التصنيف: احداث مهمة

  • واقعة الطف 61 هـ

    واقعة الطف

    (10 محرم 61 هـ الموافق 12/10/680م )

    شهد التاريخ الإسلامي في كربلاء واقعة مروعة تعد من أكبر الوقائع والأحداث المؤلمة التي شهدها العالم الإسلامي ، ألا وهي حادثة الطف (عاشوراء) التي وقعت بين قوى الخير والشرعية المتمثلة بالإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) وأهل بيته واصحابه المعدودين ، وبين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وجيشه الكبير في شهر محرم الحرام سنة 61هـ (680م ) .

    ولد الإمام الحسين (ع) الذي يكنى (أبا عبد الله) في الخامس من شهر شعبان سنة 4هـ (626م) ، وأبوه أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (ع) وهو أبن عم النبي محمد (ص) ورابع الخلفاء الراشدين ، وأمه فاطمة الزهراء (ع) بنت النبي محمد (ص) وقد أنجبت إلى جانب الإمام الحسين (ع) الإمام الحسن (ع) ومحسناً الذي توفي صغيراً من الذكور ، وزينب الكبرى (ع) وأم كلثوم الكبرى من الإناث. ثم تزوج الإمام علي (ع) بعد وفاة السيدة فاطمة (ع) من أم البنين بنت حزام التي يرجع نسبها إلى بني كلاب فأنجبت منه العباس ، وجعفراً ، وعبد الله ، وعثمان ، وقد قتلوا جميعاً مع الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف .

    لقد عاش الإمام الحسين (ع) في كنف رسول الله (ص) ست سنوات وستة أشهر ، أي إلى وفاة النبي (ص) يوم 28 من شهر صفر سنة 11هـ (633م) .

    وينقل عن أنس بن مالك: « إن رسول الله (ص) سئل: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين. وكان يقول لفاطمة (ع) : ادعي إلي أبني فيشمهما ويضمهما إليه ». وفيما رواه الترمذي بسند حسن : « إن رسول الله (ص) قال: حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حيسناً ، حسين سبط من الأسباط » .

    وروى الإمام أحمد والترمذي بسندهما عن أبي سعيد الخدري (رض) : « إن رسول الله (ص) قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » .

    بعد أستشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) يوم 21 من شهر رمضان سنة 40هـ (661م) ، تسلم زمام أمور الخلافة الإسلامية الإمام الحسن (ع) ، وكان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام . فبدأت بوادر الحرب تظهر بين جيش الإمام الحسن (ع) في الكوفة وجيش معاوية في الشام .

    ووقف الإمام الحسن (ع) من هذه الفتنة موقف الحازم اليقظ الذي تمثلت فيه الحكمة ، فتم الصلح بينه وبين معاوية. وكان أحد شروط هذا الصلح أن يخلف معاوية في الحكم الإمام الحسن (ع) . ولكن معاوية أغتال الإمام وذلك بدس السم إليه ، وقد توفي يوم 7 من شهر صفر سنة 50هـ (670م). فكانت هذه بداية الحرب على الإمام الحسين (ع) وأهل بيت النبي (ص) من قبل معاوية وابنه يزيد .

    دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد سنة 49هـ (670م) خلافاً لقيم ومبادئ الإسلام والشريعة. وقد كره الناس ذلك وأستنكروه لما يعلمون من سيرة يزيد السيئة. وقد أمتنع الإمام الحسين (ع) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وأبن عباس ، وآخرون عن مبايعة يزيد بالخلافة.

    وعندما ذهب معاوية إلى مكة لأداء العمرة خاطب المسلمين ، وطلب مبايعة يزيد. وتحت تأثير التهديد والوعيد أنصاع عدد كبير لمبايعته .

    فلما توفي معاوية بن أبي سفيان وذلك في رجب سنة 60هـ (679م) ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة ، وكان أمير المدينة ، يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة ، وخاصة على الحسين (ع) . وعندما أحس الإمام (ع) بضغط الأمويين عليه لمبايعة يزيد ، خرج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، وعند وصوله اقبل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ويجتمعون عنده .

    وبلغ أهل الكوفة امتناع الإمام الحسين (ع) عن بيعة يزيد. ولذلك كتبوا إلى الإمام (ع) الكثير من الكتب وأوفدوا إليه الرسل من العراق وخاصة من أهل الكوفة يدعونه إليهم ، ويستعجلونه للقدوم ليبايعوه بالخلافة عوضاً عن يزيد بن معاوية. ولم يجد الإمام الحسين (ع) بداً من إرسال أبن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى أهل العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر ، وبعث معه كتاباً إلى أهل العراق بذلك .

    وتوجه مسلم بن عقيل نحو الكوفة فسمع أهلها بقدومه ، فجاؤوا إليه في دار هاني بن عروة أحد أشراف الكوفة الذي أستضاف مسلماً في داره ، فبايعوه على إمرة الحسين (ع) وحلفوا له لينصروه بأنفسهم وأموالهم ، فأجتمع على بيعته من أهل الكوفة أثنا عشر ألفاً ثم بلغوا ثمانية عشر ألفاً .

    فكتب مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (ع) يخبره بأن أهل الكوفة قد بايعوه وطلب منه أن يعجل في القدوم ، فتجهز الإمام من مكة قاصداً إلى الكوفة.

    وعلى أثر ذلك عزل يزيد بن معاوية ، أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري حيث شك بموقفه من الإمام الحسين (ع) وعين بدلاً عنه عبيد الله بن زياد والي البصرة أميراً على الكوفة والبصرة.

    فشدد أبن زياد على أهل الكوفة وطارد أصحاب مسلم بن عقيل حتى بقي وحده ووقع أخيراً في قبضة عبيد الله بن زياد فأمر بقتله وقطع رأسه ، كما أمر بقتل هاني بن عروة. وكان ذلك بداية للأعمال المروعة التي لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلاً.

    إن قصة خذلان أهل الكوفة لمسلم بن عقيل طويلة ومشجية وفيها دلالات على أستخدام العنف والقتل والقمع وعلى طبيعة الخضوع للقوة والمادة والجاه والمنصب ، وإن كان ذلك يعارض المبادئ والقيم والمثل. ولما علم الناس في المدينة بخروج الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة اشفقوا عليه وحذروه من ذلك. وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق ومنهم عبد الله بن عباس ، وأبن عمر ، وابو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن المسيب ، ولقيه الشاعر الفرزدق في الطريق فسأله الإمام عن أمر الناس في الكوفة فقال: « يا أبن رسول الله ، القلوب معك والسيوف عليك والنصر من السماء » .

    فلما علم الإمام الحسين (ع) بمقتل أبن عمه مسلم بن عقيل وهو في طريقه إلى الكوفة ، جمع أنصاره ومن أنضم إليه في طريقه من العرب فخطب فيهم وأبلغهم بما جرى لمسلم وقال لهم: لقد خذلنا أنصارنا فمن أحب منكم أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منا ذمام . فتفرقوا يمنياً وشمالاً ولم يبق معه (ع) إلا أهله واصحابه المخلصون الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممن أنضموا إليه في الطريق.

    ولما علم عبيد الله بن زياد بوجهة الإمام الحسين (ع) أتخذ أحتياطات عسكرية مختلفة وحاول جاهداً مراقبة تحركات الإمام (ع) . وقد أرسل أحد قادته وهو الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس لهذا الغرض. والتقى بركب الإمام الحسين (ع) في منطقة (شراف) . وكانت مهمة الحر على ما يبدو قطع الطريق على الإمام (ع) وعدم مفارقته حتى يأتي به إلى الكوفة. ولما أحس الإمام الحسين (ع) بما ينتويه ضده وضد أنصاره أمر أصحابه بالأنصراف نحو الحجاز. ولكن القائد الأموي (الحر بن يزيد) منعهم من ذلك ، فقال له الحسين (ع) : ما الذي تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد. قال الإمام الحسين (ع) : إذن والله لا أتبعك. قال الحر : إذن والله لا أدعك.

    وكثر الجدال بينهما فقال الحر : إنني لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ، ولا تردك إلى الحجاز حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقنا فيه العافية ولا أبتلي بشيء من أمرك. فسار الحسين (ع) مع ركبه والحر بن يزيد يسايره .

    وأتجه الإمام الحسين (ع) بأصحابه حتى بلغ (عذيب الهجانات) كان بها هجائن النعمان ترعى هناك فنسب إليها والحر بن يزيد ملازم له ، ثم وصل إلى (قصر بني مقاتل) . وكلما أراد الحسين (ع) أن يميل نحو البادية رده الحر بن يزيد نحو الكوفة حتى أنتهى (ع) إلى نينوى. وفي الثاني من محرم الحرام سنة 61هـ (680م) حط رحاله في أرض تسمى كربلاء على مقربة من نهر الفرات. فسأل الإمام الحسين (ع) : ما أسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء ، قال (ع) : كرب وبلاء.

    وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد قائد الجيش الأموي طالباً منه أن يحول بين الحسين (ع) وأصحابه وبين ماء الفرات وألا يذوقوا منه قطرة. وعلى أثر ذلك أرسل عمر بن سعد قائده عمرو بن الحجاج على رأس خمسمائة فارس فأحتلوا جميع الشرائع والأنهر المتفرعة من نهر الفرات وأوصدوا على الحسين (ع) وأصحابه سبل الوصول إلى الماء. وكان غرضه من ذلك مضايقة الإمام (ع) لحمله على الأستسلام وسد الطريق أمام من يحاول الألتحاق به عن طريق الماء والمبالغة في التشفي والأنتقام . وكان ذلك قبل ثلاثة أيام من مقتل الإمام الحسين (ع) . وكان أعظم ما عاناه الإمام (ع) من المحن الشاقة مشاهدة أطفاله وحرائر الرسالة المحمدية وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل فقد كان الأطفال ينادون : الماء الماء.

    وفي اليوم السابع من شهر محرم أشتد العطش بالإمام الحسين (ع) وأصحابه فدعا أخاه العباس (ع) وبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً. ولما أرادوا أن يملأوا قربهم ثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس (ع) وأستطاع أن يملأ القرب بالماء ويعود بها إلى الإمام الحسين (ع).

    ولكن الماء نفد في اليوم التالي فلم يتحمل الأطفال مقاومة العطش وكانوا ينظرون إلى الفرات وهو فياض بمائه فيزداد صراخهم . وكان من أفجع وأقسى ما نكب به رزيته بولده عبد الله الرضيع الذي إشتد به العطش وبلغ منه مبلغاً عظيماً فأجلسه في حجره فقال للقوم ما ذنب هذا الطفل الرضيع أن يمنع عنه الماء خلافاً لجميع الشرائع. فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فأخذ الحسين (ع) دمه فصبه في الأرض ثم قال: ربي إن تكن حبست عنا النصر من السماء فأجعل ذلك لما هو خير وأنتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

    وفي صباح يوم الجمعة العاشر من شهر محرم الحرام صلى الإمام الحسين (ع) صلاة الصبح بأصحابه البالغ عددهم اثنين وثلاثين فارساً ، وأربعين راجلاً. ثم أمتطى الحسين (ع) صهوة فرسه ، وأخذ مصحفاً فوضعه بين يديه ، وشرع الإمام (ع) يذكر الناس فضله وعظمة نسبه ، وعلو قدره وشرفه ، ويقول: راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل يصلح لكم قتال مثلي ، وأنا أبن بنت نبيكم ، إلى أخره….

    وقد ألتحق بركب الإمام جماعة منهم حبيب بن مظاهر الأسدي وزهير بن القين ، كما التحق نفر من معسكر أبن زياد أبرزهم الحر بن يزيد الرياحي القائد الأموي الذي مر ذكره. وزحف عمر بن سعد بجيشه الكبير الذي تجاوز الالوف نحو الإمام الحسين (ع) وأصحابه ثم رمى سهماً بأتجاه الإمام (ع) إيذاناً ببدء القتال وهو يقول مفاخراً « أشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى القوم » .

    وقام شمر بن ذي الجوشن أحد قادة عبيد الله بن زياد فحمل على أصحاب الحسين ، ووقف أنصار الحسين جميعاً مواقف رائعة وهم يقاتلون الأعداء بين يدي الإمام الحسين (ع) ، وهو يدعوا لهم ويقول: جزاكم الله أحسن جزاء المتقين ، وقاتلوا بين يديه حتى تفانوا ، وقتل كافة أهل بيته وأنصاره باستثناء نفر منهم على رأسهم الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) لعدم قدرته على القتال لمرضه.

    وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: أستشهد مع الحسين (ع) سبعة عشر رجلاً من أهل البيت ، أبرزهم أخوه العباس بن علي بن أبي طالب (ع).

    وكان عمر الإمام الحسين (ع) يوم استشهد ستاً وخمسين سنة وشهوراً وذلك يوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61هـ (680م) بعد صلاة الظهر.

    وأمر عمر بن سعد أعوانه بحمل رأس الحسين (ع) ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى عبيد الله بن زياد ، فلما وصل رأس الحسين (ع) إلى أبن زياد جعل ينكث ثنيته بقضيب في يده ، فقال له زيد بن أرقم: والله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) على هاتين الشفتين (يقبلهما).

    وخرج قوم من بني أسد كانوا قد نزلوا بالغاضرية إلى الحسين (ع) وأصحابه بعد أستشهادهم بيومين ، فصلوا عليهم ، ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ، ودفنوا أبنه علي الأكبر (ع) عند رجله ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الكرام ممن أستشهدو معه في المعركة مما يلي رجلي الحسين ، فجمعوهم ودفنوهم جميعاً معاً. ودفنوا العباس بن علي بن أبي طالب (ع) في موضعه الذي قتل فيه حيث يبعد عن مرقد الإمام الحسين (ع) 350 متراً على طريق الغاضرية.

    وقد أخذت الرؤوس مع أهل بيت الإمام الحسين (ع) وكان معهم الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) الذي كان مريضاً إلى الشام ، فلما نظر يزيد بن معاوية إلى السبايا والرؤوس قد وضعت على الحراب أمتلأ سروراً.

    وتتناول المصادر التاريخية مدفن رأس الحسين (ع) وأكثرها ترجيحاً تلك التي تقول بأنه أعيد مع بقية الرؤوس مع الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) إلى كربلاء ودفن مع جسده الشريف.

    وهكذا كانت النهاية المؤلمة للإمام الحسين (ع) الذي لقب بسيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ ، وسمو النفس والفداء ، وقد تركت واقعة الطف آثاراً بعيدة المدى في التاريخ الإسلامي والحضارة الإنسانية ، ظلت أصداؤها تتجاوب على مر القرون كما كان لها اثرها العميق في نشوء مدينة كربلاء المقدسة.

    أضطر الإمام الحسين (ع) تحت ضغط الجيش الأموي أن ينزل بأهله وأصحابه في أرض غير مأهولة بالسكان وكانت تحيط بها يومئذ قرى عديدة متناثرة هنا وهناك تعرف بكربلاء. كان بعضها موغلاً في القدم لم يبق منها سوى الأطلال مثل عمورا ، وماريا ، وصفورا ، وبعضها الآخر قرى قديمة أو محدثة مثل نينوى والغاضرية وشفية.

    وهذه القرى معروفة بخصوبتها وكثرة ما فيها من العيون والنهيرات ، ومن أهم هذه النهيرات نهران كان أحدهما يتفرع من الفرات قرب مدينة المسيب والذي سمي بعد ذلك بالعلقمي. أما النهر الآخر فكان يسمى بنهر نينوى وكان يتفرع من الفرات أيضاً في المنطقة الواقعة بين سدة الهندية الحالية والمسيب.

    وبعد أستشهاد الإمام الحسين (ع) بيومين ، وضع رهط من بني أسد معالم على قبره . وأخذ الزوار يأمون القبر رويداً وبأعداد تتكاثر باستمرار. وقد أدى ذلك إلى أن يكون القبر نواة لمدينة كربلاء.

    المزيد من احداث القرن الاول الهجري . . .

    ولمزيد من التفاصيل راجع الكتب التالية : الحسين في طريقه الى الشهادة مأساة الحسين بين السائل والمجيب مصارع الشهداء ومقاتل السعداء الملهوف على قتلى الطفوف المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة تسلية الُمجالس وزينة المَجالس (مقتل الحسين) (جزئين) ثمرات الاعواد (في سيرة الحسين (ع) وشهادته)(جزئين) المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية (5 أجزاء) من وحي الثورة الحسينية السيدة العظيمة ، قراءة في حياة السيدة زينب (ع) زينب الكبرى من المهد الى اللحد العباس بن علي رائد الكرامة والفداء العباس (للمقرم) السيدة سكينة علي الاكبر الشهيد مسلم بن عقيل

  • فتح عين التمر 12هـ

    فتح عين التمر

    بعد فتح الحيرة على يد خالد بن الوليد عام 12هـ ( 633 م) توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت في عين التمر الواقعة على الطريق إلى دومة الجندل، وكان يقطنها العرب النصارى الموالين للفرس. وكانت الحامية مؤلفة من قسمين الأول فارسي تحت قيادة القائد الفارسي مهران بن بهرام والثاني عربي من قبائل النمر وتغلب وإياد بقيادة عقة بن أبي عقة .

    وقد كان عقة هذا مغروراً ومتعجرفاً ويبدو أن الرغبة تملكته لحيازة الفخر والمجد بالانتصار على المسلمين هو لوحده، فقد طلب من القائد الفارسي «مهران» أن يخلي الساحة ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: «إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالداً»، وقد علم ما حقق خالد من إنتصارات قبل ذلك . وعندما سمع «مهران» هذا الكلام من «عقة» قال له : « صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم».

    وكان «مهران» قد أراد تجنب قتال المسلمين لعلمه أنهم لا يقهرون بعد إنتصاراتهم المتلاحقة في العراق في ذلك الوقت. وقد انتقد قادة الفرس ذلك الأمر من «مهران» واستنكروا قوله لـ «عقة»، فقال‏ مهران:‏ دعوهم فإن غلبوا خالداً فهو لكم، وإن غُلبوا قاتلنا خالداً وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فاعترفوا له بفضل الرَّأي عليهم‏.‏

    خرج «عقة» المغرور ومن معه من العرب المتنصرة من عين التمر للصدام مع المسلمين، وأوغل في الصحراء غروراً منه لمبادرة المسلمين بالهجوم، ووصل إلى منطقة «الكرخ» وعبأ قواته النصرانية، ووصل المسلمون إلى أرض المعركة وعبأ «خالد» الجيش بسرعة، وإستعد للقتال.

    ولم يكن «خالد» قد رأى «عقة» من قبل، ونظر إليه نظرة الفاحص، فعلم أن هذا الرجل شديد الغرور، فقرر القيام بحيلة جريئة ، وهى خطف القائد «عقة» نفسه ، فانتخب مجموعة خاصة من المسلمين، وأطلعهم على الفكرة . وكانت الخطة تقضي بأن يبدأ جناحا جيش المسلمين بالمناوشات البسيطة دون شن هجوم كبير لإشغال الطرفين المقابلين من جيش العرب النصارى، بينما بقي القلب في سكون حتى يعطي خالد إشارته بشن الهجوم. وهذا ما جعل عقة يستغرب من تأخر قلب جيش المسلمين عن الهجوم، وكان خالد ومرافقيه في مقدمة الجيش.

    ولكن ما حدث في اللحظات التالية هو أن الجنود اندهشوا من هذه المجموعة الصغيرة التي تهجم عليهم وهم عشرات الآلاف، ولم يفيقوا من هول الصدمة إلا و«خالد» قد أسر «عقة» وعاد به إلى صفوف المسلمين، عندها فزع جيش عقة من ذلك ، ففروا من أرض المعركة دون أن يسلوا سيفاً واحداً في أسرع هزيمة في التاريخ.

    فلمَّا بلغ مهران هزيمة عقَّة وجيشه، وكان قد أرسل الإستطلاع لمراقبة مجريات المعركة، نزل من الحصن وهرب مسرعاً مع حاميته بإتجاه طقسيفون (المدائن)، وترك الحصن بدون حماية.ورجعت فلول نصارى الأعراب إلى الحصن فوجدوه مفتوحاً فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فلمَّا رأوا ذلك سألوه الصُّلح فأبى إلا أن ينزلوا على حكم خالد، فجعلوا في السَّلاسل، وتسلَّم الحصن، ثمَّ أمر فضربت عنق عقَّة ومن كان أسر معه، والذين نزلوا على حكمه أيضاً أجمعين، وغنم جميع ما في ذلك الحصن.

    وجد خالد في الكنيسة التي في الحصن أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل وعليهم باب مغلق، فكسره خالد وحافظ على حياتهم، وفرَّقهم في الأمراء وأهل الغناء‏.

    من هؤلاء الغلمان الذين سباهم خالد من كنيسة عين التمر كان «سيرين»، الذي اشتراه أنس بن مالك الأنصاري وأعتقه، وهو والد الفقيه المعروف محمد بن سيرين الأنصاري. وكذلك كان الغلام «نصير» من سبي خالد في تلك الكنيسة، وهو والد الفاتح الإسلامي والقائد الشهير موسى بن نصير.

     

    • البداية والنهاية،ج6، لإبن كثير
    • الكامل في التاريخ لإبن الأثير، مجلد 2

     

    المزيد من احداث القرن الاول الهجري . . .

  • حادثة المناخور

    كانت كربلاء تشع منها روح معادية للمماليك وللأتراك على وجه العموم ، ووصف المدينة بأنها «بعيدة عن حكم الحكومة التركية تقريباً فقد ثارت كربلاء ثورة عنيفة في عام 1820 ـ 1823 وكان داود باشا قد عين فتح الله خان حاكماً لقصبة كربلاء ووضع في المدينة حامية مؤلفة من (500) شخص ، وتشير المصادر المحلية الى حدوث تمرد ضد الحاكم بسبب سوء سلوكه وعدم احترامه لقدسية المدينة واستخدامه القسوة في جباية الضرائب الامر الذي دفع الكربلائيين الى التآمر على الحاكم وقتله . وعين داود باشا بدلاً عنه علي أفندي لكنه لم يستطع اعادة النظام وتطبيق سياسة الشدة التي عزم داود باشا على تطبيقها ، فأبدل بسليمان أغا الذي أدت سياسته الى حدوث الخلاف بينه وبين السيد حسين نقيب كربلاء ، فعزل أيضاً وعين بدله السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة ، ولكن الامور لم تستقر في المدينة ، فقرر داود باشا ارسال قوة عسكرية لأعادة النظام واستحصال أموال الخزينة وحل التشكيلات العسكرية المحلية فحاصر المدينة عام 1824 . كل ذلك أدى الى انبثاق أشهر الحوادث التي مرت على كربلاء بعد حادثة الوهابيين في سنة 1241 هـ وعرفت بحادثة المناخور ـ والمناخور كلمة فارسية مخففة عن ( ميرأخور ) يراد بها أمير الاصطبل أو رئيس الخيلية ـ وذلك في عهد الوالي داود باشا عام 1241 هـ / 1825 م واستمر حصارها حتى عام 1244 هـ / 1828 م . وسببها هو أن الوالي داود باشا لما شاهد ضعف الدولة العثمانية واستقلال كثير من الولاة بولايتهم أمثال محمد علي باشا في مصر واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا ، طمع هذا الوالي باستقلاله في العراق فأخذ يشيد البنايات والتكايا والجوامع ، ويقرب العلماء ويبالغ في اكرامهم . وذلك ان الدولة العثمانية كانت في ذلك الزمن ضعيفة لاحتلال الجيش الانكشاري واستقلال البلاد القاصية واشغالها بمحاربة العصاة في البلقان وطموح محمد علي والي مصر الى الاستقلال واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا . وكان واليا علي العراق آن ذاك داود باشا وكان تقيا عادلا ورعا ، مشهورا بالدهاء وفرط الذكاء . الا انه كان شديد الحرص على الانسلاخ من جسم الدولة ، والاستقلال بالعراق اسوة بمن تقدمه . فسعى بادىء ذي بدىء الى جلب قلوب الاهالي بما انشأ من العمارات والبنايات والجوامع والتكايا . وقرب علماء العراق وبالغ في اكرامهم ونظم جيشا كبيرا وسلحه على الطراز الحديث . حينئذ فقام بعد ذلك يدعوا الناس الى بيعته . ولكثرة ما كان لديه من الاعوان بايعته اكثر مدن العراق العربي الا ـ ( كربلاء ) والحلة . اذ رفعا راية العصيان . وحاول اقناعها فلم يستطع . وعند ذلك جهز جيشاً ضخماً بقيادة أمير اصطبله وكانت عشيرة عقيل تعضده فأخضع القائد الحلة واستباح حماها هم جاء كربلا فحاصرها ثمانية عشر شهرا ولم يقو على افتتاحها لحصانة سورها ومناعة معاقلها ولما رأى ذلك أقلع عنها ثم كر عليها ثانيا وثالثا فلم يفز بأمنيته الا بعد حصار طالت مدته أربع سنوات من سنة 1241 الى سنة 1245 كان قبلها قد استنجد بعرب عقيل القصيم والاحساء ، الذين عسكروا على صدر ( الحسينية ) وامر داود باشا بقطع الماء عن كربلا وأمر أيضا اعراب الشامية أن يقطعوا طريق كربلاء وينهبوا السابلة فيها ، وقد ضيقوا الحصار على المدينة وقطعوا الاتصال الخارجي بها ، فعند ذلك لم ير الاهالي بداً غير الصلح مع داود باشا ، فدخل الاخير كربلاء ظافرا . وكانت نتيجة كل ذلك أن أسر نقيب كربلاء ( السيد حسين بن مرتضى آل دراج ) وأرسل إلى بغداد حيث سجنه داود باشا هناك .
    وجاء في كتاب ( نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان ـ مخطوط ، تفضل به السيد حسن الكليدار ـ ) : لقد احصي تسع وقائع وقعت بين الفريقين . كان الفوز بها من نصيب الكربلائيين وانهزام جند داود باشا . نذكر تفصيلها بالتسلسل .
    فالواقعة الاولى هي واقعة ـ القنطرة ـ قتل فيها من الجند ثمانية عشررجلا ومن الاهلين رجلان .
    الواقعة الثانية : واقعة ( المشمش ) وقد سميت بذلك لن الجند قصدوا ان ينهبوا ، كما افسدوا الزرع من قبل . وخرج الاهلون على عادتهم الى الجناة فاقتتلوا في أرض الجويبه ، وظهر البلديون على الجنود وهزموهم بعد ان قتل وجرح منهم الخلق الكثير .
    والثالثة : واقعة الهيابي ، وهي من أعظم الوقائع وأشدها هولا . غطيت على أثرها أرض الجويبه وما يليها من أرض الحر والهيابي بجثث القتلى . وقد استمرت المعركة من الصبح الى الظهر . وانهزم الجند بعد أن قتل وجرح منهم جمع غفير . ومن جملة الجرحى القائد الشهير صفوق ـ وهو قائد الحملة ـ … ولما تحقق داود باشا من انكسار حملته بقيادة صفوق . عندئذ عقد لواء الحملة الى ـ المناخور ـ وكان هذا بصيرا بالحرب ، مشهورا بالضرب والطعن . سبق له فتح الحلة وماردين . فخرج من بغداد 1500 فارس مزود المدافع والقنابل ، وانفذ داوود على أثره من أصناف جنوده ، الى طلبه ، والداوديه ، والارسيه ، والتركية ، واليوسفية . ونقل الجند معسكرهم الى جهة الحر . ووصل المناخور الى كربلا فسد عنها الماء ليومه . وفيه تقدم الى المدينة فأطلقت قنابله عليها فهاجمه الكربلائيون ففر اصحابه واغتنمت ميرتهم . وهذه الواقعة هي الرابعة .
    والواقعة الخامسة : واقعة ( الاطواب ) نسبة الى المدافع . وتسمى أيضا بوقعة باخيه . وهي واقعة عظيمة دامت ست ساعات . اطلقت فيها ( 46 ) قذيفة مدفع . وقيل اكثر من ذلك . ولم تصب أحدا بل كانت تقابل من جانب الاهلين بالهزء والسخرية . وقد جرح فيها الكثير من أفراد العشائر . وقد أغارت خيل المناخور على المدينة مرات عديدة وباءت كلها بالفشل . وقد خرج الاهلون فأصابوا من أعدائهم وعادوا ولم يقتل منهم الا شخص واحد ، وجرح أربعة أشخاص . وقد كف الجند عن القتال .
    الواقعة السادسة : واقعة ( المخيم ) وهي واقعة عظيمة أيضا . تبادل فيها الفريقان اطلاق القذائف المدفعية . دمر على اثرها احدى مدافع العدو وقد ابتدات المعركة منذ الفجر . ولم تمض ساعة انهزم العدو ثم عاودوا القتال بعد ساعة , فكثر القتلى والجرحى منهم ففر الجند أيضا . وقد أصيب في هذه المعركة أربعت قتلى من الاهلين .
    الواقعة السابعة : واقعة ( الراية ) اقتتل فيها الفريقان خارج البلدة انتصر فيها الاهلون واستولوا على خيولهم ومدافعهم وبنادقهم .
    الواقعة الثامنة : واقعة ( بني حسن ) وهي عظيمة أيضا وذلك ان المناخور أحس بعجز جيشه وتخاذلهم . فعدل الى الاستنجاد بالعشائر واجابه فيمن اجاب : بنو حسن ـ ناكثين عهدهم مع أهل كربلاء ضامنين للمناخور فتح المدينة ، حتى تقدموا أمامه بعد عشاء الآخرة . من جهة المخيم وتمكنوا من عبور الانهار وتسلق الجدران . ونشبت الحرب بينهم وبين الاهلين . وحمل فرسانهم ، وحمل الجند ثلاث مرات . فأخفق الجميع وجرح منهم جماعة .
    الوقعة التاسعة : واقعة ( الامان ) لان المناخور أوقعها بعد صدور العفو والامان من داود باشا . طمعا بفتح المدينة . فقد تقدم في منتصف ليلة ذي القعدة سنة 1241 ـ قد اطال المؤلف في سرد تفاصيل هذه الواقعة واليك مجملها :
    وذكر النسابة الشيخ حمود الساعدي : في سنة 1244 هجرية حول الحادثة موجزا قال فيه : حوصر أهل بلد الحسين حاصرهم سليمان بعسكره وقطع نخيلهم وأغار مياههم تسعة أشهر وقتل منهم قتلة عظيمة من الجانبين حتى آل أمرهم إلى أن أكلوا حب القطب ولم يسلموا وكانوا يخرجون الى العسكر فيقاتلون الى ان ضايقهم (صفوق) شيخ شمر وتوجهوا عليه بعدما أعطى الأمان والقرآن لنقيب الاشراف فخرج هو وأصحابه 25 فأمروا بقتلهم عن أخرهم دفعة ثم أمروا بحبس النقيب وكان جليلاً نبيلاً شهماً من الاشراف وحمل إلى داود وأطالوا حبسه في بلدة بغداد .
    وجاء في كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) ما نحن بصدده : ولقد حاصرت قوات داود باشا كربلاء في السنوات الأخيرة من حكمه زهاء أحد عشر شهراً دون أن ينال من وراء ذلك سوى وعد بدفع الضرائب السنوية المربوطة عليها . وكذلك أراد علي باشا ان يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا له بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي باسناد حكم المدينة إلى سيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة جماعة مسلحة أطلق عليها اسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت احدى فرق هذه الجماعة تدعى (الغارتية) من (غارة) تفرض الاتاوات على الحجاج . وكان أشهر زعيم لهم في 1248 هـ هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط أيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ إيرانيان لهما عدد كبير من الاتباع الفرس . ونظراً لانقسام (اليارمز) الى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء أليارمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفوذ الأكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام أليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر أليارمز إلى شطرين أحدهما مع الزعيم الديني الشهير كاظم الرشتي ، والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى سيد ابراهيم القزويني .
    وذكر عن قوة أهل المدينة ما نصه « كان الكربلائيون يملكون أربعة آلاف بندقية جيدة صالحة للاستعمال وثلاثين ألف بندقية رديئة غير صالحة للاستعمال .. وكان لديهم خمسة عشر طوب (مدفع) » .
    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • حادثة الوهابيين

    وتعرف بحادثة الطف الثانية ، لأنها من أهم الحوادث التي أثارت الاستنكار البغيض في نفس كل إنسان ، وتركت في العالم الإسلامي الألم الممض ، وكانت موضع دراسة الكثير من المؤرخين .
    جاء في كتاب (الدر المنثور) المخطوط ما هذا نصه : ان في سنة 1216 هـ كان فيها مجيء سعود الوهابي إلى العراق وأخذ بلد الحسين عليه السلام وكان دخوله إلى كربلاء ليلة 18 ذي الحجة ليلة الغدير وأباد أهلها قتلاً وسبياً ، وكان عدد من قتل من أهل كربلاء ( 4500 ) رجل وانتهبت جميع ما فيها وكسر شباك قبر الحسين عليه السلام وكذا قبور الشهداء . ولم يكن استيلاؤه على جميع ما فيها بل كان استيلاؤه على ما كان دور قبر الحسين عليه السلام والنهب والقتل كان في تلك الأمكنة ولم يبلغ جيشه إلى ناحية قبر العباس عليه السلام وارتحل منها وكان أكثر أهلها في النجف .
    ونقل عن السيد جواد العاملي في كتابه ( مفتاح الكرامة ) : في سنة 1223 هـ جاء الخارجي سعود في جمادى الأخره فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور ثم قضى إلى مشهد الحسين على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً .
    وقد نظر المستر لونكريك إلى هذه الحادثة الخطيرة فاستفزت عاطفته بتجربة حادة فقال :
    إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة فسارع من بقي في المدينة لاغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلد فتمكنوا من فتحه عسفاً ، ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم . اما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضاً خارج الضريح من الصحن . أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فساداً وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل لم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ، ولقد قدر بعظهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك .
    وذكر ابن بشر الحنبلي تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: ان سعود قصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة 1216 هـ فحشد عليها قومه تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين واخذوا ما في القبة وما حولها واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر . ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل . ثم ان سعود أرتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه .. الخ .
    وذكر في كتابه آنف الذكر ما نصه : في سنة 1218 هـ قتل عبد العزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق ( المعروف في الدرعية ) وهو ساجد في أثناء صلاة العصر مضى عليه رجل قيل أنه كردي من أهل العمادية ( قرب الموصل ) اسمه عثمان على هيئة درويش وقيل إنه رافضي خبيث من اهل بلد الحسين ( كربلاء ) خرج من وطنه لهذا القصد والله العالم .
    غير ان تلك الحادثة ألمت بحياة الشيخ سليمان باشا الكبير والي بغداد ـ آنذاك ـ ورجع وحوش نجد إلى مواطنهم مثقلين بالأموال النفيسة التي لا تثمن ويجمل بنا ونحن نستعرض في الحديث عن هذه الغارة الشنعاء أن ننقل رأياً آخر يعكس أعمال الوهابيين البربرية ، فيقول الحلواني : وفيها غزا سعود بن عبد العزيز الوهابي العراق وحاصر كربلاء وأخذها بالسيف عنوة وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذلك المقام المقدس وقتل أهلها قتلاً ذريعاً وإستباحها ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى واستعد لملك الحرمين ثم رجع إلى عارضه متبجحاً بما صدر من عسكره ويقول : لو لم نكن على الحق لما انتصرنا ، وما علم ان ذلك استدراج وانه على الباغي تدور الدوائر ، وانه من قال : ( لا إله إلا الله ) فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا استولى أعمى البصائر وبأموال كربلاء استفحل أمر ابن سعود وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنـورة فصـار في أمره مـا سيأتيك بيانـه .
    وعقب على ذلك أيضاً بقوله : فأمر الوزير ما صنع في كربلاء أمر الكنخدا علي بك أن يخرج بعسكره ويتبعه إلى مقر ملكه العارضي فما وصل النهدية حتى نجا سعود على المهرية القود والتحق بالقفار والصحاري ، فجبن الكنخدا ولم يمكنه أن يلحقه .
    وكانت هذه الفاجعة العظيمة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين قال السيد عبد الحسين الكيدار : ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ورقي وانحطاط تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف وطوراً تعمر متقدمة بعض التقدم إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هـ وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم ترَ في خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء ، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها ، وقاتل حاميتها وسكانها قتالاً شديداً ، وكان سور المدينة مركباً من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة 20 ألف نسمة ، وبعد أن أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل من جملة ما نهبه سعود آثاث الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 2000 سيف من الفضة وكثير من البنادق . وقد صارت كربلاء بعد هذه الوقعة في حال يرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فاصلح بعض خرابها وأعاد إليها العمران رويداً رويداً ، وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر أحد ملوك الهند فاشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقاً حسنة وبيوتاً قوراء ، أسكنها بعض من نكبوا وبنى للبلدة سوراً حصيناً لصد هجمات الأعداء وأقام حوله الأبراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو ، فامنت على نفسها وعاد إليها بعض الرقي والتقدم .
    ومن طريف القول ان أبا طالب خان يذكر في رحلته إلى العراق ومروره بكربلاء أنه لقي عمته المسماة ( كربلاي بيكم ) وعدة نساء من توابعها ، وقد جئن يقضين أيامهن الباقية من اعتزلهن العالم في الأرض المقدسة ويقول : ان الوهابيين كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي .. الخ .
    وهناك مراجع كثيرة وصفت فضاعة الوهابيين المنكرة بأدق وصف وأسهبت فيها ، وأوضحت غزوهم لهذه المدينة الأمنة وهدمهم للضريح المقدس ونهب الأموال وقتل الأنفس ، أخص بالذكر منها : أعيان الشيعة ج 4 ص 307 وكتاب تحفة العالم ج 10 ص 289 وكتاب روضات الجنات ج 1 ص 265 وص 353 وشهداء الفضيلة ص 288 ودائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص 192 و 193 وتاريخ كربلاء وحائر الحسين ص 223 وغيرها .
    ففي مسير طالبي لأبي طالب بن محمد الأصفهاني . ط الهند سنة 1227 هـ .
    « في الثامن عشر من ذي الحجة يوم غدير خم ( حيث كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة النجف الاشرف بقصد الزيارة المخصوصة ) . اذ داهم كربلاء خمسة وعشرون ألف من الفرسان وقد امتطول الجياد العربية الأصيلة ـ وكانوا قبل ذلك قد بعثوا جماعة منهم الى ضواحي كربلاء وقد ارتدوا زي الزوار وجرى بينهم وبين عمر أغا والي كربلاء اتفاقا وكان هذا الوالي سنيا متعصبا ـ وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم ( اقتلوا المشركين ) .
    وكان من البديهي أن عوقب عمر أغا آخر الامر بأمر من سليمان باشا والي بغداد ـ بعد القتل العام أرادوا أن يخلعوا صفائح الذهب الابريز من جدران المشهد الحسيني ولكن لاستحكامها ومتانة وضعها لم يستطيعوا ذلك . فقط خربوا قسما من الضريح الذي تحت القبة . وفي الغروب فجأة وبدون سبب ظاهر غادروا كربلاء متجهين الى الحجاز وقد قتل في هذه الحادثة أكثر من خمسة آلاف شخص . أما الجرحى فلا يحصون لكثرتهم . وكان من جملة القتلى ميرزا حسن شاهزاده الايراني . وميرزا محمد طبيب اللكنهوري . وعلي نقي خان اللاهوري مع أخيه ميرزا قمر علي مع غلامه وخادمه » .
    وقد جاء في ( زنبيل فرهاد ) لمعتمد الدولة ص 348 ( . . . ولده الاكبر سعود مع 1200 فارس غدار فداهموا كربلاء يوم الغدير سنة 1216 هجـ بصورة فجائية فعملوا في أهلها السيف فقتلوا ونهبوا وأسروا ما استطاعوا . فاستشهد في هذه الواقعة كثير من العلماء ومن جملتهم جناب الشيخ ملا عبد الصمد الهمداني ففاضت روحه الطاهرة . ودقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف .
    ولم تمض ستة أو سبع ساعات حتى كان عدد المستشهدين الذين فاضت أرواحهم الطاهرة يربوا على ستة آلاف شخص . وكان أكثر أهالي كربلاء قد ذهبوا الى زيارة النجف الاشرف لزيارة الغدير المخصوصة . وفي عصر ذلك اليوم المشؤوم غادر سعود كربلاء الى دياره » .
    وجاء أيضاً في مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ لسبهر ص 63 : « أسرع سعود مع أتباعه صوب النجف الاشرف . وحاصر قلعة النجف وهاجمها عدة مرات ولكن لم يتمكن منها . فرجع الى كربلاء وبـ 12000 فارس من أبطال الرجال . فغافل كربلاء وداهمها ـ وصادفت هذه الحادثة يوم عيد الغدير . وبدأ القتل والتذبيح بسكنة هذه المدينة حتى قتل منها خمسة آلاف رجل وامرأة . وكسروا الضريح المبارك وسرقوا الجواهر والثريات والمفروشات واللألئ التي كانت حصيلة قرون عديدة من الهدايا الثمينة من الخلفاء والامراء . ونهبت الخزينة والقناديل الثمينة . وبعد ستة ساعات من هذه الاعمال البرية غادروا كربلاء » . لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع : تأريخ نجد لعبد الله فيلبي ص ـ وتأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ج 6 ص 144 . وأربعة قرون من تأريخ العراق الحديث للونكريك . ومطالع السعود في أخبار الوالي داوود ص 168 .
    1801 هجم الوهابيون على كربلاء ، وكانت في هذه الفترة عبارة عن قصبة صغيرة مؤلفة من ثلاثة اطراف يعرف الأول ـ محلة آل فائز ، والثاني آل زحيك ، والثالث آل عيسى ، وكانت مسورة بسور بسيط من اللبن وسعف النخيل وجذوعه والطين . ويذكر لونكريك في استعراضه للهجوم الوهابي بأن والي العراق المملوكي ، سليمان باشا كان في الخالص مبتعداً عن الطاعون الذي انتشر في بغداد عندما وصله خبر تحرك القوات الوهابية نحو العراق للغزو الربيعي المعتاد فأصدر أوامره الى نائبه (الكهية) علي باشا بالتحرك نحو كربلاء لصد الغارات الوهابية وبينما كان القائد العثماني يجمع جيشه في الدوره قرب بغداد ، هاجم الوهابيون ، وكان معظم سكانها في زيارة للنجف فسارع من كان فيها لأغلاق أبواب السور لكن المهاجمين تمكنوا من فتحه عنوة ، اما حاكم المدينة العثمانية عمر أغا فلم يستطع اتخاذ الاجراءات الفعالة للمقاومة وفضل الهرب الى المدينة الامر الذي دفع الى اتهامه بالتواطؤ مع الوهابيين ويبدو ان السبب في ذلك يرجع الى عدم قدرة الحامية العثمانية الصغيرة على مواجهة القوة الوهابية التي قدرتها المصادر المعتدلة بست مائة هجان وأربع مئة فارس ، وبالغت مصادر أخرى في تعداد القوة فجعلتها (12 و14) الف مقاتل . ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر» ما حل في المدينة من تخريب بقوله : «لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ وأجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً» .
    وصل القائد العثماني علي باشا الى كربلاء بعد انسحاب الوهابيين منها ، فقام ببناء سور لها ، وعاد اليها من نجا من أهلها . وبدأ العمران يعود اليها مجدداً رويداً رويداً ، الامر الذي دفع الى الاهتمام بحصانة سورها .
    «وقد أقيم حول السور الابراج والمعاقل ، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها ، وعاد اليها بعض الرقي والتقدم» .
    ومهما يكن من أمر فان المدينة كانت مسورة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وان لهذا السور ستة أبواب .
    المزيد من احداث القرن الثالث عشر الهجري
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتابي تراث كربلاء وكربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • واقعة الطف

    (10 محرم 61 هـ الموافق 12/10/680م )
    شهد التاريخ الإسلامي في كربلاء واقعة مروعة تعد من أكبر الوقائع والأحداث المؤلمة التي شهدها العالم الإسلامي ، ألا وهي حادثة الطف (عاشوراء) التي وقعت بين قوى الخير والشرعية المتمثلة بالإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) وأهل بيته واصحابه المعدودين ، وبين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وجيشه الكبير في شهر محرم الحرام سنة 61هـ (680م ) .
    ولد الإمام الحسين (ع) الذي يكنى (أبا عبد الله) في الخامس من شهر شعبان سنة 4هـ (626م) ، وأبوه أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (ع) وهو أبن عم النبي محمد (ص) ورابع الخلفاء الراشدين ، وأمه فاطمة الزهراء (ع) بنت النبي محمد (ص) وقد أنجبت إلى جانب الإمام الحسين (ع) الإمام الحسن (ع) ومحسناً الذي توفي صغيراً من الذكور ، وزينب الكبرى (ع) وأم كلثوم الكبرى من الإناث. ثم تزوج الإمام علي (ع) بعد وفاة السيدة فاطمة (ع) من أم البنين بنت حزام التي يرجع نسبها إلى بني كلاب فأنجبت منه العباس ، وجعفراً ، وعبد الله ، وعثمان ، وقد قتلوا جميعاً مع الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف .


    لقد عاش الإمام الحسين (ع) في كنف رسول الله (ص) ست سنوات وستة أشهر ، أي إلى وفاة النبي (ص) يوم 28 من شهر صفر سنة 11هـ (633م) .
    وينقل عن أنس بن مالك: « إن رسول الله (ص) سئل: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين. وكان يقول لفاطمة (ع) : ادعي إلي أبني فيشمهما ويضمهما إليه ». وفيما رواه الترمذي بسند حسن : « إن رسول الله (ص) قال: حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حيسناً ، حسين سبط من الأسباط » .
    وروى الإمام أحمد والترمذي بسندهما عن أبي سعيد الخدري (رض) : « إن رسول الله (ص) قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » .
    بعد أستشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) يوم 21 من شهر رمضان سنة 40هـ (661م) ، تسلم زمام أمور الخلافة الإسلامية الإمام الحسن (ع) ، وكان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام . فبدأت بوادر الحرب تظهر بين جيش الإمام الحسن (ع) في الكوفة وجيش معاوية في الشام .
    ووقف الإمام الحسن (ع) من هذه الفتنة موقف الحازم اليقظ الذي تمثلت فيه الحكمة ، فتم الصلح بينه وبين معاوية. وكان أحد شروط هذا الصلح أن يخلف معاوية في الحكم الإمام الحسن (ع) . ولكن معاوية أغتال الإمام وذلك بدس السم إليه ، وقد توفي يوم 7 من شهر صفر سنة 50هـ (670م). فكانت هذه بداية الحرب على الإمام الحسين (ع) وأهل بيت النبي (ص) من قبل معاوية وابنه يزيد .
    دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد سنة 49هـ (670م) خلافاً لقيم ومبادئ الإسلام والشريعة. وقد كره الناس ذلك وأستنكروه لما يعلمون من سيرة يزيد السيئة. وقد أمتنع الإمام الحسين (ع) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وأبن عباس ، وآخرون عن مبايعة يزيد بالخلافة.
    وعندما ذهب معاوية إلى مكة لأداء العمرة خاطب المسلمين ، وطلب مبايعة يزيد. وتحت تأثير التهديد والوعيد أنصاع عدد كبير لمبايعته .
    فلما توفي معاوية بن أبي سفيان وذلك في رجب سنة 60هـ (679م) ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة ، وكان أمير المدينة ، يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة ، وخاصة على الحسين (ع) . وعندما أحس الإمام (ع) بضغط الأمويين عليه لمبايعة يزيد ، خرج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، وعند وصوله اقبل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ويجتمعون عنده .
    وبلغ أهل الكوفة امتناع الإمام الحسين (ع) عن بيعة يزيد. ولذلك كتبوا إلى الإمام (ع) الكثير من الكتب وأوفدوا إليه الرسل من العراق وخاصة من أهل الكوفة يدعونه إليهم ، ويستعجلونه للقدوم ليبايعوه بالخلافة عوضاً عن يزيد بن معاوية. ولم يجد الإمام الحسين (ع) بداً من إرسال أبن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى أهل العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر ، وبعث معه كتاباً إلى أهل العراق بذلك .
    وتوجه مسلم بن عقيل نحو الكوفة فسمع أهلها بقدومه ، فجاؤوا إليه في دار هاني بن عروة أحد أشراف الكوفة الذي أستضاف مسلماً في داره ، فبايعوه على إمرة الحسين (ع) وحلفوا له لينصروه بأنفسهم وأموالهم ، فأجتمع على بيعته من أهل الكوفة أثنا عشر ألفاً ثم بلغوا ثمانية عشر ألفاً .
    فكتب مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (ع) يخبره بأن أهل الكوفة قد بايعوه وطلب منه أن يعجل في القدوم ، فتجهز الإمام من مكة قاصداً إلى الكوفة.
    وعلى أثر ذلك عزل يزيد بن معاوية ، أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري حيث شك بموقفه من الإمام الحسين (ع) وعين بدلاً عنه عبيد الله بن زياد والي البصرة أميراً على الكوفة والبصرة.
    فشدد أبن زياد على أهل الكوفة وطارد أصحاب مسلم بن عقيل حتى بقي وحده ووقع أخيراً في قبضة عبيد الله بن زياد فأمر بقتله وقطع رأسه ، كما أمر بقتل هاني بن عروة. وكان ذلك بداية للأعمال المروعة التي لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلاً.
    إن قصة خذلان أهل الكوفة لمسلم بن عقيل طويلة ومشجية وفيها دلالات على أستخدام العنف والقتل والقمع وعلى طبيعة الخضوع للقوة والمادة والجاه والمنصب ، وإن كان ذلك يعارض المبادئ والقيم والمثل. ولما علم الناس في المدينة بخروج الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة اشفقوا عليه وحذروه من ذلك. وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق ومنهم عبد الله بن عباس ، وأبن عمر ، وابو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن المسيب ، ولقيه الشاعر الفرزدق في الطريق فسأله الإمام عن أمر الناس في الكوفة فقال: « يا أبن رسول الله ، القلوب معك والسيوف عليك والنصر من السماء » .
    فلما علم الإمام الحسين (ع) بمقتل أبن عمه مسلم بن عقيل وهو في طريقه إلى الكوفة ، جمع أنصاره ومن أنضم إليه في طريقه من العرب فخطب فيهم وأبلغهم بما جرى لمسلم وقال لهم: لقد خذلنا أنصارنا فمن أحب منكم أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منا ذمام . فتفرقوا يمنياً وشمالاً ولم يبق معه (ع) إلا أهله واصحابه المخلصون الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممن أنضموا إليه في الطريق.
    ولما علم عبيد الله بن زياد بوجهة الإمام الحسين (ع) أتخذ أحتياطات عسكرية مختلفة وحاول جاهداً مراقبة تحركات الإمام (ع) . وقد أرسل أحد قادته وهو الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس لهذا الغرض. والتقى بركب الإمام الحسين (ع) في منطقة (شراف) . وكانت مهمة الحر على ما يبدو قطع الطريق على الإمام (ع) وعدم مفارقته حتى يأتي به إلى الكوفة. ولما أحس الإمام الحسين (ع) بما ينتويه ضده وضد أنصاره أمر أصحابه بالأنصراف نحو الحجاز. ولكن القائد الأموي (الحر بن يزيد) منعهم من ذلك ، فقال له الحسين (ع) : ما الذي تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد. قال الإمام الحسين (ع) : إذن والله لا أتبعك. قال الحر : إذن والله لا أدعك.
    وكثر الجدال بينهما فقال الحر : إنني لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ، ولا تردك إلى الحجاز حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقنا فيه العافية ولا أبتلي بشيء من أمرك. فسار الحسين (ع) مع ركبه والحر بن يزيد يسايره .
    وأتجه الإمام الحسين (ع) بأصحابه حتى بلغ (عذيب الهجانات) كان بها هجائن النعمان ترعى هناك فنسب إليها والحر بن يزيد ملازم له ، ثم وصل إلى (قصر بني مقاتل) . وكلما أراد الحسين (ع) أن يميل نحو البادية رده الحر بن يزيد نحو الكوفة حتى أنتهى (ع) إلى نينوى. وفي الثاني من محرم الحرام سنة 61هـ (680م) حط رحاله في أرض تسمى كربلاء على مقربة من نهر الفرات. فسأل الإمام الحسين (ع) : ما أسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء ، قال (ع) : كرب وبلاء.
    وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد قائد الجيش الأموي طالباً منه أن يحول بين الحسين (ع) وأصحابه وبين ماء الفرات وألا يذوقوا منه قطرة. وعلى أثر ذلك أرسل عمر بن سعد قائده عمرو بن الحجاج على رأس خمسمائة فارس فأحتلوا جميع الشرائع والأنهر المتفرعة من نهر الفرات وأوصدوا على الحسين (ع) وأصحابه سبل الوصول إلى الماء. وكان غرضه من ذلك مضايقة الإمام (ع) لحمله على الأستسلام وسد الطريق أمام من يحاول الألتحاق به عن طريق الماء والمبالغة في التشفي والأنتقام . وكان ذلك قبل ثلاثة أيام من مقتل الإمام الحسين (ع) . وكان أعظم ما عاناه الإمام (ع) من المحن الشاقة مشاهدة أطفاله وحرائر الرسالة المحمدية وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل فقد كان الأطفال ينادون : الماء الماء.
    وفي اليوم السابع من شهر محرم أشتد العطش بالإمام الحسين (ع) وأصحابه فدعا أخاه العباس (ع) وبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً. ولما أرادوا أن يملأوا قربهم ثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس (ع) وأستطاع أن يملأ القرب بالماء ويعود بها إلى الإمام الحسين (ع).
    ولكن الماء نفد في اليوم التالي فلم يتحمل الأطفال مقاومة العطش وكانوا ينظرون إلى الفرات وهو فياض بمائه فيزداد صراخهم . وكان من أفجع وأقسى ما نكب به رزيته بولده عبد الله الرضيع الذي إشتد به العطش وبلغ منه مبلغاً عظيماً فأجلسه في حجره فقال للقوم ما ذنب هذا الطفل الرضيع أن يمنع عنه الماء خلافاً لجميع الشرائع. فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فأخذ الحسين (ع) دمه فصبه في الأرض ثم قال: ربي إن تكن حبست عنا النصر من السماء فأجعل ذلك لما هو خير وأنتقم لنا من هؤلاء الظالمين.
    وفي صباح يوم الجمعة العاشر من شهر محرم الحرام صلى الإمام الحسين (ع) صلاة الصبح بأصحابه البالغ عددهم اثنين وثلاثين فارساً ، وأربعين راجلاً. ثم أمتطى الحسين (ع) صهوة فرسه ، وأخذ مصحفاً فوضعه بين يديه ، وشرع الإمام (ع) يذكر الناس فضله وعظمة نسبه ، وعلو قدره وشرفه ، ويقول: راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل يصلح لكم قتال مثلي ، وأنا أبن بنت نبيكم ، إلى أخره….
    وقد ألتحق بركب الإمام جماعة منهم حبيب بن مظاهر الأسدي وزهير بن القين ، كما التحق نفر من معسكر أبن زياد أبرزهم الحر بن يزيد الرياحي القائد الأموي الذي مر ذكره. وزحف عمر بن سعد بجيشه الكبير الذي تجاوز الالوف نحو الإمام الحسين (ع) وأصحابه ثم رمى سهماً بأتجاه الإمام (ع) إيذاناً ببدء القتال وهو يقول مفاخراً « أشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى القوم » .
    وقام شمر بن ذي الجوشن أحد قادة عبيد الله بن زياد فحمل على أصحاب الحسين ، ووقف أنصار الحسين جميعاً مواقف رائعة وهم يقاتلون الأعداء بين يدي الإمام الحسين (ع) ، وهو يدعوا لهم ويقول: جزاكم الله أحسن جزاء المتقين ، وقاتلوا بين يديه حتى تفانوا ، وقتل كافة أهل بيته وأنصاره باستثناء نفر منهم على رأسهم الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) لعدم قدرته على القتال لمرضه.
    وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: أستشهد مع الحسين (ع) سبعة عشر رجلاً من أهل البيت ، أبرزهم أخوه العباس بن علي بن أبي طالب (ع).
    وكان عمر الإمام الحسين (ع) يوم استشهد ستاً وخمسين سنة وشهوراً وذلك يوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61هـ (680م) بعد صلاة الظهر.
    وأمر عمر بن سعد أعوانه بحمل رأس الحسين (ع) ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى عبيد الله بن زياد ، فلما وصل رأس الحسين (ع) إلى أبن زياد جعل ينكث ثنيته بقضيب في يده ، فقال له زيد بن أرقم: والله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) على هاتين الشفتين (يقبلهما).
    وخرج قوم من بني أسد كانوا قد نزلوا بالغاضرية إلى الحسين (ع) وأصحابه بعد أستشهادهم بيومين ، فصلوا عليهم ، ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ، ودفنوا أبنه علي الأكبر (ع) عند رجله ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الكرام ممن أستشهدو معه في المعركة مما يلي رجلي الحسين ، فجمعوهم ودفنوهم جميعاً معاً. ودفنوا العباس بن علي بن أبي طالب (ع) في موضعه الذي قتل فيه حيث يبعد عن مرقد الإمام الحسين (ع) 350 متراً على طريق الغاضرية.
    وقد أخذت الرؤوس مع أهل بيت الإمام الحسين (ع) وكان معهم الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) الذي كان مريضاً إلى الشام ، فلما نظر يزيد بن معاوية إلى السبايا والرؤوس قد وضعت على الحراب أمتلأ سروراً.
    وتتناول المصادر التاريخية مدفن رأس الحسين (ع) وأكثرها ترجيحاً تلك التي تقول بأنه أعيد مع بقية الرؤوس مع الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (ع) إلى كربلاء ودفن مع جسده الشريف.
    وهكذا كانت النهاية المؤلمة للإمام الحسين (ع) الذي لقب بسيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ ، وسمو النفس والفداء ، وقد تركت واقعة الطف آثاراً بعيدة المدى في التاريخ الإسلامي والحضارة الإنسانية ، ظلت أصداؤها تتجاوب على مر القرون كما كان لها اثرها العميق في نشوء مدينة كربلاء المقدسة.
    أضطر الإمام الحسين (ع) تحت ضغط الجيش الأموي أن ينزل بأهله وأصحابه في أرض غير مأهولة بالسكان وكانت تحيط بها يومئذ قرى عديدة متناثرة هنا وهناك تعرف بكربلاء. كان بعضها موغلاً في القدم لم يبق منها سوى الأطلال مثل عمورا ، وماريا ، وصفورا ، وبعضها الآخر قرى قديمة أو محدثة مثل نينوى والغاضرية وشفية.
    وهذه القرى معروفة بخصوبتها وكثرة ما فيها من العيون والنهيرات ، ومن أهم هذه النهيرات نهران كان أحدهما يتفرع من الفرات قرب مدينة المسيب والذي سمي بعد ذلك بالعلقمي. أما النهر الآخر فكان يسمى بنهر نينوى وكان يتفرع من الفرات أيضاً في المنطقة الواقعة بين سدة الهندية الحالية والمسيب.
    وبعد أستشهاد الإمام الحسين (ع) بيومين ، وضع رهط من بني أسد معالم على قبره . وأخذ الزوار يأمون القبر رويداً وبأعداد تتكاثر باستمرار. وقد أدى ذلك إلى أن يكون القبر نواة لمدينة كربلاء.
    المزيد من احداث القرن الاول الهجري . . .
    ولمزيد من التفاصيل راجع الكتب التالية :

  • فتح عين التمر

    بعد فتح الحيرة على يد خالد بن الوليد عام 12هـ ( 633 م) توجه إلى الحامية الفارسية الكبيرة التي كانت في عين التمر الواقعة على الطريق إلى دومة الجندل، وكان يقطنها العرب النصارى الموالين للفرس. وكانت الحامية مؤلفة من قسمين الأول فارسي تحت قيادة القائد الفارسي مهران بن بهرام والثاني عربي من قبائل النمر وتغلب وإياد بقيادة عقة بن أبي عقة .
    وقد كان عقة هذا مغروراً ومتعجرفاً ويبدو أن الرغبة تملكته لحيازة الفخر والمجد بالانتصار على المسلمين هو لوحده، فقد طلب من القائد الفارسي «مهران» أن يخلي الساحة ليقاتل هو المسلمين وحده دون مساعدة من الفرس، وقال له: «إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالداً»، وقد علم ما حقق خالد من إنتصارات قبل ذلك . وعندما سمع «مهران» هذا الكلام من «عقة» قال له : « صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم مثلنا في قتال العجم، دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم».

    (المزيد…)

  • مؤتمر كربلاء 1340 هـ

    وفي 11 آذار سنة 1922م ، أي بعد حوالي 7 أشهر من تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق ، أغارت قوة كبيرة من الوهابيين على بعض العشائر في الناصرية جنوب العراق فقتلت حوالي سبعمائة شخص ونهبت الكثير من البيوت ودمرتها. وعلى أثر ذلك دعا علماء الدين الشيعة إلى عقد مؤتمر في كربلاء المقدسة في نيسان 1922م وبمناسبة زيارة النصف من شعبان للأحتجاج على غارات الوهابيين.في الخامس عشر من شعبان سنة 1340 هـ (12 نيسان 1922م) وعقد المؤتمرون اجتماعهم الأخير في صحن الامام الحسين بكربلاء وكان من أبرز علماء الدين الذين دعوا إلى هذا المؤتمر الشيخ مهدي الخالصي.
    ووقع الرؤساء والزعماء وثيقة للنظر بما اوقعه الخوارج الأخوان باخواننا المسلمين من الاعمال الوحشية من القتل والسلب والنهب ورفعت الى جلالة الملك . وقد حضر المؤتمر العلماء والرؤساء والزعماء والادباء وقادة الرأي وقدر عددهم بنحو مئتي الف نسمة وندبت الحكومة وزير الداخلية توفيق الخالدي لحضور المؤتمر .
    وقد صدرت عن المؤتمر مقررات أهمها المطالبة بالجلاء البريطاني التام عن العراق وإلغاء الأنتداب.
    مؤتمر كربلاء الثاني
    وفي منتصف شعبان سنة 1349 هـ (5 كانون الثاني 1931م) عقد المؤتمر في كربلاء حضره ممثلون عن العشائر المختلفة ولفيف كبير من الشخصيات القيت فيه الخطب الحماسية واسفر عن توقيع مضبطة تؤيد (مناهضة مشروع المعاهدة الجديدة بكل الوسائل السياسية لانه مشروع جائر وصك ممقوت) و(السعي لاسقاط الوزارة السعيدية وحل المجلس النيابي لعدم مشروعيته) ورفع الى الملك.

  • ثورة العشرين 1338 هـ

    كان لكربلاء دور بارز في ثورة العراق والمطالبة بحريته وأستقلاله ، سنة 1338هـ (1920م) وذلك لأن المرجع الديني الأكبر الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي آثر الإقامة في كربلاء لقيادة الحركة المناهضة لسلطة الأحتلال.
    وفي غمرة الأحداث التي تطورت نتيجة أستياء الشعب من سلطة الأحتلال البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن تمتص غضب المعارضين فأصدرت لهذا الغرض أوامرها لوكيل الحاكم الملكي العام في بغداد ليقوم بالتعرف على آراء العراقيين في شكل الحكم الذي يريدونه ، وذلك بإجراء استفتاء عام. وحاولت سلطة الأحتلال أن تُجري الاستفتاء طبقاً لرغبتها. ولكنها فشلت في المدن المقدسة ولا سيما كربلاء ، نتيجة الفتوى الشهيرة التي أصدرها المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وتأييد العلماء المجتهدين في كربلاء والنجف والكاظمية لها والتي نصت على أنه « ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمام والسلطنة على المسلمين ».
    وبالرغم من أن كربلاء كانت منطلقاً لثورة العشرين سنة 1338هـ (1920م) بقيادة المرجع الديني الشيرازي إلا أنها سلمت مع المراقد المقدسة فيها من التعرض لأي سوء.
    وكانت كربلاء قد استمرت في مقاومة رجال الاحتلال البريطاني ، وقد اكتشفت هذه السلطات في خريف 1919 مؤامرة لقتل الضباط البريطانيين والموظفين في كربلاء فقامت بتوقيف بعض الاشخاص ، كما صدرت الفتاوى بتحريم توظيف المسلمين في الادارة البريطانية فبدأت الاستقالات من خدمة حكومة الاحتلال تزداد يوماً بعد آخر . وعندما نودي بالامير عبد الله ملكاً على العراق من قبل المؤتمر العراقي في 8 آذار 1920 نشطت في كربلاء حركة واسعة تحث جميع شيوخ القبائل الفراتية توقيع وثيقة ترسل الى الامير عبد الله تدعوه للتوجه لتسلم مملكته ، كما ارتفعت الدعوة من المدينة للقيام بحركة متناسقة من أجل تشكيل حكومة مسلمة ، وكان لهذه الدعوة أثرها في اثارة القبائل للدفاع عن بيضة الاسلام ضد الكفار . ويقول ايرلند ان خطط الثورة كانت قد وضعت بصورة أكيدة في كربلاء في متنصف حزيران 1920 عندما كانت جماعات من الوجهاء وشيوخ العشائر تؤدي واجب الزيارة ، وتؤكد المس بيل هذه الحقيقة حين تقول ان خطة معينة قد وضعت للثورة حين زار كربلاء في العيد الذي صادف وقوعه في منتصف حزيران عدد كبير من الشيوخ والوجهاء .
    وازاء تصاعد روح المقاومة في كربلاء قامت السلطة البريطانية في 22 حزيران باعتقال عدد من شخصيات المدينة هم : السيد حسين الدده والسيد عبد الوهاب آل طعمة وعبد الكريم العواد ، وأحمد القنبر ، وعمر الحاج علوان ، وعثمان الحاج علوان ، ومحمد علي الطباطبائي ، وأحمد البير ، وكاظم أبو ذان ، وعبد المهدي القنبر وغيرهم . ولكن هذه الاجراءات لم تؤد الا الى ازدياد روح الثورة واتساع نطاقها .
    كان أول ما اندلع لسان الثـورة من كربلاء وذلـك لأمرين : (1) وجود آية الله الشيرازي قطب الوطنية في كربلاء (2) زيارة نصف شهر شعبان ، وهي الزيارة الوحيدة التي يجتمع فيها سائر المسلمين والقبائل . وكان قد عين أيام الثورة السيد محسن أبو طبيخ متصرفا في شؤون اللواء وما يتبعه .
    وأخذ جمع كبير من علماء الدين وزعماء العشائر يأمون هذه المدينة لتلقي التعليمات والأوامر من القيادة الدينية وتدارس الوضع في العراق ، وكانت الأجتماعات تعقد لهذا الغرض. وعقد أحد الأجتماعات السرية في دار المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي لتداول أمر الثورة مما كان له أثره البعيد في أتساع نطاقها وأستمرارها في أكثر المدن العراقية.
    ولم يستطع المرزا محمد خان بهادر ، معاون الحاكم السياسي في كربلاء ، ان يحد من الروح الثورية او يقف بوجه الثوار فأنسحب من كربلاء ، وأصبحت المدينة تحت سيطرة الثوار الذين رفعوا علم الثورة العربية الكبرى على مبنى البلدية وعينوا السيد محسن أبو طبيخ متصرفاً للواء كربلاء .
    أما بريطانيا فقامت بمحاصرة المدينة وذلك بقطع مياه نهر الحسينية عنها ، لكن هذه الخطوة لم يكن لها أي تأثير على تطور الاحداث وسيرها .
    وقد اتهم ارنولد ويلسن ، وكيل الحاكم الملكي العام ، جهات أجنبية بأثارة المدينة ، ويقول «أن سبعة آلاف ليرة تركية ذهب قد وصلت الى ايدي المتطرفين في كربلاء خلال شهري مايس وحزيران» ومهما يكن من أمر فان المدينة بقيت في ثورتها الى ان استطاع البريطانيون العودة اليها .
    ولكن بعد بضعة أشهر ، بدأت الثورة تخمد رويداً رويداً لأسباب عديدة من أهمها وفاة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي في 14آب 1920م وقيام سلطة الأحتلال بمناشدة الثوار التفاوض معها مما أدى إلى أختلاف في وجهات النظر. وحدث في هذا الوقت بالذات أمر خطير أخر وهو أن الذخيرة بدأت تنفد مما كان له اثره البعيد في إضعاف الثورة ثم توقف القتال.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب كربلاء في الذاكرة ـ سلمان هادي آل طعمة وكتاب عمارة كربلاء للدكتور الانصاري ) بتصرف

  • حادثة حمزة بك 1333 هـ

    في سنة 1333 ليلة النصف من شعبان ، وكانت كربلاء غاصة بالزوار الواردين من الاطراف للزيارة ، ثار أهالي كربلاء في وجه الحكومة أيام اشتغالها بالحرب العامة . بعد شدة ضغط الحكومة على أهالي كربلاء والنجف فهجموا على السجن واخرجوا المسجونين وانتهبوا دوائر الحكومة وبيوتهم ففر المأمورون والموظفون أجمع . وفي سنة 1334 هـ / 1915 م توسط العلماء والاشراف بارجاع الحكومة ، وكان الحاج عبد المهدي الحافظ وسيطاً بين الأهلين والحكومة . فعادت الحكومة وليس لها حول ولا قول ، أي أنها مشلولة الساعد ، وعينت متصرفاً اسمه (حمزة بك) وهو كردي الأصل ، فتقوت الحكومة وجلبت جيشاً من بغداد بقيادة (دله علي) . وكان رئيس الخيالة ( ثريا بك ) ، ودخل البلد من جانبها الشرقي وتحصنوا في بعض الخانات والبيوت الحصينة . وصار الطرف الغربي بيد الأهالي ، وانقسمت المدينة إلى قسمين ، ولم تزل الحرب قائمة بين الطرفين عدة أيام . وقتل من الجانبين خلق كثير وانتهت المعركة بعد قتل ذريع وخراب اكثر البيوت والمنازل بهزيمة العسكر . وانتهاب الاهالي اسلحتهم وذخائرهم . وبقيت البلدة بيد الأهالي الى أن احتلها الانگليز . فاستعدت الحكومة للقتال مع الأهلين ، وبعد جهد جهيد تمكن العلماء والأشراف من إرجاع المياه إلى مجاريها الطبيعية وإعادة السكينة إلى البلدة ، فرجع الموظفون العثمانيون لإدارة شؤون المدينة ، فأرسل إلى كربلاء متصرفاً اسمه( أسعد رؤوف ) وبقي هذا يدير شؤون البلد حتى سقوط بغداد . وكان من رؤساء هذه الحادثة الشيخ فخري كمونة المتوفى سنة 1357 هـ وعبد الرحمن آل عواد وعبد الجليل آل عواد .
    وحدثني بشأن هذه الحادثة المرحوم السيد كاظم السيد مهدي النقيب فقال : « بعد نصف شعبان بتسعة أشهر تفاوض الوجوه والاشراف مع الافرارية(اليرمازية ) وفي مقدمتهم السيد محمد مهدي بحر العلوم والحاج عبد المهدى الحافظ والسيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد محسن النقيب والسيد حسين الددة وأخذوا يمنعونهم من دخول المدينة ، ويؤكدون بقاءهم في الخارج ، وكان الشيخان محمد علي وفخري كمونة يحثان الافرارية على دخول البلد كيما يوفقا بين مطاليب الحكومة والافرارية لعدم حدوث الاصطدام ، حتى أسفرت النتيجة عن تأزم الأحوال . فجاء الشيخ فخري حتى وصل ساحة المخيم وهو مثير الحركات ، وحدث اصطدام بين أهالي كربلاء وبين الحكومة فانحصر العسكر بالقلغ . أما حادثة القلغ فهي التي وقعت في اليوم الثاني من حادثة حمزة بك وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً ، فقد أراد أهالي كربلاء احتلال القلغ الواقع في ساحة المخيم مجاور لدار السيد علي الواعظ ، فرموا انفسهم في داخله ، وكان الجندرمة يضربون من داخل القلغ ، وتكاثر الاهالي ولم يبالوا بالضحايا فاصطادوهم واسروهم واخذوا بنادق الجندرمة ، وبقي قسم من الجندرمة في ساحة البلدية ( الميدان ) وكانوا متحصنين يضربون الفارين ومنهم آل زنكي . وعندما بقي قسم من العسكر الذي احتل محلة العباسية ، أوعز الشيخ فخري كمونة لأهالي كربلاء فطيروا العلوة وفتحوا سدة عبد الواحد التي كانت تحافظ مدينة كربلاء من خطر المياه الآتية من سدة الهندية ، وفتحوا جميع الفروع المتشعبة في نهر الحسينية ( الهنيدية ) المجاور لمحلة العباسية الشرقية والغربية وفتحوا الماء فغرقت العباسية بكاملها حتى وصل إلى دار الحاج عبد الصراف وساحة البلوش ودار البلدية في الميدان . وكانت سفينة حمولتها 20 طغار تحمل من شارع أبي الفهد مارة بدور السيد محمد البزاز والسيد محمود الوهاب وتغادر كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى البصرة » .
    ومجمل القول ان هذه الحادثة لا تقل فضاعة من الحوادث السابقة لو لم يستول الماء على الاماكن التي تحصن فيها الجنود ، فاضطروا للخروج منها .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب تراث كربلاء ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف

  • وقعة الزهاوي للعجم 1324 هـ

    وهذه الحادثة تعرف بواقعة ( شهداء عرصة كربلاء ) وقد حدثت سنة 1324 هـ . وتأتي الحادثة بعد وقوع الصلح بين الأهالي والحكومة العثمانية ففرضت السلطات العثمانية بعض الضرائب على الجاليات الأجنبية القاطنة كربلاء وهي ان تدفع الكسبة عن كل دكان في كل شهر ـ ما يساوي (12) آنة الى مدة محدودة من السنين وبعد انتهاء المدة استمرت الحكومة على استيفاء تلك الضريبة ، ولما كانت الحكومة العثمانية لها معاهدات مع الحكومة البريطانية وروسيا القيصرية ، لهذا استثنت رعايا هاتين الدولتين وطبقتها على الجالية الإيرانية . ولما بلغت الجالية الإيرانية بهذا الأمر ، رفضت الاطاعة وأعلنت العصيان ، فالتجأت إلى القنصلية البريطانية في كربلاء ـ آنذاك ـ مطالبين منحهم الجنسية البريطانية ، فلم يلب القنصل البريطاني طلبهم وخرجوا إلى محلة العباسية الشرقية ونصبوا خيامهم حول القنصلية المذكورة معلنين احتجاجهم على هذا التصرف من قبل السلطة العثمانية ، وكان المتصرف العثماني آنذاك ـ رشيد باشا الزهاوي ـ فقد وسط هذا كبار العلماء لاسداء النصح لاولئك العصاة ، فلم يرعووا واستمروا على عصيانهم فأمهلوا أياماً ليرتدعوا حتى بلغ السيل الزبى ، واستعدت السلطات العثمانية لانزال ضربة قاضية بهم . وكانت الحادثة في صباح يوم السبت 8 رمضان سنة 1324 هـ / 1903 م حيث هجمت عساكر العثمانيين عليهم مع أذان الفجر وعملوا فيهم السيف ، مما نجم عن مقتل اثنين وتسعين قتيلاً ، وفر الباقون ـ وكان الباقون جرحى حملوا سراً إلى دورهم ، حيث قضوا نحبهم تدريجياً لعدم وجود وسائل طبية حديثة ـ فهجم العسكر على خيامهم وانتهب ما فيها . وقيل : قام رشيد باشا الزهاوي بأخطارهم أول الليل فل يتفرقوا وبينما هم نائمون في خيامهم أمر الزهاوي الشرطة أن يضربوهم بالرصاص قبل الفجر ، فضربوهم ، واصيب من الايرانيين حوالي الخمسين شخصا بين قتيل وجريح . وانهزم الباقون وكانت مادة تاريخ هذا الحادثة هو ( شهداء عرصة كربلاء ) . ومما يذكر بهذا الصدد أن الوالي مجيد بك قد عزل بسبب الحادثة ذاتها ، كما ينص على ذلك البحاثة عباس العزاوي بقوله : وكان سبب عزله حركة كربلاء حين وجه رشيد باشا ابن الاستاذ محمد فيض الزهاوي وكيل المتصرف فوقع القتال بين العجم وبين الجند بسبب أخذ الرسوم .
    قررت الحكومة فرض غرامة مالية على البلدة . ، فامتنع الكسبة واكثرهم ايرانيون عن الدفع . وقد رفعوا شكوى فلم تسمع لهم شكاية . فالتجأوا الى التحصن بالسفارة الانگليزية التي كانت في كربلاء . ونصبوا الخيام حولها واستظلوا بها . وكلما نصحتهم الحكومة والعلماء والاشراف لم يقبلوا فصممت الحكومة على تفريقهم بالقوة وكان المتصرف يومئذ رشيد الزهاوي . وفي ليلة من اخريات شهر رمضان سنة 1324 .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ( كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ـ عبد الحسين آل طعمة و كتاب تراث كربلاء ـ سلمان هادي آل طعمة ) بتصرف