الكاتب: ahmads
-
حادثة نجيب باشا 1258 هـ
وفي سنة ( 1258 هـ ) شق أهالي كربلاء عصا الطاعة على الدولة ، بواسطة كثرة الاوباش في كربلاء ـ وكانت آنذاك ملجأ كل مجرم هارب من العقاب حتى صار ينطبق عليها القول المأثور ( من دخلها كان آمنا ) ـ ان بلغ الامر بها الى حد أن خرج الامر من يد حاكم كربلاء ولم يطع هؤلاء أوامر والي بغداد وامتنعوا من دفع الضرائب . وكانوا يعتمدون على الزائرين والمجاورين حتى ان سكنة كربلاء لم يبق لهم المجال في السكنى بها ، وكان اليارماز ، الاسم الذي يعرف به هؤلاء الاوباش ـ يشكلون عصابات ترفع كل منها راية العصيان . ولم يتمكن علي رضا باشا والي بغداد الذي مر على حكمه في بغداد اثني عشر عاما ـ من اخماد هذه الفتنة . حتى ان نصبت الدولة العثمانية محمد نجيب باشا واليا على بغداد بعد ان كان واليا على الشام . ( في الدولة العثمانية كان والي بغداد بمثابة وزير ثاني ) وكان سفاكا غدارا معروفا بالمكر ولم يكد يستقر في مركز ولايته الجديدة حتى جهز جيشا جرارا وبعثه صوب كربلاء . وكان والي العراق نجيب باشا قد جهز جيشا بقيادة سعد الله باشا ، وسيّره الى كربلاء فحاصرها حصاراً شديدا ، وأمطر المدينة بوابل قنابله . ولم يساعده الحظ على افتتاحها لأن سورها كان منيعا جداً وقلاعها محكمة لا يمكن للقائد الدنو منها ، وضمن لهم عفو الحكومة فأدخلوا القلاع وجاؤوا طائعين ، قبض عليهم وسلط المدافع على الجهة الشرقية فهدم السور واصلى المدينة نارا حامية ، ففتحها وارتكب فيها كل فظاعة وشناعة ، وقد اجرى القتل والأسر بدرجة فظيعة . وفي 11 ذي الحجة سنة 1258 هـ أمر بالقتل العام لمدة ثلاث ساعات . ومن المحقق ان تسعة آلاف شخص قد ابيدوا عن آخرهم في تلك المدينة المقدسة ، فضلا عما نهب من الأموال والأحجار النفيسة وأثاث البيوت والكتب التي لا تعد ولا تحصى ودخل بجيشه الى الصحن العباسي ، وقتل كل من لاذ بالقبر الشريف . (هذا ما جاء في زنبيل فرهاد لميرزا الدولة عن هذه الحادثة) .
واصبحت هذه الحادثة من الحوادث الشهيرة أيضاً التي أرخت بـ ( غدير دم ) وتفصيلها . ( نشبت أوارها يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1258 هـ / 1842 م ضد الطاغية الوالي المشير محمد نجيب باشا ، وقد ارتاع لهولها الفرات من أدناه إلى اقصاه . ومجملها أن أهالي كربلاء كانوا يأبون الخضوع لحكام آل عثمان ، وشاء نجيب باشا أن يخضع سكان المدينة لمشيئته فأنذرهم بوجوب الخضوع لمشيئة الولاة وما يصدرون من الأحكام الجائرة وأمرهم بنزع السلاح وإطاعة أولي الأمر من العثمانيين ، وأمهلهم شهراً كاملاً ، يدرسون فيه موقفهم ويقررون مصيرهم . وانقضى الشهر الممنوح لهم ،ولم يطرأ تبدل على موقف سكان المدينة ، مما طلبه منهم نجيب باشا . فقاد عسكره واستباح المدينة لهم ، وعمل السيف في رقاب الناس الآمنين فلجأ الناس الى الضريح المقدس ، يستنجدونه ويستغيثونه فعصمتهم حرمة الضريح من القتل ، ولما رأى المشير العثماني الآنف الذكر هذه الحالة ، أمر عساكره بضرب المدينة بالمدافع ، وقد تدخل بعض الرجال المعمرين آنذاك كالسيد كاظم الرشتي وعلي شاه بن فتح علي شاه القاجاري الساكن كربلاء يومذاك ، بإسداء النصح لرؤساء البلد وهم : السيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد ابراهيم الزعفراني وعلي كشمش وطعمة العيد والسيد صالح الداماد والسادة آل نصر الله والسيد حسين النقيب للكف عن القتال والخضوع لهذا الحاكم الجلاد ، فرفضوا الإصغاء إلى تلك النصائح واستمروا بالقتال ، وقد هاجمهم الجيش العثماني من جهة باب الخان ، حيث احدثوا ثغرة فيه واستمر القتال لمدة يومين ، وفي اليوم الثالث خرج المحاربون من أهل المدينة إلى الخارج والتحقوا للاستنجاد بعشائر آل فتلة واليسار وآل زغبة من المعدان ، وكان عددهم ثلاثة آلاف محارباً ، فاصطدم الجيش بالأهلين ثانية ، ودامت الحرب 21 يوماً حتى عيد الأضحى ، وقد بلغ عدد القتلى 18 الف قتيل كما تنص بعض المصادر علماً بأن قيادة الجيش العثماني كانت بيد سعد الله باشا ، وكان السلطان العثماني آنذاك عبد المجيد العثماني . ولابد لنا أن نلقي ضوءاً على ما كانت عليه الحالة في المدينة من تفكك اجتماعي ساعد العثمانيين على استغلال نقاط الضعف التي هيأت لهم الفرصة لإنزال ضربة قاضية واستباحة المدينة ، وهو ما استطرد اليه الدكتور عبد العزيز سليمان نوار بقوله : وكذلك أراد علي باشا أن يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ، ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي بإسناد حكم المدينة إلى السيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها إسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت إحدى فرق هذه الجماعة تدعى ( الغارتية ) من ( غارة ) تفرض الأتاوات على الحجاج ، وكان أشهر زعيم لهم في 1842 هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط إيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ أيرانيان لهما عدد كبير من الأتباع الفرس . ونظراً لانقسام ( اليارمز ) إلى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والإرهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء اليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفود الاكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام اليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر اليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير السيد كاظم الرشتي والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى السيد ابراهيم القزويني . وإذا كان علي باشا رضا قد قبل أن يترك لكربلاء أن تحكم نفسها بنفسها وتجني ثمار الفوضى القائلة فإن نجيب باشا ـ وقد هدأت أزمة الشام وتفرغ حكام العراق لتاكيد نظام الحكم المباشر فيه ـ ما كان ليسكت على ترك كربلاء هكذا دون أن تخضع له . على أن حنق نجيب باشا إشتد لدرجة كبيرة عندما أراد أن يذهب للزيارة فحدد له أولو الأمر في المدينة عدد مرافقيه بستة أشخاص فقط . هذا بالإضافة إلى أنهم رفضوا أن يلبوا رغبة نجيب في أن يمدوه بتموين لجيشه في سنة 1842 م . وفي اوكتوبر من تلك السنة كان نجيب باشا معسكراً على رأس جيشه في منطقة ( المسيب ) في طريقه لتأديب عشائر المعدان الثائرة ، فانتهز الفرصة واتصل بكبار علماء كربلاء الدينيين ومجتهديها وطلب منهم أن يعينوه على إعادة النظام إلى المدينة . وقد نجحت مفاوضاته مع كاظم الرشتي ومع ( ظل السلطان ) أحد أبناء فتح علي شاه والسيد وهاب حاكم المدينة . واتفق هؤلاء مع نجيب باشا على أن يبعث اليهم بأحد البغداديين لوضع الخطوط النهائية لما سيكون عليه أمر حكم المدينة . واستطاع المفاوض البغدادي ان يقنع الطرف الآخر بإدخال خمسمائة جندي كحامية في المدينة ، ولكن لم تلبث الإتفاقية ـ شأن كل اتفاقية تعقد مع متمردين منقسمين إلى فرق متعددة متنافرة ـ أن مزقت في أعقاب توقيعها . بينما استعد المتعصبون من ( اليارمز ) والسيد كاظم الرشتي و ( ظل السلطان ) للدفاع عن المدينة ورفعت المدافع على الأسوار واستدعى العرب من ضواحي المدينة للدفاع عنها . كان نقض هذا الإتفاق سبباً في أن يصر نجيب على أن تخضع له المدينة بمثل ما تخضع به أية مدينة عراقية أخرى . وقبل أن يضرب نجيب ضربته الأخيرة عقد مباحثات مع كبار الشخصيات الفارسية والوكيل الفارسى في كربلاء ومع القنصلين الفرنسي والبريطاني ليكونوا على علم بمدى مجهوداته السلمية ولعلهم يعينونه على تسوية الأزمة ولكن دون جدوى . وعندما قرر نجيب باشا إرسال حملة ضد كربلاء أخطرهم مقدماً بمشروع حملته لما كان يتوقعه من نشوب أزمة سياسية كبيرة بين الدولتين الفارسية والعثمانية . ولما كانت المدينة قد عبأت قواتها وجلبت الإمدادات من خارجها ، قدر نجيب خطورة الفشل في إخضاع المدينة فلم يكتف بما كان لديه من قوات مرابطة في ( المسيب ) وأتى بامدادات من بغداد واستعان بمجموعة من العشائر العربية الموالية له غاضاً الطرف عن نصيحة المبعوث الريطاني في طهران بشأن العدول عن إرسال الحملة . وبعد أن اتخذ نجيب إجراءاته الدبلوماسية والعسكرية أصدر أوامره بمهاجمة المدينة بكتيبة من الفرسان وعشرين مدفعاً وثلاث كتائب من المشاة ثم أرسل في أعقابها إلى المدينة في 19 ديسمبر 1842 القوات العشائرية وبدأ ضرب المدينة بالمدفعية . فعرض كاظم الرشتي أن يأخذ القائد عائلات زعماء اليارمز كرهينة حتى ينسحب الجيش . وفعلاً ذهب بعض زعماء اليارمز ولكن جاءت الأنباء بأن نجيب باشا رفض انسحاب الجيش فعاد الصراع بين الطرفين ثم عادت المفاوضات واشترك فيها المندوب الفارسي في بغداد وتطرف الثوار للدرجة التي رفضوا معها الشروط المعتدلة وزاد تمرد الثوار شدة عندما أشيع أن الجيش الفارسي يستعد لغزو العراق لينقذ كربلاء . ضرب الجيش الحصار بقوة على المدينة وقصفت المدفعية الأسوار ، فزادت جذوة المقاومة الشعبية ، وهب العلماء يصلحون الأسوار ويثيرون حماس المدافعين ولكنهم ما كانوا ليصمدوا أمام جيش منظم ، ودخلت القوات المدينة في 13 من يناير 1843 . وفقد الضباط سيطرتهم على الجند ووقعت حوادث نهب وقتل عديدة ثم هدأت الامور بعد دخول نجيب باشا المدينة وبدأ بتنظيم الإدارة فيها بتعيين قاض ، وخطيب ليدعو للسلطان في صلاة الجمعة ) .
وفي صحن سيدنا العباس ، ربطوا الخيل والجمال ، وقتلوا كل من لاذ بأروقة الحرم الحسيني والعباسي وكذلك فعلوا في البلدة ، سوى دار السيد كاظم الرشتي ، التي كانت دار أمان ، وكل من يتمكن من الهروب نجا ومن بقى كان نصيبه القتل ، وهدموا الالواح التي كانت تزين جدران الروضة الشريفة . وبعد القتل العام أصدر الوالي أمرا بتعيين حاكم على كربلاء . وفي يوم الرابع عشر من الشهر المذكور رجع نجيب باشا قافلا الى بغداد .
وتنص معظم الروايات على أن عدد القتلى بلغ عشرين الفاً أو زاد على ذلك كما يحدثنا صاحب كتاب ( شهداء الفضيلة ) بقوله : وأما القتل الثالث من تلك البقعة ( كربلاء ) المقدسة فقد وقع في عهد السلطان عبد المجيد في ذي الحجة سنة 1258 هـ ففي ( الروضات ) وأما القتل الثالث فقد اتفق في عصرنا هذا في أواخر سنة 1258 بقتل فظيع كاد أن يبلغ قتلاه عشرة آلاف من الرجال والولدان غير النهب والغارة الشديدتين وكان هذا القتل بعد نجيب باشا الذي ولي على بغداد وأمر بشيء سيء والسلوك بالشر مع أهل ذلك المشهد المقدس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعلاً وقد قتل في هذه الكرة أيضاً جمع كثير من العلماء والسادات وغير أولي التقصير من المجاورين والزوار . أهـ . وحكي عمن شهد الواقعة من الثقاة أنه لما أقفل العسكر أحصينا القتلى وسألنا الحفارين وتحققنا ذلك فكان ما يزيد على عشرين الفاً من رجل وامرأة وصبي وكان يوضع في القبر الأربعة والخمسة إلى العشرة فيهال عليهم التراب بلاغسل ولا كفن وتفقدنا القتلى منهم كثيراً والدور والآبار وجدنا بالسرداب الذي تحت رواق العباس عليه السلام من القتلى أكثر من ثلثمائة . وقد ذهب عباس العزاوي في روايته لهذه الحادثة إلى أقل الاحتمالات بالنسبة لعدد القتلى فقال : والذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس ، ومن العسكر مقدار خمسمائة نفر ، ومن بعد فتحها أمسكوا السيد ابراهيم الزعفراني وجاءوا به إلى بغداد ، والسيد صالح من كبار البلد وكم واحد . فالسيد صالح نفوه إلى كركوك وترجاه قونصلوص الإنكليز وابن الزعفراني بقي اياماً قلائل في بغداد وتمرض بالدق ومات . وبعضهم عفا عنهم الوزير محمد نجيب باشا وجعل عليهم والياً واحداً .
ارتفعت المشكلة الى مصاف الازمات الدولية ، وأرسل كاننج Canning السفير البريطاني في الاستانة معتمداً من قبله الى كربلاء هو الكولونيل Fairen كما طلب المبعوث الروسي في الاستانة المستر بوتنييف Boutenieff ان يقوم فارن بتمثيل الجانب الروسي ايضاً ، وارسل السلطان العثماني مندوبا الى كربلاء وهو نامق باشا . وقد جاء في تقرير فارن Fairen ان القتلى لا يزيدون على خمسة آلاف قتيل منهم ثلاثة آلاف داخل المدينة معظمهم من العرب ، أما الفرس فقد فروا من المدينة قبل اقتحام القوات العثمانية لها ، وقتل ثلاثة من الهنود وواحد من الروس ، وفقد حوالي (20 ـ 30) من البنجابيين ومن أهل كشمير . أما المبعوث العثماني فقدر عدد القتلى في المدينة بحوالي (250) قتيلاً منهم (150) بينما خسر العثمانيون (400) قتيل و(200) جريح .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف -
حادثة المناخور 1241 هـ
كانت كربلاء تشع منها روح معادية للمماليك وللأتراك على وجه العموم ، ووصف المدينة بأنها «بعيدة عن حكم الحكومة التركية تقريباً فقد ثارت كربلاء ثورة عنيفة في عام 1820 ـ 1823 وكان داود باشا قد عين فتح الله خان حاكماً لقصبة كربلاء ووضع في المدينة حامية مؤلفة من (500) شخص ، وتشير المصادر المحلية الى حدوث تمرد ضد الحاكم بسبب سوء سلوكه وعدم احترامه لقدسية المدينة واستخدامه القسوة في جباية الضرائب الامر الذي دفع الكربلائيين الى التآمر على الحاكم وقتله . وعين داود باشا بدلاً عنه علي أفندي لكنه لم يستطع اعادة النظام وتطبيق سياسة الشدة التي عزم داود باشا على تطبيقها ، فأبدل بسليمان أغا الذي أدت سياسته الى حدوث الخلاف بينه وبين السيد حسين نقيب كربلاء ، فعزل أيضاً وعين بدله السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة ، ولكن الامور لم تستقر في المدينة ، فقرر داود باشا ارسال قوة عسكرية لأعادة النظام واستحصال أموال الخزينة وحل التشكيلات العسكرية المحلية فحاصر المدينة عام 1824 . كل ذلك أدى الى انبثاق أشهر الحوادث التي مرت على كربلاء بعد حادثة الوهابيين في سنة 1241 هـ وعرفت بحادثة المناخور ـ والمناخور كلمة فارسية مخففة عن ( ميرأخور ) يراد بها أمير الاصطبل أو رئيس الخيلية ـ وذلك في عهد الوالي داود باشا عام 1241 هـ / 1825 م واستمر حصارها حتى عام 1244 هـ / 1828 م . وسببها هو أن الوالي داود باشا لما شاهد ضعف الدولة العثمانية واستقلال كثير من الولاة بولايتهم أمثال محمد علي باشا في مصر واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا ، طمع هذا الوالي باستقلاله في العراق فأخذ يشيد البنايات والتكايا والجوامع ، ويقرب العلماء ويبالغ في اكرامهم . وذلك ان الدولة العثمانية كانت في ذلك الزمن ضعيفة لاحتلال الجيش الانكشاري واستقلال البلاد القاصية واشغالها بمحاربة العصاة في البلقان وطموح محمد علي والي مصر الى الاستقلال واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا . وكان واليا علي العراق آن ذاك داود باشا وكان تقيا عادلا ورعا ، مشهورا بالدهاء وفرط الذكاء . الا انه كان شديد الحرص على الانسلاخ من جسم الدولة ، والاستقلال بالعراق اسوة بمن تقدمه . فسعى بادىء ذي بدىء الى جلب قلوب الاهالي بما انشأ من العمارات والبنايات والجوامع والتكايا . وقرب علماء العراق وبالغ في اكرامهم ونظم جيشا كبيرا وسلحه على الطراز الحديث . حينئذ فقام بعد ذلك يدعوا الناس الى بيعته . ولكثرة ما كان لديه من الاعوان بايعته اكثر مدن العراق العربي الا ـ ( كربلاء ) والحلة . اذ رفعا راية العصيان . وحاول اقناعها فلم يستطع . وعند ذلك جهز جيشاً ضخماً بقيادة أمير اصطبله وكانت عشيرة عقيل تعضده فأخضع القائد الحلة واستباح حماها هم جاء كربلا فحاصرها ثمانية عشر شهرا ولم يقو على افتتاحها لحصانة سورها ومناعة معاقلها ولما رأى ذلك أقلع عنها ثم كر عليها ثانيا وثالثا فلم يفز بأمنيته الا بعد حصار طالت مدته أربع سنوات من سنة 1241 الى سنة 1245 كان قبلها قد استنجد بعرب عقيل القصيم والاحساء ، الذين عسكروا على صدر ( الحسينية ) وامر داود باشا بقطع الماء عن كربلا وأمر أيضا اعراب الشامية أن يقطعوا طريق كربلاء وينهبوا السابلة فيها ، وقد ضيقوا الحصار على المدينة وقطعوا الاتصال الخارجي بها ، فعند ذلك لم ير الاهالي بداً غير الصلح مع داود باشا ، فدخل الاخير كربلاء ظافرا . وكانت نتيجة كل ذلك أن أسر نقيب كربلاء ( السيد حسين بن مرتضى آل دراج ) وأرسل إلى بغداد حيث سجنه داود باشا هناك .
وجاء في كتاب ( نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان ـ مخطوط ، تفضل به السيد حسن الكليدار ـ ) : لقد احصي تسع وقائع وقعت بين الفريقين . كان الفوز بها من نصيب الكربلائيين وانهزام جند داود باشا . نذكر تفصيلها بالتسلسل .
فالواقعة الاولى هي واقعة ـ القنطرة ـ قتل فيها من الجند ثمانية عشررجلا ومن الاهلين رجلان .
الواقعة الثانية : واقعة ( المشمش ) وقد سميت بذلك لن الجند قصدوا ان ينهبوا ، كما افسدوا الزرع من قبل . وخرج الاهلون على عادتهم الى الجناة فاقتتلوا في أرض الجويبه ، وظهر البلديون على الجنود وهزموهم بعد ان قتل وجرح منهم الخلق الكثير .
والثالثة : واقعة الهيابي ، وهي من أعظم الوقائع وأشدها هولا . غطيت على أثرها أرض الجويبه وما يليها من أرض الحر والهيابي بجثث القتلى . وقد استمرت المعركة من الصبح الى الظهر . وانهزم الجند بعد أن قتل وجرح منهم جمع غفير . ومن جملة الجرحى القائد الشهير صفوق ـ وهو قائد الحملة ـ … ولما تحقق داود باشا من انكسار حملته بقيادة صفوق . عندئذ عقد لواء الحملة الى ـ المناخور ـ وكان هذا بصيرا بالحرب ، مشهورا بالضرب والطعن . سبق له فتح الحلة وماردين . فخرج من بغداد 1500 فارس مزود المدافع والقنابل ، وانفذ داوود على أثره من أصناف جنوده ، الى طلبه ، والداوديه ، والارسيه ، والتركية ، واليوسفية . ونقل الجند معسكرهم الى جهة الحر . ووصل المناخور الى كربلا فسد عنها الماء ليومه . وفيه تقدم الى المدينة فأطلقت قنابله عليها فهاجمه الكربلائيون ففر اصحابه واغتنمت ميرتهم . وهذه الواقعة هي الرابعة .
والواقعة الخامسة : واقعة ( الاطواب ) نسبة الى المدافع . وتسمى أيضا بوقعة باخيه . وهي واقعة عظيمة دامت ست ساعات . اطلقت فيها ( 46 ) قذيفة مدفع . وقيل اكثر من ذلك . ولم تصب أحدا بل كانت تقابل من جانب الاهلين بالهزء والسخرية . وقد جرح فيها الكثير من أفراد العشائر . وقد أغارت خيل المناخور على المدينة مرات عديدة وباءت كلها بالفشل . وقد خرج الاهلون فأصابوا من أعدائهم وعادوا ولم يقتل منهم الا شخص واحد ، وجرح أربعة أشخاص . وقد كف الجند عن القتال .
الواقعة السادسة : واقعة ( المخيم ) وهي واقعة عظيمة أيضا . تبادل فيها الفريقان اطلاق القذائف المدفعية . دمر على اثرها احدى مدافع العدو وقد ابتدات المعركة منذ الفجر . ولم تمض ساعة انهزم العدو ثم عاودوا القتال بعد ساعة , فكثر القتلى والجرحى منهم ففر الجند أيضا . وقد أصيب في هذه المعركة أربعت قتلى من الاهلين .
الواقعة السابعة : واقعة ( الراية ) اقتتل فيها الفريقان خارج البلدة انتصر فيها الاهلون واستولوا على خيولهم ومدافعهم وبنادقهم .
الواقعة الثامنة : واقعة ( بني حسن ) وهي عظيمة أيضا وذلك ان المناخور أحس بعجز جيشه وتخاذلهم . فعدل الى الاستنجاد بالعشائر واجابه فيمن اجاب : بنو حسن ـ ناكثين عهدهم مع أهل كربلاء ضامنين للمناخور فتح المدينة ، حتى تقدموا أمامه بعد عشاء الآخرة . من جهة المخيم وتمكنوا من عبور الانهار وتسلق الجدران . ونشبت الحرب بينهم وبين الاهلين . وحمل فرسانهم ، وحمل الجند ثلاث مرات . فأخفق الجميع وجرح منهم جماعة .
الوقعة التاسعة : واقعة ( الامان ) لان المناخور أوقعها بعد صدور العفو والامان من داود باشا . طمعا بفتح المدينة . فقد تقدم في منتصف ليلة ذي القعدة سنة 1241 ـ قد اطال المؤلف في سرد تفاصيل هذه الواقعة واليك مجملها :
وذكر النسابة الشيخ حمود الساعدي : في سنة 1244 هجرية حول الحادثة موجزا قال فيه : حوصر أهل بلد الحسين حاصرهم سليمان بعسكره وقطع نخيلهم وأغار مياههم تسعة أشهر وقتل منهم قتلة عظيمة من الجانبين حتى آل أمرهم إلى أن أكلوا حب القطب ولم يسلموا وكانوا يخرجون الى العسكر فيقاتلون الى ان ضايقهم (صفوق) شيخ شمر وتوجهوا عليه بعدما أعطى الأمان والقرآن لنقيب الاشراف فخرج هو وأصحابه 25 فأمروا بقتلهم عن أخرهم دفعة ثم أمروا بحبس النقيب وكان جليلاً نبيلاً شهماً من الاشراف وحمل إلى داود وأطالوا حبسه في بلدة بغداد .
وجاء في كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) ما نحن بصدده : ولقد حاصرت قوات داود باشا كربلاء في السنوات الأخيرة من حكمه زهاء أحد عشر شهراً دون أن ينال من وراء ذلك سوى وعد بدفع الضرائب السنوية المربوطة عليها . وكذلك أراد علي باشا ان يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا له بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي باسناد حكم المدينة إلى سيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها اسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت احدى فرق هذه الجماعة تدعى (الغارتية) من (غارة) تفرض الاتاوات على الحجاج . وكان أشهر زعيم لهم في 1248 هـ هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط أيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ إيرانيان لهما عدد كبير من الاتباع الفرس . ونظراً لانقسام (اليارمز) الى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء أليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفوذ الأكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام أليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر أليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير كاظم الرشتي ، والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى سيد ابراهيم القزويني .
وذكر عن قوة أهل المدينة ما نصه « كان الكربلائيون يملكون أربعة آلاف بندقية جيدة صالحة للاستعمال وثلاثين ألف بندقية رديئة غير صالحة للاستعمال .. وكان لديهم خمسة عشر طوب (مدفع) » .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف -
هجوم الوهابيين 1223 هـ

وتعرف بحادثة الطف الثانية ، لأنها من أهم الحوادث التي أثارت الاستنكار البغيض في نفس كل إنسان ، وتركت في العالم الإسلامي الألم الممض ، وكانت موضع دراسة الكثير من المؤرخين .
جاء في كتاب (الدر المنثور) المخطوط ما هذا نصه : ان في سنة 1216 هـ كان فيها مجيء سعود الوهابي إلى العراق وأخذ بلد الحسين عليه السلام وكان دخوله إلى كربلاء ليلة 18 ذي الحجة ليلة الغدير وأباد أهلها قتلاً وسبياً ، وكان عدد من قتل من أهل كربلاء ( 4500 ) رجل وانتهبت جميع ما فيها وكسر شباك قبر الحسين عليه السلام وكذا قبور الشهداء . ولم يكن استيلاؤه على جميع ما فيها بل كان استيلاؤه على ما كان دور قبر الحسين عليه السلام والنهب والقتل كان في تلك الأمكنة ولم يبلغ جيشه إلى ناحية قبر العباس عليه السلام وارتحل منها وكان أكثر أهلها في النجف .
ونقل عن السيد جواد العاملي في كتابه ( مفتاح الكرامة ) : في سنة 1223 هـ جاء الخارجي سعود في جمادى الأخره فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور ثم قضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً .
وقد نظر المستر لونكريك إلى هذه الحادثة الخطيرة فاستفزت عاطفته بتجربة حادة فقال :
إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة فسارع من بقي في المدينة لاغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلد فتمكنوا من فتحه عسفاً ، ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم . اما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضاً خارج الضريح من الصحن . أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فساداً وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل لم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر بعظهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك .
وذكر ابن بشر الحنبلي تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: ان سعود قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة 1216 هـ فحشد عليها قومه تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر . ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل . ثم ان سعود أرتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه .. الخ .
وذكر في كتابه آنف الذكر ما نصه : في سنة 1218 هـ قتل عبد العزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق ( المعروف في الدرعية ) وهو ساجد في أثناء صلاة العصر مضى عليه رجل قيل أنه كردي من أهل العمادية ( قرب الموصل ) اسمه عثمان على هيئة درويش وقيل إنه رافضي خبيث من اهل بلد الحسين ( كربلاء ) خرج من وطنه لهذا القصد والله العالم .
غير ان تلك الحادثة ألمت بحياة الشيخ سليمان باشا الكبير والي بغداد ـ آنذاك ـ ورجع وحوش نجد إلى مواطنهم مثقلين بالأموال النفيسة التي لا تثمن ويجمل بنا ونحن نستعرض في الحديث عن هذه الغارة الشنعاء أن ننقل رأياً آخر يعكس أعمال الوهابيين البربرية ، فيقول الحلواني : وفيها غزا سعود بن عبد العزيز الوهابي العراق وحاصر كربلاء وأخذها بالسيف عنوة وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذلك المقام المقدس وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وإستباحها ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى واستعد لملك الحرمين ثم رجع إلى عارضه متبجحاً بما صدر من عسكره ويقول : لو لم نكن على الحق لما انتصرنا ، وما علم ان ذلك استدراج وانه على الباغي تدور الدوائر ، وانه من قال : ( لا إله إلا الله ) فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا استولى أعمى البصائر وبأموال كربلاء استفحل أمر ابن سعود وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنـورة فصـار في أمره مـا سيأتيك بيانـه .
وعقب على ذلك أيضاً بقوله : فأمر الوزير ما صنع في كربلاء أمر الكنخدا علي بك أن يخرج بعسكره ويتبعه إلى مقر ملكه العارضي فما وصل النهدية حتى نجا سعود على المهرية القود والتحق بالقفار والصحاري ، فجبن الكنخدا ولم يمكنه أن يلحقه .
وكانت هذه الفاجعة العظيمة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين قال السيد عبد الحسين الكيدار : ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدمة بعض التقدم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هـ وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم ترَ في خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء ، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها ، وقاتل حاميتها وسكانها قتالاً شديداً ، وكان سور المدينة مركباً من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة 20 ألف نسمة ، وبعد أن أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل من جملة ما نهبه سعود آثاث الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 2000 سيف من الفضة وكثير من البنادق . وقد صارت كربلاء بعد هذه الوقعة في حال يرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فاصلح بعض خرابها وأعاد إليها العمران رويداً رويداً ، وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند فاشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء ، أسكنها بعض من نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء وأقام حوله الأبراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو ، فامنت على نفسها وعاد إليها بعض الرقي والتقدم .
ومن طريف القول ان أبا طالب خان يذكر في رحلته إلى العراق ومروره بكربلاء أنه لقي عمته المسماة ( كربلاي بيكم ) وعدة نساء من توابعها ، وقد جئن يقضين أيامهن الباقية من اعتزلهن العالم في الأرض المقدسة ويقول : ان الوهابيين كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي .. الخ .
وهناك مراجع كثيرة وصفت فضاعة الوهابيين المنكرة بأدق وصف وأسهبت فيها ، وأوضحت غزوهم لهذه المدينة الأمنة وهدمهم للضريح المقدس ونهب الأموال وقتل الأنفس ، أخص بالذكر منها : أعيان الشيعة ج 4 ص 307 وكتاب تحفة العالم ج 10 ص 289 وكتاب روضات الجنات ج 1 ص 265 وص 353 وشهداء الفضيلة ص 288 ودائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص 192 و 193 وتاريخ كربلاء وحائر الحسين ص 223 وغيرها .
ففي مسير طالبي لأبي طالب بن محمد الأصفهاني . ط الهند سنة 1227 هـ .
« في الثامن عشر من ذي الحجة يوم غدير خم ( حيث كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة النجف الاشرف بقصد الزيارة المخصوصة ) . اذ داهم كربلاء خمسة وعشرون ألف من الفرسان وقد امتطول الجياد العربية الأصيلة ـ وكانوا قبل ذلك قد بعثوا جماعة منهم الى ضواحي كربلاء وقد ارتدوا زي الزوار وجرى بينهم وبين عمر أغا والي كربلاء اتفاقا وكان هذا الوالي سنيا متعصبا ـ وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم ( اقتلوا المشركين ) .
وكان من البديهي أن عوقب عمر أغا آخر الامر بأمر من سليمان باشا والي بغداد ـ بعد القتل العام أرادوا أن يخلعوا صفائح الذهب الابريز من جدران المشهد الحسيني ولكن لاستحكامها ومتانة وضعها لم يستطيعوا ذلك . فقط خربوا قسما من الضريح الذي تحت القبة . وفي الغروب فجأة وبدون سبب ظاهر غادروا كربلاء متجهين الى الحجاز وقد قتل في هذه الحادثة أكثر من خمسة آلاف شخص . أما الجرحى فلا يحصون لكثرتهم . وكان من جملة القتلى ميرزا حسن شاهزاده الايراني . وميرزا محمد طبيب اللكنهوري . وعلي نقي خان اللاهوري مع أخيه ميرزا قمر علي مع غلامه وخادمه » .
وقد جاء في ( زنبيل فرهاد ) لمعتمد الدولة ص 348 ( . . . ولده الاكبر سعود مع 1200 فارس غدار فداهموا كربلاء يوم الغدير سنة 1216 هجـ بصورة فجائية فعملوا في أهلها السيف فقتلوا ونهبوا وأسروا ما استطاعوا . فاستشهد في هذه الواقعة كثير من العلماء ومن جملتهم جناب الشيخ ملا عبد الصمد الهمداني ففاضت روحه الطاهرة . ودقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف .
ولم تمض ستة أو سبع ساعات حتى كان عدد المستشهدين الذين فاضت أرواحهم الطاهرة يربوا على ستة آلاف شخص . وكان أكثر أهالي كربلاء قد ذهبوا الى زيارة النجف الاشرف لزيارة الغدير المخصوصة . وفي عصر ذلك اليوم المشؤوم غادر سعود كربلاء الى دياره » .
وجاء أيضاً في مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ لسبهر ص 63 : « أسرع سعود مع أتباعه صوب النجف الاشرف . وحاصر قلعة النجف وهاجمها عدة مرات ولكن لم يتمكن منها . فرجع الى كربلاء وبـ 12000 فارس من أبطال الرجال . فغافل كربلاء وداهمها ـ وصادفت هذه الحادثة يوم عيد الغدير . وبدأ القتل والتذبيح بسكنة هذه المدينة حتى قتل منها خمسة آلاف رجل وامرأة . وكسروا الضريح المبارك وسرقوا الجواهر والثريات والمفروشات واللألئ التي كانت حصيلة قرون عديدة من الهدايا الثمينة من الخلفاء والامراء . ونهبت الخزينة والقناديل الثمينة . وبعد ستة ساعات من هذه الاعمال البرية غادروا كربلاء » . لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع : تأريخ نجد لعبد الله فيلبي ص ـ وتأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ج 6 ص 144 . وأربعة قرون من تأريخ العراق الحديث للونكريك . ومطالع السعود في أخبار الوالي داوود ص 168 .
1801 هجم الوهابيون على كربلاء ، وكانت في هذه الفترة عبارة عن قصبة صغيرة مؤلفة من ثلاثة اطراف يعرف الأول ـ محلة آل فائز ، والثاني آل زحيك ، والثالث آل عيسى ، وكانت مسورة بسور بسيط من اللبن وسعف النخيل وجذوعه والطين . ويذكر لونكريك في استعراضه للهجوم الوهابي بأن والي العراق المملوكي ، سليمان باشا كان في الخالص مبتعداً عن الطاعون الذي انتشر في بغداد عندما وصله خبر تحرك القوات الوهابية نحو العراق للغزو الربيعي المعتاد فأصدر أوامره الى نائبه (الكهية) علي باشا بالتحرك نحو كربلاء لصد الغارات الوهابية وبينما كان القائد العثماني يجمع جيشه في الدوره قرب بغداد ، هاجم الوهابيون ، وكان معظم سكانها في زيارة للنجف فسارع من كان فيها لأغلاق أبواب السور لكن المهاجمين تمكنوا من فتحه عنوة ، اما حاكم المدينة العثمانية عمر أغا فلم يستطع اتخاذ الاجراءات الفعالة للمقاومة وفضل الهرب الى المدينة الامر الذي دفع الى اتهامه بالتواطؤ مع الوهابيين ويبدو ان السبب في ذلك يرجع الى عدم قدرة الحامية العثمانية الصغيرة على مواجهة القوة الوهابية التي قدرتها المصادر المعتدلة بست مائة هجان وأربع مئة فارس ، وبالغت مصادر أخرى في تعداد القوة فجعلتها (12 و14) الف مقاتل . ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر» ما حل في المدينة من تخريب بقوله : «لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ وأجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً» .
وصل القائد العثماني علي باشا الى كربلاء بعد انسحاب الوهابيين منها ، فقام ببناء سور لها ، وعاد اليها من نجا من أهلها . وبدأ العمران يعود اليها مجدداً رويداً رويداً ، الامر الذي دفع الى الاهتمام بحصانة سورها .
«وقد أقيم حول السور الابراج والمعاقل ، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها ، وعاد اليها بعض الرقي والتقدم» .
ومهما يكن من أمر فان المدينة كانت مسورة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وان لهذا السور ستة أبواب .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف -
7 صفرشهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام سيدي أبا محمّد ، أيّها الحسن المجتبى : ليت شعري كيف استقرّ القوم على هدر دمك وقد تجسّدت فيك المحامدُ كلّها ، فإن راموا طمس معالم الفضل والتقى والكرم والشهامة والإبى ، فأنت المَنْهَلُ النحرير الذي غذّى الاُمّة من علومه المحمّديّة الأصيلة ومعاقل فكره الرفيعة ، وفارس الليل الذي شهدت لنسكه وعبادته أسحار مدينة الرسول ولياليها ، والجواد الذي ما ردّ سائلاً أبدا ، والأبيّ الذي ما هادن على الحقّ أبداً ، والشهم الذي ذاد عن حرمة الدين لمّا بغى القاسطون تدنيسها. أسمى آيات الحزن والعزاء بمناسبة حلول السابع من صفر ، ذكرى استشهاد كريم أهل البيت سبط الرسول الأكرم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
-
اِنَّ الْحُسين مِصباحُ الْهُدي وَ سَفينَهُ الْنِّجاه
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم مخاطباً نوح (عليه السلام) في صنع السفينة : {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} هود : 37.