التصنيف: التاريخ

  • هناك أمورا وقعت بعد قتل الامام الحسين عليه السلام

     

    من كتاب الإرشاد للمفيد رحمه الله لما وصل رأس الحسين عليه السلام وصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين عليه السلام وأهله جلس ابن زياد لعنه الله في قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر باحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسم إليه وبيده قضيب يضرب به ثناياه عليه السلام وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما ما لا أحصيه كثيرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد لعنه الله أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله .

    وأدخل عيال الحسين عليه السلام على ابن زياد لعنه الله فدخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت ومعها نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية وثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل عليها ابن زياد وقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فغضب ابن زياد واستشاط فقال له عمرو بن حريث أيها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطئها فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرقت زينب عليها السلام وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان يشفك هذا فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن نفث صدري بما قلت .

    قلت من سماع هذه الأقوال واستفظاع هذه الأفعال كنت أكره الخوض في ذكر مصرعه عليه السلام وبقيت سنين لم أسمعه يقرأ في عاشورا كما جرت عوائد الناس بقراءته لأني كنت أجد لما جرى عليه وعلى أهل بيته عليهم السلام ألما قويا وجزعا تاما وتحرقا مفرطا وانزعاجا بالغا ولوعة مبرحة ثم كان قصارى ان أبكى وألعن ظالميه وأسبهم ولم أر ذلك مطفيا غليلي ولا مطامنا من غلواء حزني وجزعي ولا مسكنا حركة نفسي في طلب الانتقام من أعدائه .

    ربما اخرج الحزين جوى ال‍ * * ثكل إلى غير لايق بالسداد

    مثل ما فاتت الصلاة سليمان * * فأنحى على رقاب الجياد

    فلعن الله ابن زياد فلقد أوغل في عداوته طغيانه وبالغ في تعديه وعداوته وشمر في استيصال أهل هذا البيت الشريف بسيف شمره وسنان سنانه وأبان عن دناءة أصله بقبح فعله وفعل أعوانه وركب مركبا وعرا أطاع فيه داعي سلطانه وشيطانه ورجع إلى أصله الخبيث ونسبه المدخول فجرى على سننه ومضى لشأنه وثقل وطأته على العترة الهاشمية فقضى ذلك بمروقه عن الدين وخفة ميزانه وليته أخزاه الله إذ لم يكف عزب سيفه كف عزب لسانه وليته قنع بتلك الأفعال الشنيعة ولم يلق النساء الكرايم بجبهه وبهتانه ولا عجب من قوله وفعله الدالين على سوء فرعه وأصله فإنه رجع إلى سنخه الخبيث وطبعه الدنى فان من قديمه ذلك القديم وحديثه هذا الحديث النغل الأديم فلا بد أن ينزع إلى نسبه وحسبه ويدل بفعله على سوء مذهبه فالاناء ينضح بما فيه والولد سر أبيه .

    ومن هنا ينقطع نسبه لأن أباه ابن أبيه ورضاه بهذا النسب سلبه النخوة والحمية ونفى عنه المروة والأريحية وأقامه على دعوى الجاهلية فالولد للفراش في الشريعة المحمدية والملة الحنيفية ومن هذه الأوصاف الدنية والنعوت الغير المرضية أبيح دم الحسين عليه السلام وسيق أهله وحرمه كما تساق الإماء في العراق والشام

    وقد غصت البيداء بالعيس فوقها * * كرائم أبناء النبي المكرم

    فما في حريم بعدها من تحرج * * ولا هتك ستر بعدها بمحرم

    يقول ابن هاني المغربي فيها

    بأسياف ذاك البغي أول سلها * * أصيب على لا بسيف ابن ملجم

    وبالحقد حقد الجاهلية أنه * * إلى الآن لم يذهب ولم يتصرم

    فأبعد الله تلك الأنفس الخبيثة والعقول المختلة والهمم الساقطة والعقائد الواهية والأديان المدخولة والأحلام الطائشة والأصول الفاسدة والقلوب التي لا تهتدي إلى رشاد والعيون التي لا تنظر إلى سداد وقد غطى عليها الغين وفيهم يقال أعمى القلب والعين وصلوات الله على الحسين وأهله السادات الأفاضل ثمال اليتامى عصمة الأرامل المعروفين بالمعروف والفواضل ليوث الجدال والجلاد في الجمع الحافل الآمرين بالقسط والناطقين بالحق المتحلين بالصدق العادلين في الحكم الفارعين بمجدهم الجبال الشم الآخذين بالعفو والحلم المعصومين من الزلل المبرئين من الخطايا والخطل الضاربين الهام والقلل المعروفين بالمعروف الناهين عن المنكر البدور الطوالع الغيوث الهوامع السيول الدوافع الفاخرين فلا مساجل ولا منازع القائمين بأمر الله الراضين بحكم الله الممسوسين في ذات الله الفرحين بلقاء الله .

    نجوم طوالع جبال فوارع * * غيوث هوامع سيول دوافع

    مضوا وكأن المكرمات لديهم * * لكثرة ما أوصوا بهن شرايع

    فأي يد مدت إلى المجد لم يكن * * لها راحة من جودهم وأضايع

    بهاليل لو عاينت فيض أكفهم * * تيقنت ان الرزق في الأرض واسع

    إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم * * خداها الندى واستنشقتها المطامع

    وعرض عليه علي بن الحسين عليهما السلام فقال له من أنت فقال أنا علي بن الحسين فقال أليس الله قد قتل علي بن الحسين فقال له علي عليه السلام قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس فقال له ابن زياد بل الله قتله فقال على ابن الحسين عليهما السلام الله يتوفى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد لعنه الله فقال له وبك جرأة على جوابي وبك بقية للرد على اذهبوا به واضربوا عنقه فتعلقت به زينب عمته وقالت له يا بن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليه ساعة ثم قال عجبا للرحم والله وأنى لأظنها ودت انى قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به .

    ثم قام من مجلسه حتى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا عدو الله ان الكاذب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيين وتقوم على المنابر مقام الصديقين فقال ابن زياد على به فأخذته الجلاوزة فنادى بشعار الأزد فاجتمع منهم سبعمائة رجل فانتزعوه من الجلاوزة فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه في السبخة رحمة الله عليه .

    ولما أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها فروى عن زيد بن أرقم انه قال مر به على وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا فقف والله شعري وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب .

    قلت قد تركت أمورا جرت من هؤلاء الطغام الأجلاف لعنهم الله وأبعدهم من رحمته عند قتله عليه السلام وما فعلوه من قطع يده ورشقه بالسهام والحراب وذبحه وأخذ رأسه وإيطاء الخيل جسده الشريف وسبى حريمه وانتزاع ملابسهن إلى غير ذلك من الأفعال التي لا يعتمدها ولا بعضها مسلم ولا يتأتى لمردة الكفار وفجارهم وطغاتهم الإقدام على مثلها والإصرار عليها وكذلك جرت الحال في حمل رأسه الكريم وحريمه الطاهرات إلى دمشق كما تحمل الأسرى والسبايا ودخولهم إلى يزيد بن معاوية على تلك الهيئة المنكرة والأحوال الشاقة وانفاذ ابن زياد يبشر أولياءه وأصحابه وتابعي رأيه بقتل الحسين عليه السلام .

    ولما دخل رسوله على عمرو بن سعيد بن العاص وهو أمير المدينة قال له ما وراك قال ما سر الأمير قتل الحسين بن علي قال اخرج فناد بقتله فنادى فلم أسمع والله واعية قط كواعية بنى هاشم في دورهم فدخلت على عمرو ابن سعيد فلما رآني تبسم إلى ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معدى كرب .

    عجت نساء بنى زياد عجة * * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

    ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام ودعا ليزيد بن معاوية ونزل .

    ودخل بعض موالى عبد الله بن جعفر فنعى إليه ابنيه فاسترجع فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا من الحسين عليه السلام فحذفه عبد الله بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه والله انه لمما يسخي بنفسي عنهما ويعزى عن المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمى مواسين له صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز على بمصرع الحسين عليه السلام أن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولدى .

    وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعى الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها أم هاني وأسماء ورملة وزينب تبكي قتلاها بالطف وتقول

    ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم * * ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

    بعترتي وبأهلي بعد منقلبي * * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

    ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

    فلما كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادى يسمعون

    صوته ولا يرون شخصه

    أيها القاتلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل

    كل من في السماء يدعو عليكم * من نبي ملائك وقبيل

    قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الإنجيل

    قلت أجاد ديك الجن عبد السلام في قوله من قصيدة يرثى بها

    الحسين عليه السلام

    ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا

    ومن شعري

    إن في الرزء بالحسين الشهيد * لعناء يؤدى بصبر الجليد

    إن رزء الحسين أضرم نارا * لا تنى في القلوب ذات وقود

    إن رزء الحسين نجل على * هد ركنا ما كان بالمهدود

    حادث أحزن الولي وأضناه * وخطب أقر عين الحسود

    يا لها نكبة أباحت حمى * الصبر وأجرت مدامعا في خدود

    ومصابا عم البرية بالحزن * وأعزي العيون بالتسهيد

    يا قتيلا ثوى بقتله الدين * وأمسى الإسلام واهي العمود

    ووحيدا في معشر من عدو * لهف نفسي على الفريد الوحيد

    ونزيفا يسقى المنية صرفا * ظاميا يرتوي بماء الوريد

    وصريعا تبكي السماء عليه * فتروي بالدمع ظامي الصعيد

    وغريبا بين الأعادي يعاني * منهم ما يشيب رأس الوليد

    قتلوه مع علمهم أنه * خير البرايا من سيد ومسود

    واستباحوا دم النبي رسول * الله إذ أظهروا قديم الحقود

    وأضاعوا حق الرسول التزاما * بطليق ورغبة في طريد

    وأتوها صماء شنعاء شوهاء * أكانت قلوبهم من حديد

    وجروا في العماء إلى الغاية * القصوى أما كان فيهم من رشيد

    أسخطوا الله في رضى ابن زياد * وعصوه قضاء حق يزيد

    وأرى الحر كان حرا ولكن * ابن سعد في الخزي كابن سعيد

    ومن شعر كنت قلته في أيام الحداثة من قصيدة لم أذكر غزلها

    وإذا ما الشباب ولى فما * أنت على فعل أهله معذور

    فاتباع الهوى وقد وحظ الشيب * وأودى غصن التصابي غرور

    فاله عن حاجز وسلع ودع * وصل الغواني فوصلهن قصير

    وتعرض إلى ولاء أناس * حبل معروفهم قوى مرير

    خيرة الله في الأنام ومن * وجه مواليهم بهى منير

    أمناء الله الكرام وأرباب * المعالي ففضلهم مشهور

    المفيدون حين يخفق سعى * والمجيرون حين عز المجير

    كرموا مولدا وطابوا أصولا * فبطون زكية وظهور

    عترة المصطفى وحسبك فخرا * أيها السائل البشير النذير

    بعلي شيدت معالم دين * الله والأرض بالعناد تمور

    وبه أيد الإله رسول * الله إذ ليس في الأنام نصير

    وبأسيافه أقيمت حدود * صعرت برهة وخرت نحور

    وبأولاد الهداة إلى الحق * أضاء المستبهم الديجور

    سل حنينا عنه وبدرا فما * يخبر عما سئلت إلا الخبير

    إذ جلا هبوة الخطوب وللحرب * زناد يشب منها سعير

    أسد ماله إذا استحفل الناس * سوى رنة السلاح زئير

    ثابت الجأش لا يروعه الخطب * ولا يعتريه فيه فتور

    أعرب السيف منه إذ أعجم * الرمح لأن العدى لديه سطور

    عزمات أمضى من القدر * المحتوم يجرى بحكمه المقدور

    ومزايا مفاخر عطر الأفق * شذاها ويخال فيها عبير

    وأحاديث سؤدد هي في الدنيا * على رغم حاسديه تسير

    وترى المشركين يبغي رضا * الله تعالى وأنه موتور

    حسدوه على مآثر شتى * وكفاهم حقدا عليه الغدير * كتموا داء دخلهم وطووا كشحا * وقالوا صرف الليالي يدور

    ورموا نحله الحسين بأحقاد * تبوخ النيران وهي تفور

    لهف نفسي طول الزمان وينمي * الحزن عندي إذا أتى عاشور

    لهف نفسي عليه لهف حزين * ظل صرف الردى عليه يجور

    أسفا غير بالغ كنه ما * أكفى وحزنا تضيق عنه الصدور

    يا لها وقعة لقد شمل إلا * سلام منها رزء جليل خطير

    ليث غاب تغيث فيه كلاب * وعظيم سطا عليه حقير

    يا بنى أحمد نداء ولى * مخلص جهره لكم والضمير

    لكم صدق وده وعلى * أعدائكم سيف نطقه مشهور

    وهواكم طوق له وسوار * وعليه من المخاوف سور

    أنتم ذخره إذا أخفق السعي * وأضحى في فعله تقصير

    أنتم عونه إذا دهمته * حادثات وفاجأته أمور

    أنتم غوثه وعروته * الوثقى إذا ما تضمنته القبور

    وإليكم يهدى المديح اعتقادا * وبكم في معاده يستجير

    بعلي يرجو على أمانا * من سعير شرارها مستطير

    هاتان القصيدتان قلتهما قديما وكان عهدي بهما بعيدا ولما جرى القلم

    بجمع هذا الكتاب عزمت على أن أمدح كل واحد من الأئمة عليهم السلام

    بقصيدة لا لأنها تزيد أقدارهم أو ترفع منارهم فهم أعلى رتبة وأسمى مكانة

    من أن يزيد هم مجدا على مجدهم الأثيل أو شرفا على شرفهم الأصيل ولكن

    كان جهد المقل ونصرة من تعذرت عليه النصرة باليد ولأني أحببت أن

    أخلد لي ذكرا بذكرهم وحمدهم وأنبه على أنى عبدهم بل عبد عبدهم فلما انتهيت

    إلى أخبار الحسين عليه السلام وأثبت تينك القصيدتين خطر أنك قلتهما قديما

    والثواب عليهما حصل أولا ولا بد الآن من قصيدة وفق ما عزمت عليه

    فسمحت القريحة بهذه القطعة مع بعد عهد بالشعر وعمله ومن الله أستمد

    التوفيق فيما أبتغيه والإعانة على ما يختاره ويرتضيه وهي

    يا ابن بنت النبي دعوة عبد * مخلص في ولائه لا يحول

    لكم محض وده وعلى * أعدائكم سيف نطقه مسلول

    أنتم عونه وعروته الوثقى * إذا انكسر الخليل الخليل

    وإليكم ينضي ركاب الأماني * فلها نحوكم سرى وذميل

    كرمت منكم وطابت فروع * وزكت منكم وطابت أصول

    فليوث إذا دعوا لنزال * وغيوث إذا دعاهم نزيل

    المجيرون من صروف الليالي * والمنيلين حين عز المنيل

    شرف شايع وفضل شهير * وعلاء سام ومجد أثيل

    وحلوم عن الجناة وعفو * وندى فايض ورأى أصيل

    لي فيكم عقيدة وولاء * لاح لي فيهما وقام الدليل

    لم أقلد فيكم وكيف وقد شا * ركني في ولائكم جبرئيل

    جزتم رتبة المديح جلالا * وكفاكم عن مدحي التنزيل

    غير إنا نقول ودا وحبا * لا على قدركم فذاك جليل

    للإمام الحسين أهديت مدحا * راق حتى كأنه سلسبيل

    وبودي لو كنت بين يديه * باذلا مهجتي وذاك قليل

    ضاربا دونه مجيبا دعاه * مستميتا على عداه أصول

    قاضيا حق جده وأبيه * فهما غاية المنى والسؤول

    فعليهم منى التحية ما لاح * سنا بارق وهبت قبول

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة

    وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة

     

    في السیرة الإمام الحســـين /

    الخروج من كربلاء

    تحرّك موكب سبايا أهل البيت (عليهم السلام) من كربلاء المقدّسة نحو مدينة الكوفة، وهو يقطع الصحاري، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة التي قضوها على مقربة من مصارع الشهداء، وهم على جمالٍ بغير وطاء ولا غطاء.

    الدخول إلى الكوفة

    دخل الركب الكوفة في ۱۲ محرّم 61ﻫ، ففزع أهل الكوفة وخرجوا إلى الشوارع، بين مُتسائل لا يدري لمن السبايا، وبين عارف يُكفكف أدمعاً ويُضمر ندماً.

    وأشرفت إحدى السيّدات، فسألت إحدى العلويات، وقالت لها: من أي الأُسارى أنتن؟ فأجابتها العلوية: نحن أُسارى أهل البيت.

    وكان هذا النبأ عليها كالصاعقة، فصرخت وصرخت اللاّتي كنّ معها، ودوى صراخهنّ في أرجاء الكوفة، وبادرت المرأة إلى بيتها فجمعت ما فيه من اُزر ومقانع، فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس، كما بادرت سيّدة أُخرى فجاءت بطعام وتمر، وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع، ونادت السيّدة أُمّ كلثوم من خلف الركب: «إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت».

    وصارت تأخذ من أيدي الأطفال وأفواههم، وترمي به الأرض، وتقول: «يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم وتبكي علينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء» (۱) .

    ثمّ اتّجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقاً جموع أهل الكوفة، وهم يبكون لما حلّ بالبيت النبوي الكريم، ولما اكتسبت أيديهم، وخدعت وعودهم سبط النبي(صلى الله عليه وآله) وإمام المسلمين الحسين بن علي(عليهما السلام)، وها هم يرون أهله ونساءه أُسارى، وها هو رأس السبط الشهيد يحلِّق في سماء الكوفة على رأس رمح طويل، وقد دعوه ليكون قائداً للأُمّة الإسلامية، وهادياً لها نحو الرشاد!.

    فحدّقت السيّدة زينب (عليها السلام) بالجموع المحتشدة، ومرارة فقدان أخيها تملأ فمها، وذلّ الأَسر يحيط بموكبها، فنظرت(عليها السلام) إلى أهل الكوفة نظرة غضب واحتقار، وخطبت بهم خطبة مقرعة ومؤنِّبة.

    الدخول إلى قصر الإمارة

    أُدخل رأس الإمام الحسين (عليه السلام) إلى القصر، ووضع بين يدي عبيد الله ابن زياد والي الكوفة، فأخذ يضرب الرأس الشريف بقضيب كان في يده، وعليه علامات الفرح والسرور.

    وكان الى جانبه زيد بن أرقم ـ وكان شيخاً كبيراً صحابيّاً ـ، فلمّا رآه يفعل ذلك بثنايا ابن رسول الله قال له: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليها ما لا أُحصيه كثرة تقبّلهما. ثمّ انتحب باكياً.

    فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وذهب إلى منزله.

    ثمّ أُدخل النساء والأطفال ومعهم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى(عليها السلام) متنكّرة، وقد انحازت إلى ناحية من القصر ومعها النسوة.

    فقال ابن زياد: مَن هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فسأل عنها ثانية وثالثة فلم تجبه، فقيل له: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.

    فانبرى ابن زياد مخاطباً زينب(عليها السلام) شامتاً بها: الحمدُ لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أُحدوثتكم.

    فردّت (عليها السلام) عليه بلسانِ المرأة الواثقة بأهدافها: «الحمدُ لله الذي أكرمَنا بنبيِّه محمّدٍ (صلى الله عليه وآله)، وطهّرَنا مِن الرجس تطهيراً، إنّما يَفتضحُ الفاسق ويكذبُ الفاجِر، وهو غيرُنا».

    فقال ابن زياد: كيف رأيت فِعلَ الله بأهلِ بيتك؟ فقالت (عليها السلام): « كتب اللهُ عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللهُ بينك وبينهُم، فتحاجُّون إليه وتختصمون عنده ».

    فغضب ابن زياد واستشاط غضباً، فقال عمرو بن حريث: إنّها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

    فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين، والعصاة المردة من أهل بيتك.

    فقالت: «لعمري، لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت»، فأخذ ابن زياد يفحش في كلامه.

    ثمّ جاء الدور بعد ذلك للإمام زين العابدين (عليه السلام) ليقف أمام عبيد الله بن زياد، فسأله: مَن أنت؟ فأجاب(عليه السلام): « أنا علي بن الحسين ».

    فقال: ألم يقتل الله علي بن الحسين؟ قال(عليه السلام): « كان لي أخٌ يُسمّى علياً قتله الناس ».

    فقال ابن زياد: بل قتله الله.

    قال(عليه السلام) : (اللهُ يَتَوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (۲) .

    فغضب ابن زياد لردّ الإمام (عليه السلام)، فنادى جلاوزته : اِضربوا عنقه.

    فتعلّقت عمّته زينب(عليها السلام) به، وصاحت: « يابن زياد، حَسْبك مِن دمائنا، والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه »، فتراجع عن ذلك.

    ثمّ صعد المنبر، ونال من أهل البيت وكذّبهم فافتضح نفاقه وبانت أعراقه، وكان في المجلس شيخ كبير آخر هو عبد الله بن عفيف الأزدي، فانتفض في وجه ابن زياد السفّاك وخذله ونال منه.

    فقال ابن زياد: عليَّ به، فأخذته جلاوزة النفاق والشقاق، فانتزعه منهم رجال من الأزد، إلاّ أنّ ابن زياد أرسل عليه ليلاً، فأُخرج من بيته وجيء به لابن زياد، فضرب عنقه، وصلبه على السبخة، فرحمة الله عليه (۳) .

    خطبة السيّدة زينب (عليها السلام)

    قال بشير بن خزيم الأسدي: «ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذٍ، ولم أرَ خفرة والله أنطق منها، كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت:

    الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر والختل والمكر، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والنطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون.

    أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

    ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فريتم، وأيّ كريمةٍ له أبرزتم، وأيّ دمٍ له سفكتم، وأيّ حرمةٍ له انتهكتم؟ ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سَوّاء فقماءـ وفي بعضهاـ خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ومُلاء السماء.

    أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا تحفزه البِدَار، ولا يُخافُ فوتُ الثأر، وإنّ ربّكم لبالمرصاد.

    ثمّ أنشأت تقول:

    ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ** ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم

    فقال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « يا عمّة اسكتي، ففي الباقي من الماضي اعتبار » ، فسكتت الحوراء زينب (عليها السلام).

    قال الراوي: « فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي، حتّى اخضلت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأُمّي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل، لا يخزي ولا يبزي » (4) .

    خطبة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

    ثمّ ارتقى الإمام زين العابدين(عليه السلام) المنبر، فأومأ للناس بالسكوت، وكان معتل الحال، فأثنى على الله وحمده، وذكر النبي(صلى الله عليه وآله) ثمّ صلّى عليه، ثمّ قال:

    «أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، أنا ابن من انتُهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحلٍ ولا تَرات، أنا ابن من قُتل صبراً، وكفى بذلك فخراً.

    أيّها الناس فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه، فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أُمّتي».

    قال الراوي: «فارتفعت الأصوات من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون، فقال(عليه السلام): رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيّتي في الله، وفي رسوله، وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُسوة حسنة» (5) .

    واستمر الإمام(عليه السلام) في الخطبة، فعرّى الأُمويين وأتباعهم الخونة الظالمين، ونصح المسلمين.

    خطبة السيّدة فاطمة الصغرى(عليها السلام)

    خطبت السيّدة فاطمة الصغرى(عليها السلام) بعد أن وردت من كربلاء، فقالت: «الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات بغير ذحلٍ ولا تَرات.

    اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه، من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهمّ فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته اللهمّ للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك، حتّى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته فهديته إلى صراطٍ مستقيم.

    أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيتٍ ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله) على كثيرٍ ممّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّنا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت؛ لحقدٍ متقدّم قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين.

    فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة (فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

    تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأنّ قد حلّ بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذابٍ، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تُخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.

    ويلكم! أتدرون أيّة يدٍ طاعنتنا منكم، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا، تبغون محاربتنا؟ والله قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطُبع على أفئدتكم، وخُتم على سمعكم وبصركم، وسَوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون.

    فتبّاً لكم يا أهل الكوفة، أيّ تَرات لرسول الله(صلى الله عليه وآله) قبلكم، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدّي، وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار، فافتخر بذلك مفتخر وقال:

    نحن قتلنا علياً وبني علي ** بسيوفٍ هندية ورماح

    ‏وسبينا نساءهم سبي ترك ** ونطحناهم فأيّ نطاح

    بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب، افتخرت بقتل قومٍ زكّاهم الله، وطهّرهم الله، وأذهب عنهم الرجس، فأكظم وأقعِ كما أقعى أبوك، فإنّما لكلّ امرئ ما كسب، وما قدّمت يداه.

    أحسدتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا الله؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    قال الراوي: « فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت(عليها السلام) » (6).

    خطبة السيّدة أُم كلثوم(عليها السلام)

    خطبت السيّدة أُم كلثوم بنت الإمام علي(عليه السلام) في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:

    «يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّاً لكم وسحقاً، ويلكم! أتدرون أيّ دواة دهتكم؟ وأيّ وزرٍ على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمة أصبتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟

    قتلتم خير رجالات بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون» ثمّ قالت:

    قتلتم أخي صبراً فويل لأُمّكم ** ستجزون ناراً حرّها يتوقّد

    سفكتم دماءً حرم الله سفكها ** وحرّمها القرآن ثمّ محمّد

    ألا فأبشروا بالنار أنّكم غداً ** لفي سقر حقّاً يقيناً تخلدوا

    وأنّي لأبكي في حياتي على أخي ** على خير من بعد النبي سيولد

    بدمعٍ غزيرٍ مستهلّ مكفكف على ** الخدّ منّي دائماً ليس يجمد

    قال الراوي: فضجّ الناس بالبكاء والنوح، فلم يُرَ باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم (۷).

    رأس الحسين(عليه السلام) في شوارع الكوفة

    ولم يقف حقد ابن زياد وقساوته وأُسلوبه الوحشي إلى حَدٍّ، بل راح يطوف في اليوم الثاني برأس الحسين (عليه السلام) في شوارع الكوفة، يُرهب أهلها، ويتحدّى روح المعارضة والمقاومة فيها.

    وقال زيد بن أرقم: مرّ به عليّ وهو على رمح، وأنا في غرفةٍ لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: (اَمْ حَسِبْتَ اَنَ اَصحابَ الْكَهْفِ وَالرّقيمِ كانوا مِنْ اياتِنا عَجَباً)، وقف والله شعري وناديت: رأسك والله يا بن رسول الله أعجب وأعجب (۸) .

    التوجّه إلى الشام

    وفي اليوم التالي أمر ابن زياد جنده بالتوجّه بسبايا آل البيت (عليه السلام) إلى الشام، إلى الطاغية يزيد بن معاوية، وأمر أن يكبّل الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالقيود، وأركب بنات الرسالة الإبل الهزّل؛ تنكيلاً بهنّ، وليحظى عند سيّده يزيد بالمنزلة الأرفع، والمكان الأقرب.

    ـــــــــــــــــــــــــ

    ۱ـ ينابيع المودّة ۳/ ۸۷.

    ۲ـ الزمر: 42.

    ۳ـ الإرشاد ۲ /116.

    4ـ الاحتجاج ۲/ 29.

    5ـ المصدر السابق.

    6ـ المصدر السابق ۲/ 27.

    ۷ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 91.

    ۸ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ۱/ 473.

    بقلم: محمد أمين نجف

  • وصول سبايا الإمام الحسين(ع) إلى المدينة

     

    في السیرة الإمام الحســـين /

    دخول بشير إلى المدينة (۱)

    قال بشير بن حذلم: لمّا قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين(عليهما السلام) فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه، وقال: «يا بشير، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شي‏ء منه »؟ فقلت: بلى يابن رسول الله إنّي لشاعر، فقال (عليه السلام) : «أُدخل المدينة، وانع أبا عبد الله(عليه السلام) ».

    قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

    يا أهل يثرب لا مقام لكم بها ***** قتل الحسين فادمعي مدرار

    الجسم منه بكربلاء مضرّج ***** والرأس منه على القناة يدار

    ثمّ قال: هذا علي بن الحسين(عليه السلام) مع عمّاته وأخواته، قد حلّوا بساحتكم، ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.

    قال: فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ، مكشوفة شعورهنّ، مخمّشة وجوههنّ، ضاربات خدودهنّ، يدعون بالويل والثبور، فلم أرَ باكياً وباكية أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه.

    جارية تنعى الحسين (عليه السلام)

    قال بشير: وسمعت جارية تنوح على الحسين (عليه السلام) فتقول:

    نعى سيّدي ناع نعاه فأوجعا ***** وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

    فعيني جودا بالدموع وأسكبا ***** وجودا بدمعٍ بعد دمعكما معا

    على من دهى عرش الجليل فزعزعا ***** فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

    على ابن نبي الله وابن وصيه ***** وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا

    ثمّ قالت: أيّها الناعي، جدّدت حزننا بأبي عبد الله(عليه السلام)، وخدشت منا قروحاً لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم، وجّهني مولاي علي بن الحسين (عليهما السلام) ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ونسائه.

    قال: فتركوني مكاني وبادروني، فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس، حتّى قربت من باب الفسطاط، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) داخلاً، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسي، فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك عن العَبرة، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء، وحنين النسوان والجواري، والناس يعزّونه من كلّ ناحية، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.

    خطبة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

    ثمّ خطب الإمام (عليه السلام) بالناس فقال: « الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأُمور، وفجائع الدهور، وجليل الرزء، وعظيم المصائب.

    أيّها القوم، إنّ الله له الحمد وله الشكر، قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام ، ورزية في الأنام، قُتل أبي الحسين وعترته وأنصاره، وسُبيت نساؤه وذرّيته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كلّ رزية ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، والسبع الطباق لفقده، وبكت البحار بأمواجها، والأرضون بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والطيور بأوكارها، والحيتان في لجج البحار، والوحوش في البراري والقفار، والملائكة المقرّبين، والسماوات والأرضين.

    أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله ولا يحزن لأجله؟ أيّها الناس، أصبحنا مشرّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ولا فاحشة فعلناها، فوالله لو أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظها وأفظعها، وأمرّها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا فإنّه عزيز ذو انتقام ».

    شعر السيّدة أُمّ كلثوم (عليها السلام)

    قالت السيّدة أُمّ كلثوم حين دخولها المدينة المنوّرة:

    مدينة جدّنا لا تقبلينا ***** فبالحسرات والأحزان جينا

    خرجنا منك بالأهلين جمعاً ***** رجعنا لا رجال ولا بنينا

    ألا فأخبر رسول الله عنّا ***** بأنّا قد فُجعنا في أخينا

    وإنّ رجالنا بالطفّ صرعى ***** بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا

    ورهطك يا رسول الله أضحوا ***** عرايا بالطفوف مُسلّبينا

    وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا ***** جنابك يا رسول الله فينا

    فلو نظرت عيونك للأسارى ***** على قتب الجمال محمّلينا

    رسول الله بعد الصون صارت ***** عيون الناس ناظرة إلينا

    وكنت تحوطنا حتّى تولّت ***** عيونك ثارت الأعدا علينا

    أفاطم لو نظرت إلى السبايا ***** بناتك في البلاد مشتّتينا

    أفاطم لو نظرت إلى الحيارى ***** ولو أبصرت زين العابدينا

    أفاطم لو رأيتينا سهارى ***** ومن سهر الليالي قد عمينا

    أفاطم ما لقيت من عداك ***** ولا قيراط ممّا قد لقينا

    فلو دامت حياتك لم تزالي ***** إلى يوم القيامة تندبينا

    وعرّج بالبقيع وقف وناد ***** أين حبيب ربّ العالمينا

    محاورة بشير مع أُمّ البنين

    لمّا دخل بشير المدينة لينعى الحسين (عليه السلام) ، التقى بأُمّ البنين ـ وهي أُمّ العباس ـ فقال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس، قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين، فقال: عظّم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فصاحت ولطمت خدّها، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه.

    تاريخ الوصول

    ۲ ربيع الأوّل 6۱ﻫ، وصلت السبايا إلى المدينة، ووجدوا ديار أهلها خالية تنعى أهلها، وتندب سكّانها، ولنعم ما قال الشاعر:

    مررت على أبيات آل محمّد ***** فلم أرها أمثالها يوم حلّت

    فلا يبعد الله الديار وأهلها ***** وإن أصبحت منهم برغم تخلّت

    ———————

    ۱ـ اُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف: 115.

    بقلم: مِحمد أمين نجف

  • في أولاد الامام الحسين عليه وعليهم السلام

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    قال كمال الدين كان له من الأولاد ذكور وأناث عشرة ستة ذكور وأربع أناث فالذكور على الأكبر وعلى الأوسط وهو زين العابدين وسيأتي ذكره في بابه إن شاء الله وعلى الأصغر ومحمد وعبد الله وجعفر .

    فأما على الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا .

    وأما على الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله وقيل إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا .

    وأما البنات فزينب وسكينة وفاطمة هذا قول مشهور .

    وقيل كان له أربع بنين وبنتان والأول أشهر .

    وكان الذكر المخلد والبناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد آخر كلامه .

    قلت عدد أولاده عليه السلام وذكر بعضا وترك بعضا قال ابن الخشاب ولد له ستة بنين وثلاث بنات على الأكبر الشهيد مع أبيه وعلى الإمام سيد العابدين وعلى الأصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة .

    وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي ولد الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام ستة أربعة ذكور وابنتان على الأكبر قتل مع أبيه وعلى الأصغر وجعفر وعبد الله وسكينة وفاطمة قال ونسل الحسين من على الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه وقال الزهري ما رأيت هاشميا أفضل منه .

    قلت قد أخل الحافظ بذكر على زين العابدين حيث قال على الأكبر وعلى الأصغر وأثبته حيث قال ونسل الحسين من على الأصغر فسقط في هذه الرواية على الأصغر الصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة كما ذكر كمال الدين وزين العابدين عليه السلام هو الأوسط والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ أربعة .

    قال الشيخ المفيد باب ذكره ولد الحسين عليه السلام كان للحسين عليه السلام ستة أولاد علي بن الحسين الأصغر وكنيته أبو محمد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار ملك الفرس وعلي بن الحسين الأكبر قتل مع أبيه بالطف وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية وكانت وفاته في حياة الحسين عليه السلام وعبد الله ابن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه وسكينة بنت الحسين وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي كلبية وهي أم عبد الله ابن الحسين وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية .

    قلت المفيد رحمه الله قد وافق الحافظ عبد العزيز على العدة والتفصيل وعلى قولهما فالعليان اثنان والمشهور ثلاثة والله أعلم وعقبه كله من الإمام زين العابدين وسيأتي ذكره إن شاء الله

    في عمره عليه السلام

    قال كمال الدين رحمه الله قد تقدم القول في ولادته عليه السلام أنها كانت في سنة أربع من الهجرة وكان انتقاله إلى الدار الآخرة على ما سيأتي تفصيله وبيانه في سنة إحدى وستين من الهجرة فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا كان منها مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله ست سنين وشهورا وكان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليهم السلام عشر سنين وبقى بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام إلى وقت مقتله عشر سنين .

    قال ابن الخشاب حدثنا حرب باسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال مضى أبو عبد الله الحسين بن علي أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشورا كان مقامه مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله سبع سنين إلا ما كان بينه وبين أبى محمد وهو سبعة أشهر وعشرة أيام وأقام مع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة وأقام مع أبي محمد عشر سنين وأقام بعد مضى أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه وبين أخيه من الحمل وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين من الهجرة ويقال في يوم عاشوراء في يوم الاثنين وكان بقاؤه بعد أخيه الحسن عليهما السلام أحد عشر سنة .

    وقال الحافظ عبد العزيز الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشوراء سنه إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر .

    قلت قد اتفقوا في التاريخ واختلفوا في الحساب والحق منهما يظهر لمن اعتبره .

    قال الشيخ المفيد في إرشاده ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنه إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول الله سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين وكانت مدة خلافته بعد أخيه إحدى عشر سنة وكان عليه السلام يخضب بالحناء والكتم وقتل عليه السلام وقد نصل الخضاب من عارضيه .

    وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته بل في وجوبها فروى عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال زيارة الحسين بن علي عليهما السلام واجبة على كل من يقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل وقال عليه السلام زيارة الحسين تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من زار الحسين عليه السلام بعد موته فله الجنة والأخبار في هذا الباب كثيرة وقد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف بمناسك المزار انتهى كلامه .

    قلت من أعجب ما يحكى أنهم اتفقوا أنه ولد عليه السلام في سنة أربع من الهجرة وقتل في عاشر المحرم من سنة إحدى وستين واختلفوا بعد في مدة حياته ما هذا إلا عجيب وأنت إذا عرفت مولده وموته عرفت مدة عمره من طريق قريب.

    في مخرجه إلى العراق

    قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله هذا فصل للقلم في أرجائه مجال واسع ومقال جامع وسمع كل مؤمن وقلبه إليه وله مصيخ وسامع لكن الرغبة في الاختصار تطوى أطراف بساطه والرهبة من الإكثار تصدف عن تطويله وإفراطه وحين وقف على أصله وزائده خص الأصل بإثباته والزائد باسقاطه .

    وذلك أن معاوية لما استخلف ولده يزيد ثم مات كتب يزيد كتابا إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ والى المدينة يحثه فيه على أخذ البيعة من الحسين عليه السلام فرأى الحسين أمورا اقتضت أنه خرج من المدينة قاصدا إلى مكة وأقام بها ووصل الخبر إلى الكوفة بموت معاوية وولاية يزيد مكانه فاتفق منهم جمع جم وكتبوا كتابا إلى الحسين يدعونه إليهم ويبذلون له فيه القيام بين يديه بأنفسهم وأموالهم وبالغوا في ذلك وتتابعت إليه الكتب نحوا من مائة وخمسين كتابا من كل طائفة وجماعة كتاب يحثونه فيها على القدوم وآخر ما ورد عليه كتاب من جماعتهم على يد قاصدين من ثقاتهم وصورته بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه على أمير المؤمنين سلام الله عليك أما بعد فان الناس منتظروك ولا رأى لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله والسلام عليك ورحمة الله .

    فكتب عليه السلام جوابهم وسير إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فوصل إليهم وجرت له قضايا ووقائع لا حاجة إلى ذكرها وآل الأمر إلى أن الحسين توجه بنفسه وأهله وأولاده إلى الكوفة ليقضى الله أمرا كان مفعولا وكان عند وصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة واجتماع الشيعة إليه وأخذه البيعة للحسين بن علي عليهما السلام كتب والى الكوفة وهو النعمان بن بشير إلى يزيد بذلك فجهز عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فلما قرب منها تنكر ودخلها ليلا وأوهم أنه الحسين ودخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز فصار يجتاز بجماعة جماعة فيسلم عليهم ولا يشكون في أنه هو الحسين عليه السلام فيمشون بين يديه ويقولون مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى عبيد الله من تباشرهم بالحسين ما ساءه وكشف أحوالهم وهو ساكت لعنه الله .

    فلما دخل قصر الإمارة وأصبح جمع الناس وقال وأرعد وأبرق وقتل وفتك وسفك وانتهك وعمله وما اعتمده مشهور في تحيله حتى ظفر بمسلم ابن عقيل وقتله .

    وبلغ الحسين عليه السلام قتل مسلم وما اعتمده عبيد الله بن زياد وهو متجهز للخروج إلى الكوفة فاجتمع به ذووا النصح له والتجربة للأمور وأهل الديانة والمعرفة كعبد الله بن عباس وعمر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي وغيرهما ووردت عليه كتب أهل المدينة من عبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص وجماعة كثيرين كلهم يشيرون عليه أن لا يتوجه إلى العراق وأن يقيم بمكة هذا كله والقضاء غالب على أمره والقدر آخذ بزمامه فلم يكترث بما قيل له ولا بما كتب إليه وتجهز وخرج من مكة يوم الثلاثاء وهو يوم التروية الثامن من ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا من أهله وشيعته ومواليه فسار فلما وصل إلى الشقوق وإذا هو بالفرزدق الشاعر وقد وافاه هنالك فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين عليه السلام من أين أقبلت يا أبا فراس فقال من الكوفة فقال له كيف تركت أهل الكوفة فقال خلفت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء وجرى بينهما كلام قد تقدم ذكره في آخر الفصل الثامن .

    ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بنى مجاشع يا أبا فراس هذا الحسين بن علي قال له الفرزدق نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وعليهم هذا والله ابن خيره الله وأفضل من مشى على وجه الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها فقال ابن عمه إن رأيت أن تسمعنيها أبا فراس فقال قلت فيه وفى أمه وأبيه وجده عليهم السلام

    هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم

    هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقى النقي الطاهر العلم

    هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم

    هذا ابن فاطمة الزهراء عترتها * في جنة الخلد مجريا به القلم

    إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهى الكرم

    يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

    بكفه خيزران ريحه عبق * بكف أروع في عرنينه شمم

    يغضي حياءا ويغضي من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم

    ينشق نور الدجى عن نور غرته * كالشمس تنشق عن إشراقها الظلم

    مشتقة من رسول الله نبعته * طابت أرومته والخيم والشيم

    من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم

    يستدفع الضر والبلوى بحبهم * ويستقيم به الإحسان والنعم

    إن عد أهل الندى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

    لا يستطيع مجار بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

    بيوتهم في قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحكم ان حكموا

    فجده من قريش في أرومتها * محمد وعلى بعده علم

    بدر له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح قد علموا

    وخيبر وحنين يشهدان له * وفى قريظة يوم صيلم قتم

    مواطن قد علت أقدارها ونمت * آثارها لم تنلها العرب والعجم

    آخر كلامه .

    قلت وأظنه نقل هذا الكلام والقصيدة من كتاب الفتوح لابن أعثم فإني طالعته في زمان الحداثة ونسب هذه القصيدة إلى الفرزدق في الحسين عليه السلام والذي عليه الرواة مع اختلاف كثير في شئ من أبياتها وانها للحر بن الليثي قالها في قثم بن العباس رضي الله عنه وأن الفرزدق أنشدها لعلي بن الحسين ولها قصة تأتى في أخباره إن شاء الله تعالى ولو كان هذا وأمثاله من موضوع هذا الكتاب لذكرت القصيدة ونسبت كل بيت منها إلى قائله ولكنه وضع لغير هذا .

    وفى مسير الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق أحوال وأمور اختصرها الشيخ كمال الدين وهي مشهورة معلومة منقولة لا يكاد يخلو مصنف في هذا الشأن منها والله تعالى يعلم أنى لا أحب الخوض في ذكر مصرعه عليه السلام وما جرى عليه وعلى أهل بيته وتبعه فان ذلك يفتت الأكباد ويفت في الأعضاد ويضرم في القلب نارا وارية الزناد فانا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ونحن نتبع الشيخ كمال الدين رحمه الله تعالى في اختصاره واقتفاء آثاره قال

    في مصرعه ومقتله عليه السلام

    قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله وهو فضل يسكب مضمونه المدامع من الأجفان وتجلب الفجائع لإثارة الأحزان ويلهب نيران الموجدة في أكباد ذوي الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من اجترائها وفتكها واعتدائها على الذرية النبوية لسفح دمائها وسفكها واستبائها مصونات نسائها وهتكها حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة وأشلاء جثثها على الثرى مسلوبة ومخدرات حراير سبايا منهوبة فكم كبيره من جريمة ارتكبوها واجترموها وكم من نفس معصومة أرهقوها واخترموها وكم من دماء محرمة أراقوها وما احترموها وكم من كبد حرى منعوها ورود الماء وحرموها ثم احتزوا رأس سبط رسول الله وحبه الحسين بشبا الحداد ورفعوه كما ترفع رؤس ذوي الإلحاد على رؤوس الصعاد واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد هذا مع علمهم بأنهم الذرية النبوية المسؤول لها المودة بصريح القرآن وصحيح الإسناد فلو نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها ولو اطلعت عليها مردة الكفار لبكتها وندبتها ولو حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لابنتها ونعتها ولو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لأعانتها ونصرتها فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين وأورثتها وبلية أحلت الكآبة بنفوس المؤمنين سلفا وخلفا فأحزنتها فوالهفاه لذرية نبوية ظل دمها وعترة محمدية قل مخذمها وعصبة علوية خذلت فقتل مقدمها وزمرة هاشمية استبيح حرمها واستحل محرمها وأنا الآن أفصل هذا الإجمال وأوضحه وأبين تفصيله وأشرحه وهو أن الحسين عليه السلام سار حتى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه انسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح فقال للحسين عليه السلام إن الأمير عبيد الله بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشئ من أمرك غير أنى قد أخذت بيعة القوم فقال الحسين عليه السلام إني لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله وقدمت على رسلهم يطلبونني وأنتم من أهل الكوفة فان دمتم على بيعتكم وقولكم في كتبكم دخلت مصركم وإلا انصرفت من حيث أتيت فقال له الحر والله ما أعلم هذه الكتب ولا الرسل وأنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا فخذ طريقا غير هذه وارجع فيه حيث شئت لأكتب إلى ابن زياد أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه وأنشدك الله في نفسك .

    فسلك الحسين طريقا آخر غير الجادة راجعا إلى الحجاز وسار هو وأصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين عليه السلام وإذا قد ظهر الحر وجيشه فقال الحسين ما وراك يا ابن يزيد فقال وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك وقد سير من هو معي وهو عين على ولا سبيل إلى مفارقتك أو أقدم بك عليه وطال الكلام بينهما ورحل الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه فنزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم .

    فقال عليه السلام هذه كربلاء موضع كرب وبلاء هذا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا فنزل القوم وحطوا الأثقال ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين عليه السلام ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين عليه السلام بأرض كربلاء .

    فكتب عبيد الله كتابا إلى الحسين عليه السلام يقول فيه أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب إلى يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام .

    فلما ورد الكتاب إلى الحسين عليه السلام وقرأه ألقاه من يده وقال للرسول ما له عندي جواب فرجع الرسول إلى ابن زياد فاشتد غضبه وجمع الناس وجهز العساكر وسير مقدمها عمر بن سعد وكان قد ولاه الري وأعمالها وكتب له بها فاستعفي من خروجه إلى قتال الحسين فقال له ابن زياد إما أن تخرج وإما أن تعيد علينا كتابنا بتوليتك الري وأعمالها وتقعد في بيتك فاختار ولاية الري وطلع إلى قتال الحسين بالعساكر .

    فما زال عبيد الله بن زياد يجهز مقدما ومعه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد اثنان وعشرون ألفا ما بين فارس وراجل وأول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطئ الفرات وحالوا بين الماء وبين الحسين وأصحابه .

    ثم كتب عبيد الله كتابا إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين عليه السلام فعندها ضيق الأمر عليهم فاشتد عليهم الأمر والعطش فقال انسان من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان زاهدا إئذن لي يا ابن رسول الله لآتي هذا ابن سعد فأكلمه في أمر الماء فعساه يرتدع فقال له ذلك إليك فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه فلم يسلم عليه قال يا أخا همدان ما منعك من السلام على ألست مسلما أعرف الله ورسوله فقال له الهمداني لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله صلى الله عليه وآله تريد قتلهم وبعد هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن علي وأخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وأنت تزعم أنك تعرف الله ورسوله فأطرق عمر بن سعد ثم قال والله يا أخا همدان انى لأعلم حرمة أذاهم ولكن

    دعاني عبيد الله من دون قومه * * إلى خطه فيها خرجت لحيني

    فوالله لا أدرى وإني لواقف * * على خطر لا أرتضيه ومين

    أأترك ملك الري والري رغبة * * أم أرجع مأثوما بقل حسين

    وفي قتله النار التي ليس دونها * * حجاب وملك الري قرة عين

    يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري فرجع يزيد ابن حصين فقال للحسين عليه السلام يا ابن رسول الله قد رضى أن يقتلك بولاية الري .

    قلت التوفيق عزيز المنال ومن حقت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللوام وعذل العذال ومن غلبته نفسه تورط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال وكما أعد الله لقوم الفوز والرضوان أعد للآخرين العقاب والنكال وهذا النحس ابن سعد أبعده الله عرف سوء فعله فأضله الله على علم وهو أقبح أنواع الضلال وطبع الله على قلبه وختم على لبه وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ورغب في العاجلة وهي إلى زوال وطمع في المال فخسر في المآل فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ولم يغن عنه رأيه في الري ولا نفعته الإمارة فخرج في طالع نحس وباع آخرته بثمن بخس وأصبح من سوء اختياره في أضيق من حبس فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجار واتخذ ابن زياد ربا فأورده النار وبئس القرار وباء في الدنيا بالعار وحشر في الآخرة مع مردة الكفار .

    صلى لها حيا وكان وقودها * * ميتا ويدخلها مع الفجار

    وكذاك أهل النار في دنياهم * * يوم القيامة جل أهل النار

    ويصدق هذا المدعى أن النبي صلى الله عليه وآله سمع وجبة أو هدة فقال أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال حجر ألقى في النار منذ سبعين خريفا فالآن حين استقر في قعرها وقد كان مات في تلك الساعة يهودي عمره سبعون سنة فكنى عنه بالحجر لعدم انتفاعه بما بلغه من الدعوة وكنى عن مدة حياته بهويه في النار لأن سعيه مدة حياته سعى أهل النار فكأنه فيها هاو وكنى عن موته باستقراره فيها وكذا حال هذا الشقي كان يسعى دائما سعى من هذا خاتمته وعاقبته وإلى العذاب الدائم مصيره النار غايته فتبا له محلا عن موارد الأبرار وبعدا له وسحقا في هذه الدار وتلك الدار فلقد أوغل في تمرده وبالغ في وخامة كسب يده وترك الحق وراء ظهره ودبر أذنه إذ لم ينظر في يومه لغده وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده وصدع قلب الرسول بما صنعه بولده وأبكى الأرض والسماء بجنايته وأحزن الملائكة الكرام والأنبياء عليهم السلام ببشاعة فعلته وقبح ملكته وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره وتنطق بردى أثره ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره كافلة له بالعذاب الأليم ضامنة له الخلود في نار الجحيم مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم طعامه فيها الزقوم والغسلين وشرابه الحميم مخصوصا بمقت الله رب العالمين قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين مصاحبا من شايعه وتابعه ورضى بفعله من الجنة والناس أجمعين هذا وهو مع فعله الذي أوبقه وشرهه الذي قيده بالخزي وأوثقه وصنيعه الذي أراق ماء وجهه وأخلقه يدعى أنه من أهل الإسلام ومن تابعي النبي عليه الصلاة والسلام وممن يرجو السلامة في دار السلام مع سفكه الدم الحرام في الشهر الحرام وإسخاطه الله والنبي والإمام وإقدامه على ما يحمد في مثله الاحجام .

    دم حرام للأخ المسلم في * * شهر حرام يا لنعم كيف حل

    نعوذ بالله من سوء الخاتمة .

    ومن العجب أن السيد والعاقب ومن كان معهم لما دعاهم النبي صلى الله عليه وآله إلى المباهلة وندبهم إلى المساجلة وجاء صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسن والحسين ضرع النجرانيون إلى الاستسلام وخاموا بعد الإقدام وأعطوا الجزية عن يد لما شاهدوا أولئك النفر الكرام وأذعنوا حين رأوا وجوها تجلوا جنح الظلام وقالوا لو دعى الله بهذه الوجوه لأزال الجبال وقال صلى الله عليه وآله لو باهلوني لتأجج الوادي عليهم نارا .

    وكما قال وهؤلاء المسلمون على ظنهم عرفوا هذا الخبر فبالغوا في طمس ذلك الأثر وما دلهم كما دل السيد والعاقب النظر وأقدموا مع العلم إقدام ذوي الغرر فوقعوا في هوة الخطر وما أصدق قولهم إذا نزل القضاء عمى البصر .

    قال كمال الدين فلما تيقن الحسين عليه السلام أن القوم مقاتلوه أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا لها جهة واحدة يكون القتال منها وركب عسكر ابن سعد وأحدقوا بالحسين عليه السلام وزحفوا وقتلوا ولم يزل يقتل من أهل الحسين وأصحابه واحدا بعد واحد إلى أن قتل من أهله وأصحابه ما ينيف على خمسين رجلا .

    فعند ذلك ضرب الحسين بيده على لحيته وصاح أ ما مغيث يغيثنا لوجه الله أ ما ذاب يذب عن حرم رسول الله وإذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل بفرسه إليه وقال يا ابن رسول الله إني كنت أول من خرج عليك وأنا الآن في حزبك فمرني أن أكون أول مقتول في نصرتك لعلى أنال شفاعة جدك غدا ثم كر على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل والتحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين عليه السلام بأسرهم وولده وأخوته وبنو عمه وبقى وحده وبارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات والسهام تأخذه من كل جانب والشمر لعنه الله في قبيلة عظيمة يقاتله ثم حال بينه عليه السلام وبين رحله وحرمه فصاح الحسين عليه السلام ويحكم يا شيعة الشيطان إن لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد فكونوا أحرارا وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهاءكم وجهالكم عن التعرض لحرمي فان النساء لم يقاتلنكم فقال الشمر لأصحابه كفوا عن النساء وحرم الرجل واقصدوه في نفسه ثم صاح الشمر لعنه الله بأصحابه وقال ويلكم ما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته الجراح وتوالت عليه السهام والرماح فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد وقال لأصحابه أنزلوا فجزوا رأسه فنزل إليه نضر بن خرشنة الصبابي ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام فغضب عمر بن سعد وقال لرجل عن يمينه ويلك انزل إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي ابن يزيد لعنه الله فاجتز رأسه وسلبوه ودخلوا على حرمه واستلبوا بزتهن .

    ثم إن عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك فلما وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد قال إملأ ركابي فضة وذهبا * * أنا قتلت الملك المحجبا

    ومن يصلى القبلتين في الصبى * * وخيرهم إذ يذكرون النسبا

    قتلت خير الناس أما وأبا

    فغضب عبيد الله من قوله ثم قال له إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته والله لا نلت منى خيرا ولألحقنك به ثم قدمه وضرب عنقه .

    قلت صدق الله وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وعلى هذا مضى من شايع على الحسين عليه السلام أما بيد أعداء الله أو بيد أوليائه فما منهم من فاز بحمد الله بمراد ولا أمل ولا انتفع بقول ولا عمل بل مزقوا كل ممزق وفرقوا كل مفرق واستولى عليهم الحمام وعوجلوا بالعقاب والانتقام وأبيدوا بالاستيصال والاصطلام وباءوا بعاجل عذاب الدنيا وعلى الله التمام .

    قال ثم إن القوم استاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون ويبكون وينوحون وكان علي بن الحسين زين العابدين قد نهكه المرض فجعل يقول ألا إن هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا وكان اليوم الذي قتل فيه عليه السلام قيل الجمعة وهو يوم عاشورا من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة ودفن بالطف من كربلاء من العراق ومشهده عليه السلام معروف يزار من الجهات والآفاق .

    وهذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح فهي مضافة إليه وعهدتها لمن أراد تتبعها عند مطالعتها عليه فهذا تلخيص ما نقلته الأذهان والعقول مما أهداه إليها المروى والمنقول وقد ألبس القلوب ثوب حداد ما لصبغته نصول وعلى الجملة فأقول

    ألا أيها العادون ان أمامكم * * مقام سؤال والرسول سؤول

    وموقف حكم والخصوم محمد * * وفاطمة الزهراء وهي ثكول

    وان عليا في الخصام مؤيد * * له الحق فيما يدعى ويقول

    فما ذا تردون الجواب عليهم * * وليس إلى ترك الجواب سبيل

    وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم * * ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

    ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع * * سوى خصمكم والشرح فيه يطول

    ومن كان في الحشر الرسول خصيمه * * فان له نار الجحيم مقيل

    وكان عليكم واجبا في اعتمادكم * * رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

    فإنهم آل النبي وأهله * * ونهج هداهم بالنجاة كفيل

    مناقبهم بين الورى مستنيرة * * لها غرر مجلوة وحجول

    مناقب جلت أن يحاط بحصرها * * نمتها فروع قد زكت وأصول

    مناقب وحى الله أثبتها لهم * * بما قام منهم شاهد ودليل

    مناقب من خلق النبي وخلقه * * ظهرن فما يغتالهن أفول

    ولما وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام أبدت الأيام من إلمام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام ولم ير حزم نظام الكلام دون موقف الاختتام فاختصر مضمون الأبواب واقتصر منه على اللباب وقصر من إطناب الاطناب وقصر أسباب الاسهاب فجاء محصول فصوله ملخصا في معانيه ومدلول أصوله مخلصا من تطويل مبانيه اقتصارا يستغنى بمحصله عن النهاية فيه وإرشادا يكتفى بمختصره عن بسيطه وحاويه انتهى كلامه رحمه الله وقد كنى في هذا الفصل الأخير عن أسماء كتب وحيل بها .

    قلت فأما تفاصيل ما جرى للحسين عليه السلام وصورة ما جرى بينه وبين أعداء الله ورسوله ومحاربتهم إياه وقتلهم من قتلوه من أولاده وأخوته وبنى أخيه وبنى عمه وأصحابه وصورة موقفه عليه السلام وما ظهر من نجدته وشجاعته وبأسه وبسالته وانقياده إلى أمر الله وشدته على أعداء الله وصبره على ما دفع إليه من فقد الأهل والولد وقلة الناصر والعدد وإزهاق نفسه الشريفة فلها موضع غير هذا الكتاب فإنه موضوع لذكر مآثرهم وعد مفاخرهم وان كان قتله عليه السلام مما اكتسب به فخرا مضافا إلى فخره وحوى به قدرا زايدا على شريف قدره فإنه نال بذلك مرتبة الشهادة واختص بما بلغ به غاية الطلب ومنتهى الإرادة وحصل له بذلك ما لا يحصل بدوام الذكر وطول العبادة وكان في الحياة سعيدا وكملت له في الممات السعادة وأوجب الله له بسابق وعده الحسنى وزيادة وأذكر الآن شيئا مما يتعلق باخباره وأنت أيدك الله لا تسأم من إعادة الشئ وتكراره فإني أكرر مرة لاختلاف الناقل ومرة لاختلاف الرواة وفي كثرة طرق الاخبار ما يؤنس بتصديقها ويقطع بتحقيقها لا سيما وقد التزمت بالنقل من كتب الجمهور ومرة لأنه يعرض لي سهو وأكتب الشئ وأنا أظن انى لم أكتبه وربما عرفت فذكرت انه مكرر وربما لم أعرف ولأن هذه هي نسخة الأصل وما عاودتها ولا راجعتها ووقتي يضيق عن مناقشتها لأني منيت في زمان جمع هذا الكتاب بأمور تشيب الوليد وتذيب الحديد وتعجز الجليد ونهبت لي كتب كنت قد أعددتها لأنقل منها في هذا الكتاب والوقت يضيق عن الشكوى والرجوع إلى عالم السر والنجوى والحمد لله على ما ساء وسر والشكر له سبحانه على ما نفع وضر فأنعمه تعالى لا تعد وعوارفه لا تحصى ولا تحد .

    له أياد على سابقة * * أعد منها ولا أعددها

    قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة الطاهرة الحسين ابن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشورا سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر وحمل رأسه إلى يزيد بن معاوية وكان قبره بكربلاء من سواد الكوفة وقتله سنان بن أنس قال الشاعر

    وأي رزية عدلت حسينا * * غداة تبيره كفا سنان

    ويقال قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي والذي اجتز رأسه ابن جوان اليمامي وكان أمير الجيش الذين ساروا إلى الحسين عمر بن سعد أمره عليهم عبيد الله بن زياد .

    وقال يرفعه إلى أشياخ قالوا غزونا أرض الروم فإذا كتاب في كنيسة من كنائسهم بالعربية

    أترجو أمة قتلت حسينا * * شفاعة جده يوم المعاد

    فقلنا للروم من كتب هذا قالوا لا ندري .

    قال ابن سعد قال الواقدي قتل الحسين بن علي في صفر سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة .

    وقال محمد بن عمر عن أبي معشر قتل الحسين بن علي لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين قال الواقدي وهذا أثبت وعن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي عليه السلام هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم هاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى الله عليه وآله يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض وعن عبد الله بن مسعود قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نرى في وجهك الشئ نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا وعن العوام بن حوشب قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم مصقولة ثم رؤى في وجهه كآبة حتى عرفوا ذلك فقالوا يا رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد وعن عاصم عن زر قال أول رأس حمل على رمح في الإسلام رأس الحسين ابن علي عليهما السلام فلم أر باكيا وباكية أكثر من ذلك اليوم وعن يحيى بن أبي بكر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي عليهما السلام حين أتاه الناس قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس أنسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمى وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وابن ابن عمه وابن أولى المؤمنين بالله أو ليس حمزة سيد الشهداء عمى أو لم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وآله مستفيضا فيكم لي ولأخي إنا سيدا شباب أهل الجنة أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمى وانتهاك حرمتي قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال أن فيكم من لو سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي أخي سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنه سمع هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله في وفي أخي فان كنتم تشكون في ذلك أتشكون في أنى ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله فوالله ما تعمدت الكذب منذ عرفت أن الله يمقت على الكذب أهله ويضربه من اختلقه فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم إني أنا ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله خاصة دون غيري خبروني هل تطلبونني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة فسكتوا قلت قد تقدم ان هذا الكلام منه وتكراره إياه إنما هو لإقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم في قتاله وتعريفهم ما يقدمون عليه من عذاب الله ونكاله وعن منذر قال كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي قتل الحسين عليه السلام قال لقد قتلوا سبعة عشر انسانا كلهم ارتكض في ولادة فاطمة عليها السلام وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم أشعث أغبر معه قارورتان فيهما دم فقلت يا رسول الله ما هذا فقال دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم قال فحسب ذلك اليوم وإذا هو يوم قتل الحسين عليه السلام وقال غيره فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة انه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة.

    وعن الزهري قال قال لي عبد الملك بن مروان أي واحد أنت ان أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي قال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال عبد الملك إني وإياك في هذا الحديث لقريبان .

    وعن عيسى بن الحارث الكندي قال لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضا .

    قال وسمعت زكريا بن يحيى بن عمر الطائني قال سمعت غير واحد من مشيخة طي يقول وجد شمر بن ذي الجوشن في ثقل الحسين ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته ودفعته إلى صائغ يصوغ لها منه حليا فلما أدخله النار صار هباءا قال وسمعت غير زكريا يقول صار نحاسا فأخبرت شمرا بذلك فدعا بالصائغ فدفع إليه باقي الذهب وقال أدخله النار بحضرتي ففعل الصائغ فعاد الذهب هباءا وقال غيره عاد نحاسا .

    وعن أبي خباب قال لقيت رجلا من طي فقلت له بلغني انكم تسمعون نوح الجن على الحسين فقال نعم ما تشاء أن تلقى محرزا ولا غيره ألا أخبرك بذلك فقال أنا أحب أن تخبرني أنت بما سمعت من ذلك قال أما الذي سمعت فإني سمعتهم يقولون

    مسح الرسول جبينه * * فله بريق في الحدود

    أبواه من عليا قريش * * وجده خير الجدود

    وعن أبي حصين عن شيخ من قومه من بنى أسد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام والناس يعرضون عليه وبين يديه طست فيه دم والناس يعرضون عليه فيلطخهم حتى انتهيت إليه فقلت بأبي والله وأمي ما رميت بسهم ولا طعنت برمح ولا كثرت فقال لي كذبت قد هويت قتل الحسين قال فأومى إلى بإصبعه فأصبحت أعمى فما يسرني أن لي بعماي حمر النعم وعن عامر بن سعيد البجلي قال لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام رأيت النبي صلى الله عليه وآله في المنام فقال لي أئت البراء بن عازب فاقرأه السلام وأخبره أن قتله الحسين عليه السلام في النار وان كاد والله أن يسحت أهل الأرض بعذاب أليم فأتيت البراء فأخبرته فقال صدق الله وصدق رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتصور في صورتي.

    وعن زينب بنت جحش قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه فدخل فتبعته فوجدته على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله قد وضع . . . ؟ ؟ في سرته فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبول فقال دعى بنى حتى يفرغ من بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال يجرى على بول الغلام ويغسل بول الجارية ثم توضأ وقام يصلى فلما قام احتضنه فإذا ركع وضعه ثم جلس فبسط ثوبه وجعل يقول أرني فقلت يا رسول الله إنك تصنع شيئا ما رأيتك تصنعه قط قال حدثني جبرئيل ان ابني تقتله أمتي وأراني تربة حمراء وعن يحيى بن عبد الرحمان بن أبي لبينة عن جده محمد بن عبد الرحمان قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت عايشة رضي الله عنها رقدة القائلة إذ استيقظ وهو يبكى فقالت عايشة ما يبكيك يا رسول بأبي أنت وأمي قال يبكيني أن جبرئيل أتاني فقال أبسط يدك يا محمد فان هذه تربة من تلال يقتل بها ابنك الحسين يقتله رجل من أمتك قالت عايشة ورسول الله صلى الله عليه وآله يحدثني وأنه ليبكي ويقول من ذا من أمتي من ذا من أمتي من ذا من أمتي من يقتل حسينا من بعدي.

    وعن عبد الله بن يحيى عن أبيه وكان على مطهرة على قال خرجنا مع علي إلى صفين فلما حاذانا نينوى نادى صبرا أبا عبد الله بشاطئ الفرات فقلت يا أمير المؤمنين ما قولك صبرا أبا عبد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعا أغضبك أحد قال بل قام من عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم تملك عيناي أن فاضتا وعن شهر قال سمعت أم سلمة حين جاء نعى الحسين لعنت أهل العراق وقالت قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جاءته فاطمة غدية ببرمة فيها عصيدة تحملها على طبق حتى وضعتها بين يديه فقال أين ابن عمك قالت هو في البيت قال فاذهبي فادعيه وأتيني ببنيه فجاءت تقود ابنيها كل واحد بيد وعلى يمشى على آثارهم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأجلسهما في حجره وأجلس عليا عن يمينه وفاطمة عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساءا خيبريا كان يبسط على المنامة فلفهم رسول الله صلى الله عليه وآله جميعا وأخذ بيده اليسرى طرف الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه تبارك وتعالى وقال اللهم هؤلاء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاثا قلت يا رسول الله ألست من أهلك قال بلى فادخلي تحت الكساء بعد قضاء دعائه لابن عمه وبنيه وابنته فاطمة عليهم السلام وقال عبد الله حدثنا محمد بن عمرو الشيباني قال قال الفضل بن عباس ابن عقبة بن أبي لهب يرثى من قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام يعنى من أهله وكان قبل الحسين والعباس وعمر ومحمد وعبد الله وجعفر بنو علي بن أبي طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي وعلى وعبد الله ابنا الحسن بن علي ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم ابن عقيل بن أبي طالب وعبد الله وعبد الرحمان وجعفر بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم

    أعيني ألا تبكيا لمصيبتي * * وكل عيون الناس عنى أصبر

    أعيني جودي من دموع غزيرة * * فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

    أعيني هذا الأكرمين تتابعوا * * وصلوا المنايا دارعون وحسر

    من الأكرمين البيض من آل هاشم * * لهم سلف من واضع المجد يذكر

    مصابيح أمثال الأهلة إذ هم * * لدى الجود أو دفع الكريهة أبصر

    بهم فجعتنا والفواجع كاسمها * * تميم وبكر والسكون وحمير

    وهمدان قد جاشت علينا وأجلبت * * هوازن في افناء قيس وأعصر

    وفي كل حي نضحة من دمائنا * * بنى هاشم يعلو سناها ويشهر

    فلله محيانا وكان مماتنا * * ولله قتلانا تدان وتنشر

    لكل دم مولى ومولى دمائنا * * بمرتقب يعلو عليكم ويظهر

    فسوف يرى أعداءنا حين نلتقي * * لأي الفريقين النبي المطهر

    عن يزيد بن أبي زياد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيت عائشة رضي الله عنها فمر على بيت فاطمة عليها السلام فسمع حسينا يبكى فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.

    وقال البغوي يرفعه إلى أم سلمة قال كان جبرئيل عند النبي صلى الله عليه وآله والحسين معي فتركته فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال جبرئيل أتحبه يا محمد ؟

    قال نعم قال أما ان أمتك ستقتله وان شئت أريتك تربة الأرض التي يقتل بها فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء وقال البغوي يرفعه إلى يعلى قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى فقال هذان ريحانتان من الدنيا من أحبني فليحبهما ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة .

    عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حامل الحسين بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد ان رسول الله صلى الله عليه وآله أتاها يوما فقال أين ابناي يعنى حسنا وحسينا قالت قلت أصبحنا وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق فقال على اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شئ فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي أ لا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما قال فقال على أصبحنا وليس في بيتنا شئ فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة تمرات فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شئ من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل فحمل رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما وحمل على الآخر حتى أقبلهما وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الحسين عليه السلام وضمه إليه وجعل يشمه وعنده رجل من الأنصار فقال الأنصاري ان لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيت ان كان الله تبارك وتعالى نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي ؟

    وعن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طعام دعوا له قال فاشتمل رسول الله صلى الله عليه وآله إمام القوم وحسين عليه السلام مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأخذه فطفق الصبى يفر ههنا مرة وههنا مرة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يضاحكه حتى أخذه قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه وقبله وقال حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط وعن أبي هريرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه حسن وحسين عليهما السلام هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله انك لتحبهما فقال من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.

    قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله ومن مسند الحسين بن علي عليهما السلام عن علي بن الحسين عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال كذا ما لك نعم وعن علي بن الحسين عن أبيه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه.

    وعن عمارة بن غزية الأنصاري قال سمعت عبد الله بن علي بن حسين يحدث عن أبيه علي بن الحسين عن جده حسين بن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان البخيل من ذكرت عنده فلم يصل على صلى الله عليه وآله وعن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده قال قال وجدت في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة مربوطة فيها أشد الناس عذابا القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عز وجل أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد وأبو الحسن علي بن أبو شتكين ابن عبد الله الفقيه الجوهري قالا أنبأنا أبو الغنايم محمد بن علي بن ميمون الحافظ الكوفي أنبأنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمان وعدهن في يده خمسا أنبأنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي وعدهن في يده خمسا أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم ببغداد سنة ثلاثين وثلاثمائة قال حدثني علي بن الحسن السواق وعدهن في يده قال حدثني حرب بن الحسن الطحان وعدهن في يده قال حدثنا يحيى بن مساور وعدهن في يده قال حدثني عمرو بن خالد وعدهن في يده قال حدثني زيد بن علي وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن الحسين وعدهن في يده قال حدثني أبي الحسين بن علي عليه السلام وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن أبي طالب وعدهن في يده قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وعدهن في يده قال حدثني جبرئيل وعدهن في يده فقال جبرئيل هكذا أنزلت به من رب العزة تبارك وتعالى اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوحى الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وآله انى قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.

    وعن راشد بن أبي روح الأنصاري قال كان من دعاء الحسين بن علي عليهما السلام اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة منى في دنياي اللهم ارزقني بصرا في أمر الآخرة حتى اطلب الحسنات شوقا وأفر من السيئات خوفا يا رب هذا آخر كلام الحافظ عبد العزيز رحمه الله هنا

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • شعر الإمام الحسين عليه السلام

     

    فأما شعره عليه السلام فقد ذكر الرواة له شعرا ووقع إلى شعره عليه السلام بخط الشيخ عبد الله أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي رحمة الله عليه وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبى عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام إنما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمان ابن نخبة الخزاعي وكان عارفا بأمر أهل البيت عليهم السلام ومنهم المسيب ابن رافع المخزومي وغيره رجال كثير ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع هذه الأبيات فقلت له أكتبنيها فقال لي ما أحسن رداءك هذا وكنت قد اشتريته يومى ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فأكتبنيها وهي قال أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي عليه السلام

    ذهب الذين أحبهم * * وبقيت فيمن لا أحبه

    فيمن أراه يسبني * * ظهر المغيب ولا أسبه

    يبغي فسادي ما استطاع * * وأمره مما أدبه

    حنقا يدب إلى الضراء * * وذاك مما لا أدبه

    ويرى ذباب الشر من * * حولي يطن ولا يذبه

    وإذا جنا وغر الصدور * * فلا يزال به يشبه

    أفلا يعيج بعقله * * أفلا يتوب إليه لبه

    أفلا يرى أن فعله * * مما يسور إليه غبه

    حسبي بربي كافيا * * ما أختشي والبغي حسبه

    ولقل من يبغي عليه * * فما كفاه الله ربه

    وقال عليه السلام

    إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق * * ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق

    فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق * * لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى

    وقال عليه السلام

    الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره * * وبأنه لم يكتسبه بغيره وبميره

    لو أنصف النفس الخؤون لقصرت من سيره * * ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره

    كذا بخط ابن الخشاب شره بالإضافة وأظنه وهما منه لأنه لا معنى له على الإضافة والمعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الإنصاف شره على المفعولية من خيره أي صار ذا خير

    وقال عليه السلام

    إذا استنصر المرء امرءا لا يدا له * فناصره والخاذلون سواء

    أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * * وليس على الحق المبين طخاء

    أليس رسول الله جدي ووالدي * * أنا البدر إن خلا النجوم خفاء

    ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا * * صباحا ومن بعد الصباح مساء

    ينازعني والله بيني وبينه * * يزيد وليس الأمر حيث يشاء

    فيا نصحاء الله أنتم ولاته * * وأنتم على أديانه أمناء

    بأي كتاب أم بأية سنة * * تناولها عن أهلها البعداء

    وهي طويلة

    قال أبو مخنف كان مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليهما يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن عليه السلام مع معاوية ويقول لو حز أنفى بموسى لكان أحب إلى مما فعله أخي وقال عليه السلام

    فما ساءني شئ كما ساءني أخي * * ولم أرض لله الذي كان صانعا

    ولكن إذا ما الله أمضى قضاءه * * فلا بد يوما أن ترى الأمر واقعا

    ولو أنني شوورت فيه لما رأوا * * قريبهم إلا عن الأمر شاسعا

    ولم أك أرضى بالذي قد رضوا به * * ولو جمعت كل إلى المجامعا

    ولو حز أنفى قبل ذلك حزة * * بموسى لما ألقيت للصلح تابعا

    قلت إن صح أن هذه الأبيات من شعره عليه السلام فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله ومقتضى زمانه وكلاهما عليهما السلام مصيبان فيما اعتمدا وهما إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق عليهما السلام مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال .

    وقال وإن تكن الدنيا تعد نفيسة وقد تقدم ذكرها .

    وقال الموت خير من ركوب العار وقد سبقت .

    وقال عليه السلام

    أنا الحسين بن علي بن أبي * * طالب البدر بأرض العرب

    ألم تروا وتعلموا أن أبى * * قاتل عمرو ومبير مرحب

    ولم يزل قبل كشوف الكرب * * مجليا ذلك عن وجه النبي

    أليس من أعجب عجب العجب * * أن يطلب إلا بعد ميراث النبي

    والله قد أوصى بحفظ الأقرب

    وقال عليه السلام

    ما يحفظ الله يصن * * ما يصنع الله يهن

    من يسعد الله يلن * * له الزمان ان خشن

    أخي اعتبر لا تغترر * * كيف ترى صرف الزمن

    يجزى بما أوتى من * * فعل قبيح أو حسن

    أفلح عبد كشف * * الغطاء عنه ففطن

    وقر عينا من رأى * * أن البلاء في اللسن

    فماز من ألفاظه * * في كل وقت ووزن

    وخاف من لسانه * * عزبا حديدا فحزن

    ومن يك معتصما * * بالله ذي العرش فلن

    يضره شئ ومن * * يعدى على الله ومن

    من يأمن الله يخف * * وخائف الله أمن

    وما لما يثمره ال‍ * * خوف من الله ثمن

    يا عالم السر كما * * يعلم حقا ما علن

    صل على جدي أبى * * القاسم ذي النور المبن

    أكرم من حي ومن * * لفف ميتا في الكفن

    وامنن علينا بالرضا * * فأنت أهل للمنن

    وأعفنا في ديننا * * من كل خسر وغبن

    ما خاب من خاب كمن * * يوما إلى الدنيا ركن

    طوبى لعبد كشفت * * عنه غيابات الوسن

    والموعد الله وما * * يقض به الله مكن

    وهي طويلة وقال عليه السلام

    أبى على وجدي خاتم الرسل * * والمرتضون لدين الله من قبلي

    والله يعلم والقرآن ينطقه * * ان الذي بيدي من ليس يملك لي

    ما يرتجى بامرئ لا قائل عذلا * * ولا يزيغ إلى قول ولا عمل

    ولا يرى خائفا في سره وجلا * * ولا يحاذر من هفو ولا زلل

    يا ويح نفسي ممن ليس يرحمها * * أما له في كتاب الله من مثل

    أما له في حديث الناس معتبر * * من العمالقة العادية الأول

    يا أيها الرجل المغبون شيمته * * إني ورثت رسول الله عن رسل

    أأنت أولى به من آله فبما * * ترى اعتللت وما في الدين من علل

    وفيها أبيات أخر

    يا نكبات الدهر دولي دولي * * واقصري إن شئت أو أطيلي

    منها

    رميتني رمية لا مقيل * * بكل خطب فادح جليل

    وكل عب ء أيد ثقيل * * أول ما رزئت بالرسول

    وبعد بالطاهرة البتول * * والوالد البر بنا الوصول

    وبالشقيق الحسن الجليل * * والبيت ذي التأويل والتنزيل

    وزورنا المعروف من جبريل * * فما له في الرزء من عديل

    ما لك عنى اليوم من عدول * * وحسبي الرحمان من منيل

    قال تم شعر مولانا الشهيد أبى عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وهو عزيز الوجود .

    قلت والأبيات النونية التي أولها

    غدر القوم وقدما رغبوا * * عن ثواب الله رب الثقلين

    لم يذكرها أبو مخنف في هذا الديوان الذي جمعه وهي مشهورة والله أعلم

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة / الشيخ علي الأربلي

  • في كرم الامام الحسين وجوده عليه السلام

     

    قال كمال الدين رحمه الله تعالى قد تقدم في الفصل المعقود لذكر كرم أخيه الحسن عليهما السلام قصة المرأة التي ذبحت الشاة وما وصلها به لما جاءته بعد أخيه الحسن عليهما السلام وأنه أعطاها ألف دينار واشترى لها ألف شاة وقد اشتهر النقل عنه عليه السلام أنه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري ويشبع الجائع ويعطى الغارم ويشد من الضعيف ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل أن وصله مال إلا فرقه .

    وروى أن معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوات وافية فرد الجميع عليه ولم يقبل منه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم وقد كان في العبادة مقتديا بمن تقدم حتى نقل عنه عليه السلام أنه حج خمسا وعشرين حجة إلى الحرم وجنائبه تقاد معه وهو ماش على القدم آخر كلامه ره .

    قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه اعلم أيدك الله بتوفيقه وهداك إلى سبيله وطريقه إن الكرم كلمة جامعة لأخلاق محمودة تقول كريم الأصل كريم النفس كريم البيت كريم المنصب إلى غير ذلك من صفات الشرف ويقابله اللوم فإنه جامع لمساوئ الأخلاق تقول لئيم الأصل والنفس والبيت وغيرها .

    فإذا عرفت هذا فاعلم أن الكرم الذي الجود من أنواعه كامل في هؤلاء القوم ثابت لهم محقق فيهم متعين لهم ولا يعدوهم ولا يفارق أفعالهم وأقوالهم بل هو لهم على الحقيقة وفي غيرهم كالمجاز ولهذا لم ينسب الشح إلى أحد من بنى هاشم ولا نقل عنهم لأنهم يجارون الغيوث سماحة ويبارون الليوث حماسة ويعدلون الجبال حلما ورجاحة فهم البحور الزاخرة والسحب الهامية الهامرة .

    فما كان من خير أتوه فإنما * * توارثه آباء آبائهم قبل

    وهل ينبت الخطى إلا وشيجه * * وتغرس إلا في منابتها النخل

    ولهذا قال علي عليه السلام وقد سئل عن بنى هاشم وبنى أمية فقال نحن أمجد وأنجد وأجود وهم أغدر وأمكر وأنكر ولقد صدق صلى الله عليه وآله فان الذي ظهر من القبيلتين في طول الوقت دال على ما قاله عليه السلام .

    ولا ريب أن الأخلاق تظهر على طول الأيام وهذه الأخلاق الكريمة اتخذوها شريعة وجعلوها إلى بلوغ غايات الشرف ذريعة لشرف فروعهم وأصولهم وثبات عقولهم لأنهم لا يشينون مجدهم بما يصمه ولا يشوهون وجوه سيادتهم بما يخلقها ولأنهم مقتدى الأمة ورؤوس هذه الملة وسروات الناس وسادات العرب وخلاصة بني آدم وملوك الدنيا والهداة إلى الآخرة وحجة الله على عباده وأمناؤه على بلاده فلا بد أن تكون علامات الخير فيهم ظاهرة وسمات الجلال بادية باهرة وأمثال الكرم العام سايرة وان كل متصف بالجود من بعدهم بهم اقتدى وعلى منوالهم نسج وبهم اهتدى .

    وكيف لا يجود بالمال من يجود بنفسه النفيسة في مواطن النزال وكيف لا يسمح بالعاجل من همه في الآجل ولا ريب عند العقلاء أن من جاد بنفسه في القتال فهو بالمال أجود ومن زهد في الحياة المحبوبة فهو في الحطام الفاني أزهد وقد عرفت زهدهم فاعرف به وفدهم فان الزاهد من زهد في حطامها وخاف من آثامها ورغب عن حلالها وحرامها ولعلك سمعت بما أتى في هل أتى من إيثارهم على أنفسهم أليسوا الذين أطعموا الطعام على حبه ورغب كل واحد منهم في الطوى لإرضاء ربه وعرضوا تلك الأنفس الكريمة لمرارة الجوع وأسهروا تلك العيون الشريفة من الخوى فلم تذق حلاوة الهجوع وجعلوها لما وجدوه من الرقة على المسكين واليتيم والأسير غرقى من الدموع وتكرر عليهم ألم فقد الغذاء غدوا وبكورا وأضرم السغب في قلوب أهل الجنة سعيرا وآمنوا حين قالوا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وشكرهم من أنعموا عليه فقالوا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا .

    والحسين عليه السلام وان كان فرعا للنبي صلى الله عليه وآله وعلى وفاطمة عليهم السلام فهو أصل لولده من بعده وكلهم أجواد كرام .

    كرموا وجاد قبيلهم من قبلهم * * وبنوهم من بعدهم كرماء

    فالناس ارض في السماحة والندى * * وهم إذا عد الكرام سماء

    لو أنصفوا كانوا لآدم وحدهم * * وتفردت بولادهم حواء

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وقد جاءته أم هاني يوم الفتح تشكو أخاها عليا عليه السلام لله در أبى طالب لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا وكان علي عليه السلام يقول في بعض حروبه أملكوا عنى هذين الغلامين فإني أنفس بهما عن القتل لئلا ينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله .

    وقيل لمحمد بن الحنفية رحمة الله عليه أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين عليهما السلام فقال هما عيناه وأنا يده والإنسان يقي عينيه بيده .

    وقال مرة أخرى وقد قيل له ذلك أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله .

    والحماسة والسماحة رضيعتا لبان وقد تلازما في الجود فهما توأمان فالجواد شجاع والشجاع جواد وهذه قاعدة كلية لا تنخرم ولو خرج منها بعض الآحاد ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف والتلاد وقد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد

    وإذا رأيت أبا يزيد في ندى * * ووغى ومبدى غارة ومعيدا

    أيقنت أن من السماح شجاعة * * تدنى وأن من الشجاعة جودا

    وقال أبو الطيب

    قالوا ألم تكفه سماحته حتى * * بنى بيته على الطرق

    فقلت ان الفتى شجاعته * * تريه في الشح صورة الفرق

    كن لجة أيها السماح فقد * * آمنه سيفه من الغرق

    ولهذا قال القائل

    يجود بالنفس ان ضن الجواد بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود

    وقيل الكريم شجاع القلب والبخيل شجاع الوجه ولما وصفهم معاوية وصف بنى هاشم بالسخاء وآل الزبير بالشجاعة وبنى مخزوم بالتيه وبنى أمية بالحلم فبلغ ذلك الحسن بن علي عليهما السلام فقال قاتله الله أراد أن يجود بنو هاشم بما في أيديهم فيحتاجوا إليه وأن يشجع آل الزبير فيقتلون وأن يتيه المخزوميون فيمقتوا وان تحلم بنو أمية فيحبهم الناس .

    وقد تقدم هذا الكلام آنفا بألفاظ وهي المروية ولعمري لقد صدق في بعض مقاله وإن كان الصدق بعيدا من أمثاله ولكن الكذوب قد يصدق فان السماحة في بنى هاشم كما قال والشجاعة والحلم فيهم في كل الأحوال والناس في ذلك تبع لهم فهم عليهم كالعيال فقد حازوا قصبات السبق لما جمعوه من شرف الخلال فإذا تفرقت في الناس خصال الخير اجتمعت فيهم تلك الخصال وهذا القول هو الحق وما بعد الحق إلا الضلال .

    فإذا عرفت حقيقة هذا التقرير فاحكم لهم بالصفات المحمودة على كل تقدير فان أضدادها من الصفات المذمومة رجس وقد طهرهم الله من الرجس تطهيرا واختارهم من تربته واصطفاهم من عباده وكان الله سميعا بصيرا.

    في ذكر شئ من كلامه عليه السلام

    قال كمال الدين رحمه الله تعالى كانت الفصاحة لديه خاضعة والبلاغة لأمره متبعة سامعة طائعة وقد تقدم آنفا من نثره في الفصل السادس في ذلك المقام الذي لا تفوه فيه الأفواه من الفرق ولا تنطق الألسنة من الوجل والقلق ما فيه حجة بالغة على أنه في ذلك الوقت أفصح من نطق وأما نظمه فيعد من الكلام جوهر عقد منظوم و مشهر برد مرقوم .

    فمنه قطعة نقلها صاحب كتاب الفتوح وأنه عليه السلام لما أحاط به جموع ابن زياد وقتلوا من قتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء كان له عليه السلام ولد صغير فجاءه سهم منهم فقتله فزمله الحسين عليه السلام وحفر له بسيفه وصلى عليه ودفنه وقال

    غدر القوم وقدما رغبوا * * عن ثواب الله رب الثقلين

    قتلوا قدما عليا وابنه * * حسن الخير كريم الطرفين

    حسدا منهم وقالوا اجمعوا * * نقبل الآن جميعا بالحسين

    يا لقوم لأناس رذل * * جمعوا الجمع لأهل الحرمين

    ثم ساروا وتواصوا كلهم * * لاجتياحي للرضا بالملحدين

    لم يخافوا الله في سفك دمى * * لعبيد الله نسل الفاجرين

    وابن سعد قد رماني عنوة * * بجنود كوكوف الهاطلين

    لا لشئ كان منى قبل ذا * * غير فخري بضياء الفرقدين

    بعلي خير من بعد النبي * * والنبي القرشي الوالدين

    خيرة الله من الخلق أبى * * ثم أمي فأنا ابن الخيرتين

    فضة قد صفيت من ذهب * * وأنا الفضة وابن الذهبين

    من له جد كجدي في الورى * * أو كشيخي فأنا ابن القمرين

    فاطم الزهراء أمي وأبى * * قاصم الكفر ببدر وحنين

    وله في يوم أحد وقعة * * شفت الغل بفض العسكرين

    ثم بالأحزاب والفتح معا * * كان فيها حتف أهل القبلتين

    في سبيل الله ماذا صنعت * * أمة السوء معا في العترتين

    عترة البر النبي المصطفى * * وعلى الورد بين الجحفلين

    وقال وقد التقاه وهو متوجه إلى الكوفة الفرزدق ابن غالب الشاعر وقال له يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فترحم على مسلم وقال صار إلى روح الله ورضوانه أما أنه قضى ما عليه وبقى ما علينا وأنشده

    وإن تكن الدنيا تعد نفيسة * * فدار ثواب الله أعلى وأنبل

    وإن تكن الأبدان للموت أنشئت * * فقتل امرئ والله بالسيف أفضل

    وأن تكن الأرزاق قسما مقدرا * * فقلة حرص المرء في الكسب أجمل

    وإن تكن الأموال للترك جمعها * * فما بال متروك به المرء يبخل

    هذا آخر كلام كمال الدين بن طلحة رحمه الله في هذا الفصل .

    أقول إنهم ع رجال الفصاحة وفرسانها وحماة البلاغة وشجعانها عليهم تهدلت أغصانها ومنهم تشعبت أفنانها ولهم انقادت معانيها وهم معانها ولرياضتهم أطاع عاصيها وأصحب جرانها إذا قالوا بذوا الفصحاء وإذا ارتجلوا سبقوا البلغاء وإذا نطقوا أذعن كل قائل وأقر لهم كل حاف وناعل

    تركت والحسن تأخذه * * تنتقي منه وتنتحب

    فاصطفت منه محاسنه * * واستزادت فضل ما تهب

    بألفاظ تجاري الهواء رقة والصخر متانة وحلم يوازى السماء ارتفاعا والجبال رزانة أذعنت لهم الحكم وأجابت نداءهم الكلم وأطاعهم السيف والقلم وصابوا وأصابوا فما صوب الديم ورثوا البيان كابرا عن كابر وتسنموا قلل الفضائل تسمنهم متون المنابر وتساووا في مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأول والأول يملي عن الآخر .

    شرف تتابع كابرا عن كابر * * كالرمح أنبوبا على أنبوب

    يفوح أرج النبوة من كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظامهم وتعجز الأوائل والأواخر عن مقالهم في كل موطن ومقامهم فهم سادات الناس وقادتهم في جاهليتهم وإسلامهم فما ساجلهم في منقبة إلا مغلب وما شابهم ماجد إلا قيل أطمع من أشعب شنشنة معروفة في السلف والخلف وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف .

    ومن كلامه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله صلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منى أكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن يشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه ويتنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله وخطب عليه السلام فقال يا أيها الناس نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا وكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه أجزل عطاءا وأعظم أجرا واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار أيها الناس من جاد ساد ومن بخل رذل وأن أجود الناس من أعطى من لا يرجو وان أعفى الناس من عفى عن قدرة وان أوصل الناس من وصل من قطعه والأصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين.

    قلت هذا الفصل من كلامه عليه السلام وإن كان دالا على فصاحته ومبينا عن بلاغته فإنه دال على كرمه وسماحته وجوده وهبته مخبر عن شرف أخلاقه وسيرته وحسن نيته وسريرته شاهد بعفوه وحلمه وطريقته فان هذا الفصل قد جمع مكارم أخلاق لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب واشتمل على مناقب عجيبة وما اجتماعها في مثله بعجيب .

    وخطب عليه السلام فقال إن الحلم زينة والوفاء مروة والصلة نعمة والاستكبار صلف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الفسق ريبة ولما قتل معاوية حجر بن عدي رحمه الله وأصحابه لقى في ذلك العام الحسين عليه السلام فقال يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك قال لا قال إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضحك الحسين عليه السلام ثم قل خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم وقد بلغني وقوعك بابى حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب وأيم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرءا ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أو دع يريد عمرو بن العاص .

    قال أنس كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت حرة لوجه الله فقلت تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وكان أحسن منها عتقها وقال يوما لأخيه الحسن عليهما السلام يا حسن وددت ان لسانك لي وقلبي لك وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه أنت أعلم منى بأن خير المال ما وقى العرض فانظر أيدك الله إلى حسن أدبه في قوله أنت أعلم منى فان له حظا من اللطف تاما ونصيبا من الإحسان وافرا والله أعلم حيث يجعل رسالاته .

    ومن دعائه عليه السلام اللهم لا تستدرجني بالإحسان ولا تؤدبني بالبلاء .

    وهذا دعاء شريف المقاصد عذب الموارد قد جمع بين المعنى الجليل واللفظ الجزل القليل وهم مالكو الفصاحة حقا وغيرهم عابر سبيل .

    ودعاه عبد الله بن الزبير وأصحابه فأكلوا ولم يأكل الحسين عليه السلام فقيل له ألا تأكل قال إني صائم ولكن تحفة الصائم قيل وما هي قال الدهن والمجمر .

    وجنى له غلام جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب فقال يا مولاي والكاظمين الغيظ قال خلوا عنه فقال يا مولاي والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك قال يا مولاي والله يحب المحسنين قال أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك .

    وقال الفرزدق لقيني الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة فقال ما وراك يا أبا فراس قلت أصدقك قال عليه السلام الصدق أريد قلت أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بنى أمية والنصر من عند الله قال ما أراك إلا صدقت الناس عبيد المال والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون وقال عليه السلام من أتانا لم يعدم خصلة من أربع آية محكمة وقضية عادلة وأخا مستفادا ومجالسة العلماء وكان عليه السلام يرتجز يوم قتل عليه السلام ويقول

    الموت خير من ركوب العار * * و العار خير من دخول النار

    والله من هذا وهذا جارى

    وقال عليه السلام صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده وكان يقول حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما وقد ذكرناه آنفا.

    ولما نزل به عمر بن سعد لعنه الله وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا وأثنى عليه وقال إنه قد نزل بنا من الأمر ما ترون وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت و أدبر معروفها واستمرت حذاء حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الأناء وخسيس عيش كالكلاء الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما هذا الكلام ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء .

    وقيل كان بينه وبين الحسن عليهما السلام كلام فقيل للحسين عليه السلام أدخل على أخيك فهو أكبر منك فقال إني سمعت جدي صلى الله عليه وآله يقول أيما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضى الآخر كان سابقه إلى الجنة وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر فبلغ قوله الحسن عليه السلام فأتاه عاجلا وأنت أيدك الله متى أردت أن تعرف مناقب هؤلاء القوم ومزاياهم وخلالهم الشريفة وسجاياهم وتقف على حقيقة فضلهم الجزيل وتطلع من أحوالهم على الجملة والتفصيل وتعلم ما لهم من المكانة بالبرهان والدليل فتدبر كلامهم في مواعظهم وخطبهم وأنحائهم ومقاصدهم وكتبهم تجده مشتملا على المفاخر التي جمعوها وغوارب الشرف التي افترعوها وغرائب المحاسن التي سنوها وشرعوها فان أفعالهم تناسب أقوالهم وكلها تشبه أحوالهم فالإناء ينضح بما فيه والولد بضعة من أبيه وليس من يضله الله كمن يهديه ولا من أذهب عنه الرجس وطهره كمن حار في ليل الباطل فهو أبدا فيه والكريم يحذو حذو الكريم والشرف الحادث دليل على الشرف القديم والأصول لا تخيب والنجيب ابن النجيب وما أشد الفرق بين البعيد والقريب والأجنبي والنسيب .

    فالواحد منهم عليهم السلام يجمع خلال الجميع ويدل على أهل بيته دلالة الزهر على الربيع ولو اقتصرت على ذكر مناقب أحدهم عليهم السلام لم أك في حق الباقين مقصرا ولنا دانى لسان الحال اكتف بما ذكرت فدليل على الذي لا تراه الذي ترى نفعني الله بحبهم وقد فعل وألحقني بتربة أوليائهم ومحبيهم الأول وأوزعني أن أشكر فضله وإن عظم عن الشكر وجل .

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة / الشيخ علي الأربلي

  • في علم الإمام الحسين وشجاعته وشرف نفسه

     

    أقول والله الموفق للصواب إن علوم أهل البيت عليهم السلام لا تتوقف على التكرار والدرس ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس ولا يعلمونها بالقياس والفكر والحدس لأنهم المخاطبون في أسرارهم المكلمون بما يسألونه قبل ارتداد النفس فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس فمن أراد ستر فضائلهم كان كمن أراد ستر وجه الشمس وهذا مما يجب أن يكون ثابتا مقررا في النفس فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة ويحصلون بصدق توجههم إلى جنات القدس ما بلغوا به منتهى السؤال والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمان الولادة فهم خيرة الخير وزبدة الحقب وواسطة القلادة وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر ومناقب واضحة الحجول بادية الغرور ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر وسجايا تزين عنوان التواريخ وعيون السير فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ولا أنكر منكر أمرا من أمور الدين إلا علموا وعرفوا ولا جروا مع غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر مجاروهم وتخلفوا سنة جرى عليها الذين تقدموا وأحسن اتباعهم الذين خلفوا وكم عانوا في الجلاد والجدال أمورا فتلقوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل وما استكانوا ولا ضعفوا فلهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا . فأيهم اعتبرت أحواله وتدبرت أقواله وشاهدت جلاده وجداله وجدته فريدا في مآثره وحيدا في مزاياه ومفاخره مصدقا قديم أوله بحديث آخره . فقد أفرغوا في قالب الكمال وتفردوا بجميل الخلال وارتدوا مطارف المجد والجلال وقالوا فأبانوا وبينوا تقصير كل من قال وأتوا بالإعجاز الباهر في الجواب والسؤال تقر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغي الإسماع إذا قال قائلهم أو نطق ناطقهم ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم ويقف كل ساع عن شأوهم فلا تدرك غايتهم ولا تنال طرائقهم سجايا منحهم بها خالقهم وأخبر بها صادقهم فسر بها أوليائهم وأصادقهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أزال الشبهة والالتباس وصرح بفضلهم لئلا يفتقر في إيضاحه إلى الدليل والقياس ونطق معلنا بشرفهم الداني الثمار الزاكي الغراس فقال لو سمع مقاله إنا بنى عبد المطلب سادات الناس صلى الله عليه وعليهم أجمعين صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين .

    وقد حل الحسين عليه السلام من هذا البيت الشريف في أوجه ويفاعه وعلا محله فيه علوا تطامنت النجوم عن ارتفاعه واطلع بصفاء سره على غوامض المعارف فكشفت له الحقائق عند اطلاعه وسار صيته بالفواضل والفضايل فاستوى الصديق والعدو في استماعه فلما اقتسمت غنائم المجد حصل على صفاياه ومرباعه فقد اجتمع فيه وفي أخيه عليهما السلام من خلال الفضل ما لا خلاف في اجتماعه وكيف لا يكونا كذلك وهما ابنا على وفاطمة عليه السلام بلا فصل وسبطا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأكرم بالفرع والأصل والسيدان الإمامان قاما أو قعدا فقد استوليا على الأمد وحازا الخصل والحسين عليه السلام هو الذي أرضى غرب السنان وحد النصل وغادر جثث الأعداء فرائس الكواسب بالهبر والفصل وأما شجاعته عليه السلام فقد قال كمال الدين رحمه الله اعلم وفقك الله على حقائق المعاني ووفقك لإدراكها ان الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس والصفات المضافة إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر ولا تمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها إذ ليست أجساما كثيفة بل طريق معرفتها والعلم بها مشاهدة آثارها فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه فإذا أحدقت الرجال وحدقت الآجال وحقت الأوجال وتضايق المجال وحاق القتال فان كان مجزاعا مهلاعا مرواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة ويستبقها ويستصوب الدنية ويتطوقها ويستعذب المفرة ويستفوقها ويستصحب الذلة ويتعلقها مبادرا إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار مشيحا عن الفخار باقتحام الأخطار في مقر القراع بكل خطار فذلك مهبول الأم مخبول الفهم مفلول الجمع معزول عن السمع مضروب بينه وبين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه وبين الشهامة بابراء في كتاب ولا تعرف نفسه شرفا ولا تجد عن الخساسة والدناءة منصرفا .

    وان كان مجسارا مجزارا كرارا صبارا يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزاهر المطربة ويسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواضر المعجبة خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مطنبة يعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة ومرامحة الرماح فائدة عائدة ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة ومناوحة المقانب منقبة شاهدة يعتقد أن القتل يلحقه ظلل الحياة الأبدية ويسعفه حلل المحامد السرمدية ويزلفه في منازل الفخار العلية المعدة للشهداء الأحدية جانحا إلى ابتياع العز بمهجته ويراها ثمنا قليلا جامحا عن ارتكاب الدنايا وان غادره جماحه قتيلا .

    يرى الموت أحلى من ركوب دنية * ولا يغتدي للناقصين عديلا

    ويستعذب التعذيب فيما يفيده * نزاهته عن أن يكون ذليلا

    فهذا مالك أزمة الشجاعة وحائزها وله من قداحها معلاها وفائزها قد تفوق بها لبان الشرف واغتذاه وتطوق درة سحابة المستحلى وتحلاه وعبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه ونطق فعله بمدحه وان لم يفض فاه وصدق والله واصفه بالشجاعة التي يحبها الله .

    وإذا ظهرت دلائل الآثار على مؤثرها وأسفرت عن تحقق مثيرها ومشمرها فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه وجزموا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أن الحسين عليه السلام لما قصد العراق وشارف الكوفة سرب إليه أميرها يومئذ عبيد الله بن زياد الجنود لمقابلته أحزابا وحزب عليه الجيوش لمقاتلته أسرابا وجهز من العساكر عشرين الف فارس وراجل يتتابعون كتائبا وأطلابا فلما حضروه وأحدقوا به شاكين في العدة والعديد ملتمسين منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فان أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد ويصعد الأرواح إلى المحل الأعلى ويصرع الأشباح على الصعيد فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها وعزفت عن التزام الدنية فأباها ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالإجابة إلى مجانبة الذلة وحباها فاختار مجالدة الجنود ومضاربة ظباها ومصارمة صوارمها وشيم شباها ولا يذعن لوصمة تسم بالصغار من شرفه خدودا وجباها .

    وقد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه وأنكروه وجحدوه ومالوا إلى السحت العاجل فعبدوه وخرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه فنصب عليه السلام نفسه وأخوته وأهله وكانوا نيفا وثمانين لمحاربتهم واختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم فاعتلقتهم الفجرة اللئام ورهقتهم المردة الطغام ورشقتهم النبال والسهام وأوثقتهم من شبا شفارها الكلام .

    هذا والحسين عليه السلام ثابت لا تخف حصاة شجاعته ولا تجف عزيمة شهامته وقدمه في المعترك أرسى من الجبال وقلبه لا يضطرب لهول القتال ولا لقتل الرجال وقد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما وأذاقوهم من الحمية الهاشمية رهقا وكلما ولم يقتل من العصابة الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه وقتل وأغمد ظبته في أبشارهم وجدل ، فحينئذ تكالبت طغام الأجناد على الجلاد وتناسبت الأجلاد في المفاضلة بالحداد وثبت كثرة الألوف منهم على قلة الآحاد وتقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد فاستبقت الأملاك البررة إلى الأرواح وباء الفجرة بالآثام في الأجساد فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض صرعى تصافح منها صعيدا ونطقت حالهم بأن لقتلهم يوما تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وتحققت النفوس المطمئنة بالله كون الظالم والمظلوم شقيا وسعيدا وضاقت الأرض بما رحبت على حرم الحسين عليه السلام وأطفاله إذ بقى وحيدا .

    فلما رأى عليه السلام وحدته ورزء أسرته وفقد نصرته تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم وقال لهم يا أهل الكوفة قبحا لكم وتعسا حين استصرختمونا والهين فأتيناكم موجفين فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا وحششتم علينا نارا نحن أضرمناها على أعدائكم وأعدائنا فأصبحتم البا على أوليائكم ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا ذنب كان منا إليكم فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا والسيف ما شيم والجأش ما طاش والرأي لم يستحصف ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا إسراع الدبا وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها وضلة وطاعة لطواغيت الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلونا ألا لعنة الله على الظالمين . ثم حرك إليهم فرسه وسيفه مصلت في يده وهو آيس من نفسه عازم على الموت وقال هذه الأبيات

    أنا ابن علي الخير من آل هاشم * كفاني بهذا مفخر حين أفخر

    وجدي رسول الله أكرم من مشى * ونحن سراج الله في الخلق تزهر

    وفاطمة أمي سلالة أحمد * وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر

    وفينا كتاب الله أنزل صادقا * وفينا الهدى والوحي والخير يذكر

    ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا * بكأس رسول الله ما ليس ينكر

    وشيعتنا في الناس أكرم شيعة * ومبغضنا يوم القيامة يخسر

    ثم دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقاتل ويقتل من برز إليه منهم من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة كثيرة فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جمعه وسيأتي تفصيل ما جرى بعد ذلك في فصل مصرعه عليه السلام إن شاء الله .

    هذا وهو كالليث المغضب لا يحمل على أحد منهم إلا نفحه بسيفه فألحقه بالحضيض فيكفي ذلك في تحقيق شجاعته وشرف نفسه شاهدا صادقا فلا حاجة معه إلى ازدياد في الاستشهاد آخر كلام كمال الدين رحمه الله .

    قلت : شجاعة الحسين عليه السلام يضرب بها المثل وصبره في مأقط الحرب أعجز الأواخر والأول وثباته إذا دعيت نزال ثبات الجبل وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل ومقامه في مقابلة هؤلاء الفجرة عادل مقام جده صلى الله عليه وآله وسلم ببدر فاعتدل وصبره على كثرة أعدائه وقلة أنصاره صبر أبيه عليه السلام في صفين والجمل ومشرب العداوة واحد فبفعل الأول فعل الآخر ما فعل فكم من فارس مدل ببأسه جدله عليه السلام فانجدل وكم من بطل طل دمه فبطل وكم حكم سيفه فحكم في الهوادي والقلل فما لاقى شجاعا إلا وكان لأمه الهبل وحشرهم الله وجازى كلا بما قدم من العمل وإذا علمت أن شعار الحسين عليه السلام وأصحابه أعل يا حق وشعار أعدائه أعل هبل علمت أن هؤلاء في نعيم لا يزول وأولئك في شقاء لم يزل وكما قتل أبوه وانتقل إلى جوار ربه قتل هو وانتقل وكان له عند الله مرتبة لا تنال إلا بالشهادة فتم له ما أراد وكمل وباء قاتلوه بنار الله الموصدة في الآخرة ولا يهدي الله من أضل وما سلموا من آفات الدنيا بل عجلت لهم العقوبة فعمت من رضي ومن خذل ومن قتل فتبا لآرائهم الغايلة وعقولهم الذاهلة فلقد أعماهم القضاء إذ نزل وختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فما منهم إلا من جار عن الصواب وعدل فما أنصف ولا عدل وضلوا عن الحق فما لهم فيه قول ولا عمل وقبحا وشقحا لتلك القلوب التي غطاها الرين فلم تفرق بين ما علا واستفل وسوأة لتلك الوجوه التي شوهها الكفر والفسوق والعصيان وسودها الخطأ والخطل وسبة لتلك الأحلام الطائشة التي عذلت لإنكارها الحق بعد معرفة فسبق السيف العدل وغطى على بصائرها حب الدنيا الدنية فمالت إلى العاجل ففاتها الآجل والعاجل ما حصل وكيف لا تصدر عنهم هذه الأفعال وكبيرهم المدعو بأمير مؤمنيهم استشهد بشعر ابن الزبعرى فكأنما بده به وارتجل

    ليت أشياخي ببدر شهدوا * وقعة الخزرج من وقع الأسل

    لأهلوا واستهلوا فرحا * واستحر القتل في عبد الأشل ( 1 )

    لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل

    والناس على دين ملوكهم كما ورد في الحديث والمثل .

    فلقد ركبوا مركبا وعرا وأتوا أمرا أمرا وفعلوا فعلا نكرا وقالوا قولا هجرا واستحلوا مزاقا مرا وبلغوا الغاية في العصيان ووصلوا إلى النهاية في إرضاء الشيطان وأقدموا على أمر عظيم من اسخاط الرحمان وكم ذكرهم الحسين عليه السلام أيام الله فما ذكروا وزجرهم عن تقحم نار الجحيم فما انزجروا وعرفهم ما كانوا يدعون معرفته فما عرفوا ولا فهموا منذ أنكروا وأمرهم بالفكر في هذا الأمر الصعب فما ائتمروا في كل ذلك ليقيم عليهم الحجة ويعذر إلى الله في تعريفهم المحجة فأصروا واستكبروا استكبارا ومما خطاياهم فأدخلوا نار جهنم فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ونادى لسان حال الحسين عليه السلام رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا فاستجاب الله دعاءه عليه السلام وخصه بمزيد العناية والإكرام ونقله إلى جواره مع آبائه الكرام ووقع الفناء بعده في أولئك الطغام ودارت عليهم دوائر الانتقام والاصطلام فقتلوا في كل أرض بكل حسام وانتقلوا إلى جوار مالك في نار جهنم وأصحاب الحسين عليه السلام إلى جوار رضوان في دار السلام فصارت ألوف هؤلاء الأغنام آحادا وجموعهم أفرادا وألبسوا العار آباءا وأولادا فأحياؤهم عار على الغابر والأولون مسبة للآخر واستولى عليهم الذل والصغار وخسروا تلك الدار وهذه الدار وكان عاقبة أمرهم إلى النار وبئس القرار وكثر الله ذرية الحسين عليه السلام وأنماها وملأ بها الدنيا ورفعها وأعلاها وإذا عرفت أن كل حسيني في الدنيا من ولد علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ظهر لك كيف بارك الله في ذريته الطاهرة وزكاها وإذ فكرت في جموع أعدائهم وانقراضهم تبينت أن العناية الإلهية تولت هذه العترة الشريفة وأبادت من عاداها وسعدت في الدنيا والآخرة وسعد من والاها وقد تظاهرت الأخبار أن الله تعالى اختارها واصطفاها واختار شيعتها واجتباها . ولما رأى الحسين عليه السلام إصرارهم على باطلهم وظهور علائم الشقاء على أخلاقهم وفعائلهم وان إبليس وجنوده قادوا في أشطانهم وحبائلهم علم بسعادة من قتلوه وشقاوة قاتلهم وتحقق أنه قد طبع الله على قلوبهم فلا ينجع فيهم نصح ناصحهم ولا عذل عاذلهم فجد في حربهم على بصيرة واجتهد وصبر صبر الكرام على تلك العدة وذلك العدد وتفصيل ذلك يأتي في باب مصرعه عليه السلام .

    ويعز على أن يجرى بذكره لساني أو يسمح بسطره بناني أو أتمثله في خاطري وجناني فإني أجد لذكره ألما وأبكى لمصابه دمعا ودما وأستشعر لما بلغ منه هما وندما ولكن لا حيلة فيما جرى به القضاء والقدر وان ذممنا الورد فانا نحمد الصدر والله يجازى كلا على فعله ولا يبعد الله إلا من كفر.

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • في ولادة الامام الحسين عليه السلام

     

    ولد بالمدينة بخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وكانت والدته الطهر البتول فاطمة عليه السلام علقت به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السلام بخمسين ليلة هكذا صح النقل فلم يكن بينه وبين أخيه عليهما السلام سوى هذه المدة المذكورة ومدة الحمل ولما ولد وأعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم به أخذه وأذن في أذنه . قيل أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى .

    قال الشيخ المفيد رحمه الله ولد بالمدينة في التاريخ المذكور قال وجاءت به أمه فاطمة عليه السلام إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشا وكذلك قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي رحمه الله تعالى.

    نسبه عليه السلام

    نسبه نسب أخيه الحسن عليه السلام وقد تقدم ذكره وهو النسب الذي افترع هام الكواكب شرفا وعلا وفاق النيرات سنا وسناءا فلا حاجة إلى إعادة ذكره.

    الثالث في تسميته عليه السلام

    قال كمال الدين رحمه الله هذا الاسم سماه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لما أعلم به أخذه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وقال سموه حسينا فكانت تسمية أخيه بالحسن وتسميته بالحسين صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم عق عنه وذبح عنه كبشا وحلقت والدته عليها السلام رأسه وتصدقت بوزن شعره فضة كما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم ذلك في أخبار الحسن عليه السلام.

    الرابع في كنيته ولقبه

    قال كمال الدين رحمه الله كنيته أبو عبد الله لا غير وأما ألقابه فكثيرة الرشيد والطيب والوفي والسيد والزكي والمبارك والتابع لمرضاة الله والسبط فكل هذه كانت تقال له وتطلق عليه وأشهرها الزكي لكن أعلاها رتبة ما لقبه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عنه وعن أخيه إنهما سيدا شباب أهل الجنة فيكون السيد أشرفها وكذلك السبط فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال حسين سبط من الأسباط .

    قال ابن الخشاب رحمه الله يكنى بأبي عبد الله لقبه الرشيد والطيب والوفي والسيد والمبارك والتابع لمرضاة الله والدليل على ذات الله عز وجل والسبط.

    الخامس في إمامته

    وما ورد في حقه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا أما إمامته عليه السلام فدليلها النص من أبيه وجده عليه السلام ووصية أخيه الحسن عليه السلام إليه فكانت إمامته بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة وطاعته لجميع الخلق لازمه وإن لم يدع إلى نفسه عليه السلام للتقية التي كان عليها والهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية والتزم الوفاء بها وجرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين وثبوت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الصموت وإمامة أخيه الحسن عليه السلام بعد الهدنة مع الكف والسكوت وكانوا في ذلك على سيرة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الشعب محصور وعند خروجه مهاجرا من مكة فلما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسين بن علي عليه السلام من الدعوة إلى نفسه أظهر أمره بحسب الإمكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا بحال إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار فدعا عليه السلام إلى الجهاد وشمر للقتال وتوجه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء .

    وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل رضي الله عنه وأرضاه للدعوة إلى الله والبيعة له فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة ووثقوا له في ذلك وعاقدوه ثم لم تطل المدة بهم حتى نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه وقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا إلى الحسين عليه السلام فحصروه ومنعوه المسير في بلاد الله واضطروه إلى حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا منهم وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه وقتلوه فمضى عليه السلام ظمآنا مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما قد نكثت بيعته وانتهكت حرمته ولم يوف له بعهد ولا رعيت فيه ذمة عقد شهيدا على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهما السلام والصلاة والرحمة .

    أقول مناقب الحسين عليه السلام واضحة الظهور وسنا شرفه ومجده مشرق النور فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور فما اختلف في نبله وفضله واعتلاء محله أحد من الشيعة ولا الجمهور .

    عرف العالمون فضلك بالعلم * وقال الجهال بالتقليد

    وكيف لا يكون كذلك وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه وكاد الجلال يقطر من نواحيه وأطرافه وهذا قول لا أخاف أن يقول مسلم بخلافه الجد محمد المصطفى والأب على المرتضى والجدة خديجة الكبرى والأم فاطمة الزهراء والأخ الحسن ذو الشرف والفخار والعم جعفر الطيار والبيت من هاشم الصفوة الأخيار فهو وأخوه عليهما السلام صفوة الصفوة ونور الأنوار وهو في نفسه السيد الشريف والطود المنيف والشجاع الغطريف والأسد الهصور والفارس المذكور والعلم المشهور .

    أتاه المجد من هنا وهنا * وكان له بمجتمع السيول

    وقد تقدم في أخبار أبيه وأخيه ما هو قسيمهما فيه فما افترعا غارب مجد إلا افترعه ولا جمعا شمل سؤدد إلا جمعه ولا نالا رتبة علاء إلا نالها ولا طالا هضبة عز إلا طالها وأنا أذكر في هذا الفصل شيئا مما ورد في وصف فضائله وما ورد فيه التذاذا بتكرير مناقبه ومفاخره وطربا بعد مزاياه ومآثره وإن كان في تضاعيف هذا الكتاب من نعوته وصفاته ما فيه غنية كافية لأولى الألباب والله الموفق للصواب قال يعلى بن مرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط وروى عن أبي عوانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إن الحسن والحسين شنفا العرش وان الجنة قالت يا رب أسكنتني الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لها أما ترضين أني زينت أركانك بالحسن والحسين قال فماست كما تميس العروس فرحا .

    وروى عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إيها حسن خذ حسينا فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا جبرئيل يقول للحسين إيها حسين خذ الحسن وروى عن أم الفضل بنت الحارث انها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله رأيت البارحة حلما منكرا قال وما هو قالت إنه شديد قال ما هو قالت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت فوضعت في حجري فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأيت خيرا تلد فاطمة عليها السلام الحسين قالت وكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت يوما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته في حجره فم حانت منى التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهرقان بالدموع فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك ؟ قال أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا وأتاني بتربة من تربته حمراء .

    وروى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالس والحسن والحسين عليهما السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟ فقال جاءني جبرئيل عليه السلام فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله لا أنالهم الله شفاعتي وروى باسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا وعاد وهو أشعث أغبر ويده مضمومة فقلت يا رسول الله ما لي أراك أشعث مغبرا ؟ فقال أسرى بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلا فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدى وأهل بيتي فلم أزل القط دماءهم فها هي في يدي وبسطها لي فقال لي خذيها فاحتفظي بها فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر فوضعته في قارورة وسددت رأسها واحتفظت بها .

    فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم فأشمها وأنظر إليها وأبكى لمصابه فلما كان اليوم العاشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ثم عدت إليها في آخر النهار فإذا هي دم عبيط فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالسا وحوله على وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال لهم كيف أنتم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى ؟

    فقال له الحسين عليه السلام أنموت موتا أو نقتل قتلا فقال بل تقتل يا بنى ظلما ويقتل أخوك ظلما وتشرد ذراريكم في الأرض فقال الحسين عليه السلام ومن يقتلنا يا رسول الله قال شرار الناس قال فهل يزورنا بعد قتلنا أحد قال نعم يا بنى طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم برى وصلتي فإذا كان يوم القيامة جئتها إلى الموقف حتى آخذ بأعضادها فأخلصها من أهواله وشدايده قلت هذا الخبر بهذه السياقة نقلته من إرشاد الشيخ المفيد رحمه الله تعالى وعندي فيه نظر فان الحسين عليه السلام كان أصغر الجماعة الذين ذكرهم عليهم السلام فكيف خصه بالسؤال والجواب دونهم وكيف صدع قلبه على صغره وحداثته بذكر القتل وأزعج قلب الأم عليه السلام بما لقى به ولديها عليها وعليهما السلام وكيف تفرغ الحسين عليه السلام مع سماع هذا جميعه إلى أن يسأل عن الزوار والله سبحانه أعلم وروى عبد الله بن شريك العامري قال كنت أسمع أصحاب محمد عليه السلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون هذا قاتل الحسين بن علي عليهما السلام وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل وروى سالم بن أبي حفصة قال قال عمر بن سعد للحسين يا أبا عبد الله ان قبلنا ناسا سفهاء يزعمون إني أقتلك فقال الحسين عليه السلام إنهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء أما أنه يقر بعيني أنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا وروى يوسف بن عبيدة قال سمعت محمد بن سيرين يقول لم نر هذه الحمرة في السماء إلا بعد قتل الحسين عليه السلام وروى سعد الإسكاف قال قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام كان قاتل يحيى بن زكريا عليه السلام ولد زنا وكان قاتل الحسين بن علي عليهما السلام ولد زنا ولم تحمر السماء إلا لهما وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين عليهما السلام قال خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزلنا منزلا ولا ارتحلنا منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه السلام وقال يوما من الأيام من هوان الدنيا على الله عز وجل إن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغى من بغايا من بني إسرائيل وتظاهرت الأخبار بأنه لم ينج أحد ممن قاتل الحسين عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم من قتل أو بلاء افتضح به قبل موته .

    قال الشيخ كمال الدين رحمه الله ( الفصل الخامس فيما ورد في حقه من جهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا ) وهو فصل مستحلي الموارد والمصادر ومستعلي المحامد والمآثر مسفر عن جمل المناقب السوافر مشعر بأن الحسن والحسين عليهما السلام أحرزا على المعالي وأفخرا المفاخر فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصهما من مزايا العلاء بأتم معنى ومنحهما من سجايا الثناء كل مثنى فأفرد وثنى ومدح وأثنى وأنزلهما ذروة السناء الأسنى فأما ما يخص الحسن عليه السلام فقد تقدم في فضله وأما تمام المشترك وما يخص الحسين فهذا أوان إحراز خصله فمنه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد بن حنبل والترمذي كل منهما في صحيحه يرويه عنه بسنده وقد تقدم طرف منه في فضل فاطمة عليها السلام وجملة الحديث أن حذيفة قال لأمه دعيني آتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأصلي معه وأسأله أن يستغفر لي ولك فأتيته وصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك قلت تستغفر لي ولأمي فقال غفر الله لك ولأمك ان هذا ملك لم ينزل الأرض قط من قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم على ويبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

    ومنه ما أخرجه الترمذي أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم إني أحبهما فأحبهما .

    ومنه ما رواه ابن الجوزي رحمه الله بسنده في صفوة الصفوة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال إن هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني يعنى الحسن والحسين ومن المشترك جملة تقدمت في فضل الحسن عليه السلام فلا حاجة إلى إعادتها ههنا ومنه ما أخرجه أيضا الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط ومنه ما نقله الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الترمذي رضي الله عنهما بسندهما كل واحد منهما في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه وسأله رجل عن دم البعوض فقال ممن أنت ؟ فقال من أهل العراق فقال انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول هما ريحانتاي من الدنيا وروى أنه سأله عن المحرم يقتل الذباب فقال يا أهل العراق تسألوني عن قتل الذباب وقد قتلتم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر الحديث وفي آخره وهما سيدا شباب أهل الجنة ومنه ما أخرجه الترمذي رحمه الله في صحيحه بسنده عن سلمى الأنصارية قالت دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت الآن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت ما لك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا ومنه ما أخرجه البخاري والترمذي رضي الله عنهما في صحيحيهما كل منهما بسنده عن أنس رضي الله عنه قال أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليه السلام فجعل في طست فجعل ينكته فقال في حسنه شيئا قال أنس فقلت والله أنه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مخضوبا بالوسمة .

    وفي رواية الترمذي فجعل يضرب بقضيب في أنفه ولقد وفق الترمذي فإنه لما روى هذا الحديث وذكر فعل ابن زياد زاده الله عذابا نقل ما فيه اعتبار واستبصار فإنه روى في صحيحه بسنده عن عمار بن عمير قال لما قتل عبيد الله ابن زياد وجئ برأسه ورؤوس أصحابه ونضدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم والناس يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى جاءت فدخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكث هنيئة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرارا .

    قال علي بن عيسى عفا الله عنه بكرمه ووفقه لتأدية شكر إحسانه ونعمه لا ريب أن هذه موعظة لأولى الأبصار وعجيبة من عجائب هذه الدار وصغيرة بالنسبة إلى ما أعد الله لهؤلاء الظلمة من عذاب النار فإنهم ركبوا من قتل الحسين وأهله وسبي حريمه ما لا يركب مثله مردة الكفار ولا يقدم عليه إلا من خلع ربقة الدين وجاهر الله بالعداوة فحسبه جهنم وبئس القرار .

    قلت وقد ذكر عز الدين بن الأثير الجزري رحمه الله في تاريخه .

    وروى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة مرفوعا إلى عائشة قالت كانت لنا مشربة فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد لقاء جبرئيل عليه السلام لقيه فيها فلقيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة من ذلك فيها وأمر عائشة أن لا يصعد إليه أحد ودخل حسين بن علي ولم تعلم حتى غشيهما فقال له جبرئيل من هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابني فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعله على فخذه فقال أما إنه سيقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يقتله ؟ قال أمتك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمتي تقتله قال نعم وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبرئيل إلى الطف بالعراق وأخذ تربة حمراء فأراه إياها وقال هذه من تربة مصرعه ومن الكتاب المذكور عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي عليه السلام ههنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ومنه يرفعه إلى عبد الله بمسعود قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نرى في وجهك الشئ نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا ومن كتابه مرفوعا إلى العوام بن حوشب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم سيوف مصقولة ثم رؤى في وجهه كآبة حتى عرفوا ذلك فقالوا يا رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا واني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد وروى الجنابذي مرفوعا إلى يحيى بن أبي بكر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي عليهما السلام حين أتاه الناس فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس أنسبوني وانظروني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمى وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وابن ابن عمه وابن أولى المؤمنين بالله أو ليس حمزة سيد الشهداء عمى ؟ أولم يبلغكم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستفيضا فيكم لي ولأخي إنا سيدا شباب أهل الجنة أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمى وانتهاك حرمتي ؟

    قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال إن فيكم من سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفي أخي الحسن سلوا زيد بن ثابت والبراء ابن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفي أخي فان كنتم تشكون في هذا فتشكون ( في ) أني ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ؟

    فوالله ما تعمدت كذبا منذ عرفت إن الله تعالى يمقت على الكذب أهله ويضربه من اختلقه فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم أنا ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم خاصة دون غيره خبروني هل تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة ؟ فسكتوا

    قال أفقر عباد الله إلى رحمته وشفاعة نبيه وأئمته عليهم السلام علي بن عيسى أغاثه الله تعالى يوم الفزع الأكبر كأن الحسين عليه السلام فارس الحرب الذي لا يصطلي بناره ولا تقدم غلب الأسود على شق غباره ولم يقل هذا القول ضراعة ولا خوارا فإنه كان عالما بما يؤل أمره إليه عارفا بما هو قادم عليه عرف ذلك من أبيه وجده عليهم الصلاة والسلام واطلع على حقيقته بما خصه الله به من بين الأنام فله الكشف والنظر وهو وأخوه قبله وبنوه من بعده خيرة الله من البشر ينظرون إلى الغيب من وراء ستر رقيق ويشاهدون بمرايا خواطرهم الصقيلة ويشهدون بعداوة العدو وصداقة الصديق وإنما كان ذلك القول منه وتكراره إقامة للحجة عليهم ودفعا في صدر من ربما قال لم أعلم أو كنت مشدوها أو اشتبه على الأمر فلم أهتد لوجه الصواب فنفى هذه الاحتمالات بانذاره وإعذاره وتركهم ولا حاجز بينهم وبين عذاب الله وناره وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.

    ـــــــــــــــــــــــــــــ

    المصدر/ كشف الغمة في معرفة الأئمة/ الشيخ علي الأربلي

  • استشهاد الإمام الحسين(ع)

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    استشهاد الإمام الحسين(ع)
    في الإمام الحسين(ع) وعاشوراء, الإمام الحســـين /
    اسمه وكنيته ونسبه(ع)(1)

    الإمام أبو عبد الله، الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام.)
    من ألقابه(ع)
    سيّد الشهداء، سيّد شباب أهل الجنّة، الشهيد، الرشيد، المبارك، السبط، أبو الأئمّة.
    أُمّه(ع)
    فاطمة الزهراء بنت رسول الله(ص).
    ولادته(ع)
    ولد في الثالث من شعبان عام 4ﻫ بالمدينة المنوّرة.
    بكاء النبي(ص) عند ولادته(ع)
    لمّا بُشّر رسول الله(ص) بسبطه المبارك، خفّ مسرعاً إلى بيت بضعته فاطمة(عليها السلام)، وهو ثقيل الخطوات، وقد ساد عليه الحزن، فنادى: «يَا أَسْمَاءُ هَلُمِّي ابْنِي. فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ فِي خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى، وَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ فَبَكَى».
    فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مِمَّ بُكَاؤُكَ؟ قَالَ: عَلَى ابْنِي هَذَا. قُلْتُ: إِنَّهُ وُلِدَ السَّاعَةَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ مِنْ بَعْدِي، لَا أَنَالَهُمُ اللهُ شَفَاعَتِي. ثُمَّ قَالَ: يَا أَسْمَاءُ، لَا تُخْبِرِي فَاطِمَةَ بِهَذَا، فَإِنَّهَا قَرِيبَةُ عَهْدٍ بِوِلَادَتِه«(2).
    عمره وإمامته(ع)
    عمره 57 عاماً، وإمامته 11 عاماً.
    حروبه(ع)
    شارك في جميع حروب أبيه الإمام علي(ع)، وهي: الجمل، صفّين، النهروان، وكان(ع) قائداً على جيش الإيمان ضدّ جيوش الكفر والضلال في معركة كربلاء (واقعة الطف).
    من زوجاته(ع)
    شهر بانو بنت يَزدَجُرد بن شهريار بن كسرى، الرباب بنت امرئ القيس الكلبي، ليلى بنت أبي مُرّة الثقفية، أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية.
    من أولاده(ع)
    1ـ الإمام علي زين العابدين(ع) .
    2و3ـ علي الأكبر وعبد الله الرضيع (علي الأصغر) «استُشهدا في واقعة الطف«.
    4ـ رقية «تُوفّيت بالشام وهي طفلة أسيرة. «
    5ـ سكينة، كان الإمام الحسين(ع) يُحبّها كثيراً، حيث قال:
    «لعمرُكَ إنَّنِي لأُحبُّ داراً ** تكونُ بها سُكينةُ والربابُ
    أُحبُّهُما وأبذلُ جُلَّ مالي ** وليسَ لعاتبِ عندِي عتابُ»(3).
    6ـ فاطمة، قال عنها الشيخ النمازي الشاهرودي: «وبالجملة، لا نظير لها في التقوى والكمال والفضائل والجمال، ولذلك تُسمّى الحور العين»(4).
    إخبار النبي(ص) بقتله(ع)
    قال الإمام الصادق(ع): «إِنَّ جَبْرَئِيلَ(ع) نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ(ص) فَقَالَ لَه: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَه يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ تَقْتُلُه أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ وعَلَى رَبِّيَ السَّلَامُ، لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ تَقْتُلُه أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي. فَعَرَجَ ثُمَّ هَبَطَ(ع) فَقَالَ لَه مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ وعَلَى رَبِّيَ السَّلَامُ لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ تَقْتُلُه أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي. فَعَرَجَ جَبْرَئِيلُ(ع) إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ هَبَطَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ويُبَشِّرُكَ بِأَنَّه جَاعِلٌ فِي ذُرِّيَّتِه الإِمَامَةَ والْوَلَايَةَ والْوَصِيَّةَ. فَقَالَ: قَدْ رَضِيتُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى فَاطِمَةَ أَنَّ اللَّه يُبَشِّرُنِي بِمَوْلُودٍ يُولَدُ لَكِ تَقْتُلُه أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْه: لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ مِنِّي تَقْتُلُه أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: أَنَّ اللَه قَدْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِه الإِمَامَةَ والْوَلَايَةَ والْوَصِيَّةَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْه: أَنِّي قَدْ رَضِيتُ (5) «.
    استشهاده(ع)
    استُشهد(ع) في 10 محرّم 61ﻫ بواقعة الطف، ودفنه نجله الإمام زين العابدين(ع) في كربلاء المقدّسة.
    كيفية استشهاده(ع)
    بقي الإمام الحسين(ع) بعد شهادة أصحابه وأهل بيته وحيداً فريداً لا ناصر له ولا معين، فتقدّم(ع) نحو القوم مصلتاً سيفه، فلم يزل يقتل كلّ مَن برز إليه حتّى قتل جمعاً كثيراً.
    ثمّ صاح عمر بن سعد قائد الجيش الأموي: هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كلّ جانب، فحملوا عليه، وهو يقاتلهم ببأس شديد، وشجاعة لا مثيل لها.
    ولمّا ضعف عن القتال وقف ليستريح، فرماه رجل بحجر على جبهته، فسال الدم على وجهه، فرفع ثوبه ليمسح الدم عن عينيه، رماه آخر بسهم له ثلاث شعب وقع على قلبه، فأخرجه من قفاه، وانبعث الدم كالميزاب.
    ثمّ ضربه رجل على كتفه الأيسر، ورماه آخر في حلقه، وضربه آخر على عاتقه، وطعنه رجل في ترقوته، ثمّ بدر إليه شمر بن ذي الجوشن فرفسه برجله، وجلس على صدره، وقبض على شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة، واحتزّ رأسه المقدّس(6).
    فضل زيارته(ع)(7)
    وردت روايات كثيرة في فضل زيارة الإمام الحسين(ع)، منها:
    1ـ قال رسول الله(ص) : «مَنْ زَارَ الحُسَيْنَ(ع) بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ الجَنَّة».
    2ـ قال الإمام الصادق(ع) : «زِيَارَةُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(ع) وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُقِرُّ لِلْحُسَيْنِ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
    3ـ قال الإمام الصادق(ع) : «زِيَارَةُ الحُسَيْنِ(ع) تَعْدِلُ مِائَةَ حِجَّةٍ مَبْرُورَةٍ، وَمِائَةَ عُمْرَةٍ مُتَقَبَّلَة».
    رثاؤه(ع)
    ممّن رثاه السيّد رضا الهندي(رحمه الله) بقوله:
    «لَم أَنسهُ إذ قَامَ فِيهمْ خَاطباً ** فَإذَا هُمُ لا يَملكونَ خِطابا
    يَدعُو أَلَسْتُ أنا ابنُ بِنتِ نَبيِّـكُم ** ومَلاذُكُم إن صرفُ دهرٍ نابا
    هَل جِئتُ في دِينِ النَّبيِّ ببدعةٍ ** أم كُنتُ في أحكامِهِ مُرتابا
    أمْ لَمْ يُوَصِّ بِنَا النَّبيُّ وأودعَ ** الثّقلينَ فِيكُم عِترةً وكتابا
    إنْ لَمْ تَدينُوا بالمعادِ فَرَاجعُوا ** أحْسَابَكُم إنْ كُنتُمُ أعرابا
    فغَدَوْا حَيَارَى لا يَرَوْنَ لِوَعظِهِ ** إلَّا الأسنّةَ والسِّهامَ جَوابَا
    حَتَّى إذا أَسِفَتْ عُلوجُ أُمَيَّةٍ ** أنْ لا تَرَى قَلبَ النَّبيِّ مُصابا
    صَلَّتْ على جِسمِ الحُسينِ سُيوفُهُم ** فَغَدَا لِسَاجدةِ الظُّبَا مِحرابا
    ومَضَى لَهيفاً لَم يَجِدْ غَيرَ القَنا ** ظِلّاً ولا غيرَ النَّجيعِ شَرابا
    ظَمآنَ ذَابَ فُؤادُهُ من غلّةٍ ** لو مَسَّت الصَّخرَ الأصَمَّ لذابا
    لَهفي لجِسمِكَ في الصَّعيدِ مُجرَّداً ** عُريانَ تَكسُوهُ الدِّماءُ ثِيابا
    تَرِبَ الجَبينِ وعينُ كلِّ موحّدٍ ** وَدَّتْ لِجِسمِكَ لو تَكونُ ترابا
    لَهفي لرأسِكَ فوقَ مَسلوبِ القَنا ** يَكْسُوهُ مِنْ أنوارِهِ جِلبابا
    يَتلُو الكِتابَ على السِّنانِ وَإِنَّما ** رَفَعُوا بهِ فوقَ السِّنانِ كتابا»(8).
    ــــــــــــــــــــــــ
    1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 1/ 419.
    2ـ عيون أخبار الرضا 2/ 29 ح5.
    3ـ مقاتل الطالبيين: 59.
    3ـ مستدركات علم رجال الحديث 8/ 593 رقم 18140.
    4ـ الكافي 1/ 464.
    5ـ اُنظر: مقتل الإمام الحسين للكعبي.
    6ـ الإرشاد 2/ 133.
    7ـ ديوان السيّد رضا الهندي: 42.
    بقلم: محمد أمين نجف

     

  • وصول الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء

     

    في الإمام الحسين(ع) وعاشوراء, الإمام الحســـين /

    في طريق كربلاء

    قام الإمام الحسين(عليه السلام) خطيباً ـ وهو في طريقه إلى كربلاء ـ، موضّحاً لأصحابه المصير الذي ينتظرهم، فقال (عليه السلام ) :

    «إنّه قدْ نَزَل بنا من الأمر ما قد تَرَون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبَر مَعروفُها، واستمرّت حذّاء، ولم تبقَ منها إلّا صبابة كَصبابة الإناء، وخَسيس عَيشٍ كالمَرْعى الوَبيل، ألاَ تَرَون إلى الحقِّ لا يُعمَل به، وإلى الباطلِ لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاء ربِّه مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا بَرَماً ـ أي مللاً ـ»(۱) .

    مع الحر

    التقى الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى كربلاء بالحرّ بن يزيد الرياحي، حيث كان مُرسلاً من قِبل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ في ألف فارس، وهو يريد أن يذهب بالإمام (عليه السلام) إلى ابن زياد.

    كتاب ابن زياد

    وصل إلى الحرّ كتاب من ابن زياد، جاء فيه: «أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، ولا تُنزله إلّا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام».

    فلمّا قرأ الكتاب قال الحرّ لهم: «هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني فيه أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره أن لا يفارقني حتّى أُنفّذ رأيه وأمره»(۲)، فجعجع بهم وأنزلهم أرض كربلاء.

    في كربلاء

    عندما اضطرّ الإمام الحسين (عليه السلام) للوقوف في منطقة كربلاء، راح (عليه السلام) يسأل، وكأنّه يبحث عن أرض كربلاء، فقال: «مَا اسْمُ هَذه الأرض»؟ فقيل له: أرض الطف.

    فقال(عليه السلام): «هَلْ لَهَا اسمٌ غير هذا»؟ قيل: اسمُها كربلاء، فقال (عليه السلام): «اللّهمّ أعوذُ بك من الكَرْبِ والبَلاء».

    ثمّ قال (عليه السلام): «هَذا مَوضع كَربٍ وبَلاء، انزلوا، هَاهُنا مَحطُّ رِحالِنا ومَسفَكُ دِمائِنَا، وهَاهُنا مَحلُّ قبورِنا، بِهَذا حدّثني جَدِّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)» فنزلوا جميعا (۳)ً.

    تاريخ الوصول

    ۲ محرّم ۶۱ﻫ.

    مع السيّدة زينب(عليها السلام)

    نزل الإمام الحسين(عليه السلام) أرض كربلاء، وضَرَب فسطاطه، وراح يُعدُّ سلاحه، ويصلح سيفه، مُردّداً(عليه السلام) الأبيات الآتية:

    يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِن خَليلِ ***** كمْ لك بالإشرَاقِ والأصيلِ

    مِن طَالبٍ وصَاحبٍ قَتيل ***** والدّهْر لا يقنعُ بالبَديلِ

    وكُلّ حيٍّ سَالِكٌ سَبيلِ ***** مَا أقرَبَ الوَعْد مِن الرّحيل

    وإنّما الأمرُ إلى الجَليلِ

    فلمّا سمعت السيّدة زينب(عليها السلام) تلك الأبيات، قالت: «يا أخي! هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل»! فقال(عليه السلام): «نَعَمْ يا أُختَاه»، فقالت: «وَاثكْلاه، يَنعي الحُسَين إليّ نَفسَه» (4).

    —————

    ۱ـ اللهوف في قتلى الطفوف: ۴۸٫

    ۲ـ مقتل الحسين: ۹۳٫

    ۳ـ اللهوف في قتلى الطفوف: ۴۹٫

    4- 1 المصدر السابق.

    بقلم: محمد أمين نجف