوثقى * إذا انكسر الخليل الخليل

    وإليكم ينضي ركاب الأماني * فلها نحوكم سرى وذميل

    كرمت منكم وطابت فروع * وزكت منكم وطابت أصول

    فليوث إذا دعوا لنزال * وغيوث إذا دعاهم نزيل

    المجيرون من صروف الليالي * والمنيلين حين عز المنيل

    شرف شايع وفضل شهير * وعلاء سام ومجد أثيل

    وحلوم عن الجناة وعفو * وندى فايض ورأى أصيل

    لي فيكم عقيدة وولاء * لاح لي فيهما وقام الدليل

    لم أقلد فيكم وكيف وقد شا * ركني في ولائكم جبرئيل

    جزتم رتبة المديح جلالا * وكفاكم عن مدحي التنزيل

    غير إنا نقول ودا وحبا * لا على قدركم فذاك جليل

    للإمام الحسين أهديت مدحا * راق حتى كأنه سلسبيل

    وبودي لو كنت بين يديه * باذلا مهجتي وذاك قليل

    ضاربا دونه مجيبا دعاه * مستميتا على عداه أصول

    قاضيا حق جده وأبيه * فهما غاية المنى والسؤول

    فعليهم منى التحية ما لاح * سنا بارق وهبت قبول

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة

    وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة

     

    في السیرة الإمام الحســـين /

    الخروج من كربلاء

    تحرّك موكب سبايا أهل البيت (عليهم السلام) من كربلاء المقدّسة نحو مدينة الكوفة، وهو يقطع الصحاري، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة التي قضوها على مقربة من مصارع الشهداء، وهم على جمالٍ بغير وطاء ولا غطاء.

    الدخول إلى الكوفة

    دخل الركب الكوفة في ۱۲ محرّم 61ﻫ، ففزع أهل الكوفة وخرجوا إلى الشوارع، بين مُتسائل لا يدري لمن السبايا، وبين عارف يُكفكف أدمعاً ويُضمر ندماً.

    وأشرفت إحدى السيّدات، فسألت إحدى العلويات، وقالت لها: من أي الأُسارى أنتن؟ فأجابتها العلوية: نحن أُسارى أهل البيت.

    وكان هذا النبأ عليها كالصاعقة، فصرخت وصرخت اللاّتي كنّ معها، ودوى صراخهنّ في أرجاء الكوفة، وبادرت المرأة إلى بيتها فجمعت ما فيه من اُزر ومقانع، فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس، كما بادرت سيّدة أُخرى فجاءت بطعام وتمر، وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع، ونادت السيّدة أُمّ كلثوم من خلف الركب: «إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت».

    وصارت تأخذ من أيدي الأطفال وأفواههم، وترمي به الأرض، وتقول: «يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم وتبكي علينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء» (۱) .

    ثمّ اتّجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقاً جموع أهل الكوفة، وهم يبكون لما حلّ بالبيت النبوي الكريم، ولما اكتسبت أيديهم، وخدعت وعودهم سبط النبي(صلى الله عليه وآله) وإمام المسلمين الحسين بن علي(عليهما السلام)، وها هم يرون أهله ونساءه أُسارى، وها هو رأس السبط الشهيد يحلِّق في سماء الكوفة على رأس رمح طويل، وقد دعوه ليكون قائداً للأُمّة الإسلامية، وهادياً لها نحو الرشاد!.

    فحدّقت السيّدة زينب (عليها السلام) بالجموع المحتشدة، ومرارة فقدان أخيها تملأ فمها، وذلّ الأَسر يحيط بموكبها، فنظرت(عليها السلام) إلى أهل الكوفة نظرة غضب واحتقار، وخطبت بهم خطبة مقرعة ومؤنِّبة.

    الدخول إلى قصر الإمارة

    أُدخل رأس الإمام الحسين (عليه السلام) إلى القصر، ووضع بين يدي عبيد الله ابن زياد والي الكوفة، فأخذ يضرب الرأس الشريف بقضيب كان في يده، وعليه علامات الفرح والسرور.

    وكان الى جانبه زيد بن أرقم ـ وكان شيخاً كبيراً صحابيّاً ـ، فلمّا رآه يفعل ذلك بثنايا ابن رسول الله قال له: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليها ما لا أُحصيه كثرة تقبّلهما. ثمّ انتحب باكياً.

    فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وذهب إلى منزله.

    ثمّ أُدخل النساء والأطفال ومعهم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى(عليها السلام) متنكّرة، وقد انحازت إلى ناحية من القصر ومعها النسوة.

    فقال ابن زياد: مَن هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فسأل عنها ثانية وثالثة فلم تجبه، فقيل له: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.

    فانبرى ابن زياد مخاطباً زينب(عليها السلام) شامتاً بها: الحمدُ لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أُحدوثتكم.

    فردّت (عليها السلام) عليه بلسانِ المرأة الواثقة بأهدافها: «الحمدُ لله الذي أكرمَنا بنبيِّه محمّدٍ (صلى الله عليه وآله)، وطهّرَنا مِن الرجس تطهيراً، إنّما يَفتضحُ الفاسق ويكذبُ الفاجِر، وهو غيرُنا».

    فقال ابن زياد: كيف رأيت فِعلَ الله بأهلِ بيتك؟ فقالت (عليها السلام): « كتب اللهُ عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللهُ بينك وبينهُم، فتحاجُّون إليه وتختصمون عنده ».

    فغضب ابن زياد واستشاط غضباً، فقال عمرو بن حريث: إنّها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

    فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين، والعصاة المردة من أهل بيتك.

    فقالت: «لعمري، لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت»، فأخذ ابن زياد يفحش في كلامه.

    ثمّ جاء الدور بعد ذلك للإمام زين العابدين (عليه السلام) ليقف أمام عبيد الله بن زياد، فسأله: مَن أنت؟ فأجاب(عليه السلام): « أنا علي بن الحسين ».

    فقال: ألم يقتل الله علي بن الحسين؟ قال(عليه السلام): « كان لي أخٌ يُسمّى علياً قتله الناس ».

    فقال ابن زياد: بل قتله الله.

    قال(عليه السلام) : (اللهُ يَتَوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (۲) .

    فغضب ابن زياد لردّ الإمام (عليه السلام)، فنادى جلاوزته : اِضربوا عنقه.

    فتعلّقت عمّته زينب(عليها السلام) به، وصاحت: « يابن زياد، حَسْبك مِن دمائنا، والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه »، فتراجع عن ذلك.

    ثمّ صعد المنبر، ونال من أهل البيت وكذّبهم فافتضح نفاقه وبانت أعراقه، وكان في المجلس شيخ كبير آخر هو عبد الله بن عفيف الأزدي، فانتفض في وجه ابن زياد السفّاك وخذله ونال منه.

    فقال ابن زياد: عليَّ به، فأخذته جلاوزة النفاق والشقاق، فانتزعه منهم رجال من الأزد، إلاّ أنّ ابن زياد أرسل عليه ليلاً، فأُخرج من بيته وجيء به لابن زياد، فضرب عنقه، وصلبه على السبخة، فرحمة الله عليه (۳) .

    خطبة السيّدة زينب (عليها السلام)

    قال بشير بن خزيم الأسدي: «ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذٍ، ولم أرَ خفرة والله أنطق منها، كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت:

    الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر والختل والمكر، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والنطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

    أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

    ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فريتم، وأيّ كريمةٍ له أبرزتم، وأيّ دمٍ له سفكتم، وأيّ حرمةٍ له انتهكتم؟ ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سَوّاء فقماءـ وفي بعضهاـ خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ومُلاء السماء.

    أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا تحفزه البِدَار، ولا يُخافُ فوتُ الثأر، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.

    ثمّ أنشأت تقول:

    ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ** ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم

    فقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « يا عمّة اسكتي، ففي الباقي من الماضي اعتبار » ، فسكتت الحوراء زينب (عليها السلام).

    قال الراوي: « فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي، حتّى اخضلت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأُمّي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزي ولا يبزي » (4) .

    خطبة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

    ثمّ ارتقى الإمام زين العابدين(عليه السلام) المنبر، فأومأ للناس بالسكوت، وكان معتل الحال، فأثنى على الله وحمده، وذكر النبي(صلى الله عليه وآله) ثمّ صلّى عليه، ثمّ قال:

    «أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، أنا ابن من انتُهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحلٍ ولا تَرات، أنا ابن من قُتل صبراً، وكفى بذلك فخراً.

    أيّها الناس فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه، فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أُمّتي».

    قال الراوي: «فارتفعت الأصوات من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون، فقال(عليه السلام): رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيّتي في الله، وفي رسوله، وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُسوة حسنة» (5) .

    واستمر الإمام(عليه السلام) في الخطبة، فعرّى الأُمويين وأتباعهم الخونة الظالمين، ونصح المسلمين.

    خطبة السيّدة فاطمة الصغرى(عليها السلام)

    خطبت السيّدة فاطمة الصغرى(عليها السلام) بعد أن وردت من كربلاء، فقالت: «الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات بغير ذحلٍ ولا تَرات.

    اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه، من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهمّ فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته اللهمّ للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك، حتّى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته فهديته إلى صراطٍ مستقيم.

    أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيتٍ ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله) على كثيرٍ ممّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّنا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت؛ لحقدٍ متقدّم قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين.

    فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة (فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

    تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأنّ قد حلّ بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذابٍ، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تُخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.

    ويلكم! أتدرون أيّة يدٍ طاعنتنا منكم، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا، تبغون محاربتنا؟ والله قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطُبع على أفئدتكم، وخُتم على سمعكم وبصركم، وسَوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون.

    فتبّاً لكم يا أهل الكوفة، أيّ تَرات لرسول الله(صلى الله عليه وآله) قبلكم، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدّي، وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار، فافتخر بذلك مفتخر وقال:

    نحن قتلنا علياً وبني علي ** بسيوفٍ هندية ورماح

    ‏وسبينا نساءهم سبي ترك ** ونطحناهم فأيّ نطاح

    بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب، افتخرت بقتل قومٍ زكّاهم الله، وطهّرهم الله، وأذهب عنهم الرجس، فأكظم وأقعِ كما أقعى أبوك، فإنّما لكلّ امرئ ما كسب، وما قدّمت يداه.

    أحسدتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا الله؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    قال الراوي: « فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت(عليها السلام) » (6).

    خطبة السيّدة أُم كلثوم(عليها السلام)

    خطبت السيّدة أُم كلثوم بنت الإمام علي(عليه السلام) في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:

    «يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّاً لكم وسحقاً، ويلكم! أتدرون أيّ دواة دهتكم؟ وأيّ وزرٍ على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمة أصبتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟

    قتلتم خير رجالات بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون» ثمّ قالت:

    قتلتم أخي صبراً فويل لأُمّكم ** ستجزون ناراً حرّها يتوقّد

    سفكتم دماءً حرم الله سفكها ** وحرّمها القرآن ثمّ محمّد

    ألا فأبشروا بالنار أنّكم غداً ** لفي سقر حقّاً يقيناً تخلدوا

    وأنّي لأبكي في حياتي على أخي ** على خير من بعد النبي سيولد

    بدمعٍ غزيرٍ مستهلّ مكفكف على ** الخدّ منّي دائماً ليس يجمد

    قال الراوي: فضجّ الناس بالبكاء والنوح، فلم يُرَ باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم (۷).

    رأس الحسين(عليه السلام) في شوارع الكوفة

    ولم يقف حقد ابن زياد وقساوته وأُسلوبه الوحشي إلى حَدٍّ، بل راح يطوف في اليوم الثاني برأس الحسين (عليه السلام) في شوارع الكوفة، يُرهب أهلها، ويتحدّى روح المعارضة والمقاومة فيها.

    وقال زيد بن أرقم: مرّ به عليّ وهو على رمح، وأنا في غرفةٍ لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: (اَمْ حَسِبْتَ اَنَ اَصحابَ الْكَهْفِ وَالرّقيمِ كانوا مِنْ اياتِنا عَجَباً)، وقف والله شعري وناديت: رأسك والله يا بن رسول الله أعجب وأعجب (۸) .

    التوجّه إلى الشام

    وفي اليوم التالي أمر ابن زياد جنده بالتوجّه بسبايا آل البيت (عليه السلام) إلى الشام، إلى الطاغية يزيد بن معاوية، وأمر أن يكبّل الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالقيود، وأركب بنات الرسالة الإبل الهزّل؛ تنكيلاً بهنّ، وليحظى عند سيّده يزيد بالمنزلة الأرفع، والمكان الأقرب.

    ـــــــــــــــــــــــــ

    ۱ـ ينابيع المودّة ۳/ ۸۷.

    ۲ـ الزمر: 42.

    ۳ـ الإرشاد ۲ /116.

    4ـ الاحتجاج ۲/ 29.

    5ـ المصدر السابق.

    6ـ المصدر السابق ۲/ 27.

    ۷ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 91.

    ۸ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ۱/ 473.

    بقلم: محمد أمين نجف

  • وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى المدينة

     

    في السیرة الإمام الحســـين /

    دخول بشير إلى المدينة (۱)

    قال بشير بن حذلم: لمّا قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين(عليهما السلام) فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه، وقال: «يا بشير، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شي‏ء منه »؟ فقلت: بلى يابن رسول الله إنّي لشاعر، فقال (عليه السلام) : «أُدخل المدينة، وانع أبا عبد الله(عليه السلام) ».

    قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

    يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ***** قتل الحسين فادمعي مدرار

    الجسم منه بكربلاء مضرّج ***** والرأس منه على القناة يدار

    ثمّ قال: هذا علي بن الحسين(عليه السلام) مع عمّاته وأخواته، قد حلّوا بساحتكم، ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.

    قال: فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ، مكشوفة شعورهنّ، مخمّشة وجوههنّ، ضاربات خدودهنّ، يدعون بالويل والثبور، فلم أرَ باكياً وباكية أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه.

    جارية تنعى الحسين (عليه السلام)

    قال بشير: وسمعت جارية تنوح على الحسين (عليه السلام) فتقول:

    نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا ***** وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

    فعيني جودا بالدموع وأسكبا ***** وجودا بدمعٍ بعد دمعكما معا

    على من دهى عرش الجليل فزعزعا ***** فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

    على ابن نبي الله وابن وصيه ***** وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا

    ثمّ قالت: أيّها الناعي، جدّدت حزننا بأبي عبد الله(عليه السلام)، وخدشت منا قروحاً لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم، وجّهني مولاي علي بن الحسين (عليهما السلام) ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ونسائه.

    قال: فتركوني مكاني وبادروني، فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس، حتّى قربت من باب الفسطاط، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) داخلاً، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسي، فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك عن العَبرة، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء، وحنين النسوان والجواري، والناس يعزّونه من كلّ ناحية، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.

    خطبة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

    ثمّ خطب الإمام (عليه السلام) بالناس فقال: « الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأُمور، وفجائع الدهور، وجليل الرزء، وعظيم المصائب.

    أيّها القوم، إنّ الله له الحمد وله الشكر، قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام ، ورزية في الأنام، قُتل أبي الحسين وعترته وأنصاره، وسُبيت نساؤه وذرّيته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كلّ رزية ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، والسبع الطباق لفقده، وبكت البحار بأمواجها، والأرضون بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والطيور بأوكارها، والحيتان في لجج البحار، والوحوش في البراري والقفار، والملائكة المقرّبين، والسماوات والأرضين.

    أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله ولا يحزن لأجله؟ أيّها الناس، أصبحنا مشرّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ولا فاحشة فعلناها، فوالله لو أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظها وأفظعها، وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا فإنّه عزيز ذو انتقام ».

    شعر السيّدة أُمّ كلثوم (عليها السلام)

    قالت السيّدة أُمّ كلثوم حين دخولها المدينة المنوّرة:

    مدينة جدّنا لا تقبلينا ***** فبالحسرات والأحزان جينا

    خرجنا منك بالأهلين جمعاً ***** رجعنا لا رجال ولا بنينا

    ألا فأخبر رسول الله عنّا ***** بأنّا قد فُجعنا في أخينا

    وإنّ رجالنا بالطفّ صرعى ***** بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا

    ورهطك يا رسول الله أضحوا ***** عرايا بالطفوف مُسلّبينا

    وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا ***** جنابك يا رسول الله فينا

    فلو نظرت عيونك للأسارى ***** على قتب الجمال محمّلينا

    رسول الله بعد الصون صارت ***** عيون الناس ناظرة إلينا

    وكنت تحوطنا حتّى تولّت ***** عيونك ثارت الأعدا علينا

    أفاطم لو نظرت إلى السبايا ***** بناتك في البلاد مشتّتينا

    أفاطم لو نظرت إلى الحيارى ***** ولو أبصرت زين العابدينا

    أفاطم لو رأيتينا سهارى ***** ومن سهر الليالي قد عمينا

    أفاطم ما لقيت من عداك ***** ولا قيراط ممّا قد لقينا

    فلو دامت حياتك لم تزالي ***** إلى يوم القيامة تندبينا

    وعرّج بالبقيع وقف وناد ***** أين حبيب ربّ العالمينا

    محاورة بشير مع أُمّ البنين

    لمّا دخل بشير المدينة لينعى الحسين (عليه السلام) ، التقى بأُمّ البنين ـ وهي أُمّ العباس ـ فقال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، فقال: عظّم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فصاحت ولطمت خدّها، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه.

    تاريخ الوصول

    ۲ ربيع الأوّل 6۱ﻫ، وصلت السبايا إلى المدينة، ووجدوا ديار أهلها خالية تنعى أهلها، وتندب سكّانها، ولنعم ما قال الشاعر:

    مررت على أبيات آل محمّد ***** فلم أرها أمثالها يوم حلّت

    فلا يبعد الله الديار وأهلها ***** وإن أصبحت منهم برغم تخلّت

    ———————

    ۱ـ اُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف: 115.

    بقلم: مِحمد أمين نجف

  • في أولاد الامام الحسين عليه وعليهم السلام

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    قال كمال الدين كان له من الأولاد ذكور وأناث عشرة ستة ذكور وأربع أناث فالذكور على الأكبر وعلى الأوسط وهو زين العابدين وسيأتي ذكره في بابه إن شاء الله وعلى الأصغر ومحمد وعبد الله وجعفر .

    فأما على الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا .

    وأما على الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله وقيل إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا .

    وأما البنات فزينب وسكينة وفاطمة هذا قول مشهور .

    وقيل كان له أربع بنين وبنتان والأول أشهر .

    وكان الذكر المخلد والبناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد آخر كلامه .

    قلت عدد أولاده عليه السلام وذكر بعضا وترك بعضا قال ابن الخشاب ولد له ستة بنين وثلاث بنات على الأكبر الشهيد مع أبيه وعلى الإمام سيد العابدين وعلى الأصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة .

    وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي ولد الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام ستة أربعة ذكور وابنتان على الأكبر قتل مع أبيه وعلى الأصغر وجعفر وعبد الله وسكينة وفاطمة قال ونسل الحسين من على الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه وقال الزهري ما رأيت هاشميا أفضل منه .

    قلت قد أخل الحافظ بذكر على زين العابدين حيث قال على الأكبر وعلى الأصغر وأثبته حيث قال ونسل الحسين من على الأصغر فسقط في هذه الرواية على الأصغر الصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة كما ذكر كمال الدين وزين العابدين عليه السلام هو الأوسط والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ أربعة .

    قال الشيخ المفيد باب ذكره ولد الحسين عليه السلام كان للحسين عليه السلام ستة أولاد علي بن الحسين الأصغر وكنيته أبو محمد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار ملك الفرس وعلي بن الحسين الأكبر قتل مع أبيه بالطف وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية وكانت وفاته في حياة الحسين عليه السلام وعبد الله ابن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه وسكينة بنت الحسين وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي كلبية وهي أم عبد الله ابن الحسين وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية .

    قلت المفيد رحمه الله قد وافق الحافظ عبد العزيز على العدة والتفصيل وعلى قولهما فالعليان اثنان والمشهور ثلاثة والله أعلم وعقبه كله من الإمام زين العابدين وسيأتي ذكره إن شاء الله

    في عمره عليه السلام

    قال كمال الدين رحمه الله قد تقدم القول في ولادته عليه السلام أنها كانت في سنة أربع من الهجرة وكان انتقاله إلى الدار الآخرة على ما سيأتي تفصيله وبيانه في سنة إحدى وستين من الهجرة فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا كان منها مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله ست سنين وشهورا وكان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهم السلام عشر سنين وبقى بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام إلى وقت مقتله عشر سنين .

    قال ابن الخشاب حدثنا حرب باسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال مضى أبو عبد الله الحسين بن علي أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشورا كان مقامه مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله سبع سنين إلا ما كان بينه وبين أبى محمد وهو سبعة أشهر وعشرة أيام وأقام مع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة وأقام مع أبي محمد عشر سنين وأقام بعد مضى أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه وبين أخيه من الحمل وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين من الهجرة ويقال في يوم عاشوراء في يوم الاثنين وكان بقاؤه بعد أخيه الحسن عليهما السلام أحد عشر سنة .

    وقال الحافظ عبد العزيز الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشوراء سنه إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر .

    قلت قد اتفقوا في التاريخ واختلفوا في الحساب والحق منهما يظهر لمن اعتبره .

    قال الشيخ المفيد في إرشاده ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنه إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول الله سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين وكانت مدة خلافته بعد أخيه إحدى عشر سنة وكان عليه السلام يخضب بالحناء والكتم وقتل عليه السلام وقد نصل الخضاب من عارضيه .

    وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته بل في وجوبها فروى عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال زيارة الحسين بن علي عليهما السلام واجبة على كل من يقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل وقال عليه السلام زيارة الحسين تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من زار الحسين عليه السلام بعد موته فله الجنة والأخبار في هذا الباب كثيرة وقد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف بمناسك المزار انتهى كلامه .

    قلت من أعجب ما يحكى أنهم اتفقوا أنه ولد عليه السلام في سنة أربع من الهجرة وقتل في عاشر المحرم من سنة إحدى وستين واختلفوا بعد في مدة حياته ما هذا إلا عجيب وأنت إذا عرفت مولده وموته عرفت مدة عمره من طريق قريب.

    في مخرجه إلى العراق

    قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله هذا فصل للقلم في أرجائه مجال واسع ومقال جامع وسمع كل مؤمن وقلبه إليه وله مصيخ وسامع لكن الرغبة في الاختصار تطوى أطراف بساطه والرهبة من الإكثار تصدف عن تطويله وإفراطه وحين وقف على أصله وزائده خص الأصل بإثباته والزائد باسقاطه .

    وذلك أن معاوية لما استخلف ولده يزيد ثم مات كتب يزيد كتابا إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ والى المدينة يحثه فيه على أخذ البيعة من الحسين عليه السلام فرأى الحسين أمورا اقتضت أنه خرج من المدينة قاصدا إلى مكة وأقام بها ووصل الخبر إلى الكوفة بموت معاوية وولاية يزيد مكانه فاتفق منهم جمع جم وكتبوا كتابا إلى الحسين يدعونه إليهم ويبذلون له فيه القيام بين يديه بأنفسهم وأموالهم وبالغوا في ذلك وتتابعت إليه الكتب نحوا من مائة وخمسين كتابا من كل طائفة وجماعة كتاب يحثونه فيها على القدوم وآخر ما ورد عليه كتاب من جماعتهم على يد قاصدين من ثقاتهم وصورته بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه على أمير المؤمنين سلام الله عليك أما بعد فان الناس منتظروك ولا رأى لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله والسلام عليك ورحمة الله .

    فكتب عليه السلام جوابهم وسير إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فوصل إليهم وجرت له قضايا ووقائع لا حاجة إلى ذكرها وآل الأمر إلى أن الحسين توجه بنفسه وأهله وأولاده إلى الكوفة ليقضى الله أمرا كان مفعولا وكان عند وصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة واجتماع الشيعة إليه وأخذه البيعة للحسين بن علي عليهما السلام كتب والى الكوفة وهو النعمان بن بشير إلى يزيد بذلك فجهز عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فلما قرب منها تنكر ودخلها ليلا وأوهم أنه الحسين ودخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز فصار يجتاز بجماعة جماعة فيسلم عليهم ولا يشكون في أنه هو الحسين عليه السلام فيمشون بين يديه ويقولون مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى عبيد الله من تباشرهم بالحسين ما ساءه وكشف أحوالهم وهو ساكت لعنه الله .

    فلما دخل قصر الإمارة وأصبح جمع الناس وقال وأرعد وأبرق وقتل وفتك وسفك وانتهك وعمله وما اعتمده مشهور في تحيله حتى ظفر بمسلم ابن عقيل وقتله .

    وبلغ الحسين عليه السلام قتل مسلم وما اعتمده عبيد الله بن زياد وهو متجهز للخروج إلى الكوفة فاجتمع به ذووا النصح له والتجربة للأمور وأهل الديانة والمعرفة كعبد الله بن عباس وعمر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي وغيرهما ووردت عليه كتب أهل المدينة من عبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص وجماعة كثيرين كلهم يشيرون عليه أن لا يتوجه إلى العراق وأن يقيم بمكة هذا كله والقضاء غالب على أمره والقدر آخذ بزمامه فلم يكترث بما قيل له ولا بما كتب إليه وتجهز وخرج من مكة يوم الثلاثاء وهو يوم التروية الثامن من ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا من أهله وشيعته ومواليه فسار فلما وصل إلى الشقوق وإذا هو بالفرزدق الشاعر وقد وافاه هنالك فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين عليه السلام من أين أقبلت يا أبا فراس فقال من الكوفة فقال له كيف تركت أهل الكوفة فقال خلفت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء وجرى بينهما كلام قد تقدم ذكره في آخر الفصل الثامن .

    ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بنى مجاشع يا أبا فراس هذا الحسين بن علي قال له الفرزدق نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وعليهم هذا والله ابن خيره الله وأفضل من مشى على وجه الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها فقال ابن عمه إن رأيت أن تسمعنيها أبا فراس فقال قلت فيه وفى أمه وأبيه وجده عليهم السلام

    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم

    هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقي الطاهر العلم

    هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم

    هذا ابن فاطمة الزهراء عترتها * في جنة الخلد مجريا به القلم

    إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم

    يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

    بكفه خيزران ريحه عبق * بكف أروع في عرنينه شمم

    يغضي حياءا ويغضي من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم

    ينشق نور الدجى عن نور غرته * كالشمس تنشق عن إشراقها الظلم

    مشتقة من رسول الله نبعته * طابت أرومته والخيم والشيم

    من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم

    يستدفع الضر والبلوى بحبهم * ويستقيم به الإحسان والنعم

    إن عد أهل الندى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

    لا يستطيع مجار بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

    بيوتهم في قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحكم ان حكموا

    فجده من قريش في أرومتها * محمد وعلى بعده علم

    بدر له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح قد علموا

    وخيبر وحنين يشهدان له * وفى قريظة يوم صيلم قتم

    مواطن قد علت أقدارها ونمت * آثارها لم تنلها العرب والعجم

    آخر كلامه .

    قلت وأظنه نقل هذا الكلام والقصيدة من كتاب الفتوح لابن أعثم فإني طالعته في زمان الحداثة ونسب هذه القصيدة إلى الفرزدق في الحسين عليه السلام والذي عليه الرواة مع اختلاف كثير في شئ من أبياتها وانها للحر بن الليثي قالها في قثم بن العباس رضي الله عنه وأن الفرزدق أنشدها لعلي بن الحسين ولها قصة تأتى في أخباره إن شاء الله تعالى ولو كان هذا وأمثاله من موضوع هذا الكتاب لذكرت القصيدة ونسبت كل بيت منها إلى قائله ولكنه وضع لغير هذا .

    وفى مسير الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق أحوال وأمور اختصرها الشيخ كمال الدين وهي مشهورة معلومة منقولة لا يكاد يخلو مصنف في هذا الشأن منها والله تعالى يعلم أنى لا أحب الخوض في ذكر مصرعه عليه السلام وما جرى عليه وعلى أهل بيته وتبعه فان ذلك يفتت الأكباد ويفت في الأعضاد ويضرم في القلب نارا وارية الزناد فانا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ونحن نتبع الشيخ كمال الدين رحمه الله تعالى في اختصاره واقتفاء آثاره قال

    في مصرعه ومقتله عليه السلام

    قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله وهو فضل يسكب مضمونه المدامع من الأجفان وتجلب الفجائع لإثارة الأحزان ويلهب نيران الموجدة في أكباد ذوي الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من اجترائها وفتكها واعتدائها على الذرية النبوية لسفح دمائها وسفكها واستبائها مصونات نسائها وهتكها حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة وأشلاء جثثها على الثرى مسلوبة ومخدرات حراير سبايا منهوبة فكم كبيره من جريمة ارتكبوها واجترموها وكم من نفس معصومة أرهقوها واخترموها وكم من دماء محرمة أراقوها وما احترموها وكم من كبد حرى منعوها ورود الماء وحرموها ثم احتزوا رأس سبط رسول الله وحبه الحسين بشبا الحداد ورفعوه كما ترفع رؤس ذوي الإلحاد على رؤوس الصعاد واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد هذا مع علمهم بأنهم الذرية النبوية المسؤول لها المودة بصريح القرآن وصحيح الإسناد فلو نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها ولو اطلعت عليها مردة الكفار لبكتها وندبتها ولو حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لابنتها ونعتها ولو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لأعانتها ونصرتها فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين وأورثتها وبلية أحلت الكآبة بنفوس المؤمنين سلفا وخلفا فأحزنتها فوالهفاه لذرية نبوية ظل دمها وعترة محمدية قل مخذمها وعصبة علوية خذلت فقتل مقدمها وزمرة هاشمية استبيح حرمها واستحل محرمها وأنا الآن أفصل هذا الإجمال وأوضحه وأبين تفصيله وأشرحه وهو أن الحسين عليه السلام سار حتى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه انسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح فقال للحسين عليه السلام إن الأمير عبيد الله بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشئ من أمرك غير أنى قد أخذت بيعة القوم فقال الحسين عليه السلام إني لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله وقدمت على رسلهم يطلبونني وأنتم من أهل الكوفة فان دمتم على بيعتكم وقولكم في كتبكم دخلت مصركم وإلا انصرفت من حيث أتيت فقال له الحر والله ما أعلم هذه الكتب ولا الرسل وأنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا فخذ طريقا غير هذه وارجع فيه حيث شئت لأكتب إلى ابن زياد أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه وأنشدك الله في نفسك .

    فسلك الحسين طريقا آخر غير الجادة راجعا إلى الحجاز وسار هو وأصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين عليه السلام وإذا قد ظهر الحر وجيشه فقال الحسين ما وراك يا ابن يزيد فقال وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك وقد سير من هو معي وهو عين على ولا سبيل إلى مفارقتك أو أقدم بك عليه وطال الكلام بينهما ورحل الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه فنزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم .

    فقال عليه السلام هذه كربلاء موضع كرب وبلاء هذا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا فنزل القوم وحطوا الأثقال ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين عليه السلام ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين عليه السلام بأرض كربلاء .

    فكتب عبيد الله كتابا إلى الحسين عليه السلام يقول فيه أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب إلى يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام .

    فلما ورد الكتاب إلى الحسين عليه السلام وقرأه ألقاه من يده وقال للرسول ما له عندي جواب فرجع الرسول إلى ابن زياد فاشتد غضبه وجمع الناس وجهز العساكر وسير مقدمها عمر بن سعد وكان قد ولاه الري وأعمالها وكتب له بها فاستعفي من خروجه إلى قتال الحسين فقال له ابن زياد إما أن تخرج وإما أن تعيد علينا كتابنا بتوليتك الري وأعمالها وتقعد في بيتك فاختار ولاية الري وطلع إلى قتال الحسين بالعساكر .

    فما زال عبيد الله بن زياد يجهز مقدما ومعه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد اثنان وعشرون ألفا ما بين فارس وراجل وأول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطئ الفرات وحالوا بين الماء وبين الحسين وأصحابه .

    ثم كتب عبيد الله كتابا إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين عليه السلام فعندها ضيق الأمر عليهم فاشتد عليهم الأمر والعطش فقال انسان من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان زاهدا إئذن لي يا ابن رسول الله لآتي هذا ابن سعد فأكلمه في أمر الماء فعساه يرتدع فقال له ذلك إليك فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه فلم يسلم عليه قال يا أخا همدان ما منعك من السلام على ألست مسلما أعرف الله ورسوله فقال له الهمداني لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله صلى الله عليه وآله تريد قتلهم وبعد هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن علي وأخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وأنت تزعم أنك تعرف الله ورسوله فأطرق عمر بن سعد ثم قال والله يا أخا همدان انى لأعلم حرمة أذاهم ولكن

    دعاني عبيد الله من دون قومه * * إلى خطه فيها خرجت لحيني

    فوالله لا أدرى وإني لواقف * * على خطر لا أرتضيه ومين

    أأترك ملك الري والري رغبة * * أم أرجع مأثوما بقل حسين

    وفي قتله النار التي ليس دونها * * حجاب وملك الري قرة عين

    يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري فرجع يزيد ابن حصين فقال للحسين عليه السلام يا ابن رسول الله قد رضى أن يقتلك بولاية الري .

    قلت التوفيق عزيز المنال ومن حقت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللوام وعذل العذال ومن غلبته نفسه تورط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال وكما أعد الله لقوم الفوز والرضوان أعد للآخرين العقاب والنكال وهذا النحس ابن سعد أبعده الله عرف سوء فعله فأضله الله على علم وهو أقبح أنواع الضلال وطبع الله على قلبه وختم على لبه وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ورغب في العاجلة وهي إلى زوال وطمع في المال فخسر في المآل فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ولم يغن عنه رأيه في الري ولا نفعته الإمارة فخرج في طالع نحس وباع آخرته بثمن بخس وأصبح من سوء اختياره في أضيق من حبس فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجار واتخذ ابن زياد ربا فأورده النار وبئس القرار وباء في الدنيا بالعار وحشر في الآخرة مع مردة الكفار .

    صلى لها حيا وكان وقودها * * ميتا ويدخلها مع الفجار

    وكذاك أهل النار في دنياهم * * يوم القيامة جل أهل النار

    ويصدق هذا المدعى أن النبي صلى الله عليه وآله سمع وجبة أو هدة فقال أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال حجر ألقى في النار منذ سبعين خريفا فالآن حين استقر في قعرها وقد كان مات في تلك الساعة يهودي عمره سبعون سنة فكنى عنه بالحجر لعدم انتفاعه بما بلغه من الدعوة وكنى عن مدة حياته بهويه في النار لأن سعيه مدة حياته سعى أهل النار فكأنه فيها هاو وكنى عن موته باستقراره فيها وكذا حال هذا الشقي كان يسعى دائما سعى من هذا خاتمته وعاقبته وإلى العذاب الدائم مصيره النار غايته فتبا له محلا عن موارد الأبرار وبعدا له وسحقا في هذه الدار وتلك الدار فلقد أوغل في تمرده وبالغ في وخامة كسب يده وترك الحق وراء ظهره ودبر أذنه إذ لم ينظر في يومه لغده وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده وصدع قلب الرسول بما صنعه بولده وأبكى الأرض والسماء بجنايته وأحزن الملائكة الكرام والأنبياء عليهم السلام ببشاعة فعلته وقبح ملكته وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره وتنطق بردى أثره ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره كافلة له بالعذاب الأليم ضامنة له الخلود في نار الجحيم مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم طعامه فيها الزقوم والغسلين وشرابه الحميم مخصوصا بمقت الله رب العالمين قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين مصاحبا من شايعه وتابعه ورضى بفعله من الجنة والناس أجمعين هذا وهو مع فعله الذي أوبقه وشرهه الذي قيده بالخزي وأوثقه وصنيعه الذي أراق ماء وجهه وأخلقه يدعى أنه من أهل الإسلام ومن تابعي النبي عليه الصلاة والسلام وممن يرجو السلامة في دار السلام مع سفكه الدم الحرام في الشهر الحرام وإسخاطه الله والنبي والإمام وإقدامه على ما يحمد في مثله الاحجام .

    دم حرام للأخ المسلم في * * شهر حرام يا لنعم كيف حل

    نعوذ بالله من سوء الخاتمة .

    ومن العجب أن السيد والعاقب ومن كان معهم لما دعاهم النبي صلى الله عليه وآله إلى المباهلة وندبهم إلى المساجلة وجاء صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسن والحسين ضرع النجرانيون إلى الاستسلام وخاموا بعد الإقدام وأعطوا الجزية عن يد لما شاهدوا أولئك النفر الكرام وأذعنوا حين رأوا وجوها تجلوا جنح الظلام وقالوا لو دعى الله بهذه الوجوه لأزال الجبال وقال صلى الله عليه وآله لو باهلوني لتأجج الوادي عليهم نارا .

    وكما قال وهؤلاء المسلمون على ظنهم عرفوا هذا الخبر فبالغوا في طمس ذلك الأثر وما دلهم كما دل السيد والعاقب النظر وأقدموا مع العلم إقدام ذوي الغرر فوقعوا في هوة الخطر وما أصدق قولهم إذا نزل القضاء عمى البصر .

    قال كمال الدين فلما تيقن الحسين عليه السلام أن القوم مقاتلوه أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا لها جهة واحدة يكون القتال منها وركب عسكر ابن سعد وأحدقوا بالحسين عليه السلام وزحفوا وقتلوا ولم يزل يقتل من أهل الحسين وأصحابه واحدا بعد واحد إلى أن قتل من أهله وأصحابه ما ينيف على خمسين رجلا .

    فعند ذلك ضرب الحسين بيده على لحيته وصاح أ ما مغيث يغيثنا لوجه الله أ ما ذاب يذب عن حرم رسول الله وإذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل بفرسه إليه وقال يا ابن رسول الله إني كنت أول من خرج عليك وأنا الآن في حزبك فمرني أن أكون أول مقتول في نصرتك لعلى أنال شفاعة جدك غدا ثم كر على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل والتحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين عليه السلام بأسرهم وولده وأخوته وبنو عمه وبقى وحده وبارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات والسهام تأخذه من كل جانب والشمر لعنه الله في قبيلة عظيمة يقاتله ثم حال بينه عليه السلام وبين رحله وحرمه فصاح الحسين عليه السلام ويحكم يا شيعة الشيطان إن لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد فكونوا أحرارا وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهاءكم وجهالكم عن التعرض لحرمي فان النساء لم يقاتلنكم فقال الشمر لأصحابه كفوا عن النساء وحرم الرجل واقصدوه في نفسه ثم صاح الشمر لعنه الله بأصحابه وقال ويلكم ما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته الجراح وتوالت عليه السهام والرماح فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد وقال لأصحابه أنزلوا فجزوا رأسه فنزل إليه نضر بن خرشنة الصبابي ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام فغضب عمر بن سعد وقال لرجل عن يمينه ويلك انزل إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي ابن يزيد لعنه الله فاجتز رأسه وسلبوه ودخلوا على حرمه واستلبوا بزتهن .

    ثم إن عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك فلما وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد قال إملأ ركابي فضة وذهبا * * أنا قتلت الملك المحجبا

    ومن يصلى القبلتين في الصبى * * وخيرهم إذ يذكرون النسبا

    قتلت خير الناس أما وأبا

    فغضب عبيد الله من قوله ثم قال له إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته والله لا نلت منى خيرا ولألحقنك به ثم قدمه وضرب عنقه .

    قلت صدق الله وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وعلى هذا مضى من شايع على الحسين عليه السلام أما بيد أعداء الله أو بيد أوليائه فما منهم من فاز بحمد الله بمراد ولا أمل ولا انتفع بقول ولا عمل بل مزقوا كل ممزق وفرقوا كل مفرق واستولى عليهم الحمام وعوجلوا بالعقاب والانتقام وأبيدوا بالاستيصال والاصطلام وباءوا بعاجل عذاب الدنيا وعلى الله التمام .

    قال ثم إن القوم استاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون ويبكون وينوحون وكان علي بن الحسين زين العابدين قد نهكه المرض فجعل يقول ألا إن هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا وكان اليوم الذي قتل فيه عليه السلام قيل الجمعة وهو يوم عاشورا من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة ودفن بالطف من كربلاء من العراق ومشهده عليه السلام معروف يزار من الجهات والآفاق .

    وهذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح فهي مضافة إليه وعهدتها لمن أراد تتبعها عند مطالعتها عليه فهذا تلخيص ما نقلته الأذهان والعقول مما أهداه إليها المروى والمنقول وقد ألبس القلوب ثوب حداد ما لصبغته نصول وعلى الجملة فأقول

    ألا أيها العادون ان أمامكم * * مقام سؤال والرسول سؤول

    وموقف حكم والخصوم محمد * * وفاطمة الزهراء وهي ثكول

    وان عليا في الخصام مؤيد * * له الحق فيما يدعى ويقول

    فما ذا تردون الجواب عليهم * * وليس إلى ترك الجواب سبيل

    وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم * * ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

    ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع * * سوى خصمكم والشرح فيه يطول

    ومن كان في الحشر الرسول خصيمه * * فان له نار الجحيم مقيل

    وكان عليكم واجبا في اعتمادكم * * رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

    فإنهم آل النبي وأهله * * ونهج هداهم بالنجاة كفيل

    مناقبهم بين الورى مستنيرة * * لها غرر مجلوة وحجول

    مناقب جلت أن يحاط بحصرها * * نمتها فروع قد زكت وأصول

    مناقب وحى الله أثبتها لهم * * بما قام منهم شاهد ودليل

    مناقب من خلق النبي وخلقه * * ظهرن فما يغتالهن أفول

    ولما وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام أبدت الأيام من إلمام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام ولم ير حزم نظام الكلام دون موقف الاختتام فاختصر مضمون الأبواب واقتصر منه على اللباب وقصر من إطناب الاطناب وقصر أسباب الاسهاب فجاء محصول فصوله ملخصا في معانيه ومدلول أصوله مخلصا من تطويل مبانيه اقتصارا يستغنى بمحصله عن النهاية فيه وإرشادا يكتفى بمختصره عن بسيطه وحاويه انتهى كلامه رحمه الله وقد كنى في هذا الفصل الأخير عن أسماء كتب وحيل بها .

    قلت فأما تفاصيل ما جرى للحسين عليه السلام وصورة ما جرى بينه وبين أعداء الله ورسوله ومحاربتهم إياه وقتلهم من قتلوه من أولاده وأخوته وبنى أخيه وبنى عمه وأصحابه وصورة موقفه عليه السلام وما ظهر من نجدته وشجاعته وبأسه وبسالته وانقياده إلى أمر الله وشدته على أعداء الله وصبره على ما دفع إليه من فقد الأهل والولد وقلة الناصر والعدد وإزهاق نفسه الشريفة فلها موضع غير هذا الكتاب فإنه موضوع لذكر مآثرهم وعد مفاخرهم وان كان قتله عليه السلام مما اكتسب به فخرا مضافا إلى فخره وحوى به قدرا زايدا على شريف قدره فإنه نال بذلك مرتبة الشهادة واختص بما بلغ به غاية الطلب ومنتهى الإرادة وحصل له بذلك ما لا يحصل بدوام الذكر وطول العبادة وكان في الحياة سعيدا وكملت له في الممات السعادة وأوجب الله له بسابق وعده الحسنى وزيادة وأذكر الآن شيئا مما يتعلق باخباره وأنت أيدك الله لا تسأم من إعادة الشئ وتكراره فإني أكرر مرة لاختلاف الناقل ومرة لاختلاف الرواة وفي كثرة طرق الاخبار ما يؤنس بتصديقها ويقطع بتحقيقها لا سيما وقد التزمت بالنقل من كتب الجمهور ومرة لأنه يعرض لي سهو وأكتب الشئ وأنا أظن انى لم أكتبه وربما عرفت فذكرت انه مكرر وربما لم أعرف ولأن هذه هي نسخة الأصل وما عاودتها ولا راجعتها ووقتي يضيق عن مناقشتها لأني منيت في زمان جمع هذا الكتاب بأمور تشيب الوليد وتذيب الحديد وتعجز الجليد ونهبت لي كتب كنت قد أعددتها لأنقل منها في هذا الكتاب والوقت يضيق عن الشكوى والرجوع إلى عالم السر والنجوى والحمد لله على ما ساء وسر والشكر له سبحانه على ما نفع وضر فأنعمه تعالى لا تعد وعوارفه لا تحصى ولا تحد .

    له أياد على سابقة * * أعد منها ولا أعددها

    قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة الطاهرة الحسين ابن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشورا سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر وحمل رأسه إلى يزيد بن معاوية وكان قبره بكربلاء من سواد الكوفة وقتله سنان بن أنس قال الشاعر

    وأي رزية عدلت حسينا * * غداة تبيره كفا سنان

    ويقال قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي والذي اجتز رأسه ابن جوان اليمامي وكان أمير الجيش الذين ساروا إلى الحسين عمر بن سعد أمره عليهم عبيد الله بن زياد .

    وقال يرفعه إلى أشياخ قالوا غزونا أرض الروم فإذا كتاب في كنيسة من كنائسهم بالعربية

    أترجو أمة قتلت حسينا * * شفاعة جده يوم المعاد

    فقلنا للروم من كتب هذا قالوا لا ندري .

    قال ابن سعد قال الواقدي قتل الحسين بن علي في صفر سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة .

    وقال محمد بن عمر عن أبي معشر قتل الحسين بن علي لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين قال الواقدي وهذا أثبت وعن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي عليه السلام هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم هاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى الله عليه وآله يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض وعن عبد الله بن مسعود قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نرى في وجهك الشئ نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا وعن العوام بن حوشب قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم مصقولة ثم رؤى في وجهه كآبة حتى عرفوا ذلك فقالوا يا رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد وعن عاصم عن زر قال أول رأس حمل على رمح في الإسلام رأس الحسين ابن علي عليهما السلام فلم أر باكيا وباكية أكثر من ذلك اليوم وعن يحيى بن أبي بكر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي عليهما السلام حين أتاه الناس قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس أنسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمى وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وابن ابن عمه وابن أولى المؤمنين بالله أو ليس حمزة سيد الشهداء عمى أو لم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وآله مستفيضا فيكم لي ولأخي إنا سيدا شباب أهل الجنة أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمى وانتهاك حرمتي قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال أن فيكم من لو سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي أخي سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنه سمع هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي أخي فان كنتم تشكون في ذلك أتشكون في أنى ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله فوالله ما تعمدت الكذب منذ عرفت أن الله يمقت على الكذب أهله ويضربه من اختلقه فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم إني أنا ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله خاصة دون غيري خبروني هل تطلبونني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة فسكتوا قلت قد تقدم ان هذا الكلام منه وتكراره إياه إنما هو لإقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم في قتاله وتعريفهم ما يقدمون عليه من عذاب الله ونكاله وعن منذر قال كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي قتل الحسين عليه السلام قال لقد قتلوا سبعة عشر انسانا كلهم ارتكض في ولادة فاطمة عليها السلام وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم أشعث أغبر معه قارورتان فيهما دم فقلت يا رسول الله ما هذا فقال دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم قال فحسب ذلك اليوم وإذا هو يوم قتل الحسين عليه السلام وقال غيره فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة انه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة.

    وعن الزهري قال قال لي عبد الملك بن مروان أي واحد أنت ان أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي قال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال عبد الملك إني وإياك في هذا الحديث لقريبان .

    وعن عيسى بن الحارث الكندي قال لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضا .

    قال وسمعت زكريا بن يحيى بن عمر الطائني قال سمعت غير واحد من مشيخة طي يقول وجد شمر بن ذي الجوشن في ثقل الحسين ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته ودفعته إلى صائغ يصوغ لها منه حليا فلما أدخله النار صار هباءا قال وسمعت غير زكريا يقول صار نحاسا فأخبرت شمرا بذلك فدعا بالصائغ فدفع إليه باقي الذهب وقال أدخله النار بحضرتي ففعل الصائغ فعاد الذهب هباءا وقال غيره عاد نحاسا .

    وعن أبي خباب قال لقيت رجلا من طي فقلت له بلغني انكم تسمعون نوح الجن على الحسين فقال نعم ما تشاء أن تلقى محرزا ولا غيره ألا أخبرك بذلك فقال أنا أحب أن تخبرني أنت بما سمعت من ذلك قال أما الذي سمعت فإني سمعتهم يقولون

    مسح الرسول جبينه * * فله بريق في الحدود

    أبواه من عليا قريش * * وجده خير الجدود

    وعن أبي حصين عن شيخ من قومه من بنى أسد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام والناس يعرضون عليه وبين يديه طست فيه دم والناس يعرضون عليه فيلطخهم حتى انتهيت إليه فقلت بأبي والله وأمي ما رميت بسهم ولا طعنت برمح ولا كثرت فقال لي كذبت قد هويت قتل الحسين قال فأومى إلى بإصبعه فأصبحت أعمى فما يسرني أن لي بعماي حمر النعم وعن عامر بن سعيد البجلي قال لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام فقال لي أئت البراء بن عازب فاقرأه السلام وأخبره أن قتله الحسين عليه السلام في النار وان كاد والله أن يسحت أهل الأرض بعذاب أليم فأتيت البراء فأخبرته فقال صدق الله وصدق رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتصور في صورتي.

    وعن زينب بنت جحش قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه فدخل فتبعته فوجدته على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله قد وضع . . . ؟ ؟ في سرته فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبول فقال دعى بنى حتى يفرغ من بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال يجرى على بول الغلام ويغسل بول الجارية ثم توضأ وقام يصلى فلما قام احتضنه فإذا ركع وضعه ثم جلس فبسط ثوبه وجعل يقول أرني فقلت يا رسول الله إنك تصنع شيئا ما رأيتك تصنعه قط قال حدثني جبرئيل ان ابني تقتله أمتي وأراني تربة حمراء وعن يحيى بن عبد الرحمان بن أبي لبينة عن جده محمد بن عبد الرحمان قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت عايشة رضي الله عنها رقدة القائلة إذ استيقظ وهو يبكى فقالت عايشة ما يبكيك يا رسول بأبي أنت وأمي قال يبكيني أن جبرئيل أتاني فقال أبسط يدك يا محمد فان هذه تربة من تلال يقتل بها ابنك الحسين يقتله رجل من أمتك قالت عايشة ورسول الله صلى الله عليه وآله يحدثني وأنه ليبكي ويقول من ذا من أمتي من ذا من أمتي من ذا من أمتي من يقتل حسينا من بعدي.

    وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه وكان على مطهرة على قال خرجنا مع علي إلى صفين فلما حاذانا نينوى نادى صبرا أبا عبد الله بشاطئ الفرات فقلت يا أمير المؤمنين ما قولك صبرا أبا عبد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعا أغضبك أحد قال بل قام من عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم تملك عيناي أن فاضتا وعن شهر قال سمعت أم سلمة حين جاء نعى الحسين لعنت أهل العراق وقالت قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جاءته فاطمة غدية ببرمة فيها عصيدة تحملها على طبق حتى وضعتها بين يديه فقال أين ابن عمك قالت هو في البيت قال فاذهبي فادعيه وأتيني ببنيه فجاءت تقود ابنيها كل واحد بيد وعلى يمشى على آثارهم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأجلسهما في حجره وأجلس عليا عن يمينه وفاطمة عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساءا خيبريا كان يبسط على المنامة فلفهم رسول الله صلى الله عليه وآله جميعا وأخذ بيده اليسرى طرف الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه تبارك وتعالى وقال اللهم هؤلاء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاثا قلت يا رسول الله ألست من أهلك قال بلى فادخلي تحت الكساء بعد قضاء دعائه لابن عمه وبنيه وابنته فاطمة عليهم السلام وقال عبد الله حدثنا محمد بن عمرو الشيباني قال قال الفضل بن عباس ابن عقبة بن أبي لهب يرثى من قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام يعنى من أهله وكان قبل الحسين والعباس وعمر ومحمد وعبد الله وجعفر بنو علي بن أبي طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي وعلى وعبد الله ابنا الحسن بن علي ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم ابن عقيل بن أبي طالب وعبد الله وعبد الرحمان وجعفر بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم

    أعيني ألا تبكيا لمصيبتي * * وكل عيون الناس عنى أصبر

    أعيني جودي من دموع غزيرة * * فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

    أعيني هذا الأكرمين تتابعوا * * وصلوا المنايا دارعون وحسر

    من الأكرمين البيض من آل هاشم * * لهم سلف من واضع المجد يذكر

    مصابيح أمثال الأهلة إذ هم * * لدى الجود أو دفع الكريهة أبصر

    بهم فجعتنا والفواجع كاسمها * * تميم وبكر والسكون وحمير

    وهمدان قد جاشت علينا وأجلبت * * هوازن في افناء قيس وأعصر

    وفي كل حي نضحة من دمائنا * * بنى هاشم يعلو سناها ويشهر

    فلله محيانا وكان مماتنا * * ولله قتلانا تدان وتنشر

    لكل دم مولى ومولى دمائنا * * بمرتقب يعلو عليكم ويظهر

    فسوف يرى أعداءنا حين نلتقي * * لأي الفريقين النبي المطهر

    عن يزيد بن أبي زياد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت عائشة رضي الله عنها فمر على بيت فاطمة عليها السلام فسمع حسينا يبكى فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.

    وقال البغوي يرفعه إلى أم سلمة قال كان جبرئيل عند النبي صلى الله عليه وآله والحسين معي فتركته فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال جبرئيل أتحبه يا محمد ؟

    قال نعم قال أما ان أمتك ستقتله وان شئت أريتك تربة الأرض التي يقتل بها فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء وقال البغوي يرفعه إلى يعلى قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى فقال هذان ريحانتان من الدنيا من أحبني فليحبهما ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة .

    عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حامل الحسين بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد ان رسول الله صلى الله عليه وآله أتاها يوما فقال أين ابناي يعنى حسنا وحسينا قالت قلت أصبحنا وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق فقال على اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شئ فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي أ لا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما قال فقال على أصبحنا وليس في بيتنا شئ فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة تمرات فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شئ من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما وحمل على الآخر حتى أقبلهما وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الحسين عليه السلام وضمه إليه وجعل يشمه وعنده رجل من الأنصار فقال الأنصاري ان لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيت ان كان الله تبارك وتعالى نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي ؟

    وعن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طعام دعوا له قال فاشتمل رسول الله صلى الله عليه وآله إمام القوم وحسين عليه السلام مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأخذه فطفق الصبى يفر ههنا مرة وههنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يضاحكه حتى أخذه قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه وقبله وقال حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط وعن أبي هريرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه حسن وحسين عليهما السلام هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله انك لتحبهما فقال من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.

    قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله ومن مسند الحسين بن علي عليهما السلام عن علي بن الحسين عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال كذا ما لك نعم وعن علي بن الحسين عن أبيه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه.

    وعن عمارة بن غزية الأنصاري قال سمعت عبد الله بن علي بن حسين يحدث عن أبيه علي بن الحسين عن جده حسين بن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على صلى الله عليه وآله وعن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده قال قال وجدت في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة مربوطة فيها أشد الناس عذابا القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عز وجل أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد وأبو الحسن علي بن أبو شتكين ابن عبد الله الفقيه الجوهري قالا أنبأنا أبو الغنايم محمد بن علي بن ميمون الحافظ الكوفي أنبأنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمان وعدهن في يده خمسا أنبأنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي وعدهن في يده خمسا أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم ببغداد سنة ثلاثين وثلاثمائة قال حدثني علي بن الحسن السواق وعدهن في يده قال حدثني حرب بن الحسن الطحان وعدهن في يده قال حدثنا يحيى بن مساور وعدهن في يده قال حدثني عمرو بن خالد وعدهن في يده قال حدثني زيد بن علي وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن الحسين وعدهن في يده قال حدثني أبي الحسين بن علي عليه السلام وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن أبي طالب وعدهن في يده قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وعدهن في يده قال حدثني جبرئيل وعدهن في يده فقال جبرئيل هكذا أنزلت به من رب العزة تبارك وتعالى اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوحى الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وآله انى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

    وعن راشد بن أبي روح الأنصاري قال كان من دعاء الحسين بن علي عليهما السلام اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة منى في دنياي اللهم ارزقني بصرا في أمر الآخرة حتى اطلب الحسنات شوقا وأفر من السيئات خوفا يا رب هذا آخر كلام الحافظ عبد العزيز رحمه الله هنا

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • شعر الإمام الحسين عليه السلام

     

    فأما شعره عليه السلام فقد ذكر الرواة له شعرا ووقع إلى شعره عليه السلام بخط الشيخ عبد الله أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي رحمة الله عليه وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبى عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام إنما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمان ابن نخبة الخزاعي وكان عارفا بأمر أهل البيت عليهم السلام ومنهم المسيب ابن رافع المخزومي وغيره رجال كثير ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع هذه الأبيات فقلت له أكتبنيها فقال لي ما أحسن رداءك هذا وكنت قد اشتريته يومى ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فأكتبنيها وهي قال أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي عليه السلام

    ذهب الذين أحبهم * * وبقيت فيمن لا أحبه

    فيمن أراه يسبني * * ظهر المغيب ولا أسبه

    يبغي فسادي ما استطاع * * وأمره مما أدبه

    حنقا يدب إلى الضراء * * وذاك مما لا أدبه

    ويرى ذباب الشر من * * حولي يطن ولا يذبه

    وإذا جنا وغر الصدور * * فلا يزال به يشبه

    أفلا يعيج بعقله * * أفلا يتوب إليه لبه

    أفلا يرى أن فعله * * مما يسور إليه غبه

    حسبي بربي كافيا * * ما أختشي والبغي حسبه

    ولقل من يبغي عليه * * فما كفاه الله ربه

    وقال عليه السلام

    إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق * * ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق

    فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق * * لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى

    وقال عليه السلام

    الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره * * وبأنه لم يكتسبه بغيره وبميره

    لو أنصف النفس الخؤون لقصرت من سيره * * ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره

    كذا بخط ابن الخشاب شره بالإضافة وأظنه وهما منه لأنه لا معنى له على الإضافة والمعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الإنصاف شره على المفعولية من خيره أي صار ذا خير

    وقال عليه السلام

    إذا استنصر المرء امرءا لا يدا له * فناصره والخاذلون سواء

    أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * * وليس على الحق المبين طخاء

    أليس رسول الله جدي ووالدي * * أنا البدر إن خلا النجوم خفاء

    ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا * * صباحا ومن بعد الصباح مساء

    ينازعني والله بيني وبينه * * يزيد وليس الأمر حيث يشاء

    فيا نصحاء الله أنتم ولاته * * وأنتم على أديانه أمناء

    بأي كتاب أم بأية سنة * * تناولها عن أهلها البعداء

    وهي طويلة

    قال أبو مخنف كان مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليهما يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن عليه السلام مع معاوية ويقول لو حز أنفى بموسى لكان أحب إلى مما فعله أخي وقال عليه السلام

    فما ساءني شئ كما ساءني أخي * * ولم أرض لله الذي كان صانعا

    ولكن إذا ما الله أمضى قضاءه * * فلا بد يوما أن ترى الأمر واقعا

    ولو أنني شوورت فيه لما رأوا * * قريبهم إلا عن الأمر شاسعا

    ولم أك أرضى بالذي قد رضوا به * * ولو جمعت كل إلى المجامعا

    ولو حز أنفى قبل ذلك حزة * * بموسى لما ألقيت للصلح تابعا

    قلت إن صح أن هذه الأبيات من شعره عليه السلام فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله ومقتضى زمانه وكلاهما عليهما السلام مصيبان فيما اعتمدا وهما إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق عليهما السلام مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال .

    وقال وإن تكن الدنيا تعد نفيسة وقد تقدم ذكرها .

    وقال الموت خير من ركوب العار وقد سبقت .

    وقال عليه السلام

    أنا الحسين بن علي بن أبي * * طالب البدر بأرض العرب

    ألم تروا وتعلموا أن أبى * * قاتل عمرو ومبير مرحب

    ولم يزل قبل كشوف الكرب * * مجليا ذلك عن وجه النبي

    أليس من أعجب عجب العجب * * أن يطلب إلا بعد ميراث النبي

    والله قد أوصى بحفظ الأقرب

    وقال عليه السلام

    ما يحفظ الله يصن * * ما يصنع الله يهن

    من يسعد الله يلن * * له الزمان ان خشن

    أخي اعتبر لا تغترر * * كيف ترى صرف الزمن

    يجزى بما أوتى من * * فعل قبيح أو حسن

    أفلح عبد كشف * * الغطاء عنه ففطن

    وقر عينا من رأى * * أن البلاء في اللسن

    فماز من ألفاظه * * في كل وقت ووزن

    وخاف من لسانه * * عزبا حديدا فحزن

    ومن يك معتصما * * بالله ذي العرش فلن

    يضره شئ ومن * * يعدى على الله ومن

    من يأمن الله يخف * * وخائف الله أمن

    وما لما يثمره ال‍ * * خوف من الله ثمن

    يا عالم السر كما * * يعلم حقا ما علن

    صل على جدي أبى * * القاسم ذي النور المبن

    أكرم من حي ومن * * لفف ميتا في الكفن

    وامنن علينا بالرضا * * فأنت أهل للمنن

    وأعفنا في ديننا * * من كل خسر وغبن

    ما خاب من خاب كمن * * يوما إلى الدنيا ركن

    طوبى لعبد كشفت * * عنه غيابات الوسن

    والموعد الله وما * * يقض به الله مكن

    وهي طويلة وقال عليه السلام

    أبى على وجدي خاتم الرسل * * والمرتضون لدين الله من قبلي

    والله يعلم والقرآن ينطقه * * ان الذي بيدي من ليس يملك لي

    ما يرتجى بامرئ لا قائل عذلا * * ولا يزيغ إلى قول ولا عمل

    ولا يرى خائفا في سره وجلا * * ولا يحاذر من هفو ولا زلل

    يا ويح نفسي ممن ليس يرحمها * * أما له في كتاب الله من مثل

    أما له في حديث الناس معتبر * * من العمالقة العادية الأول

    يا أيها الرجل المغبون شيمته * * إني ورثت رسول الله عن رسل

    أأنت أولى به من آله فبما * * ترى اعتللت وما في الدين من علل

    وفيها أبيات أخر

    يا نكبات الدهر دولي دولي * * واقصري إن شئت أو أطيلي

    منها

    رميتني رمية لا مقيل * * بكل خطب فادح جليل

    وكل عب ء أيد ثقيل * * أول ما رزئت بالرسول

    وبعد بالطاهرة البتول * * والوالد البر بنا الوصول

    وبالشقيق الحسن الجليل * * والبيت ذي التأويل والتنزيل

    وزورنا المعروف من جبريل * * فما له في الرزء من عديل

    ما لك عنى اليوم من عدول * * وحسبي الرحمان من منيل

    قال تم شعر مولانا الشهيد أبى عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وهو عزيز الوجود .

    قلت والأبيات النونية التي أولها

    غدر القوم وقدما رغبوا * * عن ثواب الله رب الثقلين

    لم يذكرها أبو مخنف في هذا الديوان الذي جمعه وهي مشهورة والله أعلم

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة / الشيخ علي الأربلي