التصنيف: احداث مهمة

  • الانتفاضة الشعبانية عام 1991

     

              قبل التحدث عن هذه الانتفاضة المباركة التي قام بها أبناء الشعب العراقي بكافة قومياته ومذاهبه في عام 1991م ضد النظام الصدامي القمعي المجرم، لابد وأن نحيي أولئك الشباب الأبطال الذين لبوا نداء الشهادة من أجل رفع راية الثورة ضد السلطة الدكتاتورية التي أذاقت شعبنا العراقي أنواعاً من الويلات كالاعتقال والملاحقة والإعدام والتهجير ومصادرة الأموال والحريات والاعتداء على شرف العوائل النبيلة وغيرها من الأعمال الإجرامية التي يندى لها جبين الإنسانية.

              بعد هذه الأسطر القليلة والمتواضعة نأتي ونتحدث عما قام به أبناء مدينة كربلاء المقدسة من أعمال بطولية ومميزة أذهلت الأجهزة السلطوية للنظام الصدامي الغارق في بحر دماء العراقيين الأبرياء والذي ولى ومن غير رجعة إلى مزبلة التأريخ وهو المكان الذي يستحقه.

              في أثناء الغليان الشعبي الذي عم كافة أنحاء العراق كان أبناء كربلاء الشجعان على أهبة الاستعداد للمشاركة في الانتفاضة المباركة التي انطلقت من محافظة البصرة الفيحاء عندما تصدى أبناء هذه المدينة المجاهدة الصبورة لقوات الحرس الجمهوري المهزوم من دولة الكويت، وما أن وصلت هذه القوات التي كانت تتكون معظمها من الموالين للنظام الصدامي حيث كان أاأأأأمعظم قادة هذه القوات من أقرباء صدام المقبور ومن المنتفعين منه الذين كان يغدق عليهم الأموال والمنح والسفر وغير ذلك، مما جعل من هذه الشريحة تتمتع بملذات الدنيا على حساب أبناء هذا الشعب البائس المنكوب والمسلوبة حقوقه وكرامته.

              بعد شمول الانتفاضة معظم المدن العراقية رفع أبناء كربلاء راية الحرية ضد جيش النظام الصدامي حيث قامت مجموعة من أبناء مدينة كربلاء وبالأخص من محلة العباسية الشرقية والغربية بتقديمها نخبة من الشباب الغيارى الذين نالوا الشهادة ومجموعة من الأسر الكربلائية العريقة والتي سأذكر أسماءها في أحد أبواب كتابنا هذا وهم الذين ساهموا بالغالي والنفيس في هذه الملحمة البطولية حتى نالوا الشهادة على أيدي أزلام جيش النظام الصدامي المقبور بعد أن لقنوا هذه القوات الخائبة الدروس والعبر في المقاومة الملحمية التي لم يكن لها مثيل في الدفاع عن المقدسات والمبدأ وكيف تكون المقاومة الشريفة حقاً.

              كان أول ما قامت به هذه المجموعة البطلة هو الهجوم على مقر منظمة حزب السلطة التي تقع خلف إعدادية كربلاء، وما أن هجمت هذه المجموعة الثائرة حتى هرب أزلام النظام الخاوين جراء ضربات الثوار، وبذلك تمكن الثوار من السيطرة على هذه المنظمة بعد مقتل من تبقى منهم، وما أن سيطرت قوات المجاهدين عليها حتى استولوا على الأسلحة الموجودة في داخلها، وبعد استيلائهم على تلك الأسلحة توجهوا بعدها نحو مقر حزب السلطة الذي كان يدعى: (بمنظمة الصمود) وأي صمود هذا؟. حيث لم يصمد أعضاء هذه المنظمة إلا بضع دقائق.

              وما أن توجهت تلك القوات الثائرة صوب هذه المنظمة حتى لاذ المكلفون بحمايتها بالفرار باستثناء الحزبيين الذين لم يتمكنوا من الهروب الأمر الذي دعاهم إلا إطلاق النار على الجماهير الغاضبة بشكل عشوائي حتى يتسنى لها الهروب مما حدا بالثوار للرد عليهم ومن ثم قتل مجموعة كبيرة ممن اضطروا إلى البقاء في المقر المذكور بسبب عدم تمكنهم من الهرب.

              في أثناء قيام جماهير محلة العباسية الشرقية والغربية بعملها البطولي هذا خرجت بقية مناطق مدينة كربلاء لتعلن انتفاضتها ضد السلطة الصدامية الغاشمة كمحلة المخيم والقزوينية والسعدية والجمعية وحي المعلمين وحي العامل وحي الغدير وبقية الأحياء الواقعة في هذه المناطق، حيث قاموا بالهجوم على المقرات الحزبية العائدة للنظام هناك، ومنها مقر منظمة حي المعلمين، وما هي إلا لحظات حتى تم حرق المقر وقتل من فيه من أزلام النظام وقد نال الشهادة في هذه الملحمة عشرات الشباب المجاهدين الذين تصدوا ببسالة وحملوا قلوبهم على الأكف لإحقاق الحق ودحر المتجبرين من أزلام النظام الصدامي البائد، وما انجلت الغبرة إلا عن مجموعة طيبة من الشباب المتدين الذي لبوا نداء الحق ونالوا أسمى معاني الشهادة، بفعل إطلاق النار عليهم من قبل الحزبيين العفالقة وكان من أشرس أزلام هذا النظام المجرم الذي أوغلت يده القذرة بدماء أبناء كربلاء الأصلاء المجرم (مدلول) الذي كان مستميتاً بالدفاع عن صدام لأنه من النكرات المعروفين ومن الذين استفادوا من الهبات والمساعدات التي كان يغدقها صدام على أزلامه، وقد تمكن الثوار من قتله وبذلك سقط ذلك المقر بالكامل في أيديهم.

              في هذه الأثناء قام أبناء منطقة باب بغداد وحي العباس وحي الزهراء وباب السلالمة وباب الطاق وبقية المناطق القريبة من هذه المنطقة بالهجوم الكاسح عل مقر مخابرات النظام الصدامي ومديرية أمن النظام، ودارت معارك ضارية بين الثوار وبين أزلام صدام أسفرت عن استشهاد العشرات من فرسان كربلاء الشجعان، وبعد قتال عنيف تمكن المجاهدون من السيطرة على دائرتي المخابرات والأمن فقاموا بإطلاق سراح المسجونين والاستيلاء على الوثائق والمستمسكات المهمة التي بحوزة هاتين المؤسستين القمعيتين.

              على أثر هذه الأحداث قام أبناء محلة باب الخان والمناطق التابعة لها بالهجوم على عدد من المدارس التي كانت مقراً لقوات صدام المنهزمة والتي كانت قد انسحبت من الحدود العراقية السعودية، وما أن قام الثوار بالهجوم حتى استسلم الضباط والجنود، وعند استسلامهم قام أبناء كربلاء الأفاضل قاموا بإعطائهم مبالغ نقدية لقسم من هؤلاء الذين كانوا لا يمتلكون النقود ثم أوصلوهم إلى ضواحي مدينة كربلاء لتسهيل عملية عودتهم إلى مدنهم.

              هذا جانب، ومن جانب آخر فإن جموع غفيرة من أبناء المدينة قامت بحمل السلاح والاستعداد للتصدي للقوات الصدامية التي قرر صدام إرسالها إلى مدينة كربلاء للقضاء على انتفاضتهم المباركة.

              بعد سيطرة الثوار على المدينة بالكامل جرى تنظيم الأمور حيث شكل الثائرون لجنة للإشراف على شؤون المدينة المقدسة وتشكل لجنة أخرى لإدارة شؤون الثوار الذين استعدوا لمواجهة القوات الصدامية التي توجهت إلى مدينة كربلاء للانقضاض على الانتفاضة الخالدة.

              كانت أولى طلائع القوات الصدامية قد وصلت بالقرب من منطقة حي العباس، وما أن وصلت هذه القوات حتى تصدى لها الشباب الكربلائي بقوة وعنف، وما هي إلا ساعات قليلة حتى تم القضاء على تلك القوات.

              وفي أثناء اندحار هذه القوات كانت قوات صدامية أخرى قد توجهت نحو مدينة كربلاء من ناحية الحر، وبعد أن علم الثوار بتوجه هذه القوات تصدوا لها أيضاً، وبعد قتال شرس تمكنت القوات الثائرة أن تحرز النصر في هذه المعركة الفاصلة.

              بعد هذه التطورات قامت السلطة الحاكمة في بغداد بإرسال طائرات. هليكوبتر وقد حلقت هذه الطائرات في سماء كربلاء على ارتفاع شاهق حتى لا تصيبها المدفعية التي كانت بحوزة الثوار الذين تمكنوا من الاستيلاء عليها بعد هروب القوات الصدامية.

              بعد تحليق هذه الطائرات في سماء كربلاء قامت بإلقاء منشورات موجهة إلى أبناء المدينة تهدد فيها السطلة الغاشمة أبناء المدينة بأنها ستقوم بقصف مدينة كربلاء بـ(الكيمياوي) إن لم يلقوا السلاح.

              إثر هذه المحاولة البائسة زادت همة وحماس أبناء المدينة فما كان منهم إلا أن يقوموا بنصب المدافع الرشاشة فوق أسطح المنازل والبنايات للتصدي للقوات الصدامية التي أخذت تتوافد على كربلاء ومن عدة جهات.

              بعدما أيقنت السلطة الصدامية بأن أبناء كربلاء مصممون على الاستمرار في الانتفاضة أصدر صدام أمراً بتشكيل قيادة عسكرية تضم مجموعة من كبار الضباط يرأسهم صهره المجرم حسين كامل.

              بعد تشكيل هذه القيادة توجه أفرادها نحو مدينة كربلاء واتخذوا من بساتين منطقة عون مقراً لهم.

              في أثناء وصول أركان القيادة  إلى كربلاء زجت السلطة الصدامية بالعشرات من الألوية والكتائب والسرايا إضافة إلى قوات الحرس الجمهوري وأرسلتها إلى مدينة كربلاء للقضاء على المجاهدين الأبطال.

              ما أن وصلت طلائع هذه القوات حتى تصدى لها أبناء كربلاء الغيارى فدارت معارك ملحمية اعترف بعنفها وشدتها أركان القيادة العسكرية للسلطة الصدامية الذين ظهروا على شاشات تلفزيون بغداد.

              في أثناء تكريمهم من قبل رئيس النظام السابق لمسهامتهم بالقضاء على الانتفاضة المباركة.

              بعد وصول هذه القوات إلى أطراف المدينة خرج أبناء كربلاء إلى الشوارع بالتصدي لها وهم تواقون لنيل الشهادة للدفاع عن مدينتهم المقدسة.

              لم تمض ساعات قليلة على وصول هذه القوات حتى اشتبكت معها قوات المجاهدين من أبناء مدينة الحسين عليه السلام البواسل الذين سطروا أروع الملاحم البطولية وطرزوا بدمائهم الزكية خارطة التحرر من العبودية والاستغلال التعسفي الصدامي الهمجي، كانت معركة (حي العباس) من أشد المعارك ضراوة حيث وقف المئات من أبناء المدينة وقفة رجل واحد وهم يتلقون الرصاص بصدورهم الأبية التي لم تقبل الذل والهوان، فنال العشرات منهم الشهادة بعد أن لقنوا هذه القوات درساً لن ينسوه، أما المعركة المشرفة الأخرى التي خاضها أبناء مدينة التضحية والفداء، فكانت (معركة المخيم) التي شاركت فيها المدفعية الصدامية البعيدة المدى التي كانت تتواجد في منطقة الشريعة والحر إضافة إلى الدبابات والهاونات والأسلحة والأخرى.

              تصدى أبناء هذه المنطقة والمناطق الأخرى للقوات الصدامية المهزومة واشتبك الطرفان في معارك عديدة كانت بين فر وكر، ولم تستطع القوات الصدامية السيطرة على الموقف إلا بعد أن عززت بقوات إضافية بعد أن فقدت الكثير من قواتها بين قتيل وجريح وخاصة بعد أن قاتلت قوات المجاهدين بالسلاح الأبيض، لقرب المسافة بين الطرفين، وتمكنت قوات المجاهدين من إعطاب العشرات من الدبابات والمصفحات وتدميرها وإحراقها بالكامل، وإسقاط طائرتي هليو كوبتر تابعة للقوات الصدامية في أطراف المدينة.

              في هذه الأثناء كانت القوات الصدامية قد أخذت من منافذ لم تكن بالحسبان من لدى قوات المجاهدين من جهة (سيد جودة)، إلا أن أبناء المدينة وقواتها البطلة حشدوا كل طاقاتهم للحيلولة دون توغل القوات الصدامية مما أدى ذلك إلى حدوث اشتباكات عنيفة وقتال ضارٍ بين الطرفين، ونظراً لكثافة القوات الصدامية فقد تمكنت من التقدم بعض الشيء، ولكن قوات المجاهدين المظفرة باغتتها بنيران كثيفة خاصة بعد مرورها بشارع (سيدنا العباس عليه السلام)، وما أن دخلت هذا الشارع حتى انقضت عليها قوات المجاهدين الأبطال من عدة جهات حتى أن قسماً منها اتخذت من سطوح المنازل والبنايات العالية مواقع لها، فما كان منها إلا التصدي بقوة قاهرة حتى أدى ذلك إلى حرق العشرات من الدبابات المتقدمة نحو مرقد العباس عليه السلام وقد شاهد كاتب هذه السطور هذه الدبابات المحترقة التي بقيت عدة أيام بعد أنتهاء الانتفاضة المباركة جائمة على أنقاضها تدعو على نفسها بالويل والثبور.

              انحصرت القوات الصدامية المتقدمة في شارع العباس عليه السلام بين النيران الكثيفة التي أطلقت عليها من فوق سطوح المنازل والبنايات من جهة وبين النيرات التي أطلقت عليها من أزقة بيوت أبناء محلتي (العباسية الشرقية والغربية ومحلة باب الخان) وقوات الثوار من جبهات أخرى والتي كانت مكلفة بحماية مرقد سيدنا العباس عليه السلام.

              واصلت القوات الصدامية تقدمها نحو مرقد العباس عليه السلام الذي كانت قيادة قوات ثوار الانتفاضة تتمركز بداخله، بعد أن عززت بدبابات كثيرة جاءتها إثر طلبها التعزيزات.

              بعد وصول الدبابات بالقرب من منطقة (الفسحة) وهي إحدى مناطق باب الخان حتى أبيدت عن بكرة أبيها حيث قامت مجموعة من أبناء هذه المحلة المجاهدة برمي أنفسهم وهم مدججون بالسلاح من فوق أسطح البنايات وخاصة بعد أن شاهد هؤلاء الشهداء الأبرار القصف الصدامي وهو يصيب مرقد مولانا وسيدنا العباس بن علي عليهم السلام، في هذه الأثناء كانت القوات الصدامية قد تمكنت من اجتياز منطقة (حي العباس) وتمكنت من الوصول إلى محلة (باب بغداد) القريبة من مرقد العباس عليه السلام بعد أن عوضت بأسلحة ومعدات جديدة وصلتها من القوات التي أرسلها صدام تعويضاً للاسلحة والجنود الذين أبيدوا بالكامل من قبل قوات الثوار البطلة.

              من جهة أخرى كانت قوات صدامية أخرى قد تمكنت من الوصول إلى المنطقة القريبة من (المخيم) بعد أن فقدت العديد من ضباطها وجنودها وأسلحتها المهنية.

              بعد وصول هذه القوات المعززة بالأسلحة الحديثة والفتاكة بالقرب من الروضتين المقدستين الحسينية والعباسية قامت هذه القوات بإحكام سيطرتها على هاتين المنطقتين، وبعد أن هيأت نفسها للهجوم على المرقدين الشريفين اللذين كان المئات من الثوار يتحصنون فيها والذين استعدوا لنيل الشهادة والدفاع بعزيمة عالية وهمة منقطعة النظير عن حرمة المرقدين المقدسين.

              بعد مناقشات ومداولات أجراها المجرم المقبور حسين كامل مع أزلامه قرر الهجوم على المرقدين المقدسين بعد أن أمر العشرات من طائرات الهليوكوبتر بقصف مواقع الثوار الذين كانوا منتشرون فوق أسطح المنازل والبنايات الأمر الذي أدى إلى استشهاد العشرات منهم، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.

              بعد هذه التطورات قامت القوات الصدامية بمهاجمة المرقدين المنورين وبعد أن تقدمت هذه القوات المجرمة التحم الثوار معها ووقفوا وقفة رجل واحد للذود عن حمى الإسلام وعن المقدسات، فتصدوا للقوات الصدامية الباغية ببسالة فلم تتمكن بذلك تلك القوات من الدخول إلى المرقدين الطاهرين إلا بعد أن قامت بإنزال جوي، حيث هبط المئات من المظليين من أفراد القوات الصدامية الباغية وعن طرق الحبال إلى داخل الصحنين المقدسين، مما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة جدا وبالسلاح الأبيض هذه المرة، لنفاذ ذخيرة فرسان كربلاء.

              استمرت هذه المعارك عدة ساعات تمكنت فيما بعد القوات الصدامية من السيطرة على الصحنين المقدسين حتى قامت بإطلاق النار على كل من تواجد في داخلهما من أطفال ونساء وشيوخ عزل لجؤوا إلى هذه الأماكن المطهرة فراراً من القصف العشوائي الصدامي، أما المجاهدون الذين أسروا فقد نقلوا إلى خارج المرقد وتم إعدامهم فيما بعد.

              هذا وقد تحدث عدد من العاملين في البلدية الذين أمروا من قبل هذه القوات بنقل الجثث التي كانت موجودة في داخل الصحنين بأنهم شاهدوا المئات من الجثث المحترقة وكان من ضمنهم العشرات من النساء والأطفال والشيوخ الذين احتموا بالمرقدين بعد أن أصاب القصف المدفعي العشوائي منازلهم التي دمر قسماً منها.

    انتفاضة2

              استمر العاملون في بلدية كربلاء بنقل الجثث المحترقة لمدة يومين، وقد قدرت الجثث بأكثر من خمسمائة جثة حسب ما ذكره لي بعض شهود عيان من الذين أثق بنزاهتهم.

              بعد رفع الجثث من المرقدين المقدسين استقرت عدة سرايا من القوات الصدامية في داخلهما، وقد شاهد كاتب هذه السطور كيف كان هؤلاء الجنود وهم يجلسون علي كراسٍ وضعت أمام أبواب الصحن وقد وضعوا أمامهم أجهزة التسجيل التي كانت تصدح بالأغاني الماجنة كما هو دأبهم وبغضهم الأموي الدفين ضد عترة النبي المصطفى محمد عليهم السلام.

              كما أن قسماً من هؤلاء الجنود المارقين أخذوا يلعبون (كرة القدم) داخل المرقدين المطهرين ولم يتورعوا بقدسية هذين المكانين المقدسين. وقد اعتبروا الأبواب مكاناً للأهداف، وقد شاهد كاتب هذه السطور (كرة القدم) وهي تخرج من أحد أبواب الصحن العباسي المقدس والله شهيد على ما أقول.

    الانتفاضة3

              ما أن سيطرت القوا ت الصدامية على زمام الأمور حتى قامت بحملة اعتقالات واسعة وعشوائية شملت الآلاف من ابناء مدينة كربلاء سواء الذين شاركوا في الانتفاضة المباركة أم لم يشاركوا فيها.

              بعد اعتقال هؤلاء الأبرار جرى نقلهم إلى (فندق كربلاء) الذي أصبح مقرا لأركان القيادة الصدامية، وما أن كان يدخل هؤلاء الأبطال على عناصر السلطة القمعية حتى يجري إعدامهم بعد دقائق من دخولهم على هذه العصابة المارقة وكان يجري إعدامهم في ساحة الفندق المذكور، وقد برز في تلك الفترة أسماء زمرة خائبة من الذين كانوا يحققون مع المعتقلين ومن ثم يصدر أحكام الإعدام بحقهم، وهم: نقيب فواز،، أبو قتيبة، أبو غزوان، حسين التكريتي، أبو مصعب، وغيرهم ممن دنسوا أنفسهم ولطخوا أيديهم بدماء الأبرياء من السفاكين والمجرمين والقتلة.

              هذا من جانب ومن جانب آخر فإن القوات الصدامية التي قامت باقتحام المستشفى العام في كربلاء وبعد اقتحامها قامت بإعدام جميع من كان فيها من الجرحى الذين كانوا يرقدون على الأسرة حيث قامت بجمعهم في حديقة المستشفى ومن ثم إطلاق الرصاص عليهم، وهكذا استمر هذا المسلسل الغادر من قبل هذه القوات المجرمة بالإساءة إلى جميع أبناء المدينة المقدسة والقيام بحملة إبادة ضدهم.

              بعد مضي أسبوع على سيطرة القوات الصدامية المشينة على المدينة أصدر صدام حسين أمراً بتهديم مركز المدينة، حيث قامت قواته الخائبة بتفجير جميع المباني التجارية في شارع العباس عليه السلام وشارع علي الأكبر عليه السلام والمنطقة المحيطة بالحرمين المقدسين، وظلت تمارس هذه الإجراءات الجبانة حتى جاء ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المرحوم (صدر الدين آغا خان) الذي أنقذ المدينة وأبناءها من الممراسات اللا إنسانية التي قام بها النظام الصدامي الكافر، وهنا لابد أن نشير بأن الالتفاتة الربانية هي التي جعلت من الأمين العام للأمم المتحدة يختار هذا الرجل الذي ينحدر من أصول شيعية وهو رئيس (فرقة الآغا خائية) وهي إحدى الفرق الإسماعيلية وهذه الفرقة هي إحدة فرق الشيعة الرئيسية في العالم الإسلامي والتي ينتمي إليها الخلفاء الفاطميون الذين حكموا الدولة الفاطمية العملاقة وهي إحدى دول الشيعة الرائدة التي حكمت مصر والعديد من الأقاليم الإسلامية، بعد مجيء هذا الرجل أوقفت السلطة حملتها بتهديم المباني والبيوت الواقعة في مركز المدينة، ما أن غادر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة حتى قامت القوات الصدامية وأجهزة الأمن والمخابرات والحزبيين بتشكيل لجان مشتركة كان الغرض منها اعتقال المزيد من أبناء المدينة وفعلاً قامت هذه الأجهزة البوليسية بحملة كبيرة حيث داهمت البيوت وقامت باعتقال مئات الأشخاص ومن ثم إرسالهم إلى معتقلات (الفضيلية، الرضوانية، الأمن العام، وغيرها من غياهب السجون التي كانت مقراً للتعذيب القاسي لأبناء الشعب العراقي).

              لم تمض أيام معدودة على اعتقال هؤلاء حتى جرى إعدام الأغلبية منهم، فوفدوا إلى ربهم وهم مطمئنون بفوزهم بلقائه ونيلهم الجنة وهم مضرجون بدمائهم الطاهرة، أما المئات من المعتقلين الآخرين فقد قضوا عدة أشهر في هذه المعتقلات، وبعد عذاب شديد تعرضوا له في زنزانات السلطة الرهيبة أطلق سراحهم بعد ان دفع اقاربهم مبالغ نقدية (رشوة) إلى أزلام السلطة الكافرة مقابل إطلاق سراحهم.

              وقد تحدث هؤلاء بعد إطلاق سراحهم عن الأساليب البشعة التي مارسها أزلام السلطة القذرة معهم، وقد روى لي أخي الكبير المرحوم فريد زميزم الذي كان قد اعتقل من قبل أفراد أمن صدام بعد انتهاء الانتفاضة حكايات تقشعر منها الأبدان، وكان من ضمن هذه الأعمال البربرية ما يلي: تقوم سلطات السجن بجلب مجموعة من المعتقلين وكان المرحوم من ضمنهم وبعد الإتيان بهم يجردونهم عن ملابسهم حتى يبقون بالملابس الداخلية فقط ثم يؤمرون بالإنبطاح على الأرض التي فرشت بالحصى الخشن، وبعد أن يمتدوا على الأرض يقوم الحراس بدحرجة العشرات من البراميل المملوءة بالماء على أجسادهم، وكان يجري ذلك في وقت الظهيرة أي في شدة الحر وهكذا كانت تكرر هذه الأعمال على قدم وساق، ثم يقوم حراس السجن بإعادة المعتقلين إلى السجن وعند عودتهم توزع عليهم مياه حارة لغرض شربها فيضطر المسجونون للامتناع من تناولها الأمر الذي يؤدي إلى ضربهم من قبل الحراس بالهراوات ضرباً مبرحاً حتى يغمى على الكثير منهم ثم يتركونهم وهم يتضورون الماء عطشاً.

              هذه لمحة موجزة عن الأعمال البربرية واللاإنسانية التي تعرض لها أبناء مدينة كربلاء بعد انتهاء الانتفاضة الشعبانية، حيث أعدم المئات منهم وستقرأ عزيزي القارئ الكريم في أحد أبواب هذا الكتاب أسماء قسم من العوائل الكربلائية التي أعدم أبناؤها ظلماً وعدواناً إضافة إلى أنك سوف تطلع أيضاً على أسماء عوائل أخرى أعدم أبناؤها على أيدي السلطات الصدامية الدموية خلال الحرب العراقية الإيرانية بتهمة انتمائهم إلى الحركات الإسلامية حيث سبق وأن أصدر بما يسمى بـ(مجلس قيادة الثورة) الذي كان يرأسه صدام المقبور قراراً ذا أثر رجعي بإعدام كل من يثبت عليه وحسب قناعته المحاكم الصورية التي أمر بإنشائها هذا الرجل السيئ الصيت بأنه من الأشخاص الذين يحاربون نظامه التعيس وهكذا تم إعدام الآلاف من أبناء الشعب العراقي بشكل عام وأبناء مدينة كربلاء بشكل خاص بعد أن حكم عليهم المجرمون الذين ترأسوا هذه المحاكم أمثال المجرم: مسلم هادي، وعواد البندر وغيرهم من القتلة الطغاة المارقين الذين سيلقون العذاب الأليم من الله القوي المتعال جزاء لما اقترفته أياديهم من الأعمال الإجرامية المشينة هذه.

              هذا ولابد من الإشارة هنا بأن القوات الصدامية قامت بعد أن سيطرت على مدينة كربلاء المقدسة بتهديم جميع الحسينيات المنتشرة في كربلاء والتي كانت تعود إلى أبناء المدن العراقية، وقد سرقت محتويات هذه الحسينيات كالسجاد الفاخر والأجهزة الكهربائية كالمكيفات والمراوح والثريات النفيسة، إضافة إلى أعداد كبيرة من الكتب العلمية والتاريخية التي تم حرقها باعتبارها من كتب الشيعة، ولم يسلم من عبث هذه القوات حتى (القرآن الكريم) الذي أصابه أضرار كبيرة جراء التهديم العشوائي للحسينيات المذكورة.

              بعد تهديم هذه الحسينيات أصدرت وزارة الأوقاف أمرا بمصادرة الأرض التي شيدت عليها الحسينيات واعتبارها ارضاً تابعة للدولة دون أي تعويض لأصحابها بأي مبالغ نقدية.

              أما المباني والمحلات التي تم تهديمها فلم يقم النظام بتعويض أصحابها إلا بعد مضي خمس سنوات على القضاء على الانتفاضة، أي في عام 1996 وقد قدرت الحكومة الصدامية سعر المتر الواحد بعشرة آلاف دينار علماً أن سعر المتر الواحد كان يبلغ في تلك الفترة مائة وخسين ألف دينار، ومن يمتنع من إستلام المبلغ المقدر يلقى القبض عليه، وقد شكلت لهذا الغرض لجنة برئاسة نائب المحافظ الذي كان يدعى (محمد الجاف) وكان هذا من أشرس المرتشين الذين أثروا ثراء فاحشاً على حساب أبناء المدينة وحقوقهم، وقد قام هذا باستدعاء الأشخاص الذين تعود لهم تلك البنايات والدور وإجبارهم على المراجعة لاستلام المبالغ المقررة لهم والتي كانت لا تساوي إلا جزءاً  يسيراً من قيمة العقارات، وقد قام هؤلاء باستلام تلك المبالغ تحت طائلة التهديد لأنهم يعلمون بأنهم إن لم يأخذوا هذه المبالغ فإن مصيرهم السجن وربما الإعدام! ولا غرابة في ذلك.

              أما ما قام به المجرم حسين كامل من مجازر وأعمال وحشية فكانت كثيرة حيث ابتكر أعمالاً مشينة كان منها الإشراف شخصيا على إعدام المئات من أبناء المدينة وبشكل يندى له جبين الإنسانية ومن هذه الأعمال أنه قام بإعدام مجموعة كبيرة تقدر بمئات الشباب بعد نقلهم إلى منطقة (الرزازة) وعند وصولهم يتم إعطاءهم جرعات من مادة (البنزين) وبعد تناولهم لهذه المادة يطلق عليهم الرصاص بكثافة، حتى تلتهب أجسامهم ناراً، وهو ينظر إليهم ويضحك متشمتا بهذه النخبة الخيرة من أبناء هذه المدينة الباسلة، ومن الأعمال الوحشية الأخرى التي قام بها هذا السفاح الأهوج هو أنه أمر المعتقلين بنزع ملابسهم والبقاء بملابسهم الداخلية ومن ثم دفنهم بكامل جسمهم باستثناء الرأس ومن ثم يطلق الرصاص عليهم.

              من المجازر الأخرى التي قام بها هذا الوغد المتعطش لسفك الدماء حفيد الحجاج والأمويين الفسقة هو رمي مادة البنزين عليهم بعد أن يكبل أيديهم ثم يرميهم في حفرة يعدها بواسطة البلدوزرات ثم يأمر أتباعه بإطلاق النار عليهم، وبعد إطلاق النار عليهم تقوم تلك البلدوزرات برمي التراب عليهم ومن ثم تسير من على فوق تلك الحفرة.

              ومن الأعمال الإجرامية الأخرى التي فعلها حسين كامل كان يأتي بقسم ممن يشخصون المجاهدين ممن اشتركوا بالانتفاضة البطلة ضد فرعون العراق ويأمر بربطهم بالحبال ومن ثم ربط تلك الحبال بنهاية السيارات الحاملة للجنود وبعد أن يتم ذلك يأمر السواق بالسير وبسرعة وما أن تسير هذه السيارات حتى تتمزق أعضاء هؤلاء المجاهدين ومن ثم تترك أجسادهم عرضة للحيوانات الكاسرة.

              بعد انتهاء الانتفاضة عاد حسين كامل مع أعوانه إلى بغداد وبعد وصوله ذهب إلى رئيسه المقبور ليخبره بما جرى في كربلاء لأن مدينة كربلاء استمرت في مقاومة القوات الصدامية لمدة أربعة عشر يوماً وهي أطول مدة قياساً مع باقي المدن العراقية استطاعت قوات المجاهدين أن تتصدى لتلك القوات المهزومة، علما بأن القوات الصدامية قد تمكنت من السيطرة على جميع المدن العراقية خلال أيام قليلة باستثناء مدينة الدم والشهادة مدينة الإباء والتضحية مدينة كربلاء المقدسة.

              بعد إبلاغ المجرم حسين كامل سيده صدام بسيطرة قواته على مدينة كربلاء، قام بتوجيه خطاب إلى الشعب العراقي يعلن فيه تمكنه من القضاء على الانتفاضة الشعبانية ويهدد أبناء الشعب العراقي بالويل والثبور لكل من يقاوم جبروته وسلطانه المتهرئ.

              بعد انتهاء الانتفاضة وعودة القوات الصدامية إلى بغداد أمرت السلطة ببقاء قسم من عساكرها في ضواحي مدينة كربلاء تحسبا من أن أبناء المدينة البواسل قد ينتفضون مرة أخرى لأن السلطة تعلم جيداً بأن أبناء المدينة البواسل هم على خط الشهادة منذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وحتى ظهور المنقذ الإمام صاحب الزمان (عج).

              وهكذا كان النظام المقبور يتحسس من كل صيحة عليه ويظنها هي العودة فيحذرهم وهذا ما أكده صدام بنفسه عندما استقبل وزير تجارته وسأله عن نشاط وزارته فقد أبلغه الوزير بأن الوزارة تقوم بتوزيع بعض المواد الغذائية وفق البطاقة التموينية، وفي أثناء حديث صدام معه جاء اسم مدينة كربلاء، فقال صدام مستهزئاً بلهجته المعروفة: (أعط أهل كربلاء لأنهم خوش يكاونون)!!. أي يحاربون جيداً.

              لم يمهل الباري عز وجل السفاح المجرم حسين كامل كثيراً إذ سرعان ما أصيب بورم خبيث في راسه الأمر الذي أدى بإرساله إلى فرنسا للعلاج، وبعد ذهابه إلى هناك أجريت له عملية ناجحة باستئصال الورم وعادت صحته على أحسن ما يرام، ولكن على ما يبدوا إن الله عز وجل أراد له شيئاً آخر ألا وهو أن يسحق ويرمى على المزبلة، وهو ما حدث إذ سرعان ما نشب الخلاف بين حسين كامل والمقبور عدي نجل صدام وعلى أثر هذا الخلاف هرب المجرم حسين كامل مع زوجته وأطفاله إلى دولة الأردن ومكث فيها عدة شهور، وفي أثناء وجوده في الأردن تدخل الملك حسين لدى صدام حسين وطلب منه أن يصدر أمرا بإعفاء حسين كامل من العقوبة التي تنتظره.!!. فوافق صدام على طلب حسين كامل.

              بعد إصدار صدام عفواً عن صهره عاد إلى العراق، وبعد عودته بعدة أيام أرسل صدام مجموعة من أبناء عمومته وأمرهم بقتل المجرم حسين كامل، وصل هؤلاء إلى دار المجرم حسين كامل مع العديد من أفراد أسرته، وبعد مقتله رمي جنب مزابل بغداد بعد أن سحق رأسه العفن بأحذية الذين هاجموه.

              وهكذا كان مصير هذا الوغد الذي تحدى الإمام الحسين عليه السلام عندما وقف أمام مرقده الشريف بعد تمكن قواته من السيطرة على الموقف وقد خاطب الإمام الحسين عليه السلام بقوله: ( انت حسين وأنا حسين وخل نشوف منهو الأقوى) هكذا كان مصير هذا السفاح الذي أساء لمرقد الإمام الحسين عليه السلام ومن يحذو حذوه إذ إنها والله من الكرامات الباهرة التي ظهرت من الإمام الحسين عليه السلام في عصرنا هذا.

              ولا يخفى أن التاريخ يعيد نفسه حيث تعرض ذلك المرقد السماوي لأبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام لسلسلة من الاعتداءات قام بها أسياد المجرم حسين كامل كالمنصور والرشيد والمتوكل ومن لف لفهم الذين قاموا بتهديم المرقد المقدس وكان جزاء ذلك لهم هو الخزي والعار الذي لحقهم إلى أبد الدهر. وكل من تفرعن وطغى وحاول المساس بهذه البقعة الشريفة، والدليل واضح وهذا ما صرح به التاريخ عبر صفحاته الخالدة.

              هذا وقد اكتشفت عدة مقابر جماعية تضم رفات الشهداء الأبطال من أبناء كربلاء الذين أعدمهم حسين كامل، وكانت المناطق التي اكتشفت هي: (الحر، الرزازة، المخيم، باب طويريج، الحي الصناعي، طريق النجف- كربلاء، حي التعاون) ومناطق أخرى كثيرة ولا زالت إلى يومنا هذا تكتشف المقابر تلو المقابر في العديد مناطق مدينة كربلاء.

              هؤلاء هم أبناء كربلاء فرسان شجعان، أبطال صناديد، لا يهابون الموت، بل علموا الموت كيف يحيى  من لازم المبادئ والقيم، والتضحية والفداء. ورثوا الشهادة من زعيمهم وباني مجدهم الإمام الحسين عليه السلام رمز التضحية والفداء، هذا الذي وقف تلك الوقفة الخالدة أما أزلام بني أمية الذين هم أجداد أولئك الأقزام الذين استباحوا مدينة كربلاء بأمر سيدهم حفيد بني أمية صدام الذي أخزاه الله في الدنيا والآخرة، وهكذا كان أبناء كربلاء سيوفاً مشرعة وسيبقون هكذا  بإذن الله لأنهم تخرجوا من مدرسة الحسين العظيم سلام الله عليه الذي وقف بوجه الزمرة الأموية المارقة التي أرادت للدين الإسلامي ورموزه الميامين الإساءة إلا أن الباري عز وجل أخزى تلك العصابة الضالة وأذهب بها إلى مزبلة التاريخ، وخلد أولئك الرجال العظام الذين قدموا دماءهم الزكية رخيصة من أجل عزة ورفعة ديننا الإسلامي الحنيف، وها هو الإمام الحسين العظيم يبقى مشعلاً وهاجاً رغم أنوف المعتدين،  وها هو عليه السلام يدخل إلى قلوب الرجال المتنورين على اختلاف أديانهم وأفكارهم وقومياتهم.

              ومن يريد الاطلاع على ذلك الموقف الخالد الذي وقفه عليه السلام ضده الطواغيت فليراجع مئات الكتب المعتبرة التي زينت صفحاتها بآلاف الأقوال والكلمات التي قالها مفكرو وساسة العالم أجمع.

              وهنا لابد من الإشارة بأننا والحمد لله قد أنجزنا كتاباً سيصدر عما قريب في بيروت، يتضمن أقوال أكثر من (200) شخصية عالمية بحق الإمام الحسين عليه السلام وقد سبق أن عرضت هذه الأقوال ببوستر جميل في منطقة بين الحرمين المقدسين في مدينة كربلاء المشرفة في شهر محرم الحرام لسنة 2009م.

              ما جاء في هذا الفصل هو ما شاهده وسمعه مؤلف الكتاب لأنه كان متواجداً في كربلاء وشاهد قسماً من تلك الأحداث،  إضافة إلى إجرائه عدة لقاءات مع قسم ممن شارك في هذه الانتفاضة المباركة، كما أن المؤلف التقى بعدد من الذين اعتقلوا من قبل الأجهزة الأمنية، وقد تحدث هؤلاء عن الأساليب البشعة التي تعرضوا لها أثناء اعتقالهم، وكان من بين المعتقلين شقيق المؤلف المرحوم الأستاذ فريد زميزم الذي توفي فيما بعد بسبب التعذيب القاسي الذي تلقاه على أيدي تلك الزمرة الملطخة أيديها بدماء الأبرياء.

    ……………………………………

    المصدر: تاريخ كربلاء قديماً وحديثاً/ سعيد رشيد زميزم: ص163- 180.

  • مؤتمر كربلاء 1340 هـ

    مؤتمر كربلاء الاول

    وفي 11 آذار سنة 1922م ، أي بعد حوالي 7 أشهر من تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق ، أغارت قوة كبيرة من الوهابيين على بعض العشائر في الناصرية جنوب العراق فقتلت حوالي سبعمائة شخص ونهبت الكثير من البيوت ودمرتها. وعلى أثر ذلك دعا علماء الدين الشيعة إلى عقد مؤتمر في كربلاء المقدسة في نيسان 1922م وبمناسبة زيارة النصف من شعبان للأحتجاج على غارات الوهابيين.في الخامس عشر من شعبان سنة 1340 هـ (12 نيسان 1922م) وعقد المؤتمرون اجتماعهم الأخير في صحن الامام الحسين بكربلاء وكان من أبرز علماء الدين الذين دعوا إلى هذا المؤتمر الشيخ مهدي الخالصي.

    ووقع الرؤساء والزعماء وثيقة للنظر بما اوقعه الخوارج الأخوان باخواننا المسلمين من الاعمال الوحشية من القتل والسلب والنهب ورفعت الى جلالة الملك . وقد حضر المؤتمر العلماء والرؤساء والزعماء والادباء وقادة الرأي وقدر عددهم بنحو مئتي الف نسمة وندبت الحكومة وزير الداخلية توفيق الخالدي لحضور المؤتمر .

    وقد صدرت عن المؤتمر مقررات أهمها المطالبة بالجلاء البريطاني التام عن العراق وإلغاء الأنتداب.

    مؤتمر كربلاء الثاني

    وفي منتصف شعبان سنة 1349 هـ (5 كانون الثاني 1931م) عقد المؤتمر في كربلاء حضره ممثلون عن العشائر المختلفة ولفيف كبير من الشخصيات القيت فيه الخطب الحماسية واسفر عن توقيع مضبطة تؤيد (مناهضة مشروع المعاهدة الجديدة بكل الوسائل السياسية لانه مشروع جائر وصك ممقوت) و(السعي لاسقاط الوزارة السعيدية وحل المجلس النيابي لعدم مشروعيته) ورفع الى الملك.

    المزيد من احداث القرن الرابع عشر الهجري

  • ثورة العشرين 1338 هـ

    ثورة العشرين ( 1338هـ ـ 1920م )

    كان لكربلاء دور بارز في ثورة العراق والمطالبة بحريته وأستقلاله ، سنة 1338هـ (1920م) وذلك لأن المرجع الديني الأكبر الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي آثر الإقامة في كربلاء لقيادة الحركة المناهضة لسلطة الأحتلال.

    وفي غمرة الأحداث التي تطورت نتيجة أستياء الشعب من سلطة الأحتلال البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن تمتص غضب المعارضين فأصدرت لهذا الغرض أوامرها لوكيل الحاكم الملكي العام في بغداد ليقوم بالتعرف على آراء العراقيين في شكل الحكم الذي يريدونه ، وذلك بإجراء استفتاء عام. وحاولت سلطة الأحتلال أن تُجري الاستفتاء طبقاً لرغبتها. ولكنها فشلت في المدن المقدسة ولا سيما كربلاء ، نتيجة الفتوى الشهيرة التي أصدرها المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وتأييد العلماء المجتهدين في كربلاء والنجف والكاظمية لها والتي نصت على أنه « ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمام والسلطنة على المسلمين ».

    وبالرغم من أن كربلاء كانت منطلقاً لثورة العشرين سنة 1338هـ (1920م) بقيادة المرجع الديني الشيرازي إلا أنها سلمت مع المراقد المقدسة فيها من التعرض لأي سوء.

    وكانت كربلاء قد استمرت في مقاومة رجال الاحتلال البريطاني ، وقد اكتشفت هذه السلطات في خريف 1919 مؤامرة لقتل الضباط البريطانيين والموظفين في كربلاء فقامت بتوقيف بعض الاشخاص ، كما صدرت الفتاوى بتحريم توظيف المسلمين في الادارة البريطانية فبدأت الاستقالات من خدمة حكومة الاحتلال تزداد يوماً بعد آخر . وعندما نودي بالامير عبد الله ملكاً على العراق من قبل المؤتمر العراقي في 8 آذار 1920 نشطت في كربلاء حركة واسعة تحث جميع شيوخ القبائل الفراتية توقيع وثيقة ترسل الى الامير عبد الله تدعوه للتوجه لتسلم مملكته ، كما ارتفعت الدعوة من المدينة للقيام بحركة متناسقة من أجل تشكيل حكومة مسلمة ، وكان لهذه الدعوة أثرها في اثارة القبائل للدفاع عن بيضة الاسلام ضد الكفار . ويقول ايرلند ان خطط الثورة كانت قد وضعت بصورة أكيدة في كربلاء في متنصف حزيران 1920 عندما كانت جماعات من الوجهاء وشيوخ العشائر تؤدي واجب الزيارة ، وتؤكد المس بيل هذه الحقيقة حين تقول ان خطة معينة قد وضعت للثورة حين زار كربلاء في العيد الذي صادف وقوعه في منتصف حزيران عدد كبير من الشيوخ والوجهاء .

    وازاء تصاعد روح المقاومة في كربلاء قامت السلطة البريطانية في 22 حزيران باعتقال عدد من شخصيات المدينة هم : السيد حسين الدده والسيد عبد الوهاب آل طعمة وعبد الكريم العواد ، وأحمد القنبر ، وعمر الحاج علوان ، وعثمان الحاج علوان ، ومحمد علي الطباطبائي ، وأحمد البير ، وكاظم أبو ذان ، وعبد المهدي القنبر وغيرهم . ولكن هذه الاجراءات لم تؤد الا الى ازدياد روح الثورة واتساع نطاقها .

    كان أول ما اندلع لسان الثـورة من كربلاء وذلـك لأمرين : (1) وجود آية الله الشيرازي قطب الوطنية في كربلاء (2) زيارة نصف شهر شعبان ، وهي الزيارة الوحيدة التي يجتمع فيها سائر المسلمين والقبائل . وكان قد عين أيام الثورة السيد محسن أبو طبيخ متصرفا في شؤون اللواء وما يتبعه .

    وأخذ جمع كبير من علماء الدين وزعماء العشائر يأمون هذه المدينة لتلقي التعليمات والأوامر من القيادة الدينية وتدارس الوضع في العراق ، وكانت الأجتماعات تعقد لهذا الغرض. وعقد أحد الأجتماعات السرية في دار المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي لتداول أمر الثورة مما كان له أثره البعيد في أتساع نطاقها وأستمرارها في أكثر المدن العراقية.

    ولم يستطع المرزا محمد خان بهادر ، معاون الحاكم السياسي في كربلاء ، ان يحد من الروح الثورية او يقف بوجه الثوار فأنسحب من كربلاء ، وأصبحت المدينة تحت سيطرة الثوار الذين رفعوا علم الثورة العربية الكبرى على مبنى البلدية وعينوا السيد محسن أبو طبيخ متصرفاً للواء كربلاء .

    أما بريطانيا فقامت بمحاصرة المدينة وذلك بقطع مياه نهر الحسينية عنها ، لكن هذه الخطوة لم يكن لها أي تأثير على تطور الاحداث وسيرها .

    وقد اتهم ارنولد ويلسن ، وكيل الحاكم الملكي العام ، جهات أجنبية بأثارة المدينة ، ويقول «أن سبعة آلاف ليرة تركية ذهب قد وصلت الى ايدي المتطرفين في كربلاء خلال شهري مايس وحزيران» ومهما يكن من أمر فان المدينة بقيت في ثورتها الى ان استطاع البريطانيون العودة اليها .

    ولكن بعد بضعة أشهر ، بدأت الثورة تخمد رويداً رويداً لأسباب عديدة من أهمها وفاة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي في 14آب 1920م وقيام سلطة الأحتلال بمناشدة الثوار التفاوض معها مما أدى إلى أختلاف في وجهات النظر. وحدث في هذا الوقت بالذات أمر خطير أخر وهو أن الذخيرة بدأت تنفد مما كان له اثره البعيد في إضعاف الثورة ثم توقف القتال.

    المزيد من احداث القرن الرابع عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب كربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة وكتاب عمارة كربلاء للدكتور الانصاري ) بتصرف

  • حادثة حمزة بك 1333 هـ

    حادثة حمزة بك

    في سنة 1333 ليلة النصف من شعبان ، وكانت كربلاء غاصة بالزوار الواردين من الاطراف للزيارة ، ثار أهالي كربلاء في وجه الحكومة أيام اشتغالها بالحرب العامة . بعد شدة ضغط الحكومة على أهالي كربلاء والنجف فهجموا على السجن واخرجوا المسجونين وانتهبوا دوائر الحكومة وبيوتهم ففر المأمورون والموظفون أجمع . وفي سنة 1334 هـ / 1915 م توسط العلماء والاشراف بارجاع الحكومة ، وكان الحاج عبد المهدي الحافظ وسيطاً بين الأهلين والحكومة . فعادت الحكومة وليس لها حول ولا قول ، أي أنها مشلولة الساعد ، وعينت متصرفاً اسمه (حمزة بك) وهو كردي الأصل ، فتقوت الحكومة وجلبت جيشاً من بغداد بقيادة (دله علي) . وكان رئيس الخيالة ( ثريا بك ) ، ودخل البلد من جانبها الشرقي وتحصنوا في بعض الخانات والبيوت الحصينة . وصار الطرف الغربي بيد الأهالي ، وانقسمت المدينة إلى قسمين ، ولم تزل الحرب قائمة بين الطرفين عدة أيام . وقتل من الجانبين خلق كثير وانتهت المعركة بعد قتل ذريع وخراب اكثر البيوت والمنازل بهزيمة العسكر . وانتهاب الاهالي اسلحتهم وذخائرهم . وبقيت البلدة بيد الأهالي الى أن احتلها الانگليز . فاستعدت الحكومة للقتال مع الأهلين ، وبعد جهد جهيد تمكن العلماء والأشراف من إرجاع المياه إلى مجاريها الطبيعية وإعادة السكينة إلى البلدة ، فرجع الموظفون العثمانيون لإدارة شؤون المدينة ، فأرسل إلى كربلاء متصرفاً اسمه( أسعد رؤوف ) وبقي هذا يدير شؤون البلد حتى سقوط بغداد . وكان من رؤساء هذه الحادثة الشيخ فخري كمونة المتوفى سنة 1357 هـ وعبد الرحمن آل عواد وعبد الجليل آل عواد .

    وحدثني بشأن هذه الحادثة المرحوم السيد كاظم السيد مهدي النقيب فقال : « بعد نصف شعبان بتسعة أشهر تفاوض الوجوه والاشراف مع الافرارية(اليرمازية ) وفي مقدمتهم السيد محمد مهدي بحر العلوم والحاج عبد المهدى الحافظ والسيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد محسن النقيب والسيد حسين الددة وأخذوا يمنعونهم من دخول المدينة ، ويؤكدون بقاءهم في الخارج ، وكان الشيخان محمد علي وفخري كمونة يحثان الافرارية على دخول البلد كيما يوفقا بين مطاليب الحكومة والافرارية لعدم حدوث الاصطدام ، حتى أسفرت النتيجة عن تأزم الأحوال . فجاء الشيخ فخري حتى وصل ساحة المخيم وهو مثير الحركات ، وحدث اصطدام بين أهالي كربلاء وبين الحكومة فانحصر العسكر بالقلغ . أما حادثة القلغ فهي التي وقعت في اليوم الثاني من حادثة حمزة بك وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً ، فقد أراد أهالي كربلاء احتلال القلغ الواقع في ساحة المخيم مجاور لدار السيد علي الواعظ ، فرموا انفسهم في داخله ، وكان الجندرمة يضربون من داخل القلغ ، وتكاثر الاهالي ولم يبالوا بالضحايا فاصطادوهم واسروهم واخذوا بنادق الجندرمة ، وبقي قسم من الجندرمة في ساحة البلدية ( الميدان ) وكانوا متحصنين يضربون الفارين ومنهم آل زنكي . وعندما بقي قسم من العسكر الذي احتل محلة العباسية ، أوعز الشيخ فخري كمونة لأهالي كربلاء فطيروا العلوة وفتحوا سدة عبد الواحد التي كانت تحافظ مدينة كربلاء من خطر المياه الآتية من سدة الهندية ، وفتحوا جميع الفروع المتشعبة في نهر الحسينية ( الهنيدية ) المجاور لمحلة العباسية الشرقية والغربية وفتحوا الماء فغرقت العباسية بكاملها حتى وصل إلى دار الحاج عبد الصراف وساحة البلوش ودار البلدية في الميدان . وكانت سفينة حمولتها 20 طغار تحمل من شارع أبي الفهد مارة بدور السيد محمد البزاز والسيد محمود الوهاب وتغادر كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى البصرة » .

    ومجمل القول ان هذه الحادثة لا تقل فضاعة من الحوادث السابقة لو لم يستول الماء على الاماكن التي تحصن فيها الجنود ، فاضطروا للخروج منها .

    المزيد من احداث القرن الرابع عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب تراث كربلاء ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • وقعة الزهاوي للعجم 1324 هـ

    وقعة الزهاوي للعجم

    وهذه الحادثة تعرف بواقعة ( شهداء عرصة كربلاء ) وقد حدثت سنة 1324 هـ . وتأتي الحادثة بعد وقوع الصلح بين الأهالي والحكومة العثمانية ففرضت السلطات العثمانية بعض الضرائب على الجاليات الأجنبية القاطنة كربلاء وهي ان تدفع الكسبة عن كل دكان في كل شهر ـ ما يساوي (12) آنة الى مدة محدودة من السنين وبعد انتهاء المدة استمرت الحكومة على استيفاء تلك الضريبة ، ولما كانت الحكومة العثمانية لها معاهدات مع الحكومة البريطانية وروسيا القيصرية ، لهذا استثنت رعايا هاتين الدولتين وطبقتها على الجالية الإيرانية . ولما بلغت الجالية الإيرانية بهذا الأمر ، رفضت الاطاعة وأعلنت العصيان ، فالتجأت إلى القنصلية البريطانية في كربلاء ـ آنذاك ـ مطالبين منحهم الجنسية البريطانية ، فلم يلب القنصل البريطاني طلبهم وخرجوا إلى محلة العباسية الشرقية ونصبوا خيامهم حول القنصلية المذكورة معلنين احتجاجهم على هذا التصرف من قبل السلطة العثمانية ، وكان المتصرف العثماني آنذاك ـ رشيد باشا الزهاوي ـ فقد وسط هذا كبار العلماء لاسداء النصح لاولئك العصاة ، فلم يرعووا واستمروا على عصيانهم فأمهلوا أياماً ليرتدعوا حتى بلغ السيل الزبى ، واستعدت السلطات العثمانية لانزال ضربة قاضية بهم . وكانت الحادثة في صباح يوم السبت 8 رمضان سنة 1324 هـ / 1903 م حيث هجمت عساكر العثمانيين عليهم مع أذان الفجر وعملوا فيهم السيف ، مما نجم عن مقتل اثنين وتسعين قتيلاً ، وفر الباقون ـ وكان الباقون جرحى حملوا سراً إلى دورهم ، حيث قضوا نحبهم تدريجياً لعدم وجود وسائل طبية حديثة ـ فهجم العسكر على خيامهم وانتهب ما فيها . وقيل : قام رشيد باشا الزهاوي بأخطارهم أول الليل فل يتفرقوا وبينما هم نائمون في خيامهم أمر الزهاوي الشرطة أن يضربوهم بالرصاص قبل الفجر ، فضربوهم ، واصيب من الايرانيين حوالي الخمسين شخصا بين قتيل وجريح . وانهزم الباقون وكانت مادة تاريخ هذا الحادثة هو ( شهداء عرصة كربلاء ) . ومما يذكر بهذا الصدد أن الوالي مجيد بك قد عزل بسبب الحادثة ذاتها ، كما ينص على ذلك البحاثة عباس العزاوي بقوله : وكان سبب عزله حركة كربلاء حين وجه رشيد باشا ابن الاستاذ محمد فيض الزهاوي وكيل المتصرف فوقع القتال بين العجم وبين الجند بسبب أخذ الرسوم .

    قررت الحكومة فرض غرامة مالية على البلدة . ، فامتنع الكسبة واكثرهم ايرانيون عن الدفع . وقد رفعوا شكوى فلم تسمع لهم شكاية . فالتجأوا الى التحصن بالسفارة الانگليزية التي كانت في كربلاء . ونصبوا الخيام حولها واستظلوا بها . وكلما نصحتهم الحكومة والعلماء والاشراف لم يقبلوا فصممت الحكومة على تفريقهم بالقوة وكان المتصرف يومئذ رشيد الزهاوي . وفي ليلة من اخريات شهر رمضان سنة 1324 .

    المزيد من احداث القرن الرابع عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب تراث كربلاء ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • يوم ورود الشعرات النبوية 1310 هـ

    يوم ورود الشعرات النبوية

    وكان يوم ورود الشعرات الشريفة الى كربلاء من الأيام المشهورة اذ هرع الاهلين رجالا ونساء حتى الاطفال للاستقبال واحتفلوا به أشد واعظم احتفال ، لم يشاهد مثله حتى اوصلوه الى الحفرة الشريفة ووضعوه في محله . وقد قال الشعراء في ذلك منهم المرحوم الميرزا محمد حسين الشهرستاني في ورود الشعرات الشريفة النبوية صلى الله عليه وآله وسلم لتوديعها في الروضة المطهرة الحسينية . وكان حاملها والي بغداد الحاج حسين رفيق باشا سنة 1310 الف وثلاث مئة وعشرة هجرية :

    كربلا طلـت الثريـا شرفـا   وبعلياك السمـاك اعتـرفـا
    منذ غـابت فيك اقمار الهدى   اورثت في كـل قلـب اسفا
    اظلـم الدنيـا علـى ارجائها   حيث فيهـا بدر ثـم خسفـا
    بقـى الظلمة حتـى انكشفت   بقدوم الحبـر كهـف الضعفا
    حضـرت الوالي بامر من به   قام حصن الدين والامر صفا
    فخر هذا العصر سلطان السما   وهو ذا عبـد الحميد ذو الوفا
    رفـع الله لـواء نصـــره   اذ بـه ايد شـرع المصطفى
    اشـرق الدنيـا به مـذ قدما   مـع شمـس اورثته الشرفـا
    كشفـت كـل دجى كان بها   و بمـرآها الظـلام انكشفـا
    قيل ماذا النور قلت : ارخوا   هاكموا شعرة وجه المصطفى

    المزيد من احداث القرن الرابع عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة )

  • فتنة علي هدلة 1293 هـ

    فتنة علي هدلة

    في أوائل عام 1293 هـ أعلنت الحكومة العثمانية النفير في الامبراطورية نتيجة لحربها مع روسيا القيصرية وكذلك في كربلاء . فأخذت جموع المكلفين في كربلاء بالفرار من سلك الجندية . وكان هناك جاسوس من قبل الحكومة على الفارين . وهو مختار باب الطاق المدعو حسين قاسم حمادي اذ كان يوصل أخبار هؤلاء الفارين الى السلطة. وما أكثر ما أصاب الناس علي يد هذا المختار من المحن . ان قتلوه في مقهى المستوفي الواقعة في محلة باب الطاق . فعندما قتل هذا المختار ، تولت الحكومة المحلية القبض على المتهمين ، وفي روايات اخرى يقال : كان علي هدلة صاحب مقهى مجاورة إلى سور المدينة ، وكان مأمورو الحكومة الذين يجبون الضرائب على المخضرات ، يقفون بالقرب من مقهاه لإستيفاء الرسوم من الفلاحين ، فأخذ أحد هؤلاء يفتش أمرأة ظناً منه بأنها تخبئ المخضرات في ثيابها ، فصرخت واستنجدت بأهل المدينة مستثيرة حميتهم ، فلم يطق علي هدلة ولازبائنه الجالسون في المقهى صبراً على تعيير المرأة له لسكوتهم على ما فعل مأمور الحكومة معها ، فقرروا إعلان العصيان على الحكومة . وأي ما حدث فقد ففر جماعة منهم وخيموا خارج السور في البستان المعروفة ( جعفر الصادق ع ) . أخذوا يعبثون بالأمن . وحرضوا الأهالي علي مناوئة الحكومة وكانت أفكار الأهالي مستعدة لتقبل أي حركة تقوم ضد السلطة . فالفت عصابة بقيادة القهواتي ( علي هدله ) وقابلت جيوش العثمانيين ودحرتهم في مواقع متعددة . وكانت عصابتهم تتألف من ( 150 ) شخص ، يقومون بحرب العصابات ، وذلك بتحريض من الحاج محسن كمونة والحاج حسن شهيب ويمدونهم بالمؤنة والذخيرة ، واختلطت معهم بعض أفراد من عشيرة حجيل والزونبات . فاستفحل امرهم حتى رن صدى هذه الحادثة في الأستانة . فقلق السلطان عبد الحميد خان وأصدر ارادة سنية بارسال جيش الى كربلاء وهدمها وقتل من فيها عن بكرة ابيهم ، واناط تنفيذ الارادة الى عاكف باشا والي بغداد والمشير حسين فوزي باشا . وكان هذا القائد للجيش فجاء الاثنان الى كربلاء بصحبة النقيب السيد عبد الرحمن النقيب والگيلاني وضربوا المضارب قرب المدينة ، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان من عام ( 1293 هـ ) وكان قيام علي هدله في (3) ربيع الاول من عام (1293) . ولم يكن هناك آثار للعصيان في المدينة ، وبعد البحث الطويل تبين ان العصاة عصابة ارتكبت اثما واقترفت ذنبا يطاردها الجيش ، وليس من العدل هدم المدينة وتنفيذ الارادة السنية على سكانها ، وأخذ البريء بجريرة المذنب فنجم عن ذلك خلاف بين الوالي عاكف باشا والقائد حسين فوزي باشا بين مصر على التنفيذ وبين رافض فرجعا الاستانة وخاطباها بالامر ، وبعد اخذ ورد صدر الامر بالعفو ، فرحل الجيش بعد ان قبضوا على مثير الفتنة وموقد نيرانها ، وحوالي ( 70 ) شخصا بضمنهم علي هدله مع المرحوم الحاج محسن كمونة وحسن شهاب وجماعة غيرهم ، فساقوهم الى بغدا وسجنوا لمدة سنة كاملة في مكان يعرف بـ ( القشلة ) أو ( أوج قلعة ) ، ثم أطلق سراحهم بعد ذلك . وعندما تم الصلح بين اهالي المدينة والحكومة العثمانية قررت الحكومة غرامة على البلدة مقدارها (الشامي) ـ وتعرف عند عامة الناس ( البيشلغ ) ومقدارها عشرة قروش تركية أي ما يساوي اليوم 75 فلساً عراقياً تقريباً ـ فاستاء لها نفوس البعض من الكسبة والفلاحين ، مما أدى إلى قيام ثورة أخرى في عام 1294 هـ بقيادة السيد مهدي الأشيقر . ( نقلا من تاريخ كربلاء جـ3 المخطوط للسيد محمد حسن كليدار ) .

    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • حادثة نجيب باشا 1258 هـ

    حادثة نجيب باشا

    وفي سنة ( 1258 هـ ) شق أهالي كربلاء عصا الطاعة على الدولة ، بواسطة كثرة الاوباش في كربلاء ـ وكانت آنذاك ملجأ كل مجرم هارب من العقاب حتى صار ينطبق عليها القول المأثور ( من دخلها كان آمنا ) ـ ان بلغ الامر بها الى حد أن خرج الامر من يد حاكم كربلاء ولم يطع هؤلاء أوامر والي بغداد وامتنعوا من دفع الضرائب . وكانوا يعتمدون على الزائرين والمجاورين حتى ان سكنة كربلاء لم يبق لهم المجال في السكنى بها ، وكان اليارماز ، الاسم الذي يعرف به هؤلاء الاوباش ـ يشكلون عصابات ترفع كل منها راية العصيان . ولم يتمكن علي رضا باشا والي بغداد الذي مر على حكمه في بغداد اثني عشر عاما ـ من اخماد هذه الفتنة . حتى ان نصبت الدولة العثمانية محمد نجيب باشا واليا على بغداد بعد ان كان واليا على الشام . ( في الدولة العثمانية كان والي بغداد بمثابة وزير ثاني ) وكان سفاكا غدارا معروفا بالمكر ولم يكد يستقر في مركز ولايته الجديدة حتى جهز جيشا جرارا وبعثه صوب كربلاء . وكان والي العراق نجيب باشا قد جهز جيشا بقيادة سعد الله باشا ، وسيّره الى كربلاء فحاصرها حصاراً شديدا ، وأمطر المدينة بوابل قنابله . ولم يساعده الحظ على افتتاحها لأن سورها كان منيعا جداً وقلاعها محكمة لا يمكن للقائد الدنو منها ، وضمن لهم عفو الحكومة فأدخلوا القلاع وجاؤوا طائعين ، قبض عليهم وسلط المدافع على الجهة الشرقية فهدم السور واصلى المدينة نارا حامية ، ففتحها وارتكب فيها كل فظاعة وشناعة ، وقد اجرى القتل والأسر بدرجة فظيعة . وفي 11 ذي الحجة سنة 1258 هـ أمر بالقتل العام لمدة ثلاث ساعات . ومن المحقق ان تسعة آلاف شخص قد ابيدوا عن آخرهم في تلك المدينة المقدسة ، فضلا عما نهب من الأموال والأحجار النفيسة وأثاث البيوت والكتب التي لا تعد ولا تحصى ودخل بجيشه الى الصحن العباسي ، وقتل كل من لاذ بالقبر الشريف . (هذا ما جاء في زنبيل فرهاد لميرزا الدولة عن هذه الحادثة) .

    واصبحت هذه الحادثة من الحوادث الشهيرة أيضاً التي أرخت بـ ( غدير دم ) وتفصيلها . ( نشبت أوارها يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1258 هـ / 1842 م ضد الطاغية الوالي المشير محمد نجيب باشا ، وقد ارتاع لهولها الفرات من أدناه إلى اقصاه . ومجملها أن أهالي كربلاء كانوا يأبون الخضوع لحكام آل عثمان ، وشاء نجيب باشا أن يخضع سكان المدينة لمشيئته فأنذرهم بوجوب الخضوع لمشيئة الولاة وما يصدرون من الأحكام الجائرة وأمرهم بنزع السلاح وإطاعة أولي الأمر من العثمانيين ، وأمهلهم شهراً كاملاً ، يدرسون فيه موقفهم ويقررون مصيرهم . وانقضى الشهر الممنوح لهم ،ولم يطرأ تبدل على موقف سكان المدينة ، مما طلبه منهم نجيب باشا . فقاد عسكره واستباح المدينة لهم ، وعمل السيف في رقاب الناس الآمنين فلجأ الناس الى الضريح المقدس ، يستنجدونه ويستغيثونه فعصمتهم حرمة الضريح من القتل ، ولما رأى المشير العثماني الآنف الذكر هذه الحالة ، أمر عساكره بضرب المدينة بالمدافع ، وقد تدخل بعض الرجال المعمرين آنذاك كالسيد كاظم الرشتي وعلي شاه بن فتح علي شاه القاجاري الساكن كربلاء يومذاك ، بإسداء النصح لرؤساء البلد وهم : السيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد ابراهيم الزعفراني وعلي كشمش وطعمة العيد والسيد صالح الداماد والسادة آل نصر الله والسيد حسين النقيب للكف عن القتال والخضوع لهذا الحاكم الجلاد ، فرفضوا الإصغاء إلى تلك النصائح واستمروا بالقتال ، وقد هاجمهم الجيش العثماني من جهة باب الخان ، حيث احدثوا ثغرة فيه واستمر القتال لمدة يومين ، وفي اليوم الثالث خرج المحاربون من أهل المدينة إلى الخارج والتحقوا للاستنجاد بعشائر آل فتلة واليسار وآل زغبة من المعدان ، وكان عددهم ثلاثة آلاف محارباً ، فاصطدم الجيش بالأهلين ثانية ، ودامت الحرب 21 يوماً حتى عيد الأضحى ، وقد بلغ عدد القتلى 18 الف قتيل كما تنص بعض المصادر علماً بأن قيادة الجيش العثماني كانت بيد سعد الله باشا ، وكان السلطان العثماني آنذاك عبد المجيد العثماني . ولابد لنا أن نلقي ضوءاً على ما كانت عليه الحالة في المدينة من تفكك اجتماعي ساعد العثمانيين على استغلال نقاط الضعف التي هيأت لهم الفرصة لإنزال ضربة قاضية واستباحة المدينة ، وهو ما استطرد اليه الدكتور عبد العزيز سليمان نوار بقوله : وكذلك أراد علي باشا أن يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ، ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي بإسناد حكم المدينة إلى السيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها إسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت إحدى فرق هذه الجماعة تدعى ( الغارتية ) من ( غارة ) تفرض الأتاوات على الحجاج ، وكان أشهر زعيم لهم في 1842 هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط إيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ أيرانيان لهما عدد كبير من الأتباع الفرس . ونظراً لانقسام ( اليارمز ) إلى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والإرهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء اليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفود الاكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام اليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر اليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير السيد كاظم الرشتي والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى السيد ابراهيم القزويني . وإذا كان علي باشا رضا قد قبل أن يترك لكربلاء أن تحكم نفسها بنفسها وتجني ثمار الفوضى القائلة فإن نجيب باشا ـ وقد هدأت أزمة الشام وتفرغ حكام العراق لتاكيد نظام الحكم المباشر فيه ـ ما كان ليسكت على ترك كربلاء هكذا دون أن تخضع له . على أن حنق نجيب باشا إشتد لدرجة كبيرة عندما أراد أن يذهب للزيارة فحدد له أولو الأمر في المدينة عدد مرافقيه بستة أشخاص فقط . هذا بالإضافة إلى أنهم رفضوا أن يلبوا رغبة نجيب في أن يمدوه بتموين لجيشه في سنة 1842 م . وفي اوكتوبر من تلك السنة كان نجيب باشا معسكراً على رأس جيشه في منطقة ( المسيب ) في طريقه لتأديب عشائر المعدان الثائرة ، فانتهز الفرصة واتصل بكبار علماء كربلاء الدينيين ومجتهديها وطلب منهم أن يعينوه على إعادة النظام إلى المدينة . وقد نجحت مفاوضاته مع كاظم الرشتي ومع ( ظل السلطان ) أحد أبناء فتح علي شاه والسيد وهاب حاكم المدينة . واتفق هؤلاء مع نجيب باشا على أن يبعث اليهم بأحد البغداديين لوضع الخطوط النهائية لما سيكون عليه أمر حكم المدينة . واستطاع المفاوض البغدادي ان يقنع الطرف الآخر بإدخال خمسمائة جندي كحامية في المدينة ، ولكن لم تلبث الإتفاقية ـ شأن كل اتفاقية تعقد مع متمردين منقسمين إلى فرق متعددة متنافرة ـ أن مزقت في أعقاب توقيعها . بينما استعد المتعصبون من ( اليارمز ) والسيد كاظم الرشتي و ( ظل السلطان ) للدفاع عن المدينة ورفعت المدافع على الأسوار واستدعى العرب من ضواحي المدينة للدفاع عنها . كان نقض هذا الإتفاق سبباً في أن يصر نجيب على أن تخضع له المدينة بمثل ما تخضع به أية مدينة عراقية أخرى . وقبل أن يضرب نجيب ضربته الأخيرة عقد مباحثات مع كبار الشخصيات الفارسية والوكيل الفارسى في كربلاء ومع القنصلين الفرنسي والبريطاني ليكونوا على علم بمدى مجهوداته السلمية ولعلهم يعينونه على تسوية الأزمة ولكن دون جدوى . وعندما قرر نجيب باشا إرسال حملة ضد كربلاء أخطرهم مقدماً بمشروع حملته لما كان يتوقعه من نشوب أزمة سياسية كبيرة بين الدولتين الفارسية والعثمانية . ولما كانت المدينة قد عبأت قواتها وجلبت الإمدادات من خارجها ، قدر نجيب خطورة الفشل في إخضاع المدينة فلم يكتف بما كان لديه من قوات مرابطة في ( المسيب ) وأتى بامدادات من بغداد واستعان بمجموعة من العشائر العربية الموالية له غاضاً الطرف عن نصيحة المبعوث الريطاني في طهران بشأن العدول عن إرسال الحملة . وبعد أن اتخذ نجيب إجراءاته الدبلوماسية والعسكرية أصدر أوامره بمهاجمة المدينة بكتيبة من الفرسان وعشرين مدفعاً وثلاث كتائب من المشاة ثم أرسل في أعقابها إلى المدينة في 19 ديسمبر 1842 القوات العشائرية وبدأ ضرب المدينة بالمدفعية . فعرض كاظم الرشتي أن يأخذ القائد عائلات زعماء اليارمز كرهينة حتى ينسحب الجيش . وفعلاً ذهب بعض زعماء اليارمز ولكن جاءت الأنباء بأن نجيب باشا رفض انسحاب الجيش فعاد الصراع بين الطرفين ثم عادت المفاوضات واشترك فيها المندوب الفارسي في بغداد وتطرف الثوار للدرجة التي رفضوا معها الشروط المعتدلة وزاد تمرد الثوار شدة عندما أشيع أن الجيش الفارسي يستعد لغزو العراق لينقذ كربلاء . ضرب الجيش الحصار بقوة على المدينة وقصفت المدفعية الأسوار ، فزادت جذوة المقاومة الشعبية ، وهب العلماء يصلحون الأسوار ويثيرون حماس المدافعين ولكنهم ما كانوا ليصمدوا أمام جيش منظم ، ودخلت القوات المدينة في 13 من يناير 1843 . وفقد الضباط سيطرتهم على الجند ووقعت حوادث نهب وقتل عديدة ثم هدأت الامور بعد دخول نجيب باشا المدينة وبدأ بتنظيم الإدارة فيها بتعيين قاض ، وخطيب ليدعو للسلطان في صلاة الجمعة ) .

    وفي صحن سيدنا العباس ، ربطوا الخيل والجمال ، وقتلوا كل من لاذ بأروقة الحرم الحسيني والعباسي وكذلك فعلوا في البلدة ، سوى دار السيد كاظم الرشتي ، التي كانت دار أمان ، وكل من يتمكن من الهروب نجا ومن بقى كان نصيبه القتل ، وهدموا الالواح التي كانت تزين جدران الروضة الشريفة . وبعد القتل العام أصدر الوالي أمرا بتعيين حاكم على كربلاء . وفي يوم الرابع عشر من الشهر المذكور رجع نجيب باشا قافلا الى بغداد .

    وتنص معظم الروايات على أن عدد القتلى بلغ عشرين الفاً أو زاد على ذلك كما يحدثنا صاحب كتاب ( شهداء الفضيلة ) بقوله : وأما القتل الثالث من تلك البقعة ( كربلاء ) المقدسة فقد وقع في عهد السلطان عبد المجيد في ذي الحجة سنة 1258 هـ ففي ( الروضات ) وأما القتل الثالث فقد اتفق في عصرنا هذا في أواخر سنة 1258 بقتل فظيع كاد أن يبلغ قتلاه عشرة آلاف من الرجال والولدان غير النهب والغارة الشديدتين وكان هذا القتل بعد نجيب باشا الذي ولي على بغداد وأمر بشيء سيء والسلوك بالشر مع أهل ذلك المشهد المقدس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعلاً وقد قتل في هذه الكرة أيضاً جمع كثير من العلماء والسادات وغير أولي التقصير من المجاورين والزوار . أهـ . وحكي عمن شهد الواقعة من الثقاة أنه لما أقفل العسكر أحصينا القتلى وسألنا الحفارين وتحققنا ذلك فكان ما يزيد على عشرين الفاً من رجل وامرأة وصبي وكان يوضع في القبر الأربعة والخمسة إلى العشرة فيهال عليهم التراب بلاغسل ولا كفن وتفقدنا القتلى منهم كثيراً والدور والآبار وجدنا بالسرداب الذي تحت رواق العباس عليه السلام من القتلى أكثر من ثلثمائة . وقد ذهب عباس العزاوي في روايته لهذه الحادثة إلى أقل الاحتمالات بالنسبة لعدد القتلى فقال : والذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس ، ومن العسكر مقدار خمسمائة نفر ، ومن بعد فتحها أمسكوا السيد ابراهيم الزعفراني وجاءوا به إلى بغداد ، والسيد صالح من كبار البلد وكم واحد . فالسيد صالح نفوه إلى كركوك وترجاه قونصلوص الإنكليز وابن الزعفراني بقي اياماً قلائل في بغداد وتمرض بالدق ومات . وبعضهم عفا عنهم الوزير محمد نجيب باشا وجعل عليهم والياً واحداً .

    ارتفعت المشكلة الى مصاف الازمات الدولية ، وأرسل كاننج Canning السفير البريطاني في الاستانة معتمداً من قبله الى كربلاء هو الكولونيل Fairen كما طلب المبعوث الروسي في الاستانة المستر بوتنييف Boutenieff ان يقوم فارن بتمثيل الجانب الروسي ايضاً ، وارسل السلطان العثماني مندوبا الى كربلاء وهو نامق باشا . وقد جاء في تقرير فارن Fairen ان القتلى لا يزيدون على خمسة آلاف قتيل منهم ثلاثة آلاف داخل المدينة معظمهم من العرب ، أما الفرس فقد فروا من المدينة قبل اقتحام القوات العثمانية لها ، وقتل ثلاثة من الهنود وواحد من الروس ، وفقد حوالي (20 ـ 30) من البنجابيين ومن أهل كشمير . أما المبعوث العثماني فقدر عدد القتلى في المدينة بحوالي (250) قتيلاً منهم (150) بينما خسر العثمانيون (400) قتيل و(200) جريح .

    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري

    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • حادثة المناخور 1241 هـ

    حادثة المناخور

    كانت كربلاء تشع منها روح معادية للمماليك وللأتراك على وجه العموم ، ووصف المدينة بأنها «بعيدة عن حكم الحكومة التركية تقريباً فقد ثارت كربلاء ثورة عنيفة في عام 1820 ـ 1823 وكان داود باشا قد عين فتح الله خان حاكماً لقصبة كربلاء ووضع في المدينة حامية مؤلفة من (500) شخص ، وتشير المصادر المحلية الى حدوث تمرد ضد الحاكم بسبب سوء سلوكه وعدم احترامه لقدسية المدينة واستخدامه القسوة في جباية الضرائب الامر الذي دفع الكربلائيين الى التآمر على الحاكم وقتله . وعين داود باشا بدلاً عنه علي أفندي لكنه لم يستطع اعادة النظام وتطبيق سياسة الشدة التي عزم داود باشا على تطبيقها ، فأبدل بسليمان أغا الذي أدت سياسته الى حدوث الخلاف بينه وبين السيد حسين نقيب كربلاء ، فعزل أيضاً وعين بدله السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة ، ولكن الامور لم تستقر في المدينة ، فقرر داود باشا ارسال قوة عسكرية لأعادة النظام واستحصال أموال الخزينة وحل التشكيلات العسكرية المحلية فحاصر المدينة عام 1824 . كل ذلك أدى الى انبثاق أشهر الحوادث التي مرت على كربلاء بعد حادثة الوهابيين في سنة 1241 هـ وعرفت بحادثة المناخور ـ والمناخور كلمة فارسية مخففة عن ( ميرأخور ) يراد بها أمير الاصطبل أو رئيس الخيلية ـ وذلك في عهد الوالي داود باشا عام 1241 هـ / 1825 م واستمر حصارها حتى عام 1244 هـ / 1828 م . وسببها هو أن الوالي داود باشا لما شاهد ضعف الدولة العثمانية واستقلال كثير من الولاة بولايتهم أمثال محمد علي باشا في مصر واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا ، طمع هذا الوالي باستقلاله في العراق فأخذ يشيد البنايات والتكايا والجوامع ، ويقرب العلماء ويبالغ في اكرامهم . وذلك ان الدولة العثمانية كانت في ذلك الزمن ضعيفة لاحتلال الجيش الانكشاري واستقلال البلاد القاصية واشغالها بمحاربة العصاة في البلقان وطموح محمد علي والي مصر الى الاستقلال واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا . وكان واليا علي العراق آن ذاك داود باشا وكان تقيا عادلا ورعا ، مشهورا بالدهاء وفرط الذكاء . الا انه كان شديد الحرص على الانسلاخ من جسم الدولة ، والاستقلال بالعراق اسوة بمن تقدمه . فسعى بادىء ذي بدىء الى جلب قلوب الاهالي بما انشأ من العمارات والبنايات والجوامع والتكايا . وقرب علماء العراق وبالغ في اكرامهم ونظم جيشا كبيرا وسلحه على الطراز الحديث . حينئذ فقام بعد ذلك يدعوا الناس الى بيعته . ولكثرة ما كان لديه من الاعوان بايعته اكثر مدن العراق العربي الا ـ ( كربلاء ) والحلة . اذ رفعا راية العصيان . وحاول اقناعها فلم يستطع . وعند ذلك جهز جيشاً ضخماً بقيادة أمير اصطبله وكانت عشيرة عقيل تعضده فأخضع القائد الحلة واستباح حماها هم جاء كربلا فحاصرها ثمانية عشر شهرا ولم يقو على افتتاحها لحصانة سورها ومناعة معاقلها ولما رأى ذلك أقلع عنها ثم كر عليها ثانيا وثالثا فلم يفز بأمنيته الا بعد حصار طالت مدته أربع سنوات من سنة 1241 الى سنة 1245 كان قبلها قد استنجد بعرب عقيل القصيم والاحساء ، الذين عسكروا على صدر ( الحسينية ) وامر داود باشا بقطع الماء عن كربلا وأمر أيضا اعراب الشامية أن يقطعوا طريق كربلاء وينهبوا السابلة فيها ، وقد ضيقوا الحصار على المدينة وقطعوا الاتصال الخارجي بها ، فعند ذلك لم ير الاهالي بداً غير الصلح مع داود باشا ، فدخل الاخير كربلاء ظافرا . وكانت نتيجة كل ذلك أن أسر نقيب كربلاء ( السيد حسين بن مرتضى آل دراج ) وأرسل إلى بغداد حيث سجنه داود باشا هناك .

    وجاء في كتاب ( نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان ـ مخطوط ، تفضل به السيد حسن الكليدار ـ ) : لقد احصي تسع وقائع وقعت بين الفريقين . كان الفوز بها من نصيب الكربلائيين وانهزام جند داود باشا . نذكر تفصيلها بالتسلسل .

    فالواقعة الاولى هي واقعة ـ القنطرة ـ قتل فيها من الجند ثمانية عشررجلا ومن الاهلين رجلان .

    الواقعة الثانية : واقعة ( المشمش ) وقد سميت بذلك لن الجند قصدوا ان ينهبوا ، كما افسدوا الزرع من قبل . وخرج الاهلون على عادتهم الى الجناة فاقتتلوا في أرض الجويبه ، وظهر البلديون على الجنود وهزموهم بعد ان قتل وجرح منهم الخلق الكثير .

    والثالثة : واقعة الهيابي ، وهي من أعظم الوقائع وأشدها هولا . غطيت على أثرها أرض الجويبه وما يليها من أرض الحر والهيابي بجثث القتلى . وقد استمرت المعركة من الصبح الى الظهر . وانهزم الجند بعد أن قتل وجرح منهم جمع غفير . ومن جملة الجرحى القائد الشهير صفوق ـ وهو قائد الحملة ـ … ولما تحقق داود باشا من انكسار حملته بقيادة صفوق . عندئذ عقد لواء الحملة الى ـ المناخور ـ وكان هذا بصيرا بالحرب ، مشهورا بالضرب والطعن . سبق له فتح الحلة وماردين . فخرج من بغداد 1500 فارس مزود المدافع والقنابل ، وانفذ داوود على أثره من أصناف جنوده ، الى طلبه ، والداوديه ، والارسيه ، والتركية ، واليوسفية . ونقل الجند معسكرهم الى جهة الحر . ووصل المناخور الى كربلا فسد عنها الماء ليومه . وفيه تقدم الى المدينة فأطلقت قنابله عليها فهاجمه الكربلائيون ففر اصحابه واغتنمت ميرتهم . وهذه الواقعة هي الرابعة .

    والواقعة الخامسة : واقعة ( الاطواب ) نسبة الى المدافع . وتسمى أيضا بوقعة باخيه . وهي واقعة عظيمة دامت ست ساعات . اطلقت فيها ( 46 ) قذيفة مدفع . وقيل اكثر من ذلك . ولم تصب أحدا بل كانت تقابل من جانب الاهلين بالهزء والسخرية . وقد جرح فيها الكثير من أفراد العشائر . وقد أغارت خيل المناخور على المدينة مرات عديدة وباءت كلها بالفشل . وقد خرج الاهلون فأصابوا من أعدائهم وعادوا ولم يقتل منهم الا شخص واحد ، وجرح أربعة أشخاص . وقد كف الجند عن القتال .

    الواقعة السادسة : واقعة ( المخيم ) وهي واقعة عظيمة أيضا . تبادل فيها الفريقان اطلاق القذائف المدفعية . دمر على اثرها احدى مدافع العدو وقد ابتدات المعركة منذ الفجر . ولم تمض ساعة انهزم العدو ثم عاودوا القتال بعد ساعة , فكثر القتلى والجرحى منهم ففر الجند أيضا . وقد أصيب في هذه المعركة أربعت قتلى من الاهلين .

    الواقعة السابعة : واقعة ( الراية ) اقتتل فيها الفريقان خارج البلدة انتصر فيها الاهلون واستولوا على خيولهم ومدافعهم وبنادقهم .

    الواقعة الثامنة : واقعة ( بني حسن ) وهي عظيمة أيضا وذلك ان المناخور أحس بعجز جيشه وتخاذلهم . فعدل الى الاستنجاد بالعشائر واجابه فيمن اجاب : بنو حسن ـ ناكثين عهدهم مع أهل كربلاء ضامنين للمناخور فتح المدينة ، حتى تقدموا أمامه بعد عشاء الآخرة . من جهة المخيم وتمكنوا من عبور الانهار وتسلق الجدران . ونشبت الحرب بينهم وبين الاهلين . وحمل فرسانهم ، وحمل الجند ثلاث مرات . فأخفق الجميع وجرح منهم جماعة .

    الوقعة التاسعة : واقعة ( الامان ) لان المناخور أوقعها بعد صدور العفو والامان من داود باشا . طمعا بفتح المدينة . فقد تقدم في منتصف ليلة ذي القعدة سنة 1241 ـ قد اطال المؤلف في سرد تفاصيل هذه الواقعة واليك مجملها :

    وذكر النسابة الشيخ حمود الساعدي : في سنة 1244 هجرية حول الحادثة موجزا قال فيه : حوصر أهل بلد الحسين حاصرهم سليمان بعسكره وقطع نخيلهم وأغار مياههم تسعة أشهر وقتل منهم قتلة عظيمة من الجانبين حتى آل أمرهم إلى أن أكلوا حب القطب ولم يسلموا وكانوا يخرجون الى العسكر فيقاتلون الى ان ضايقهم (صفوق) شيخ شمر وتوجهوا عليه بعدما أعطى الأمان والقرآن لنقيب الاشراف فخرج هو وأصحابه 25 فأمروا بقتلهم عن أخرهم دفعة ثم أمروا بحبس النقيب وكان جليلاً نبيلاً شهماً من الاشراف وحمل إلى داود وأطالوا حبسه في بلدة بغداد .

    وجاء في كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) ما نحن بصدده : ولقد حاصرت قوات داود باشا كربلاء في السنوات الأخيرة من حكمه زهاء أحد عشر شهراً دون أن ينال من وراء ذلك سوى وعد بدفع الضرائب السنوية المربوطة عليها . وكذلك أراد علي باشا ان يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا له بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي باسناد حكم المدينة إلى سيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها اسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت احدى فرق هذه الجماعة تدعى (الغارتية) من (غارة) تفرض الاتاوات على الحجاج . وكان أشهر زعيم لهم في 1248 هـ هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط أيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ إيرانيان لهما عدد كبير من الاتباع الفرس . ونظراً لانقسام (اليارمز) الى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء أليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفوذ الأكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام أليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر أليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير كاظم الرشتي ، والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى سيد ابراهيم القزويني .

    وذكر عن قوة أهل المدينة ما نصه « كان الكربلائيون يملكون أربعة آلاف بندقية جيدة صالحة للاستعمال وثلاثين ألف بندقية رديئة غير صالحة للاستعمال .. وكان لديهم خمسة عشر طوب (مدفع) » .

    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • هجوم الوهابيين 1223 هـ

    حادثة الوهابيين

    وتعرف بحادثة الطف الثانية ، لأنها من أهم الحوادث التي أثارت الاستنكار البغيض في نفس كل إنسان ، وتركت في العالم الإسلامي الألم الممض ، وكانت موضع دراسة الكثير من المؤرخين .

    جاء في كتاب (الدر المنثور) المخطوط ما هذا نصه : ان في سنة 1216 هـ كان فيها مجيء سعود الوهابي إلى العراق وأخذ بلد الحسين عليه السلام وكان دخوله إلى كربلاء ليلة 18 ذي الحجة ليلة الغدير وأباد أهلها قتلاً وسبياً ، وكان عدد من قتل من أهل كربلاء ( 4500 ) رجل وانتهبت جميع ما فيها وكسر شباك قبر الحسين عليه السلام وكذا قبور الشهداء . ولم يكن استيلاؤه على جميع ما فيها بل كان استيلاؤه على ما كان دور قبر الحسين عليه السلام والنهب والقتل كان في تلك الأمكنة ولم يبلغ جيشه إلى ناحية قبر العباس عليه السلام وارتحل منها وكان أكثر أهلها في النجف .

    ونقل عن السيد جواد العاملي في كتابه ( مفتاح الكرامة ) : في سنة 1223 هـ جاء الخارجي سعود في جمادى الأخره فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور ثم قضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً .

    وقد نظر المستر لونكريك إلى هذه الحادثة الخطيرة فاستفزت عاطفته بتجربة حادة فقال :

    إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة فسارع من بقي في المدينة لاغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلد فتمكنوا من فتحه عسفاً ، ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم . اما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضاً خارج الضريح من الصحن . أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فساداً وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل لم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر بعظهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك .

    وذكر ابن بشر الحنبلي تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: ان سعود قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة 1216 هـ فحشد عليها قومه تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر . ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل . ثم ان سعود أرتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه .. الخ .

    وذكر في كتابه آنف الذكر ما نصه : في سنة 1218 هـ قتل عبد العزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق ( المعروف في الدرعية ) وهو ساجد في أثناء صلاة العصر مضى عليه رجل قيل أنه كردي من أهل العمادية ( قرب الموصل ) اسمه عثمان على هيئة درويش وقيل إنه رافضي خبيث من اهل بلد الحسين ( كربلاء ) خرج من وطنه لهذا القصد والله العالم .

    غير ان تلك الحادثة ألمت بحياة الشيخ سليمان باشا الكبير والي بغداد ـ آنذاك ـ ورجع وحوش نجد إلى مواطنهم مثقلين بالأموال النفيسة التي لا تثمن ويجمل بنا ونحن نستعرض في الحديث عن هذه الغارة الشنعاء أن ننقل رأياً آخر يعكس أعمال الوهابيين البربرية ، فيقول الحلواني : وفيها غزا سعود بن عبد العزيز الوهابي العراق وحاصر كربلاء وأخذها بالسيف عنوة وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذلك المقام المقدس وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وإستباحها ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى واستعد لملك الحرمين ثم رجع إلى عارضه متبجحاً بما صدر من عسكره ويقول : لو لم نكن على الحق لما انتصرنا ، وما علم ان ذلك استدراج وانه على الباغي تدور الدوائر ، وانه من قال : ( لا إله إلا الله ) فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا استولى أعمى البصائر وبأموال كربلاء استفحل أمر ابن سعود وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنـورة فصـار في أمره مـا سيأتيك بيانـه .

    وعقب على ذلك أيضاً بقوله : فأمر الوزير ما صنع في كربلاء أمر الكنخدا علي بك أن يخرج بعسكره ويتبعه إلى مقر ملكه العارضي فما وصل النهدية حتى نجا سعود على المهرية القود والتحق بالقفار والصحاري ، فجبن الكنخدا ولم يمكنه أن يلحقه .

    وكانت هذه الفاجعة العظيمة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين قال السيد عبد الحسين الكيدار : ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدمة بعض التقدم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هـ وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم ترَ في خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء ، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها ، وقاتل حاميتها وسكانها قتالاً شديداً ، وكان سور المدينة مركباً من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة 20 ألف نسمة ، وبعد أن أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل من جملة ما نهبه سعود آثاث الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 2000 سيف من الفضة وكثير من البنادق . وقد صارت كربلاء بعد هذه الوقعة في حال يرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فاصلح بعض خرابها وأعاد إليها العمران رويداً رويداً ، وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند فاشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء ، أسكنها بعض من نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء وأقام حوله الأبراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو ، فامنت على نفسها وعاد إليها بعض الرقي والتقدم .

    ومن طريف القول ان أبا طالب خان يذكر في رحلته إلى العراق ومروره بكربلاء أنه لقي عمته المسماة ( كربلاي بيكم ) وعدة نساء من توابعها ، وقد جئن يقضين أيامهن الباقية من اعتزلهن العالم في الأرض المقدسة ويقول : ان الوهابيين كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي .. الخ .

    وهناك مراجع كثيرة وصفت فضاعة الوهابيين المنكرة بأدق وصف وأسهبت فيها ، وأوضحت غزوهم لهذه المدينة الأمنة وهدمهم للضريح المقدس ونهب الأموال وقتل الأنفس ، أخص بالذكر منها : أعيان الشيعة ج 4 ص 307 وكتاب تحفة العالم ج 10 ص 289 وكتاب روضات الجنات ج 1 ص 265 وص 353 وشهداء الفضيلة ص 288 ودائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص 192 و 193 وتاريخ كربلاء وحائر الحسين ص 223 وغيرها .

    ففي مسير طالبي لأبي طالب بن محمد الأصفهاني . ط الهند سنة 1227 هـ .

    « في الثامن عشر من ذي الحجة يوم غدير خم ( حيث كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة النجف الاشرف بقصد الزيارة المخصوصة ) . اذ داهم كربلاء خمسة وعشرون ألف من الفرسان وقد امتطول الجياد العربية الأصيلة ـ وكانوا قبل ذلك قد بعثوا جماعة منهم الى ضواحي كربلاء وقد ارتدوا زي الزوار وجرى بينهم وبين عمر أغا والي كربلاء اتفاقا وكان هذا الوالي سنيا متعصبا ـ وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم ( اقتلوا المشركين ) .

    وكان من البديهي أن عوقب عمر أغا آخر الامر بأمر من سليمان باشا والي بغداد ـ بعد القتل العام أرادوا أن يخلعوا صفائح الذهب الابريز من جدران المشهد الحسيني ولكن لاستحكامها ومتانة وضعها لم يستطيعوا ذلك . فقط خربوا قسما من الضريح الذي تحت القبة . وفي الغروب فجأة وبدون سبب ظاهر غادروا كربلاء متجهين الى الحجاز وقد قتل في هذه الحادثة أكثر من خمسة آلاف شخص . أما الجرحى فلا يحصون لكثرتهم . وكان من جملة القتلى ميرزا حسن شاهزاده الايراني . وميرزا محمد طبيب اللكنهوري . وعلي نقي خان اللاهوري مع أخيه ميرزا قمر علي مع غلامه وخادمه » .

    وقد جاء في ( زنبيل فرهاد ) لمعتمد الدولة ص 348 ( . . . ولده الاكبر سعود مع 1200 فارس غدار فداهموا كربلاء يوم الغدير سنة 1216 هجـ بصورة فجائية فعملوا في أهلها السيف فقتلوا ونهبوا وأسروا ما استطاعوا . فاستشهد في هذه الواقعة كثير من العلماء ومن جملتهم جناب الشيخ ملا عبد الصمد الهمداني ففاضت روحه الطاهرة . ودقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف .

    ولم تمض ستة أو سبع ساعات حتى كان عدد المستشهدين الذين فاضت أرواحهم الطاهرة يربوا على ستة آلاف شخص . وكان أكثر أهالي كربلاء قد ذهبوا الى زيارة النجف الاشرف لزيارة الغدير المخصوصة . وفي عصر ذلك اليوم المشؤوم غادر سعود كربلاء الى دياره » .

    وجاء أيضاً في مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ لسبهر ص 63 : « أسرع سعود مع أتباعه صوب النجف الاشرف . وحاصر قلعة النجف وهاجمها عدة مرات ولكن لم يتمكن منها . فرجع الى كربلاء وبـ 12000 فارس من أبطال الرجال . فغافل كربلاء وداهمها ـ وصادفت هذه الحادثة يوم عيد الغدير . وبدأ القتل والتذبيح بسكنة هذه المدينة حتى قتل منها خمسة آلاف رجل وامرأة . وكسروا الضريح المبارك وسرقوا الجواهر والثريات والمفروشات واللألئ التي كانت حصيلة قرون عديدة من الهدايا الثمينة من الخلفاء والامراء . ونهبت الخزينة والقناديل الثمينة . وبعد ستة ساعات من هذه الاعمال البرية غادروا كربلاء » . لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع : تأريخ نجد لعبد الله فيلبي ص ـ وتأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ج 6 ص 144 . وأربعة قرون من تأريخ العراق الحديث للونكريك . ومطالع السعود في أخبار الوالي داوود ص 168 .

    1801 هجم الوهابيون على كربلاء ، وكانت في هذه الفترة عبارة عن قصبة صغيرة مؤلفة من ثلاثة اطراف يعرف الأول ـ محلة آل فائز ، والثاني آل زحيك ، والثالث آل عيسى ، وكانت مسورة بسور بسيط من اللبن وسعف النخيل وجذوعه والطين . ويذكر لونكريك في استعراضه للهجوم الوهابي بأن والي العراق المملوكي ، سليمان باشا كان في الخالص مبتعداً عن الطاعون الذي انتشر في بغداد عندما وصله خبر تحرك القوات الوهابية نحو العراق للغزو الربيعي المعتاد فأصدر أوامره الى نائبه (الكهية) علي باشا بالتحرك نحو كربلاء لصد الغارات الوهابية وبينما كان القائد العثماني يجمع جيشه في الدوره قرب بغداد ، هاجم الوهابيون ، وكان معظم سكانها في زيارة للنجف فسارع من كان فيها لأغلاق أبواب السور لكن المهاجمين تمكنوا من فتحه عنوة ، اما حاكم المدينة العثمانية عمر أغا فلم يستطع اتخاذ الاجراءات الفعالة للمقاومة وفضل الهرب الى المدينة الامر الذي دفع الى اتهامه بالتواطؤ مع الوهابيين ويبدو ان السبب في ذلك يرجع الى عدم قدرة الحامية العثمانية الصغيرة على مواجهة القوة الوهابية التي قدرتها المصادر المعتدلة بست مائة هجان وأربع مئة فارس ، وبالغت مصادر أخرى في تعداد القوة فجعلتها (12 و14) الف مقاتل . ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر» ما حل في المدينة من تخريب بقوله : «لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ وأجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً» .

    وصل القائد العثماني علي باشا الى كربلاء بعد انسحاب الوهابيين منها ، فقام ببناء سور لها ، وعاد اليها من نجا من أهلها . وبدأ العمران يعود اليها مجدداً رويداً رويداً ، الامر الذي دفع الى الاهتمام بحصانة سورها .

    «وقد أقيم حول السور الابراج والمعاقل ، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها ، وعاد اليها بعض الرقي والتقدم» .

    ومهما يكن من أمر فان المدينة كانت مسورة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وان لهذا السور ستة أبواب .

    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري

    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف