التصنيف: كربلاء منذ القدم الى يومنا هذا

  • القرن السادس الهجري

    كربلاء في القرن السادس الهجري

    (1109 ـ 1205 ميلادي )

    وفي سنة 513 هـ (1120م) زار مدينة كربلاء الأمير دبيس بن صدقة بن مزيد أبو الأعز الأسدي ، وكان شاعراً خلف اباه صدقة بن مزيد على إمارة الحلة ولم يكن على وفاق مع الخليفة العباسي المسترشد في سياسته. وروى ابن الجوزي : ان الامير دبيس بن صدقة بن منصور الأسدي زار قبر الحسين في كربلاء سنة 513 هجرية وكان شجاعاً أديباً شاعراً . ملك الحلة بعد والده وحكمها زهاء 17 عاماً قتل سنة 529 هـ بتحريض السلطان مسعود السلجوقي ولما ورد كربلاء دخل إلى الحائر الحسيني باكياً حافياً متضرعاً إلى الله أن يمن عليه بالتوفيق وينصره على أعدائه . ولما فرغ من مراسيم الزيارة أمر بكسر المنبر الذي كان يخطب عليه باسم الخليفة العباسي عند صلاة الجمعة قائلاً : لاتقام في الحائر الحسيني صلاة الجمعة ولا يخطب هنا لأحد . ثم قصد مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف وعمل مثل ماعمل في كربلاء .

    في الواقع ان هذا العمل الذي قام به دبيس في كسره المنبر ما هو إلا إنتصار لمذهب الإمامية وإنكار لجماعة المسترشد بالله العباسي .

    وفي سنة 526هـ (1132م) قام الخليفة العباسي المسترشد بوضع يده على الخزائن من الأموال والمجوهرات العائدة لمرقد (الإمام) الحسين (ع) لحاجته إلى المال لصرفه على الجيش وأكتفى بذلك دون أن يتعرض للمرقد بسوء.

    وفي سنة 529 هـ مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لايحصون وظهر التشيع .

    وفي سنة 553هـ (1158م) زار الخليفة العباسي المقتفي بالله كربلاء ومرقد الإمام الحسين (ع) وهو في طريقه لزيارة مدينة الأنبار بعد أن عبر نهر الفرات.

    تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينية وكذلكتاريخ الروضة العباسيةفي هذا القرن

  • القرن الخامس الهجري

    كربلاء في القرن الخامس الهجري

    (1108 ـ 1011 ميلادي )

    في سنة 402 هـ واصل فخر الملك البويهي الصدقات والحمول الى المشاهد بمقابر قريش والحائر والكوفة ، وفرق الثياب والتمور .

    وفي عهد الخليفة العباسي القادر بالله سنة 407هـ (1017م) أحترق مشهد الإمام الحسين (ع) بسبب سقوط شمعتين ، فأحدث ذلك بلبلة في المدينة وظل القبر على هذا الحال حتى قام وزير السلطان البويهي الحسن بن الفضل بن سهلان المعروف بأبي محمد الرامهرمزي سنة 414هـ (1023م) بإرجاع الطمأنينة والسكينة إلى النفوس وأولى المدينة والمشهد أهتمامه

    وفي سنة 412 هـ اقام الوزير ( الحسن بن الفضل بن سهلان الرامهرمزي ) السور الثاني للمدينة ، ونصب في جوانبه أربعة ابواب

    وفي سنة 431 هـ (1040م) زار كربلاء من البويهيين أيضاً الملك جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة ترافقه حاشية كبيرة من أهله وأتباعه من الأتراك ، وترجل قبل أن يرد المشهد بنحو الفرسخ تعظيما واجلالا لقبر سيد الشهداء ، ومكث فيها مدة من الزمن أجزل خلالها العطايا والنعم على الأهالي مما كان له اثره في تطور المدينة .

    وفي سنة 436 هـ سار الملك أبا كاليجار البويهي الى بغداد في مائة فارس ، فلما وصل النعمانية لقيه دبيس بن مزيد ، ومضى الى زيارة المشهدين بالكوفة وكربلاء .

    وفي سنة 479 هـ (1087م) زار كربلاء من السلاجقة السلطان أبو الفتح جلال الدولة ملكشاه مع وزيره نظام الملك مع حاشية كبيرة عندما كان ذاهباً للصيد في تلك الانحاء ، وفي المنتظم أنه أمر بتعمير سور الحائر .

    وفي سنة 489هـ (1096م) أغارت قبيلة خفاجة على كربلاء بعد إغارتها على الحلة التي كان أميرها صدقة بن مزيد الملقب بـ (سيف الدولة) الذي لم يستطع أن يردهم أول الأمر. فقصدوا مشهد (الإمام) الحسين بن علي (ع) فعاثوا فيه الفساد والمنكر من قتل الناس والاعتداء على النساء ونهب الأموال والأعتداء على الأماكن المقدسة فوجه إليهم (صدقة) جيشاً فحاصروهم وقتل منهم خلقاً كثيراً في المشهد حتى عند الضريح .

    وبعد أنحسار نفوذ البويهيين سيطر السلاجقة على العراق ولم يذكر عنهم أنهم أتخذوا موقفاً معادياً من كربلاء والحائر بل أنهم محضوا كربلاء أحترامهم .

    تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينيةتاريخ الروضة العباسيةفي هذا القرن

  • القرن الرابع الهجري

    كربلاء في القرن الرابع الهجري

    (913 ـ 1010 ميلادي )

    وفي عهد الخليفة العباسي المعتضد سنة 279هـ (892م) زار كربلاء حسن بن زيد العلوي الملقب بـ(الداعي الكبير) ملك طبرستان وديلم . فباشر ببناء الحضرة الحسينية واتخذ حولها مسجدا . ولكنه توفي قبل انجازها واكمل بناءها أخوه محمد بن زيد العلوي الملقب بـ(الداعي الصغير) الذي خلف أخاه وأهتم بمدينة كربلاء ومرقد الإمام الحسين (ع).

    وعندما دخل البويهيون بغداد وأصبحوا الحكام الفعليين في زمن الخليفة العباسي المستكفي سنة 334هـ (946م) حظيت مدينة كربلاء بالإهتمام والرعاية. وكان أول من زارها من السلاطين البويهيين ، السلطان معز الدولة سنة 336هـ (977م).

    وفي سنة 367هـ (978م) أيام خلافة الطائع العباسي أستولى السلطان عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة الحسن البويهي على بغداد من جديد ، وعرج على مدينة كربلاء لأول مرة لزيارة مرقد الإمام الحسين ، وقد أولى المدينة جل عنايته وأهتمامه وكان يزور كربلاء كل عام .

    وفي سنة 369هـ (980م) أهتم عمران بن شاهين والي إمارة البطائح ، التي تقع بالقرب من واسط جنوب العراق ، بمرقدي الإمام علي (ع) في النجف الأشرف والإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة ، حيث شيد رواقاً في الجانب الغربي من حرم الإمام الحسين (ع) عُرف برواق أبن شاهين ، والذي يعرف اليوم برواق السيد إبراهيم المجاب وبني بجواره مسجداً.

    من الحوادث التي ترويها لنا الاسفار التاريخية في غارة ضبة بن محمد الأسدي على كربلاء سنة 369 هجرية . فقد كان ضبة أميراً لعين التمر أغار على كربلاء ونهبها وحمل أهلها أسارى إلى قلعته عين التمر وقد قال ابن الجوزي :

    أنه جرى بين ضبة وبين أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الشهير بالمتنبي مشاجرة عنيفة هجاه المتنبي على أثرها بقصيدة مطلعها :

    ما أنصف القوم ضبه   وأمـه الـطـرطـبـه

    ولما بلغ ضبة مقالة أبي الطيب أقام له في الطريق رجالاً من بني أسد فقتلوه وقتلوا ولده وأخذوا ما كان معه وكان ذلك سنة 354 هـ غير أن عضد الدولة أبي شجاع فناخسرو سار اليه بجيش يقارب العشرة آلاف فارس فهجم على عين التمر وحاصر قلعتها مدة من الزمن فر خلالها ضبة قافزاً بجواده من أعلى سور القلعة واستولى عضد الدولة على القلعة المذكورة وأخذ أهلها أسارى إلى كربلاء وأرجع أهالي كربلاء الموجودين في أسر ضبة إلى مدينتهم ، وعين عضد الدولة أحد العلويين رئيساً لعين التمر يدير شؤونها كما

    وذكر الكامل أيضاً : أرسل عضد الدولة سرية إلى عين التمر وبها ضبة بن محمد الأسدي وكان يسلك سبل اللصوص وقطاع الطريق ، فلم يشعر إلا والعساكر معه فترك أهله وماله فنجى بنفسه غريباً وأخذ ماله وأهله وملك عين التمر وكان قبل ذلك قد نهب مشهد الحسين بكربلاء فعوقب بهذا

    وفي عهد الخلفية العباسي الطائع سنة 369هـ (980م) أغار (ضبة بن محمد الأسدي) أمير عين التمر ، الذي كان يتزعم عصابة من اللصوص وقطاع الطرق ، على كربلاء ومشهد (الإمام) الحسين (ع) . وكان هذا قد أتخذ من (عين التمر) مركزاً لنشاطه وقيامه بأعمال السلب والنهب ، وشن الهجمات على المدن والقوافل ، ومما ساعده على ذلك عدم أستتباب الأمن والطمأنينة في البلاد ، فأرسل عضد الدولة البويهي في هذه السنة سرية من الجند إلى عين التمر للقضاء على (ضبة بن محمد الأسدي) ولكن هذا الأخير هرب بعد وصول السرية إليها.

    ولم يكتف عضد الدولة بذلك ، بل أولى مدينة كربلاء جل عنايته وكان من أكثر الذين أهتموا بها ، وقام بأهم زيارة له لهذه المدينة في سنة 369هـ (980م) حيث أمر بإعادة بناء مرقد الإمام الحسين (ع) والدور والمباني المحيطة به ، وقد أنتهى العمل من بناء المرقد سنة 371هـ (982م ) .

    وكذلك أمر قبل وفاته سنة 372هـ (983م) ببناء مرقد العباس (ع) لأول مرة وشيد اول سور للحائر وقد قدرت مساحته 2400 م2 . ، فأزدهرت المدينة أزدهاراً واسعاً في عهده وأقيمت المباني الجديدة ما بين المرقدين وحولهما فتوسعت المدينة وأصبحت مهمة في مركزها الديني والعلمي.

    تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينيةوكذلكتاريخ الروضة العباسيةفي هذا القرن

  • القرن الثالث الهجري

    كربلاء في القرن الثالث الهجري

    (816 ـ 913 ميلادي )

    وفي خلال فترة حكم الخليفة العباسي المتوكل 236 ـ 247 هـ (850 ـ 861م) تعرض قبر [ الإمام ] الحسين إلى سياسة عدائية ظاهرة ، إذ أمر المتوكل بهدم قبر [ الإمام ] الحسين ثلاث مرات ، وأسال الماء عليه ، فحار الماء حول القبر الشريف وأقام في المسالح (مخافر الشرطة) أناساً يترصدون من يأتي لزيارة قبر الحسين (ع) ، والتعامل مع زائريه بكل قسوة مما دفع بالمسلمين إلى الرحيل عن كربلاء.

    حيث سير المتوكل العباسي عمر بن فرج الرجحي مع جماعة من اليهود يتبعون الديزج وقد ترأس الحملة هارون المعري فنزل الديزج الكوفة وأخذ جماعة معه من الفعلة ومعهم المساحي توجهوا بها نحو كربلاء فوصلوها عند المساء فتقدم الديزج بنفسه وأخذ يحفر موضع القبر وأمر غلمانه بتخريب قبر الحسين ثم كربه ومخره وأخذ غلمانه يشرعون بالتخريب حتى بلغوا موضع القبر نفسه ، فلم يجرأ على التقدم أحد ، حتى استولى عليهم الرعب ، فاستبدلوا باليهود ، فلما تقدموا وبأيديهم المساحي شاهدوا قوماً يحولون بينهم وبين قبر الحسين وأخذوا يرمونهم بالنبال والسهام فقلت ضوضاؤهم .

    روى العلامة المجلسي بسنده عن جعفر بن محمد بن فرج الرجحي قال : روى عمي عمر بن فرج الرجحي ان المتوكل العباسي أمرني أن أرافق الديزج لهدم قبر الحسين في كربلاء ولما تركني الديزج بعد أن اشتدت عليه وطأة الحمى بقيت على رأس الفعلة والغلمان والبرزكاريون إلى غداة الغد .

    فلما اصبح الصبح أمرت بالقبر فمرت على القبور كلها فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي فوالله ما جازت على القبر ولا تخطته فعند ذلك أمرت بإرسال الماء عليه من نهر العلقمي فحار الماء بقدرة الله تعالى على بعد من القبر باثنين وعشرين ذراعاً وفي رواية أخرى اثني عشر ذراعاً وصار الماء كالحائط واستدار حول القبر .

    وفي سنة 247هـ (861م) قتل المتوكل على يد ابنه المنتصر الذي أصبح الخليفة بعد أبيه ، وأعاد بناء مرقد [ الإمام ] الحسين وأخذ المسلمون يتوافدون على أرض كربلاء فأقاموا المباني والأسواق من حول المرقد الشريف فاستعادت كربلاء مكانتها العمرانية والعلمية وأستطاعت أن تسترجع ما كانت عليه ، وإن لم يدم حكم المنتصر سوى ستة أشهر حيث توفي بعد ذلك.

    ومهما يكن من أمر فإن هذه الفترة كان لها أثر كبير في تطور المدينة وأستقطاب الزائرين إليها. وكان أول من جاور الحائر الحسيني في هذا الوقت من العلويين هو إبراهيم المجاب المعروف بإبراهيم الضرير الكوفي أبن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (ع) مع ولده وذلك سنة 247هـ (861م) ولا زال قبره موجوداً في الزاوية الشمالية الغربية من الرواق المعروف بأسمه في الروضة الحسينية.

    تابع ايضا : تاريخ الروضة الحسينيةوكذلكتاريخ الروضة العباسية في هذا القرن

  • القرن الثاني الهجري

    كربلاء في القرن الثاني الهجري

    (719 ـ 816 ميلادي )

    وتذكر المصارد التاريخية بأن كربلاء لم تمصر طوال العهد الأموي. وعلى الرغم مما كان في نفوس الهاشميين وشيعتهم من لهفة ورغبة في العيش جوار قبر الإمام الحسين (ع) فإنهم لم يتمكنوا من بناء الدور والبدء بالعمران فيها خوفاً من بطش وتنكيل بني أمية. فقد أنتشرت في العهد الأموي المسالح (مخافر الشرطة) حول كربلاء لمنع الزوار من زيارة مشهد الإمام الحسين (ع) .وكان الزائرون من جانبهم يتخدون من الغاضرية ونينوى ملجأً ومحطاً لرحالهم لقربهما من كربلاء ويجعلونهما بالظاهر هدفاً فيمكثون فيها حيناً لإبعاد الشبهة عنهم والتمويه على المسالح الأموية ثم يلجأون منها سراً إلى المرقد الشريف.

     

    ذكر السيد أمير علي في كتابه ( مختصر تاريخ العرب ) ما هذا نصه : وبينما كان عبد الله بن مروان ويزيد عامل العراق يزحفان على نهاوند وكان قحطبة يشدد الحصار عليها حتى فتحها عنوة قبيل وصول الإمدادات اليها من أي من الجانبين ثم أرسل فصيلة بقيادة أبي عون لمقاتلة عبد الله بن مروان ، بينما التف هو بجيشه الرئيسي حول يزيد الذي كان معسكراً في جلولاء . وعندما انتهت هذه الخطة إلى مسامع يزيد الذي سارع إلى رمي نفسه بين الكوفة وبين عدوه . ووصل قحطبة إلى الفرات بعد يزيد ثم عبر النهر وعسكر في بقعة بعيدة عن متناول يزيد . هذا وقد التقى الجيشان في البقعة نفسها التي قتل فيها الحسين ودارت بينهما معركة رهيبة أسفرت عن هزيمة الأمويين وخسر فيها العباسيون قائدهم قحطبة فتولى القيادة ابنه الحسن وطرد يزيد من معسكره وأجبره على التراجع إلى واسط . وهي مدينة قوية التحصين بناها الحجاج بن يوسف في وسط الطريق بين الكوفة والبصرة ، وهكذا سقطت الكوفة دون مقاومة تذكر في يد الحسن .

     

    ويروي لنا السيد أمير علي نفسه عن هذه الحادثة فيقول : وكان الحسن البصري مؤسس المدرسة الفقهية يعيش عندئذ في البصرة فأهاب بمواطنيه الا ينحازوا إلى أحد الطرفين ولكن شجاعة ابن المهلب وأخيه وكرمهما اللذين كان لهما أكبر التأثير على العقل العربي أشعلا حماس أهل البصرة فهبوا إلى نجدتهما وأقسموا لهما يمين الولاء . ولكن يزيد الأموي أرسل قوة كبيرة على راسها مسلمة ابن عبد الملك وعباس بن الوليد لسحق الثورة . والتقى الجيشان في ميدان العقر بالقرب من كربلاء على ضفة الفرات اليمنى ودارت بينهما معركة رهيبة أسفرت عن هزيمة الثوار ، وقتل يزيد وأخوه حبيب بعد أن فر معظم رجالهما وهرب سائر اخوانهما إلى كرمان حيث قتل بعضهم في معركة ثانية نشبت بينهم وبين جيوش الخليفة والتجأ الباقون إلى خاقان الترك .

     

    وفي أوائل حكم الخلفاء العباسيين أخذ الناس يتقاطرون على كربلاء ليتخذوا فيها سكناً. وأخذت هذه المنطقة بالتقدم والعمران وأصحبت مأهولة بالسكان. وتذكر المصادر التاريخية بأن الراوية الكبير عثمان بن عيسى الكوفي العامري كان أول من سكن كربلاء الحالية في عهد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، أي بعد عام 183هـ (799م) مع ولديه. وكانت لهذا الراوية مؤلفات أهمها ، كتاب المياه ، وكتاب القضايا والأحكام ، وكتاب الوصايا.

     

    يذكر الطبري أثناء عرضه لحوادث عام 193هـ (809م) أن والدة الخليفة العباسي المهدي (أم موسى) وأبنة يزيد بن منصور كانت تصرف مرتبات إلى رجال يخدمون مرقد [ الإمام ] الحسين (ع) . وعند بداية حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد أستمر صرف تلك المرتبات من قبل هارون الرشيد.

     

    ثم أخذت هذه المدينة بالتراجع بعد ذلك. فقد غير هارون الرشيد من سياسته في أواخر أيام حياته فأمر بحرث الأرض التي تضم قبر [الإمام ] الحسين (ع) وقطع شجرة السدرة وهدم المسجد الصغير.

     

    وعندما تولى الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد الحكم بعد أخيه الأمين سنة 198هـ (813م) عاد الأهتمام بمدينة كربلاء بشكل عام ، وأعيد بناء مرقد الإمام الحسين (ع) ، وأخذ المأمون بإظهار الحب لأهل البيت (ع) وبدأ المسلمون يتوافدون على المدينة والسكنى بجوار المرقد تباعاً.

     

    وفي أواخر القرن الثاني الهجري قام رجل من بني علقمة بطن من تميم ثم من دارم الذين جدهم علقمة بن زرارة بن عدس بحفر نهر محاذ لطف كربلاء ـ وكان مجرى هذا النهر موجوداً في السابق ولكنه أندثر ـ يمر بالقرب من مرقد العباس (ع) إلى الشرق منه عرف بنهر العلقمي.

    تابع ايضا :

  • كربلاء قبل الهجرة النبوية

    (قبل 622 ميلادي )
    أعطى الموقع الجغرافي والبيئي المتميز لكربلاء أهمية خاصة منذ أقدم العصور . وهي تنتمي إلى حضارة الأقوام السامية في العراق لا سيما البابليين منهم ، وذلك لقربها من بابل . وكانت جسراً للهجرات السامية والعربية بين بلاد الشام والجزيرة العربية وبين سواد العراق . وهي أول مركز أستيطان سامي عربي في منطقة الفرات الأوسط ، وملتقى الطرق البرية الرئيسية عبر منطقة عين التمر بأتجاه كافة البلدان. إن موقعها في الجنوب الغربي لمدينة بغداد وقربها من مجرى نهر الفرات ، ووجودها داخل منطقة مناخية معتدلة ، لا في أقصى جنوب العراق ولا في أقصى شماله ، إضافة لأراضيها الخصبة الصالحة للزراعة ، قد جعلها موقع جذب لبعض القبائل والجماعات والقوافل التي كانت تتجول في القسم الشرقي من شبه الجزيرة العربية ، مما جعل منها أيضاً مركزاً لتجمع سكاني قبل ظهور الإسلام بفترة طويلة .
    وقد وجدت لفظة كربلاء في المنحوتات الأثرية البابلية التي عثر عليها الباحثون الاثريون. فقيل أنها منحوتة من كلمة « كور بابل » وهي تعني مجموعة قرى بابلية قديمة أشهرها وأكبرها (نينوى) التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة كربلاء الحالية وهي غير نينوى عاصمة الأشوريين التي تقع في شمال العراق قرب مدينة الموصل وكانت قرية عامرة في العصور القديمة ، سكنها الساميون. وهي الآن سلسلة تلال أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية على نهر الفرات التي تبعد عن كربلاء الحالية بنحو 30 كلم حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار القريبة من مدينة كربلاء وتعرف (بتلال نينوى) .
    وجاء في كتاب (مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) ما نصه: « إن بسواد الكوفة تقع ناحية تسمى (نينوى) منها كربلاء التي قتل فيها الإمام الحسين (ع) » .
    وقد جاء في كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) ، أنه يوجد على بضعة أميال في القسم الشمال الغربي من مدينة كربلاء ، أطلال وأكم قيل أنها كربلاء الاصلية . والجدير بالذكر أنه قبل سني الحرب العالمية الأولى كان بعض الأفراد من المناطق المجاورة لهذه المنطقة يستخرجون من هذه الأطلال طابوقاً (آجر) مسطحاً كبيراً يطلق عليه محلياً بالطابوق الفرشي يحملونه إلى كربلاء .
    وأستمرت كربلاء على أزدهارها في عهد الكلدانيين فقد ذكر المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون في كتابه (خطط الكوفة) إن كربلاء كانت قديماً معبداً للكلدانيين في مدينة تدعى (نينوى) . كهوف الطار
    وقد اسفرت التنقيبات الأثرية عن أكتشاف آثار ومواقع كثيرة على أراضي كربلاء أقدمها مجموعة من كهوف ومغارات أصطناعية تقع على الكتف الأيمن لوادي الطار الذي كان يمثل نهر الفرات القديم قبل أن توجد بحيرة الرزارة . ويبلغ عددها 400 كهف تقريباً. وتبعد هذه الآثار عن مدينة كربلاء الحالية حوالي 30 كلم إلى الجنوب الغربي في منتصف الطريق بين كربلاء وقصر الأخيضر بأمتداد الهضبة الغربية الصحراوية. وقد قام الإنسان بنحتها وحفرها في حدود سنة 1200 قبل الميلاد ، وربما أستخدمت لأغراض دفاعية أول الأمر ، ثم أتخذت قبوراً فيما بعد .
    اقرأ هنا أكثر عن كهوف الطار
    وإلى جانب ما تقدم فإن كربلاء ظلت مزدهرة ومحتفظة بمكانتها في العصور الغابرة ، وخصوصاً في عهود التنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة مملكتهم.
    يتضح مما تقدم أن تاريخ كربلاء موغل في القدم ، وأنها كانت من أمهات مدن طسوج النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس (الفرات القديم) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة . كما يستدل على قدمها من الأسماء التي عرفت بها قديماً كـ « عمورا » ، « ماريا » ، و « صفورا » . وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث بشرية داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل العهد المسيحي. اما الأقوام التي سكنتها فكانت تعتمد على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها وكثرة العيون التي كانت منتشرة في أرجائها .
    ومن الأدلة أيضاً على قدم كربلاء أو قدم « الأكوار » (جمع كورة في تلك الجهات) هو وجود أطلال وهضبات لم تزل قائمة على بعد بضعة أميال عن كربلاء الحالية .
    وعندما أستولى الساسانيون على العراق في عهد شاهبور ذي الأكتاف (تاسع ملوك الساسانيين) الذي أعتلى العرش سنة 310م قسموا العراق إلى عشر أستانات (ولايات) ، سمي كل منها طسج (قضاء) . وقسمت هذه الوحدات الإدارية بدورها إلى وحدات اصغر سمي كل منها رستاق (ناحية) . وكانت الأراضي الواقعة بين مدينة عين التمر التي تقع على مسافة 67 كلم من كربلاء إلى الجنوب الغربي منها ونهر الفرات هي الولاية العاشرة. وقد قسمت إلى ست وحدات إدارية ، سُميت إحداها « طسج النهرين » . وسبب تسمية هذه الوحدة « بالنهرين » كونها واقعة بين خندق شاهبور ونهر العلقمي . 
    ويقال بأن كربلاء كانت قبيل الإسلام أيضاً تحتوي على بيوت ومعابد للمجوس وكان يطلق عليها بلغتهم (مه بار سور علم) أي المكان المقدس .اقرأ هنا أكثر عن كنيسة القصير اقدم كنيسة في الشرق
    ويستدل مما تقدم بأن كربلاء كانت على مر العصور أرضاً مقدسة لدى ديانات مختلفة وعند أقوام متعددة ، ولذلك كانت تنتشر فيها معابد كثيرة للصلاة .
    إن أسم كربلاء كان معروفاً للعرب قبل الفتح الإسلامي للعراق وقبل أن يسكنها العرب المسلمون وذكرها بعض المسلمين الذين رافقوا خالد بن الوليد عند فتح الجانب الغربي من العراق.
    وورد في معجم البلدان لياقوت الحموي أيضاً: إن كربلاء سميت بالطف لأنها مشرفة على العراق وذلك من أشرف على الشيء أي أطل ، والطف: طف الفرات أي الشاطئ. وجاء أيضاً أن الطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل [ الإمام ] الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وهي ارض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية ، منها (الصيد) ، و(القطقطانية) ، و(الرهيمة) ، و(عين الجمل) وذواتها ، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح (الحصون والقصور) التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم .
    وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن كربلاء الحالية المعروفة بهذا الأسم اليوم ، كانت قبل الإسلام منطقة تحيط بها قرى قديمة عند قدوم الإمام الحسين (ع) إليها عام 61هـ (680م) منها (نينوى) ، و (عمورا) ، و(ماريا) ، و (صفورا) ، و(شفية) ،

    وكانت على مقربة من هذه القرى منطقة تدعى منطقة تدعى (النواويس) وهي مجموعة مقابر للمسيحيين الذين سكنوا هذه الأراضي قبل الفتح الإسلامي للعراق. وتقع هذه المقابر اليوم في شمال غربي كربلاء في أراضي الكمالية بالقرب من المنطقة التي يقع فيها مرقد الحر بن يزيد الرياحي. وتشير رواية مقتل الإمام الحسين (ع) إلى أن قوماً من بني أسد قد تولوا دفنه ، مما يعني أن قبيلة بني اسد العربية كانت تسكن كربلاء قبل قدوم الإمام الحسين (ع) .
    وسبق للإمام علي بن أبي طالب (ع) خلال سفره إلى حرب صفين أن شاهده أنصاره يقف متأملاً ما في هذه الارض من أطلال وأثار ، فسئل عن السبب فقال: إن لهذه الارض شأناً عظيماً فها هنا محط ركابهم وها هنا مهراق دمائهم ، فسئل في ذلك فقال: « ثقل لآل محمد ينزلون هنا » ولايزال موضع وقوفه هذا الى هذا اليوم شاخصا ومزارا يدعى ( القنطرة البيضاء) .
    وإلى جانب تلك القرى الموغلة في القدم كانت توجد قرى أخرى عامرة بالسكان والحياة. وكانت أكبر هذه القرى المحيطة بكربلاء هي (عين التمر) والتي تضم ناحية شثاثا ومنها يجلب القسب (التمر اليابس) والتمر ( تفاصيل تاريخ عين التمر . . . ).
    ومن القرى المحيطة بكربلاء أيضاً قرية الغاضرية. وقد أنشئت بعد أنتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام . وعلى هذا فإنها ليست قديمة في التاريخ ، وهي لا تزال معروفة بأسم « الغاضريات » وهي الأراضي المنبسطة التي هي اليوم إحدى نواحي مدينة كربلاء وتعرف بمنطقة الحسينية الواقعة على طريق كربلاء بغداد القديم عامرة ببساتين النخيل والفواكه .
    وكانت توجد قرية بالقرب من كربلاء عامرة بالمساكن تسمى (العقر) . وقد روي إن الامام الحسين (ع) ، لما أنتهى إلى هذه الأرض قال لبعض أصحابه: ما تسمى هذه القرية؟ واشار إلى العقر ، فقيل له: اسمها العقر ، فقال الحسين (ع) : نعوذ بالله من العقر ، ثم قال (ع) : فما أسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء ، فقال (ع) : أرض كرب وبلاء! وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله.
    وعلى أية حال لم تكتسب مدينة كربلاء الحالية هذه المكانة السامية والمنزلة المقدسة التي لها الأن لولا استشهاد الإمام الحسين (ع) وصحبه في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 هـ (680م) ، في هذه البقعة التي تقع بين كربلاء القديمة في التاريخ والنواويس على وجه التحديد. وقد تنبأ بذلك الإمام الحسين (ع) نفسه قبل أن يرد أرض كربلاء ويلقى مصرعه فيها ، إذ قال (ع) : كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء .
    ولكن كل ما يمكن القول عن تاريخها القديم عند الفتح الإسلامي : إنها بقعة زراعية واقعة على ضفاف نهر الفرات ، والأقوام الذين سكنوها كانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها ، وغزارة مائها لكثرة العيون التي كانت منتشرة في أرجائها